كلمة شبكة الألوكة لمتحدي الإعاقة في مؤتمر جامعة الفيوم "التوجهات الحديثة في رعاية متحدي الإعاقة"

كلمة شبكة الألوكة لمتحدي الإعاقة في مؤتمر جامعة الفيوم

"التوجهات الحديثة في رعاية متحدي الإعاقة"

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية، أَوَدُّ أن أُقدِّمَ للإخوةِ المشرفين على هذا المؤتمرِ الرائدِ، أَسْمى آياتِ الاحترامِ والتقديرِ على دعوتِكم الكريمة لشبكة الألوكة للمشاركةِ في هذا المحفل الثقافي الماتعِ، والذي جاء تحت رعاية سعادة الأستاذ خالد حمزة رئيس جامعة الفيوم، وتحت شعار: "بإرادتنا نتحدى إعاقتنا".

سعادة السيد الأستاذ الدكتور فريد عوض حيدر رئيس المؤتمر، ونائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.

السادة مُقرري المؤتمر:

الأستاذة الدكتورة آمال ربيع كامل عميد كلية التربية.

الأستاذة الدكتورة وفاء يسري إبراهيم وكيل كلية الخدمة الاجتماعية.

سعادة الأستاذ الدكتور محمد عبدالعال الشيخ أمين المؤتمر.

أستاذنا الدكتور مدحت أبو النصر رئيس الجلسة.

أستاذنا الدكتور محمود عرفان..

السادة الحضور الكرام، تحيَّة من عند الله طيبة مباركة.

أساتذتنا الأعزَّاء، وحضورنا الكريم:

قدَّم لنا الدينُ الإسلامي جانبًا تربويًّا شاملاً، يَحمِل بين طيَّاته الأُسسَ القويمةَ في تهذيبِ النشءِ وتربيةِ الأجيال الذين هم عَتادُ الأمة، ويَحمل أُسسَ بناءِ الحضارةِ ذاتِ الْمُثُلِ والقِيمِ الفاضلةِ، ولقد راعى المنهجُ الربَّانيُّ ذلك الاختلافَ القائمَ بين الأفرادِ في إمكاناتهم وقدراتهم - سواءٌ في مجالِ العبادات، أو الأعمالِ الدنيوية الأخرى - وراعى التفاوتَ البدنيَّ بين أبناءِ هذه الأمةِ، فكلُّ إنسانٍ حسَب استطاعته: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 233].

فالسِّمةُ الإنسانيةُ أصبحتْ إحدى السِّماتِ التي تُميِّزُ الحضارةَ العربيةَ الإسلاميةَ عن غيرها من الحضارات الأخرى؛ مما جعَلها تَنفردُ بأسلوبٍ إنسانيٍّ حضاريٍّ في رعايةِ ذوي الاحتياجات التربويةِ الخاصة، وبشكل خاصٍّ مُتحدي الإعاقات المختلفة.

ولقد رأيْنا عَبْرَ تاريخنا العريقِ نماذجَ فريدةً، حفَرتْ أسماءَها في صفحاتِ هذا التاريخ إلى أن يشاء الله:

فهذا ابنُ أُمِّ مكتوم، ذلك الأعمى الذي وَلِي المدينةَ مرتين، وهذا عمرو بن الجموح الذي كان شديدَ العَرَجِ، وهو القائلُ: (واللهِ، إني لأرجو أن أَطَأَ بعَرْجَتي هذه في الجنَّة).

والترمذي محمد بن عيسى - الإمام العَلَم، صاحبُ السُّنن، مِن أشهر علماء الحديثِ - كان أعمى، وأبو الأسود الدُّؤلي - القاضي الفقيه المحدِّث النَّحْوي - كان أعْرَجَ.

أما أَبَانُ ابنُ عثمانَ ابنِ عفَّانَ، فكان به صَممٌ، وحَوَلٌ، وبَرَصٌ، وشلل نصفي، ومع ذلك كان من كبار فقهاء التابعين وعلمائهم، وارتفع شأنُه، حتى عيَّنه عبدالملك بن مروان واليًا على المدينة عام 76هـ.

ولا يتوقَّف الأمرُ عند حَدِّ الصحابةِ والتابعين، بل إن القائمةَ مُستمرَّة إلى يومِنا هذا، فمصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، وهلين كلير، - النموذج الذي ذكر في افتتحا هذا المؤتمر الكبير- وغيرهم كثيرٌ ممن تفوَّقوا على أنفسِهم ومجتمعهم علميًّا وعمليًا وإنسانيًّا.

وامتدادًا لهذه الرصيدِ الثري من تجربتنا الإسلاميةِ العربية في رعاية متحدي الإعاقة - أَوَدُّ أن أُعرِّجَ على موضوعِ هذه الورقةِ، وهو دورُ "شبكة الألوكة" - من خلال منبرها الإعلامي الإلكتروني - في الاهتمامِ بمتحدي الإعاقة، والوقوفِ على احتياجاتهم ومُتطلباتهم، وتَلبيتِها، والإسهامِ في تطوير البرامج الخدميةِ المقدَّمةِ لهم.

حضورنا الكريم:

شبكة الألوكة: شبكة غنيةٌ شاملةٌ، إعلاميةٌ، ثقافيةٌ، علميةٌ، أدبيةٌ.

تتكون من أربعة عشر موقعًا، باللغتين العربية والإنجليزية، يشاركُ فيها نُخَبٌ من أهل العلم والفكرِ والدعوة من كل أقطار عالَمنا العربي والإسلامي، بإشراف:

♦ فضيلة الأستاذ الدكتور: "سعد بن عبدالله الحميِّد"، الأستاذ بجامعة الملك سعود.

♦ وسعادة الدكتور: "خالد بن عبدالرحمن الجُريسي".

والألوكة كلمة عربيةٌ فصيحةٌ؛ تعني: الرسالةَ، ونسألُ اللهَ أن يُوافقَ الاسمُ المسمَّى، وأن تكونَ سراجًا منيرًا للسائرين في دروبِ الدعوة والعملِ.

انطلقتْ شبكة الألوكة من خلال موقعها الخاص على الشبكة العنكبوتية عام 2006م، في محاولة لسد ثغرةٍ في مجال العملِ الإعلامي الإسلامي الإلكتروني القائم على تنوُّع الآراء واحترامِها، وعَرْضِ ما يُفيد مجتمعاتنا من منظورِ فقه الواقعِ، واستغلال الطاقات الكامنةِ والْمُهدَرة لأبناء هذه الأمةِ.

ولشبكة الألوكة مشاريع عديدة في خدمة مُتَحدِّي الإعاقة، منها:

وقد راعت شبكة الألوكة منذ بدايتها أن تُفسحَ مجالاً رَحبًا ضمن فضائها الإلكتروني لتنمية القدرات الخاصةِ لمتحدي الإعاقة في المجتمعات العربية والإسلامية، فقد اضطَلَعت الألوكة بجزءٍ من هذه المسؤوليةِ، وأنشأت قسمًا كاملاً من أقسامها تحت عنوان: "التربية الخاصة"، قامت فيه بتجنيد عددٍ كبيرٍ من أقلام كُتَّابها ومُفكريها لخدمةِ أهداف تنمية المعاقين، من خلال غَرْسِ ثقافةِ تأهيل متحدي الإعاقة، والعمل على دَمْجِهم في مجتمعاتهم، وتحفيزِهم على تجاوزِ إعاقتهم، واستردادِ موقعهم في الحياة، وإشراكِهم في بناء التصورات، والإسهامِ في التفاعُل المثْمِرِ.

وقد تنوَّعت عناوينُ مقالاتِ ذلك الموقعِ، لتُلبِّي الحاجات العاجلة لخدمة مُتحدِّي الإعاقةِ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

"دور الأسرة في علاج وتدريب الطفل المعاق"، "مفهوم الإعاقة"، "كيف يعيش طفلك المعاق سعيدًا؟"، "صرخة معاق: لا تُظهروا الشفقة عليّ"، "أحكام الأعمى في الفقه الإسلامي"، "المعاملة الواجبة للمعاق"، "المعاق بين التنحية والتنمية"، "مناهج غير العاديين"، "دمج الأطفال المعوقين بصريًّا في المدارس العادية"..، وغيرها كثيرٌ.

المشروع الثاني، من مشاريع خدمة شبكة الألوكة لمتحدي الإعاقة:

تتمثل في تجربةٍ واقعيةٍ رائدةٍ عن طريق تخصيص موقع كامل من مواقع شبكتها لتقديم مواد صوتية في كثيرٍ من مجالات العلوم والآداب؛ من علوم القرآن والحديث والفقه، والآداب والأخلاق، والتراجِم والسِّيَر، والمواد الثقافية العامة والمختلفة، إضافةً إلى المناهج الدراسيةِ، وغيرها.

حمل هذا الموقع تحت اسم: "المكتبة الناطقة"؛ حيث كان هذا العملُ ثمرةَ جهودٍ متميزةٍ للإخوة الكرام في المكتبة المركزية الناطقة - بمدينة الرياض - التابعة لوزارة التربية والتعليم السعودية، وعلى مدى سنوات طويلةٍ؛ حيث قامت شبكة الألوكة بالتعاون معها لتقديم هذه الكتبِ الصوتية القيِّمةِ على هيئةِ ملفات إلكترونية صغيرة الحجمِ، يَسهُل حِفظُها، أو الاستماعُ إليها مباشرةً على موقع المكتبة الناطقةِ بشبكة الألوكة؛ حيث وصل عددُ الكتب المحمَّلة على الموقع قُرابةَ عشرة آلاف ساعة تسجيلٍ لمئات الكتب المنوَّعةِ بأصوات نُخبة من الْمُلْقِين والمؤدِّين بلغةٍ عربيةٍ فُصحى سَلِسةٍ، راعت الطبيعةَ النفسية للمتلقي والمستمع.

أما مشروعُنا الثالثُ الذي أرادت الألوكةُ من خلاله تقديمَ خدمةٍ مباشرةٍ لذوي الإعاقة البصرية، فكان المشروع الذي تقدَّمت به "دار الألوكة للنشر" - تحت رعاية الدكتور خالد بن عبدالرحمن الجُريسي، وهو باكورة مطبوعاتها الورقية بلغة "برايل"، وقد حمَلت عنوان «سلسلة زاد المؤمن» وهي عدة عناوين مميَّزة؛ منها: (دليل الحاج والمعتمر)، (مُعلِّم التجويد)، (خُلق المسلم)، (جوامع الدعاء) ... وغيرها؛ حيث قدَّمتها الدارُ على سبيلِ الخدمة والهدية إلى عددٍ غير قليل من الهيئات والمؤسَّسات الرسمية والأهليةِ بمصر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

الحضور الكريم:

لا يَسعنا في نهاية هذا العرض سوى أن نؤكِّدَ ضرورةَ إعطاء الأهميةِ والرعاية والاهتمامِ الكافي لمتحدي الإعاقةِ؛ بتخصيصِ مناهجَ تعليمية خاصة بهؤلاء، في ضوءِ برامجَ دراسيةٍ وعلاجيةٍ خاصةٍ، واختيارِ طرائقِ التدريس الناجحة لمعالجة إعاقاتِ هؤلاء، ضمن الفصلِ الدراسي العادي العمومي، مع تسطيرِ مجموعةٍ من الأهداف والكفايات والوسائلِ العملية الفعَّالة، لخَلْق نوعٍ من الانسجامِ داخل المجتمع، مع تأهيلِ المربين والمدرسين لامتلاكِ تقنيات التربية الخاصة، وذلك بتدبيرِ البيئة الأمثلِ التي يَدْرُسُ فيها مُتحدو الإعاقةِ - تخطيطًا وتنظيمًا، وتسييرًا وتتبُّعًا، ومُراقبةً وتقويمًا - ولا ريبَ أن هذا كلَّه قد وجَد له بدايات تتمثَّلُ في طُرقِ التفعيل والتنفيذ، وعلى الرغم من ذلك، فإننا نَأمُل المزيدَ منها.

الحضور الكرام، أخيرًا، نقول:

لا شكَّ أن الإعاقةَ ابتلاءٌ إلهي، يَختبر الله به عبادَه؛ ليَميزَ الصابرين من الجازعين، والراضين من المتأفِّفين، والمتأمِّل واقِعَ مصرَ وغيرها من البلادِ، يَتيقَّنُ أهميةَ هذه المؤتمرات والفعاليات في نشْر الوعي الثقافي والاجتماعي لمتحدي الإعاقة بكافة أنواعها.

بارَك الله خُطاكم، وأعاننا وإياكم على خدمةِ إخواننا متحدي الإعاقة، وتسهيل ما يجب تسهيله لهم!

وشكرًا لكم.. وللأستاذ الدكتور أبو النصر، والأستاذ الدكتور محمود عرفان..