• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقات الألوكة المستمرة / مسابقة كاتب الألوكة الأولى / المشاركات التي رشحت للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الأولى
علامة باركود

عيون القوافي

نعيمة عبدالفتاح ناصف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/5/2009 ميلادي - 6/6/1430 هجري

الزيارات: 57462

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصائدهم تبكي القلب وتعد من عيون الشعر

عيون القوافي
في رثاء الأبناء عند الشعراء العرب
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

 

المراثي من الأبْواب المقروءة في شعرنا العربي؛ ذلك أنَّ النَّفس البشريَّة مجبولةٌ على ما يُثير عواطِفَها ومشاعِرَها، والرِّثاء يُخاطِب العواطف والمشاعر والقُلوب، ويهدف إلى تعْداد مناقب الرَّاحل الغالي، وإظْهار التفجُّع والتلهُّف عليه واستعظام المصيبة فيه[1].

وقد تميَّز شعراء العربيَّة دون غيرهم ببراعتِهم في الرثاء؛ لما لديْهم من رهافة الحسِّ ورقَّة المشاعر، وأجادوا في هذا المجال، حتَّى صارت مراثيهم - الَّتي شمِلَت الأنفُس والأبناء والزَّوجة والأمَّ، والعلماءَ والأبطالَ والأشْخاص والبلْدان - من عيون الشِّعْر، الَّتي تترك أثرَها في نفس القارئ والمستمِع.

ومشاعِر الأبوَّة والأمومة والبنوَّة من المشاعر المشتركة بين جَميع الكائِنات، وقد عبَّر عنْها شُعراء العربيَّة أصدق تعبير، في مواقِفَ تُثير الحزن والألَم، وهي مواقف فقْد الأبْناء وتشْيِيعهم إلى القبور، وهم في عمْر الزُّهور.

فالأبناء هُم زهْرة الحياة الوارفة، ومكانتُهم في قلوب الآباء والأمَّهات لا تعادِلُها مكانة، ليس ذلك في عالم البشر فحسْب؛ ولكن في عوالم الكائنات الحيَّة على الإطلاق، فالحيوان أيًّا كان نوعه - أليفًا أو مفترسًا - يحنو على صغيره، ويدافع عنه، ويحزن لمرضِه أو موته.

ومن شُعراء العربيَّة مَن أصاب المرَض والموت أبناءَهم وبناتِهم، فنسجوا فيهم قصائدَ تُبكي الصخر وتحرِّك الجماد، وصارت هذه القصائد من أعظم المراثي في الشِّعْر العربي؛ لصِدْق الظروف والمشاعِر التي قيلت فيها، ولطبيعة العلاقة بين الرَّاثي والمرثي، وهِي علاقة الأبوَّة والبنوَّة، الَّتي تُعَدُّ من أقْوى الرَّوابط بين البشر.

فرحيل الأبناء وهم في عمر الزُّهور، كثيرًا ما يترك آلامًا وأحزانًا عميقة في قلوب الآباء، وقد بكى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ولدِه إبراهيم يوم أن مات، وقال: ((إنَّ العين لتدْمع، وإنَّ القلب ليحزن، وإنَّا لفراقك - يا إبراهيم - لمحزونون))، إنَّها مشاعر أبويَّة، لا تختلِف من عصرٍ إلى عصر، وموتُ الولَد هو أكثر ما يؤثِّر في قلوب الوالدَين ويترُك جروحًا غائِرة قد لا يعالِجُها مرور الأيَّام والليالي والسنوات.

وقد عبَّر شعراء العربيَّة أصْدق تعبير عن مشاعر فقْد الولد، ووجدنا في دواوين مَن فقدوا أبناءَهم قصائدَ رِثاء، تنمُّ عن حزن عميقٍ وتعبيرٍ صادق عمَّا يجول في القلْب نحو هذا العزيز الرَّاحل.

- بهاء الدين زُهير يناجي ولدَه:
وأوَّل ما يُطالِعُنا من مراثي الأبْناء تلك القصيدة التي كتبها بهاء الدين زهير، يَرْثِي فيها ولده، ويتساءَل كيف هجرَه هذا الهجْر الطَّويل وقد كان لا يُطِيق البُعْد عنه، ثُمَّ يُجيب بلِسان حال ولدِه الَّذي مات، وخضع لقَضَاء الله النافذ، فيقول[2]:

أَرَاكَ هَجَرْتَنِي  هَجْرًا  طَوِيلا        وَمَا  عَوَّدْتَنِي  مِنْ  قَبْلُ  ذَاكَا
عَهِدْتُكَ لا تُطِيقُ الصَّبْرَ  عَنِّي        وَتَعْصِي فِي وِدَادِيَ مَنْ نَهَاكَا
فَكَيْفَ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ  السَّجَايَا        وَمَنْ  هَذَا  الَّذِي  عَنِّي  ثَنَاكَا
فَلا وَاللَّهِ  مَا  حَاوَلْتَ  غَدْرًا        فَكُلُّ النَّاسِ يَغْدِرُ  مَا  خَلاكَا
وَمَا  فَارَقْتَنِي   طَوْعًا   وَلَكِنْ        دَهَاكَ  مِنَ  المَنِيَّةِ  مَا   دَهَاكَا
 

ثمَّ يُخاطِب ولدَه مبيِّنًا مكانتَه في قلبه، وكيف أنَّه كان بمثابة الرُّوح لجسدِ والدِه، وأنَّه دائمٌ على ذِكْرِه، وزيارة قبرِه، فيقول:

فَيَا مَنْ غَابَ  عَنِّي  وَهْوَ  رُوحِي        وَكَيْفَ أُطِيقُ مِنْ رُوحِي انْفِكَاكَا
يَعِزُّ   عَلَيَّ   حِينَ   أُدِيرُ    عَيْنِي        أُفَتِّشُ  فِي   مَكَانِكَ   لا   أَرَاكَا
خَتَمْتُ عَلَى وِدَادِكَ فِي ضَمِيرِي        وَلَيْسَ   يَزَالُ    مَخْتُومًا    هُنَاكَ
فَيَا أَسَفِي لِجِسْمِكَ  كَيْفَ  يَبْلَى        وَيَذْهَبُ   بَعْدَ   بَهْجَتِهِ    سَنَاكَا
فَيَا  قَبْرَ   الحَبِيبِ   وَدِدْتُ   أَنِّي        حَمَلْتُ  وَلَوْ  عَلَى  عَيْنِي  ثَرَاكَا
وَلا  زَالَ   السَّلامُ   عَلَيْكَ   مِنِّي        يَزُفُّ  عَلَى  النَّسِيمِ  إِلَى  ذُرَاكَا
 

- ابن الرُّومي يرْثِي ولده:
ومن الشُّعراء الذين أصيبوا بفقْد الولد ابنُ الرومي، فقد مات ولدُه "محمد" وهو صغير، وكان أوْسَط أبنائِه، فحزِن عليْه حزنًا شديدًا، وعظُم مصابُه فيه، ونسج في رثائِه قصيدةً تُعَدُّ من أرْوَع قصائدِ الرِّثاء في الشِّعْر العربي.

وابنُ الرُّومي شاعرٌ مطبوع على النَّظم العجيب والبلاغة والبيان، نبغ في الشِّعْر نبوغًا لم يقصر به كثيرًا عن درجة البحْتري، وقال الشِّعْر في كلِّ الأغْراض ولاسيَّما الوصف والهجاء، وله ديوان كبير[3].

وهو من الشُّعراء المقلِّين في الرِّثاء، ولكنَّه من المجيدين المبْدِعين فيه، حيث جاء رثاؤُه صدًى لفواجِع الدَّهر التي رماه بِها، عندما فقد أبناءَه الثَّلاثة، وزوْجَته وأمَّه وأخاه، ولعلَّ أرْوع قصائِدِه الرِّثائيَّة وأشهرَها هذه القصيدةُ التي قالَها في ابنِه الأوسط "محمد"، حيث تقطر أسًى وتَسيل أبياتُها آهاتٍ وأحزانًا، وتعتبر تَجسيدًا حزينًا لمشاعر أبٍ حَصَد الموتُ أغلى أبنائِه وأعزَّهم عليه، وهو في عمر الزهور.

وهي قصيدة تُعْتَبر من عيون الرِّثاء في الشعر العربي، فقد جمع فيها فلسفة الموْت والحياة، وقضيَّة السَّعادة والشَّقاء، إضافة إلى التَّصوير المبدع الذي اشتُهِر به، والَّذي استطاع أن يُبَلْوِره في قصيدته[4].

وَلْنَقِف معَه في ملحمتِه الرِّثائيَّة هذه، الَّتي يستحثُّ في مطلعِها عينيْه على الجُود بالدُّموع على هذا الغالي، الَّذي أهداه أبوه بكفَّيه للثَّرى، فيقول[5]:

بُكَاؤُكُمَا يَشْفِي وَإِنْ كَانَ لا يُجْدِي        فَجُودَا فَقَدْ أَوْدَى  نَظِيرُكُمَا  عِنْدِي
بُنَيَّ  الَّذِي   أَهْدَتْهُ   كَفَّايَ   لِلثَّرَى        فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى وَيَا  حَسْرَةَ  المُهْدِي
أَلا    قَاتَلَ    اللَّهُ    المَنَايَا    وَرَمْيَهَا        مِنَ القَوْمِ حَبَّاتِ القُلُوبِ عَلَى  عَمْدِ
 

ويُبيِّن كيف اختار الموتُ أوْسَط أبنائِه وأحبَّهم إليه، وكان يأمُل الخير فيه، وكيْف أنَّ المنايا قد أنْجزتْ وعيدَها في ولده، وضيَّعتْ آمال والدِه فيه، فيقول:

تَوَخَّى حِمَامُ المَوْتِ  أَوْسَطَ  صِبْيَتِي        فَلِلَّهِ  كَيْفَ  اخْتَارَ   وَاسِطَةَ   العِقْدِ
عَلَى حِينَ شِمْتُ الخَيْرَ مِنْ  لَمَحَاتِهِ        وَآنَسْتُ   مِنْ   أَفْعَالِهِ   آيَةَ   الرُّشْدِ
طَوَاهُ الرَّدَى  عَنِّي  فَأَضْحَى  مَزَارُهُ        بَعِيدًا عَلَى  قُرْبٍ،  قَرِيبًا  عَلَى  بُعْدِ
لَقَدْ  أَنْجَزَتْ  فِيهِ   المَنَايَا   وَعِيدَهَا        وَأَخْلَفَتِ الآمَالُ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِي
 

- رحيل مبكر:
ويصوِّر رحيلَ ولدِه وهو في سنٍّ صغيرة، فلم يَمكُثْ بين المهْد واللَّحد إلا قليلاً، ويصِف المرَض الَّذي حلَّ به، فغيَّر لونَه، فيقول:

لَقَدْ   قَلَّ   بَيْنَ   المَهْدِ   وَاللَّحْدِ   لُبْثُهُ        فَلَمْ يُنْسَ عَهْدُ المَهْدِ إِذْ ضُمَّ فِي اللَّحْدِ
أَلَمَّ    عَلَيْهِ    النَّزْفُ    حَتَّى    أَحَالَهُ        إِلَى صُفْرَةِ الجَادِيِّ عَنْ  حُمْرَةِ  الوَرْدِ
وَظَلَّ  عَلَى   الأَيْدِي   تَسَاقَطُ   نَفْسُهُ        وَيَذْوِي كَمَا يَذْوِي القَضِيبُ مِنَ الرَّنْدِ
فَيَا  لَكِ   مِنْ   نَفْسٍ   تَسَاقَطُ   أَنْفُسًا        تَسَاقُطَ   دُرٍّ   مِنْ   نِظَامٍ   بِلا    عِقْدِ
 

ويوجِّه الشَّاعر اللَّوم إلى قلبِه الَّذي لم ينفطِر لموْتِ ولدِه، وكأنَّه أقْسى من الحجَر الصَّلْد، ويتمنَّى لو أنَّه مات قبل ولدِه، ولكنَّها مشيئة الله، فيقول:

عَجِبْتُ لِقَلْبِي كَيْفَ لَمْ يَنْفَطِرْ لَهُ        وَلَوْ أَنَّهُ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ  الصَّلْدِ
بِوُدِّيَ أَنِّي  كُنْتُ  قَدْ  مِتُّ  قَبْلَهُ        وَأَنَّ المَنَايَا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
وَلَكِنَّ  رَبِّي  شَاءَ  غَيْرَ  مَشِيئَتِي        وَلِلرَّبِّ إِمْضَاءُ  المَشِيئَةِ  لا  العَبْدِ
 

ورَغم خضوعِه للمشيئة الإلهيَّة في موْت ولدِه قبله، كما أقرَّ في البيت السَّابق، إلاَّ أنَّه يعودُ ويُعارض المشيئةَ الإلهيَّة، وهذا ممَّا يُؤْخَذ عليْه في هذه القصيدة، فيقول:

وَمَا   سَرَّنِي    أَنْ    بِعْتُهُ    بِثَوَابِهِ        وَلَوْ  أَنَّهُ  التَّخْلِيدُ  فِي  جَنَّةِ  الخُلْدِ
وَلا  بِعْتُهُ  طَوْعًا   وَلَكِنْ   غُصِبْتُهُ        وَلَيْسَ عَلَى ظُلْمِ الحَوَادِثِ مِنْ مُعْدِ
وَإِنِّي  وَإِنْ   مُتِّعْتُ   بِابْنَيَّ   بَعْدَهُ        لَذَاكِرُهُ مَا حَنَّتِ النِّيبُ  فِي  نَجْدِ
 

- مكانة الأبناء:
ويبيِّن ابنُ الرُّومي مكانة الأبْناء في قلوب الآباء، وكيف أنَّ لكل منهم فراغًا في القَلب لا يَملؤه الآخَر، وأنَّهم كالجوارح للجَسَد، لا يُغْني إحْداها عن الأخرى، فيقول:

وَأَوْلادُنَا     مِثْلُ     الجَوَارِحِ      أَيُّهَا        فَقَدْنَاهُ  كَانَ   الفَاجِعَ   البَيِّنَ   الفَقْدِ
لِكُلٍّ    مَكَانٌ    لا    يَسُدُّ    اخْتِلالَهُ        مَكَانُ  أَخِيهِ  فِي  جَزُوعٍ  وَلا   جَلْدِ
هَلِ العَيْنُ  بَعْدَ  السَّمْعِ  تَكْفِي  مَكَانَهُ        أَمِ السَّمْعُ بَعْدَ العَيْنِ يَهْدِي كَمَا تَهْدِي
 

ويصوِّر الشَّاعر حالَه بعد فقْدِ ولَده، الَّذي تغيَّر وذهب معه السُّرور كلُّه، وفقد لذَّات عَيْشِه، وصار متلحِّفًا بالزُّهد، لا ينفكُّ عن بُكاء ولده حتَّى أصابَه الرَّمَد من كثْرة البكاء، فيقول:

لَعَمْرِي  لَقَدْ  حَالَتْ  بِيَ  الحَالُ  بَعْدَهُ        فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالَتْ بِهِ بَعْدِي
ثَكِلْتُ   سُرُورِي   كُلَّهُ    إِذْ    ثَكِلْتُهُ        وَأَصْبَحْتُ فِي لَذَّاتِ عَيْشِي أَخَا  زُهْدِ
أَرَيْحَانَةَ   العَيْنَيْنِ    وَالأَنْفِ    وَالحَشَا        أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيَّرْتَ عَنْ عَهْدِي
سَأَسْقِيكَ  مَاءَ  العَيْنِ  مَا  أَسْعَدَتْ  بِهِ        وَإِنْ كَانَتِ السُّقْيَا مِنَ العَيْنِ لا  تُجْدِي
أَعَيْنَيَّ  جُودَا  لِي  فَقَدْ  جُدْتُ  لِلثَّرَى        بِأَنْفَسَ   مِمَّا    تُسْأَلانِ    مِنَ    الرِّفْدِ
 

ويُشير ابنُ الرومي إلى لوْم النَّاس له لشدَّة حُزْنه على ولده، وكيف أنَّه يُخْفي من هذا الحُزْن أضْعاف ما يبدي، فيقول:

أُلامُ لِمَا أُبْدِي عَلَيْكَ  مِنَ  الأَسَى        وَإِنِّي لأُخْفِي مِنْهُ أَضْعَافَ مَا أُبْدِي
مُحَمَّدُ  مَا   شَيْءٌ   تُوُهِّمَ   سَلْوَةً        لِقَلْبِيَ  إِلاَّ  زَادَ  قَلْبِي  مِنَ  الوَجْدِ
 

- مواساة ورغبة:
ويُواسي ولَدَه في قبره المُوحِش، بأنَّ أباه يعيشُ وحيدًا في دار الأُنْس، وأنَّه يتمنَّى أن يَلْحَق به، حتَّى يأْنَس بالقُرْب منه ورؤْيَته، فيقول في نِهاية القصيدة:

وَأَنْتَ وَإِنْ أُفْرِدْتَ  فِي  دَارِ  وَحْشَةٍ        فَإِنِّي بِدَارِ الأُنْسِ  فِي  وَحْشَةِ  الفَرْدِ
أَوَدُّ  إِذَا  مَا   المَوْتُ   أَوْفَدَ   مَعْشَرًا        إِلَى عَسْكَرِ الأَمْوَاتِ أَنِّي  مِنَ  الوَفْدِ
وَمَنْ  كَانَ  يَسْتَهْدِي   حَبِيبًا   هَدِيَّةً        فَطَيْفَ خَيَالٍ مِنْكَ فِي النَّوْمِ أَسْتَهْدِي
عَلَيْكَ   سَلامُ    اللَّهِ    مِنِّي    تَحِيَّةً        وَمِنْ كُلِّ غَيْثٍ صَادِقِ البَرْقِ وَالرَّعْدِ
 

- عائِشة التَّيموريَّة وابنتها توْحيدة:
ومع الشَّاعرة المصريَّة "عائشة التَّيموريَّة"، نرى صورةً أُخرى من صور رثاء الأبْناء في الشِّعْر العربي، فقد أصابَ المرضُ ابنتها "توحيدة"، التي بلغتْ ثَماني عشرة سنةً وتزوَّجت، فما مرَّ على عرسِها شهرٌ حتَّى أصابَها مرضٌ مفاجئ تسبَّب في موتِها، فنسجتْ فيها قصيدةً من أجْمل وأرْوع قصائد الرِّثاء في الشِّعْر العربي.

وعائشة التيمورية تعد نموذجًا رائعًا للنساء الرائدات في المجتمع العربي؛ فهي أديبة وشاعرة بارعة، فاقت نساء عصرها في المعرفة والفهم، وكان للبيئة الاجتماعية أثر واضح عليها، فالبيئة التي أحاطت بها كانت مليئة بالكتاب والشعراء والأدباء، الذين كانوا يتجمعون لدى والدها، فتأثرت بهم، واتسمت كتاباتها بالجانب الأخلاقي، فلم تتطرق إلى الجانب الغزلي في أشعارها إلا نادرًا، وتميزت أيضًا بتعدُّد لُغاتِها، فقد كانت تُتْقِن اللغة العربيَّة والتركية والفارسية[6].

وتوحيدة هي ابنتُها الكبرى، وكانت لها مكانةٌ خاصَّة في قلبها، فقد أوكلتْ إليْها مهام المنزل حتَّى باتت مدبِّرَته؛ ولكنَّها توفِّيت مبكِّرًا، فحلَّ بأُمِّها حزنٌ وأَسى ثقيلانِ على فقدانِها ابنتَها، وتركت العروض والعلوم، وأمْضَت سبعةَ أعْوام متواصلة ترْثِي ابنتَها، إلى أن أصاب عينيْها الرَّمَد، ولَم تنفكَّ عن رثاء ابنتِها إلاَّ بعد محاولاتٍ مُضْنية من الأهْل والأوْلاد استمرَّت سبْع سنوات، وبعدها بدأتْ عائشةُ بالتوقُّف شيئًا فشيئًا عن رثاء الابنة الغالية.

فقد روَّعتْها الصَّدمة، ونسِيتْ كلَّ شيء إلاَّ ابنتَها، وقالت فيها عدَّة قصائد، منها هذه القصيدة التي تقول في مطْلعها[7]:

إِنْ  سَالَ  مِنْ  غَرْبِ  العُيُونِ  بُحُورُ        فَالدَّهْرُ    بَاغٍ     وَالزَّمَانُ     غَدُورُ
فَلِكُلِّ   عَيْنٍ   حُقَّ    مِدْرَارُ    الدِّمَا        وَلِكُلِّ      قَلْبٍ      لَوْعَةٌ      وَثُبُورُ
سُتِرَ السَّنَا وَتَحَجَّبَتْ شَمْسُ الضُّحَى        وَتَغَيَّبَتْ     بَعْدَ     الشُّرُوقِ     بُدُورُ
وَمَضَى الَّذِي أَهْوَى وَجَرَّعَنِي الأَسَى        وَغَدَتْ    بِقَلْبِيَ    جَذْوَةٌ     وَسَعِيرُ
 

إنَّها تصوِّر مصابَها الكبير في ابنتِها، وحزنَها عليْها حزنًا جعل الدَّمع ينهمِر من عينيْها دون توقُّف، وكأنَّه بُحور تسيل، بعد أن حجبتْ شمس حياتِها، وغاب قمرُها المضيء، فتحوَّلتْ حياتُها بعد ابنتِها عروس السَّماء إلى جحيم، ونارٍ تضطرِم في قلبِها وضلوعِها.

ثمَّ تصوِّر كيف ألمَّ المرَض بابنتِها وهجم عليْها، فغيَّر شكلها الجميل، وذبلت زهرة حياتِها، فتقول:

طَافَتْ بِشَهْرِ الصَّوْمِ كَاسَاتُ الرَّدَى        سَحَرًا   وَأَكْوَابُ   الدُّمُوعِ    تَدُورُ
فَتَنَاوَلَتْ    مِنْهَا    ابْنَتِي     فَتَغَيَّرَتْ        وَجَنَاتُ     خَدٍّ     شَانَهَا     التَّغْيِيرُ
فَذَوَتْ   أَزَاهِيرُ    الحَيَاةِ    بِرَوْضِهَا        وَانْقَدَّ     مِنْهَا     مَائِسٌ      وَنَضِيرُ
لَبِسَتْ ثِيَابَ السُّقْمِ  فِي  صِغَرٍ  وَقَدْ        ذَاقَتْ  شَرَابَ  المَوْتِ   وَهْوَ   مَرِيرُ
 

- عجز الطَّبيب:
وتُسجل في قصيدتِها حوار ابنتِها المريضة مع الطَّبيب، وهي ترْجوه أن يعجِّل لها بالدَّواء الَّذي يشفِي سقامَها، ويرحم شبابَها ويُريح أمَّها الثَّكلى، فتقول:
 

جَاءَ الطَّبِيبُ ضُحًى وَبَشَّرَ  بِالشِّفَا        إِنَّ     الطَّبِيبَ     بِطِبِّهِ     مَغْرُورُ
وَصَفَ  التَّجَرُّعَ  وَهْوَ  يَزْعُمُ   أَنَّهُ        بِالبُرْءِ   مِنْ   كُلِّ   السِّقَامِ    بَشِيرُ
فَتَنَفَّسَتْ    لِلحُزْنِ     قَائِلَةً     لَهُ        عَجِّلْ  بِبُرْئِي  حَيْثُ   أَنْتَ   خَبِيرُ
وَارْحَمْ شَبَابِي إِنَّ  وَالِدَتِي  غَدَتْ        ثَكْلَى  يُشِيرُ  لَهَا   الجَوَى   وَتُشِيرُ
وَارْأَفْ بِعَيْنٍ حَرَّمَتْ طِيبَ الكَرَى        تَشْكُو السُّهَادَ وَفِي  الجُفُونِ  فُتُورُ
 

ثمَّ تصوِّر حال ابنتِها وقد رأتْ عجْزَ الطَّبيب وتصوَّرت الموْت، وراحت تُوَدِّع أمَّها، بعد أن رأَتْ نفْسَها سائرةً إلى مصيرِها المحْتوم، فتقولُ بلسان حالِها:

لَمَّا رَأَتْ يَأْسَ الطَّبِيبِ وَعَجْزَهُ        قَالَتْ  وَدَمْعُ   المُقْلَتَيْنِ   غَزِيرُ
أُمَّاهُ قَدْ  كَلَّ  الطَّبِيبُ  وَفَاتَنِي        مِمَّا  أُؤَمِّلُ  فِي  الحَيَاةِ   نَصِيرُ
 

وتصِف العروس حالَها وهي محمولة إلى قبرِها، وترجو أمَّها أن تدعو لها حتَّى يرفق بها الله - سبحانه - حين تصير إلى منزلها الأخير، وهو القبر الَّذي يصير إليه كلُّ حي، فتقول:

أُمَّاهُ  قَدَّ  عَزَّ   اللِّقَاءُ   وَفِي   غَدٍ        سَتَرَيْنَ  نَعْشِي   كَالعَرُوسِ   يَسِيرُ
وَسَيَنْتَهِي المَسْعَى إِلَى اللَّحْدِ الَّذِي        هُوَ  مَنْزِلِي  وَلَهُ   الجُمُوعُ   تَصِيرُ
قُولِي  لِرَبِّ  اللَّحْدِ:  رِفْقًا  بِابْنَتِي        جَاءَتْ  عَرُوسًا   سَاقَهَا   التَّقْدِيرُ
وَتَجَلَّدِي   بِإِزَاءِ   لَحْدِي   بُرْهَةً        فَتَرَاكِ   رُوحٌ    رَاعَهَا    المَقْدُورُ
 

- وصية العروس:
وتَعود الأم المكلومة إلى الدار، فلا تَجد ابنتَها التي ودَّعتْها إلى اللحد، وترى جِهاز العرْس ما زال باقيًا، فيرنُّ في أذنِها صوت ابنتها العروس تقول لها:

صُونِي جَهَازَ العُرْسِ تَذْكَارًا فَلِي        قَدْ كَانَ مِنْهُ إِلَى  الزِّفَافِ  سُرُورُ
جَرَّتْ مَصَائِبُ فُرْقَتِي لَكِ بَعْدَ ذَا        لُبْسَ   السَّوَادِ   وَنُفِّذَ    المَسْطُورُ
وَالقَبْرُ صَارَ لِغُصْنِ  قَدِّي  رَوْضَةً        رَيْحَانُهَا   عِنْدَ    المَزَارِ    زُهُورُ
أُمَّاهُ   لا   تَنْسَيْ   بِحَقِّ    بُنُوَّتِي        قَبْرِي    لِئَلاَّ    يَحْزَنَ     المَقْبُورُ
وَرَجَاءَ  عَفْوٍ   أَوْ   تِلاوَةَ   مُنْزَلٍ        فَسِوَاكِ  مَنْ  لِي   بِالحَنِينِ   يَزُورُ
فَلَعَلَّمَا   أَحْظَى   بِرَحْمَةِ   خَالِقٍ        هُوَ   رَاحِمٌ    بَرٌّ    بِنَا    وَغَفُورُ
 

وتُجيبُها أمُّها معلنةً حفاظَها على عهْدِ ابنتِها، وأنَّها لن تتوقَّف عن الدُّعاء لها وقِراءة القُرآن من أجْلِها، حتَّى يلتقِيا في جنَّات عدْن، فتقول:

فَأَجَبْتُهَا وَالدَّمْعُ يَحْبِسُ  مَنْطِقِي        وَالدَّهْرُ مِنْ  بَعْدِ  الجِوَارِ  يَجُورُ
بِنْتَاهُ يَا  كَبِدِي  وَلَوْعَةَ  مُهْجَتِي        قَدْ  زَالَ  صَفْوٌ  شَانَهُ   التَّكْدِيرُ
لا تُوْصِ ثَكْلَى قَدْ أَذَابَ فُؤَادَهَا        حُزْنٌ  عَلَيْكِ   وَحَسْرَةٌ   وَزَفِيرُ
وَاللَّهِ  لا  أَسْلُو  التِّلاوَةَ  وَالدُّعَا        مَا غَرَّدَتْ فَوْقَ  الغُصُونِ  طُيُورُ
كَلاَّ  وَلا  أَنْسَى  زَفِيرَ   تَوَجُّعِي        وَالقَدُّ مِنْكِ لَدَى  الثَّرَى  مَدْثُورُ
إِنِّي  أَلِفْتُ  الحُزْنَ  حَتَّى   إِنَّنِي        لَوْ غَابَ  عَنِّي  سَاءَنِي  التَّأْخِيرُ
قَدْ كُنْتُ لا أَرْضَى التَّبَاعُدَ بُرْهَةً        كُيْفَ  التَّصَبُّرُ   وَالبِعَادُ   دُهُورُ
أَبْكِيكِ  حَتَّى  نَلْتَقِي  فِي   جَنَّةٍ        بِرِيَاضِ   خُلْدٍ   زَيَّنَتْهَا    الحُورُ
 

ثمَّ تصِف الشَّاعرة حالَها وقد فارقتها ابنتها، وكيف أن عيْشها قد انتهى بموت ابنتها، ولم يعُد لِلحياة مذاقٌ في قلبها، وأنَّها تنتظِر الموْتَ الَّذي سيقرِّبُها من محبوبتِها، حيث تأْمُل من الله - سبحانه - أن يَجمع بينهُما في نعيم الجنَّة، فتقول:

إِنْ  قِيلَ  عَائِشَةٌ  أَقُولُ  لَقَدْ   فَنِي        عَيْشِي   وَصَبْرِي    وَالإِلَهُ    خَبِيرُ
وَلَهِي عَلَى "تَوْحِيدَةِ" الحُسْنِ الَّتِي        قَدْ  غَابَ  بَدْرُ  جَمَالِهَا   المَسْتُورُ
قَلْبِي  وَجَفْنِي  وَاللِّسَانُ   وَخَالِقِي        رَاضٍ    وَبَاكٍ    شَاكِرٌ    وَغَفُورُ
مُتِّعْتِ بِالرِّضْوَانِ فِي  خُلْدِ  الرِّضَا        مَا  ازَّيَّنَتْ   لَكِ   غُرْفَةٌ   وَقُصُورُ
وَسَمِعْتِ قَوْلَ الحَقِّ لِلقَوْمِ: ادْخُلُوا        دَارَ   السَّلامِ   فَسَعْيُكُمْ   مَشْكُورُ
هَذَا   النَّعِيمُ   بِهِ   الأَحِبَّةُ    تَلْتَقِي        لا   عَيْشَ   إِلاَّ    عَيْشُهُ    المَبْرُورُ
 

- الشيخ سلمان العودة يرثي ولده:
ونقِفُ مع ملْحمة أُخرى من ملاحِم رِثاء الأبْناء في الشِّعْر العربي، وهي قصيدةٌ يرثِي فيها الشَّيخ سلْمان العودة ابنَه عبدالرحمن، الَّذي توفِّي في حادثٍ أثْناء سجن الشَّيخ، ودُفِن ولم يرَه والدُه.

يقول العودة في قصيدتِه:

وَدَاعًا حَبِيبِي  لا  الْتِقَاءَ  إِلَى  الحَشْرِ        وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِي عَلَيْكَ لَظَى الجَمْرِ
صَبَرْتُ لأَنِّي  لَمْ  أَجِدْ  لِيَ  مَخْلَصًا        إِلَيْكَ وَمَا مِنْ حِيلَةٍ لِي  سِوَى  الصَّبْرِ
تَرَاءَاكَ  عَيْنِي  فِي  السَّرِيرِ   مُوَشَّحًا        عَلَى وَجْهِكَ المَكْدُومِ أَوْسِمَةُ  الطُّهْرِ
 

ويستعيدُ العودة ذكرياتِه مع ولدِه وهو يعبَث بلحْيته ويلْعب على كتِفِه وصدره، وكيف أنَّ هذه الذِّكْريات تُحاصِره ليلَ نَهار، وهو يصبِّر نفسَه بما يرفُل فيه صغيرُه - بإذن الله - من نعيمٍ عند الله - سبحانه - فيقول:

بَرَاءَةُ   عَيْنَيْكَ   اسْتَثَارَتْ   مَشَاعِرِي        وَفَاضَتْ بِأَنْهَارٍ مِنَ الدَّمْعِ فِي  شِعْرِي
وَكَفَّاكَ     حِينًا     تَعْبَثَانِ     بِلِحْيَتِي        وَحِينًا عَلَى كِتْفِي وَحِينًا عَلَى صَدْرِي
أَرَى  فَمَكَ  الحُلْوَ  المُعَطَّرَ  فِي   فَمِي        كَمَا اعتَدْتُ هَذَا الحُبَّ مِنْ  أَوَّلِ  البِرِّ
تُحَاصِرُنِي  ذِكْرَاكَ  يَا  سَاكِنَ   القَبْرِ        وَتَجْتَاحُ أَعْمَاقِي وَإِنْ كُنْتُ فِي الأَسْرِ
أَرَاكَ   جَمِيلاً   رَافِلاً    فِي    جَزِيرَةٍ        بِمُعْشِبَةٍ     فَيْحَاءَ      طَيِّبَةِ      النَّشْرِ
وَتُفْرِحُنِي  أَطْيَافُكَ  الخُضْرُ  إِنْ  بَدَتْ        مُضَمَّخَةً   شُكْرًا   لأَطْيَافِكَ   الخُضْرِ
 

ويصوِّر العودة حزْن الألعاب الَّتي كان يلهو بها صغيره، وكيف أنَّها قد صارت يتيمةً من بعده، فيقول:

وَأَلْعَابُكَ اشْتَاقَتْ  إِلَيْكَ  وَهَالَهَا        غِيَابُكَ عَنْهَا مَيِّتًا وَهْيَ لا تَدْرِي
يَتَامَى يُكَسِّرْنَ  القُلُوبَ  هَوَامِدٌ        وَلَمَّا يَصِلْ أَسْمَاعَهَا فَاجِعُ السِّرِّ
 

ويَستعيد ذِكْريات زيارة ولده الأخيرة له وهو في سجْنِه، فيقول:

حَبِيبِيَ  فِي   شَعْبَانَ   أُلْفِيتَ   زَائِرًا        طَرُوبًا   إِلَى   لُقْيَايَ   مُبْتَسِمَ   الثَّغْرِ
قَعَدْتَ  بِحِجْرِي   وَالسُّرُورُ   يَلُفُّنِي        وَشَنَّفْتَ سَمْعِي تَالِيًا  سُورَةَ  العَصْرِ
أَرَاكَ     تُعَزِّينِي     بِهَا      وَتَلُومُنِي        عَلَى جَزَعٍ تَخْشَاهُ مِنْ جَانِبِ الدَّهْرِ
 

وما يُثير حزنَه وأَلَمه أنَّه لم يحضُر موتَ ابنِه، ولم يصلِّ عليه ويودعه إلى قبره، يقول في نهاية القصيدة معبِّرًا عن ذلك:

تَمَنَّيْتُ   لَوْ   تُغْنِي    الأَمَانِيُّ    نَظْرَةً        إِلَى   جَسَدٍ   ذَاوٍ   يُغَرْغَرُ    بِالسِّدْرِ
تَمَنَّيْتُ   حَتَّى   وَقْفَةً    عِنْدَ    نَعْشِهِ        تَرُدُّ إِلَى نَفْسِي الَّذِي ضَاعَ مِنْ صَبْرِي
تَمَنَّيْتُ  مَا   نَالَتْ   أُلُوفٌ   تَوَجَّهَتْ        إِلَى  رَبِّهَا  صَلَّتْ  عَلَيْكَ  مَعَ  العَصْرِ
تَمَنَّيْتُ   كَفًّا    مِنْ    تُرَابٍ    أَحُثُّهَا        عَلَى قَبْرِكَ  المَيْمُونِ  طِيبٌ  مِنَ  القَبْرِ
 

- ملحمة حزينة:
ولا تتوقَّف مراثي الأبْناء والبُكاء عليْهِم في شِعْرنا العربي، فقد كتب الشَّاعر السوداني "زكي مكي إسماعيل" ملْحمة حزينة، يودِّع فيها ابنته الصغيرة "إرهاف"، التي فجَّر فقدُها في أعماقه ينابيعَ الحزن، فانطلق يشْدُو شعرًا رقيقًا ممتزجًا بِمرارة الألم ولوعة الفراق، يقول مصوِّرًا رقودها مريضةً وهم يبكون من حولها:
إرهاف ترقُد بالسَّرير عليلةً
"ماما" تشاهدُها فتنهمر الدموع
إرْهاف تمنع أمَّها سيل الدُّموع
أمَّاه لا تبكي عليّ
سأموت إن تبكي عليَّ
غدًا ستنطفئ الشُّموع
إرهاف أكبر من مدارِك طفلةٍ
فاقت حصافتُها الجموع
والأم تَمسح دمعها وتقول:
"هيا اضحَكِي حتَّى أكفكِفَ ذي الدموع".

ويصوِّر الشَّاعر مجيء عيد الأضْحى عليهم، وذهاب فرحتِهم بهذا العيد لمرض ابنتِهم الحبيبة، وكيف أنَّهم لم يذبحوا، ولم يشترُوا شيئًا من مباهج العيد لضيق ذات اليد، وحاجتهم إلى المال لعلاج ابنتِه، فيقول:
إرهاف لَم نفرح صباحَ العيد مثل الآخرينْ
حزنًا عليك صغيرتي لو تعلمينْ
إرهاف لَم نذبح صباح العيد مثل الآخرينْ
هي سنَّة لله نذْبَحُها على مرِّ السنينْ
واليوم نتركُها فداك حبيبتي
لا حلم لا حلوى ولا فستان
أبتاه يا إرهاف يعجِز عن شراء البنسلين
أين الدَّراهم تفتديك حبيبتي
لتوفِّر الترياق للدَّاء المكين؟

ويسجِّل الشَّاعر في ملحمتِه مشهد ابنتِه وهي تأخذ الدَّواء، إلاَّ أنَّه لا يشفي مرضًا، وكأنَّه وهم وليس دواء، وكيف لا يكون وهمًا أمام غشِّ الدَّواء الَّذي يسمع عنْه الشَّاعر كلَّ حين، ووجود مافيا تُتاجِر في حياة البشر، فيقول:
إرهاف جاء البنسلين
إرهاف نأمل في الشفاء
والكل يرفع بالأكفِّ إلى السَّماء
إرهاف ترتشِف الدَّواء
لكنَّه مسخ يؤرِّقها وداء
غشُّوا الدَّواء وغلَّفوا الأوهام
بالكرتون باعوها دواء
عجبي لهم "مافيا" تُتاجر في
حياة العالمين
وتدَّعي صنع الدواء.

ويصوِّر الشَّاعر مشهد موت ابنتِه، وقد حانت منيَّتُها، فيقول:
إرْهاف تصرخ تستغيث
إرْهاف تجهش بالبكاء
وتمزِّق الأكباد من هول النِّداء
فالله كان المستجيب حبيبتي
واختار قُرْبَك دوننا
طوبى لرُوحِك في السَّماء.

ويعتذِر الشَّاعر لابنتِه، ويبيِّن كيف أنَّه استدان ولَم يبخَل بشيءٍ لِعلاجِها، حتى أشيائه الثَّمينة ومصاغ أمِّها، ثم يعلن في النِّهاية صبرَه على قضاء الله وقدَرِه، فيقول:
إرهاف لم أبخلْ بشيء
فلْتَمْض أشيائي الثَّمينة للدواء
إرهاف ثقلت الديون قرضتها
أملي أعجِّل للأميرة بالشفاء
أمَّاه (صيغتها) فداك حبيبتي
يا خير مَن يفدى ويجزل بالعطاء
إرهاف نطمع أن نراك طليقة
ندعو ونرفع بالأكف إلى السماء
والحمد لله العظيم بِما قضى
ونرْضى بالقضاء
والقلب يحزن دُرَّتي، يهتزُّ بالألم الدَّفين
والقول ما يرضي الإلَه، والله يجزي الصابرين. 
 

 

ـــــــــــــــــ
[1]   جواهر الأدب في أدبيَّات وإنشاء لغة العرب، أحمد إبراهيم الهاشمي، مؤسَّسة التاريخ العربي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1999م.
[2]   المرجع السابق.
[3]   المرجع السابق.
[4]   لوعة الحُزن في رثاء والد لولده، حمد القاضي، المجلة العربية، العدد 322، ذو القعدة 1424هـ.
[5]   الشعر في العصر العباسي، الدكتور محمد أبو العيون، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم 1983م.
[6]   الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، الجزء الثالث، الطبعة الثانية عشر، فبراير 1997م.
[7]   حلية الطراز، ديوان عائشة التيموريَّة، الأميرة قدريَّة حسين وآخرون، مطبعة دار الكتاب العربي، القاهرة 1952م، وجواهر الأدب في أدبيَّات وإنشاء لغة العرب، أحمد إبراهيم الهاشمي، مرجع سابق.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دموع القوافي في عيون المراثي
  • رثاء طفلي يمان (قصيدة تفعيلة)
  • البكاء في الشعر العربي (1)
  • قضايا إيمانية عبر القوافي
  • "متفاعلن" أصل التفاعيل العروضية
  • أغمس ريشتي بدم القوافي
  • لست أرثيك يا أمير القوافي (قصيدة)

مختارات من الشبكة

  • عين ثالثة لم يفصح عنها الإمام الشافعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العين حق: قصة إصابة سهل بن حنيف بالعين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • احذروا العين فإن العين حق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف لغوية في قوله تعالى: {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن}(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسة من عيون الأسانيد المسلسلة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسلة من عيون المسانيد المسلسلة (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير آية: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسلة من عيون المسانيد المسلسلة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • العين بالعين ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • طفلي لا يضع عينه في عيني(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
2- رثاء الولد
بقايا زورق - ليبيا 16-05-2016 07:44 PM

شكرا لكم..كنت أحتاج له.

1- شكر وملاحظة
أبو جويرية - مصر 01-06-2009 04:42 PM
جزاكم الله خيرًا على هذا العرض الطيب لبعض رثاءات الشعراء.

ولكن لي ملاحظة على قول الشاعرة عائشة التيمورية: (فَالدَّهْرُ بَاغٍ وَالزَّمَانُ غَدُورُ).

أليس في هذا سبٌّ للدهر، وقد نهانا الله تعالى في الحديث القدسي: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)؟!

فلو نبَّهت الكاتبة الكريمة على هذا البيت لكان أفضل لئلا يلتبس على بعض القرّاء.

والله تعالى أعلم.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب