ملخص بحث: الانتماء إلى الوطن في التشريع الإسلامي

ملخص بحث

الانتماء إلى الوطن في التشريع الإسلامي

يتناول هذا البحث موضوع (الانتماء إلى الوطن في التشريع الإسلامي)، بدءًا بمقدمة تُبرز أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وجاء مبحثه الأول بعنوان: (الانتماء إلى الوطن)، وفيه تمهيد عن مصطلح الانتماء وكيف نشأ، وحقيقة المصطلحات الحديثة عند العلماء، ثم (تعريف الانتماء) في اللغة، والاصطلاح مع بعض التعليقات والنقولات ذات العلاقة، ثم الحديث عن مصطلحات ذات علاقة بمفهوم الانتماء، أو مظاهر للانتماء لوجود الترادف في المعنى العام، والمظهر التطبيقي، فجاء (المواطنة) و(الوطنية) في اللغة والاصطلاح، ثم تعريف مصطلح (حب الوطن) بدءًا بتعريف كلمة (حب) و(الوطن) في اللغة والاصطلاح، ثم تعريف كامل لمصطلح (حب الوطن).

أما المبحث الثاني، فكان عن (التأصيل الشرعي للانتماء إلى الوطن)، بدأ بتمهيد عن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، وتضمنها لمزايا وخصائص بها صلاح الفرد والمجتمع، وكذلك شموليتها في تعاليمها ومقاصدها، وقد خلَص من ذلك إلى أن الانتماء إلى الوطن من الأمور التي دعا إليها الإسلام، وقد وَضَح ذلك في عنوانين ثلاثة.

جاء أولها: بتأصيل الانتماء إلى الوطن من القرآن الكريم، وفيه جُمعت الآيات القرآنية التي تضمنت هذا المبدأ العظيم، ودعت إليه، ولأن الانتماء إلى الوطن يتنوع في أساليبه ومظاهرة التي تبرز جليَّة في حبِّ الوطن، الذي يترتب عليه القيام بواجبات الانتماء إلى الوطن كاملة، فقد ذكرت في هذا المبحث كثيرًا من الآيات التي تدعو إلى حبِّ الوطن، مع ذكر أقوال المفسرين في معانيها، استئثارًا لا احتكارًا، أما بقية الآيات التي تحث على الانتماء إلى الوطن في السلوك والمعاملات، فقد نَجَّمتها في صفحات البحث ومباحثه، فكل شاهد ذكرته في البحث هو من شواهد تأصيل الانتماء إلى الوطن في القرآن، غير أنني اضطررت إلى ذلك التفريق تجنبًا لتَكرار الشاهد في مواضع عدة، وحتى لا أشذَّ عن الهدف الرئيس من البحث، ولئلا يستأثر فصل دون غيره في الشواهد، ولأن الحديث عن حقوق الانتماء إلى الوطن وواجباته يستلزم مني تدعيم قولي وتوضيحه بالدليل والشاهد - رأيت أن أستدعي كل شاهد في موضعه، وقد تجنَّبت تَكرار الشاهد في موضع آخر ما وسعني ذلك.

وفي ثانيها: أصلَّت الانتماء إلى الوطن من السنة النبوية والآثار المروية عن الصحابة، وفيه جمعت الأحاديث الصحيحة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخاصة التي تدل صراحة على أن حبَّ الوطن والانتماء إليه أمرٌ مشروع في الإسلام، وأن ذلك من مظاهر الانتماء الصادق، وقد عزَّزت قولي بما ذكره شُرَّاح السُّنة النبوية حول الأحاديث المذكورة، أما بقية الأحاديث التي تدل على ممارسات الانتماء إلى الوطن وسلوكياته وحقوقه وواجباته، فقد فرَّقتها في أثناء المباحث، فكل ما ذكرت من أحاديث هو من تأصيل الانتماء إلى الوطن في السنة النبوية، وعمِلت فيه كما عملت في سابقه، فليُعلم ذلك، ثم ذكرت في نهاية المبحث الآثار المروية عن الصحابة التي تؤكد ضرورة الانتماء إلى الوطن وحبِّه، وتدعو صراحة إلى الانتماء الصادق الذي دعا إليه الإسلام، وإتمامًا للفائدة ذكرت في ثالثها: بعض الأخبار والقَصص والنوادر التي تؤكد أن الانتماء إلى الوطن أمر رباني، وشيء فطري في النفس، وقد ذكرت ذلك اعتضادًا لا اعتمادًا لمزيد توضيح حول ما أصبو إليه.

وقصرَت المبحث الثالث للحديث عن (تعزيز الانتماء إلى الوطن وَفْقَ الضوابط الشرعيَّة)، بدأته بتمهيد ذكرت فيه أنه على الأمم التي تسعى إلى رُقيها وتطوُّرها الحرص على تمسُّكها بمقوماتها وثوابتها من خلال العناية بمعتقداتها، والحرص على التمسك بها والدفاع عنها، مشيرًا إلى أنه لما كان الانتماء إلى الوطن لا يكتمل إلا بنشوء الدولة التي تمارس الحياد التام في نظامها وقضائها، وتطرح الإقصاء والتهميش تجاه البعض - فإن ذلك برهان واضح أن الإسلام هو من أسس لهذه القيمة العظمى في الحياة.

ثم تحدثت عن (أسس الانتماء إلى الوطن في الإسلام)، وقد عرفت في مستهله الأساس في اللغة والاصطلاح، ثم ذكرت الأسس التي يقوم عليها الانتماء إلى الوطن في الإسلام مع توضيح ذلك بالدليل القرآني، والشاهد النبوي، وتعليقات العلماء الباحثين، وقد قسَّمت أسس الانتماء إلى الوطن في الإسلام - اجتهادًا مني - إلى أسس عَقَدِيَّة، وأسس اجتماعية، وذكرت فيهما ما يتعلق بهما من الأسس.

وكان الحديث في المبحث الرابع عن (حقوق الانتماء إلى الوطن وواجباته في الشريعة الإسلامية)، بدأته بتمهيد ذكرت فيه أن الانتماء الصحيح يقوم على مجموعة من الحقوق التي متى ما توافرت كان لزامًا على الفرد القيام بالواجبات المطلوبة منه دون تقصير مُخلٍٍّ، أو إفراط مُملٍّ.

وتكلَّمت في عنوانه الأول عن (حقوق الانتماء إلى الوطن للمواطن على وطنه)، استهلَلته بتعريف الحق لغة واصطلاحًا، ثم قسمت الحقوق التي ينبغي على المواطن التمتع بها ليقوم بواجباته، وقد بينت الحقوق بأدلتها من القرآن الكريم، وشواهدها من السنة النبوية، وأقوال المفسرين والعلماء والباحثين، وقد قسمت الحقوق حسب ملاءمتها للموضوع، فتنوعت إلى: حقوق عَقَدِيَّة، وحقوق اجتماعية، فصَّلت الحديث عنها وعن أهميتها وفق الاستطاعة.

وفي عنوانه الآخر تحدثت عن (واجبات الانتماء إلى الوطن على المواطن لوطنه)، بدءًا بتعريف الواجب لغة واصطلاحًا، ثم ذكرت الواجبات التي يجب على المواطن القيام بها، مدعمًا قولي بأدلة من القرآن الكريم، وشواهد من السنة النبوية، وأقوال المفسرين والعلماء والباحثين، وقد قسمت الواجبات كما رأيتها ملائمة للموضوع، فتعدَّدت إلى واجبات: عَقَدِيَّة، وواجبات خُلقية، وواجبات سلوكية، وواجبات وجدانية، وواجبات اجتماعية، وقد أفضت الحديث عنها وعن تطبيقاتها وآثار القيام بها في مواضعها.

وفي المبحث الخامس تحدثت عن (آثار الانتماء إلى الوطن)، بدأته بتمهيد بيَّنت فيه أن الانتماء إلى الوطن عاطفة وجدانية، ومشاعر طبيعية، وأحاسيس غرائزية، جاء الإسلام بوسطيته لتهذيبها وتقويمها وتوجيهها الوجهة الصحيحة للحد من تجاوزاتها وانفلاتها، وأنها تقوم في أساسها على الحب والتفاعل والتعاون مع الآخرين أخذًا وعطاءً وتضحية وعملاً.

ثم تحدثت في عنوانه الأول عن (الآثار الإيجابية للانتماء إلى الوطن)، بدأته بتعريف الآثار لغة واصطلاحًا، ثم تحدثت عن الآثار الإيجابية التي تعود على الفرد حين قيامه بحقوق الانتماء وواجباته كما شرعها الإسلام، وقد ارتضيتُ تقسيم الآثار إلى: آثار عَقَديَّة، وآثار فكرية، وآثار نفسية، وآثار اجتماعية، وآثار سلوكية.

وتحدثت في عنوانه الثاني عن (الآثار السلبية لعدم الانتماء إلى الوطن)، بدأته بالحديث عن الشباب، وأهميتهم في أوطانهم، في كونهم حملة ثقافتها وعاداتها، ونقلة تاريخها وثوابتها للأجيال من بعدهم، ثم ذكرت أن بعض الأفراد قد يَضعُف عندهم الانتماء، وتقل لديهم المواطنة، فتكون علاقتهم بأوطانهم علاقة سلبية، فيتهربون من تحمُّل مسؤولياتهم، ويتكاسلون عن القيام بأدوارهم المأمولة منهم، فيكونون نشازًا يقلق المجتمع ويُهدده، ويؤدي إلى عدد من المظاهر المشينة في حق الوطن والمواطن، وقد قسمت الآثار السلبية إلى: آثار عقدية، وآثار فكرية، وآثار نفسية، وآثار اجتماعية، وآثار سلوكية، وقد وضحت ذلك بالدليل ما استطعت إليه سبيلاً.

وفي الختام، ختمت البحث بخاتمة أبرزت فيها أبرز ما توصَّلت إليه من نتائج، ومنها:

• أن مصطلح الانتماء إلى الوطن مصطلح قديم، له حضوره في العصور السابقة واللاحقة.

• أن الانتماء إلى الوطن له أصل في التشريع الإسلامي، وقد سبق القوانين الوضعية، والأنظمة المُشرعة.

• أن الإسلام دعا إلى الانتماء إلى الوطن، وحثَّ على الاتصاف به، وإن لم يكن ذلك بالنص الصريح، بل دعوته إلى ممارسات وسلوكيات تدل عليه، بشرط أن تكون تحت مظلته ووَفق تعاليمه؛ لأن الغلوَّ في الانتماء إلى الوطن يُفسِد على الناس دينهم وخُلقهم، وأمْنهم وعيشهم، ويُحيلهم إلى فئات وأحزاب تتضاغَن وتتقاتل، ويسعى بعضها إلى هلاك البعض.

• بروز مظاهر الانتماء إلى الوطن واضحة عبر التاريخ الإسلامي.

• كذلك وجدت أن حب الوطن أمر طبيعي، طبع الله عليه نفوس البشر، وقد ثبت حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض الأماكن؛ ولذا أرى أنه من الحق على كل مواطن أن يحب وطنه، وينتمي إليه، وأن يَفتخر به ويدافع عنه، ويتفاعل مع مناشطه، ويُسهم في بنائه وتقدُّمه.

• أن العلاقة بين الوطن والمواطن علاقة فطرية، كل منهما يسعى للآخر، ويعمل من أجله، والأساس في ذلك صدق الانتماء، الذي يعدُّ مطلبًا ضروريًّا في الحياة؛ إذ به يقوم الفرد بواجباته كاملة دون تقصير، فيعبد ربه، ويَعمُر وطنه عمارة حسيَّة ومعنوية، ويقوم بمهامه دون إفراط ولا تفريطٍ.

• أن الوطن شرف لصاحبه، والانتماء إليه مصدر عزٍّ له، فليس على المرء عيبٌ أنْ يحنَّ إلى وطنه الذي نشأ فيه وترعرَع، وليس على المرء عيبٌ أن يفتخر بحب وطنه؛ لأنه يجد من العناء والضَّنك والتعب والمشقة، ما لا يُوصف حين فِراق أهله ووطنه.

• وجوب تنمية الانتماء، وحب الوطن في نفوس المواطنين؛ لأن الأعداء لا يستطيعون التغلغل في بلاد ما إلا بعد أن يفسدوا مواطنة شعبها؛ إما ببثِّ الشُّبَه في دينهم، أو بإنقاص قدر بلادهم في أنفسهم، أو حضارتها في أعينهم.

• وجوب حِفظ حقوق الوطن ورعايته، وعدم خيانته؛ لأن خونة الوطن أعداء لدينهم، وحُزنٌ على أهلهم، ومثلبٌ على أوطانهم.

• أن خيانة الوطن وكرهه يحبس الألسنة عن قول الحق، ويُمسك النفوس عن الانطلاق في سبيل الهداية والرشاد.

• الإخلال الانتماء إلى الوطن يُحيل الفرد إلى مِعوَل هدمٍ وشر، فيكون عالة على وطنه، وسببًا في تأخُّر خطط التنمية ورُقي الوطن.

• أن الدفاع عن الوطن لا يعني حمل السلاح، وخوض المعارك، بل يتجاوز ذلك، فيشمل الإسهام في كل ما من شأنه تقدُّم الوطن ورِفعته؛ كالعمل على نَمائه، أو ردِّ كيد المغرضين، والتصدي للشائعات، وإبطالها بمزيد من التلاحم، فحبُّنا لوطننا الذي طُبِّق فيه شرع الله، يجعلنا نستميت في الدفاع عنه، ونسعى خلف ولاة أمرنا لرد كيد كل كائد أو حاسد.

• أن الانتماء إلى الوطن يحقق للفرد مكاسبَ كثيرة في الدنيا والآخرة.

• والحق أن الانتماء إلى الوطن يعني العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده أيًّا كان، أما البلد المسلم، فلا بد أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة، وذلك يتطلب قيام الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام.

ووفقًا لتلك النتائج أوصى البحث بجملة من التوصيات والمقترحات جاء من أهمها:

• أثبت البحث قِدَم ظاهرة الانتماء، ومظاهره السلوكية، وأنها ليست من بِدَع العصر؛ لذا توصي الدراسة بضرورة تعميق هذا المفهوم في نفوس الناشئة.

• خَلَص البحث إلى تأصيل مفهوم الانتماء إلى الوطن في الشريعة؛ لذا توصي الدراسة بالأخذ بتلك النصوص والأدلة عند بناء المناهج الدراسية، وتعليمها للطلاب في أثناء المواقف التعليمية، ثم بناء النشاطات التدريبية التي تنميها.

• القيام ببحوث ميدانية ذات مقاييس مضبوطة للكشف عن درجة الوعي بمفهوم الانتماء وحقيقته لدى المواطنين، ومِن ثمَّ معرفة معالجة السلبيات، وتعزيز الإيجابيات.

• القيام بمسابقات علمية وثقافية عبر وسائل الإعلام المختلفة، لتعزيز مفهوم الانتماء إلى الوطن.

• إجراء عدد من الدورات التدريبية، ومشاغل العمل لدراسة كيفية تعزيز مفهوم الانتماء إلى الوطن لدى المواطنين بوساطة لجان الأحياء.

• تكثيف الوعي بأهمية الانتماء إلى الوطن، من خلال العديد من المناشط والمناسبات والفعاليات، كمناسبة الاحتفاء باليوم الوطني وغيرها.

• إجراء مزيد من البحوث والدراسات ذات العلاقة بمفهوم الانتماء إلى الوطن وتعزيزه لدى المواطنين كافة.