من وسائل الثبات (الصاحب)

من وسائل الثبات

(الصاحب)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

مَن منَّا في بداية التزامه لم يكن له صاحبٌ يُعينُه على الخير، صاحبٌ يُشاركُه فِكْرَه ومشاريعَه واهتماماتِه، يُشاركُه دروسَه وصَبْرَه واجتهادَه، يذهَبا ويأتِيَا سويًّا، صاحبٌ شاهِدٌ على جمال البدايات، صاحبٌ كانت تعلُو به الهِمَّةُ، معه حَفِظَ القرآن، وحضَر معه الدروس وحَفِظَ المتون، من منا لم يكُنْ له هذا الصاحب الناصح المعين الدافع للخير والطارد للسأم.

وقتها لم تكُنْ تشعُر أنَّكَ وحْدَكَ؛ بل هناك رفيقٌ لدرْبِكَ، هناك أخٌ لكَ يُرافِقُكَ في سيرِكَ إلى الله تعالى، يذهب ويجيء مَعَكَ في طاعة الله عز وجل.

من مِنَّا لم يشعُر بالسعادة البالغة عند رؤية الإخوان، ونحن نجتمع على الخير، وكأنِّي أذكُر الآنَ قول الفاروق عمر رضي الله عنه: "ما أُعطِي العَبْدُ بعدَ الإسلام نِعْمةً خيرًا من أخٍ صالحٍ".

فالصُّحْبةُ الصالحةُ خَيْرُ مُعينٍ على الثَّبات على طاعة الله عز وجل، تأمَّل قول الحَسَن البصري وهو يقول: "إخوانُنا أحَبُّ إلينا من أهلِنا وأولادِنا؛ لأنَّ أهلَنا يُذكِّرُوننا بالدنيا، وإخواننا يُذكِّرُوننا بالآخرة"، وما أجمل قول الفضيل بن عياض رحمه الله: "نَظَرُ الأخِ إلى وجْهِ أخيه على المودَّة والرحمة عبادةٌ"، وسُئلَ محمد بن واسع رحمه الله تعالى: أي العمل في الدنيا أفضل؟ قال: "صُحْبةُ الأصحاب، ومحادثةُ الإخوان، إذا اصطحبوا على البرِّ والتَّقْوى"، وسُئل بعض الحكماء: أيُّ الكنوز خيرٌ؟ قال: "أمَّا بعد تقوى الله فالأخُ الصالحُ".

ففي ظل هذه الأيام التي كثُرَتْ فيها الفِتَنُ والملهيات، يجب التشبُّث - عن ذي قبل - بالصاحب التَّقِي الذي يُعينُكَ على مواصلة السَّير والثبات على الحَقِّ؛ يقول الشافعي رحمه الله: "إذا كان لكَ صديقٌ يُعينُكَ على الطاعة فشُدَّ يديك به؛ فإن اتِّخاذ الصديق صَعْبٌ ومفارقته سهلةٌ".

فمن وُجِدَتْ في قلبه وَحْشةٌ، ويَخشى على نفسه من مزلَّة الانزلاق، فعليه بهذه الوسيلة النافعة للثبات من جديد على طريق الاستقامة، وهي تفقُّد إخوانه الصالحين والاجتماع بهم؛ يقول الحَسَن البصري رحمه الله: "استكثِرْ من الإخوان؛ فإن لكل مؤمن شفاعةً، فلعلَّكَ تدخُل في شفاعة أخيك"، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "إني لأدعو لأربعين من إخواني في سُجُودي أُسمِّيهم بأسمائهم"، فهكذا حرَص سلفُنا الصالحون على ملازمة الإخوان، والدُّعاء لهم".

والتمِسِ العُذْر لإخوانِكَ، وأُذكِّرُكَ بقول أبي قلابة رحمه الله تعالى: "إذا بلغَكَ عن أخيكَ شيءٌ تكرهُه فالتمِسْ له العُذْرَ جهدك، فإن لم تجِدْ له عُذْرًا، فقُلْ في نفسِكَ: لعلَّ لأخي عُذْرًا لا أعلمُه".

وأنصح إخواني بتفقُّد إخوانهم؛ فهذا عطاء رحمه الله تعالى كان يقول: "تفقَّدُوا إخوانَكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودُوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإنْ كانوا نسوا فذكِّرُوهم".

فمن أسباب الثبات على طاعة الله تعالى، ما أنعَم الله به علينا من رُفقةٍ صالحة، وإخوان ناصحين، صادقين، فتمسَّكُوا بهم؛ فإنما المرءُ بأخيه؛ قال داود الطائي رحمه الله لرجل طلب منه الوصية: "اصْحَبْ أهل التَّقْوى؛ فإنَّهم أيْسَرُ أهل الدُّنيا عليك مَؤونةً، وأكثرهم لك معونةً"، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة، فتذكَّرُوا قول الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ يَقُولُ يومَ القِيامةِ: أين الْمُتَحابُّونَ بِجَلالي اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلِّي؟)).

فإخوانَكم إخوانَكم، تمسَّكُوا بهم، لا تُفارقوهم، لا تملُّوا من نصيحتهم ونُصْحِهم، التمِسُوا العُذْر لهم، خاصة في هذا الزمان (الصَّعْب)؛ فإنما يأكُلُ الذئبُ من الغَنَم القاصيةَ.

جمَعَنا اللهُ وإيَّاكم على طاعته، وأسكننا الفردوسَ من جنَّته، إنه وليُّ ذلك ومولاه، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.