ملخص بحث: علمتني الشاشة دروسا نظرية وأخرى تطبيقية

ملخص بحث

علمتني الشاشة دروسا نظرية وأخرى تطبيقية

• يُحاول هذا البحث المتواضع أن يتناول إشكالية زحف المجتمع الافتراضي على المُجتمع الواقِعي، والذي أَعنيه بالمجتمع الافتراضي هو "المجتمع الرقمي" الذي يتَّخذ من "الشاشة" موطنًا، "نافذة" يطلُّ من خلالها على الحياة، هذا المجتمع الطوباوي الخيالي الذي طالما حلم به القدماء، وتغنَّى به الشُّعراء، مجتمع طليق ممتع، تربطه اهتمامات مُشتركة، ليست له هوية، ولا حدود جغرافية، ولا تَربطه أواصِر دينية، أو سياسية، أو قارِّية، يتفاعل أفراده بكل حرية عبر فضاء الإنترنت الواسع والمَفتوح.

والشاشة التي أتحدَّث عنها في هذا البحث هي الشاشة الإلكترونية؛ أي كل ما تبثُّه الفضائيات من معلومات، وما تُتيحه الشبكة العنكبوتية من فرص للتفاعُل الاجتماعي؛ عبر شاشات: الهاتف، التلفاز، الفيديو، الكمبيوتر، الألعاب الإلكترونية.

وتتحدَّد إشكالية هذه الموضوع أكثر عندما نُلاحظ أن تواجد البشر في الفضاء الافتراضي يجعل مصير المجتمعات البشرية محلَّ بحث وأسئلة عديدة من قبيل:

1- هل سيحلُّ المجتمع الافتراضي محل المجتمع الواقِعي؟ أم أنهما سيَصطدمان - لا قدَّر الله - وتقع الكارثة؟ وهل يَمتلك المجتمع الافتراضي مُقوِّمات كافية للتكيُّف والبقاء؟ وما طبيعة الإنسان الافتراضي؟ وما كنْهُ أخلاقه؟ وما حال هويته؟ وهل يستطيع أن يُزاوج بين المجتمعين الواقعي والافتراضي؛ بحيث يضع إحدى قدمَيه هناك، والأخرى هنالك؟

2- هل توفر المجتمعات الافتراضية كهوفًا إلكترونية ملائمة للمُتطرفين؟ وهل هي ملاذ آمن للمُجرمين الذين يُزعزِعون أمن الأفراد والدول؟

3- كيف تصوغ الشاشة شخصية الطفل؟ وكيف تنعكس على شخصية المراهِق؟ وكيف تؤثِّر في سلوك الشاب؟ وهل تؤثِّر في حياة كبار السن؟

4- كيف يتمُّ استدراج الفتيات عن طريق الشاشات؟ وما سبل النجاة من مخاطر الشاشات؟

من خلال هذه الأسئلة وغيرها يتضح وجه الموضوع ومسارُه المنهجي، وهو موضوع جديد لم ينَل بعد القدر الكافي من الاهتمام والدراسة في عالمنا الثالث، عكس العالم المتقدِّم الذي بدأ يهتمُّ ويبحث في أخطار المجتمع الافتراضي، وإن كان معظم أبحاثه باللغة الإنجليزية.

منهجية البحث:

حاولت أن أتبع في هذا البحث منهج الوصف التحليلي لانعِكاسات التعاطي مع المجتمع الافتراضي وخاصة فئة الشباب، باعتبارهوقود الأمة، وعمودها الفقري، وقلبها النابض، ويدها القوية التي تَبني وتحمي، ومخزون طاقتها المتدفِّق الذي يملأها حيوية ونشاطًا، وهمزة الوصل التي تربط بين الحاضر والمستقبل.

ولهذا، سيأتي هذا البحث مشتملاً على محوَرين أساسيين:

المحور الأول - "علمتني الشاشة دروسًا نظرية":

وفيه أتعرَّض لأربعة دروس نظرية تُقدمها الشاشة، الأول يستهدف الطفل، والثاني موجَّه للمُراهق، والثالث مقدَّم للشاب، والرابع خاص بالراشد، وهذه الدروس تتناول في مجملها الأبعاد الأربعة التالية، وإن كانت مُتداخلة فيما بينها:

• البُعد العقدي والفِكري في مجتمع الشاشة.

• البُعد الخلقي والاجتماعي في مجتمع الشاشة.

• البُعد الشخصي والوطني في مجتمع الشاشة.

• البعد التطرُّفي والإجرامي في مجتمع الشاشة.

المحور الثاني - "علمتني الشاشة دروسًا تطبيقية":

وفيه أتعرَّض ضمن سبعة دروس تطبيقية لبعض ضحايا الشاشة "المجتمع الافتراضي" من خلال قصص واقية يَرويها هؤلاء الضحايا، بعد أن نشروها ابتغاء مرضاتهم، وأذنوا في نَشرها، لتكون عبرة لغيرهم من المُدمنين على الشاشة.

وقد اخترت عدم ذكر أسماء هؤلاء، وأسماء بلدانهم، وعدم التعرُّض كذلك لبعض الألفاظ، والتفاصيل التي لا تليق بأدبيات البحث.

حاولت في خاتمة هذا البحث أن أتوصَّل إلى مجموعة من النتائج أُجملها في الثلاث التالية:

1- كشف بعض الحقائق الخطرة التي لا يَستشعِر خطرها الكثير من الناس، والتي تُنذر بمستقبل مظلم للمجتمعات البشرية في ظل اصطدام عنيف لعالمين مُتناقضين جلَّ التناقض، عالم افتراضي يَتعاطى مع الأحلام والأوهام، وعالم واقعي يتعاطى مع الظروف الواقعية.

2- رسم طريقة مُثلى لتوجيه النشء نحو فوائد الشاشة، وتجنيبه مخاطرها.

3- استخلاص رؤية تربية واجتماعية تُسهم في الحيلولة دون انزلاق العالم نحو المَجهول.

وقد اتبعت أسلوبًا إنشائيًّا في معظم فقرات البحث، مستهلاًّ معظم الفقرات بعبارة: "علمتني الشاشة"، وذلك لسببين اثنين هما:

1- إثارة انتباه القاري، والتخفيف من وطأة الأسلوب الخبري.

2- التأكيد على أن "الشاشة" هي المُعلم، وأنها الأداة المثلى للمجتمع الافتراضي، وأن المَشاهد هو المتعلم والمتلقي، وهو مشروع الكائن الافتراضي في المستقبل.

أهمية هذا البحث:

تتجلى أهمية هذا البحث في:

1- التعريف بمجتمع الشاشة الافتراضي، والكشف عن ملامح هويتِه وأخلاقه وأذواقه وطموحاته وعلاقاته في كل مرحلة من مراحل نموِّ أفراده.

2- إجلاء الغموض عن العلاقة بين المجتمع الافتراضي والمجتمع الواقعي، ومآل هذه العلاقة في نهاية المطاف.

3- الكشف عن طبيعة العلاقة بين مجتمع الشاشة وظاهرة التطرُّف من جهة، وعلاقته بظاهرة الإجرام من جهة ثانية.

4- إبراز الجوانب الإيجابية والسلبية لاستخدام الشاشة، وكيف أنها استَخدمت أكثر في جوابها السلبيةَ على حساب الجوانب التي كان من المفروض أن تُستخدم فيها.

5- إطلاع الآباء على الطريقة الشرِسة التي يتبعها قراصنة الشاشة لاصطياد بناتهم من بين أيديهم عبر الشاشة، مُنتهزين فرصة الخلوة الإلكترونية المتاحة بدل الخلوة الحسية التي تخضَع في الغالب لرقابة المجتمع.

6- التوصُّل إلى رؤية ومقارَبة تربوية واجتماعية تُسهم في تجنُّب منزلق محتمل لمجتمع الشاشة الافتراضي، لا قدَّر الله.

وفي الختام، أتمنى أن أوفَّق في هذا المسعى، وأن ينتبه المفكرون والمربون لخطورة الارتماء في أحضان العالم الافتراضي، وأن تكون الشاشة أداة خير وبناء، لا وسيلة شر ودمار، والله المستعان.