• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقات الألوكة المستمرة / مسابقة كاتب الألوكة الأولى / المشاركات التي رشحت للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الأولى
علامة باركود

محنة النقد الآثم

الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/6/2009 ميلادي - 6/7/1430 هجري

الزيارات: 12838

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

محنة النقد الآثم
 (مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



الحمدُ لله ربِّ الجودِ والكَرَمِ، وواهبِ الخيْراتِ والنِّعَمِ - سبحانه - ميزانُه الحق، وكلامُهُ الصِّدْق، وفضله على خلقه سيلٌ مِدرار، وهو العزيز الغفَّار.
 
وبعدُ:
يَصرخ ضميرُ العقلاء والمتقين في سمْع الزمن، ويا ليتَ أهلَه يسمعون: إنَّا لفي مِحنةٍ كبرى قد اشتدَّ وقعُها، واستشرى أثرُها كالحريق، وتولَّى كِبْرَ الإِرجاف فيها أخلاطٌ من الناس يتسمَّوْن بظاهر الهداية، يجمعهم التسلِّي بسيرة العِباد؛ إمَّا قدحًا، وإما مدحًا، وصاحب الحظِّ السعيد مَن سلَّمه الله - تعالى - من ألسنتهم.

إنَّها لَمِحنةٌ مُرْبِكَةٌ تُفقِد المجتمعَ توازنَه، وتنذره برفْع النِّعم وتوارُدِ النِّقم، وقع فيها مَن لا يتقي الله، ولا يعرف قدرَ الناس ولا قدرَ نفسه، فأطلق الأحكامَ على عِباد الله ممزوجةً بنقدٍ آثمٍ يفتقر إلى المصداقية والتعقُّل، ويتَّشح بالغرابة والبلادة، كأنَّه لا يملك من الدنيا إلاَّ لسانًا يَفْرِي ويحطم في قيمة الخلق، عارٍ عن تفكيرٍ يَعقِله، أو على الأقلِّ يوجِّهه.

ومع الأسف الشديد المحبِط لأشواق الحالِمين بمنطق العدل والإنصاف، فقد زاد بين الناس نعيقُ الأصوات بالثرثرة والعَجيج، وكثرتْ مجالس التجريح بالزَّيف والضجيج، وغرق المجتمع - إلاَّ مَن رحم الله - في بحار النقد الآثم، والافتراء الظالم.

عناوين تكذِّبها المضامين:
ولا تكاد تمرُّ شاردةٌ ولا واردة، إلاَّ وللأحلاس فيها رأيٌ ومذهب – كأنَّهم يعرفون كلَّ شيء - فهم عناوين زُورٍ على بناءٍ مكذوب، يزعم أحدُهم أنَّه يملك أُهْبَةَ التحليل السياسيِّ، والاجتهاد الشرعيِّ، والنقدِ الفنيِّ والرياضيِّ والأدبيِّ، ودرسوا تاريخَ كلِّ البلاد، وعرفوا سيرةَ الأجداد، وإذا تكلَّم أتى بالغرائب من فرْطِ جهله.

وَإِذَا بَصُرْتَ بِهِ بَصُرْتَ بِأَشْمَطٍ        وَإِذَا تُحَدِّثُهُ تَكَشَّفَ عَنْ  صَبِيِ
 


فلا تسمع إلاَّ وجهات نظرِ أحداثٍ صِغار، وأوهام تُرسِّخ للجهل الصارخ وتَحمي حِماه.

ومِن وراء ذلك غَرِقت الأمَّة في طوفانٍ جارفٍ من الآراء السقيمة على كلِّ المجالات، ولطالما تسامَعَ الناس عن نقود الجهلاء الْخُلَّصِ، وأنصاف المتعلِّمين، وأعشار المثقفين.

إنَّني أعجب كثيرًا من هذه الجرأةِ التي تسوِّل للعامَّة نقدَ الأغيار، والوقوعَ فيهم، بل والتطاولَ بهذا أيضًا على الخواصِّ من رموز الأمَّة وعلمائها بنقدٍ بينَه وبين المنهجيَّة بُعدُ المشرِقَين، يَهدم ولا يبني، ويُفرِّق ولا يجمع، ويُضلُّ ولا يَهدي.

إنَّه نقدٌ مبنيٌّ على الظنِّ والهوى، ولا أساس له من منهج أو دليلٍ أو منطق، وما أكثرَ ما ذمَّ الله الظنَّ والهوى؛ {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]، ((إيَّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث))، ((وكونوا عبادَ الله إخوانًا، ولا تحسَّسوا ولا تجسَّسوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا))؛ البخاري، صحيح الجامع 16724 بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال - تعالى -:{وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} [ص: 26]، لكنَّ أصحابَ الآراء العوجاء مُعْجَبُون حتَّى النُّخَاعِ بما يقولون، فلا تراهم إلاَّ على ثِقة الظمآن بوجود الماء في الصَّحراء، أو على ثقة الميِّت في العودة إلى الحياة، ولا يزالون على الإصرار مُتَجانِفِين لآثامٍ تَرْتاعُ من حَملِها الجبال الرواس.

وما ظنُّك بالمجالس التي تحوي العُميان الذين يَصفون ضوءَ القمر، وهم لم يَرَوْه ولم يعرفوه؟! أو يَحْكمون على برئٍ باقترافِ الجنايات والأخطاء وهم – قبلَ اليوم – لم يُعاينوه؟! أو يخلعون خلَعَ التكريم على بليدٍ أو لئيمٍ؛ لهوىً في النَّفس، أو طمعًا في نيلٍ يسيل له لعاب أحلاس المجالس وسُكَارى الأفكار؟! لا شكَّ أنَّها مجالسُ حسرة وندامة.

لقد سَقطَ البعضُ سقوطًا مُدَوِّيًا في هذا الأَتُّونِ المُحْرِق، فاخترعوا من مراسيم الإثم والبراءة ما يَتيه له عقلُ الحليم ولبُّ الرشيد؛ ذلك لأنَّ معوجَ الفِكر ينظر إلى مَن يُحب نظرةَ رِضا تامٍّ، وينظر إلى مَن يُبغض نظرةَ انتقاص وتجريح، وبحث دائم عن المساخط والعيوب:

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ  عَيْبٍ  كَلِيلَةٌ        وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا
 

لهذا؛ فغالب الأمر أنَّ أحكامنا على بعضنا لا تتَّفق على رأيٍ أو اتِّجاه، ولا يمكن لها في جوٍّ كهذا أن تتَّفق، فَمنَّا مَن يرى الظلام في رابعة النهار، وَمنَّا من يُسَوِّي بين الذهب والخشب، وصار الهِرُّ الضعيف – هزلاً – يحكي صوْلَةَ الأسد، والسبب: أنَّه يتمرَّغ على بساط التكريم والمدح من فسقة الألْسنةِ، وأهل الرغائب والمآرب.

ولا شكَّ أنَّ المجتمع يَعُجُّ بمَن يرى الهَباءَةَ في عيون الناس، ولا يحسُّ الجِذْعَ في عينه، وذلك مِن عَمى قلبِه، وتاه الحقُّ الصافي بين أدراج الهوى والمصلحة، واللَّذة العاجلة والمأرب الوقتي، ونتيجةً لذلك رُفع الظلمُ بأفواه الجائرين في الأحكام بلِسانهم إلى مراقي العُلا، وَقَلَّ نصيرُ أهل الخير والعدل والتُّقَى، فخذلهم المجتمع وأَفْضَى بهم قطار الحياة - أحيانًا - إلى أن يتَّخذوا مكانًا قَصِيًّا؛ هربًا من لدغات النَّقد المتهجِّم السافر الذي يَنُمُّ عن قلَّة إيمان، وسوءٍ في الخُلق، ونقصٍ في الأدب.

أصلِح نفسك قبل نقد الآخرين: 
إنَّ النقد البنَّاء ما هو إلاَّ محاولةٌ للإصلاح بتجلية العيوب، وبيان نِقاط المدح، وهدفُه الترقِّي إلى التصرُّف الأمثل، ونبذ الأخطاء، وعلى هذا فقد أمرنا الإسلام العظيم بإصلاح أنفسِنا أولاً، ودعانا بعد ذلك إلى محاولات إصلاح غيرنا ((ابدأْ بنفسِك، ثم بِمَن تعول...))؛ ذكره موفق الدين بن قدامة في المغني 11/375 بسند صحيح.

ومَن يتأمَّل هذا النصَّ القرآني الكريم، يجده يُدير الأمر أولاً على النفس، ثم يعطف على الأهل؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وحتى في طلب الدعاء بالمغفرة يُعلِّمنا القرآن الكريم أيضًا أن نبدأ بأنفسنا؛ قال الله - تعالى – على لسان نبيِّه نوح – عليه السلام -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا} [نوح: 28]، فالوقاية من النار مطلبُ الجميع، ولكن على الإنسان أن يَقيَ نفسَه أولاً، والمغفرة أيضًا مطلبُ الجميع، ولكن على الإنسان أن يبحثَ عنها لنفسِه أولاً، إنَّ هذا منهج قرآنيٌّ واضح لا بدَّ من الاحتكام إليه في كل الأمور.

والهدف المنشود من ذلك هو أن يبدأَ المسلم عمليةَ الإصلاح بنفسِه، وخصوصًا في مجال النَّقد الذي يجب أن يكون ذاتيًّا، طالما أنَّه يتمتَّع بموهبة النقد والتفرُّسِ في العيوب، فلا جَرَم، يبدأُ أَوَّلاً بنفسه، فهو أوْلى من غيره.

وليكن سؤاله الدائم لنفسه: هل أنا بريء ممَّا أَرْمِي به غيري مِن المعايِبِ والمثالِبِ؟

وهل أتَمَتَّعُ في تَصَوُّرِ الناس عنِّي بهذه الصُّورةِ اللاَّمعةِ الجميلة التي أظنُّها في مخيلتي؟

وما هي صورتي الحقيقيَّة في أعين الناس؟ ربما أنَّهم ينعتونني بالجهل أو البُخل أو الطمع أو الميل إلى الآثام، أو غيرها من مُحَقِّراتِ الصِّفات، آهِ لو كانوا يقولون عليَّ ذلك.

تلك وقفة لا يَقْدِرُ عليها إلاَّ الموَفَّقُون، الباحثون عن عُمق الحقائق، والذين لا يَكذبون على أنفسهم، ولا يُحبُّون مَن يكذب عليهم.

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ  الْمُعَلِّمُ  غَيْرَهُ        هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا  التَّعْلِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا        فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ  وَتَأْتِيَ  مِثْلَهُ        عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ  عَظِيمُ
 

ولنا في موقف الفاروق عمر بن الخطَّابِ عِبرةٌ، حين طلب من حذيفةَ بن اليمان - رضي الله عنه - صاحبِ سِرِّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُخْبِرَه: هل وجد اسمَه في ديوان المنافقين؟ هذا موقفُ رجلٍ كريمٍ من رِجالات الإسلام، يُلهِم العقل عبرًا وكنوزًا أغلى من الذَّهب، رجل لا يبحث عمَّن يمدحه بباطل القول وزورِه؛ ولكنَّه باحثٌ عن حقيقة منزلته التي يحتلُّها في قلب النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتلك منزلة الأبرار.

تزكية النفس من الفواقر: 
على الرَّغم من أنَّ أمر القرآن واضحٌ في البُعد عن تزكية النفس، فقد قال الله – تعالى -: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]، ومع هذا فإنَّ البعض يظلُّ يرفع من قدر نفسِه حتى يشتهرَ بين الناس بذلك، فلا تراه أبدًا إلاَّ مادحًا لذاته، شارحًا مواطنَ فخرِها، الذي ربَّما لا يكون له من الصِّدق أيُّ نصيب، ويدمن التَّكْرار: أنا لا أخطئُ أبدًا، إنَّ تصرُّفاتي مَضربُ الأمثالِ في الحِكمةِ وحسنِ التَّقدير، كل الناس تعرفني وتعرِف عني أنِّي مُمَيَّزٌ أَينما حلَلْتُ، ولا يكون هذا المسلكُ القرآنيُّ منطقَه أبدًا بقول الله – تعالى -: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53].

قد يقرِّر ذلك على الناس، أمَّا هو فلا، ثم يُكرِّر في مجالسه أحكامًا نهائيَّةً تسرح في خاطره فقط، ويسمعها جُلساؤه عشرات المرَّات عن سيرته المَرضِيَّةِ في تفوُّقه الدِّراسي الذي كان، ونبوغه الفكري الذي لا يُحَدُّ، وطِيبِ أصله، ونقاء معدنه الذي لا يُسامَى، ثم يدير دفَّة الكلام بعد ذلك عن آبائه وأجداده وأولاده وأحفاده، إنَّها صورة تستدعي التفكير في حال هذا الذي أَمَلَّ الناس من حديثه ومجلسه، ولا يَصبِر عليه إلاَّ مَن ذَلَّتْ له رقبتُه بمسألة أو طِلْبَةٍ خاصَّة.

إن هذا - كما قيل عنه -: إنَّه أتم الناس نقصًا، وإنَّ مصيبته إلى الأبد.

وأشدُّ منه بلاءً مَن يُصَوِّرُ له خيالُه أنَّ عيوبَه وأخطاءَه محاسن يُعْجَب بها، ويدافع عن قُبحها، فيَعدُّ طولَ لسانِه وتَهَجُّمَهُ على الناس صراحةً، وبخلَه حرصًا، ونِفاقَه ذكاءً اجتماعيًّا، واغتيابَ الناس شهادةَ عدلٍ قوَّامٍ بالحق، ونميمتَه بين الخلق تحذيرًا من أهل الفسق، وغبَّهُ من مباهج الحياة والإغراق فيها تمتُّعًا بنعمة الله - تعالى - وندرةَ العبادة لديه لا تُضِير؛ لأنَّ رصيدَه من حسن التديُّن الماكِنِ في قلبه لا يُحدُّ!!

وفي الوقت ذاته لا يَرْعَوي عن تحويل مدائحِ الناس إلى عيوب، فيرميهم بالنقائص لهوىً في نفسِه ومرضٍ في قلبه، فلا ترى الناسَ في مخيلته المريضة إلاَّ متَّهمين غارقين في بِحار الخطأ؛ لأنَّه لا يستريح لمكانتهم، ويُزعجه احترامُ الغير لهم، فيُحيل الباطل في ثوب الحق؛ ليُقَلِّلَ من شأنهم:

إِذَا   مَحَاسِنِيَ   الَّتِي   أُدِلُّ    بِهَا        صَارَتْ عُيُوبًا فَقُلْ لِي كَيْفَ أَعْتَذِرُ
 

إنَّ الإنصاف يستدعي كلَّ عاقل أن يشتغل بعيبه، وأن يحاول علاجَه وإصلاحه، وأن يُفرِّغ قلبَه وتفكيره من عيوب الناس؛ فإنَّه مسؤُولٌ عنْ نفسه لا عن الناس، فعندما يَشغله عيبُه يعرف الطريق السليم، ويُصلح ما أفسدتْه الأيَّام من أمر الدنيا والدِّين، خصوصًا في الزَّمن الذي تنوَّعت فيه الفِتَن، وقلَّ فيه مَن يناصر الحق.

وصَدَق النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال: ((... حتى إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعًا، وهوىً مُتَّبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك))؛ المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/132)، عن أبي ثعلبة الخُشني - رضي الله عنه - بسند صحيح، أو حسن أو ما يقاربهما.

كلمة الحق هي المنصورة:
ولو نَطَق الواقع في حياة الناس لقال: إنَّ النِّفاق والكذب، والتعدِّي الظالم بغثاء الألْسنة على عِباد الله، كلها من زوائف البيان الظالمة، الطائرة مع الرِّيح رغمَ إكساب قائلها وِزرًا وأثقالاً من الذُّنوب؛ قال الله – تعالى -: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17].

فكلُّ مَن نافقك، أو ناصَرَك على الناس في موقف باطلٍ، ونَقَدَهم من أجلك، وشوَّهَ صورتَهم – هو إنسانٌ غير مأمون في دِينه، وبالتالي فهو غير موثوقٍ به، فربَّما يقف ضدَّك في غدٍ يناصر غيرَك، إنَّ مصلحته تسير في هذا الاتجاه؛ لأنَّه لا مبدأَ لديه يَعصِمه من هذا الالتواء في السُّلوك، ولأنَّ حقَّ الله - تعالى - غالبٌ دائمًا، فسيبقى الحقُّ الصراح في آخر الجولات أبدًا هو النافعَ الباقي، زينةً للتاريخ، وإثباتًا للعدل.

لا إهدار للنقد الهادف: 
وكلُّ القصد ممَّا سبق هو البعدُ عن التجنِّي وسوء النيَّة، ورَجْم الناس بالعيوب، وليس القصدُ منه - إطلاقًا - إهدارَ قيمة النَّقد الهادف البنَّاء الذي تسمو به المطالب، وتزكو به طرائقُ الحياة؛ لأنَّه طِلبةُ المؤمن الغالية من أُولي الأحلام والنُّهى، حتى يقوِّمَ به أخطاءَه، ويصلحَ به ما أفسدتْه الأيام من حاله؛ {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]، والمؤمن للمؤمن نصيرٌ في الحق، صادق ومعين في المشورة المنصفة، وجامعُ شأنِه أنَّه مرآةٌ صافية لأخيه.

فلْيَقبل المرءُ ما كان فيه ضبطٌ لمساره، وهدايةٌ لخطاه، شريطةَ أن يكون صادرًا مِن عقل ذكيٍّ، ولسانٍ حكيم، حتى يستطيعَ إهداءَ تمام النقص بلا تجريح، وفي الأثر: "أَشْكرُ مَن أهدى إليَّ عيوبي".

ولكلِّ ما سبق، فنحن مَدْعوُّون إلى أن نكون خِفافًا بألْسنتنا على بعضنا، متعاونين في رأبِ صَدْع النفوس بالنُّصح الحكيم تارة، وبالإغضاء تارات، ولا نشغل أنفسَنا إلاَّ بأنفسنا، وإذا عرضتْ لنا مواقف الحُكم والنقد والتجريح للغير، فالهربُ من هذه المهاوي مِن حُسن الفطن، والحق عصمة اللِّسان، وفيه هداية لكلِّ بني الإنسان، حيث يعمُّ نورُه أفقَ الحياة، وينتشر رغم بُغامِ الحَمْقى وأهل الثرثرة، ومجالس محاكم التفتيش المتجدِّدة عن قلوب وتصرُّفات عِباد الله.

إنَّ البشريَّة الضالة الآن تسبح على بحورٍ من النِّفاق العالميِّ العام على شتَّى المجالات؛ لأنَّها فاقدةٌ لأصول الحُكم المنصف، والهُوَّة تزداد كلَّ يوم عُمقًا، ومن وراء ذلك داءاتٌ لا حصرَ لها في سوق الأخلاق والقِيم، والعالَم يئنُّ مِن فرط جراحه، ويتوجَّع بأخلاقه، ومشكاة النور الباقية الوحيدة بيدك أنت يا ابنَ الإسلام، فلا تُهملْها، بل احمل أمانتَها، فأنت أحقُّ بها وأهلها.

والله يرعاك.  





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كثرة النقد تضجر
  • كيف ننتقد؟!
  • دراسة عقدية لكتاب: النقد الثقافي
  • ومن اللوم ما قتل!
  • مضار السكوت عن النقد
  • إذا استفزك مقالي فانقده
  • تساؤلات حول النقد
  • نقاد السرائر
  • النقد التشاؤمي
  • النقد العظامي
  • وظيفة النقد في المجتمع الإسلامي
  • النقد العلمي
  • قضية الحس والذهن في النقد
  • منحة في ثياب محنة

مختارات من الشبكة

  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ما الفرق بين أسس وسمات ومقاييس النقد؟(استشارة - الاستشارات)
  • محنة الإمام أحمد بن حنبل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • في النقد الأدبي: ما الأدب؟ ما النقد؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد من أجل النقد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • محنة الإمام مالك بن أنس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مظاهر النقد الأدبي وخصائصه في العصر الجاهلي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد الانتقامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النقد الهزيل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • "أجمل الأيام" للرابع الابتدائي: بين النقد التعليمي والنقد اللغوي(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
3- مثل هذا هم فخر الأمه
السيد قحيف - مصر. طنطا. بلدة الإمام 18-01-2016 07:42 AM

الحمد لله الذي وفق العاملين لطاعته فوجدوا سعيهم مشكورا وحقق آمال الآملين برحمة فمنحهم عطاءا مغفورا.. فنحمد الرب على جميل عطائه ..... فلنا كل الفخر ولله عظيم الشكر على عطاءه لنا بمثل هؤلاء العلماء الأجلاء وصدق فاك وسلمت يداك فضيلة الشيخ على هذا المقال الرائع الذي التمست فيه واقعا مريرا فرض علينا العيش فيه وسط ذئاب ليس عليهم إلا تسليط ألسنتهم التى تشبه مخالب الأسود فى جسد الفريسه بنقد ليس فيه إلا حقد وغل ....سائلين الله عز وجل الهداية و أسأل الله لك أن لا يجف قلمك أبدا ما دمت حيا.

2- الحمد لله على نعمة العلم والعلماء
محمد ادريس (ابو حسان ) - مصر / طنطا 12-08-2009 03:00 PM

الحمد لله الذى اكرمنا بنور العلم المبدد لظلمات الجهاله وأنقذنا بنور الرساله من السقوط فى درك الضلاله وانعم علينا بوجود العلماء ارشاداً للعلماء ودلاله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الأنبياء مقاماً واحسنهم كلاماً لبنة تمامهم ومسك ختامه رافع الإصر والأغلال والداعى الى خير الأخلاق واحسن الأعمال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه اجمعين

بارك الله في فضيلة مولانا الشيخ حسين وهدان على موضوعه الطيب
ومزيدا من فضيلتكم فى الدعوة الى الله بحسن القول والفعل والخلق

وجزاكم الله خيرا

ومبارك لفضيلتكم هذا التأهيل فى المسابقة

1- ماأسعده من يوم
سعيد الشبينى - بلد الشيخ 22-07-2009 08:01 PM

ما أسعده من يوم ولا يحضرنى الا قول الشيخ الغزالى وهو يتسلم جائزة الملك فيصل العالمية حينما سئل عن شعوره فأجاب بقول الحبيب رسول الله عليه الصلاة والسلام إنها عاجل بشرى للمؤمن فتلك بشرى من الله لفضيلتك باخلاصك وتجردك لله وحرصكم على اداء الرسالة وتبيلغ الامانة والتضحية فى سبيلها بكل غال ونفيس زادكم الله تقى ورفع درجاتكم فى عليين وأسبغ عليكم من نور علمه ومتعكم بحبه جل جلاله وتقدست أسماؤه ولله الحمد ومنه تعالى كل المنن

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب