• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقات الألوكة المستمرة / مسابقة كاتب الألوكة الأولى / المشاركات التي رشحت للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الأولى
علامة باركود

أنكاد الحياة على جناح سفر

الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/6/2009 ميلادي - 19/6/1430 هجري

الزيارات: 17907

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أنكاد الحياة على جناح سفر
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

 

الحمد لله، جعل بعد العسر يُسرًا، وملأ قلوب المؤمنين صبرًا، وضاعف المثوبة على كُرَبِ الأيام مع الاحتِساب عليْها، وأجزل الفضل والأجر.

أمَّا بعد:
فالناس على كف الأقدار، والدنيا تضحك بالمقدار، وتدور مع الزمن الدَّوَّار، وتُبْدِئُ وتُعيدُ القسمةَ على أهلِها بالمسَرَّاتِ أو الضَّنَى، على وفْقِ ما قدَّره الواحد القهَّار، فلا حزنُها يدومُ، ولا فرحُها بَاقٍ، ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8].

وفي قَلْبِ آلامِها طوفانٌ مَوَّارٌ من الإحساس بالضعْف والعجْز والانقطاع، لو وُكِلَ إليه المُبْتَلَى فإنه سيسقُط - حتمًا - في أتُّون الإحباط والتَّلاشي.

والإيمان عصمة، يحمي ويُجير من السقوط، ويظلِّل الرُّوح بأفْياءِ السكينة، ويزوِّدها بلِقَاح الوقاية من الرِّيَبِ مهْما تكنْ أنْواءُ الأحزان مُزَمْجِرةً في أُفِقِ الأحداث.

فلِلَّه أمر الإيمان العاصم بإذن مَن فطَر القُلوب عليْه، وهداها إليه! لله أمرُه وهو يُرْسي في النَّفس مراكبَ اليقين، ويرفَع في سمائِها شراعات الثِّقة بالموعود غير المفقود! تَميد الجبال ويغيضُ ماء البحور، ويبقى اليقين في موعودِ الله ربِّ العالمين ملْءَ الأرواح، كأنَّه واقعٌ ظاهرٌ للعِيان، تشرف عليْه القلوب الموقِنة من خلْفِ حجُب الغيب، وترى أملَها ورِضاها فقط عند ربِّها، حتَّى إن كان مستحيلاً بِحساب البشر؛ ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [إبراهيم: 20] هذا هو المؤمن وهذه بعْضُ ملامحه الغالية.
•    •    •    •


دوام الحال من المحال

ألا وإنَّ أصحاب الأنْكاد في جحيميْن - إلا المؤمنين - فبيْنما هم يُقاسون الجِراح ممَّا هم فيه، إذ يتكالب عليْهم الإحساس الكاذب من ناحية أخرى، فيوهمهم بأنَّ مصيبتَهم أبد الدَّهر، وأنَّ البلوى لا يُمكن أن تزولَ، وأنَّ العسر لن يتْبعه يُسْر، وأنَّ الفرج منالٌ بعيد بل هو عيْن المستحيل، وغيرها من الأفكار التي:
تَصْدَا بِهَا الأَفْهَامُ بَعْدَ صِقَالِهَا        وَتَرُدُّ  ذُكْرَانَ  العُقُولِ   إِنَاثَا

ولنتأمل ما يلي:
حينما يفقِد التَّاجر السيْطَرة على إدارة أموالِه، وتَجْمَحُ به إلى دَرَكِ الخسارة، تستولي عليْه حينئذٍ مشاعرُ الإفلاس والفاقة، حتَّى إنَّ بعضَهم ليظنُّ أنَّ القيامة قد قامتْ، وسيظلُّ فقيرًا معدمًا إلى يوم يبعثون.

وما هذا بِحال المؤمنين؛ فالفرج قريب، وأنْكاد الفقر والعوَز على جناح سفر.

وفي بلاد الغُربة وتَحت وطأةِ البعد عن الأهل والأحباب، تزحف مشاعرُ آثرةٌ من نوعٍ خاصٍّ على كلِّ بعيدٍ عن وطنِه وعشيرتِه؛ كما قال إمامُنا الشَّافعي - رحِمه الله:
إِنَّ الغَرِيبَ لَهُ مَخَافَةُ سَارِقٍ        وَخُضُوعُ مَدْيُونٍ وَذِلَّةُ مُوثَقِ
فَإِذَا  تَذَكَّرَ   أَهْلَهُ   وَبِلادَهُ        فَفُؤَادُهُ كَجَنَاحِ طَيْرٍ  خَافِقِ

ويُراوده الحنين ويصبحه ويُمَسِّيه نحو وطنِه، الذي يسكُن في قلبه، ولكنَّه - مع ذلك - ربَّما يقول في نفسه:
إِذَا شَابَ الغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِي        وَصَارَ القَارُ  كَاللَّبَنِ  الحَلِيبِ

يا أيُّها الغريب، كاد اليأسُ أن يكون كفرًا، ولواعِج أحزان الغُربة على موعدِ فِراقٍ وجناح سفر.

والدَّاعية إلى الله - تعالى - تمرُّ به ساعاتٌ وأيَّام ولحظات عصيبة، وهو قائمٌ بأمْرِ دعْوَتِه، ثم يكون الصَّدُّ والنَّدُّ هو حظَّه من المدعوِّين، وعندئذٍ يَغْشاه طائفٌ من الضِّيق والألَم، وربَّما يتوهَّم أن لا فائدةَ في الجهْد، وأنَّه يؤذِّن في خرابة، وأنَّ الدنيا قد تربَّعتْ على قلوبِ النَّاس، ولا سبيلَ بعد ذلك إلى الهداية أبدًا، وفي هذا ظلمٌ للدَّعوة وللمدعوِّين أنفُسِهم، وإهدار لسُنَن الله الثَّابتة في العالمين، ألا إنَّ فرج الله قريب، وغدًا - يا دُعاة الخير والهدى - ستُشْرِق الأرض بنُور ربِّها.

وعندما يُداهِم المرضُ الأبدان وتبدو عليْها علامات الضَّعف، وتُرْهِقها شدائدُ الآلام، ربَّما تسيطر على المريض هواجسُ الإحباط واليأْس من الشفاء، فيظنُّ أنَّه سيظل رهينَ الفراش حتَّى يلقى الله؛ كما قال هذا الأعرابي للنبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد دخل عليْه للزِّيارة قائلاً: ((لا بأس عليْك، طهور إن شاء الله))، قال الأعرابي: طهور؟! بل هي حمَّى تفور، على شيخ كبير، تُزِيرُه القبور، قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فنعم، إذًا))؛ البخاري (7470) عن عبدالله بن عباس.

والمؤمن على عكس المعنى، فهو واثق من أنَّ الله - تعالى - سيمنُّ عليْه بالعافية في بدنِه وإن طال به أمدُ المرض، إنَّه مُوقن بقولِه تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]، وآلامُ الأسقام - مهما طال زمانُها - فهي مؤْذِنة بوداع وعلى جناح سفر.

والمبتلَون بالأحكام الظالِمة والسجْن والإهانة تَغْشاهُم سحائبُ الشَّكِّ في النَّجاة ممَّا هم فيه، ويظنُّون أنَّ النَّقلة القادمة لهم هي من ظُلْمة السُّجون إلى ظُلْمة القبور.

ومثلهم في ذلك أصْحاب القضايا الموقوفة على أحْكام القضاء، لا تراهُم إلاَّ ضارعين إلى المحامين، والقائمين على مَوازين الحكم في حلقاتٍ لا تَهدأ، مُنزِلين البلاء بالنفوس قبل حلوله، والله هو الذي يكشِفُ السُّوء عن عبادِه، ويُجيرُهم من زيْغِ الحاكم، وسطْوة الغاشم، وافتِراس الظالم.

والفرْد الذي يعاني الضَّعف من بين البشَر، تراه يعيشُ على هامش حياة الخلْق حوله، قد أنزل نفسَه منزلة الضُّعفاء، لا ينسى طرْفَةَ عين هذه الإمكانيَّات الهزيلة الآنيَّة التي يَحتويها بين جنْبيه، يُملي عليْه فهمُه الذي يعانى السقم أيضًا أنَّ الله - تعالى - قد خلقه ضعيفًا وكفى، غير متطلِّع إلى غده المأمول بأن يكسوَه من ثوب العزِّ والقوَّة ما لم يَنْلَه في الأيام.

والأمَّة الضعيفة المَدِينة الكسيرة التَّابعة، تظنُّ نفس الظَّنِّ، ويُعاني أفرادُها هذه المحنة من المشاعِر المتلاطِمة من اليأْس في المستقبل السَّعيد، حيث تُجْمِع عقول اليائسين أنَّ عقارب السَّاعة لن تعود إلى الوراء، وأنَّ كلمة الفصل قد حقَّت، وأنَّ مَن خلقَه الله قويًّا سيظلُّ يرفل في قوَّته إلى أبد الآبدين، وأنَّ الأمَّة الضعيفة محال أن تنهض أو تحلُم بالنهوض، قد خطَّ قلم القدر وانتهى الأمر!

وسبحانَ مَن يغيِّر ولا يتغير! كيف يغتال اليأسُ آمالَ الطامحين إلى المجْد وقد وهبه الله لِمن يطلبه؛ ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ﴾ [القصص: 5 - 6]، فأنْكاد الذُّلِّ والضعف مهما طالتْ، فهي مودعة وعلى جناح سفر.

وهذه الصور وغيرُها كثيرٌ من أبْواب التخيُّلات الباطلة الموهومة، فالدُّنيا تتلوَّن بأهلِها وتتشكَّل بشتَّى الصُّور، وأحوالها دائرةٌ بين اليأْس والرَّجاء.

فيا أيَّتها الأحزان والأنكاد والجراح:
إنَّا لعلى يقينٍ من الفراق، وإنَّا لنعلم أنَّك على موعد قدَّره ربُّنا الرَّحمن بعدْلِه وفضْلِه، ورحمتِه وحِكْمتِه، ثُمَّ تنجلي الغمرات، وترتفع البلايا، وتعمُّ الخيرات، وذلك ليمحِّص الله عبادَه، وليغفر لهم الخطايا، ويكفِّر عنهم السيِّئات.
ما غرَّك فينا وربُّنا الله الذي قهر كلَّ شيء بعزَّته؟!
إنَّا لعلى يقينٍ بأنَّ التاجر الذي عرض له عارضُ الكساد سيمنَحُه الله الغِنى بعد الفقْر، فلا يغني العبادَ إلا الله.

وأنَّ الله سيردُّ الغريب إلى وطنِه بإذنِه:
وَقَدْ يَجْمَعُ اللَّهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعْدَمَا        يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ  لا  تَلاقِيَا

وأنَّ هذا الدين منصورٌ بدعوة دعاتِه وجهاد أبنائِه، وبِما يحتويه دستورُه من شرف الدُّنيا وكرامة الآخِرة؛ ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173] مهما تكاثَرت المحن وزادت العقَبات.

فَكَمْ زَالَتْ رِيَاضٌ مِنْ رُبَاهَا
وَكَمْ بَادَتْ نَخِيلٌ فِي العَوَادِي
وَلَكِنْ نَخْلَةُ الإِسْلامِ تَنْمُو
عَلَى مَرِّ العَوَاصِفِ وَالعَوَادِي
وَمَجْدُكَ فِي حِمَى الإِسْلامِ بَاقٍ
بَقَاءَ الشَّمْسِ وَالسَّبْعِ الشِّدَادِ

وأنَّ المريض سيرفل في ثوْب العافية - بإذن الله - مهما طال به الزَّمن.

وأنَّ المظلوم والمبتلَى إلى زمن التَّمكين والعزَّة يسير، وإن أبطأ به المسير؛ ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ [النور: 55]، وحتَّى مع السجن والتضْييق فقد مكثَ نبيُّ الله الكريم يوسُف الصديق - عليه السلام - بضْع سنين ثُمَّ خرج عزيزًا على مصر، وقت أن كانت حاضرةَ الدنيا وسيِّدة البلاد.

وأنَّ الأمَّة على قدَر سعيد بالرِّفعة والسؤدد؛ فعن أبيِّ بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بشِّر هذه الأمَّة بالسناء والرفعة والنصْر والتمْكين في الأرض، فمَن عمِل عمَل الآخِرة للدنيا لم يكُن له في الآخِرة نصيب))؛ مسند الإمام أحمد (20274).

فإلى أين المسير، أيَّتُها الأنكاد؟
خير لك من زمن البقاء هو طلَب الفِراق، فإنَّك مقهورة باليقين والأمل، وعلى الله بلوغ الأرَبِ.



وقفة مع الأنبياء الكرام عليهم السلام

وأنبياء الله الكرام خلَّدتْهم روائعُ معاني الصبر الجميل، الذي غلف جلَّ أحوالِهم في الدَّعوة إلى الله وكل أمور حياتِهم، فهم أكثر النَّاس بلاءً، وأكثر الخلق أنكادًا بحساب البشر، وأشدُّ أنواع هذا البلاء كان من نصيبهم، دلالة عزم وشارة إيمان، ولا غرو سيرث كلُّ مَن على شاكلتِهم الكريمة حظَّه الأوفى من التَّماثُل، وقرب التَّشابُه على قدْر التقوى معهم.

فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، أيُّ النَّاس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثمَّ الأمثل فالأمثل؛ يُبتلى الرجُل على حسب دينِه، فإن كان في دينِه صلْبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقَّة ابتلي على قدْر دينه، فما يبرَحُ البلاء بالعبد حتَّى يترُكَه يَمشي على الأرض وما عليه خطيئة))؛ رواه الترمذي في السنن (2398) وقال: حسن صحيح.

فما من نبيٍّ ولا رسول إلا ومرَّت به اختبارات تُمِيدُ الصخورَ الصُّمَّ، من لحظات حَرِجَاتٍ، وأيَّامٍ عصيباتٍ، وسنواتٍ مُزْعِجَاتٍ، قد أَخْنَى على أحداث الحياة لديْهم آلام من المرض العضال والغربة الدَّائمة عن الأوطان، فما من نبيٍّ إلا وقد أخذ نصيبَه من الهجرة والتَّنائي عن ديار الأهل والعشيرة. 

والصبر الدؤُوب الجميل الذي لا شِكايةَ معه، حتَّى ولو تجرَّعت النفوس أقساطًا وفيرة وعميقة من الحزْن النبيل، فهو لها كالشِّفاء الذي يصِل بِها إلى قمَّة هداها.

وتحمُّل خشونة العيش والرِّضا بالقليل، بل وبغيْر هذا القليل عند فقده، وحمْل أمانات التَّضحية في سبيل الله، وافتداء الدين بالعمْر عندما يؤذِّن داعي الجهاد بأمر الله، وبرغْم ما فقَدوا من الأهل والأحباب والأتباع، وكذِّبوا وأُوذوا مع قلَّة الناصر وندرة المعين.

فهل أصابَ قلوبَهم الإحباط؟
وهل طوَّقت كلُّ صور البلاء التي حاقت بهم نفوسَهم بعدم التطلُّع إلى غدٍ مُفْعَم بالأمل في الله تعالى، أن يزيل الهمَّ وأن يفرج الكرب؟ كلاَّ كلا.

لقد كان اليقين مِلْء النفوس الصَّابرة يمدُّها ويقوِّيها ويؤمِّلها في المستقبل القريب، بتحْقيق الآمال التي ترنو إليْها نفوسُهم الكريمة، عليْهم صلوات وسلام رب العالمين.

فَبَعْدَ حزن أبي البشر آدم - عليه السلام - على ولديه: القاتل والمقتول، قد رزقه الله بدلَ المقتول ملايينَ من نسْلِه يعمرون الأرضَ، ويعوِّضونه عمَّا فقد، وجعل منهم الأنبياء والصَّالحين.

وبارك جهدَ مَعْلَمِ الهدايةِ في الصبر والشُّكر، نبي الله نوح - عليه السلام - وأيَّده بالسفينة آيةً للعالمين، وحفظ فيها ما تبقَّى لديْه من أمَّة آدم - عليه السلام - بعدما ما التقى غضَبُ السَّماء مع الأرض، وحلَّ الغرَقُ وأناخت البلوى بثقَلِها، ولم يكن لها من دون الله كاشفة، فقد تجلَّت رحمةُ الله بعد اشتِداد المصيببة ونجَّى الله الرَّحمن مَن شاء مِن خلْقِه.

وأجار الخليلَ إبراهيمَ من النَّار بعد كلِّ تَدْبِيرِ البُغاةِ من البشر، الذين دبَّروا وأحبط الله تعالى ما دبَّروا، ﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 70]، وبارك الله عليْه ورزقه الولد هو ونبي الله زكريَّا - عليهما السلام - بعد فَقْد الأسباب، وضياع الأمل، وبلوغ أرْذل العمر.

وامتنَّ على يوسُف مرَّاتٍ بعد البلاء؛ بل رفع قدْرَه بما أزال غُصَصَ سوابقِ الآلام التي يَحسَبُها الناس أنَّها من الأيام النَّحِسَاتِ؛ لكنَّها ضرورة تكليفيَّة لِمن يهيِّئُ الله له مقام التَّشريف.

وقام الصَّابر أيوب من فِراش المرض بعد رُقادٍ طويل، وهو يرفل في ثوب العافية والغنى من جديد، بعد سنين تملأُ نفوس اليائسين بأنَّ الشفاء وهْمٌ لا يُمكن أن يكون.

وفي لحظة الإفصاح التَّام عن العبوديَّة المطلقة لربِّ الأكوان، من الوالد إبراهيم والولد إسماعيل تتنزَّل رحمةُ الله العُظْمى، فتحمي الصَّغير وترْحَمُ الوالد الكبير، ويتحوَّل الموقف الصعب إلى سعادةٍ وعِيد، ورمْز تضحية ونُسُك وعبادة إلى قيام الساعة.

وما أشدَّ البلاءَ والمخاوف المتربِّصة بنبيِّ الله موسى على أكثرَ من سبيل، ففرعون يأمر بالاغْتِيال، ويأبى الله إلا أن يُربَّى الكليمُ في قصر هذا الحقيرِ المختال، ثم يُجِيرُ الله به أمَّة كاملة من نِير البطشِ، في تسلْسُلِ أحداثٍ تكتم الأنفاسَ وَجَلاً؛ لكنَّ النهاية كانت ممزوجةً لهم بطعْم السَّعادة بعد العسْر والقهْر والاستِذْلال؛ ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [الأعراف: 137]، وتحوَّلت كلُّ الأحداث السَّابقة إلى متحف الذِّكْريات، واستقْبل نبيُّ الله موسى - عليْه السلام - وقومُه مرحلةً ذات ملامح جديدة في الأرض.

وما أشدَّ المواقفَ الصعبة، والمِحَن الشديدة التي كانت من قَسمِ رسولِنا الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - والتي فاقت في ذراها كلَّ ما سبق؛ فقد رفع الله ذِكْرَه، وجعل أمَّته خيرَ الأُمم، وتكفَّل له بِحفظ كتابه، وأظهر دينه على الدين كله، إنَّه وعد الله تعالى؛ فمن يستطيع أن يغالبه؟! قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، فبرغْم العوائق والعقبات الكؤود التي كانتْ كالسدود، شأنها شأن الأنْكاد في الدعوة في زمان كلِّ الأنبِياء وورثة الأنبِياء تعبر عن لازمةٍ وضرورة وقْتيَّة، وهي كغيْرِها مؤذنةٌ بوداع، وعلى جناح سفَر مهما طال بِها المقام.

إنَّها مواقفُ تَقِفُ لها الهامُ، ويَقِفُّ لها شعر الرَّأس عند تخيُّلها وهى حالَّة على الواقع، مع الجزْم المطْلَق أنَّ الخلاص منها من ضروبِ المستحيلات العقليَّة؛ لكنَّها ذهبت مع ريح القدَر السَّعيد الذي سطَّر الأحداث بعد ذلك بتدوين يسرُّ الخاطر ويشرح الصدْر ويفرح الوجدان؛ لأنَّ أعمار الأحزان في حياة الموقِنين مهْما طالت فهي قصيرةٌ جدًّا، ودائمًا يَخلُفُها يُسْرٌ وفرَح وسرور، بعد وداعها المحْتوم.

هذه قسمة الحياة في أفْهام المؤمنين كما علَّمهم ربُّهم، وكما أخبرهم نبيُّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديثِ الوارد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان جالسًا وحياله جحر، فقال: ((لو جاء العسْر فدخل هذا الجحر، لجاءَه اليُسْر فدخل عليْه فأخرجه))؛ البيهقي في "الشعب" (3263/7) بسندٍ ضعيف.

وورد أيضًا في قولِه - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ﴾ [الشرح: 6] عن الحسن البصري قال: خرج النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحكُ، وهو يقول: ((لن يغْلِبَ عسرٌ يسرينِ، إنَّ مع العسر يسرًا، إنَّ مع العسر يسرًا))؛ البيهقي في "الشعب" (3263/7) والحديث مرسل.

ويرحم الله مَن قال:
إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى اليَأْسِ القُلُوبُ        وَضَاقَ لِمَا بِهِ  الصَّدْرُ  الرَّحِيبُ
وَلَمْ تَرَ لانْكِشَافِ  الضُّرِّ  وَجْهًا        وَلا   أَغْنَى    بِحِيلَتِهِ    الأَرِيبُ
وَأَوْطَأَتِ   المَكَارِهُ    وَاطْمَأَنَّتْ        وَأَرْسَتْ فِي  أَمَاكِنِهَا  الخُطُوبُ
أَتَاكَ  عَلَى  قُنُوطٍ  مِنْكَ   غَوْثٌ        يَمُنُّ   بِهِ   اللَّطِيفُ   المُسْتَجِيبُ
وَكُلُّ  الحَادِثَاتِ   وَإِنْ   تَنَاهَتْ        فَمَوْصُولٌ  بِهَا  الفَرَجُ   القَرِيبُ


عند اشتِداد البلاء يأتي الرخاء

قال مالك بن دينار: "ما أقرب النَّعيم من البؤس! يعقبان ويوشكان زوالا"، وهي سنَّة الله في خلْقِه، وأمرُه الغالب على كونه، سبحانه! أليس هو القائل: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 43]؟ فلا بدَّ - إذن - أن تظهر للعيان تجلِّيات قدرتِه على عباده، والخلْق يتقلَّبون بين أضداد المعاني، فيمسُّهم البكاء عند الحزْن في الأزمات، وتسعدُهم البسمات عند حدوث الغير في المسرَّات، بإذن مالك القلوب ومصرِّفها.

والحقيقة التي لا يتسنَّى لها أن تغيب أنَّه عندما يشتدُّ البلاء، فهذا إعلام منه بقرب وداعه وانصرافه، فيا صاحب البلوى الزائرة، لا يزعجنَّك الخطب الموسوم بالوداع مهْما كان بأسه، بل ارجُ منه النفْع من موطن المنْع، فمن مُلَحِ العرب: "إنَّ في الشَّرِّ خيارًا"، ومن يدري؟

قال بعض الحكماء: "عواقب الأمور تتشابه في الغيوب، فربَّ محبوبٍ في مكروهٍ، ومكروه في محبوب، وكم مغبوطٍ بنعمة هي داؤُه، ومحرومٍ من دواءٍ حِرْمانُه فيه شفاؤُه، وربَّ خيرٍ من شر، ونفع من ضر"[1].

وقال وداعة السَّهمي في كلام له: "اصبر على الشَّرِّ إن قدحك، فربَّما أجلى عمَّا يفرحك، وتَحت الرغوة اللبن الصريح"[2].



هل للمصائب فوائد؟

ذكروا عن الفضل بن سهل: أنَّه كان يتميَّز بسَعة العلم والكرم، وكان قد أكرمه الله أن برِئَ من علَّة كان فيها، فجلس للنَّاس وهنَّؤوه بالعافية، فلمَّا فرغ الناس من كلامِهم قال: "إنَّ في العلل لنعمًا لا ينبغي لعاقِلٍ أن يَجهلها:
تمحيص للذنب، وتعرُّض لثواب الصبر، وإيقاظٌ من الغفلة، وإذْكار بنعمة الله في حالة الصحَّة، واستدعاءٌ للمثوبة، وحضٌّ على الصدقة، وفي قضاء الله وقدرِه بعدُ الخيار"[3].

نعم:
قَدْ يُنْعِمُ اللَّهُ بِالبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ        وَيَبْتَلِي  اللَّهُ  بَعْضَ  القَوْمِ   بِالنِّعَمِ

فالابتِلاء في الأبدان مصيبةٌ في حدِّ ذاته، ولكنَّه أيضًا علامةٌ - إن شاءَ الله - على حبِّ الله تعالى، وبابٌ من أبواب رفْعة الأُجور والدَّرجات؛ ففي الحديث: ((إذا أحبَّ الله - تعالى - عبدًا ابتلاه، فإنْ صبَر اجْتباه، فإن رضي اصطفاه))؛ أخرجه العراقي في "الإحياء" (5/64) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بسند ضعيف.

ومن بديع المأثور عن محمَّد بن الحنفيَّة: أنَّه كتب إلى عبدالله بن عباس: "أمَّا بعد، فقد بلغني أنَّ ابن الزُّبير سيَّرك إلى الطائف، فأحدثَ الله - عزَّ وجلَّ - لك بذلك أجرًا، وحطَّ به عنك وزرًا، يا ابن عمِّ، إنَّما يُبتلى الصَّالحون، وتعدُّ الكرامة للأخيار، ولو لم تُؤْجَر إلا فيما تحبُّ لقلَّ الأجر، وقد قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ﴾ [البقرة: 216] عزم الله لنا ولك بالصَّبر على البلاء، والشُّكر على النعماء، ولا أشْمَتَ بنا وبك الأعداء، والسلام"[4].



قوارب النجاة من أمواج الأحزان والأنكاد

وفي قلْب المِحن يأرز المؤمنُ إلى إيمانه، ذلك الركن الشديد الذي يمدُّه بطاقات المصابرة على البلاء مهْما تعاظم حجمُه، ويحتويه اليقين الغامر بين جوانحِه أنَّه في كنف الله - تعالى - مشمولاً برحمته التي تُجير من المهالك والفِتن، وأنَّه مادامت الأمور كلُّها تصير إلى الله - تعالى - فقد اقترب الأوان عن انبِلاج الفجْر بالأمل السعيد.

فأوَّل قوارب النَّجاة هو حسنُ الظَّنِّ بالله - تعالى - القائل في الحديث القدسي: ((أنا عند ظنِّ عبدي بي))؛ صحيح البخاري (7010) عن أبي هُريْرة - رضي الله تعالى عنه - فمن ظنَّ بالله خيرًا، وافاه اللهُ به، بل كان الله - تعالى - بكلِّ خيرٍ أسرع.

ومن هداية الإيمان في وقْت المحن: أن يوفَّق العبد المُبتلى إلى الدُّعاء الذي يمثل العبادة كلَّها، كما ورد في أحاديثِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالدُّعاء علامة إيمان وحسن يقين، ثمَّ إنَّ العبد معدوم بطَوْلِه وحَوْلِه لِقاءَ حَوْلِ الله وطَوْلِهِ، فماذا تُغني الحِيَلُ إن فات العبدَ تيسير ومعونةُ ربِّه ومولاه؟!

إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى        فَأَوَّلُ مَا  يَجْنِي  عَلَيْهِ  اجْتِهَادُهُ
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((ما أصابَ مُسلمًا قطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهُمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِك، ناصيتي في يدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيتَ به نفسَك، أو أنزلْتَه في كتابِك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أوِ استأثرْتَ به في علم الغيْبِ عندَك، أن تَجعل القُرآن ربيعَ قلْبي، وجلاء حُزْني، وذَهاب همِّي، إلاَّ أذهب الله كرْبَه وأبْدَله مكانَ حزنِه فرحًا))، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتعلَّم هذه الكلماتِ؟ قال: ((بلى، ينبغي لِمَن سمِعَهنَّ أن يتعلمهنَّ))؛ صحيح ابن حبَّان (977).

وقد رأى النَّبيُّ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - صحابيَّه الجليل أبا أمامة - رضي الله تعالى عنه - في المسجِد، فقال: ((يا أبا أُمامة، ما لي أراك في المسجِد في غير وقت صلاة؟)) فقال: هموم لزِمَتْني وديون يا رسول الله، فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أفلا أُعلِّمك كلامًا إذا أنت قلتَه أذهبَ الله - عزَّ وجلَّ - همَّك وقضى عنْك دَيْنَك؟)) قال: قلت: بلى يا رسولَ الله، قال: ((قُلْ إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ: اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، وأعوذ بك من العجْز والكسَل، وأعوذ بك من الجُبْن والبُخل، وأعوذ بك من غلَبة الدَّين وقهْر الرِّجال))، قال: ففعلتُ ذلك فأذهبَ الله - عزَّ وجلَّ – همِّي، وقضى عنِّي ديْني؛ سنن أبي داود (1365) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه.

ومن عواصم الفِتن: تلك الصلاة، راحة النُّفوس الكليلة، ودواء القلوب الجريحة بأنْكاد الحياة، وكيف لا، وهذه منزِلَتُها العظمى في حياة النَّبيِّ الكريم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الذي كان يقول لمؤذِّنه بلال حين وقْت إقامتها: ((أرِحْنا بها يا بلال))؛ المعجم الكبير للطبراني (6092) ضمن حديث طويل؟!

فأسْقام القلوب تزولُ بالصَّلاة، بل يمنح الله بها عباده راحةً لا يَجدون لها شبيهًا إلا في الصَّلاة؛ ولهذا فقد ورد عن النَّبيِّ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوله: ((وجعل قرَّة عيني في الصَّلاة))؛ الإمام أحمد في "المسند" (12105) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه.

فبعد أداء الصلاة تنشرِح الصُّدور ويعمُّها البِشْر والفرَح بدل الهمِّ والغمِّ، وتنشط بها الأبدان، وتسمو بها الأرْواح، وتسعد بها الجماعة المؤمنة المنتظِمة في عقْد الأخوَّة.

ولا شكَّ أن القرآن الكريم هو المنهل العذب السخيُّ، الذي يمد الأرواح بالاطمئنان وانشراح الصدر؛ قال الله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82].

فمطالعة القرآن الكريم من أسباب زوال الأنْكاد والمِحَن مهما كان حجمها ووقعها؛ لأنَّ هذا الكتاب ذاخرٌ بألوان الإعْجاز الشَّامل وفي كلِّ مَجال بشكل لا يحدُّ؛ لأنَّه كلام الله تعالى، ومن الجانب النفسيِّ خيْراتٌ حسانٌ للمؤمنين؛ قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23].

ومن أسباب زوال الأنْكاد: المداومة على ذِكْر الله تعالى، فالعبد الذَّاكر في كنف مولاه، تحلِّق رُوحه المتألِّقة بنور الذِّكْر في آفاق الملكوت، ويشعُر الذَّاكر دائمًا بإحساس القُرْب من ربِّه، فأنَّى تصيبُه مكائد الأحزان؟! فالذِّكْر يزيل الهمَّ، ويشرح الصدْر، ويسمو بالوجدان، ويملأ النفس غنًى وسعادة، مهما تراقصت مِحَن الحياة على واقع الأرض.

ومن زوال الهمِّ: أن يُسافر المبتلَى عن أرض البلاء، وأن يتخيَّر صُحبة الصالحين، وأن يُقيم نفسَه في عملٍ جادٍّ يُنْسِيه أحزانَه ويستغرق معظم وقْتِه؛ حتَّى لا تفترِسَه بنات الأفكار، وتُغْرِقه في بِحار التَّفكير الدَّؤوب في عمْق مُصيبته، وأن يُحاول تغْيير الواقع الذي يَجذبه دائمًا إلى تذكُّر ما ألمَّ به من الأكْدار.

وأخيرًا:
أيُّها المبتلى، أَدِمِ الفكرة بالأمل في غدٍ مشرق سعيد، وقد رفع الله عنْكَ أوْزار الأحزان، وأذهب أسباب الأنْكاد، وبسط لك أدراجَ السَّعادة والرضا.

هكذا كان النَّبيُّ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يلفت أنظار أصحابِه الكرام إلى توقُّع ذهاب المضايق والمحن؛ لأنَّها على جناح سفر؛ فعن خبَّاب بن الأرتِّ - رضي الله عنه - يقول: أتيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو متوسد بردة في ظلِّ الكعبة، وقد لقِينا من المشركين شدَّة شديدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا، فقعدَ وهو محمرٌّ وجهُه، فقال: ((إنَّ مَن كان قبلَكم ليمشَّط بأمشاط الحديد ممَّا دون عظامِه من لحم أو عصب، لا يصرِفُه ذلك عن دينه، ويُوضع المنشار على مفرق رأسِه، فيشقُّ باثنَين لا يصرِفُه ذلك عن دينِه، وليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتَّى يسير الرَّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله))، زاد بيان: ((والذئب على غنمه))؛ النسائي في السنن (4773).

نقلة نفسيَّة هائلة تلك التي يُحْدثها أثر هذا الكلام الطيِّب في نفوس الصَّحابة الكرام، من الأذى والاستِضْعاف إلى زمن التَّمكين القادم في بطْن الأحداث، وهو لا محالة قادم، وقد تخيَّله الصَّحابة الكرام وعاشوا مجْدَ هذه اللَّحظات السَّعيدة، مع أنَّ قسوة كيد الكافرين ما زالت تَرميهم بالغصص.

وقد ذكر شيخُنا الغزالي - رحِمه الله تعالى - في "جدد حياتك" ما يُفيد: أنَّ رجلين في السِّجْن كانا يتطلَّعان خارج أسوارِه إلى دنيا الأحرار، وكان الجوُّ ماطرًا، فنظر أحدُهُما إلى الأرض فوجدها زلقةً مبتلَّة صعبة، فكره الخروج من سجنِه؛ بل عدَّه نعمة، ونظر الآخرُ إلى السماء فوجدها بلا سُحُب، خالية من إرْهاق البرق وإزْعاج الرعد، وقد أرهفت الأنفاسَ نسائِمُ صَافِيةٌ، فتمنَّى الخروج من سجنه.

تمنَّى حريَّته، وربَّما أنَّ أحلامه ساقتْه إلى تخيُّل ذلك، وهو ما زال يرسُفُ في أغلال سجنِه بين جدران أربع.

فلا بأس، انتظروا الفرجَ - أيُّها المبتلون - وأنتم في قلْب المحَن وودِّعوا الأحزان؛ لأنَّ أنكاد الدنيا كلّها مفارقةٌ وعلى جناح سفر.

ونسأل الله - تعالى - أن يُجيرَنا من خزْيِ الدُّنيا وعذاب الآخرة.

[1] انظر: التنوخي "الفرج بعد الشدة"، نسخة إليكترونيَّة على موقع الورَّاق.
[2] السابق.
[3] السابق.
[4] الفرج بعد الشدة - سابق.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصبر وأقسامه
  • الصبر على أقدار الله
  • أنواع الصبر
  • الابتلاء في حياتنا
  • بشرى للصابرين
  • الضغوط الاجتماعية والنفسية

مختارات من الشبكة

  • النكد الزوجي الباب الذي يأتيك منه الريح(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صناع النكد (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النكد الزوجي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة: النكد الزوجي عدو الأسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النكد الزوجي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الأسرة والابتلاء بالنكد الزوجي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • نكد (قصة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • والذي خبث لا يخرج إلا نكدا(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • تفسير: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيها المحزون(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 


تعليقات الزوار
3- الله يفرج همك
يحي عماش - السعوديه 22-09-2010 01:45 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأحب خلقه إليه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام

قد كان بى من الهم ما الله به عليم
وبفضل الله ورحمته ثم بفضل هذه الكلمات شعرت بارتياح كبير ولله الحمد والمنة
وعلمت أنه شئنا أم أبينا فإن أمر الله وقدره ماض فينا وما علينا إلا الصبر والاحتساب حتى نفوز برضى الرحمن وننتظر النور والسرور الذى وعدنا الله به فى الدنيا قبل الاخره
أما فى الدنيا فهى الطمأنينه والرضى واليقين بما أراد الله
وفى الآخرة إن شاء الله الفوز بالجنة

اللهم لك الحمد من قبل ومن بعد
وجزاكم الله خيرا

2- السلام عليكم
ابراهيم مدحت - مصر 21-08-2009 03:59 PM

ربنا يديلك الصحة يا شيخ حسين
الحمد لله

1- SUBHANAL AL WAHED EL AHAD
ESSAM SABBAHI - BRASIL 01-08-2009 12:40 AM

LA E3TIRADA 3ALA HUKILLAH

SAMI3NA UA ATA3NA

UA LELLAH ALHAMD

UARREDA

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب