• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقات الألوكة المستمرة / مسابقة كاتب الألوكة الأولى / المشاركات التي رشحت للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الأولى
علامة باركود

اعتراف

ميمونة مرزاق ثامر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/7/2009 ميلادي - 16/7/1430 هجري

الزيارات: 9977

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اعتراف
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



أذَّن أذان مغرب ليلة السابع والعشرين من رمضان، تأخّرت هالة عن طاولة الإفطار قليلاً، سأل حسين عنها فردَّت أنَّها عجّلت بالإفطار في المطبخ، قام ليطمئنَّ على زوجته رقيّة المريضة في الغرفة، فردَّه ابنُه رائد قائلاً: إنَّها تغطُّ في نوم هادئ، فلتترُكْها كي لا تُزْعِجها عند فتح الباب.

جلس حسين في الكرسي المحاذي لهالة، ناولَتْه كأس الحليب وبِضْع تمرات، وشرع جميعُهم بالإفطار الجماعي بعد تأْدِية الصَّلاة.

عند الانتِهاء من الإفطار، تقدَّم رائد قائلاً لحسين: أبِي، أريدك أن تعلم أنَّ هذه اللَّيلة هي من أحسن اللَّيالي عند الله، ونحن في أيَّام العِتْق من النَّار، والسَّعيد بإذن الله من يلقى ربَّه في هاته الأيَّام المباركة، قام رائد واتَّجه نحو والدِه، وجلس واضعًا كفَّيه على رُكْبَتيه وقال بصوت خافت، والدُّموع بعينيْه: عليْكَ بالصَّبر يا أبي، فإنَّ أمِّي قد ماتت، وما تأْخير هالة عن الإفطار إلاَّ لأنَّها كانت تلقِّنها الشهادة.

استقْبل حسين الخبر بمشاعرَ مَمزوجة بين الحُزْن والارْتِياح؛ لأنَّ الله قد خفَّف على شريكة حياتِه في موتِها، اتَّصلتْ هالة بكلِّ الأهْل والأصدقاء، وشُيِّعت جنازة رقيَّة في جوٍّ مهيب حزين.

بعد مرور عدَّة أيَّام، بدا وكأنَّ حسينًا قد أفاق من صدمةِ فراقه لزوْجِه، كان دائمَ الشُّرود، وبين الفَيْنة والأُخْرى، ينادي حفيدتَه نُهى، أحبَّ الأحفاد وأقرَبها إلى رقيَّة؛ كي يحدِّثها ويُخرج ما بداخلِه من آهات؛ لكنَّ الكلام لا يزيده إلا بكاءً ومرارة، فتنادي هالة ابنتَها نهى كي تبعدها عن جدِّها فهو لا يقوى عن الكلام المطوَّل، يشدُّها من فستانها ويشير إلى هالة: اترُكيها فمجالستها تؤنسني وتريحني، وما بكائي إلاَّ لأغْسِل ما بداخلي.

بدأ حسين الحديث مع نهى عن طفولتِه، ثمَّ كيف تزوَّج من رقية.

الجَدّ حسين: أتعْلمين أنِّي وحيد وَالِدَيَّ بين أربع أخوات؟ كنت الابن المدلَّل والمشاكس، والملاكمة هي لغتي لمن يقول لي: لا، في حيِّي.

تُقاطعه نهى: كنتَ تسكن العاصمة، وكنتَ تُلقَّب بسيد الحي، ولا أحد يجرؤ على لمس معطفك المعلَّق على أحد كراسي المقهى رغْم علمهم أنَّ به مالاً، هكذا قال لي والدي.

الجد حسين: نعم، ولكن مشاكساتي وشكاوى الجيران منِّي أخجلت والدي المتواضع، وأمام موقف أمِّي المدافع دومًا عني، أوْكل تربِيَتي إلى عمِّي الأكبر في الريف، لم تنفع معي أيَّة وسيلة من وسائل العقاب، فكلَّما عوقبتُ ازددت ضراوة، كان عمِّي يزاول تجارته بين العاصمة والريف، وكنت أتنقَّل معه أينما يسافر، ولمَّا قاربت الثَّامنة عشرة، اتَّخذ والدي قرار تزويجي من فتاة ريفيَّة محافِظة ومتديِّنة جدًّا، تقاربني سنًّا كي تتحمَّل مزاجي الصَّعب، وكانت جدَّتكِ رقيّة هي نصيبي.

كنتُ شابًّا وسيمًا جدًّا، وكنت دائمًا أعيب عليْها أنَّها لا تناسبني، لا من ناحية الشَّكل ولا من ناحية الطَّبقة الاجتماعيَّة، فقد كان زواجي بِها رغْمًا عنِّي، كنت أحلم أن أتزوَّج من بنات العاصمة، أو بالأحرى من بنات عمِّي.

استطاعت رقيَّة أن تحتلَّ مكانة كبيرة في قلْب والديَّ، أمَّا أنا فيومًا بعد يوم أزْداد نفورًا منْها وتَحقيرًا لها، غير أنَّها لم تَشتكِ منِّي قطّ، أحيانًا كنت أراها حيِّزًا أسود.

يتنهَّد ويقول: لا يهنأ لي بال حتَّى أطْرحها أرضًا وأرْكلها برِجْلي، ويبكي بكاءً مرًّا.

تقِف هالة على رأْسِ ابنتِها وتأْمُرها بالانصراف كي ينام الجَدّ، لكن هيهات أن ينام، فهاهو يتذكَّر الماضي وكأنَّه حاضر ويعيشه بمخيَّلته.

في الصَّباح ينتظِر عوْدة أحفاده من المدْرسة، فهذا يُلاعِبه، وذاك يسامره؛ لكن جِلْسة نُهى لها نكهتها الخاصَّة، عندما تنتهي من أعمالها المنزليَّة وواجباتها الدينيَّة والمدرسيَّة، يناديها جدُّها لإتمام القصَّة.

نهى: أنْهَينا كلامَنا عند ضربك لجدَّتي.

يتنهَّد قائلاً: لكنَّها سامحتني قبل مماتها، غفر الله لي ورحِمَها وأسكنها فسيح جناته.

يسكُت، ثمَّ يواصل حديثه: عندما رُزقنا برائد، استبشر والدايَ خيرًا، وظنَّا أنَّ الله سيهديني؛ لكنَّ طيش الشَّباب لا زال يُلازِمُني، فأمرني والدِي بالبحث عن عمل، خاصَّةً أنِّي أصبحتُ ربَّ عائلة.

ذات يوم تحدَّثت إلى والديَّ أنَّني أنوي الذهاب إلى فرنسا، فقد رتَّبتُ أموري وجهَّزْت أوراقي، أرادا إقْناعي فخذَلْتُهما، ولم أستشِر رقيَّة آنذاك في شيء، وهاجرت.

غابت أخباري عن والديَّ وعن زوجتي، فتكلَّم والدِي مع رقيَّة وخيَّرها بين الذهاب إلى بيْت أهلها أو المكوث عندَه، مع العلم أنَّه لا يُريد فراق رائد ويحبِّذ تربيته، رغم قلَّة الإمكانيات، ردَّت رقيَّة بدون تردُّد أنَّها ستخدم والديَّ برموش عينيها، المهمّ تبقى مع ابنها، وسوف تمتهِن غسل الملابس للنَّاس مقابل أجر زهيد للمُساعدة في الأعباء.

في هذه الفترة، استُدعِي زوْج أختي لمهامَّ عسكريَّة خارج الوطن، فاضطرَّ والدي لرعاية أخْتِي وابنِها بعدما تهرَّبت عائلة زوجِها الغائب من إعالَتِهما، وطلب من رقيَّة أن تحسن معاملة أختي لأنَّها في بيت أهلها، فأصبحتْ كالخادِمة لأختي حتَّى تُرْضي الجميع.

قلَّت إمكانيات الوالد المادِّيَّة بإحالته على المعاش، فسأل عنِّي كلَّ من يقدم من فرنسا، وأخيرًا تحصَّل على عنواني، فبعث لي برسالة، أن عُدْ لبلدِك فابنك بحاجة لك، لم أردَّ على الرِّسالة، بعث مرَّات ومرَّات؛ لكن لا حياة لمن تنادي، آخر رسالة كانت تقول: إنَّ أمِّي مريضة على فراش الموت.

يُلاحظ الجدُّ أنَّ نهى بدأت تتثاءب، يأمرُها بالانصراف، تصرُّ على أن يكمل القصَّة؛ لكنَّه يقاطعها: غدًا أكمل، ليلة هادئة.

في الصَّباح، تستيقِظ نهى لتتفاجأ أنَّ جدَّها في المستشفى، أُخذ على الاستعجالات لضيق في التنفُّس صاحبه الليلة الماضية، دخلت نهى غرفة الاستعجالات، فوجدت جدَّها مستلقيًا على السَّرير وأجهزة الأوكسجين والقلْب موصلة بجسمه، نوباته هذه لازَمَتْهُ منذ عشْر سنوات تقريبًا بسبب التدخين؛ لكن هذه السَّنة أدخلتْه المستشفى عدَّة مرَّات، بدأت حالة حسين تتحسَّن شيئًا فشيئًا، إلى أن جاء اليوم الذي غادر فيه المستشفى.

التفَّ أحفادُه حوله فرِحين بعودة جدِّهم، وحضَّرت له هالة طبقَه المفضَّل: الجمبري، وحساء البطاطس بالجُبْن، والخبز المحمَّص، ساعدتْه نُهى على تناوُلِ عشائِه ثمَّ قالتْ وهي تضْحك: جدِّي، إنَّ مساعدتي لك لتكمل لي قصَّتك، فردَّ عليها: وأنا يسرُّني أن أفرغ كلَّ ما بِجُعبتي.

طأطأ رأسَه ليتذكَّر أين توقَّف في المرَّة السَّابقة، فهو يتمتَّع بذاكرة قويَّة جدًّا، وسرد مفصّل ومطوّل للوقائع،حتى يُخيَّل للسَّامع أنَّه يُشاهِد فيلمًا.

أخذ يَحكي وكأنَّ المرَض لم ينل منه، وقال: أخذَتْني باريس بسِحْرها وملذَّاتِها، دخلت دور السينما، سهِرْت الليالي في الملاهي، تزوَّجت من فرنسيَّة، وبِزواجي منها تبرَّأ والداها منها لأنَّها اتَّخذت شريك حياتِها مسلمًا، رغْم أنَّ إسلامي كان ظاهريًّا فقط، فقد أهملتُ صلاتي، وصيام رمضان، وأصبحتُ لا مسلِمًا يُحافظ على مبادئه، ولا مسيحيًّا يتعامل معه المسيحيُّون بعفوية، ثمَّ حدَّق بعينيْه وقال لحفيدته: أتعلمين الغراب الذي أراد تقْليد مِشْية الطاوس فنسي مشيته؟! هكذا جدّك، تضحك نُهى، فيُبادِرها بالقول: نعم، اضحكي فلا زلتِ صغيرة.

تزوَّجتُ من باربرة وفي ليلة من الليالي، لعِبْنا الشطرنج فغلبتْني، شتمتُها، لكمَتْني، فكسرتُ الزُّجاجة التي كانت على الطَّاولة وهممتُ بضربِها؛ لأنِّي أحسستُ أنَّها جرحت كبريائي، نجت من ضرباتي لكن صُراخها دفع الجيران لإبلاغ الشرطة، دخلتُ السجن، أمضيت كم ليلة هناك ثمَّ سامحتني فأضحيتُ طليقًا.

نهى: هل تذكَّرتَ جدَّتي التي كنت تضربها؟

الجدّ: لا، بل تذكَّرتُ رائدًا الَّذي اشتقتُ إليه.

جهَّزت نفسي للذَّهاب إلى بلدي، وجدتُ أمِّي قد ماتت، نعم، ماتت متحرِّقة شوقًا لرؤيتي، مكثْتُ في بلدي بضعة أيَّام لتسْوِية بعض الأوْراق، وكان رائد لا يعرف أنَّني والدُه، فقد مضى على غيابي ثمان سنوات، بقيت أتودَّد له حتَّى تقرَّب منِّي، وفي يومٍ من الأيَّام استَدْرَجْتُه إلى الميناء لآخُذَه معي إلى فرنسا، بحثَ عنْه والدِي وسأل رقيَّة عنه، فقالت: إنَّه مع والده، خرج وسأل أبناء الحيِّ وهو يرتعِش خوفًا عليه، وأخيرًا وجدني وإيَّاه في الميناء نستعدُّ للإبْحار، أخذه من ساعِدِه بقوَّة وشتمني، وقال لي: أتريد أن تحرق كبد رقيَّة كما حرقت كبد أمِّك؟! ألا يكفيك إهْماله وأمّه؟! اذهب لا وفَّقك الله.

عدتُ أدْراجي إلى بيْتِي في فرنسا، بل بيْت باربرة وذُقْت المرَّ للحصول على لقمة العيْش، فكلَّما حصلت على وظيفة استعْبَدني ربُّ العمل؛ لأنِّي مهاجر عربي مسلم، فراتبي يقلُّ عن عمَّال مسيحيِّين في نفس درجتي، كنت في كلِّ لحظة أشعر أنَّ كبريائي وشرفي يُداسان، فأتشاجر وأترك الوظيفة.

بقِيتُ كذلك مدَّة سبع سنين إلى أن ماتت باربرة متأثِّرة بكبِدها؛ لأنَّها كانت مدمِنة كحول، لأُفاجَأ بعد أسبوع بالمنفّذ يطرق باب المنزل لإخلائِه وترْكِه للموصى له، تساءلتُ: من يكون هذا وهي لا تملك أقرباء؟ وطلبتُ منه أن يتأكَّد من الاسم، كنتُ على يقين أنَّني أنا المقصود، فردَّ عليَّ ضاحِكًا مستهْزِئًا: أأنت الكلب "ركس"؟!

نزل عليَّ الخبر كالصَّاعقة، وردَّدتُ دون شعور: مدمنة، خبيثة، ابنة الخنازير، قاطعني المنفِّذ: هيَّا وإلاَّ استعملتُ القوَّة.

بدأ الجد حسين يسعل، قامت نهى لتُناولَه الدَّواء ثم ساعدتْه على الاستِلْقاء على فراشه، وقالتْ له: جاء دوْري لأتحدَّث أنا، هيَّا استمع، سأقرأ لك أذْكار المساء، وهذا يساعدُك على الاستِرْخاء، لكن هيهات أن ينام هذا الجدّ، فعقْلُه شغَّال ليل نهار، وضميرُه يبدو أنَّه يعمل، ولَم يُعطِ صاحبَه راحة حتَّى في اللّيل، ربَّما ليعاقبه على الرَّاحة المزعومة التي عاشها ذات يوم، ويبدأ النَّوم بملامسة أجفان الحفيدة، فتودِّع جدَّها بعد أن تقوم بطلباتِه، يلحظ رائد والدَه مستيقظًا، فيُجالسه مؤانسًا إلى وقْتٍ متأخِّر من اللَّيل ليأمره حسين بالذَّهاب إلى فراشِه؛ فغدًا ينتظره عمل كثير.

تتوالى الأيَّام، وحسين بين الحين والآخَر، تسوءُ حالتُه فيدْخل المستشفى، ثمَّ يتماثل للشِّفاء فيُغادره.

كان معتادًا أن يدخُل لساعات حجرة صغيرة، بها صندوق لا يجرؤ أحد على فتحه، وكانت نُهى تسميه صندوق العجائب، ورغْم قُرْبِها من جدِّها، إلاَّ أنَّها لا تعرف ما بِهذا الصُّندوق اللُّغز، كانت تلحُّ دائمًا لمعرفة محتواه، وكان ردّ جدِّها دائمًا: دعي الأيَّام تكشف ما به يومًا ما.

في ليلة باردة، أبَى الجَدُّ إلاَّ أن يجلس في فناء المنزل لأنَّ ذلك يريحه، أحضرتْ نُهى كرسيًّا وجلستْ بِجانبِه وهي ترتدِي معطفًا يَقيها من البرْد القارص، ثُمَّ قالت: ثمَّ ماذا جرى لسيد الحيِّ في المهجر؟

الجد: سيد الحيِّ في بلدِه أصبح في الغربة ذليلاً، نعَم، لقد خرجتُ من المنزل أجرُّ رجليَّ ذليلاً كالكلب، عفوًا لسْتُ كذلك فإنَّ كلب زوْجتِي الفرنسيَّة أكبر منِّي شأنًا، وأنا لا أُساوي شيئًا، كانت هذه الواقِعة بمثابة الصَّفْعة لي!

رجعتُ بذاكرتي إلى الوراء، هائمًا على وجهي لا أدْري أين المتَّجه، ناداني أحدُ معارفي وسألنِي عن حالي، التفَتُّ إليْه ولم أُجِبْه، وإذا بفتاةٍ في مقتبل العمر تناديني باكية: عمَّاه اشرح لي وأرِحْ بالي فأنا في تناقُض كبير، من هو الرَّبُّ ولماذا نقول: ثالث ثلاثة؟ إنَّ الرَّاهبة لم تُعْطِني جوابًا شافيًا، وقالت لي: سَلِّمي به هكذا! أنا في حيرة، بحثتُ عن جواب لهذا السُّؤال في كلِّ الديانات ولَم أقتنِع، إن لم أجِد الجواب سأقتل نفسي، أنت مسلم وهذا واضحٌ من اسمِك، أجبْنِي واشْفِ غليلي.

قلتُ في نفسي: لم تَجِد الجواب فجاءت تبحث عنْه في الإسلام، علَّها تجِدُه فيه، وأنا تربَّيت في حضن الإسلام وما قدَرتُ الله حقَّ قدْرِه! أخذتُها لأقرَبِ مسجد، فلمحْت ثلاثة من الشَّباب يرتِّلون القرآن، تقدَّمت منهم رفقة البنت، استَسْمحْتُهم إن كانوا يستطيعون الإجابة على أسئِلَتها، فتكلَّم أحدُهم برزانة وكان يبدو عليه الوقار، هدَّأ من روعِها وأجابَها عن الأسئلة التي كانت تطرحها، وفي كلِّ جوابٍ تطمئن وتهدَأ أكثر، إلى أن نطقتْ بالشَّهادتين، وكم كانت فرْحَتِي عظيمة حين ردَّدَتْهُما! واستحْيَيتُ من نفسي في تلك اللحظة، لَم أنَم ليلتها.

تقاطعه نهى: طَرد من المنزل، وعدم إخلاص من باربرة، وربَّما جوع وعطش!

يردُّ الجد: كلُّ هذا وكأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - بعث لي بتلك الفتاة كي أنساه، لَم أنَم لأنَّ كلمات ذلك الشاب - الذي تبيَّن فيما بعد أنَّه إمام واسمه هشام - هزَّت كياني، وكأني أسمع عن الإسلام لأوَّل مرَّة!

رجعْتُ إلى الله ولازمْتُ المسجِد عسى الله أن يغفِر لي، وبِمُجالستي لأهْلِ الصَّلاح ساعدوني في الحُصول على وظيفة، عمِلْتُ ليلاً ونهارًا، كنتُ أتناول وجْبةً واحدة في اليوم حتَّى أدَّخِر الباقي لأهْلي؛ لأنِّي قرَّرتُ الرُّجوع إلى بلدي.

ينظُر الجدُّ إلى شفاه حفيدتِه المرتجفة، فيبادر بالدُّخول إلى المنزل حتَّى تتبعه نهى.

نهى: لا تقُل سوف تنام، فغدًا عطلة وأنا مستعدَّة للسَّهر معك.

تقِف هالة لتأْمُر ابنتَها أن تترك جدَّها يستريح؛ لكنَّ الجدَّ يعارض ويصرّ أن يتمَّ لها القصَّة:
التقيتُ ذات يوم بهيلين، الفتاة الَّتي أسلمت وغيَّرت اسمَها فيما بعد، وقالت إنِّي قدَّمت لها جميلاً سيبقى في عنُقِها مدى حياتِها؛ لأنَّها عرفت لذَّة الإسلام، إلاَّ أنَّها عانت ضغوطًا من أهلِها عندما كانت تتردَّد على المسجد لتعرف من الشَّاب هشام المزيد عن الإسلام، ارتدَتِ الحجاب بعد ذلك، ممَّا أثار ثائرة والدِها وحرمها من الميراث، فاعتبرت ذلك ثَمَن شرائِها لإسلامها.

بعد قرابة سنة، غابتْ أخبارُها عنِّي، سألتُ عنها فقيل لي: إنَّها عانت الأمرّين من أهلِها ممَّا اضطرَّها للابتعاد عنهم، وأقامتْ مع زوجة هشام الَّتي عرفتْ منها مزيدًا من تعاليم دينِها الجديد، وعند عودتِهما لبلدهما رافقتْهُما هيلين.

أمَّا أنا فقد عُدتُ بعد ثلاث سنين، لأرى والدي على فراش الموت، ارتميتُ عليه فأدار وجهَه عنِّي، قبَّلت يدَه وأنا في حالة هستيريَّة من البكاء، فلم يحرِّك ساكنًا، ترجَّيْتُه أن يغفر لي فإنَّ الزَّمن غيَّرني وجِئْت لأعوِّض الكلَّ عمَّا بدر منِّي، فردَّ قائِلاً: "إنَّ الوقت قد فات، ماذا تعوِّض؟! أمّك الَّتي ماتتْ شوقًا لتَرَاك؟! أم ولدك الَّذي أهْمَلْتَه وحين رجَعْت وجدتَه متزوِّجًا؟! أم زوْجتك الَّتي ضيَّعَتْ شبابَها لأجلِك؟! أم أنا الَّذي حمَّلْتني مسؤوليَّة أكثر من طاقتِي رغم كبر سني؟! كنتُ إذا عجزتُ عن تلبية طلبات العائِلة، لَم أذُق ذلك اليوم طعْمَ النَّوم.

نظرتُ لرقيَّة وطلبتُ منها المغفِرة بذلٍّ وبُكاء شديدَين، فحنَّت لِحالي وطلبَتْ من والدِي أن يغفِرَ لي؛ بل ترجَّتْه باكية بحقِّ العشرة التي كانت بيْنهما، وما زادني هذا التصرُّف إلاَّ خجلاً من نفسي، فكيف لهذِه الجوْهرة أن تُهمَل؟! أمَّا رائد فلَم يحرِّك ساكنًا، إلى أن تدَخَّلت زوجتُه.

قاطعتْه هالة: رجاءً أبِي، استرح فقد بلغ التَّعَبُ منك أوْجَه، وساعدتْه للاستِلْقاء على سريره.

وفي اليوم التَّالي، قامتْ هالة كعادتِها لتحضير الإفطار، تفقَّدت الجدَّ حسينًا لتُغطِّيه، وجدتْه باردًا بلا حراك، نادتْ رائدًا ليُحْضِر الطَّبيب الَّذي أكَّد أنَّ الجدَّ حُسينًا قد مات منذُ ساعة ونصف تقريبًا بسكتةٍ قلبيَّة.

وانطفأتْ شَمعة الجدِّ حسين خمسة أشهر بعدَ وفاة رقيَّة.

بعد مُرور أيَّام على تلقِّي التَّعازي، دخل رائد حجرة الجدِّ حُسين ليفتح الصندوق، وجدَ به حقيبةً على وجْهِها العلوي رسالة، وكم كانت دهْشة رائد وهالة عظيمةً حين علِما ما بها، فتحا الحقيبة المرتَّبة فاكتشفا: مفاتيح، ملفَّات، أوراق رسميَّة، مجوهرات ثمينة، سمحت هالةُ لنفسِها أن تمدَّ يدها لتلتقِط المجوهرات وهى تبكي.

أمَّا نهى، فلم تعِر أيَّ اهتمام لما بالصُّندوق كالسَّابق؛ بل انزوتْ في حجرتها لمِا تشعُر من الفراغ الَّذي تركه جدُّها، بقيتْ على هذا الحال أيَّامًا، حاولتْ أمُّها أن تخرجها من الوحدة التي فرضَتْها على نفسها، فلم تستطِع، هنا تفطَّن والدُها لفكرة.

رائد: ما رأيُكِ يا حبيبتي لو أُتِمّ لك قصَّة جدِّك؟ ترفع نُهى رأسَها وتُجيب أنَّها كانت تتشوَّق لمعرفة نهايتِها من جدِّها، إلاَّ أنَّها لا تُمانع أن يكمِلها والدُها.

رائد: بشرط خروجِك من انزوائك، ونبدأ من الآن، وبعد العِشاء، سألها أين وصل جدُّك في سرْدِه للقصَّة؟ نهى: عند عودَتِه من فرنسا ولم يتلقَّ ترحيبًا إلاَّ بعد أن ترجَّت جدَّتي والدَه ليسمح له.

رائد: سأُكْمل، لكن بشيء من الاختِصار: كنت آنذاك جديدَ عهد بزواجي، فترجَّتْني هالة أن أَنْسى كلَّ ما سبق، وأنعم بدِفْء قرْب والدي، تقدَّمتْ هالة من والدي وقبَّلت رأْسَه ويدَه بحرارة، فاندهش والدي عندما رأى مُحيَّاها البريء، ثمَّ حضَّرت أحلى المأكولات على شرف عودة والدي، استطاع الجميع أن يغيِّر نظرة جدِّي نحو أبي الَّذي أمرني بالتَّسجيل في الجامعة لإتمام دراستي، فقد كنتُ متفوِّقًا إلاَّ أنَّ الحاجة للمال منعَتْني من مزاولَتِها؛ لأنِّي أصبحتُ مسؤولاً عن جدِّي وأمِّي، فراتِبُ تقاعُده لا يكفينا، وأمِّي تعبتْ من غسيل الملابس، بقِي جدِّي سبعة عشر يومًا ينْعم بقُرْب ولدِه، ثم مات، وكأنَّ الله يُريد أن يُطَمْئِنه عليَّ وعلى والدتي.

مات جدِّي وهو راضٍ عن ولَدِه حسين.

نُهى: كم كان عمرُك آنذاك يا والدي؟

رائد: واحد وعشرون سنة، أصبح والدي هو المسؤول عنِّي وعن زوْجتِي وأمِّي، إلى أن جاء اليوم الَّذي قدَّم لي فيه هدية وقال: لم أشترِ لك في صغرك لعبةً تلعب بِها، إلاَّ أنَّك صِرْت رجُلاً ولعْبتك صارت أكبر وهي مفاتيح سيارة.

اشترى لنا منزِلاً جديدًا مجهَّزًا بكلِّ ما يلزم آنذاك، وفتح لي مكتبَ مُحاماة عند تخرُّجي، وأدَّى فريضة الحجِّ برفقة أمِّي، ورغْم كفايتي مادِّيًّا لتغْطِية حاجيات أُسْرتي الَّتي زاد عددُ أفرادِها إلاَّ أنَّه كان يصرُّ على تحمُّل مسؤوليَّتنا جميعًا، على الأقلِّ ليكفِّر عن أعماله سابقًا.

كانت أمِّي راضية كلَّ الرِّضا وتقول: إنَّ الله عوَّضها جزاء ما صبرت، فلم تكُن تحلم يومًا ما أنَّها ستزور البِقاع المقدَّسة؛ ولكنَّ الكريم إذا أعطى أدهش.
وكنت أسألُها دومًا: كيف سامَحْتِ أبي بعد كلِّ هذه المعاناة؟ فتردُّ قائلة: يكْفيني أنَّه والد ابْنِي، والمرأة العاقلة تتحمَّل وتصبر وتُسامح، فتعبي وتعَب جدِّك لم يذهبا، بل أثْمرا ابنًا حافظًا للقُرآن ومتزوِّجًا بزوجة صالحة، وإن شاء الله ذريَّة صالحة.

كان والدي يسافِرُ بين الفينة والأُخْرى إلى فرنْسا برُفْقة والدتي، فيغيب قُرابة الشَّهر لمتابعة أعمالِه هناك.

نهى: عن أيِّ أعمالٍ تتكلَّم يا أبي؟

رائد: جدُّك حسين كان يعمل عند رجل أعمال ثريّ، وبفضل الله كسب ثقة هذا الرَّجُل لأمانته وعمله الجاد - عكس ما كان عليه في السَّابق، حيث لم يكُن يمكث في عمله أكْثر من شهرين - وبين الحين والآخر يَزورُه في بيته، إلى أن جاء اليوم الذي طلب فيه الابْنُ الوحيد للثريِّ من والدِه إعطاءه مبلغًا ضخمًا من المال، فرفض والدُه ذلك؛ لأنَّه سيضيِّعه في القمار، تهجَّم الابن على والدِه فمنعه والدي - حسين - واضطرَّ الرجُل لطرْدِ ولَدِه الذي كان تحت تأثير السُّكْر، في الغد جاء الولد مهدِّدًا والدَه، إن لم يُعْطِه المبلغ فلن يلوم إلاَّ نفسَه، رفض الوالِد متحدِّيًا ولدَه أن يفعل ما شاء، في اللَّيل، ذهب الابن لمستوْدع السِّلع الَّذي يملكُه والدُه وأشْعل النيران به، وتصادَفَ أن كان والدِي حاضرًا في تلك الليلة بالمستوْدع لإتمام الجرْد، وحين سماعه للصَّوت الغريب، استطْلع الأمر، فإذا به يرقب ابنَ المالك يرتكِبُ جرمه، حاول إيقافَه لكنَّ النَّار كانت أسرع منْه، هاتف الإطْفاء والمالك - الَّذي جاء على وجْه السُّرعة - وعند إخماد النيران تبيَّن أنَّ الخسائر كانت بسيطة نوعًا ما، والفضل يعود لوالدي - على حدِّ قول المالك - وسُجِّلت القضية ضدَّ مجهولٍ؛ خوفًا من الفضيحة.

بعدها أصبح والدي يبذل كلَّ ما بوسعه لحماية المالك من ابنِه المتهوِّر ودون علمهما، تضخَّم دَيْن الابْن وكثر دائِنوه ولم يتحمَّل مضايَقَتَهم له، فأصبح كالمهووس، استدرَج والِدَته إلى مكان بعيد وهاتف والدَه قائلاً: إنَّ أمِّي رهينة عندي، وحياتها مرتبطة بإحضارك المبلغ، وحرصًا على حياة زوجتِه، نفَّذ المالك هذا الطَّلب المجنون، ثمَّ اهتدى المالك وزوْجه إلى حيلة مفادها أن تُكتب كلُّ الأملاك باسم والدي، ويعلن الأمر على أنَّه بيع، ولماَّ سمِع الابنُ بهذا الأمر جنَّ جنونُه وتسلَّل إلى المنزل، أطْلق الرصاص على والديْه فأرداهُما قتيلين وهمَّ بالفرار، ركب السَّيارة وقادها بسرعة جنونيَّة ما أدَّى إلى حادث مروِّع أوْدى بحياته هو الآخر، ليصْبِح والدي المالك الفعلي والقانوني لكلِّ تركة العائلة!

وبعد اثنتي عشرة سنة من عودته لبلدِه، أصيبت والدتي رقيَّة بورم خبيث في المخ، عالجها والدي في فرنسا، وأكَّد الطَّبيب ضرورة استِئْصاله، وكانت العمليَّة صعبة جدًّا، حيثُ مكثتْ في فرنسا شهرين لمتابعة العلاج، إلى أن تَماثلتْ للشِّفاء، بعد سنتين، عاودها المرض، وكثُرتْ نوباتُها فاضطرَّت لإعادة العمليَّة، وكانت نسبة النَّجاح ضئيلة؛ لأنَّ الورم قد تمكَّن من والدتي فأضْحَت مشلولة وكفيفة، بقيت على هذه الحالة مدَّة تسعة أشهُر، نحيطها كلُّنا بالدفء العائلي، ووالدي لم يقصِّر معها بشيء كما رأيتِ، إلى أن وافتْها المنيَّة هذه السّنة.

لقد كان الكلُّ يشهد لها بالطِّيبة ورعايتها لجدِّي وجدَّتي بإحسان وتضحيتها من أجلي.

نهى: ماذا عن عمَّتك وابنها التي قال جدِّي إنَّهما جاءا ليسكنا معكم؟

رائد: عند استِدْعاء زوجها للمأموريَّة، تجرَّأ أخوه الأكبر وطرَد عمَّتي وابنها حتى لا يكونا عبئًا عليه، إلاَّ أنَّ الزَّوج عاد بعد خمس سنوات، ليفاجَأ بما تُعانيه عمَّتي وابنها من فقر، فجدِّي - كما سبق وذكرنا - كان يعيلنا جميعًا براتبِه الضَّئيل، وتبيَّن أنَّ أخا الزَّوج كان يستحوِذ على الرَّاتب الَّذي خصَّصتْه الدَّولة لعمَّتي وابنها وهي لا تعلم؛ بل إنَّه استعمل ذلك الرَّاتب لشراء منزل وسيَّارة، فقد كان الرَّاتب ضخمًا، وظنَّ الجَميع أنَّ زوْج عمَّتي قد مات لانقطاع أخبارِه من أوَّل عام ذهب فيه، وهنا ثارت ثائِرة زوْج عمَّتي، وضغط على أخيه ليُرْجِع كلَّ ما أخذه بغير حقٍّ وإلاَّ أدخله السّجن، فباع كلَّ ما يملك ورجع لبيْتِ والدِه القديم الَّذي طالبه زوْج عمَّتي بحقِّه في الميراث منه لأنَّه لم يكن في المستوى.

نهى: سبحان الله! ظهر الحقُّ وزهق الباطل.

رائد: جميل أن نأخُذ العبر من الواقع، الجوّ متأخِّر، نكمل في الغد إن شاء الله، هيَّا إلى النَّوم، تصبحون على خير.

وبما أنَّها العطلة، استيقظتْ نُهى باكرًا وحضَّرت إفطار الصَّباح، وأيقظت والدَيْها اللَّذيْنِ فرِحا بحيويَّتها ونشاطها.

قالتْ لوالدِها: يجب أن تكمل لي القصَّة كما كان جدِّي العزيز - رحِمه الله - منضبطًا.

يبتسِم رائد ويقول: القصَّة تكملها والدتُك لأنَّها تخصُّها.

نهى: ولمَ تخصُّكِ يا والدتي العزيزة؟

تنظر هالة لابنتِها وتقول: لم تسْأَلي لماذا قبَّلت يدَ جدِّك الَّذِي لا أعرفه بحرارة؟

نُهى: لأنَّه والد زوْجِك.

هالة: أتذْكُرين الفتاة الفرنسيَّة التي أَسلمت؟

نهى: تقصدين هيلين؟

هالة: نعم، هيلين، هيلين.

تتوقَّف هالة قليلاً ثمَّ تقول: هي والدتك. 

تنظر نُهى لوالدتِها باستِغْراب ودهشة: لم أفهم.

هالة: عندما أسلمتُ كان عمري ستَّ عشرة سنة، غيَّرت اسمي فأصبح هالة، وبعد ستَّة أشهر غادرتُ فرنسا إلى هذا البلد الطيِّب مع هشام وزوجتِه فهو آمَنُ لإسلامي، وتصادف أن أكون في نفس الحيِّ الذي يسكن فيه رائد، ولمَّا رأتْنِي والدته رقيَّة، بلَغتُ منها سويداء القَلْب، خطبتْني من هشام ففرحتُ دون تردُّد، على الأقلِّ أكون مستقرَّة في بيْت الزوجيَّة، وكان عمري آنذاك عشرين سنة.

رائد: ألا تريدين معرفة ما كان في صندوق العجائب يا نهى؟

نهى: بلى يا والدي.

رائد: لقد كانتْ به رسالة تقول: إنَّ والدي كان يعمل عند والد هالة، تبيَّن هذا من الاسْم العائلي لهالة، وتأكَّد عند ذهابه لفرنسا من الدّفتر العائلي للمالك الَّذي كان بخزانة غرفته، تفاجأ بذلك كثيرًا، ثمَّ أحضر الدِّفْتر ووضعه في الصُّندوق، إضافة لكل أوراق الملكيَّة ومفاتيح الفيلا بفرنْسا وجواهر والدة هالة.
أمَّا المنزل الذي اشْتراه لنا فكتبه باسم هالة مباشرة، وأمَّا السيَّارة التي أهْدانيها فقد كانت هديَّة من المالِك لوالدي.

طول مدَّة مكوث أبي بيْننا كان يعتبِر نفسَه أجيرًا عند هالة قائمًا بأعمالِها، وكان كلَّما حكى لنا قصَّته مع المالك، تكتَّم لذِكْر بعض المعلومات حتَّى لا يُثِير شكوك هالة بأنَّ المقصودين هم أهلها،   فوالدها كان صاحب أكبر سلسلة محلاَّت ألبِسة رجاليَّة بفرنسا.

تقاطِعُه هالة: كان أهل زوْجة هشام يقطنون بفرنسا، وكانت تزور أهلَها كلَّما سنحت لها الفرصة، فكنت أترصَّد أخبار أهلي منها، إلى أن جاء اليوم الَّذي أخبرتْنِي فيه أنَّ أخبارهم انقطعت تمامًا، كنت أشتاق لهم وأبْكِي بكاءً مرًّا إلاَّ أنَّ رائد وأمي رقيَّة كانا نعم الأنيسان.

رائد: أرأيتِ يا ابنتِي، منعها من الميراث ورجَع كلُّ شيءٍ إليْها، ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه.

انتهت





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اعتراف
  • اعتراف ( قصة )
  • اعتراف بالفضل!
  • اعتراف (قصيدة تفعيلة)
  • اعتراف

مختارات من الشبكة

  • الأسباب التي تمنع من اتباع الحق والاعتراف به (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من ثمار الاعتراف عند الأشراف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف (خطبة) باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف بظلم النفس: أهميته وثمراته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف (خطبة) (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف بالفضل لأهل الخير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف (باللغة الهندية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشعور بالذنوب والآثام ورد المظالم والاعتراف بالحقوق بقصة "دياب" للقاص محمد صالح رجب(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
5- قصة مشوقة و رااااااااائعة
دهيبة دعماش - الجزائر 07-10-2009 10:38 PM
شدتني هده القصة بتفاصيلها المؤثرة ، فلم أشعر كيف وصلت الى نهايتها . قصة جدابة ، و كأن حبكتها تدل على أن القصة وقعت فعلا .......بارك الله فى مجهودك ، وأتمنى لك الفوز ،ان شاء الله .
4- رائعة بارك الله فيك
أحمد محمد سليمان - الألوكة - مصر 19-07-2009 03:36 PM

القصة رائعة، بارك الله في الكاتبة.

3- ماشاء الله
مريم - السعودية 10-07-2009 06:12 PM

ماشاء الله .. تبارك الله .. قصة رائعة.. وسرد جميل وتسلسل رائع ..

أسأل الله لكِ التوفيق ..

2- جميل
ايمان لغريس - المغرب 10-07-2009 12:53 AM

بارك الله فيك القصة رائعة وجميلة بارك الله فيك على المجهووووود....

1- قصة رائعة
أسماء محمد - السعودية 09-07-2009 03:39 PM
قصة رائعة، وشكرا للكاتبة ميمونة مرزاق ثامر على هذه القصة الرائعة.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب