• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / خطب منبرية
علامة باركود

خطبة: أحكام الصدقة الفقهية

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/7/2016 ميلادي - 28/9/1437 هجري

الزيارات: 28808

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: أحكام الصدقة الفقهية


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أيها المسلمون عباد الله، إن خير الحديث كلام الله، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، دعانا الله تعالى للصدقة وحثنا سبحانه وتعالى على الإنفاق في سبل الخيرات وطرق المبرّات، وكم كانت أحاديثنا مع أحاديث القرآن، ومع أحاديث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في خطب ماضية في الحث على الصدقة، في الدعوة إلى النفقة؛ كما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعوداً على خطبنا الفقهية يا عباد الله، "ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، فمنابر الجمعة منابر وعظ وتعليم، وبيان مواقف، وتثبيت على الأصول والأسس التي جاء بها هذا الدين العظيم، حديثي وإياكم في هذه الخطبة عن شيء من فقه الصدقة، أحكام نحتاجها كثيراً، ويتساءل عنها الكثير، والموفّق يا عباد الله من وفّقه الله تبارك وتعالى.

 

إن من أحكام الصدقة يا عباد الله، أن يحرص المتصدّق على إصلاح نيّته، فإن القلب موطن نظر الله سبحانه، هو القائل عز وجل: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]، فإصلاح النية من أعظم حقوق الصدقة يا عباد الله، فرُبّ صدقة عظيمة ما قبِلها الله؛ لأنها خرجت مخرج الرياء والسمعة، سمّع الله بمتصدّق أراد أن يسمّع الناس بصدقته، ورآءى الله بمتصدق أراد أن يرائي الناس بنفقته، وقام ثلاثة بين يدي الله، فكانوا أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة، ورجل منهم تصدّق ليُقال جواد، وقد قيل، فأمر الله به فسُحب على وجهه، فأُلقي في النار، نعوذ بالله من حر جهنم، إن من أهم أحكام الصدقة يا عباد الله، أن يُخلص بها لوجه الله تبارك وتعالى، فلا تُبطل بالمنّ والأذى، يتصدق الإنسان وهو لا يطلب من أحد جزاءً ولا شكورا، يُنفق وهو لا يريد من أحد مكافأة، إذا صحّت القلوب - يا عباد الله - وجدت الإنسان لا يُريد أبداً بصدقته إلا وجه ربه سبحانه، لا يريد بصدقته إلا وجه الله سبحانه وتعالى، واسمعوا لهذه القصة الجميلة إنها أم المؤمنين عائشة الصدّيقة رضي الله تعالى عنها تصّدقت بصدقة، وهدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن من صنع لك معروفاً تُكافئه على معروفه، فإن لم تجد ما تُكافئه فإنك تدعو له مكافأةً له على معروفه، وعائشة رضي الله تعالى عنها تُريد أجراً بلا مكافأة، وصدقة بلا مقابل إلا من الله رب العالمين، أرسلت الصدقة مع جاريتها، وقالت: اذهبي إلى أيتام آل فلان فتصدّقي بها عليهم، ثم امكثي عند الباب، لماذا يا أم المؤمنين؟ انظر إلى من يسعى بصدقته لوجه الله عز وجل لا يريد جزاءً ولا شكورا، ثم امكثي عند الباب، فاسمعي ماذا يدعو لنا أهل الصدقة؟ بأي شيء يُكافئوننا مقابل الصدقة؟ بالدعاء فندعو لهم مثل ما دعوا لنا، ويكون أجرنا خالصاً عند الله سبحانه وتعالى بلا مكافأة من أحد من البشر، هذه قلوب لا تريد إلا وجه الله علّام الغيوب سبحانه؟

 

إن أعظم الصدقة يا عباد الله، صدقة السر كلما أخفيتها عن شمالك كلما كان أعظم في أجرك، وأما صدقة الجهر فتجوز إذا كان قصد المسلم منها أن يشجع غيره لها، وإلا فربنا يقول: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 271].

 

إن من أحكام الصدقة يا عباد الله، أن يتحرى المسلم الحلال في صدقته، إذا تصدّقت فابحث عن حر مالك، عن أحلّه، عن أبعده من الشبهة، "إن الله تعالى طيّب لا يقبل إلا طيّباً"، أطيب ما تجد من مال اجعله قرضاً لله رب العالمين، ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، ويتساءل بعض الناس عن الصدقة من أموال دخلت عليهم من كسب حرام، أو من فوائد ربويّة ماذا يصنع فيها؟ الجواب: يجب عليهم أن يتخلّصوا منها، ويجعلوها في شيء من سبل الخيرات، لكن لاينووا بهذا الصدقة، إنما ينووا بهذا التوبة إلى الله عز وجل، والتخلص من هذا الكسب السحت الذي عاقبته في الدنيا قبل الآخرة، وماذا تفعل - يا عبد الله - لو كان عندك مال لا تدري أين ذهب صاحبه؟، تركت عندك أمانة، أو استقرضت منه قرضاً، ثم لا تدري أين ذهب هذا الرجل؟ أيجوز لك أن تتصدّق بهذا المال؟ الجواب: نعم، وهذا خير للذي لم تعلم به، تصدّق بنية أن الأجر له، والله يجعلك إن شاء الله شريكاً له في الأجر.

 

إن من أحكام الصدقة - يا عباد الله - أن يتحرى المسلم أجود ما يجد من الصدقة: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، فما هو الأجود في الصدقة؟ هل هو الأنفع للفقير أو هو الأحب للنفس؟؛ اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى، منهم من قال: أجود الصدقة أنفعها للفقير، فانظر أنفع شيء للفقير وتصدّق به، ومنهم من قال: بل أجود الصدقة أحبها لنفسك، وغالباً لا يحب الإنسان لنفسه إلا الخير، وهذا الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى ضرب سائل عليه الباب، يسأله الصدقة، فقال رحمه الله: أطعموه سكّراً، قالوا: لو أطعمناه خبزاً كان أنفع له، فقال وهو يعالج نفسه في طاعة، قال: لكني أُحب السكّر أكثر، إن النفوس يا عباد الله يجب عليها أن تسلك المسالك التي يحبها الله سبحانه، وأحياناً يريد المسلم بصدقته نفعها للفقير، وأحياناً يريد بها تطهير نفسه، وكلٌ خير، لكن المهم أن تتصدق بأجود ما تستطيع من الخير، جاء أحد الصحابة رضي الله عنهم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أي الصدقة أفضل، بماذا نتصدّق؟، يسألون النبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول إني إستفدت مالاً نفيساً، فمرني ماذا أفعل به؟، يا رسول الله إن أحب مالي إلي بيرُحاء، فمرني ماذا أصنع به؟ كانوا هكذا يفعلون، يسألون ويتحرّون أين يضعون الصدقة، جاء رجل لأحد العلماء من سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى قال: جئت أسألك، قال: ما تسأل؟ قال: لدي مال وأردت الحج، وجئت أسألك، فقال: أوَقد حججت الفرض؟ قال: نعم؛ قال: أوَ قد جئت تريد الأجر؟ قال: نعم؛ قال: فإني أنصحك أن تعمد لهذا المال الذي أردت به الحج، فتُطعم به مائة أهل بيت، فهذا خير لك، خيرٌ من حج النفل، فتردد الرجل، وقال: لكني أرى أن الأحب لقلبي أن أحج، فالتفت هذا العالم الجليل إلى جلسائه، وقال كلمة يا عباد الله، نحن بحاجة إلى فقهها، تدرون ماذا قال؟؛ قال لجلسائه: إن هذا المال إذا خرج وتعلّقت به أوساخ الدنيا، ولم يخلص من الحلال أبت النفس إلا أن يكون لها فيه حظ، وأيّ حظ وهو يريد الحج، نعم لها خظ، وإلا لماذا قدّم العمل المفضول على العمل الفاضل؟ أليس يريد الأجر؟ أليس يبحث عما هو أعظم وأكرم وأجل؟

 

إن فقه الصدقة يحتاج إلى علم يا عباد الله، والصدقة لها أولويات، فلو أنك تصدّقت على قرابتك لكان لك أجر الصلة وأجر الصدقة، ولو أنك وضعت الصدقة في أهل صلاح فقراء، لكنهم أهل دين واستقامة خيرٌ وأحب من أن تضعها في غيرهم من الفقراء، ولو أنك جعلت صدقتك صدقة جارية يُكتب ويستمر أجرها لك حتى بعد موتك لكانت أعظم، فلينظر كل منا أين يضع صدقته يا عباد الله، فإن المال هو المال لكن الأجر ليس كالأجر.

 

وليست الصدقة - أخي الكريم - بكثرة المال، نعم أحياناً تفضل الصدقة إذا كانت أكبر قدراً، لكن أحياناً تفضل؛ لأنها أعظم إخلاصاً، وأحياناً؛ لأنها وُضعت في مكانها الصحيح، وأحياناً لأنها كانت من مال حلال، ولو كانت صدقة قليلة، أيّ الصدقة أفضل يا رسول الله؟ قال: "جهد المقل"، يعني صدقة الفقير فقير يحتاج للمال، لكنه يتصدّق، هذه التي يُضاعفها الله سبحانه وتعالى أضعافاً كثيرة، وهل يجوز للفقير أن يتصدق؟ نعم يتصدق ويُنفق ما استطاع، بل ويجوز له أن يتصدق من صدقة تُصدّق بها عليه، تُصدّق عليه بصدقة فإن رأى أنه لا يحتاج بعضاً منها، فله أن يتصدّق بها، وهي صدقة عند الله عظيمة، والرجل الذي جاء يُكفِّر لما جامع في رمضان، وهو فقير أعطاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصدقة وقال: تصدق بهذا، بل واسمعوا لهذا الحديث العظيم يقول محمد عليه الصلاة والسلام: "سبق درهم مائة ألف درهم"، هذا رجل تصدّق بدرهم، وهذا رجل تصدّق بمائة ألف درهم، وهذا أجره عند الله أعظم، قالوا: كيف يا رسول الله، ولها صور كثيرة قد يكون الإخلاص، قد يكون المال الحلال، قد يكون الموضع المناسب، لكنّ نبينا عليه الصلاة والسلام بيّن صورة أخرى: "سبق درهم مائة ألف درهم"، قالوا: كيف يا رسول؟ قال: "رجل عنده درهمان فتصدّق بأحدهما"، ما معه إلا رأس ماله، درهمان فتصدّق بدرهم تصدّق بنصف ثروته، "ورجل له مال كثير فتصدّق من عرض المال بمائة ألف درهم"، الأول تصدّق بدرهم لكن لا تحسبها بالقدر، احسبها بالنسبة، تصدّق بنصف ماله لله رب العالمين، والآخر مائة ألف، لكنها ما تساوي إلا أن تكون عرضاً من طرف ماله، المسألة مسألة نِسب، عمر رضي الله عنه جاء بنصف ماله، أبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كلّه، كم كان مال أبي بكر؟ كم كان نصف مال عمر؟ ما ندري لكن أُخبرنا بالنسبة، ولم نُخبر بالقدر، وهل يجوز للإنسان أن يتصدّق بماله كلّه؟ الجواب: لا يجوز أن يتصدّق بماله كلّه، ويترك أبناءه عالة يتكففون الناس، إلا إذا كان رجلاً له صبر وتحمّل وقدرة على أن يتحمّل ذلك، وأن يبدأ ويكوّن نفسه من جديد، فإذا كان الإنسان على مشارف الموت هل له أن يتصدّق بماله كلّه؟ الجواب: لا أيضاً؛ لأن المال ليس له، بل لورثته، إنما يجوز أن يتصدق بثلث المال، والثلث كثير لو أنقص إلى الربع لكان أحب، ولو أوصى فقط بالخمس مثل ما فعل أبو بكر الصديق لكان خيرًا.

 

أيها المؤمنون - عباد الله - إن من أحكام الصدقة أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة لو أنك تصدّقت على إنسان بصدقة ثم أردت أن تأخذها منه لا يحق لك ذلك، تصدقت عليه بشاة ثم أردت أن تستردّها من جديد، لا يحق لك ذلك، بل حتى لو أردت أن تستردها بشراء، يقول عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه: حملت على فرسٍ في سبيل الله، فأضاعها الذي عنده، ومعنى الكلام يقول: تصدقت بخيل في سبيل الله الذي أخذ هذه الخيل أهملها وما أطعمها حتى هزلت وضعفت، قال: فأردت أن أشتريها منه، أشفق على هذه الخيل وهذه الفرس فأراد أن يشتريها لأجل أن يغذّيها وينمّيها، فذهبت أسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو تصدّق بها والآن سيعيدها، لكن بشراء، هل يجوز؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، إن العائد من صدقته كالكلب يقي ثم يعود في قيّه"، إذاً لا يجوز الرجوع في الصدقة ولو أنك ستشتريها فإذا تصدقت على إنسان فلا تسترد منه شيئاً، لكن إذا جاءتك هدية مثلاً تصدقت عليه بشاة حلوب فأهدى لك شيئاً من اللبن، لا حرج في ذلك، هي له صدقة، ولك أنت هديّة، هل يجوز للمسلم أن يشتري صدقة غيره؛ رجل تصدق عليه بصدقة الفطر، وكثرت عندك فخرج يبيعها للناس، هل يجوز أن تشتري صدقة غيرك؟ الجواب: لا حرج في ذلك، عباد الله، أسأل الله تعالى أن يفقهني وإياكم في الدين، قلت ما سمعتم، واستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر لله على توفيقه وامتنانه، أحمده ربي تعظيماً لشأنه، وأُصلي على محمد الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى فقال: يا إمام، إني أكره الموت، فقال: لأنك أخرت مالك، لو أنك قدّمت مالك لاشتقت أن تلحق به، قيل لأحد السلف: لماذا تُكثر من الصدقة؟ فقال رحمه الله كلمة نسيناها يا عباد الله، قال: لو أن رجلاً انتقل من دارٍ إلى دارٍ أخرى، هل يترك من متاعه في الدار الأولى شيء؟ رجل انتقل، ذهب من هذه الدار إلى الدار الأخرى، هل يترك يا عباد الله من متاعه في داره الأولى شيء، قالوا: لا يحمله كلّه معه، قال: وكذلك أنا انتقل من دار إلى دار، فأحمل متاعي كلّه معي.

 

إن من أحكام الصدقة - يا عباد الله -، ومما يسأل عنه كثير من الناس جواز صدقة المرأة من مال زوجها، هي أمينة ومؤتمنة على المال، فهل يجوز لها أن تتصدق بشيء من هذا المال؟ تتصدق بخبز، تتصدق بشيء من الطعام، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها من غير مفسدة كان لها مثل أجر ما أنفقت، وله مثل أجر ما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص ذلك من أجور بعضهم شيئاً"، إذاً لها الأجر بشرط أن يأذن لها إذناً خاصاً أو تعلم منه الإذن العام: أنه لا يبالي لو تصدقت ببعض الأشياء الخفيفة، أما إن علمت أنه ينهى عن ذلك، فلا يجوز لها أن تفعل، وهل للإنسان أن يتصدق على أولاده؟ لا شك أن أعظم ما تنفقه ما تنفقه على نفسك وعلى أهلك، لكن إياك أن تخصص بعض الأولاد بصدقة دون بعض، "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟"، إذاً اتق الله، واعدل بين أولادك، لا يجوز تفضيل بعضهم على بعض في العطيّة والصدقة على بعض، إلا في حاجة، لو كان ابنك هذا ذا عيال كثير، وحالته المادية ضعيفة، يجوز لك أن تعطيه ما لا تعطي الآخر؛ مراعاة لحاجته، لو أنه مريض يجوز أن تصرف عليه في العلاج ما لا تعطيه الآخر؛ مراعاة لحاجته، لو أنه أراد الزواج لك أن تعطيه من المال ما لا تعطيه غيره من الأبناء الذين لم يأت وقت زواجهم، هذه نفقة فتجوز، ولو تفاوتت، لأنها بحسب الحاجة، وأما الصدقة والعطية فيجب أن تكون على العدل بما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

أيها المؤمنون - عباد الله - إننا في عصر تطورت فيه الوسائل التكنولوجية، فهل تُقبل تلك الصدقات الإلكترونية؟ كم تأتينا رسائل عبر الجوالات: أرسل رسالة فارغة إلى الرقم كذا، وتصدق بمبلغ قدره كذا، هل هذه صدقة مقبولة؟ أم أنه لابد من إخراج الصدقة، يخرجها الإنسان بيمينه، ويُعطيها الفقير؟، الجواب: هي مقبولة يا عباد الله، وهي من الصدقات التي يحبها الله؛ لأنها خفيّة، وأعظِم بأجر صدقة السر.

 

عباد الله، إن بعض الناس نسمعهم يتساءلون إذا رأوا صناديق عند الأبواب تُجمع لبعض المحتاجين، أو لبعض إخواننا المستضعفين في بلاد المسلمين هل ستصل هذه الصدقة؟ أخي الكريم، إن لك ما أنفقت، أيّ نفقة تُنفقها يكتبها الله لك، وتحرَ الذين يوصلونها، ليعظم الأجر إن الصدقة لو وقعت في يد كافر لكُتب لك الأجر ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]، ولم يكن أسير ذاك اليوم إلا كافر، إن الصدقة تُكتب لك حتى لو أطعمتها إنسانًا فاسقًا، لكن إذا خفت أنه سيعبث بالصدقة، فلك أن تعطيها إياه بطريقة لا يستطيع أن يصرفها في معصية الله، هذا رجل قصّته عجيبة أخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال ذات يوم: لأتصدقن الليلة بصدقة، يعني صدقة كبيرة، لكن لا يريد أن يعلم بها أحد، فذهب وأخذ ماله ووضعه في بيت، وانطلق لا يريد أن يعلم به صاحب البيت، ولا يريد هو أن يعلم من هو صاحب البيت، فأخفاها تماماً، لكنّ الصدقة كانت كبيرة، لذلك تحدّث الناس في الصباح، فماذا قالوا؟ أخذ الناس يقولون البارحة تُصدّق على زانية يا الله هو لم يعلم البيت أرادها خفية فوقعت في بيت امرأة زانية فقال في نفسه وهو حريص على أن يعتق نفسه من النار لأتصدقن الليلة بصدقة ثانية، ثم انطلق فأخفاها، ألقاها في بيت، فأصبح الناس يتكلمون، قالوا: تُصدّق البارحة على غني، من هذا الرجل ترك الفقراء وذهب يتصدّق على الأغنياء؟ ترك الصالحين، وذهب يتصدّق على امرأة زانية، قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فذهب الثالثة، ووضع الصدقة فوقعت في يد سارق، فتحدّث الناس، فقال في نفسه: يا رب، على زانية وغني وسارق، فقيل له: إن الله تقبّل منك صدقتك، إنك تصدقت على زانية فلعلها أن تستعف بها من الحرام وتصدقت بها على غني فلعله أن يعتبر وتصدقت بها على سارق فلعله أن يستعف عن السرقة.

 

عباد الله، إن الله تعالى كريم فابتغوا الخير، واسلكوا مسالكه، وأخيراً من كان عليه دَين؛ هل له أن يتصدق أو يجب عليه أن يقضي دينه أولاً؟ أما إذا كانت الصدقة مالاً يسيراً، لا يؤثر عليه في سداد دَينه في وقته، فله أن يتصدق به، وأما إذا كان مالاً كثيراً يؤخر به السداد، فإن المسلم - يا عباد الله - معلّق بدينه، والواجب أولى من التطوّع.

 

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يفقهني وإياكم في الدين، وأن يوفقنا وإياكم للطاعة، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا يا رحمن يا رحيم، اللهم خذ بأيدينا للتقوى، اللهم ارزقنا من العمل ما تحب وترضى، اللهم ثبّتنا على العروة الوثقى، اللهم حرّم أجسادنا وأجساد والدينا على النار؛ فإن أجسادنا غداً على النار لا تقوى، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين، اللهم سدد إخواننا المجاهدين في سبيلك، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصدقة
  • في فضل الصدقة
  • فضل الصدق (خطبة)
  • المناظرات الفقهية بين فقهاء العراق: أبو إسحاق الشيرازي وأبو عبدالله الدامغاني نموذجا
  • خطبة: فضائل الصدقة والحث عليها في الشتاء
  • أفضل الصدقة
  • خطبة: فله بكل يوم مثليه صدقة

مختارات من الشبكة

  • الكسوف: أحكام وعبر وآيات مع ذكر الرواية الكاملة لصلاة وخطبة الكسوف (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • خطبة عيد الأضحى وبيان لفضل وأحكام أيام التشريق ومختصر أحكام الأضاحي(مقالة - ملفات خاصة)
  • من أحكام صيام رمضان وحكمه (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام الاعتكاف وليلة القدر وزكاة الفطر وما يتعلق بها من أحكام فقهية وعقدية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • أحكام الجنائز: مقدمات الموت - تغسيل الميت - تكفينه - دفنه - تعزية أهله - أحكام أخرى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أحكام الحج أحكام يوم التشريق(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة أحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قاعدة أحكام النساء على النصف من أحكام الرجال(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • خطبة فقهية عن أحكام الزكاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام ليلة النصف من شعبان العقدية والحديثية والفقهية (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب