ملخص بحث: تنمية الشعور بالمسؤولية عند أفراد المجتمع ( بحث أول )

مختصر بحث

تنمية الشعور بالمسؤولية عند أفراد المجتمع

(بحث أول)

الحمد لله الذي شرَّف قدر نبيِّه ووقره توقيرًا، ونوَّر به الأكوان تنويرًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله بشيرًا ونذيرًا، وجعله داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا كثيرًا، أما وإني قد انتهيت من إعداد هذا البحث، فإني أتضرَّع إلى الله بالشكر والثناء؛ فهو الذي أعانني على إنهاء هذا العمل، ومنحني القوة على ذلك، والصبر لتحمل مشاقِّه، فلك اللهم الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء.

يهدف هذا البحث إلى تناول موضوع في غاية الاهمية، ألا وهو تنمية الشعور بالمسؤولية لدى أفراد المجتمع، ولتحقيق هذا الهدف، فقد تم تقسيمه إلى أربعة فصول؛ هي كالآتي:

1- الأول منها بعنوان: "الأسرة المسلمة ومسؤولياتها"، ويتفرَّع عن هذا الفصل مواضيع عدة.

2- والثاني بعنوان: "التربية الإيمانية الإسلامية".

3- والثالث بعنوان: "الحلال والحرام في المعاملات".

4- والرابع بعنوان: "قضايا تتعلَّق بتنمية الشعور بالمسؤولية عند أفراد المجتمع".

وقد جمعتُ في بحثي دراسات اقتبستها بالتأمل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وأنا مدفوع بدافع الأمل في أن أصل إلى معرفة القيم والأخلاق الإسلامية، والتعاليم الربانية، وبيان قيمها وفوائدها وثمراتها.

ولعل المطَّلِع على هذا البحث يجد فيه القواعد المهمة لبناء علم الأخلاق الإسلامي، وتحمل المسؤولية لكل راعٍ في هذا المجتمع الإسلامي، الذي يهتدي بهَدْي مفاهيم القرآن الكريم، وسُنَّة الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم - ويلتزم بضوابط الفكر السليم.

إن التعاليم الإسلامية تجعل دائرة المسؤولية واسعة، تنظم الوجود كله، وتجعل المسلمين مسؤولين عن معاملاتهم، وبرِّهم، وصدقهم، ومحبتهم وعن الرحمة بكل ذي كَبِد رطب.

وقد تطرقت في هذا البحث إلى عناية الإسلام بالصغار، والتوجه لإعطائهم ما يحتاجون إليه في فطرتهم من عطف وحنان، وتوجيههم إلى القيم الأخلاقية المُثلَى، فكما تزرع تحصد، كما أشرت إلى الإحسان بالوالدين، من غير معصية الله - سبحانه وتعالى - إذ إن طاعة الله ورسوله ومحبتهم تقع في الدرجة الأولى، ثم يأتي من بعدها الإحسان إلى الوالدين، على أن طاعة الوالدين هي أيضًا من طاعة الله، ما لم يأمر بالكفر، أو الشرك به، أو بمعصية في أوامره ونواهيه.

ووضعت نصوصًا من كتاب الله، مبيِّنة مَبْلَغَ متاعِب الأم بولدها، إشعارًا بمبلغ استحقاقها للإحسان والرعاية، وشكرًا لها على ما قدَّمت من عطاء دفعتها إليه دوافع الرحمة، فمن مسؤولية الأبناء، الاهتمام بحالة الأبوين حينما يبلغان مبلغ الكبر والعجز.

ولا أنسى في بحثي هذا عَرْض تنمية الشعور بمحبة الله وغرسها في قلوب الناس، وغرس محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلوبهم أيضًا، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره.

ثم بينت مسؤولية الإنسان في هذه الحياة، والله وضعه تحت سلطان قدرته ومراقبته، ثم يمتنُّ عليه ببعض ما وجبه، ويضعُه موضع الامتحان على مفترَق طريقين، آتاه الله العلم بهما وبنتائجهما، بما أودع فيه استعدادًا لإدراك ذلك، وهما طريق الخير والشر، فطريق الخير يهدي إلى الجنة، وطريق الشر إلى النار.

وقد أشرت في هذا البحث إلى المعاملات الاجتماعية، فينبغي أن تكون ذات ارتباط وثيق بأسس الأخلاق، فالأسرة قائمة على مبدأ التعاون بين أفرادها، وتوزيع المسؤوليات وَفْق مصالح الجماعة التي تتوزع بالتالي على الأفراد، كلٌّ بحسب استحقاقه، وبحسب وظيفته الطبيعية، والتعاون مبدأ أخلاقي يدفع إليه الشعور بالحب تجاه الآخرين، وكذلك الدافع الجماعي الذي يخفِّف من غلواء الأنانية الشخصية، وكلا الأمرين من الأسس الأخلاقية العامة.

أيضًا أشرت إلى قيام كل فرد بمسؤولياته وواجباته تجاه الجماعة، أو اتجاه كل فرد من أفرادها، يدفع إليه حب الحق وإيثاره، ويدفع إليه جد العطاء، ومعلوم أن النظم الجماعية قائمة على تبادل الحقوق من جهة، وعلى الإحسان والتسامح بالمحبة تجاه الآخرين، وسماحة النفس، والدافع الجماعي الذي يعتبر التعاون ظاهرة من ظواهره، وهذه جميعها من الأسس الأخلاقية العامة.

فالقيم والأخلاق الإسلامية والحقوق والواجبات المترتبة على كل فرد من أفراد المجتمع مجالها واسع جدًّا، ومتشعبة إلى شعب كثيرة، فموضوعاتُ هذا البحث ضرورية لكل مسلم ومسلمة، فمن هذه الموضوعات أيضًا الطريق إلى الرزق الحلال الذي رسمه الإسلام للناس يكفل به حياة كريمة ومتزنة، وتذوق السعادة، وإدراك لما أنعم الله وتنبيه إلى وجوب الشكر لله - تعالى.

وقد اهتممت بذكر قوة الإرادة وضعفها، وبمقدار استقامة الإنسان في سلوكه نستطيع قياس مقدار إرادته، وقد أشرت أن ضعف الإرادة عند الإنسان مرض خلقي قبيح، ينجمُ عنه رذائل كثيرة في الأخلاق.

كما إن الإنسان مسؤول عن عمله، وعن معرفة الخير والشر، وعن التقصير والتفريط في أي حق كان، وتضييعه حتى يفوت الأوان،كما أنه مسؤول عن الواجبات التي ينبغي للمرء الحفاظ عليها من أمور دنيوية أو أخروية.

كما قمتُ بتعريف التفريط لغة واصطلاحًا، وأسباب التفريط، والتوسيع في المباحات والآثار الناجمة عنها.

وقد تناولت في بحثي بعض الأخلاق من صدق، ورحمة، وحسن معاملة، فكان ذلك أساسًا لبَدْء عملية التدبر المباشر من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.

والله أسأل أن يسدِّدني، ويبعدني عن الزلل، ويرزقني حسن الخلق، وتحمُّل المسؤولية والقيام بجميع الحقوق والواجبات المركونة إليَّ وإلى أسرتي، وأن ينفع بهذا البحث، ويجعله ذخرًا لي يَربُو ما انتفع به منتفِع لآخرته أو لدنياه.