• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسباب نشر الأدعية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    كليات الأحكام
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    بين الحاج والمقيم كلاهما على أجر عظيم.. (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".. فوائد وتأملات ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الحج: غاياته وإعجازاته
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشهيد، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة (2)
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (13)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

منع ذي الشرف من التبذير والسرف

منع ذي الشرف من التبذير والسرف
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/4/2015 ميلادي - 7/7/1436 هجري

الزيارات: 8536

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

منع ذي الشرف من التبذير والسرف


أَمَّا بَعدُ، فَـ "﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21] "، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ بِلادَنَا اليَومَ، تَمُرُّ بِمَرحَلَةِ اختِبَارٍ صَعبٍ، وَتَعِيشُ حِقبَةَ ابتِلاءٍ شَدِيدٍ، قَد تَكُونُ هِيَ الأَصعَبَ وَالأَشَدَّ فِيمَا مَرَّ مِن تَأرِيخِهَا، إِذْ فَتَحَ اللهُ عَلَى النَّاسِ الخَيرَ فَتحًا عَظِيمًا، وَكَثُرَتِ النِّعَمُ وَتَوَالَت وَتَنَوَّعَت، حَتَّى لا يَستَطِيعُونَ لها عَدًّا، ثم هُم في المُقَابِلِ وَقَد غَرِقُوا في هَذِهِ النِّعَمِ وَالخَيرَاتِ، قَدِ ابتُلُوا بِقُوَى شَرٍّ تَكَالَبَت عَلَيهِم مِن كُلِّ مَكَانٍ، وَاجتَمَعَت عَلَى حَربِهِم بِكُلِّ وَسِيلَةٍ، اِستَوَى في ذَلِكَ مَن هُم في الخَارِجِ مِن يَهُودٍ وَنَصَارَى، وَمَن يَعِيشُونَ بَينَنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا، مِن عِلمَانِيِّينَ وَرَافِضَةٍ، وَأَصحَابِ شُبُهَاتٍ وَشَهَوَاتٍ. وَفي الحِينِ الَّذِي يَتَّفِقُ الجَمِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الشَّرَّ الَّذِي قَد يَحُلُّ بِالأُمَّةِ أَفرَادًا وَمُجتَمَعَاتٍ، هُوَ فِتنَةٌ لَهُم وَابتِلاءٌ وَاختِبَارٌ، فَإِنَّ قَلِيلِينَ مِمَّن رُزِقُوا الفِقهَ وَالفَهمَ وَالتَّوفِيقَ، يَعلَمُونَ أَنَّ فِتنَةَ الخَيرِ لا تَقِلُّ عَن فِتنَةِ الشَّرِّ، إِن لم تَكُنْ في بَعضِ الأَوقَاتِ أَشَدَّ مِنهَا فَتكًا بِالأُمَمِ، إِذِ إِنَّ المُبتَلَى بِالشَّرِّ غَالِبًا مَا يَتُوبُ إِلى رَبِّهِ وَيَعُودُ إِلى رُشدِهِ، وَيَتَضَرَّعُ إِلى مَولاهُ وَيَستَكِينُ بَينَ يَدَيهِ، لأَنَّهُ يَعلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُصِيبُهُ مِمَّا لا يُحِبُّهُ، إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ تَقصِيرِهِ وَذَنبِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم ﴾ وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30] وَأَمَّا المُبتَلَى بِالخَيرِ وَتَرَادُفِ النِّعَمِ، فَتَرَاهُ عَادَةً مَا يَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ عَلامَةُ رِضًا مِنَ اللهِ عَنهُ وَقَبُولٍ لِعَمَلِهِ، وَمَحَبَّةٍ لِمَا هُوَ عَلَيهِ، فَتَرَاهُ لِذَلِكَ يَنغَمِسُ في النَّعِيمِ وَيَذهَلُ عَمَّا حَولَهُ، بَلْ لا يَلبَثُ أَن يَتَكَبَّرَ وَيَطغَى أَنْ رَآهُ استَغنَى، ثم لا يَستَكِينُ وَلا يَتَضَرَّعُ وَلا يَتُوبُ وَلا يَؤُوبُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَن رَبِّهِ في تَبَاعُدٍ وَهُرُوبٍ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيهِ ثم إِذَا خَوَّلَهُ نِعمَةً مِنهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُو إِلَيهِ مِن قَبلُ وَجَعَلَ للهِ أَندَادًا لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ وَقَالَ تَعَالى: ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 49] إِنَّ مِن سُنَّةِ اللهِ في خَلقِهِ، أَن يُبتَلَوا بِالشِّدَّةِ وَالبَأسَاءِ، لَعَلَّ قُلُوبَهُم تَلِينُ وَتَرِقُّ فَيَتُوبُوا وَيَرجِعُوا إِلى رَبِّهِم، فَإِذَا هُم لم يَفعَلُوا، بُلُوا بِأَلوَانٍ مِنَ الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَفُتِحَت عَلَيهِم أَبوَابُ النَّعمَاءِ، حتى يَكثُرُوا بَعدَ قِلَّةٍ، وَيَستَغنُوا بَعدَ عَيلَةٍ، وَحَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيهِم أَنَّ تِلكَ القِلَّةَ وَذَلِكَ الفَقرَ، قَد أَصبَحَا تَأَريِخًا يُروَى وَمَاضِيًا يُطوَى، أَو بَلوَى خُصَّ بها الآبَاءُ وَالأَجدَادُ، وَأَمَّا هُم فَإِنَّهُم في مَأمَنٍ مِن ذَلِكَ، ثم لا يَشعُرُونَ وَهُم في غَفلَتِهِم وَقِلَّةِ مُبَالاتِهِم، إِلاَّ وَعَذَابُ اللهِ يَنزِلُ عَلَيهِم بَغتَةً وَهُم سَادِرُونَ، وَسَخَطُهُ يَحُلُّ بهم فَجأَةً وَهُم غَافِلُونَ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف: 94، 95].

 

فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

هَل نَحنُ في مَعزِلٍ عَن سُنَنِ اللهِ في خَلقِهِ ؟ هَل عِندَنَا مِنهُ مَوثِقٌ بِأَلاَّ يُعَذِّبَنَا إِذَا نَحنُ تَغَافَلنَا عَن أَوَامِرِهِ فَتَرَكنَاهَا، وَتَنَاسَينَا نَوَاهِيَهُ فَارتَكبنَاهَا، وَتَسَاهَلنَا بِحَقِّ نِعَمِهِ فَكَفَرنَاهَا ؟! ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 97 - 99] لَقَدِ ابتُلِيَ أَجدَادُنَا وَآبَاؤُنَا بِالشِّدَّةِ وَالفَقرِ وَقِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ، فَصَبَرُوا عَلَى المِحنَةِ وَاحتَمَلُوا المَشَقَّةَ، وَكَانُوا إِلى رَبِّهِم أَقرَبَ وَفِيمَا عِندَهُ أَرغَبَ، وَعَاشُوا مُتَوجِّهِينَ إِلَيهِ مُتَوَكِّلِينَ عَلَيهِ، ثم لم نَشعُرْ حَتَّى حَلَّ الرَّخَاءُ مَحَلَّ الشِّدَّةِ، وَاليُسرُ مَكَانَ العُسرِ، وَالنِّعمَةُ بِدَلاً مِنَ الشَّظَفِ، وَالكَثرَةُ مَكَانَ القِلَّةِ، وَالأَمنُ بَدَلاً مِنَ الخَوفِ، فَصَارَ كَثِيرٌ مِنَّا يَظُنُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَحضَ كَرَامَةٍ وَمَتَاعٍ وَرَخَاءٍ وَنَعمَاءَ، وَلم يَخطُرْ بِبَالِهِ يَومًا أَنَّهُ لا يَخلُو في الحَقِيقَةِ مِنِ اختِبَارٍ وَابتِلاءٍ.

 

نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّ اللهَ يَبتَلِي بِالخَيرِ كَمَا يَبتَلِي بِالشَّرِّ، وَيَبتَلِي بِالغِنى كَمَا يَبتَلِي بِالفَقرِ، وَيَبتَلِي بِالقُوَّةِ كَمَا يَبتَلِي بِالضَّعفِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ ﴾ أَلا فَمَا أَحرَانَا أَن نَتَّقِيَ اللهَ وَنَحفَظَ نِعَمَهُ، وَنَخشَى بَطشَهُ وَنَحذَرَ نِقَمَهُ ! إَنَّهُ لا يُمنَعُ المُسلِمُ مِنَ التَّجَمُّلِ وَالتَّمَتُّعِ بما رَزَقَهُ اللهُ، وَلا مِنَ الإِنفَاقِ مِنهُ في جُودٍ وَسَخَاءٍ وَكَرَمٍ، وَلَكِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَحدُودٌ بِحُدُودٍ لا يَجُوزُ لِمَن كَانَ يَخشَى اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ أَن يَتَجَاوَزَهَا وَيَتَعَدَّاهَا، وَإِلاَّ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ المُتَكَبِّرِينَ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ ﴾ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا مَا لم يُخَالِطُ إِسرَافٌ وَلا مَخِيلَةٌ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَن فِرعَونَ، أَطغَى أَهلِ زَمَانِهِ وَأَشَدِّهِم تَكَبُّرًا: ﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83] وَالإِسرَافُ وَالإِفسَادُ قَرِينَانِ، وَقَد قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَالِحٌ عَلَيهِ السَّلامُ لِقَومِهِ: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 150 - 152] وَالمُسرِفُونَ المُبَذِّرُونَ، وَإِن هُمُ اغتَرُّوا بِمَدحِ النَّاسِ لَهُم وَثَنَاءِ الجُهَّالِ عَلَيهِم، فَهُم عِندَ اللهِ مَذمُومُونَ مُهَانُونَ ﴿ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ ﴾ وَإِنَّمَا يَستَحِقُّ المَدحَ وَالثَّنَاءَ مَن مَدَحَهُمُ اللهُ وَأَثنَى عَلَيهِم، وَهُم أَهلُ التَّوَسُّطِ وَالاعتِدَالِ , الَّذِينَ يَنظُرُونَ فِيمَا يُرِيدُهُ اللهُ فَيَأتُونَهُ، وَفِيمَا لا يُرضِيهِ فَيَترُكُونَهُ، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا ﴾  وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27]  أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 112 - 114].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ، وَاعلَمُوا رَحِمَني اللهُ وَإِيَّاكُم أَنَّ مُلكَنَا لِلمَالِ في هَذِهِ الحَيَاةِ، لَيسَ مُلكًا مُطلَقًا، فَنَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيفَ نَشَاءُ وَحَسبَمَا تُملِيهِ عَلَينَا رَغَبَاتُنَا وَشَهَوَاتُنَا، أَو نَبذُلَهُ تَمَشِّيًا مَعَ العَادَاتِ القَبَلِيَّةِ، أَو رُضُوخًا لِلأَعرَافِ وَالضُّغُوطِ الأُسرِيَّةِ، أَو افتِخَارًا وَطَلَبًا لِلسُّمعَةِ وَمَدحِ الآخَرِينَ، أَو لِنُرِيَهُم أَنَّنَا أَكثَرُ مِنهُم إِنفَاقًا وَأَجزَلُ عَطَاءً، أَو أَطوَلُ أَيدِيًا وَأَعظَمُ سَخَاءً، إِنَّ مِثلَ هَذَا التَّفكِيرِ السَّطحِيِّ الضَّيِّقِ، إِنَّمَا هُوَ أَثَرٌ مِن آثَارِ الجَهلِ وَالجَاهِلِيَّةِ، مَا زَالَت تَحمِلُهُ نُفُوسٌ لم تَذُقْ طَعمَ الإِيمَانِ وَالحَنِيفِيَّةِ، وَلم تُدرِكْ لَذَّةَ العَطَاءِ الحَقِيقِيِّ، نُفُوسٌ حُرِمَتِ الاستِسلامَ للهِ وَالانقِيَادَ لَهُ بِالطَّاعَةِ في كُلِّ شَأنٍ صَغُرَ أَو كَبُرَ، وَأَبَت إِلاَّ أَن تَستَسلِمَ لِلأَوهَامِ، وَتَضَعَ رِقَابَهَا وَأَيدِيَهَا في أَغلالِ العَادَاتِ القَبَلِيَّةِ الجَاهِلِيَّةِ، وَقُيُودِ العُنصُرِيَّةِ الشَّيطَانِيَّةِ، لِتَنقَادَ مَعَ المُتَبَاهِينَ بِكَثرَةِ مَا يَنحَرُونَهُ مِنَ الإِبِلِ أَو عَدَدِ مَا يَذبَحُونَهُ مِنَ الغَنَمِ، في أَشَرٍ وَبَطَرٍ، وَاختِيَالٍ وَبَذَخٍ، وَتَبدِيدٍ لِلنِّعَمِ وَاستِجلابٍ لِلنِّقَمِ، وَأَمَّا المُسلِمُ الَذِي أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ، وَعَلِمَ بِدَايَةَ خَلقِهِ وَنِهَايَةَ أَمرِهِ، فَهُوَ شَامِخُ الأَنفِ بِإِسلامِهِ، رَافِعُ الرَّأسِ بِإِيمَانِهِ، لا يُهِمُّهُ إِذَا رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَن يَرضَى النَّاسُ أَو يَسخَطُوا، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعلَمُوا أَنَّ في المَالِ حُقُوقًا مُقَدَّرَةً بِمَقَادِيرَ مَوزُونَةٍ، وَمُرَادًا بها مَوَاقِعُ مُحَدَّدَةٌ، فَمَن جَهِلَ مَقَادِيرَ تِلكَ الحُقُوقِ فَزَادَهَا عَن حَدِّهَا صَارَ مُسرِفًا، وَمَن جَهِلَ بِمَوَاقِعِ تِلكَ الحُقُوقِ وَصَارَ يَخبِطُ فِيهَا خَبطَ عَشوَاءَ عُدَّ مُبَذِّرًا، وَاللهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ، وَالمُبَذِّرُونَ إِخوَانُ الشَّيَاطِينَ، وَالمَالُ مَهمَا كَثُرَ أَو زَادَ، فَهُوَ أَقَلُّ مِن أَن يُوضَعَ في كُلِّ مَوضِعٍ مِن حَقٍّ وَغَيرِ حَقٍّ، بَلْ إِنَّ مِن حِكمَةِ اللهِ وَسُنَّتِهِ الجَارِيَةِ في خَلقِهِ، أَنَّهُ مَا أَسرَفَ مُنفِقٌ في جَانِبٍ وَوَضَعَ المَالَ في غَيرِ حَقٍّ، إِلاَّ أَضَاعَ مِنَ الحُقُوقِ الوَاجِبَةِ وَالمُستَحَبَّةِ شَيئًا كَثِيرًا، وَقَد رُوِيَ عَن مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ سَرَفٍ فَبِإِزَائِهِ حَقٌّ مُضَيَّعٌ.

 

نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّ الأُمَّةَ المُسلِمَةَ أُمَّةٌ وَسَطٌ، خِيَارٌ عُدُولٌ، غَيرُ مُفَرِّطِينَ وَلا مُفرِطِينَ، وَمَن حَادَ عَن طَرِيقَتِهِم وَتَنَكَّبَ سُنَّتَهُم، وَأَبى إِلاَّ التَّطَرُّفَ يَمِينًا أَو شِمالاً، فَلا بُدَّ أَن يَقَعَ فِيمَا لا يُرضَى وَلا يُحمَدُ، وَأَن يَندَمَ حِينَ يَقدُمُ عَلَى رَبِّهِ فَيَسأَلُهُ عَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟؟ وَأَنتُم تُشَاهِدُونَ في الوَاقِعِ، أَنَّهُ مَا أَسرَفَ قَومٌ في الوَلائِمِ وَالدَّعَوَاتِ وَالحَفَلاتِ، وَتَنَافَسُوا في الرُّسُومِ القَبَلِيَّةِ البَائِدَةِ، وَتَسَابَقُوا في فُضُولِ العَادَاتِ السَّيِّئَةِ، وَتَكَاثَرُوا فِيمَا يُقَدِّمُونَهُ وَتَفَاخَرُوا، إِلاَّ كَانُوا مِن أَقَلِّ النَّاسِ أَدَاءً لما افتَرَضَهُ اللهُ، وَأَبطَئِهِم عَنِ الإِنفَاقِ في سَبِيلِهِ، وَأَشَدِّهِم حِرمَانًا مِن بَرَكَةِ المَالِ، وَأَكثَرِهِم إِعرَاضًا وَبُخلاً إِذَا جَاءَتِ المَوَاقِفُ الَّتي يُنفَقُ فِيهَا في وُجُوهِ الخَيرِ وَسُبُلِ البِرِّ، مِن بِنَاءِ المَسَاجِدِ أَو دَعمِ بَرَامِجِ الدَّعوَةِ، أَو تَفرِيجِ كُرُبَاتِ المَكرُوبِينَ وَالتَّنفِيسِ عَنِ المُعسِرِينَ، وَهَذَا مِصدَاقُ قَولِ اللهِ تَعَالى وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العيد بين التدبير والتبذير
  • الإسراف والتبذير
  • إلى متى الإسراف والتبذير؟!
  • صور التبذير في العصر الأخير

مختارات من الشبكة

  • على الأب منع ابنه من السفر إلى بلاد الكفر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشكلة السرف في المجتمع المسلم وعلاجها في ضوء الإسلام (WORD)(كتاب - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • مشكلة السرف في المجتمع المسلم وعلاجها في ضوء الإسلام (PDF)(كتاب - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • الرضى التام بعطاء الله ومنعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعاذة بالله وبصفاته وكلماته وإجماع السلف على المنع من الاستعاذة بالمخلوق (PDF)(كتاب - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • المنع من تحديد ليلة القدر على وجه القطع: دراسة أصولية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • منع البيع بأقل من سعر السوق حماية له (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • مخطوطة البرهان الأصدق والصراط المحقق في منع الغنة للأزرق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: ما منعك أن تسب أبا تراب؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • فتح العلي بفقه المنع والعطاء الإلهي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب