• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقة كاتب الألوكة الثانية / المشاركات المرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية / قسم الدراسات والأبحاث / التاريخ
علامة باركود

صلح الرملة.. رؤى جديدة للحوار الإسلامي الصليبي

صلح الرملة.. رؤى جديدة للحوار الإسلامي الصليبي
أ. د. عبدالغني عبدالفتاح زهرة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/3/2012 ميلادي - 1/5/1433 هجري

الزيارات: 41959

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صلح الرملة 588هـ / 1192م

رؤى جديدة للحوار الإسلامي الصليبي

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


أدت انتصارات صلاح الدين المتتالية وخاصة خلال الفترة من 583هـ - 586هـ (1187 - 1190م) إلى رد فعل عنيف في الغرب الأوروبي واشتد ندمهم على إهمالهم في عدم الإستجابة للنداءات المتكررة التي وجهها لهم إخوانهم الصليبيون في الشرق، وازدادت حسرتهم بعد فقدهم بيت المقدس، فأخذوا يتجمعون لمهاجمة المسلمين، بعد أن هرعت إليهم الرسل تخبرهم أن صليب الصلبوت أقدس المخلفات الدينية أضحى في أيدي المسلمين.

 

وقد بالغ الأساقفة والرهبان أثناء سفارتهم إلى أوروبا، في تصوير حجم المأساة التي تعرضوا لها، حتى أن البابا أوربان الثالث مات حزناً وكمداً لسماعه هذه الأنباء في أكتوبر 1187م[1]،وتولى البابا جريجوري الثاني بعده فأرسل الكتب إلى ملوك أوروبا يحدثهم فيها عن ضياع الأرض المقدسة، وصليب الصلبوت، ثم توفى بعد شهرين ليكمل مسيرته البابا كليمنت الثالث، ويكرر الاتصال بملوك الغرب.

 

وكان الإمبراطور الألماني فردريك برباروسا أشد الملوك تأثراً لما سمعه عن الكارثة التي حلت بالصليبيين في فلسطين، لذلك سارع بتجهيز جيش كبير توجه به إلى الشرق ماراً بالقسطنطينية، ثم عبر آسيا الصغرى إلى أرمينية حيث رحب به ملك أرمينيا المسيحي ترحيباً كبيراً، وأخذ صلاح الدين يستعد لملاقاته وطلب المعونة من أمراء المسلمين جميعاً حتى أمراء الموحدين في المغرب الإسلامي[2].

 

وبينما العالم الإسلامي يترقب هذا الهجوم الألماني العنيف، وما يسفر عنه، إذا بالأنباء تأتي بأن الإمبراطور فردريك الثاني غرق في نهر كاليكادنوس -وهو نهر صغير في قليقية- وأفلت زمام جيشه، وتفرق جنوده، واتجه ابنه فردريك السوابي بمن تبقى معه من الجند لمحاصرة عكا مع باقي القوات الصليبية[3].

 

وكان الصليبيون المحاصرون لعكا يتزعمهم ملك بيت المقدس السابق - جاي لوزجنان[4] - وكونراد مونتفرات أمير صور، وغيرهم من الأمراء، ثم انضمت إليهم الحملة الألمانية، كما وصل إليها فيليب أغسطس ملك فرنسا في أبريل 1191م، وبعده بقليل وصل ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا لتكتمل جيوش الحملة الصليبية الثالثة أمام أسوار عكا، واشتد حصار الصليبيين لعكا، وشيدوا أدوات الحصار الكثيرة والكبيرة حولها بعد أن قطعوا الاتصال بينها وبين صلاح الدين - الذي كان يعسكر حينئذ في تل الخروبة بالقرب من عكا - ولكن حامية عكا وقفت موقفاً عظيماً حينما صمدت في وجه ذلك الخطر، ولم تنزعج من الآلاف المؤلفة المحاصرة لها بآلاتها وعتادها, وثبتوا ثبوتاً عظيماً، وصبروا صبر الكرام[5].

 

المفاوضات بين صلاح الدين والصليبيين:

كان لموقف عكا وصمود حاميتها أثر شديد في نفوس ملوك الغرب وخاصة ريتشارد قلب الأسد، الذي رأى في صمود حامية عكا ما ينبىء عن صعوبة المهمة التي قدم من أجلها، فإذا كانت هذه هي البداية فماذا سيفعل بعد ذلك مع القوة الإسلامية الكبيرة المتمثلة في صلاح الدين وجيشه، لذلك قرر الدخول في مفاوضات مع صلاح الدين، وأرسل إليه يدعوه للاجتماع معه للتوصل إلى تسوية سلمية، ولكن صلاح الدين رد عليه بأنه ليس من الحكمة أن يلتقي ملكان متعاديان حتى تنعقد بينهما الهدنة، وأبدى استعداده بان يتولى التفاوض بدلاً منه أخيه العادل، وأن يكون اللقاء في السهل الواقع بين المعسكرين الإسلامي والمسيحي[6].

 

إلا أن هذه المرحلة من المفاوضات لم تتم لأن الصليبيين لم يكونوا جادين خلال هذه المرحلة، وكانوا يقصدون بها شغل الوقت حتى يحكموا حصارهم حول عكا بالإضافة إلى مرض ملكي انجلترا وفرنسا[7].

 

وفي يولية 1191م استسلمت حامية عكا بعد أن أجهدها الحصار، ونفدت المؤن، وعجز صلاح الدين عن القيام بهجوم كبير على الصليبيين, لسآمة جنده, ومللهم من طول القتال، وعرض قادة عكا على ملوك الصليبيين التسليم. فتدخل صلاح الدين حينذاك في المفاوضات, التي ناب فيها الاسبتارية عن المسيحيين, والعادل عن المسلمين[8].

 

وقد طلب الصليبيون ثمناً باهظاً مقابل السماح لأهل عكا وحاميتها بالخروج سالمين، إذ اشترطوا إرجاع صليب الصلبوت، وإعادة مملكة بيت المقدس إلى حدودها التي كانت عليها 1176م، وكان من المتعذر عملياً تحقيق تلك المطالب إذ ليس من المعقول أن يتخلى صلاح الدين عن المكاسب التي حصل عليها بعد حطين بمثل تلك السهولة[9].

 

ثم تدخل أمير صور كنراد مونتفرات وخفف الشروط, وتم التوصل إلى اتفاقية تنص على السماح لحامية عكا بالخروج مقابل فدية مقدارها مائتي ألف دينار, وتحرير ألفين وخمسمائة أسير صليبي، ورد صليب الصلبوت[10].

 

وبينما صلاح الدين يستعد لتوصيل رسالة إلى حامية عكا يمنعها من الخضوع لهذه الشروط، رأي أعلام الفرنج ترفرف على أبراج عكا، بعد أن وافق قادة عكا على هذه الشروط باسمه، فلم يجد بداً من الالتزام بها[11].

 

وشرع صلاح الدين في جمع الأسرى والأموال المطلوبة منه، وكان الاتفاق مع ريتشارد على إعادة الأسرى الصليبيين في أقساط ثلاثة، قسط كل شهر، على أن يطلق ريتشارد سراح المسلمين في عكا بعد وصول الدفعة الأولى من الأموال والأسرى الصليبيين إلى المعسكر المسيحي، وتم إخطار الملك ريتشارد بذلك، ماعدا بعض الأسرى الصليبيين المعينين بالاسم فإن صلاح الدين لم يفرغ من إحضارهم من المدن الأخرى, وتسليمهم، فرفض ريتشارد تسليم الأسرى المسلمين الذين غدروا بهم في عكا، فطلب منهم صلاح الدين إما أن يقبلوا الدفعة الأولى مع رهائن عن السادة الذين لم يسلموا بعد، ويرسلوا إليه أسري عكا, وإما أن يقبلوا القسط ويجعلوا عنه رهائن حتى يضمن إطلاق سراح رجاله، ويضمن رجال الداوية ذلك لأنهم أهل دين يرون الوفاء، ولكن الداوية رفضوا ذلك، وقالوا لا نحلف ولا نضمن لأننا نخاف غدر من عندنا، كما رفض ريتشارد الاقتراحين، وطلب القسط الأول مقابل بذل الوعد بتسليم الأسرى المسلمين. ولكنه إذا كان الداوية لا يثقون في الصليبيين وهم منهم فكيف يثق بهم صلاح الدين، لذلك رفض أن يعطيهم شيئاً مالم يطلق سراح أسرى المسلمين[12].

 

وحينئذ قام ريتشارد بعمل غادر لايجدر بملك كبير مثله أن يقوم به، وحتى لانتهم بالمبالغة في غدره سنترك مؤرخاً أوربياً مسيحياً يصف لنا ما فعله بأسرى عكا وهو رانسيمان فيقول: "أضحي ريتشارد حريصاً على أن يغادر عكا, وأن يزحف على بيت المقدس, وصار الأسرى المسلمون مصدر حيرة له، فانشرح صدره لما تهيأ له من العذر للتخلص منهم، فأعلن في برود شديد يوم 20 أغسطس - أي بعد أن مضى ما يزيد على أسبوع من عودة الرسل إليه - أن صلاح الدين نقض عهده، وأمر بالإجهاز على سبعمائة وألفى أسير[13]، من الذي بقوا على قيد الحياة من حامية عكا، فاشتد حماس عساكره للقيام بهذه المجزرة، وقد حمدوا الله -حسبما يروي لنا في جذل وسرور المدافعون عن ريتشارد- لما هيأ لهم من فرصة للانتقام لرفاقهم الذين سقطوا أمام المدينة (عكا), ولقيت زوجات الأسرى وأطفالهم مصرعهم إلى جوارهم، ولم يبقوا على حياة أحد، سوى بعض الأعيان، وبعض رجال أشداء للإفادة منهم في أعمال السخرة[14].

 

وشتان بين هذا السلوك الهمجي الذي اتبعه ريتشارد في ذبح أسرى المسلمين وبين السلوك الإنساني - النابع من منهج الإسلام - الذي اتبعه صلاح الدين عقب انتصاره في حطين, واستيلائه على المدن الصليبية، إذ حرص صلاح الدين دائماً على السماح لأهل المدن التي استولى عليها بمغادرتها سالمين، ومنع رجاله من الاعتداء عليهم أو التعرض لهم، ولو سلك صلاح الدين نفس مسلكهم لما كان للصليبيين وجود آنذاك في صور, وربما تم القضاء عليهم نهائياً[15].

 

ولم يرد صلاح الدين على ريتشارد بقتل أسرى الصليبيين الذين في حوزته, وهم أعظم عدداً بكثير من أسرى عكا[16]، ولكن هذا العمل من جانب ريتشارد ترك أثراً سيئاً، وجرحاً عميقاً في نفس صلاح الدين, وأدى إلى تأجج النار في قلوب المسلمين، ولم يحجم صلاح الدين في المعارك التالية عن قتل بعض من وقع  في يديه من أسرى الصليبيين[17].

 

كما أغلق صلاح الدين باب المفاوضات مع ريتشارد حول أي موضوع يتعلق ببيت المقدس, وإعادة صليب الصلبوت، وبدأ يستعد للحرب مرة أخرى، وكان الصليبيون حينذاك قد توجهوا جنوباً بمحاذاة البحر, فسيطروا على حيفا ثم قيسارية، فأمر صلاح الدين جنده بالسير بمحاذاتهم، والانقضاض عليهم من حين لآخر، وقطع الطريق على العساكر الذين تاهوا عن جيشهم، وقتلهم، كما جرح ريتشارد نفسه أثناء هذه الهجمات, مما جعله يطلب فتح باب المفاوضات مرة أخرى[18].

 

وقد وافق صلاح الدين على طلبه كسباً للوقت, حتى تصل قوات التركمان التي أرسل في طلبها، فتوجه العادل لإجراء المفاوضات، واجتمع مع ريتشارد في الخامس من سبتمبر سنة 1191م, ولكن المفاوضات توقفت بعد قليل بسبب طلب ريتشارد التنازل له عن كل فلسطين, وعودة البلاد التابعة لمملكة بيت المقدس كما كان الوضع قبل حطين[19].

 

تجدد المفاوضات بعد معركة أرسوف:

بعد انتصار الصليبيين المحدود في معركة أرسوف 7 سبتمبر 1191م عادت إليهم الثقة المفقودة منذ معركة حطين، ورغم أنها لم تكن معركة حاسمة إلا أنها كانت انتصاراً معنوياً كبيراً للصليبيين، إذا أدركوا أن صلاح الدين يمكن أن يتعرض للهزيمة، بعد أن كانوا يرون ذلك محالاً من قبل، كما تسببت هذه المعركة في تجرأ أمراء صلاح الدين عليه، ومخالفة أوامره، كما حدث عند عسقلان[20].

 

وقد عبر ابن شداد عن شعور صلاح الدين بأنه "كان في قلبه من تلك الواقعة ما لا يعلمه إلا الله تعالى، والناس بين جريح الجسد وجريح القلب"[21].

 

إلا أنه رغم هذا ما زال جيش صلاح الدين قوياً ومصدر خطر ورعب للصليبيين، ولذلك حرص ريتشارد على تحصين يافا لتأمين ظهره عند التوجه إلى بيت المقدس، فتهيأت الفرصة لصلاح الدين لتدعيم وسائل الدفاع عن بيت المقدس، وتدمير عسقلان حتى لا ينتفع بها الصليبيون، كما بدأ ريتشارد قلب الأسد يعاني من بعض المتاعب أهمها: عودة عدد كبير من جنده إلى عكا, حيث الحياة الوادعة الناعمة، وانفصل كوانراد مونتفرات عن الصليبيين، واتجه إلى صور ليحافظ عليها لنفسه، كما وقع اضطراب في جزيرة قبرص التي يسيطر عليها ريتشارد، وقامت ثورة بها ضده، بالإضافة إلى القلائل التي سيثيرها فيليب أغسطس بعد عودته إلى فرنسا[22]. لذلك حرص ريتشارد على فتح باب المفاوضات مرة أخرى في أكتوبر 1191م مع صلاح الدين. الذي أبدى استعداده هو الآخر للاستماع إلى مقترحات ريتشارد[23].

 

وثم إجراء المفاوضات في اللد، حيث كان يمثل صلاح الدين فيها أخوه العادل، ويمثل ريتشارد همفري سيد تبنين، الذي يعتبر خير من يجيد اللغة العربية في الصليبيين حينذاك، وقد أعاد ريتشارد مطالبه السابقة في مفاوضاته, وهي إرجاع مملكة بيت المقدس الصليبية اإلى ما كانت عليه قبل معركة حطين, واستعادة صليب الصلبوت، وأصر على بيت المقدس حيث قال: "القدس متعبدنا فلا تنازل عنه، ولو لم يبق منا إلا واحد، وأما الصليب فهو خشبة عندكم لا مقدار له، وهو عندنا عظيم, فيمن به السلطان علينا، ونستريح من هذا العناء الدائم[24].

 

ورد عليه صلاح الدين بقوله: "القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فأنه مسرى نبينا،  ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه، ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين، وأما البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان طارئاً عليها لضعف من كان بها من المسلمين ذلك الوقت، وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، لا يجوز أن نفرط فيه إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها[25].

 

فلما وجد ريتشارد صلابة في رد صلاح الدين، عرض مقترحات أخرى بعد بضعة أيام تتضمن أن يكون للملك العادل[26] كل ما في حوزة صلاح الدين حينذاك في فلسطين على أن يتزوج العادل من جوانا شقيقة الملك ريتشارد، وأرملة ملك صقلية, التي سوف يخصها ريتشارد بكل ما فتحه من المدن الساحلية بما فيها عسقلان، ويقيم العروسان في بيت المقدس، وكان هدف ريتشارد من وراء ذلك المشروع أن يشترك الزوجان اللذان يمثلان الجانب الإسلامي والصليبي في حكم فلسطين, بما فيها بيت المقدس والمدن الساحلية، وفي هذه الحالة يستولى المسيحيون على صليب الصلبوت، ويكون لهم بكنيسة القيامة قسسا، ويمكنون من زيارتها بشرط أن لا يحملون السلاح، ويرضى العادل مقدمي الداوية والاسبتارية ببعض القرى, ولا يمكنهم من الحصون[27].

 

ورغم طرافة هذا العرض وخاصة زواج العادل من جوانا الذي اعتبره صلاح الدين نوعاً من المزاح فإنه وافق عليه، كما وافق عليه العادل بعد أن رأى فيه توحيداً للمسلمين والصليبيين في الشام تحت لوائه، وإقرار الأمور في تلك البلاد على أساس المودة والارتباط بين الطرفين، وسواء كان ريتشارد جاداً في عرضه أم لا، فقد كان صلاح الدين يدرك عدم قدرته على تنفيذ عرضه لوجود عقبات كثيرة أمامه، وخاصة أن طرفاً رئيسياً في المشروع لم يؤخذ رأيه بعد وهي الملك جوانا، التي رفضت هذا المشروع رفضاً قاطعاً عند علمها به، وقالت بأنه ليس ثمة ما يدعوها لأن تتزوج من رجل مسلم، أو تمكن مسلماً من نفسها[28], لذلك طلب ريتشارد من العادل اعتناقه للمسيحية لتذليل تلك العقبة، إلا أن العادل رد في كياسة وأدب برفض ذلك العرض، لكنه حرص على استمرار المفاوضات، فدعا الملك ريتشارد إلى وليمة فاخرة في اللد يوم 8 نوفمبر 1191م، وأجرى له احتفالاً كبيراً, مما دعا بعض المؤرخين الأوروبيين إلى وصف العادل وريتشارد بأنهما أصبحا صديقين، يحبان بعضهما البعض خلال سير المفاوضات الطويلة، وتأكدت بينهما أواصر المحبة خلال الحفل الأخير وتبادلا الهدايا[29].

 

وما أن رجع ريتشارد إلى معسكره حتى أعاد التفكير مرة أخرى في كيفية تدبير زواج العادل وجوانا, رغم علمه بأن المسيحيين وعلى رأسهم جوانا لم يقبلوا هذه الفكرة، وفكر ريتشارد في أن يطلب من البابا الموافقة على هذا الزواج, فإذا أجازه قد تغير أخته جوانا رأيها، فإذا استمرت على رفضها، يتزوج العادل من اليانور كونتيسة بريتاني، وابنة أخت ريتشارد، التي يصح أن تتزوج دون تدخل من البابا، نظراً لأنها كانت تحت وصاية الملك, ويعود الملك بعد ذلك إلى أوروبا[30].

 

إلا أن ريتشارد تراجع عن مشروع الزواج هذا لما سيسببه له من متاعب دينية, وخاصة أن الحروب التي يخوضها تحمل شعاراً دينياً.

 

ومهما يبدو في مشروع زواج العادل من جوانا أو اليانور من غرائب، ويصرف النظر عما اعترض ذلك المشروع من عقبات حالت دون تنفيذه, فإن فكرته تدل على ما اعترى عصر الحروب الصليبية من تطور في مشاعر المسلمين والمسيحيين سواء، وشتان بين هذه العقلية التي فكر بها ريتشارد وصلاح الدين والعادل في أواخر القرن الثاني عشر، وبين الروح العدائية التي جاء بها رجال الحملة الصليبية الأولى إلى الشام في أواخر القرن الحادي عشر.

 

والواقع أن هذا التفكير من جانب ريتشارد، والاستجابة من جانب صلاح الدين والعادل، إنما يدلان على التقارب السياسي والحضاري والفكري بين المسلمين والصليبيين في الشام بعد مرور قرن على بداية الحروب الصليبية[31]، كما تدل على أن الصليبيين بدأوا في التأثر بروح التسامح التي يتبعها صلاح الدين في معاملته لهم، مما دعا ريتشارد إلى تمنى طلب لقاء صلاح الدين نفسه، ولكن الملك العادل رفض هذا الطلب بقوله: " إن الملوك إذا اجتمعوا تقبح بينهم المخاصمة بعد ذلك، وإذا انتظم أمر حسن الاجتماع"[32].

 

ولنا أن نتساءل : هل كان يمكن تحقيق مشروع الزواج هذا؟ وإذا تحقق فما هي أهم نتائجه؟

ونرد بأن هذا الزواج كان يمكن تحقيقه ظاهرياً, وهو ما أصبح يعرف في أوروبا بعد ذلك بالزواج السياسي، ولكان أشهر زواج سياسي في التاريخ إذ سيترتب عليه إخماد نار الحروب بين الطرفين، وكان من الممكن أن تحدث بعده زيجات أخرى بهذه الطريقة, فتنتهي بذلك الحروب الصليبية سلماً لا حرباً.

 

المفاوضات بين صلاح الدين وكونراد:

أثناء انشغال صلاح الدين بالمفاوضات مع ريتشارد أرسل كونراد مونتفرات حاكم صور رسولاً من قبله, وهو رينالد حاكم صيدا سابقاً - قبل سيطرة صلاح الدين عليها - وكان يتميز بمكره ودهائه وعذوبة حديثه، وعرض على صلاح الدين مقترحات كونراد لعقد الصلح معه، وتتضمن :

1- أن كونراد على استعداد للتحالف مع صلاح الدين, والانشقاق على الصليبيين ومخالفتهم.

 

2- مساعدة صلاح الدين في استرداد عكا, مقابل إعطائه صيدا وبيروت[33].

 

وكان الذي دفع كونراد إلى ذلك خلافه مع الملك ريتشارد, الذي كان يطمع في صور، لذلك انفصل كونراد عنهم وتحصن في صور، كما كان ريتشارد يؤيد عدوه ملك بيت المقدس السابق - جاي لوزجنان- الذي ما زال لديه أمل في عودته ملكاً لبيت المقدس بعد استردادها، واستغلاله لتحقيق أطماعه.

 

ولم تكن هذه الأمور خافية على صلاح الدين الذي كان يعلم مكر كونراد ودهائه، لذلك رد عليه رداً ماكراً بأنه موافق على طلبه بشرط أن يبدأ كونراد بمجاهرة الصليبيين العداء, وحصار عكا، وتسليم من في صور وعكا من  أسرى المسلمين، وعندئذ يسلمه صلاح الدين صيدا وبيروت. ولكن سفير كونراد راوغ في الإجابة وطلب التمهل للرد على كونراد[34].

 

وعقد صلاح الدين مجلساً ليقرر أي جانبي الفرنج يمضي معه في المحادثات. فأعلن العادل ومعه بعض الأمراء الميل إلى المضي في المحادثات مع الملك ريتشارد لأنه سوف يبادر إلى مغادرة فلسطين، على حين أن كونراد الذي شعروا جميعاً بهيبته، والتخوف منه، كان ينوي البقاء والاستقرار في فلسطين، ولكن تستمر المفاوضات معه لإحداث شقاق في صفوف الصليبيين.

 

ورغم حرص صلاح الدين على سرية المفاوضات مع كونراد إلا أن ريتشارد علم بها, فأسرع إلى عكا لعقد مصالحة مع كونراد، وإحضاره إلى عكا[35].

 

إلا أن هذه المصالحة لم تستمر طويلاً, ففي فبراير 1192م طلب ريتشارد من كونراد الاشتراك في أعمال التحصينات بعسقلان، إلا أن كونراد رفض في فظاظة القدوم إلى عسقلان, فهدده ريتشارد بأنه مالم يلحق بالجيش في عسقلان فسوف تصادر كل أملاكه. ولكنه لم يأبه بهذا التهديد لعدم قدرة ريتشارد على تنفيذه، وهذا ما جعل ريتشارد يزداد اقتناعاً بأنه لابد من عقد الصلح مع صلاح الدين[36].

 

وتم إرسال مبعوث انجليزي إلى صلاح الدين في بيت المقدس هو ستيفن تيرنهام، إلا أنه لم يكمل مفاوضاته مع صلاح الدين والعادل, بسبب مشاهدته لرينالد سيد صيدا وبليان أبلين رسولا كونراد إلى صلاح الدين لإجراء مفاوضات أيضاً معه، فعاد مبعوث ريتشارد إليه غاضباً مما حدث، مما دفع صلاح الدين إلى إرسال أخيه العادل ليستأنف المفاوضات مع ريتشارد, لأنه - كما ذكرنا سابقاً - يفضل التفاوض مع ريتشارد وليس كونراد.

 

ووصل العادل إلى معسكر ريتشارد في  20 مارس 1192م يحمل مقترحات صلاح الدين هذه المرة بشأن الهدنة والصلح وتتضمن:

1- أن يحتفظ الصليبيون بما سبق أن فتحوه.

 

2- أن يكون لهم الحق في أن يؤدوا الحج إلى بيت المقدس، حيث صار بوسع اللاتين (الكاثوليك) أن يجعلوا بها قسيساً منهم.

 

3- أن يعود إليهم صليب الصلبوت، ويحق لهم أن يضيفوا بيروت بعد تخريب استحكاماتها.

 

وقد استقبل الملك ريتشارد العادل ومن معه استقبلاً حافلاً، ومنح ابنه لقب فارس, وشده بحزام الفروسية، وأقام حفلاً له استبعد فيه بعض الطقوس المسيحية مراعاة لمشاعره الدينية، وتراءى له أخيراً أن التوصل إلى تسوية سليمة أصبح وشيكاً، ولكنه طلب من العادل أن يمهله عدة أيام للتشاور والرد النهائي، وعادل العادل إلى صلاح ليخبره بقرب عقد الهدنة، ونهاية الحروب.

 

وقد زادت حاجة ريتشارد إلى عقد الصلح بعد وصول رئيس دير هيرفورد من انجلترا ليخبر ريتشارد أن الأمور قد ساءت في انجلترا، إذ أن يوحنا شقيق الملك ازداد إمعانا في اغتصاب السلطة، ويطلب منه كبير وزرائه هناك بأن يبادر بالعودة إلى انجلترا، هذا بالإضافة إلى أن الجند الفرنسيين الذين تبقوا معه بعد رحيل فيليب أغسطس، تركوا معسكر ريتشارد, واتجهوا إلى عكا, بعد أن أمرهم قائدهم هيو دوق برجندياً[37].

 

إلا أنه استجدت بعض الأمور التي جعلت ريتشارد يتراجع عن إتمام الصلح مع صلاح الدين, ويتوجه للقتال مرة أخرى، فبعد عودة العادل من عنده بأيام قتل كونراد أمير صور  وغريمه الأكبر في الشام، وتولى بدلاً منه هنري كونت شامبانيا وابن أخت الملك ريتشارد، وتزوج ايزابيللا أرملة كونراد, ووريثة عرش مملكة بيت المقدس, ولم يمض على مقتل زوجها السابق سوى يومين، وبذلك تم حل مشكلة عرش مملكة بيت المقدس، كما تخلص الملك ريتشارد من جاي لوزجنان بمنحه حكم جزيرة قبرص مقابل مبلغ من المال يدفعه جاي لفرقة الداوية التي تحكم قبرص آنذاك[38].

 

وبذلك لم يعد أمام ريتشارد أية مشاكل داخلية في الجبهة الصليبية، كما سمع حينذاك أن صلاح الدين يعاني من بعض المشاكل الداخلية في الشرق أهمها: قيام ابن أخيه بالتمرد عليه، والخروج على طاعته في إقليم الجزيرة[39] فقرر ريتشارد القيام بهجوم مفاجئ على قلعة الداروم - جنوب غزة -, واستبسلت حاميتها في الدفاع عنها لمدةخمسة أيام, ثم اقتحم ريتشارد المدينة السفلى، فاستسلمت حامية القلعة في 23 مايو 1192م، على أن ريتشارد لم يتعلم شيئاً من مروءة صلاح الدين، فأمر بقتل جماعة من حامية الحصن، وعلق جماعة على شرفات الحصن، رغم استسلامهم له، ثم عاد ريتشارد بعد ذلك إلى عسقلان[40].

 

على أن الجنود الفرنسيين والانجليز ألحوا على الملك في شن هجوم مباشر على مدينة القدس للسيطرة عليها، فخضع لهم الملك, وتوجه بجيشه إلى بيت نوبة بالقرب من بيت المقدس، وأثناء ذلك حدثت بعض المناوشات بين المسلمين والصليبيين أهمها: سيطرة ريتشارد على قافلة كبيرة قادمة من مصر إلى صلاح الدين، كما سيطر المسلمون على قافلة إمدادات قادمة لريتشارد من يافا، كما أمر صلاح الدين بردم الآبار الواقعة بين بيت نوبة وبيت المقدس, بحيث لم يبق حول القدس ماء يشرب أصلاً[41].

 

وبينما يواصل صلاح الدين استعداداته للدفاع عن بيت المقدس، علم بارتداد الصليبيين إلى يافا بعد أن دارت في معسكرهم مناقشات حادة بين العساكر الفرنسيين وريتشارد. إذ كان الفرنسيون يرون الإسراع بالهجوم على بيت المقدس، بينما ريتشارد والانجليز يعارضون تلك الفكرة بحجة عدم وجود مياه خارج المدينة، وأمر ريتشارد الصليبيين بالعودة إلى يافا[42].

 

وكان لانسحاب ريتشارد رد فعل قوى في صفوف المسلمين، فارتفعت روحهم المعنوية, بينما ترك أثراً سيئاً لدى الصليبيين، لذلك سعوا من جديد لعقد هدنة مع صلاح الدين، وكان أول من أستأنف المفاوضات في هذه الجولة هنري دي شامبني ملك بيت المقدس، فوجه رسالة إلى صلاح الدين طافحة بالادعاء والغرور بأنه أضحى ملك بيت المقدس ولابد أن تؤول إليه بأكملها، وكان رسوله على درجة من الغرور مثله حتى كاد صلاح الدين أن يبطش به لولا سماحته وإدراكه حقوق الرسل، ورفض التفاوض على أساس هذا المبدأ[43].

 

وبعد ثلاثة أيام وصلت إلى صلاح الدين رسل ريتشارد الذي ازدادت رغبته في العودة السريعة إلى بلاده، لذلك كانت رسله أميل إلى المصالحة والمسالمة، فنقلوا إلى صلاح الدين رغبة ريتشارد في أن يجعل صلاح الدين ابن أخته (هنري دي شامبني) في كنفه وتحت رعايته، ويحكم مملكة بيت المقدس تحت حماية المسلمين، فيكون هو وجيشه تحت إمرة صلاح الدين وطاعته، ثم يجمع في رسالته بين الترغيب والتهديد, فيقول أيضاً: لا تغتر بتأخري عن منزلي، فالكبش يتأخر لينطح"[44].

 

فرد عليه صلاح الدين قائلاً: "إن ابن أختك يكون عندى كبعض أولادي، وسيبلغك ما أفعل في حقه من الخير"[45].

 

وفي هذا الجو من التسامح جرت المفاوضات, وكان يمثل الجانب الإسلامي فيها الحاج يوسف صاحب سيف الدين المشطوب -أحد قادة صلاح الدين-, والجانب الصليبي أونفروي دي تورون.

 

وكان عرض ريتشارد في هذه المفاوضات يتضمن:

التمسك بحق الصليبيين في حماية الأماكن المقدسة وبخاصة كنيسة القيامة، مع ضمان حرية الحج والعبادة للصليبيين، مع التنازل عن السيطرة السياسية على بيت المقدس، ولم يفت ريتشارد أن يشير بتسامح صلاح الدين وسعة صدره، وعبر عن أمله في أن يحظى ببعض ذلك الكرم, والذي اشتهر به صلاح الدين في معاملته للصليبيين, فقال له: "إن جماعة من الرهبان والمنقطعين قد طلبوا منك كنائس، فما بخلت عليهم بها، وأنه يطلب منك كنيسة القيامة"[46].

 

وقد وافق صلاح الدين على طلب ريتشارد، بل وسمح لقسس من اللاتين بالبقاء في الأماكن المقدسة، وعرض عليهم بالنسبة لباقي البلاد أن يكون للصليبيين ملك البلاد الساحلية من صور إلى يافا بشرط تدمير استحكامات عسقلان, فتكون هي وما وراءها خراباً، وتكون البلاد الداخلية بما فيها بيت المقدس بأيدي المسلمين[47].

 

وكان صلاح الدين حريصاً على أن لا تبقى عسقلان في يد الصليبيين فيقطعوا الطريق بين مصر والشام، ولم تكن هذه الأهمية لعسقلان بخافية على الصليبيين, لذلك تعثرت المفاوضات بسببها، ورفض ريتشارد تسليم عسقلان وتخريبها، كما رفض أيضاً أن يأخذ اللد مقابل عسقلان، وأصر على بقاء عسقلان في يد الصليبيين[48].

 

ويبدو أن ريتشارد قد مل طول المفاوضات فأراد أن يحقق نصراً عسكرياً يعود به إلى بلاده، ولو لم يتم التوقيع على معاهدة مع صلاح الدين. فقرر السيطرة على بيروت والإبحار منها إلى أوروبا، فانتهز صلاح الدين ابتعاده عن يافا وقام بهجوم مفاجئ عليها، وسيطر على المدينة في أواخر يولية 1192م، واتفقت حاميتها على التسليم لصلاح الدين مقابل الإبقاء على حياتهم، وحينذاك قام بعض جند صلاح الدين من الأكراد والأتراك بنهب بعض مناطق المدينة، وهنا ظهرت مروءة صلاح الدين التي أشاد بها المسيحيون, حيث طلب من حامية يافا أن يلزموا القلعة, ولا يسلموا أنفسهم حتى يعيد الأمن إلى نصابه[49].

 

وعندما علم ريتشارد بذلك عاد سريعاً إلى يافا, وكانت حاميتها مازالت بالقلعة, فلما رأوا سفن ريتشارد رفضوا التسليم عندما طلب منهم صلاح الدين, واستماتوا في القتال، كما هاجم ريتشارد المدينة، فأمر صلاح الدين جنده بالارتداد إلى يازور في داخل البلاد[50].

 

وفي صبيحة اليوم التالي أرسل صلاح الدين حاجبه أبا بكر العادلي ليستأنف محادثات الصلح مع ريتشارد، بعد أن رفض جنده القيام بهجوم مفاجئ جديد على ريتشارد قبل أن يأتيه المدد من قيسارية، بل تجرأ أحد الأمراء عليه وقال له : "يا صلاح الدين قل لمماليكك الذين أخذوا أمس الغنيمة، وضربوا الناس بالحماقات, يتقدمون فيقاتلون. إذا كان القتال فنحن، وإذا كانت الغنيمة فلهم"[51].

 

وعند وصول رسول صلاح الدين إلى ريتشارد وجده يلهو ويمزح مع بعض الأمراء المسلمين الذين وقعوا في أسره، ويدور حديثهم حول سرعة استيلاء صلاح الدين على يافا، وسرعة استرداد ريتشارد لها، واقترح صلاح الدين على ريتشارد أن تنتهي حدود الفرنج عند قيسارية بعد تدمير يافا، وقد رد ريتشارد على اقتراح صلاح الدين بأن يحوز ريتشارد يافا وعسقلان على سبيل الإقطاع (المنح) من صلاح الدين، إلا أنه لم يوضح كيف تكون تبعية المدينتين بعد رحيله إلى أوروبا؟ فأجاب صلاح الدين بأنه يوافق على التنازل عن يافا ولكن يصر على الاحتفاظ بعسقلان[52]، وللمرة الثانية أضحت عسقلان حجز عثرة في سبيل عقد الهدنة، وتوقفت المفاوضات.

 

وكان لابد من تحريك المياه الراكدة بين المسلمين والصليبيين، فقرر صلاح الدين القيام بهجوم آخر في فجر الأربعاء 5 أغسطس 1192م على يافا, لأنه علم أن بها قوة صغيرة، ولم تصل الإمدادات بعد إلى ريتشارد، وكان الهجوم على يافا براً وبحراً، ونجح صلاح الدين في زحزحة البحارة الصليبيين من أماكنهم، وفروا هاربين لولا أن ريتشارد أعادهم إلى أماكنهم مرة أخرى, وصمد ريتشارد أمام الهجمات المتلاحقة لقوات صلاح الدين، وهنا تتجلى عظمة صلاح الدين مرة أخرى وتقديره لخصمه حتى أثناء القتال، فقد أعجب بصمود ريتشارد رغم قلة من معه، فلما أصيب حصان ريتشارد وهوى من تحته, دفعته المروءة إلى أن يبعث من قبله سائساً يقود جوادين في غمار المعركة هدية للملك ريتشارد، وقال:  إن من العار أن يقاتل هذا الملك راجلاً[53].

 

وفي المساء أمر صلاح الدين قواته بالتراجع إلى الرملة, ومنها إلى بيت المقدس, مكتفياً بما حققه من خسائر في الجانب الصليبي، وكانت هذه آخر مواجهة عسكرية بين صلاح الدين وريتشارد.

 

الجولة الأخيرة للمفاوضات وعقد الصلح:

كان للمجهود الكبير الذي بذله ريتشارد في مواجهة صلاح الدين وجنده أثر في إعلال صحته ومرضه، لأنه يواجه قائداً لا يكل ولا يمل من طول الجهاد، ولو طاوعه جنوده ما توقف عن القتال حتى يطرد الصليبيين نهائياً من بلاد الشام. وقد أصيب ريتشارد بالحمى واشتدت عليه، فلزم خيمته, وأرسل إلى صلاح الدين يطلب منه فاكهة وماءاً بارداً، فما كان من صلاح الدين إلا أن بعث إليه بالكمثري والخوخ والبلح والثلج، كما أرسل إليه طبيبه الخاص ليعالجه, مما كان له أطيب الأثر في نفس ريتشارد، فأرسل إلى صلاح الدين يطلب منه الإسراع في عقد الصلح، فأعاد صلاح الدين عرضه السابق (للصليبيين المدن الساحلية من صور إلى يافا), وأصر على تسلم عسقلان، وكان من العسير على ريتشارد أن يقبل ذلك، لأنه لم يحقق أي كسب جديد للصليبيين بهذه الشروط، ولم يكن ريتشارد متمسكاً بعسقلان لهدف عسكري أو حربي بقدر ما كان يريد حفظ ماء وجهه أمام الصليبيين قبل العودة إلى بلاده. ولذلك يذكر أبو شامة أن ريتشارد أرسل إلى صلاح الدين يستوهب منه عسقلان، وبعد ذلك سيمضى ويتركه مع هذه الشرذمة اليسيرة يأخذ البلاد منهم، فليس غرضه إلا إقامة جاهه بين الفرنجية[54].

 

وعندما وجد ريتشارد من صلاح الدين إصراراً على الاحتفاظ بعسقلان لجأ إلى التهديد مرة أخرى, بأن أرسل إلى صلاح الدين بقول له : "إن وقع الصلح في هذه الأيام الستة سار إلى بلاده وإلا احتاج أن يشتى ههنا" فأجابه السلطان صلاح الدين بقوله: "أما النزول عن عسقلان فلا سبيل إليه، وأما تشتيته هنا فلابد منها لأنه قد استولى على هذه البلاد، ويعلم أنه متى غاب عنها أخذت بالضرورة، وإذا أقام أيضاً إن شاء الله، وإذا سهل عليه أن يشتى هنا ويبعد عن أهله ووطنه مسيرة شهرين, وهو شاب في عنفوان شبابه، ووقت اقتناص لذاته، فما يسهل على أن أشتى وأصيف وأنا في وسط بلادي، وعندي أهلي وأولادي, ويأتي إلى ما أريده ومن أريده، وأنا رجل شيخ قد كرهت لذات الدنيا, وشبعت منها، ورفضتها عني، والعسكر الذي يكون عندي في الشتاء غير الذين يكون في الصيف، وأنا أعتقد أنى في أعظم العبادات, ولا أزال كذلك حتى يعطى الله النصر لمن يشاء".

 

فترك ريتشارد أسلوب التهديد, وعاد إلى سياسة اللين والتعطف لدى صلاح الدين, وأرسل إليه يقول له: "با لله عليك أجب سؤالي في الصلح, فهذا أمر لابد له من آخر, وقد هلكت بلادي وراء البحر, وما دوام هذا مصلحة لا لنا لا لكم"[55].

 

فرد عليه صلاح الدين بنفس شروطه السابقة، مما دعا ريتشارد إلى أن يلجأ إلى صديقه القديم الملك العادل - شقيق صلاح الدين - وأنفذ رسله إليه يرجوه التوسط عند صلاح الدين ليتخلى له عن عسقلان, وبعد مشاورات بين العادل وصلاح الدين لم يتزحزح صلاح الدين عن مواقفه بشأن عسقلان، فتوجه إلى ريتشارد يوم 28 أغسطس 1192م رسول العادل يحمل إليه العرض النهائي من صلاح الدين والعادل، ويتضمن عدم التفريط في عسقلان, وإغلاق باب المساومة عليها نهائياً.

 

والواقع أن ريتشارد لم يكن في وضع يسمح له بالمساومة، ولم يكن إطالة الوقت في صالحه، فقد اشتد مرضه، بالإضافة إلى ما ارتكبه أخوه من أعمال سيئة ومحاولته اغتصاب السلطة في انجلترا. مما يتطلب من ريتشارد عودة عاجلة، ومن العوامل التي أدت أيضاً إلى قبول ريتشارد لشروط صلاح الدين، ما حل بالجيش الصليبي من إرهاق بسبب كثرة حروبه مع صلاح الدين، وحدوث شقاق وخلاف بين الملك ريتشارد من ناحية وابن أخته هنري والطوائف الدينية والحربية مثل الداوية والاسبتارية من ناحية أخرى، لعدم ثقتهم في سياسته العسكرية، وفشله في استرداد بيت المقدس، فهل ستعوضهم عسقلان عن بيت المقدس؟

 

كما استفزهم بتصريحاته الدائمة عن عزمه لمغادرة فلسطين, مما يعنى تركهم في مواجهة صلاح الدين، لذلك أصبح لابد لريتشارد من الاتفاق مع صلاح الدين بأية صورة قبل مغادرته لبلاد الشام، وبعد خمسة أيام من وصول رسول العادل وصلاح الدين بالعرض النهائي, وافق ريتشارد على الصلح بشروط صلاح الدين يوم 2 سبتمر 1192م (20 شعبان 588هـ).

 

شروط صلح الرملة:

1- يكون للصليبيين المدن الساحلية من صور إلى يافا بما فيها قيسارية وحيفا وأرسوف وعكا والأعمال التابعة لكل من هذه البلاد.

 

2- تكون عسقلان للمسلمين بعد تدمير حصونها.

 

3- اللد والرملة مناصفة بين المسلمين والصليبيين.

 

4- يكون للمسيحيين حرية الحج إلى بيت المقدس دون مطالبتهم بأي ضريبة عن ذلك.

 

5- للمسلمين والمسيحيين الحق في أن يجتاز كل فريق منهم بلاد الفريق الآخر.

 

6- تكون الهدنة عامة في البر والبحر وتشمل بلاد الإسماعيلية في الشام، وإمارتي أنطاكية وطرابلس.

 

7- مدة الهدنة ثلاث سنين وثلاثة أشهر[56].

 

وقد رفض ريتشارد أن يحلف بل أعطى يده فقط, واعتذر بأن الملوك لا يحلفون، فأقسم بالنيابة عنه ابن أخته هنري كونت شامبانيا, وباليان أبلين, ومقدما الاسبتارية والداوية، وفي اليوم التالي توجه رسل ريتشارد إلى صلاح الدين الذي رفض الحلف أيضاً، وأقسم عنه أخوه الملك العادل, وأولاده الأفضل والظاهر وغيرهم من الأمراء، كما حلف على الصلح أميري طرابلس وأنطاكية لدخول بلادهما في الهدنة[57].

 

وبناءاً على ذلك أصدر صلاح الدين منشوراً يعلن فيه: "أن الصلح قد انتظم، فمن شاء من بلادهم يدخل بلادنا فليفعل, ومن شاء من بلادنا يدخل بلادهم  فليفعل[58].

 

ولم يكتف بوهيمند الثالث أمير أنطاكية بالتوقيع على صلح الرملة، وإنما أراد أن يوثق علاقته بصلاح الدين، فحضر لزيارته في بيروت في نهاية أكتوبر 1192م، وقد بالغ صلاح الدين في احترامه وإكرامه ومباسطته، والسبب في ذلك كما يقول أبو شامة أن صلاح الدين ارتاح لأمير أنطاكية لأنه أعجبه استرساله إليه ودخوله بغير أمان عليه، فتلقاه بالإحسان, ووافقه وودعه[59].

 

وقد منح صلاح الدين أمير أنطاكية منطقتي العمق وزرعان بالقرب من أنطاكية، وحولهما مزارع تغل خمسة عشر ألف دينار، كما وهب الفرسان الذين رافقوه تشريفاً, وأجزل لهم العطاء[60].

 

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: لماذا وافق صلاح الدين على صلح الرملة؟, هل فتر عنده حماس القتال والجهاد؟ أم أن هناك عوامل أخرى؟

 

ونجيب في أول الأمر أن صلاح الدين قبل الصلح مضطراً وليس باختياره، فعندما أرسل إليه ريتشارد يطلب منه عقد الصلح دعا إلى اجتماع مع أمرائه وأهل مشورته، وعرض عليهم الاستمرار في الجهاد والنضال, وعدم الاستجابة إلي ريتشارد, وخطب فيهم قائلاً: "نحن بحمد الله في قوة, وقد ألفنا الجهاد, وما لنا شغل إلا العدو، ومتى صالحناهم لا نؤمن غائلتهم، فإنني لو حدث لي حادث الموت ما تكاد تجتمع هذه العساكر، فالمصلحة أن نزال على الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت، وأخاف أن أصالح وما أدرى أي شي يكون مني فيقوى هذا العدو، وقد بقيت لهم هذه البلاد, فيخرجون لاسترداد بقية البلاد، وترى كل واحد من هؤلاء الجماعة قعد في رأس قلعة حصينة, وقال: لا أنزل، فيهلك المسلمون[61].

 

إذن فإن منهج صلاح الدين في خطته التي كان يؤمن بها هو الجهاد ضد الصليبيين حتى طرد آخر جندي منهم من الشام، لأنه لو بقيت لهم بقية فيها مهما صغرت فإن وجودهم سوف يعكر صفو السلام للمسلمين دائماً, إن عاجلاً أو آجلاً، وسيحاولون استغلال الفرص دائماً للتوسع مرة أخرى، خصوصاً وقد عرف عنهم نكث الإيمان وعدم الالتزام بالعهود والمواثيق[62].

 

وحينما فرغ السلطان من عرض رأيه ووجهه نظره رد عليه الأمراء قائلين: رأيك سديد, والتوفيق في كل ما تريد, غير أن البلاد تشعثت, والأقوات قلت, والعسكر ضجر, والدواب هلكت, والأسلحة نفدت, والصواب القبول عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾ وإذا تم عقد الهدنة ففي مدتها نستريح، وتعمر البلاد, وتزرع الأرض, ونستعد للحرب، فإذا عاد إليها عدنا، وقد بلغنا أنه متى تم الصلح سوف يعود ملك انجلترا إلى بلاده، وإن لم يتم الصلح آخر فصل الشتاء تعذر عليه ركوب البحر, والعودة إلى بلاده, فيضطر للإقامة هنا إلى العام القادم، وحينئذ يعظم الضرر على المسلمين[63] .

 

وما زال قادة الجيش يلحون على صلاح الدين, ويكثرون له القول في أن يوافق على الصلح, حتى وافق أخيراً, ونزل على رأيهم، ويقسم القاضي ابن شداد -وهو رفيق صلاح الدين وجليسه - على أن صلاح الدين لم يرغب في الصلح, ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر, وتظاهرهم بالمخالفة[64].

 

نتائج صلح الرملة:

قوبل صلح الرملة بارتياح كبير من الطرفين, بعد أن ملوا جميعا تلك الحرب الطويلة, التي لم تنته إلى نتيجة حاسمة، وأصبح الطريق أمام المسلمين آمنا إلى الحجاز، وأمام المسيحيين آمنا إلى بيت المقدس، ويصف أبو شامة عظم الفرحة التي عمت المسلمين والمسيحيين معا عند إعلان الصلح فيقول: " كان يوم الصلح يوما مشهوداً، عم فيه الطائفتين الفرح والسرور لما نالهم من الحرب"[65].

 

وقد بدأ تنفيذ الصلح عقب توقيعه بأيام قلائل، فأمر صلاح الدين مائة نقاب ومعهم أمير من أمرائه لتخريب سور عسقلان، وتدميره بعد إخراج الفرنج منها، ويحضر معهم جماعة من الفرنج لمشاهدة تخريب السور تنفيذا للصلح, وتبقى بعد ذلك في أيدي المسلمين، كما احتفظ المسلمون ببعض المواني على الساحل مثل صيدا وبيروت وجبيل، كما احتفظوا بالبلاد الداخلية وخاصة القدس، كما تجهزت جماعات كثيرة من الجيش الصليبي بعد أن تجردت من السلاح للتوجه إلى بيت المقدس للحج وزيارة الأماكن المقدسة، ولما علم ريتشارد بكثرة من يزور بيت المقدس من الصليبيين أرسل إلى صلاح الدين يسأله منع الزوار إلا بإذن منه أو علامة من جانبه، وكان ريتشارد يهدف بذلك حرمان العساكر الفرنسيين من زيارة بيت المقدس، ورفض أن يمنح واحدا منهم تصريحا بالمسير إلى بيت المقدس[66].

 

وربما كان السبب في ذلك أن الغضب قد ملأ نفس ريتشارد حينما رأى شدة فرح الجند بزيارة بيت المقدس لا على أسنة رماحه, ولكن بالمحبة والأمن والسلام, حتى أنهم كانوا يرددون قائلين:ــ " إنما كنا نقاتل على هذا الذي وجدناه مع الصلح، ومازلنا سائرين في ليل القصد حتى وصلنا إلى الصبح", حينئذ استيقظت في نفس ريتشارد دواعي المكر والخداع مرة أخرى، ورأى أنه من الأولى أن يعود بجنده وقومه إلى بلادهم وهم على حسرة عدم تمكنهم من الزيارة, فيبقون على الاستنفار والاستثارة، لأنه من زار برد قلبه وتنفس كربه، ولم يبق له في مشقة العود أرب، ولم يتصل له بهذه الديار سبب، ولكنه كان ينوى أن يعود بهم مرة أخرى بنفس الحماس الذي كانوا يقاتلون به قبل الصلح والزيارة، ومما يؤيد ما ذكرناه أن ريتشارد حينما عزم على الرحيل أرسل إلى صلاح الدين رسالة أخيرة يتحداه فيها ويتوعده بقوله: " أنه سيعود بعد ثلاث سنين ويستولي على بيت المقدس"[67].

 

وقد انتبه صلاح الدين إلى مكر ريتشارد, وفطن إلى مقصوده, فأرسل إلى ريتشارد  يعتذر له عن عدم منع الحجاج المسيحيين, ويقول له: " أنت أولى بمنعهم وردهم، وما يقتضي كرمنا أن نرد قوما وردوا علينا من ذلك البعد, ويسر لهم زيارة هذا المكان الشريف, لا أستحل منعهم"[68].

 

وقد أكرم صلاح الدين الحجاج المسيحيين, وشرع في مد الطعام لهم ومباسطتهم ومحادثتهم، وقاد إحدى الجماعات المسيحية هيوبرت والتي أسقف سالسبوري, الذي حظي بمقابلة صلاح الدين، وطلب منه السماح لاثنين من القسس اللاتين, واثنين من الشمامسة اللاتين, أن يؤدوا الخدمة الدينية في كنيسة القيامة وبيت لحم والناصرة، فاستجاب له صلاح الدين, ووافق على حضورهم بجانب رجال الدين الأرثوذكس والسريان واليعاقبة، كما كان صلاح الدين يرسل الخفراء لحماية الحجاج المسيحيين إلى يافا[69].

 

وبذلك حقق صلاح الدين العديد من الأهداف بفتحه الباب أمام المسيحيين، فقد عمل على زيادة هوة الخلاف بين الفرنسيين والانجليز عندما أعلمهم برغبة ريتشارد في منعهم من الحج, فعظم عليهم ذلك، كما كان السلطان يهدف إلى قضاء المسيحيين غرضهم بالزيارة, فيعودوا إلى بلادهم, ويأمن المسلمون شرهم, بدلاً من إثارة غضبهم, وعودتهم إلى إثارة أممهم ضده، وكان رفض صلاح الدين لطلب ريتشارد ألا يسمح للمسيحيين بالحج إلا بإذن منه، حتى لا يجعل له بمقتضى هذا الحق أية سيطرة ولو معنوية على بيت المقدس.

 

وكانت المدن الإيطالية أسعد الطوائف الصليبية بصلح الرملة, لأنه احتفظ لهم بالعديد من المواني على الساحل الشامي اللازمة لتجارتهم مع الشرق، وكان لهم فيها امتيازات عديدة, مثل الإعفاء من سداد الرسوم الجمركية، وإدارة شئونهم الإدارية باستقلال تام[70], بينما لم يلق صلح الرملة ترحيبا من جانب البابوية في روما لعدم إعادة القدس للمسيحيين[71].

 

أما في الجانب الإسلامي فقد سارع التجار المسلمون بمد نشاطهم التجاري مع المدن الصليبية, وأولها يافا التي توجه إليها جماعة في طلب التجارة، كما توجه صلاح الدين إلى القدس وهو على أهبة الاستعداد لاستئناف القتال والحرب، تحسبا لأي تطورات طالما ريتشارد مازال في الشرق، ليقينه بأن ريتشارد إنسان مخادع متقلب المزاج، وأرسل عيونه وجواسيسه تأتيه بأخبار ريتشارد أولا بأول، كما قام بتحصين مدينة بيت المقدس، وتشييد أسوارها، وتعميق خنادقها، واستمر بها حتى أتاه الخبر اليقين برحيل ريتشارد إلى بلاده في أول شوال 588هـ (9أكتوبر 1192م).

 

وبذلك عادت الحياة الطبيعية إلى فلسطين بعد صلح الرملة, وكان هذا الصلح مصلحة علمها الله تعالى, وسعادة للمسلمين, لأن صلاح الدين توفى بعد هذا الصلح بمدة قصيرة في دمشق يوم 17 صفر 589هـ (4مارس 1193م), ولو كانت وفاته أثناء القتال لتعرض المسلمون إلى خطر كبير[72].

 

وقد استمر هذا الصلح حتى نهايته لانشغال ريتشارد بمؤامرات أخيه يوحنا في انجلترا، وحروبه مع فيليب أغسطس ملك فرنسا حتى توفى في 26مارس 1199م دون أن يحضر إلى الشرق مرة أخرى[73].

 

كما التزم الأمراء الصليبيون في الشرق بالصلح ، ولم يحاولوا خرق الهدنة حتى بعد وفاة صلاح الدين لانشغال هنري دي شامبني ملك صور وعكا بالمنازعات مع الملك جاي لوزجنان في قبرص، وتصفية الخلافات بين أمير أنطاكية وملك أرمينية الصغرى مما جعل ابن الأثير يصفه بأنه :"كان خير الطبع قليل الشر، رفيقاً بالمسلمين محباً لهم"[74] .

 

و بذلك استمرت الهدنة دون خرق لها حتى نهايتها في ديسمبر 1195م وبدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين المسلمين والصليبيين.

 

 

المصادر والمراجع

ابن الأثير: عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني _ ت 630هـ

1- الكامل في التاريخ _ دار الكتاب العربي ببيروت _ 1985م.

أنتوني بردج.

1- تاريخ الحروب الصليبية - ترجمة أحمد غسان سبانو، نبيل الجيرودي - دمشق 1985م

رانسيمان ( ستيفن ) .

2- تاريخ الحروب الصليبية - الجزء الأول - تر جمة نور الدين خليل - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م، والجزء الثاني والثالث ترجمة الدكتور السيد الباز العريني - بيروت 1982..

زابوروف ( ميخائيل )

3- الصليبيون في الشرق - ترجمة إلياس شاهين - موسكو 1986 .

سعيد عبد الفتاح عاشور (دكتور ). :

4- الحركة الصليبية - مكتبة الأنجلو المصرية 1994م.

أبو شامة: شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن المقدسي. -ت665هـ.

5- الروضتين في أخبار الدولتين - دار الجيل ببيروت .

ابن شداد: القاضي بهاء الدين - ت 632هـ.

6- النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية - القاهرة 1962م.

عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي (دكتور)

7- العلاقات السياسية بين زعماء المسلمين والصليبيين من خلال المؤرخة المنسوبة إلى القائد الأرمني سمباد - بحث منشور بمجلة الدارة - العدد الثالث - ربيع الثاني 1416هـ.

علي عبد الحليم ( دكتور) .

8- الغزو الصليبي والعالم الإسلامي - القاهرة 1993م .

ابن العماد الحنبلي : عبد الحي بن أحمد - ت 1089هـ.

9- شذرات الذهب في أخبار من ذهب - دار الفكر 1979م .

فشر.

10- تاريخ أوربا في العصور الوسطي - ترجمة د/ محمد مصطفي زيادة, د/ السيد الباز العريني - دار المعارف 1966م.

كاهن (كلود):

11- الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية - ترجمة أحمد الشيخ - سينا للنشر 1995م.

ابن كثير : أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن عمر الدمشقي - ت 774هـ .

12- البداية والنهاية - دار الفكر العربي 1933م .

أبو المحاسن :  جمال الدين بن يوسف بن تغري بردي- ت 874هـ .

13- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب .

المقريزي : تقي الدين أحمد بن علي - 845هـ.

14- السلوك لمعرفة دول الملوك - لجنة التأليف والترجمة والنشر  .

نعمان الطيب سليمان ( دكتور) .

15- جهود المماليك في تصفية الوجود الصليبي - القاهرة 1985م.

هايد.

16- تاريخ التجارة في الشرق الأدني في العصور الوسطى - ترجمة أحمد رضا - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م.

ابن واصل : جمال الدين محمد بن سالم - ت 697هـ .

17- مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - نشر وتحقيق د.جمال الدين الشيال، د. حسنين محمد ربيع - القاهرة 1986م .

ولز .

18- معالم تاريخ الإنسانية - ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م.



[1] - أنتونى بردج - تاريخ الحروب الصليبية (ترجمة أحمد غسان سبانو، نبيل الجيرودي - دمشق 1985م) ص 199، ميخائيل زابوروف - الصليبيون في الشرق  (ترجمة إلياس شاهين - موسكو 1986) ص 193.

[2] - أرسل صلاح الدين إلى أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن يقول له : "إن من الواجب أن يمد غرب الإسلام المسلمين بأكثر مما أمد به غرب الكفار الكافرين "أبو شامة - الروضتين في أخبار الدولتين (دار الجيل ببيروت)  ج 2 ص 173 .

[3] - د/ على عبد الحليم - العالم الإسلامي والغزو الصليبي (القاهرة 1993م) ص 179, ميخائيل زابوروف - ص 205.

[4] - كان صلاح الدين قد أطلق سراح جاي لوزجنان في يوليه سنة 1188م بعد أسره في حطين بعد توسلات زوجته الملكة سبيللا لصلاح الدين، وبعد أن أقسم الملك جاي بأنه سوف يبحر عائداً إلى بلاده، وأنه لن يشهر السلاح مرة أخرى على المسلمين، ولكن ما أن وصل إلى طرابلس حتى قام أحد رجال الدين المسيحيين بتحليله من يمينه لأنها قد بذلت لغير مسيحي، ولذا تعتبر في نظر الكنيسة يميناً باطلة، ولذلك شارك الملك في حصار عكا، وهذا هو الفارق بين صلاح الدين وملوك الصليبيين - رانسيمان- تاريخ الحروب الصليبية (ترجمة الدكتور السيد الباز العريني - بيروت 1982)ج 3 ص 50.

[5] - ابن شداد - النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (القاهرة 1962م) ص260 - رانسيمان - ج 3 ص 50 .

[6] - رانسيمان - ج 3 ص 97.

[7] - ابن واصل - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (نشر وتحقيق د.جمال الدين الشيال، د. حسنين محمد ربيع - القاهرة 1986م) ج2 ص 355 .

[8] - ابن شداد - النوادر السلطانية - ص 273.

[9] - أبو شامة - ج2 ص 187، د/ سعيد عبدالفتاح عاشور - الحركة الصليبية (مكتبة الأنجلو المصرية 1994م) ج 2 ص 834.

[10] - ابن واصل - ج 2 ص 359 وقد اختلفت المصادر والمراجع في نصوص الاتفاقية فيذكر ابن الأثير أن الفدية مائتي ألف دينار، وأربعة عشر ألف دينار لأمير صور، وخمسمائة أسير صليبي فقط وإعادة صليب الصلبوت - الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي ببيروت _ 1985م) ج 9 ص 214، ويذكر رانسيمان أنها تضمنت أن تستسلم عكا بكل ما تشتمل عليه، وبسفنها ومستودعاتها الحربية، ويؤدي للفرنج مائتي قطعة من الذهب، وأربعمائة أخرى لكنراد وحده، وإطلاق سراح ألف وخمسمائة أسير صليبي، مع مائة أسير من ذوي الرتب، بعد ذكر أسمائهم، ورد صليب الصلبوت للفرنج فإذا تم ذلك جرى الإبقاء على حياة المدافعين - ج 3 ص 101, ويذكر أبو المحاسن أن الاتفاق تضمن الإفراج عن خمسمائة أسير مجاهيل, ومائة أسير معينين من جماعتهم, وللمركيس (الكنراد) أربعة ألاف دينار - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب) ج 6 ص 45 .

[11] - رانسيمان - ج 3 ص 101 .

[12] - ابن الأثير - الكامل - ج 9 ص 215، أبو شامة - ج 2 ص 189 .

[13] - ذكر ابن كثير أنهم كانوا ثلاث آلاف مسلم - البداية والنهاية (دار الفكر العربي 1933م) ج 12 ص 345.

[14] - رانسيمان - ج 3 ص 106، كما وصفها أنتوني بردج قريباً من هذا المعنى - ص 213 .

[15] - لم يرض المؤرخون المنصفون من المسيحيين بهذه الأعمال التي قام بها ريتشارد, ولم يدافعوا عنها، بل  وصفوا ريتشارد الوصف اللائق به, فنجد المؤرخ الروسي ميخائيل زابوروف يصفه بقوله : " إن ريتشارد لم يكسب البتة الشهرة لنفسه أثناء إقامته في الشرق بما ينسبه إليه مدونو الأخبار الميالون إلى الدفاع عنه ومديحه مثل امبرواز - رحالة صليبي معاصر لريتشارد - بل كسبها بأعمال النهب والسلب وأعمال القساوة التي لا تصدق، التي اقترفها بكل برودة، ورباطة جاش, وقد أمسى ريتشارد قلب الأسد في تصور المسلمين صورة مجسدة عن النزعة إلى سفك الدماء وباسم الملك الانجليزي كانت الأم تحمل طفلها الباكي على الصمت "لاتبك، هاهو ذا الملك ريتشارد آت" وهذا الاسم كان يتذكره الفارس باللعنات إذا خاف حصانه من شيء ما وجفل فجأة. وكان يسأله" ما بك هل رأيت الملك ريتشارد؟ "الصليبيون في الشرق - ص 211.

[16] - د/ سعيد عاشور - ج 2 ص 839.

[17] - ابن واصل - مفرج الكروب - ج 2ص ص 265 ويروى ابن شداد "أنه عندما وقع أسرى في يد صلاح الدين أثناء الزحف على عسقلان فإنه قتلهما شر قتلة، وكان في حدة الضيق لما جرى على أسرى عكا "النوادر السلطانية - ص 287 ويذكر ابن الأثير "أن صلاح الدين اقسم أنه لا يظفر بأحد منهم إلا قتله بمن قتلوا ممن كان بعكا" - ج 9 ص215 .

[18] - رانسيمان - ج 3 ص 109، د / سعيد عاشور - ج 2 ص 840.

[19] - ابن شداد - ص 296، أبو شامة - الروضتين - ج 2 ص 191.

[20] - أراد صلاح الدين أن يركز جهوده بعد معركة أرسوف في الدفاع عن عسقلان, ولكن أمراءه خالفوه في ذلك الرأي، وقالوا له : "إن أردت حفظها فادخل أنت معنا أو بعض أولادك الكبار, وإلا فما يدخلها منا أحد لئلا يصيبنا ما أصاب أهل عكا، فلما رأى الأمر كذلك أمر بتخريب عسقلان حتى لا يبقى للفرنج من قصدها مطمع، ابن الأثير - ج 9 ص 216.

[21] - النوادر السلطانية - ص 300.

[22] - قرر فيليب أغسطس العودة إلى فرنسا بعد سيطرة الصليبيين على عكا في أغسطس 1191م معتذراً بمرضه. د/ سعيد عاشور ج 2 ص 835 .

[23] - أرسل ريتشارد إلى صلاح الدين يقول له : "إن المسلمين والفرنج قد هلكوا، وخربت البلاد، وخرجت من يد الفريقين بالكلية، وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين، وقد أخذ الأمر حقه, ونصطلح ونستريح من هذا التعب الدائم" - ابن شداد - النوادر السلطانية - ص 314.

[24] - ابن واصل - ج 2 ص 373.

[25] - أبو شامة - الروضتين - ج2 ص 193.

[26] - كان الملك ريتشارد والصليبيون يبدون إعجابهم بالعادل وفروسيته ودبلوماسيته في المفاوضات، ولقبوه بسيف الدين - رانسيمان - ج3 ص 116.

[27] - أبو شامة - ج2 ص 193، رانسيمان - ج 3 ص 616، د/ سعيد عاشور - ج 2 ص 847 .

[28] - يذكر أبو شامة أن سبب رفض الملكة جوانا : "إن الفرنج - يقصد رجال الدين - دخلوا" على المرأة وخوفوها واتهموها في دينها، وعنفوها، وقالوا لها ما معناه. هذه فضيحة فظيعة وسبة شنيعة، وقطع على النصرانية وقطيعة، وأنت عاصية للمسيح لا مطيعة, فرجعت عن ذلك" - الروضتين - ج 2 ص 193، كما ذكر ابن الأثير نفس السبب - ج9 ص 216.

[29] - بردج - ص 217، رانسيمان - ج 3 ص 116.

[30] - رانسيمان - ج 3 ص 117 .

[31] - د/ سعيد عاشور - ج 3 ص 117 ، ولز - معالم تاريخ الإنسانية (الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1994) ج 3 ص 889.

[32] -ابن واصل - ج 2 ص 374.

[33] - ابن واصل - ج 2 ص 372، د/ نعمان الطيب - جهود المماليك في تصفية الوجود الصليبي (القاهرة 1985م) ص 306 .

[34] - ابن شداد - ص 309 - 315 ، رانسيمان - ج 3 ص 117 .

[35] - أبو شامة - ج 2 ص 193.

[36] - كان كونراد مونتفرات أكبر المشاكل الداخلية التي تواجه ريتشارد, وخاصة صراعه مع جاي لوزجنان على مملكة بيت المقدس، وكان كونراد يحظى بتأييد فرسان المملكة, الذين كرهوا الملك جاي واعتبروه مسئولاً عن كارثة حطين، بينما جاي يحظى بتأييد الملك ريتشارد، وأصبح كونراد صاحب الحق الشرعي في مملكة بيت المقدس بعد زواجه من ايزابيللا وريثة المملكة، وحاول الاتصال بصلاح الدين - كما ذكرنا - لتفوية موقفه, وقد اتسعت دائرة الخلاف بين كونراد وجاي حتى شملت المدن الإيطالية بالشام. فانضم الجنوية إلى جانب كونراد، والبيازنة إلى جانب جاي، فاتجه ريتشارد إلى عكا للتوفيق بينهم، ودعا إلى عقد مجلس يشهده كل الفرسان والبارونات في فلسطين، ثم أخطرهم الملك أنه لابد له أن يبادر إلى مغادرة البلاد، ولابد من اتخاذ قرار في موضوع تاج بيت المقدس، وعرض عليهم أن يختاروا أياً من الاثنين - الملك جاي والماركيز كونراد-، واستبدت به الدهشة حين لم يتحدث أحد لصالح جاي، بينما أراد جميع الحاضرين أن يكون خصمه كونراد ملكا، ووافق على الاعتراف بكونراد ملكاً، وتم إرسال من يبلغه بذلك في صور في 20 أبريل سنة 1192م, وتقرر أن يتم تتويجه في عكا، وسيلحق بعد ذلك بالجيش الصليبي في عسقلان، إلا أن كونراد لم يهنأ بهذه الثقة طويلاً, فقد قتل بعد عدة أيام في 28 أبريل سنة 1192م على يد اثنين من الباطنية, بتكليف من شيخهم راشد الدين سنان, لأن كونراد أساء إليه بالسطو على سفينة تجارية تحمل شحنة ثمينة للحشيشية (الباطنية)، وعلى الرغم من احتجاجات الشيخ سنان لم يرجع كونراد السلع أو بحارة السفينة، ويروى أن الملك ريتشارد هو الذي حرض سنان لقتل كونراد لما بينهما من عداء شخصي, كما سيترتب على مقتله توحيد كلمة الصليبيين, ولذلك لم يسر صلاح الدين لمقتله. - أبو شامة الروضتين - ج 2 ص 196، رانسيمان - ج 3 ص 124، د/ سعيد عاشور - ج 2 ص 850 وقد ذكر ابن الأثير أن الذي حرض الباطنية على ذلك هو صلاح الدين - ج 9 ص 219 ولكن هذا الرأي يتنافي مع سياسة صلاح الدين وأخلاقه فضلاً عن مخالفته لباقي المؤرخين، كما أن قتل كونراد ليس في صالح المسلمين - كما ذكرنا - رانسيمان - ج 3 ص 122، هايد - تاريخ التجارة في الشرق الأدنى في العصور الوسطى (ترجمة أحمد رضا - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م) ج 2 ص 706.

[37] - رانسيمان - ج 3 ص 123 .

[38] - رانسيمان- ج ص 128 .

[39] - كان يحكم إقليم الجزيرة تقي الدين عمر أبن أخي صلاح الدين، فلما توفى سنة 587هـ استولى ولده الملك المنصور بن تقي الدين على البلاد الجزرية بغير إذن السلطان صلاح الدين، ثم أرسل إليه يطلب تقريرها عليه، مضافاً إلى ما كان لأبيه في الشام، فلم ير صلاح الدين أن مثل تلك البلاد تسلم إلى صبي، فما أجابه إلى ذلك, فحدث الملك المنصور نفسه بالامتناع على صلاح الدين والتمرد على طاعته،لاشتغاله بمحاربة الفرنج، فطلب الأفضل ابن صلاح الدين من أبيه أن يقطعه ما كان لتقي الدين, وينزل عن دمشق, فأجابه إلى ذلك, وأمره بالسير إليها، فسار إلى حلب في جماعة من العسكر، وكتب صلاح الدين إلى أصحاب البلاد الشرقية مثل الموصل وسنجار يأمرهم بإنفاذ العساكر إلى ابنه الأفضل، فلما رأى المنصور ذلك علم أنه لا قوة له بهم، فراسل الملك العادل عم أبيه يسأله إصلاح حاله مع صلاح الدين، فأنهى ذلك إلى صلاح الدين، فوافق بأن يقرر له ما كان لأبيه بالشام, وتؤخذ منه البلاد الجزرية لأخيه العادل، وأمر العادل بأن يعيد الأفضل أين أدركه! وتسلم العادل البلاد الجزرية من المنصور بن تقي الدين، ثم عاد إلى صلاح الدين بالعساكر في جمادى الأخرة سنة 588هـ - ابن الأثير - ج 9 ص 220، أبو المحاسن - النجوم الزاهرة - ج 6 ص 113، المقريزي - السلوك لمعرفة دول الملوك (لجنة التأليف والترجمة والنشر) ج 1 ص 109.

[40] - المقريزي - ج 1 ص 109 ، رانسيمان - ج 3 ص 130 .

[41] - أبو شامة - ج 2 ص 198 .

[42] - د/ سعيد عاشور - ج 2 ص 857، بردج - ص 221 .

[43] - ابن شداد - النوادر السلطانية - ص 357 - 358 ، المقريزي - ج ص 109 .

[44] - ابن واصل - ج 2 ص 390 .

[45] - أبو شامة - ج 2 ص 200.

[46] - ابن شداد - ص 360 .

[47] - أبو شامة- ج 2 ص 200، د/ سعيد عاشور - ج2 ص 858.

[48] - رانسيمان - ج 3 ص 133 .

[49] - رانسيمان - ج 3 ص 134 .

[50] - أبو شامة - ج 2 ص 201 .

[51] - أبن الأثير - ج 9 ص 221.

[52] - أبو شامة - ج 2 ص 202 .

[53] - رانسيمان - ج 3 ص 138، بردج - ص 222، ولو وردت هذه الحادثة في المراجع الإسلامية لاتهمهم بعض المؤرخين المعاصرين بالمبالغة والتفخيم في شأن صلاح الدين، لأنها تندر أن تحدث في ميادين القتال، ولكن مروءة صلاح الدين أجبرت أعداءه على الإشادة به قبل أنصاره.

[54] - أبو شامة - ج 2 ص 202 .

[55] - ابو شامة - ج 2 ص 202.

[56] - وردت هذه المدة في العديد من المصادر الإسلامية المعاصرة لصلاح الدين مثل أبو شامة (ج2 ص 203) وابن شداد  (ج 2 ص 403) باستثناء ابن الأثير الذي ذكر  أنها كانت ثلاث سنوات وثمانية أشهر (ج9 ص 221), ووافقه ابن العماد الحنبلي_ شذرات الذهب في أخبار من ذهب - (دار الفكر 1979م) ج4 ص 292, ولعله نقل عن ابن الأثير, أما بعض المراجع الأوروبية فذكرت أن مدة الصلح كانت خمس سنوات (رانسيمان - ج 3 ص 223) ولكننا نرجح ما ذكرناه أنها كانت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر لأن من ذكروها كانوا قريبي الصلة بالسلطان صلاح الدين وخاصة القاضي ابن شداد, ورأوا مالم يروه غيره من المؤرخين.

[57] - أبو المحاسن - ج 6 ص 48، زابوروف - ص 211، كلود كاهن - الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية - (ترجمة أحمد الشيخ - سينا للنشر 1995م) ص 194، فشر - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى - (ترجمة د/ محمد مصطفي زيادة, د/ السيد الباز العريني - دار المعارف 1966م) ج 1 ص 191، د/ نعمان الطيب - ص 322.

[58] -  المقريزي - السلوك - ج 1 ص 110.

[59] - أبو شامة - ج 2 ص 207.

[60] - ابن شداد ص 398، ويذكر سمباد الأرمنى أن سبب قدوم بوهيمند إلى صلاح الدين ما يلي: "ضربت مجاعة عظيمة منطقة أنطاكية، ومن الصعب وصفها، إلى حد أن الأحياء كانوا يتمنون الموت على البقاء، في الربيع أكل الناس العشب كالأغنام, مما أدى بهم إلى الموت البطئ ففكر صلاح الدين أن يستغل الفرصة لاحتلال أنطاكية، ولكن المنجمين قالوا له لن تستطيع أخذها، ومع ذلك أعلن عن مشروعه, مما زاد أهل أنطاكية مجاعة, فبسبب خوفهم منه لم يستطيعوا جلب الغذاء إلى داخل بلدهم، عندئذ قال السكان لأميرهم: ها نحن نموت جوعاً ماذا عسانا أن تفعل؟ فقال: أمهلوني أسبوعين لأجيبكم. ثم سار على رأس خمسين فارساً لمقابلة صلاح الدين وهو معسكر أمام عكا, وحالما وصل خيمة صلاح الدين قال للحجاب: قولوا له إن أمير أنطاكية هنا ويرغب في رؤيتك, وعندما سمع السلطان ذلك هب للقاء الأمير, وأمسك بيديه, وأدخله الخيمة, وأشار إليه بالجلوس، فبادره الأمير قائلاً: عندي التماس، لن أجلس حتى تحققه لي, فأجابه صلاح الدين: ما تريده أمنحك إياه: تكلم, فقال الأمير: أسالك صدقة لأنطاكية, فقال السلطان موافق، وأكثر من ذلك سآمر لك ولبلدك بمؤونة ثلاثة أشهر, وبعد هذه الاتفاقية عاد الأمير إلى أنطاكية التي امتلأت بالطعام" د / عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي- العلاقات السياسية بين زعماء المسلمين والصليبيين من خلال المؤرخة المنسوبة إلى القائد الأرمني سمباد - (بحث منشور بمجلة الدارة - العدد الثالث - ربيع الثاني 1416هـ) ص 77.

[61] - ابن شداد - ص 237، أبو شامة - ج 2 ص 204.

[62] - د/ نعمان الطيب - ص 320.

[63] - ابن الأثير - ج 9 ص 222.

[64] - ابن شداد - ص 389.

[65] - أبو شامة - ج2 ص 204.

[66] - رانسيمان - ج 3 ص 140.

[67] - قصة الحضارة - م 4 ج 4 ص 44.

[68] - أبو شامة - ج 2 ص 204 .

[69] - رانسيمان - ج 3 ص 141 وكان صلاح الدين يرفض أن يكون لأي مذهب من المذاهب المسيحية السيادة التامة على الأماكن المقدسة في بيت المقدس، وإنما يمارس أهل كل مذهب شعائره بحرية دون مضايقة من أهل المذاهب الأخرى.

[70] - كلود كاهن - ص 193 .

[71] - ميخائيل زابوروف - ص 211.

[72] - ذكرت المصادر الإسلامية العديد من صور الحزن الذي عم العالم الإسلامي بوفاة صلاح الدين, كما أثنت عليه المراجع المسيحية ويكفى هنا ما ذكره أنتوني بردج حيث قال: "برحيله فقد العالم الإسلامي أعظم نصير له, كما فقد العالم المسيحي أنبل خصم له" - ص 223.

[73] - رانسيمان - ج 3 ص 143 .

[74] - ابن الأثير - ج 9 ص 223.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صلاح الدين الأيوبي والفن الحربي العربي

مختارات من الشبكة

  • حديث: الصلح جائز بين المسلمين(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • خطبة المسجد الحرام 12/2/1433 هـ - الصلح خير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سياسة الحوار في صلح الحديبية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرؤى والأحلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: الفاروق وصلح الحديبية (6)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فقه الزواج في العصر الحديث: رؤى جديدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نزهة الرؤى في علم الرؤى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معبر الرؤى الشيخ وليد الصالح في محاضرة بعنوان ( الرؤى بين الإفراط والتفريط )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • منهج التواصل والحوار من خلال السيرة الصحيحة: صلح الحديبية أنموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حكم الصلح على الدين ببعضه حالا (ضع وتعجل)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 


تعليقات الزوار
2- بحث ممتاز
محمد فهمى عرفة - مصر 04-06-2012 07:58 PM

من أمتع الأبحاث التى قرأتها عن صلاح الدين.. بارك الله فيك يا دكتور

1- ما شاء الله
شميسة - الجزائر 21-04-2012 01:40 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث قيّم، اللهم بارك.
وفقكم الله وسدّد خطاكم دكتور.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب