• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقات الألوكة المستمرة / مسابقة كاتب الألوكة الأولى / المشاركات التي رشحت للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الأولى
علامة باركود

نجوى الطبيعة

يحيى بن عطية الصامولي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/7/2009 ميلادي - 26/7/1430 هجري

الزيارات: 13844

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نجوى الطبيعة
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وآله وصحْبه ومَن والاه.

وبعد:
فقد كان ممَّا أتْحفني به القَدَر في أوائِل عهدي بالقِراءة، أنِّي تعلَّمت أنَّ ثَمَّة كتبًا ثلاثة، كتاب مسطور وهو القُرآن الكريم، وآخَر منظور وهو الكون أو الطبيعة أو المخلوقات أو الوجود، وثالث مأْثور وهو التَّاريخ الإنساني.

وسمِّيت مفردات كلِّ كتابٍ منها باسْمٍ واحد مشترك، وهو "آية"؛ أي: علامة.

فالمقطع المعروف من القُرآن آية، والمشْهد الكوني آية، والحدث التَّاريخي آية، وهي في جُمْلتها وتفصيلها آياتٌ بيِّنات، ودلالات واضحات على وجود الخالق - سبحانه - وعلى أسمائِه الحُسْنى وصفاته العُلى.

وحين حدَّثنا القُرآن الكريم عن دلائِل قدرة الله - سبحانه - سمَّى هذه كلَّها آيات، فعن الكتاب المسطور يقول - سبحانه -: {تِلْكَ آَيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالحَقِّ} [الجاثية: 2]، وعن الكِتاب المنظور يقول - جلَّ شأْنُه -: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، وعن الكتاب المأْثور يقول - تعالى -: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 52].

فهذه كتُب ثلاثة يجول فيها العاقل ببصره وعقله وقلبه ووجدانه، فلا يكاد يصِل إلى غاية في الحسن، ولا يكاد ينتهي إلى نهاية في العجب؛ لإبداعها وروعتِها وسموِّها، فكلُّها دلائل وآيات، وعبر وعظات.

وفي هذه المقالة الموجزة نطوِّف تَطوافًا سريعًا حول آياتِ الكِتاب المنظور الذي هو الكون أو الطبيعة، نجول جولة عابرٍ في رياضها المزْهرة نشَمُّ أريج عطرها الفوَّاح، ونتنفَّس نسيمها، فإلى هنالك.

إنَّني مُذْ عقَلتُ، وفهِمت شيئًا من معنى الحياة، وتقلَّبت في أحوالها المتنوعة، وذقت حلاوتَها، وتجرَّعت شيئًا من غصصها، وبلوت بعض متاعبها ومناكدها، وجرَّبت نفسي في كثير من أُمورها - أفلحتْ أم أخفقتْ - وتعرَّفت إلى صنوف مختلفة من ناسِها - على تفاوت ما بينهم في الفكر والسلوك والمنطق وفقه الحياة - وقلبت ناظريَّ فيما أنجبتْه قريحة الإنسان من نفائس الكتابات ورديئها و... إلخ.

منذ ذلك الحين وأنا في تغيُّرٍٍ فكريٍّ ووجدانيٍّ مستمرٍّ لا يكاد ينتهي إلى حدٍّ، وذلك هو طبع الحياة، فلا بدَّ مع تقلُّب الحياة وتغيُّرها أن يتغيَّر إنسانُها ويتبدَّل حاله بذات المقدار، أو بمقدار ما.

بَيْدَ أنَّ هنالك أمورًا معدوداتٍ لا يزيدها مَرُّ الأيام، وتقلُّب الأحوال، وصروف الدَّهر، إلاَّ ثباتًا ورسوخًا في ذات نفسي، وفي أعْماق قلبي، وفي خبيئة وجداني.

من هذه الأمور: علاقةُ الحب الصادق بيْني وبيْن الطَّبيعة بكلِّ ما فيها.

مِنْ عَالَمِ الذَّرِّ الخَفِي إِلَى الفَلَكْ        مَا عَامَ أَوْ مَا طَارَ فِيهِ أَوْ  سَلَكْ

إنَّ ما بيْني وبين مناظر الطَّبيعة هو شيء جذابٌ هادئ وطيدٌ، جَميل رقْراق مؤْنِس.

أحدِّثها وتحدِّثني، أُصافحها وتصافحني، أجالسها وتجالسني، أناجيها وتناجيني، فتنبعث نجواها في حنايا قلبي، وتتوغَّل بهدوء أخَّاذٍ إلى أعماق فؤادي، وتنتشر انتشارًا رقيقًا في أرجاء نفسي.

فلَكأنَّها تلمَس أوتار الفؤاد وتهزُّها هزًّا مطرِبًا مشجِيًا، لا تملك العين معه سوى أن تدمع أو تجهش، ولا يملك السَّمع معه سوى أن يطرب، ولا يملك الفم معه سوى أن يُسبِّح ويبتهل، ولا يملك اللبُّ معه سوى أن يطير، ولا يَملك الفكر معه سوى أن يُذهل، ولا يملك المرء معه سوى أن يقول: "أنت أنت الله".

إذ ذاك تبتهج القلوب، وتدمع العيون، ويهْنأ الفؤاد.

كل هذه المعاني الرَّقراقة الجميلة لا يكاد الإنسان يعيشُها إلاَّ في أحضان الطبيعة، وفي مواطن أخرى معدودة.

فِي الكَوْنِ  سِحْرٌ  رَائِعٌ  مُتَجَدِّدٌ        بَاقٍ    عَلَى    الأَيَّامِ    وَالأَعْوَامِ
وَشَذًى كَأَجْنِحَةِ المَلائِكِ غَامِضٌ        سَاهٍ  يُرَفْرِفُ  فِي  سُكُونٍ  سَامِ

إذا خرجتُ إلى المدينة - حيث الحضارة، وتقدُّم الآلة، وسرعة الحياة - لم أرَ حوْلي سوى قَتام عادم العربات، وزحْمة الشَّارع، وفوْضى الأخلاق، وضجيج الأصوات، وتبرُّج البنات ... إلخ.

ولا أكاد أرى شيئًا إلاَّ وأرى في ثناياه ما يُتعب القلب، ويُزْعج النَّفس، ويثير الاضطِراب، ويحرِّك الشُّجون، ويدمع العيون، ويوحِش الفؤاد.

إنَّني في المدينة أُحسُّ بتلك الغربة والوحْشة التي يُحِسُّها غريبٌ ناءٍ عن وطنه وأهله ومدارج صباه، وأجدني مندفعًا إلى الخروج من تلك الوحشة والغربة بمتنوع السُّبل.

ثُمَّ إنَّه لا تزول غربتي ووحشتي تلك إلاَّ في ذلك الحين الَّذي أرتمي فيه في أحضان الطبيعة.

ومهما رأيت حولي من مبتكرات ترفيهية، فإنَّه "ليسَ التَّكحُّلُ في العينيْنِ كالكَحَلِ".

رغم أنَّني أكون على يقينٍ في حالتي تلك بأنَّ ذلك هو ما لا بدَّ منه، وأنَّ الإنسان إذا تقاعد عن الاستِحْداث والاختراع والابتكار في شتى الفنون، فإنَّه يكون قد ارتكب خطأً كبيرًا.

وأكون على يقينٍ كذلك من أنه ينبغي للإنسان أن يمضي في ذات الطَّريق، وألاَّ يصدَّهُ عنه ما يكتنِفُه من كدورات ومناكد ومنغِّصات؛ لأنَّه لن يستطيع أبدًا أن يأتي بجمالٍ خالصٍ لا قبح فيه، وخيرٍ صافٍ لا شرَّ فيه، وحقٍّ مجرَّد لا باطل فيه، فإنَّ ذلك إنَّما يكون في "دار السلام"، وإنَّما على الإنسان أن يزيل الخبث، ويجلُوَ الصّدَأَ ما استطاع.

وأكون على ثقةٍ أيضًا ويقينٍ ثابت من أنَّ الحياة "طُبِعَتْ علَى كَدَرٍ"، فمَن رام فيها راحةً تامَّة كاملة، كان "كمُبْتَغِي الصَّيْدِ في عِرِّيسَةِ الأَسَدِ".

ولكن "هكذا سوَّلتْ لِي نفسي".

ولعله لا يكون خافيًا السبب في ذلك، وهو أنني أحب الطبيعة، وأعشَق الهدوء، وأسكن للجمال، وأذوب في عجائب المخلوقات.

جلست يومًا أقول للطَّبيعة وتقول لي، أُناجيها وتُناجيني، فكان من نَجْواي لها أنِّي قلت يومئذ:
"أيَّتها الطَّبيعة الخلاَّبة"، أما نظرتِ إلى روْعتكِ وجَمالك وإبداعك يوما؟!

إنَّك بستانٌ مُزْهِر، وحديقةٌ غنَّاء، وروضٌ مُرْبِع.

فسحةٌ للنَّاظر، وزادٌ للطَّالب، وروضة للمتأمِّل، وبهجة للمتفكِّر.

جميلةُ المنظر، عذبة الرّواء، بارعة الحسن، نقيَّة الهواء.

تبعثين اليقين في قُلُوب المؤمنين، وتنبِّهين وتوقظين الغافلين السَّاهين.

لقد غمرتنا نعماؤك، وأشْرَق عليْنا ضياؤك، وتوافدت إليْنا أنداؤك، وعذُب ماؤك، ولطُف هواؤك، وأنعشتْنا بدائعك.

من رياضٍ غنَّاء، وصحارَى فيحاء، وأثمار شهيَّة، ونفحات شجيَّة، ومناظر تطير بالقلوب إلى حضرة علام الغيوب، من شموسٍ وأقمار، وأطْيارٍ وأزْهار، وليلٍ ونهار، و....... .......".

فقاطعتْني بحدَّة قائلة: "حنانيْك أيُّها الغافل، إنَّ كلَّ هذا الذي ذكرتَ ليس إليّ، وإنَّما هو صنع إلهك البديع القدُّوس الحكيم".

فقلتُ مدافعًا : "أَفَاطِمَ مَهْلاً بعضَ هذا التدَلُّلِ"، وهل أردتُ غيرَ الَّذي ذكرتِ؟!

فقالت ملاطفة: ألم تر إلى ربِّك كيف أبدع هذا الكون؟!

فقلت: ألا تحدثينني عن ذلك، فإنَّ حديثك ذو شجون! قالت: بلى.

وابتدأتْ تروي لي أحداث قصةٍ مثيرة معجِبة، جميلة ممتعة، فكان من نجواها يومئذ أنَّها قالت لي:
إنَّ ربَّك العليَّ العظيم القدوس البديع الحكيم قد خلق هذا الكون وجمَّله، وأبدعه وزيَّنه، ورتَّبه وقوَّمه، وجعل عالَمَنا الدنيويَّ مبنيًّا على ثلاثة أشياء: أوَّلُها الذَّرَّة، ثمَّ سكتتْ برهةً، فارتعْتُ لذلك، وقلت لها: إيه أيَّتها الطَّبيعة الخلابة!

فقالت: والذرَّة هذه - يا أبا مالك - تتألَّف في أبسط أحوالِها من ثلاثة دقائق: شيءٍ يسمُّونه "البروتون"، وفيه شحْنة كهربيَّة موجبة، ويدور حوْلَه شيء آخر يسمَّى "الإلكترون"، ويحمِل شحنة سالبة، وقد يوجد مع البروتون شيءٌ لا يَحمل شحنة كهربيَّة أصلاً، ويسمُّونه "نيترون"، ويقولون: إنَّه متعادل كهربيًّا؛ بِمعنى: أنَّه لا ينجذِب إلى شحنة موجبة، ولا إلى شحنة سالبة.

فسألتُها: وما معنى "شحنة كهربيَّة"؟!

فقالت: النَّاسُ - أيُّها الفتى - إذا أرادوا تفسير شيءٍ، فإنَّهم يقومون بتحْلِيله إلى أبسط مكوِّناته، فإذا لم يَجِدوا سببًا معقولاً يرجعون إليه حدوث ظاهرة ما، فإنَّهم يُطلقون مصطلحًا ما على المؤثِّر الغامض المبهم، الَّذي لا يعرفون حقيقته ولا كُنْهه ولا ماهيَّته، وإنَّما يعرفون آثارَه ودَلالاتِ وجوده، ويتقبَّلون هذا المصطلح رغْم كوْنِه لا يعني شيئًا في نفس الأمر! أفهمت الأمر يا أبا مالك؟

قلت: تقصِدين أنَّ كلمة "شحنة كهربيَّة" معناها: "شيء ما يفعل كذا وكذا"؟

قالت: بالضَّبط، وكذا كل المبهَمَات الغوامض الشَّبيهة بذلك، مثل الجاذبيَّة وغيرها.

وأردت أن أسأل عن شيءٍ فقلت: "وهذه الأشياء المؤثرة ...".

فما أن سمعتْ لفظة "الأشياء المؤثرة" حتَّى تقلَّب لونُها، وتغيَّرت لهجتها، وقالت بعنف: وما أدْراك أنَّها أشياء؟!

ثم لَكأنَّها ذكرتْ شيئًا فابتسمتْ ابتسامة رقيقة، وقالت في هدوءٍ ولطفٍ أخّاذ:
يا بني، إنَّه شيء واحد، إنَّه قدرة الله.

انسابتْ هذه الكلِمة في لطفٍ بديع إلى أعماق فؤادي حتَّى أحسست ببردها في جوانب قلبي، وكأني لأوَّل مرة أسمعها: إنَّه قدرة الله.

وفي تلك اللحظة العابرة انمحتْ كلُّ معاني المادَّة الزَّائفة الجافَّة من وجداني، وحلَّت محلَّها كلُّ معاني العظمة والهيمنة والقيوميَّة والقدرة الإلهيَّة، وعِشْتُ في رحابها، كأنِّي رأي عين.

قالت الطبيعة: وفي نظام الذرَّة عجائب وغرائب أعجب من ذلك؛ ولكني لا أريد أن أطيل عليك الحديث؛ حتى لا تنسى، وإلاَّ فأنا ما ذكرتُ شيئًا من بدائع هذا المخلوق العجيب.

ثم تلتْ قول الله - تعالى -: {يَا بُنيَّ إنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فََتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَمَواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْْتِ بِهَا الله إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16].

 فقلت مبتهلاً: سبحان ربي، ما أبدعه، ما أقدسه، ما أحكمه!

قالت: وثانيها الخلية، وهي اللبِنة الرئيسة في بناء أي كائن حي، كما أنَّ الذرَّة هي اللبِنة الرئيسة في بناء أي جماد.

والخليَّة يا بنيَّ هي وحدة حيويَّة صغيرة جدًّا، وهي عجيبة التَّركيب، بديعة التَّكوين،، متْقنة الصُّنع، دقيقة الأداء، فسبحان الخلاَّق العليم!

تخيَّل معي - يا أبا مالك - ذلك الجهاز الدَّقيق الذي يعمل بإتقان فائق، ويحمل في داخله معاملَ كيميائيَّة فائقة القُدْرة، وشبكات اتِّصال، ومراكز للطَّاقة، وفيه سياج واقٍ من الغزْو الفيروسي، ومزوَّد بأسلحة بيولوجيَّة على أحدث طراز، وعوامل إثارة ومخازن للغذاء، وأمْن مركزي، والخلايا مع هذا أنْواع، منها الموجِّهةُ، والمستقبِلة، والباثَّة، والمقاوِمة، والموصِّلة... إلخ.

ألا يدلُّ ذلك كلُّه على قدْرة ربك البديع؟! قلت: بلى وربي، سبحانه جل جلاله!

قالت: وثالثها "المجموعة الشمسيَّة"، وهي اللبِنة الرَّئيسة للبناء الفلكي.

ثمَّ ذكرت لي كلامًا عجيبًا ومثيرًا عن عالم الأفلاك، فكان من نَجْواها لي يومذاك أنَّها قالت: نحنُ نعيش على شِبْه كُرَة من الصَّخر تعرف بكوكب الأرْض.

وحدَّثتْني عن متوسِّط قطر هذا الكوكب، ومتوسِّط محيطه، ومساحة سطحه، وحجمه، وذكرت أرقامًا لا أذْكُر منها شيئًا، ثم قالت:والأرض على ضخامتها، وامتداد أطْرافها، واتِّساع أكنافها، ورحابة مساحتها، هي مع هذا كوكب من تِسْعة كواكب تدور حول شمسِنا هذه، ما يُمْسِك هذه الكواكب والكُوَيْكبات والأقْمار في مداراتِها إلاَّ الله - جلَّ جلاله -.

والشَّمس نَجم صغير يبْلغ متوسِّط قطْرِه حوالي مليون ونصف المليون من الكيلو مترات، فأخذنِي العجب، واستولَتْ عليَّ الدَّهشة، وقلت: صغير؟!

قالت: نعم، صغير بالنسبة إلى غيرِه وبالنسبة إلى موقعه؛ لأنَّ الشَّمس وما حولها - وهو النظام المسمَّى بالمجموعة الشَّمسيَّة - هي مجموعة من أربعمائة ألف مليون مجموعة شمسيَّة في مجرَّتنا الَّتي نعيش فيها، وهي مجرَّة درْب التبَّانة.

فأخذتْني دهشة كبيرة، وذُهلت هنيْهة، ثمَّ عدتُ إلى نفسي، وذهب عنِّي الرَّوع، وانطلق لسانِي مردِّدًا: سبحان الله، سبحان ربي، ما أعظمه ما أحلمه!
فقالت: إنَّ هناك ما هو أعْجَبُ وأغْرب وأدْعى للدَّهشة والتلدُّد من ذلك كلِّه.

إنَّ هذه المجرَّة ليستْ سوى جزءٍ صغير من عنقود مجرِّي يسمَّى بالمجموعة المحليَّة، وهي الَّتي يبلغ قطرُها عشرات الملايين من السِّنين الضوئيَّة.

وأعجب من هذا كله أنَّ العناقيد المجرّيَّة هذه تتألَّف ويتكوَّن منها ما يسمُّونه "المجرَّات العظمى"، وكل هذا ما هو إلاَّ "شيء" في سماء الدنيا!

قلت: ربَّاه ربَّاه، معنى كلامك هذا أنَّنا لا شيء، إذا نظرْنا إلى حجمِنا في سماء الدنيا!

قالت: نعم، إنَّ الأرْض نقطة على حرف، في كلِمة، في صفحةٍ من صفحات كتابِ الكوْن الواسع الرحب، بيْدَ أنَّ الله فضَّلكم بالعقل، وشرَّفكم بالعلم، وأرْسل إليْكُم الرُّسُل، وأنزل الكتُب، وشرَع الشَّرائع و... و... وأنتم غافلون.

قلت: اللَّهُمَّ اغفر لنا فإنَّا ظالمون.

ورأتني الطَّبيعةُ يومًا وأنا جالس مهْموم، يبدو على وجهى العُبوس والقلق، فرأتْ أن تفرِّج عني بعض ما أنا فيه من كربٍ، فقالت مداعِبةً وناصحة:
ماذا أهمَّك أيُّها الإنسانُ الرَّابضُ على بقعةٍ من الأرض صغيرةٍ، تَدور به رأسُه "كَمَا دوَّمتْ في الأرضِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ"؟ أتذكرُ إذ أنت جنينٌ في بطن أمِّك في ظلمات ثلاث، بين الدم والغذاء والطَّمث، ليس لك من حول ولا قوَّة سوى حِفْظ ربك وكلاءتِه ورحمته!

أوعلمتَ إذ أنت تنمو وتغتذي في هذا البطن، ثم بعد تِسْعة أشهُر تهتدي إلى طريق الخروج والبروج إلى هذي الحياة، فتصرخ صرْخَتَك الأولى تبيانًا لما رأيتَه من كدر هذه الحياة وشقْوتها.

وإذ أنت تنمو وتكبر في ظلِّ فضل الله ونعمته حتَّى تقوم على قدمِك تلْهو وتلعب، وتتواثب كما تتواثب الفراشةُ على النَّوَّار في روضةٍ مُزْهِرة.

وإذ تراك حاملاً على ظهْرِك حقيبة صغيرة ترفعُها وتخفضُك، فيها كرَّاسٌ وأقْلامٌ ودفاترُ وكتبٌ تمضي بها جيئةً وذُهوبًا، من وإلى المدرسة.

وإذ أنت شاب ذو ثقافةٍ وعلم، تحب العلم وأهله وترجو أن تكون منهم، وتحب الكتُب وترتع في رياضها آناء الليل وآناء النَّهار.

أوليس هذا كله من فضْل الله ورحمته بك ونعمته عليك؟! قلت: بلى وربي.

ثم قالت لي الطبيعة: ألا أعلمُك أشياءَ إذا أصابتْك نوْبةُ حزنٍ، أو مَسْحةُ كآبةٍ ففعلْتَها ذهب عنك ما بك؟

قلت: بلى والله، رفع الله قدرك.

فذكرتْ لي أشياء من الشَّرع والدِّين والسُّنَّة، ثم قالت لي: وعليك يا بُنيَّ بالتأمُّل في بدائع خلق الله؛ فإنَّه ممَّا يذهب به الهمُّ وينجلي به الغمُّ، وينقشع به ضباب الكآبة، وتنكشف به سحائب الأحزان.

تجول في بساتين الحياة، وتأمَّل جَمالها، وبديع تركيبها، وأناقة تصميمِها، وتنوُّع ألوانها، وتناسُقها، وطيب ريحها، وحسن ترتيبها، وتعدُّد أنواع أزهارها وقطافها وثِمارها، ورقَّتها وعذوبتها، تأمَّل الصَّحاري الشَّاسعة، والمفازات الفيحاء، والبيد القفار رمالها وصخورها، وجبالها ووديانها، ومرتفعاتها ومنخفضاتها.

وقِف على شاطئ البحر وتأمَّل، وتفكَّر وأرسل طرفَك على أديم الماء الممهَّد، حيث تلتقي زرقة السَّماء بزْرقة الماء، وحيث تستقرُّ الجوارِ المنشآتُ مطمئنَّةً كالأعلام، وحيث ترْسو السفن على شاطئ البحر المحيط عن كثَبٍ، تروي بضخامتها قصَّة الهيمنة الإلهيَّة والكلاءة الربَّانيَّة والتَّقدير السَّماوي، وحيث تتلاطم الأمواج، وتتدافع الأثباج، وتتعالى صرخات الأمواه في ضَمير الإنسان، حتى لَكأنَّها "وحْيُ القدرة" يقول: "الْزَمْ حدودَكَ أيُّها الإنسانُ"، وحيث يستشفُّ الضمير خبيئة هذه الأمواه وينظر ما حوتْه من دُرٍّ ومَرجانٍ، ويواقيتَ ونفائس، وما ابتلعتْه من بدائع المخلوقات الحيَّة من أسماكٍ وحيتان، وأشكالٍ وألوان، وغير ذلك.

تبصَّرْ ففِي سِرِّهِ  البَاهِر        تَرَ حِكْمةَ الخالقِ القادرِ
وفي البحرِ للنَّاظرِ المُعتبِرْ        روائعُ آياتِ ربِّ  البشرْ

وانظُر البذرة حين تلقيها في التُّراب الأغبر، وترويها بعذْبٍ زلالٍ من الماء، فإذا بها مع مَرِّ الأيَّام تتفتَّق عن قبَّةٍ من الشَّجرِ، تَميسُ بأفنانها كأنَّها عروسٌ مكلَّلةٌ ببديع الورود الفوَّاحة، والأزاهير الجذَّابة، وتختال في ثوبٍ سندسيٍّ مُحلًّى بعقودٍ من الأثْمار الشَّهيَّة والقطاف النديَّة، وتستضيف الأطْيار الحِسان من كل أوْبٍ وصوْب تَقْرِيهنَّ بثمارها، وتمتعهنَّ بطيب عطرِها، فتغني الأطْيار بأبدع القصائد التي تحار فيها الأفكار.

إذ ذَاك يطيب السَّماع، ويلذّ النظر.

قلت: يا الله، ما أجمل نجواكِ، وما أشهى حديثك، وما أبدع وأنضر منظرَك!

أيَّتُها الطبيعة الخلاَّبة لا تحرميني - بالله عليك - من عذْب أحاديثك، ومن شجيِّ نجواك، ومن بديع قصيدك.

فقالت: يا أبا مالك، كن لله كما يريد يكُن لك فوق ما تريد، ولأوثرنَّك بنجواي ما دمتَ على العهد.

ثم... ثمَّ أسدل الستار.

والحمد لله الواحد الغفار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذكر بعض الآيات الكونية (1)
  • ذكر بعض الآيات الكونية (2)
  • كيف ينظر العبد إلى نعم الله؟

مختارات من الشبكة

  • بين الطبيعة الإنسانية الإسلامية والطبيعة الصهيونية والصليبية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • إغفال الطبيعة الذاتية للنص القرآني(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسرحية: حوار في الطبيعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • العلاقات الدلالية بين ألفاظ الطبيعة في القرآن الكريم(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطبيعة الإنسانية ومراعاة الشريعة لها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطبيعة الروحية للإنسان(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • الطبيعة الطينية للإنسان(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • عالم الطبيعة الفرنسي جورج لويس لكركيك (1707 - 1788م)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
4- ساحر الكلمة!
أسامة أمين - مصر 08-07-2011 02:55 PM

ما شاء الله !
للكلمة سحر أشد من أي سحر ونحسبكم ممن تخضع لهم الكلمات كالسحر للساحر!
جزاك الله خيرا وأكثر منك ونفك بك أبا مالك

3- أمتعتنا
أحمد الهلالي - مصر 30-08-2010 08:52 PM

يا الله!
بل "ما أجمل نجواكَ، أبا مالك! وما أشهى حديثكَ، وما أبدع وأنضر منظرَك"!


تجوال ماتع بين أفياء كتاب الله المنظور ، وتطواف بارع حول شيء من أسرار الكون المعمور.
لله درك أبا مالك تتنقل بين الأساليب البديعة ، والمعاني الراقية ، وتحسن الاستشهاد بالشعر في موضعه.

"أيها الأديب المتقن ، لا تحرمنا - بالله عليك - من عذْب أحاديثك، ومن شجيِّ نجواك، ومن بديع قصيدك".
بارك الله فيك

2- ما شاء الله عليك
أحمد مهدي - مصر 17-12-2009 03:17 AM
والله ان هذا المقال من أجمل ماقرأت من الاساليب الممتعه بارك الله فيك
1- مقالة رائعة
أسماء محمد - السعودية 19-07-2009 09:42 AM

مقالة رائعة، وشكرا لكاتبها الكريم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب