• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / الشروحات العلمية
علامة باركود

شرح أصول السنة للإمام الحميدي

شرح أصول السنة للإمام الحميدي
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/8/2016 ميلادي - 23/11/1437 هجري

الزيارات: 40137

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشروحات العلميّة المؤصلة (6)

متون علم العقيدة (1)


شرح رسالة

أصُولُ السُنَّة

للإمَام الحُميدي رحمه الله تعالى

(ت 219 هـ)


كتبه:  طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

خطيب جامع الريان - سيئون

Ibnhydra@hotmail.com

 

بسم الله الرحـمن الرحـيم

أصُوُلُ السُـنَّة

تأليف الإمَام أبي بكر عبد الله بن الزبير الحُميدي (ت 219 هـ)

نص الرسالة:

حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال:

1 - السنة عندنا: أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ذلك كله فضـل[1] من الله عز وجل.


2 - وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ولا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول[2] إلا بنية، ولا قول وعمل ونية[3] إلا بسنة.


3 - والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم؛ فإن الله عز وجل قال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10]، فلم يؤمر [4] إلا بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو تنقصهم[5] أو أحداً منهم فليس على السنة، وليس له في الفئ حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال: " قسم الله تعالى الفئ فقال: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ [الحشر: 8]، ثم قال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ﴾ [الحشر: 10]، فمن لم يقل هذا لهم، فليس ممن جعل له الفئ[6] ".


4 - والقرآن: كلام الله، سمعت سفيان يقول لي[7]:" القرآن كلام الله، ومن قال: مخلوق فهو مبتدع، لم نسمع أحدًا يقول هذا".


• وسمعت سفيان يقول: "الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص"، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة:" يا أبا محمد، لا تقول ينقص"، فغضب وقال:" اسكت يا صبي، بل حتى لا يبقى منه شئ ".


5 - والإقرار بالرؤية بعد الموت.


6 - وما نطق به القرآن والحديث مثل: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [المائدة: 64]، ومثل: ﴿ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]، وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره، نقف على ما وقف عليه القرآن والسنة.


7_ ونقول: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي.


8 - وأن لا نقول كما قالت الخوارج:"من أصاب كبيرة فقد كفر"، ولا تكفير بشيء من الذنوب.


9 - وإنما الكفر في ترك الخمس التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت "، فأما ثلاثٌ منها فلا يناظر تاركه: من لم يتشهد، ولم يصل، ولم يصم؛ لأنه لا يؤخر شيء من هذا عن وقته[8]، ولا يجزئ من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته، فأما الزكاة فمتى ما أداها أجزأت عنه، وكان آثماً في الحبس، وأما الحج فمن وجب عليه، ووجد السبيل إليه وجب عليه، ولا يجب عليه في عامه ذلك حتى لا يكون له منه بد، متى أداه كان مؤدياً ولم يكن آثماً في تأخيره إذا أداه؛ كما كان آثماً في الزكاة، لأن الزكاة حق لمسلمين مساكين حبسه عليهم] حتى وصل إليهم، وأما الحج، فكان فيما بينه وبين ربه،[[9] إذا أداه فقد أدى، وإن هو مات وهو واجد مستطيع ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج، ويجب لأهله أن يحجوا عنه، ونرجو[10] أن يكون ذلك مؤدياً عنه؛ كما لو كان عليه دين فقُضي عنه بعد موته.

[ تمت الرسالة، والحمد لله رب العالمين ].

 

شرح الرسالة:

الدرس الأول

مقدمة، وذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر

حدثنا بشر بن موسى: هو بشر بن موسى المحدث الإمام الثبت، أبو علي الأسدي البغدادي، راوي المسند عن الإمام الحميدي، قال أبو بكر الخلال: بشر كان أحمد بن حنبل يكرمه، وكتب له إلى الحميدي إلى مكة، وقال الدارقطني: ثقة نبيل، ولد بشر في سنة 190، ومات في ربيع الأول سنة 288 هـ.[11]

 

قال حدثنا الحميدي: هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحُميدي المكي الإمام الحافظ الفقيه شيخ الحرم صاحب المسند، روى عن سفيان بن عيينة وأكثر، وعن الشافعي ووكيع، وروى عنه البخاري وهو أول رجل في مسنده، والذهلي وأبو زرعة وأبو حاتم وبشر بن موسى وآخرون، ألف المسند والتفسير وله كتاب في الرد على أهل الأهواء ذكره أبو شامة، وتوفي بمكة سنة 219 هـ.


ثناء الأئمة عليه: قال أحمد بن حنبل: الحُميدي عندنا إمام، وقال إسحاق بن راهويه: الأئمة في زماننا الشافعي والحميدي وأبو عبيد، وقال يعقوب الفسوي: حدثنا الحميدي، وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه، وقال البخاري في خلق أفعال العباد/ 61: والحميدي من قريش ومن أتبع الرسول من المكيين، وقال الحاكم: كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غيره من الثقة به، وقال ابن عدي: ذهب مع الشافعي إلى مصر وكان من خيار الناس.[12]

 

قال:

1 - السنة عندنا:تطلق السنة على عدة إطلاقات، والمراد بها هنا: الاعتقاد، وقد وسم جمع من علماء السلف مؤلفاتهم العقدية بهذا الاسم؛ كالسنة لعبد الله بن أحمد وللخلال ولابن أبي عاصم، وأصول السنة للإمام أحمد، وشرح السنة للبربهاري، وغيرها، وهذه الرسالة معروفة باسم: أصول السنة، وهي ثابتة لمؤلفها، وقد ذيل بها مسنده؛ فصحتها إليه كصحة المسند له، وهي على إيجازها حوت أصولاً عظيمة لأهم المسائل التي وقع الخلاف فيها؛ فحرّر رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة، ومن تلك الأصول التي حوتها هذه الرسالة: مسائل الإيمان بالقدر- وتولي الصحابة- وحد الإيمان- والقرآن- وإثبات الصفات- والرؤية- والاستواء- وحكم فاعل الكبيرة- وتارك الأركان، والموقف من الخوارج والجهمية المعطلة.


وقد نقل منها بعض الأئمة رحمهم الله حكاية مذهب السلف، منهم ابن قدامة في ذم التأويل/ 24، وابن تيمية مجموع الفتاوى4/ 6، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية/ 137، وقال: ذكر قول عبد الله بن الزبير الحميدي رحمه الله تعالى أحد شيوخ النبل، شيخ البخاري، إمام أهل الحديث والفقه في وقته، وهو أول رجل افتتح به البخاري صحيحه، ونقل عنه الذهبي في العلو للعلي الغفار/ 168، ثم قال: كان العلامة أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي الحميدي مفتي أهل مكة وعالمهم بعد شيخه سفيان بن عيينة، حدث عنه البخاري والكبار.


أن يؤمن الرجل بالقدر:القدر: هو تقدير الله للأشياء، والإيمان بالقدر أن يؤمن بأن كل ما يقع قد علمه الله وخلقه وقدره، ولا يخرج شيء عن تقدير الله تعالى ومشيئته، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ [التوبة: 51]، وقوله:﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقوله: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29].

 

خيره وشره: الخير ما يلائم العبد من قدر الله والشر ما لا يلائمه، وقد دل على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره حديث جبريل الطويل الذي أخرجه مسلم عن عمر رضي الله عنه، وفيه: قال: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، وروى أحمد والترمذي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره ". ‌


حلوه ومره: هي بمعنى ما سبق، وقد جاء بهاتين اللفظتين حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عدي بن حاتم: أسلم تسلم"، قلت: وما الإسلام؟ فقال:" تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها".


وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه: وهذه علامة الإيمان بالقدر، وقد دل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه عند الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره؛ حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه"، وفي حديث أنس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يجد عبدٌ حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه"، حسنه الألباني في ظلال الجنة. ‌


وأن ذلك كله فضل من الله عز وجل: أي خير للعبد سواء علم حكمته أم لم يعلم، وقد دل على ذلك حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر وكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له". ‌


الجوانب المسلكية لهذا المعتقد:

(1) إدراك أهمية معرفة أصول أهل السنة والجماعة والتمسك بها.

(2) تسليم العبد المؤمن لكل ما قدره الله وقضاه، والإيقان أن الله تعالى لا يقضي أمرًا إلا لحكمة عظيمة.

(3) أن مقياس علامة الإيمان بالقدر على الحقيقة أن يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه فلا يجزع، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه فلا يتحسر.


الدرس الثاني

ذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان والصحابة والقرآن

2 - وأن الإيمان قول وعمل: الإيمان هو اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان، وقد دل على الأول قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14]، ودل على الثاني قوله تعالى: ﴿ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ [العنكبوت: 46]، ودل على الثالث قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]؛ أي صلاتكم، ودل على الثلاثة أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة؛ فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، رواه الستة.


يزيد وينقص: أي يزيد الإيمان بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد دل على الزيادة قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]، وقوله: ﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4]، ودل على نقص الإيمان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فيخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة"، متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه؛ فجعله متفاضلاً؛ يزيد وينقص.


ولا ينفع قول إلا بعمل: فلا بد أن يصدق العمل القول، دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾ [آل عمران: 167].


ولا عمل وقول إلا بنية: فلا يقبل القول والعمل إلا بنية قلبية صحيحة مخلصة لله تعالى، دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [المائدة: 41]، وحديث عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى"، متفق عليه، وعند النسائي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه:"إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه".


ولا قول وعمل ونية إلا بسنة: والشرط الثاني لقبول العمل اتباع السنة، دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، ودل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه في الثلاثة نفر الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم: "قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبدًا، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال:" أنتم القوم الذين قلتم كذا كذا؛ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني"، رواه البخاري - واللفظ له- ومسلم.


3 - والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم: الأصحاب جمع صاحب، والصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، ذكره الحافظ رحمه الله في الإصابة وفي النزهة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم: سواء في ذلك قليل الصحبة وكثيرها، فيجب تولي الصحابة والترضي عليهم جميعاً، وذكر محاسنهم والترحم عليهم والكف عما شجر بينهم، وحب وتولي آل البيت المتبعين للسنة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومعاوية رضي الله عنهم جميعًا، ومن أدلة ذلك:

فإن الله عز وجل قال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10]، فلم يؤمر إلا بالاستغفار لهم: فثبت للصحابة الكرام - من مهاجرين وأنصار - حق استغفار من بعدهم لهم، والشهادة لهم بسابقة الإيمان، وقد جاء في فضائلهم أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، وقوله تعالى: ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10]، وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني"، وقد نقل ابن عبد البر في مقدمة الاستيعاب إجماع أهل العلم على أن الصحابة كلهم عدول.


فمن سبهم أو تنقصهم أو أحداً منهم فليس على السنة: لأنه مكذب للنصوص المتكاثرة بل المتواترة في فضائلهم، ومرتكب لما نهانا عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"؛ كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد فهذه لهم خاصة، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"؛ وهذه عامة؛ وهم أولى بها، وقد أخرج أبو نعيم عن الإمام مالك رحمه الله قوله: من أصبح في قلبه غيظٌ على أحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية؛ يريد ﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29] [13] وقال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق.[14]

 

وليس له في الفيء حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال: " قسم الله تعالى الفيء فقال: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ [الحشر: 8]، ثم قال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ﴾ [الحشر: 10]، فمن لم يقل هذا لهم فليس ممن جعل له الفيء": أخرجه اللالكائي في اعتقاد أهل السُنَّة/ 2400 بسند صحيح عن الإمام مالك، بلفظ: من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمفليس له في الفيء حق، يقول الله عز وجل: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الحشر: 8] الآية، هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه، ثم قال: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ ﴾ [الحشر: 9] الآية، هؤلاء الأنصار، ثم قال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10]؛ فالفيء لهؤلاء الثلاثة، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس من هؤلاء الثلاثة، و لا حق له في الفيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 2/ 20: وهذا معروف عن مالك وغير مالك من أهل العلم؛ كأبي عُبيد القاسم بن سلام.


4 - والقرآن كلام الله: القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق؛ منه بدأ وإليه يعود، والدليل قوله تعالى ﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، وقوله: ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ [الطلاق: 5]، ونقل الإمام الحميدي رحمه الله قال:

سمعت سفيان [ بن عيينة ] يقول لي:" القرآن كلام الله، ومن قال: مخلوق فهو مبتدع، لم نسمع أحدًا يقول هذا": أخرجه الآجري في الشريعة/ 117 واللالكائي رقم1745، وروى الدارمي بسند صحيح عن سفيان بن عيينة قال: قال عمرو بن دينار: أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون: الله خالق وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود، ونقله اللالكائي عن خمس وخمسين عالمًا [15].


• وسمعت سفيان يقول: "الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص"، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة:" يا أبا محمد، لا تقول ينقص"، فغضب، وقال:" اسكت يا صبي، بل حتى لا يبقى منه شيء ": جاءت نصوص القرآن الكريم في إثبات الزيادة، وأدلة زيادة الإيمان تدل أيضًا على حصول النقص، وكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بقوله:" ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن "، رواه مسلم، قال الإمام البخاري: لقيتُ أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص[16].


الجوانب المسلكية لهذا المعتقد:

(1) معرفة أن الإيمان يزيد وينقص؛ يدعو العبد إلى زيادة إيمانه بفعل الطاعات والمداومة عليها، وترك المعاصي والموبقات والحذر منها، مع حرصه على تحقيق الإخلاص لله والمتابعة لرسوله في جميع أعماله وأقواله.


(2) تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديهم، وبغض أهل البدع الذين يتنقصونهم وتحذير الناس من شرهم.


(3) تعظيم القرآن الكريم، والتقرب إلى الله بتلاوته والعمل به؛ فلن يتقرب العبد إلى الله بأعظم مما خرج منه.

 

الدرس الثالث

ذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الرؤية والصفات

5 - والإقرار بالرؤية بعد الموت: من أصول أهل السنة والجماعة أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة؛ كما يرون الشمس صحواً ليس بها سحاب؛ كما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه، وكما يرون القمر ليلة البدر؛ كما جاء في الصحيحين عن جرير البجلي رضي الله عنه، ومن أدلة ذلك: قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، وقوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم"، متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن تروا ربكم حتى تمـوتوا"، رواه أحمد وأبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.


6 - وما نطق به القرآن والحديث: ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من صفات الله تعالى في كتابه وسنة رسوله، قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لا يُتجاوز القرآن والحديث.[17]

 

مثل: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [المائدة: 64]، ومثل: ﴿ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]: فأهل السنة والجماعة يصفون الله تعالى بالصفات المعنوية؛ كالعلم والقدرة، وبالصفات الخبرية؛ كذلك كاليدين واليمين، كما جاء في النصوص؛ كقوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: 64]، وقوله: ﴿ قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يديه يمين"، رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.


وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره: أي لا نفسره بغير ظاهره المتبادر منه، بل نؤمن به على ظاهره من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، قال الإمام الشافعي رحمه الله:" آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله "، وقال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره.[18]

 

نقف على ما وقف عليه القرآن والسنة: لأن باب الأسماء والصفات من الأبواب التوقيفية؛ فيوقف على أمر الله ورسوله، وهذا هو أمر الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، قال البخاري رحمه الله: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي رحمه الله فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: ما تقول أنت؟! فقال: سبحان الله! تراني في كنيسة! تراني في بيعة! تراني على وسطي زنار؟! أقول لك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول: ما تقول أنت؟! قال الحميدي: والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الأتراك،[19] ونظائر ذلك في كلام السلف كثير.


ونقول: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]: ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله تعالى عالٍ على خلقه فوق سماواته مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله، ومن أدلة ذلك: قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للجارية لما سألها:"أين الله"، قالت: في السماء، قال:"ومن أنا؟"، قالت: رسول الله، قال:"أعتقها؛ فإنها مؤمنة"، رواه مسلم، قال الأوزاعي رحمه الله كما في الأسماء والصفات للبيهقي:" كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته" [20].


ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي : المعطل هو المنكر لصفات الله كلها أو بعضها؛ كإنكار الصفات المعنوية أو الخبرية أو الفعلية، وإنكار الصفات عقيدة الجهمية؛ أتباع جهم بن صفوان، وقد روى عبد الله بن أحمد عن يزيد بن هارون أنه سئل عن الجهمية؟ قال: من زعم أن ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] على خلاف ما يقر ذلك في قلوب العامة فهو جهمي". [21]

 

الجوانب المسلكية لهذا المعتقد:

(1) أن يقصد العبد بجميع أعماله ابتغاء وجه الله، والسعي لطلب الجنة وأعظم نعيم فيها.

(2) التمسك بأصول أهل السنة والجماعة في الفهم والاستدلال على مسائل الأسماء والصفات، والحذر من مسلك الجهمية.

(3) أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يدفع العبد إلى عبودية الله بمقتضى هذه الأسماء والصفات؛ فصفة العلم تدعو العبد إلى مراقبة الله، وصفة الحكمة تدعوه للرضا بأقداره وشرعه، وصفة الرحمة تدعوه لطلب التوبة، وصفة العزة تدعوه لخوف عذابه وشدة انتقامه.


الدرس الرابع:

ذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في فاعل الكبيرة وتارك الأركان الخمس

7 - وأن لا نقول كما قالت الخوارج : الخوارج فرقة من الفرق الخارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة، قال ابن المبارك رحمه الله: أصول البدع أربع: الشيعة والخوارج والمرجئة والقدرية، فقيل له: فالجهمية؟ فقال: ليست الجهمية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والبدعة التي يُعد الرجل بها من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة،[22] ومن أقوالهم القبيحة:

من أصاب كبيرة فقد كفر: عرّف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الكبيرة بأنها: كل ما ترتبت عليه عقوبة خاصة،[23] كحدٍ في الدنيا أو وعيدٍ في الآخرة، مثل الزنا والربا، وقد زعمت الخوارج أن صاحب الكبيرة كافر في الدنيا، حلال الدم يُقتل، ولا يصلى عليه إن مات، خالد مخلد في النار يوم القيامة، وعذابه في الآخرة كعذاب الكافرين، وأما أهل السنة والجماعة فيعتقدون أن صاحب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وهو مؤمن ناقص الإيمان؛ لأن الإيمان يتجزأ ويتفاضل؛ كما سبق.

 

ولا تكفير بشيء من الذنوب: أي فلا نكفر بذنب وكبيرة ومعصية ليست من المكفرات التي تخرج من الملة؛ كما يزعم الخوارج الذين يكفرون بالكبائر العملية؛ ومن أدلة ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ﴾ [النساء: 93]، فحكم على القاتل بالخلود في النار والغضب واللعنة، وقال في آية أخرى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، والقاتل داخل في هذا الخطاب، ثم قال: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178]، فسماه أخًا وناداه باسم الإيمان، وقال: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [الحجرات: 9، 10]، فسماهم مؤمنين وإخوة لنا؛ فتبين أن وصف القتل - وهو من السبع الموبقات - لا ينفي اسم الإيمان.

 

وإنما الكفر في ترك الخمس التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت " : فمن ترك النطق بالشهادتين مع القدرة فهو كافر بلا خلاف، ومن جحد وجوب واحدٍ من هذه الأركان بعد بلوغ الحجة فهو كافر بلا خلاف أيضًا، وأما من تركها ترك عمل مع علمه بوجوبها، ففي كفره أقوال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب؛ فإنما نريد به المعاصي؛ كالزنا والشرب، وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور، مجموع الفتاوى 7/ 302، وقال رحمه الله: وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئًا من هذه الأركان الأربعة؛ ففي التكفير أقوال للعلماء - هي روايات عن أحمد-، أحدها: أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج، وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء، فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف، وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر، والثاني: أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب؛ وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره، والثالث: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهى الرواية الثالثة عن أحمد، وقول كثير من السلف، وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وطائفة من أصحاب أحمد، والرابع: يكفر بتركها وترك الزكاة فقط، والخامس بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها، دون ترك الصيام والحج، من مجموع الفتاوى 7/ 610.


• فأما ثلاثٌ منها فلا يناظر تاركه: من لم يتشهد، ولم يصل، ولم يصم؛ لأنه لا يؤخر شيء من هذا عن وقته، ولا يجزئ من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته: من ترك شيئًا من الصلاة أو الصيام عمدًا بلا تأويل حتى خرج وقته المؤقت لم يجز له قضاؤها، وهذا اختيار ابن حزم وغيره، وعللوا ذلك بأنه واجب فات بفوات وقته، واختار الأئمة الأربعة جواز القضاء، وأن الأمر ما زال متعلقًا بذمته ولو خرج الوقت.


فأما الزكاة فمتى ما أداها أجزأت عنه وكان آثماً في الحبس: من أخرّ إخراج الزكاة أثم بالتأخير، ويجزيء عنه الإخراج بعد ذلك؛ لأنه حق للمساكين لا بد من إيصاله إليهم.


وأما الحج فمن وجب عليه، ووجد السبيل إليه وجب عليه: شروط وجوب الحج: الإسلام والتكليف والاستطاعة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وتتوفر الاستطاعة بقدرته على الحج بماله وبدنه وأمنه في الطريق.


ولا يجب عليه في عامه ذلك حتى لا يكون له منه بد: أي أن وجوب الحج على التراخي؛ فلا يجب عليه إلا إذا ضاق وقت الأداء في حقه، وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن من الحنفية، واستدلوا على ذلك بأن مكة فتحت في السنة الثامنة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة؛ فدل على جواز التأخير، وذهب الجمهور إلى أن وجوب الحج على الفور لمن استطاع، وأجابوا عن دليل القائلين بالتراخي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر مع قدرته على الحج، وإنما أرسل في السنة التاسعة أبا بكر رضي الله عنه ينادي في الناس ألا يحج البيت مشرك ولا عريان؛ ليتسنى له الحج مع خلو البيت من أهل الشرك في السنة العاشرة.


متى أداه كان مؤدياً ولم يكن آثماً في تأخيره إذا أداه؛ كما كان آثماً في الزكاة؛ لأن الزكاة حق لمسلمين مساكين حبسه عليهم، حتى وصل إليهم، وأما الحج، فكان فيما بينه وبين ربه، إذا أداه فقد أدى: هذا الفارق بين وجوب الزكاة ووجوب الحج؛ فوجوب الحج حق لله على التراخي، وأما الزكاة فحق للمساكين على الفور؛ يأثم بتأخيره.


وإن هو مات وهو واجد مستطيع ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج: قال محقق الرسالة الشيخ عبد الله الجديع: [ورد هذا المعنى في حديث لا يصح، أخرجه عبد بن حميد (رقم 693) في المنتخب، وعند الترمذي في جامعه عقب برقم (3313)، وابن جرير في تفسيره (28/ 118)، والطبراني في الكبير (12/ 114-115)، وابن عدي في الكامل (7/ 2670)، من طريق أبي جناب الكلبي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده مال يبلغه الحج، أو عنده مال تجب فيه الزكاة، فلم يزكه، سأل الرجعـة عند الموت"، قالوا: يا ابن عباس، إنما كنا نرى هذا للكافر، قال: أنا أقرأ عليكم بذلك قـرآناً، ثم قرأ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: 9] حتى بلغ ﴿ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، واللفظ لعبد بن حميد، قلت: وإسناده ضعيف، لثلاث علل: الأولى: أبو جناب هذا - وهو يحيى بن أبي حية - ضعيف الحديث، ليس بالقوي، وكان قبيح التدليس، والثانية: الضحاك لم يسمع من ابن عباس، والثالثة: اختلف فيه على أبي جَنَاب رفعاً ووقفاً؛ فرواه الثوري وعمر وعلي عنه مرفوعاً، ورواه جعفر بن عون - كما أخرجه الترمذي (رقم 3313)، وسفيان بن عيينة - كما ذكره الترمذي أيضاً عنه موقوفاً، قلت: فإذا ضممت إلى هذه الثلاث تدليس أبي جَنَاب أتممت أربعاً].


ويجب لأهله أن يحجوا عنه، ونرجو أن يكون ذلك مؤدياً عنه: فيُخرج وجوبًا من تركته للحج عنه - سواء أوصى أم لم يوصِ - أو يتطوع أحدهم في الحج عنه؛ لأنه حق لله تجوز فيه النيابة، وهو قول الشافعية والحنابلة، ودليل جواز ذلك:

كما لو كان عليه دين فقُضي عنه بعد موته: فيجب قضاء الحج بعد الموت عن المستطيع الواجد إذا لم يؤده قياسًا على وجوب قضاء ديون العباد بعد الموت؛ كما روى الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟"، قال: نعم، قال:" فاقضِ دين الله؛ فهو أحق بالقضاء".


الجوانب المسلكية لهذا المعتقد:

(1) الحذر من مسلك الخوارج وعقائدهم.

(2) الحذر من الوقوع في كبائر الذنوب، ودعوة مرتكبيها للتوبة والاستغفار.

(3) أن يعظم العبد جانب أركان الإسلام الخمسة، ويقدمها على غيرها تعلمًا وتعليمًا وعملاً ودعوةً.

 

[تمت الرسالة، والحمد لله رب العالمين]



[1] في النسخة التي حققها مشعل الحدادي، دار ابن الأثير، الطبعة الأولى 1418 هـ: قضاء بدلاً من فضل.

[2] في النسخة التي حققها الحدادي: ولا عمل قول إلا بنية.

[3] في النسخة التي حققها عبد الله الجديع: ولا قول وعمل بنية إلا بسنة.

[4] قال الجديع: في الأصل: (يؤمن) وهو تصحيف، وكذا أشار الأعظمي إلى تصويبه.

[5] في نسخة الجديع: فمن يسبهم أو ينقصهم.

[6] في نسخة الجديع: فليس ممن له الفيء.

[7] في نسخة الحدادي لم يذكر: لي.

[8] في نسخة الحدادي: لأنه يؤخر شئ من هذا عن وقته.

[9] ما بين القوسين ساقطة من نسخة الحدادي.

[10] في نسخة الجديع: ويرجو.

[11] له ترجمة في تاريخ بغداد 7/ 86، وتذكرة الحفاظ 2/ 611.

[12] انظر ترجمته سير أعلام النبلاء 9/ 262، وتهذيب التهذيب 5/ 189.

[13] الحلية 6/ 327.

[14] الكفاية للخطيب / 67 وراجع الصارم المسلول / 580.

[15] برقم 493، وانظر الرد على الجهمية ضمن عقائد السلف / 340، والرد على المريسي / 116، وصريح السنة / 19.

[16] فتح الباري 1/ 47، وبنحوه شرح السنة للبغوي 1/ 38 والتمهيد 9/ 238 وشرح مسلم 1/ 146.

[17] المسائل المروية عن الإمام أحمد 1/ 277ـ 278.

[18] طبقات الحنابلة 1/ 242.

[19] أخرجه عنه أبو الفضل بن المقريء في أحاديث في ذم الكلام وأهله 2/ 71.

[20] صحح إسناده شيخ الإسلام في الحموية ضمن الفتاوى 5/ 39، والحافظ في الفتح 13/ 406.

[21] السنة 1/ 123.

[22] مجموع الفتاوى 35 / 414 و20/ 164 والاستقامة 1/ 254.

[23] مجموع الفتاوى 8 / 650 - 655.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فوائد من شرح أصول السنة للشيخ سعد بن ناصر الشثري

مختارات من الشبكة

  • شرح أصول السنة للإمام الحميدي (5)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح أصول السنة للإمام الحميدي (4)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح أصول السنة للإمام الحميدي (3)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح أصول السنة للإمام الحميدي (2)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح أصول السنة للإمام الحميدي (1)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل(محاضرة - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • حصول المنة بشرح أصول السنة للإمام أحمد (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • شرح الورقات في أصول الفقه للإمام الجويني (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الورقات في أصول الفقه للإمام الجويني (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الورقات في أصول الفقه للإمام الجويني (5)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب