• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقات الألوكة المستمرة / مسابقة الملخص الماهر / المواد الفائزة في مسابقة الملخص الماهر
علامة باركود

ملخص: تذكرة النبلاء بتحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبراء

أشرف محمد إبراهيم حسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2010 ميلادي - 22/3/1431 هجري

الزيارات: 16064

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تذكرة النبلاء
بتحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبراء 
تلخيص بحث
"نظرات نقديَّة حول بعض ما كتب في تحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبرء"
للشَّيخ/ عبدالله بن صالح العجيري

 

الحمد لله القائل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55]، والصَّلاة والسَّلام على النَّبي القائِل: ((المرء مع من أحبَّ))[1].

 

أمَّا بعد: فإنَّ أصدق الحديث القرآن، وخير الهدْي السنَّة، وشرَّ الأمور البِدْعة، وما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُر وألهى، أمَّا بعد.

 

اعلم أنَّه لما اختلط الحابل بالنَّابل، وتشابكت الحقائق، وأصبح النَّاس لا يميزون بين الكفر والمعصية، ولاسيَّما في مسألة الولاء والبراء، فظهر عليْنا من الكُتَّاب - الَّذين نحسبهم على خير - خلطوا بين الموالاة التي يصير بها المرء كافرًا، وبين الموالاة التي يصير بها عاصيًا، وشتَّان شتان بين توصيف العمل بالكُفر وتوصيفه بالمعصية! فمن المعلوم أنَّ الكفر الأكبر يهدم القربات، ويحبط كلَّ الطاعات، ويُخلِّد صاحبه في النَّار، أمَّا المعصية - مهما كبرت والَّتي هي دون الكفر والشّرك الأكبر والنفاق الاعتِقادي - فإن صاحبها تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له بفضله وكرمه، وإن شاء أدخله النَّار بقدر معصيته، ثمَّ هو يومًا ما سيدخُل الجنَّة خالدًا فيها أبدًا، ومن ثمَّ كان لزامًا علينا بيان الموالاة الَّتي هي من الكفر النَّاقل عن الملَّة، والموالاة التي هي دون ذلك.

 

وقبل الحديثِ عن ذلك سنتكلَّم عن ثلاث نقاط:
الأولى: لماذا خلط بعض الكُتاب في هذه المسألة؟ 
الثَّانية: ما موضوع الخلْط الذي وقعوا فيه؟ 
الثالثة: ما هي حقيقة مظاهرة الكفار؟

 

أوَّلاً: السَّبب في خلط بعض الكُتَّاب في هذه المسألة يرجِع إلى الآتي:
(أ) خلطٌ نتجَ بسبب قلَّة الدقَّة في فهْم أقوال العلماء، وعدم عرْض أقوالهم كاملة، فمن أقوال العلماء ما يُفهم منها الإجمال، ثمَّ قام نفس العالم بتفْسيرها في مواضع أخرى، فيلزم ممَّن أراد أن يعلم مراد العالم مِن قوله المجْمَل أن يقوم بتجْميع أطراف كلامه ليقف على حقيقة مراده، دون تقوُّلٍ عليه.

 

(ب) خلطٌ نتج عن تصوُّر ناقص عن مفهوم المظاهرة وما يترتَّب عليه من آثار ولوازم، فحكم في ضوء هذا التصوُّر الناقص فأخطأ، وكما يقولون: الحكم على الشَّيء فرع عن تصوُّره، فيلزم من ذلك تَحرير محلّ النِّزاع وبيان المقصود من مصطلح المظاهرة الَّذي هو محلّ البحث.

 

(ج) خلطٌ نتج عن قياس مع الفارق، فيأخُذ حكم مسألة معيَّنة فيجعلها حكمًا لمسألة أخرى، أو يجعلها عامَّة ويقيس عليها باقيَ المسائل، كمَن جعل حكم المقاتل في صفوف الكفَّار ضدَّ المسلمين كحكم الجاسوس.

 

وهذه أسباب من وقع في الخطأ دون عمد، أمَّا مَن بان له الحقُّ ثمَّ أصرَّ على الباطل، قُلنا: إنَّه واحد من ثلاثة:
(أ) كاتبٌ قد تخمَّر في قلبه فكرة معيَّنة ثمَّ بحث عمَّا يعضد تلك الفكرة، فصار أسيرَ فكرتِه، فلا يفهم من أقوال العُلماء إلاَّ ما يخدم فكرتَه، ولا ينقل عنهم إلاَّ ما يؤيِّد مقولتَه، فيقوم ببتْر النقولات واقتِباس بعض الكلمات من أفْواه وأقلام العلماء دون عرْض أو نظر أو بحثٍ في باقي أقوالهم الَّتي هي في نفس المسألة.

 

ب) كاتبٌ وجد خللاً من بعض الناس المتحمِّسين والذين ليس لديهم ضوابط إصدار أحكام الكفر والرّدَّة، فتسرَّعوا في تكْفير المعين؛ ممَّا ترتَّب عليه بعض أعمال العنف غير المنضبط بالشَّرع، ولكن مِن الخطأ أن يعالج الخطأ بالخطأ، ومن المعلوم أنَّ الفكرة إذا نشأت محدثة كردّ فعل لفكرة أخرى باطلة، فإنَّه غالبًا يكون كلا الفكرتَين فيهما لون مغالاة، وجنوح عن الصواب وتطرُّف عن الحق، كظهور المرجئة كردّ فعل لظهور الخوارج، وكظهور النَّواصب كردّ فعل لظهور الشّيعة، وكظهور الجبريَّة كردّ فعل للقدريَّة، والحقُّ هو الوسط الموافق للكِتاب والسنَّة بفهم المعتبرين المنصفين من علماء الأمَّة.

 

(ج) كاتبٌ عنده شبهة إرجاء، فجعل مظاهرة الكفَّار من الأعمال التي لا تضرّ الإيمان، وهذا يجب عليه أوَّلاً أن يزيل ما علق بعقيدته من شبهات، ثمَّ بعد ذلك يناقش مسائل الولاء والبراء.

 

ثانيًا: موضوع الخلط الذي وقع فيه بعض الكُتَّاب هو:
الخلط في مناط تكفير موالاة الكفَّار، فمنهم مَن جعل مدار التَّكفير على الاعتِقاد والتَّصريح بكراهية دين الإسلام ومحبَّة الكفر والرِّضا به فقط، وأثبتَ الإسلام لكلِّ من ظاهرَ المشركين، مهْما فعل من الأعمال الدَّالَّة على كراهية دين الإسلام ومحبَّة الكفر والرضا به، حتَّى إنَّه من العجيب أنَّ بعضَهم يقسم موالاة الكفَّار ومظاهرتهم إلى ثلاثة أقسام:
(أ) مظاهرتهم وموالاتهم في الظَّاهر مع حبهم ومودَّتهم في الباطن، وقالوا: إنَّ هذا النَّوع فقط هو المخرج من الملَّة. 
(ب) مظاهرتهم وموالاتهم في الظَّاهر لمصلحة دنيويَّة، وزعموا أنَّ هذه النَّوع مجرَّد معصية وكبيرة من الكبائر التي لا تنقل فاعلها عن الملَّة. 
(ج) مظاهرتهم وموالاتهم في الظَّاهر لمصلحة المسلمين، ودرْء الفتنة والشَّرّ عنهم، وزعموا أنَّ هذه النوع جائز، ولا أدري متى كانت مظاهرة المشْرِكين وموالاتهم تجلِب مصلحة للمسلمين أو تدفع عنهم مضرة؟! والله هو القائل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73].

 

ثالثًا: حقيقة مظاهرة الكفَّار والمشركين: 
المظاهرة هي: الإعانة والمناصرة والتَّأييد ليتحقَّق للطَّرف المظاهَر الظُّهور والعلوّ والغلبة على الطَّرف الآخر، ومن ثمَّ يكون المقصود بمظاهرة المشْركين هو: تأْيِيدهم وإعانتهم بما يحقِّق لهم الغلَبة والسلْطة والسَّيطرة والتحكُّم في البلاد والعباد، ويلزم من ذلك - ولا بدَّ - علوّ ما هم عليه من الشرك والكفر في مقابل ما يَحصل من الحطِّ من أمر الإيمان والإسلام، وتعرُّض أهل التَّوحيد للإهانة والإذْلال والفتة أو القتل؛ كما قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].

 

وهذه الحقيقة يجب ألاَّ يغفل عنها من نظر في هذه المسألة، فليست المسألة مسألة عصابة من الكفَّار تسلَّطوا على نفر من المسلمين لسلب أموالهم وديارهم، وما حدث في الأندلُس ليْس منَّا ببعيد، فلمَّا انهزَم المسلمون أمام النَّصارى أحالوها إلى يومِنا هذا من دِيار الإسْلام إلى ديار الكفر، وفتنوا المسلمين عن دين الله، وهدَموا المساجد، وأقاموا الكنائس، وعطَّلوا شرع الله، وحكموا بين الناس بقوانينِهم الماجنة الفاجرة الكافِرة الَّتي ما أنزل الله بها من سلطان.

 

والآن وبعد أن حدَّدنا المقصود من مظاهرة المشْركين وما يلزم منها تباعًا، نودّ تحرير محل البحث، وهو: هل نصرة المشْركين بالقتال في صفوفهم وحَمْل السِّلاح ضدَّ المسلمين - بالتَّحديد - ليس عن حبٍّ للكفَّار أو رضًا بدينهم، وإنَّما لمحْض الحصول على متاع الحياة الدنيا، هل يعدُّ هذا كفرًا في حدِّ ذاته؟ أم أنَّ المسألة تفتقِر إلى تصْريح اللِّسان بما وقر في القلب من محبَّة الكفر والرِّضا به وبُغض الإسلام وكراهيته؟

 

أوَّلاً: نعرض ما تطمئنُّ إليه قلوبنا في هذه المسألة: 
اعلم - رحمك الله - أنَّ القتال في صفوف الكفَّار ضدَّ المسلمين موالاة كفريَّة ينتج عنها القضاء على المسلمين، ودولة المسلمين، وتنكيس راية التَّوحيد، وتعطيل تحكيم شريعة الإسلام؛ ليحلَّ مكانها رايةُ الكفر والقوانين الوضعيَّة، التي أصبح لها في الواقع الكلِمة العليا دون الكتاب والسنَّة، وهذا المعنى ظاهر في كلام ابن تيمية - رحمه الله - لمَّا ابتُلِي المسلمون في زمانِه بأمر التَّتار، فقال مبينًا حكم مظاهرتِهم على المسلمين منبِّهًا على ما تجرُّه هذه المظاهرة من ويلات وبلايا فقال: "كلّ من قفز إليهم - يعني التتار - من أمراء العسكر وغير الأمراء، فحكْمُه حكمهم، وفيهم مِن الردَّة عن شرائع الإسلام بقدْر ما ارتدَّ عنه من شرائع الإسلام، وإذا كان السَّلف قد سمَّوا مانِعِي الزَّكاة مرتدِّين - مع كونهم يصومون ويصلُّون ولم يكونوا يقاتلون جَماعة المسلمين - فكيف بِمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟! مع أنَّه - والعياذ بالله - لوِ استوْلى هؤلاء المحاربون لله ورسولِه المحادُّون لله ورسوله المعادون لله ورسوله على أرض الشَّام ومصْر في مثل هذا الوقت، لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعِه"[2].

 

واستحضِرْ معي صنيع هذين الرَّجُلين لتتعرَّف على أيِّهما أقبح وأشنع وأبشع صنعًا من صاحبِه: مسلم أجيرٌ عند كافِر طلب منه أن يُناوله مصحفًا ليهينه، ففعل خوفًا على وظيفته وأجرته، والآخَر خرج مقاتلاً لأهل الإسلام مع الكفَّار رغبةً في تحصيل دنيا، وهو يعلم علم اليقين أنَّ عاقبة هذا الصَّنيع هو قتل المسلمين، وتهْديم المساجد، وتَمزيق المصاحف وإزالة حكم الإسلام، وتحكيم الطاغوت، وقلْب دار الإسلام دار كفر، أيُّهما أعظم جرمًا من أخيه؟ أظنُّ أنَّ الإجابة واضحة عند أولي الألباب ومن هم دون أولي الألباب.

 

ثانيًا: تعليقات على الأحاديث الَّتي استدلُّوا بها:
ذكروا ثلاثة أحاديث استدلُّوا بها على عدم تكفير مَن خرج في صفوف الكفَّار مقاتلاً للمسلمين، وسنعرض عليك تلك الأحاديث ونناقش استدلالهم بها لنعرف هل أصابوا حقًّا، أم أنَّ الخطأ كان حليفَهم؟ 
- أوَّلهم حديث حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه.
- ثانيهم حديث سهل بن بيضاء - رضي الله عنه.
- ثالثهم حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه.

 

وإليك ما تيسَّر لنا من تعليقات ومناقشات واعتراضات في اختصار وعجالة:
(أولاً) تعليقات على استدلالهم بحديث حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -:
قبل أن نعلق على استدلالهم بحديث حاطب لا بدَّ من عرض الحديث أوَّلاً، فحاطب بن أبي بلتعة بعث كتابًا إلى قريش يخبرهم بقدوم النبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - إليهم غازيًا، وقد كان هذا سرٌّ أسرَّ به النَّبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - إلى بعض أصحابه، فلمَّا أفشى حاطب هذا السر قال له رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يا حاطب، ما هذا؟)) فقال: لا تعجلْ عليَّ، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش ولم أكُن من أنفسهم، وكان مَن معك مِن المهاجرين لهم قرابات يَحمون أهليهم بمكَّة، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النَّسب فيهم، أن أتَّخذ فيهم يدًا يَحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتِدادًا عن ديني ولا رضًا بالكُفْر بعد الإسلام، فقال رسولُ الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم -: ((إنَّه صدقَكم))، فقال عمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْه -: دعْني أضرب عنُق هذا المنافق، فقال رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم -: ((إنَّه قد شهد بدرًا، وما يُدريك لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرْتُ لكم))[3].

 

(1) قالوا: إنَّ حديث حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - دليلٌ على عدم التَّكفير مطلقًا بكل صور الموالاة، وكان الجدير بهم أن يقولوا: إنَّ فعل حاطب موالاة محرَّمة دون أدنى شكّ، ولكن ليستْ كلّ موالاة تعدّ كفرًا ناقلاً عن الملَّة.

 

(2) قالوا: إنَّ فعل حاطب مظاهرة للمشْركين ونكاية بالمسلمين من أجل مصلحة دنيويَّة تعود عليه وعلى أهله، ومع ذلك لم يكفِّره الرَّسول - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - وزعموا أنَّ السَّبب هو أنَّ الباعث له لم يكن تولِّي الكفَّار والرِّضا بكفرهم، وهذا التصوُّر محلّ بحث ونظر.

 

وينبغي في قصَّة حاطب مراعاة وملاحظة الآتي:
(أ) أنَّ حاطبًا - رضي الله عنه - كان وما زال في صفوف المسلمين مناصرًا الله ورسوله، بِخلاف مَن ترك صفوف المسلمين والتحقَ بصفوف الكفَّار، وأخذ يُقاتل المسلمين بنفسِه ومالِه ورأْيِه.
(ب) غاية مخالفة حاطِب - رضي الله عنه - للنَّبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - هو أنَّه أخبر الكفَّار بخبرٍ أراد النَّبيُّ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - أن يظلَّ سرًّا ولم يزِد عن ذلك قولاً ولا فعلاً، بِخلاف مَن قفز إلى معسكر الكفر واصطفَّ معهم وكثَّر سوادهم وقاتل أهل الإسلام.
(ج) أنَّ حاطبًا - رضي الله عنه - ما فعل ذلك إلاَّ وهو يُوقن بأنَّ الله ناصر نبيّه - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - ومظهر لدينه، وأنَّ فعله هذا لن يضرَّ الرَّسول - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - ولا الإسلام ولا المسلمين، وهذا واضح ممَّا صرح به قائلاً: "قد علمت أنَّ الله مظهر رسولَه ومتمٌّ له أمرَه، غير أنِّي كنت عزيزًا بين ظهْرَيهم، وكانت والدتي منهم، فأردت أن أتَّخذ هذا عندهم"[4].

 

وابن تيمية بعد أن ساق حديث حاطب - رضي الله عنه - قال: "وفي لفظ – أي: لحديث حاطب - "وعلمت أنَّ ذلك لا يضرّك" يعني لأنَّ الله ينصر رسوله والذين آمنوا"[5].

 

فحاطب - رضي الله عنه - ما قصد مظاهرة الكفَّار، بل قصد فعلاً ورأى أنَّه سيجعل له يدًا عند الكفَّار، ولا يلحق الضَّرر بمعسكر المسلمين المنصور لا محالة، وهذا منه تأويل وشبهة أخرجتْه من الحكم عليه بالكفر والرّدَّة، هذا بخلاف مَن وقف في صفوف الكفَّار يسعى لغلبتهم ويرتقِب إنجاز مهمَّته، وهي هزيمة المسلمين وإلحاق الخسائر بهم، ولا يبالي بأنَّ فعله هذا يؤدّي إلى علوّ الكفْر على الإيمان.

 

وممَّا يؤيِّد ذلك قول الحافظ ابن حجر: "وعُذر حاطب ما ذكره، فإنَّه صنع ذلك متأوِّلاً ألاَّ ضرر فيه"[6]. 

 

وقول ابن الجوزي: "إنَّما ظنَّ حاطب أنَّ ذلك يجوز له ليدفع به عن ولده، كما يَجوز له أن يدفع عن نفسه بمثل ذلك عند التقيَّة، وإنَّما قال عمر: دعْني أضرب عنُق هذا المنافق؛ لأنَّه ظنَّ أنَّه فعل ذلك عن غير تأويل"[7].

 

وقول القرطبي: "لكنَّ حاطبًا لم ينافق في قلبه، ولا ارتد عن دينه، وإنَّما تأوَّل فيما فعل من ذلك: أنَّ إطلاع قريش على بعض أمر رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - لا يضر رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - ويخوّف قريشًا، ويُحكى أنَّه كان في الكتاب تفخيم أمْر جيش رسولِ الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - وأنَّهم لا طاقة لهم به، يُخوّفهم بذلك ليخرجوا عن مكَّة، ويفرّوا منها، وحَسَّنَ له هذا التأويلَ تعلُّقُ خاطره بأهله وولده؛ إذْ هم قطعة من كبده، ولقد أبلغ مَن قال: "قلَّما يفلحُ من كان له عيالٌ"، لكن لطف الله به، ونجَّاه لما علم من صحَّة إيمانه، وصدقه، وغفر له بسابقة بدر، وسبقه"[8].

 

وممَّا يشير إليه الحديث: أنَّ الحكم الثَّابت على حاطب - رضي الله عنه - من قِبلِ عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - هو الكُفر، وذلك قبل أن يعرف التَّأويل الَّذي وقع فيه حاطب، وفعل حاطب قد يؤول به إلى هذا الحكم حقًّا؛ ولذا بادر حاطب بنفْي الكفْر والردَّة عن نفسه من قبل أن يتَّهِمَه به أحد، ولكنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - حسمَ المسألة فما خطَّأ عمر - رضِي الله عنه - في أصْل تكفير مَن ظاهرَ المشركين؛ ولكنَّه عارضه في تنزيل هذا الحكْم على حاطب - رضي الله عنه - لوجود شبهة وتأْويل منع من الحكم عليْه بالكفر، ولأنَّه - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - علِم من الله أنَّ أهل بدر مغفور لهم، ومن المعلوم أنَّ الله لا يغفر الشِّرك ويغفر ما دونه من الذنوب لمن يشاء؛ كما هو واضح من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، ومن ثمَّ فحاطب ومن كان معه من (البدريِّين) لم ولن يقعوا في الكُفر أو الشرك النَّاقل عن الملَّة.

 

(د) وممَّا سبق يستقرُّ في القلب السليم أنَّ هناك بونًا شاسعًا بين حكم الجاسوس وحكم المظاهر للكفَّار الذي حمل السلاح على المسلمين، وممَّا يَزيد المسألة وضوحًا إذا تأمَّلت الإجماع على حلّ دم مَن قتل مسلمًا متعمِّدًا، والخلاف في قتل الجاسوس.

 

ونضرب لهذا البون الشَّاسع مثل رجُل أتى النبيَّ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - فنطق الشَّهادتين وقال: يا رسول الله، آمنتُ بك وصدَّقتك وإني ملتزِم بشريعتك، ولكنِّي رجُل من قومي أقاتل مَن قاتلوا وأحارب مَن حاربوا، ثمَّ انصرف ووجده النبيُّ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - في صفوف قومه مقاتلاً له ولأصحابه، هل يكون هذا الرَّجُل بهذا الصنيع مسلمًا، دمه وماله حرام؟!
قطعًا ليس مسلمًا؛ لوقوفه مظاهرًا للمشركين مقاتلاً للرَّسول وأصحابه. 
وهل هذا الرَّجُل بهذا الصَّنيع يشبه صنيع حاطب - رضي الله عنه - الَّذي أيقن بعدم حصول الضَّرر؟
قطعاً لا يستويان مثلاً، بل الأوَّل لا يحتمل إلاَّ الكفر، حتَّى ولو زعم أنَّ الباعث هو تحقيق مصلحة دنيويَّة، أمَّا حاطب فوضعه يحتمل ذلك ودون ذلك.

 

فهناك فرق بين قبح المقاتلة وقبح التجسُّس؛ كما ورد في سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 97]، فأخبر عبدالله بن عباس أنَّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشْركين يكثِّرون سوادَ المشركين على عهد رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - يأتي السهمُ فيرمى به فيصيب أحدَهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله هذه الآية[9]، وأخبرنا أنَّهم في النَّار إلا مَن خرج مكرَهًا وليس له حيلة، وقد عامل النَّبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - الأسرى الأحياء منهم معاملة الكفَّار وأخذ منهم الفدية، وقال: ((ولكن ظاهركم كان عليْنا))، وكان منهم عمّه العبَّاس بن عبد المطَّلب[10] - رضي الله عنْه - وصرَّح ابنُ حزم بردَّة مَن ذهب إلى الكفَّار وسكن معهم وأطاعَهم في قتال المسلمين، فقال: "فصحَّ بهذا أنَّ مَن لحق بدار الكُفْر والحرب مختارًا مُحاربًا لِمَن يليه من المسلمين, فهو بهذا الفعل مرتدٌّ، له أحكام المرتدِّ كلّها: مِن وجوب القتْل عليه متَى قدر عليه, ومن إباحة مالِه, وانفساخ نكاحه, وغير ذلك؛ لأنَّ رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - لم يبرأ من مسلم"[11].

 

ويقول الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب - رحِمه الله -: "واعلموا أنَّ الأدلَّة على تكْفير المسلم الصَّالح: إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحّدين - ولو لم يُشرك - أكثر من أن تُحْصَر، من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم"[12].

 

ويقول الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ: "وقال - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم -: ((مَن جامع المشرك أو سكَنَ معه فإنَّه مثله))، فلا يقال: إنَّه بمجرَّد المجامعة والمساكنة يكون كافرًا، بل المراد أنَّ مَن عجز عن الخروج من بين ظهرانَي المشركين وأخرجوه معهم كرهًا، فحُكْمه حكمهم في القتل وأخذ المال، لا في الكفر، وأمَّا إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعًا واختيارًا، أو أعانَهم ببدنه وماله، فلا شك أنَّ حكمه حكمهم في الكفر"[13].

 

(ثانيًا) تعليقات على استدلالهم بحديث سهل بن بيضاء - رضي الله عنه -:
قالوا: إنَّ حديث سهل بن بيضاء - أو سهيل - يستدلّ به على عدم تكفير مَن قاتل المسلمين مع الكفَّار، وإليك نصَّ الحديث الَّذي هو بعيد كلّ البعد عن هذا الاستدلال: أنَّه لمَّا كان يوم بدر، وجيء بالأسارى، قال رسولُ الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم -: ((ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟)) فذكر في الحديث قصَّة، فقال رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم -: ((لا ينفلتنَّ أحد منهم إلاَّ بفداء، أو ضرب عنق))، فقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: فقلتُ: يا رسول الله، إلاَّ سهيل بن بيضاء، فإنِّي سمعتُه يذكر الإسلام، قال: فسكتَ رسولُ الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - قال: فما رأيتُني في يوم أخوفَ أن تقع عليَّ حجارة من السَّماء منِّي في ذلك اليوم، حتَّى قال رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم -: ((إلاَّ سهيل بن البيضاء))، قال: ونزل القرآن بقوْل عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67][14].

 

وإليك التَّعليقاتِ الآتيةَ: 
(1) الحديث مختلف في تصحيحه؛ لأنَّه من رواية أبي عبيدة عامر بن عبدالله بن مسعود عن أبيه، وهو لم يسمع من أبيه، فمِن أهل العلم مَن يقبل هذه الرواية لاختصاص عامرٍ بِحديث أبيه وعلْمِه به ما لم يأت بحديث منكر، ومنهم مَن لا يقبلها لعدم السَّماع.

 

(2) سهل كما ذكر الحديث كان مستخْفيًا بإيمانه، فلم يخرج بطواعية منه واختيار وإنَّما خرج مكرهًا، والبحث ليس فيمن خرج للقتال مكرهًا، إنَّما البحث فيمن خرج باختياره وقَصْدِهِ طمعًا في دنيا من غير تأويل سائغ، أيصحُّ أن يكون مسلمًا؟! وهذه ما لا يمكن أن يقام عليها الدَّليل، وقد ذكرنا حديث العبَّاس من قبل لما عامله النبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - بالظاهر وأخذ منه الفدية ولم يقبل منه دعواه بكونه مكرهًا.

 

(3) إذا كان الخروج مع الكفَّار لقتال أهل الإسلام ليس كفرًا بذاتِه؛ بل هو ذنب ومعصية لا تبلغ بصاحبها حدَّ الكفر - كما يزعمون - فلماذا لم يحرِص النَّبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - على معرفة مَن خرج مع الكفَّار من المسلمين، وبخاصَّة مَن قتل منهم في أرض المعركة ليقوم بواجب تغْسيلهم وتكْفينهم والصَّلاة عليهم؟! وإذا كان ابن مسعود - رضي الله عنه - قد عرف واحدًا من أولئِك بعد الأسر، فما الَّذي يمنع أن يُعرف غيره بعد القتل؟! ولماذا لم يفتّش النبي - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - في هذا الأمر، ويأمر أصحابه: مَن عرف مسلمًا بين أولئك القتلى فليخبرنا به فإنَّ له علينا حقًّا؟! 
الجواب: أنَّ الذي منعه هو كون من كثَّر سواد الكافرين وقاتل معهم ضدَّ المسلمين فهو منهم، وليس من المسلمين في شيء، وليس له عندنا حقّ، إلاَّ إهدار دمه إن قدرْنا عليه، فإن وجدناه صريعًا كان مصيره أن يُلْقى في (القليب) مع أبي جهْل وأبي لهب.

 

(ثالثًا) تعليقات على استدلالهم بحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -:
وإليك نصَّ الحديث: عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: كانت ثقيف حلفاءَ لبني عقيل، فأسرتْ ثقيف رجُلين من أصحاب رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - وأسر أصحاب رسولِ الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - رجُلاً من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - وهو في الوثاق، قال: يا محمَّد، فأتاه، فقال: ((ما شأنك؟)) فقال: بمَ أخذتَني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال - إعظامًا لذلك -: ((أخذتُك بجريرة حلفائك ثقيف))، ثمَّ انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد، يا محمَّد، وكان رسول الله - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - رحيمًا رقيقًا، فرجع إليه فقال: ((ما شأنك؟)) قال: إني مسلم، قال: ((لو قلتَها وأنت تملك أمرك، أفلحتَ كلَّ الفلاح))، ثمَّ انصرف، فناداه فقال: يا محمَّد، يا محمَّد، فأتاه فقال: ((ما شأنك؟)) قال: إنّي جائع فأطعمني، وظمْآن فاسقني، قال: ((هذه حاجتك))، ففُدِي بالرَّجُلين[15].

 

فهذا النَّصّ - كما ترى - ولست أدْري لماذا أتَوا به في هذا الباب؟! فهو ليس فيه ذِكْر شيء من أمر المقاتلة، بل غاية ما فيه أنَّ هذا الرجل أُسِر لكونه كافرًا في دار حرب، فلو قُدر أنَّه كان مسلمًا قبل أسره لم يجز أسره لمجرَّد كونِه بدار الحرب وهذا بيِّن، فلا صلة للحديث بمسألتنا، ولا له علاقة في حكم المظاهر إطلاقًا.

 

خاتمة: 
يُوجد عدَّة حقائق وأصول لا بدَّ من الاتِّفاق عليها أوَّلاً، فإن لم نتَّفق عليْها صارت هي مكْمن الدَّاء ومحلّ الخلَل في تحقيق ما نحن بصدَدِه من مسألة الموالاة والمعاداة، ومُظاهرة المشركين بالقتال في صفوفِهم ضدَّ المسلمين، وإليْك تلك الحقائقَ:
(1) الولاء والبراء مثله كمثل الإيمان، له أصل وفرع.
(2) ما يبطل الفرع لا يلزم منه ضرورة إبْطال الأصل.
(3) حكم الولاء والبراء المطْلق مختلف عن حكم مطلق الولاء والبراء.
(4) الكفر يكون بخلوّ النَّفس من مطلق الولاء والبراء، لا بخلوِّها من الولاء والبراء المطْلق.
(5) لا يلزم من مطلق معاداة المؤمن للمؤْمِن انتفاء أصل الموالاة بيْنهما.
(6) لا يلزم من مطْلق موالاة المؤمن للكافِر انتفاء أصل البراءة منْه.

 

(7) الكفر يكون بالاعتِقاد كما يكون بالقول والفعل كذلك، وليس محصورًا على الاعتقاد فقط، فهذه لوثة من لوثات الإرْجاء الَّذين يحصرون الكفر على ما وقر في القلب دون النَّظر إلى ما يظهر على الجوارح، فليس عندهم تلازُم بين دلالات الظاهر على الباطن، فحصر مناط الكفر في الولاء والبراء على عداوة المؤمن للمؤمن لأجْل إيمانه، ومحبَّة المؤمن للكافر لأجل كفره، هي دعوة إرجائيَّة قديمة، ردَّ عليها أهل السنَّة والجماعة من قبل.

 

وقد نسِي أصحاب هذه الدَّعوة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 51، 52].

 

ومَن تأمل في الآية الثانية، علِم أنَّ التولِّي المذموم المذْكور فيها وقع من أقوام كان غرضهم من تولِّي الكافرين تحقيق مصلحة دنيويَّة، ألا وهي دفع تلك الدَّائرة المرتَقَبة التي كانوا يخافونها، وليس الباعث من المسارعة فيهم بالنصرة والتأييد هو أنَّهم كانوا محبين للكفر وراغبين فيه.

 

والمتأمِّل أيضًا في قوله تعالى: {لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، يجد أنَّ الآية استثنت من هذه الصورة المكفّرة ما كان واقعًا في حال الإكراه، فلو كان المناط المكفّر لهذه الموالاة الاعتقاد الباطن لما كان ثمَّة حاجة لاستثناء حال التقية؛ ذلك أنَّه لا يُكره شخص على اعتقاد الكفر في الباطن، وإنَّما يقع الإكراه على قولٍ يقوله المكرَه في الظَّاهر أو على فعل يفعلُه، وبهذين تتحقَّق منه التقية، فيقي بالقول أو الفعل الظَّاهر ما يضرّه ويضر باطنه، ويُبقي اعتقاده مع التقية سليمًا، ولو أنَّ شخصًا اعتقد الكفر تحت الإكراه كفر؛ إذ لا رخصة في اعتقاد الكفر ومحبَّته بحال، فدلَّ ذلك على أنَّ المناط المكفر في هذه الآية الكريمة ليس أمرًا باطنًا يقع من قبل المُوَالي، وإنَّما هو في أمر ظاهر يكون صاحبه كافرًا بفعله، وما حدث منهم ذلك إلاَّ لأنَّهم أخرجوا العمل من أن يكون مكفّرًا بذاته في أبواب الولاء والبراء، وحصروا الأمر في الكفر الباطن، فانتبه إلى أنَّ حمل الصورة المكفّرة للموالاة في الآية على اعتقاد الباطن قولٌ باطلٌ يفضي إلى تجويزه في حال الإكراه، وهو كفر بالإجماع.

 

(8) ممَّا يجب ملاحظته أن صورة المظاهرة بالمقاتلة مع الكفَّار ضدَّ أهل الإسلام منافية - ولا بدَّ - لأصل الولاء للمؤمنين وأصل البراءة من المشركين، وذلك للتلازُم بين الظاهر والباطن، وأنَّه لا يمكن أن يكون العبد مؤمنًا بالله ورسوله الإيمانَ المنجي، محبًّا لأهل الإيمان ولما هُم عليه، مبغضًا لأهل الكفر وما هم عليه، ثمَّ هو يبذل كلَّ طاقته وقوَّته وجهده بل ويغرِّر بنفسه وأهله وماله في مناصرة الكفَّار على المؤمنين؛ طلبًا لعلوّ شأنِهم وغلبتهم ليُحصِّل منهم منفعة دنيويَّة، مع ما علمه بما تستلزمه هذه النصرة من انتِصار للشرك والكفر على الإيمان والإسلام، اعلم أنَّ مَن وقع في هذا العمل إنَّما وقع فيه لطغيان محبَّة الدنيا على نفسه وقلبه حتى أخْلَتْه عن أصل الإيمان المنجي، والمتضمن أصل الولاء والبراء المنجي، فأضحى كافرًا، ألا فليُعلم أنَّ مَن جعل هذا مؤمنًا ناجيًا مع هذا كلّه، فقد منع التلازُم بين الظَّاهر والباطن، ووقع في شعبة من شعب الإرْجاء، نسأل الله العليَّ القدير أن يهدِيَنا سبلنا، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزُقنا الاعتدال والقصد في القول والعمل، والعافية من الإفراط والتفريط، وآخر دعونا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.

 

 

ـــــــــــــــ
[1]
 رواه البخاري (5166).
[2]   مجموع الفتاوى (28 /530). 
[3]   رواه البخاري (3007). 
[4]   رواه أحمد في المسند (14360)، وقال ابن كثير: صحيح على شرط البخاري؛ "البداية والنهاية" (2 /284)، وصحَّحه الألباني في صحيح الموارد (1867)، وحسَّنه الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (231). 
[5]   مجموع الفتاوى (35 /67). 
[6]   فتح الباري (8 /634). 
[7]   زاد المسير (8 /234). 
[8]   المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6 /440). 
[9] رواه البخاري (4596). 
[10]   رواه ابن جرير (5 /235) مرسلاً. 
[11]   المحلى (12 /126). 
[12]   الدرر السنية (10 /8). 
[13]   الدرر السنية (8 /456).
[14]   رواه أحمد في المسند (3625)، والترمذي في سننه (3084). 
[15]   رواه مسلم (1641).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نظرات نقدية حول بعض ما كتب في تحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبراء
  • محبة الكافر والأخوة الإسلامية
  • ثلاثية في الولاء والبراء
  • تنقيح المناط عند الأصوليين وتطبيقاته الفقهية
  • أصل الولاء والبراء في الإسلام
  • منهج الشيخ الطباخ في صياغة الترجمة في كتابه " إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء "
  • مختارات من تعليقات الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء"
  • من صفات الداعية: تحقيق عقيدة الولاء والبراء
  • الولاء والبراء (خطبة)
  • الولاء بين المسلمين

مختارات من الشبكة

  • تذكرة الدعاة والمربين وتذكرة المعلم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فتاوى حديثية للحافظ العراقي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرات نقدية حول بعض ما كتب في تحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبراء(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملخص بحث: المسؤولية مقوماتها وفاعليتها في تحقيق النهضة(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • التذكرة والبيان لأعمال يحبها الرحمن (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تذكرة الأنام بعشر مسائل تتعلق بالمال العام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإعراض عن التذكرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تذكرة أولي الألباب ببعض خصائص النبي الأواب صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التذكرة الإيمانية في موسم الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة الرسالة الجامعة والتذكرة النافعة (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب