الأقليات المسلمة.. صور غير خاصة!

الأقليات المسلمة..صور غير خاصة!

فجر يوم عيد الأضحى المبارك من العام المنصرم 1405هـ هاتَفَ أحدُ العرب المقيمين في أوروبا واحدًا من القائمين على المراكز الإسلامية هناك وذكر له - والأسى يبدو على نبرات صوته - أنه اكتشف ليلة البارحة أن ابنته البالغة من العمر أربعة عشر عامًا قد "تنصرت"، وسأل القائم على المركز عن الوسيلة التي يمكن من خلالها إقناع الفتاة في العودة إلى الإسلام بعد الردة، والقائم على المركز هذا يعد من المفكرين المسلمين ذوي الصيت الواسع في انتشاره، وما كان منه إلا أن خفف على الرجل مصيبته، ودعاه إلى جلسة طويلة خاصة يتناقشان فيها حول المشكلة، أو هكذا بدا لي من حديث الرجل، إلا أن الرجل جعل من هذه الحادثة موضوع خطبة العيد، وركز على التقصير الملحوظ في متابعة الوالدين أولادهم وتربيتهم في المنازل بعد أن تعذرت تربيتهم في المدارس، بل قُلْ: بعد أن سرت فيهم مظاهر عدم التربية في المدارس، وخف ارتيادهم للمساجد والمراكز.

هذا جانب واحد "ظاهر" من الجوانب العديدة التي ترتطم بها مجموعات كبيرة من "الأقليات" المسلمة في أوروبا وأمريكا والشرق عمومًا، بغض النظر عن كون هذه الأقليات عربية أو غير عربية، وهذا جانب تنبه إليه الوالد فلم يحتمله فبحث عن ذوي المعرفة وأهل الذكر سعيًا وراء "ترقيع" للمشكلة، وهناك حالات كثيرة تضيع معها أجيال من أبناء المسلمين بسبب ظروف تمر بأهلهم تجعلهم يغفلون في أبنائهم غرس مبادئ الخير والصلاح منذ طفولتهم، وهذه الجوانب اجتماعية وخلقية واقتصادية عديدة جدًّا، ربما صعب حصرها هنا، ولكن يأتي منها لجوء كثير من الشباب المسلمين الذين يبحثون عن إقامات طويلة في بلاد أوروبا وأمريكا إلى الزواج من نساء البلاد التي ينوون الإقامة فيها، ويأخذ هذا الأسلوب صورًا متعددة، منها الزواج الحق الذي يراد منه حياة مستمرة تجلب فيما تجلب الإقامة الدائمة، ولا يكون في نية صاحبها أكثر من هذا المسار الطبيعي للزواج، وتتعدد الصور إلى أن تصل إلى "استئجار" زوجة بمبلغ متفق عليه يقوم بعده الطرفان بالتسجيل بالجهات الرسمية فتحمل المرأة هناك اسم "زوجها" الجديد إلى أن يحصل هذا "الزوج" على الإقامة، عندها يتم الطلاق عن تراض بينهما، وقد وصلت هذه الصورة في بعض المواقف إلى أن المرأة لا تعرف الرجل، وأن الرجل لا يعرفها ولم يتقابلا حتى عند "كتب الكتاب"، بل قد حدث أن كانت الزوجة في أقصى الجنوب والزوج في الشمال وتم بينهما العقد إلى أن تحققت الغاية منه، وقد حدث أيضًا أن تزوج ذو العشرين عامًا ذات الخمسين والستين عامًا قصدًا إلى الغاية المذكورة، ولا مبالغة هنا البتة، على أن هناك صورًا عجيبة وقع فيها مجموعات من شباب المسلمين يدفعون فيما بعد ثمنها غاليًا من عواطفهم وأحاسيسهم ومشاعرهم، وتكون غصة في حياتهم لا تفارقهم حتى في المنام، ولو تبصروا أمور دينهم لأغناهم عن هذه المهاوي المهلكة.

ضياع الوالد والمولود!

ولعل من أنواع الثمن الغالي الذي يدفعه بعض الشباب المسلم عندما يبحثون عن الإقامة المستمرة بلجوئهم إلى الزواج: أن يثمر هذا الزواج عن طفل أو طفلين يعقبهما طلاق، فتحكم المحاكم هناك أن تكون رعاية الطفل لأمه، وعلى الوالد النفقة، فتنفرد الأم بأطفالها وتملي عليهم خلفيتها وتحرص على ذلك أكثر من غيرها، لا لشيء إلا لأن والدهم مسلم، وإن لم تكن هي من المتحمسات لدينها، وقد حصل في هذا الصدد أن أرسلت الأم صورة ابنتها لأبيها وهي في الكنيسة تصلي، قصدًا منها إلى إغاظة الأب والانتقام منه بطعنه في موقع حساس فيه يتصل بمعتقده ودينه، وأخرى افترقت عن زوجها وهي حامل وأنجبت طفلة منه ولم تسمح له - ولم يسمح له القانون - بأن يرى طفلته رغم أنه فرض عليه نفقتها ونفقة أمها، وذلك كله بحجة أن الأم أملت على المحكمة أن الأب ربما خطف البنت وهرب!

وإن لم ينصَّرِ الأطفال وكانت هذه الصور الفردية فإنهم - ولا شك - ضائعون، والذي تتاح له فرصة "التعمق" في زيارة تلكم المجتمعات ودراستها عن كثب يمكن أن يلاحظ ضياع مجموعة من شباب المسلمين ذوي الخلفية الواحدة، فكيف بأولئك الذين ينشؤون في ظل أسرة خلفياتها متفاوتة، وقام بينها صراع قوي أدى إلى الفراق الذي أدى بدوره إلى ضياع الأولاد ذكورًا كانوا أو إناثًا!

ولعله من الأفضل ألا يقال: إن هذه تصرفات شخصية يتحملها أصحابها ويكونون في واقع المسؤولية المنفردة وراء ما وصلت إليه ظروفهم؛ لأن هذه الصور لا تعدو أن تكون جزءًا من صور كثيرة تجمع معًا لتكون في مجموعها مشاكل (مشكلات) الأقليات المسلمة في أي مكان من العالم غير المسلم، ولنا دور واضح في النظر في هذه المشكلات مجتمعة ومنفردة والمحاولة الجادة في سبيل التدخل على مختلف المستويات لحلها، بل وربما القضاء عليها، وأساليب ذلك كثيرة جدًّا، منها ما تقوم به الهيئات والمنظمات والاتحادات الإسلامية لمواجهة الأخطار المشتركة للمسلمين في كل مكان، ومنها ما يقوم به أهل الخير في سبيل تهيئة أجواء دينية للمسلمين وأبنائهم هناك ببذل المال في سبيل تبني المشروعات الإسلامية من مساجد ومدارس وتهيئة أعمال للمسلمين وإتاحة فرص لهم ليس في بلاد المسلمين فحسب، بل في البلاد الأخرى، والمال العربي ومال المسلمين ليس عاجزًا اليوم عن تبني مثل هذه المشروعات، كما أن الخير وبذله لا يتوقف عند حدود مرسمة، وليس هناك قوانين رسمية محلية أو دولية تفرض قيودًا على أعمال الخير، سواء في بلاد المسلمين أو في البلاد الأخرى.

في أوروبا وأمريكا تجد جاليات مسلمة لا تستطيع تحمل أعباء المؤسسات التي تخدم مناهجها، كالمسجد والمدرسة والمكتبة، فتلجأ إلى استئجار الشقق/ مفروشة أو غير مفروشة! لتزاول فيها أنشطتها وسط مضايقات الجيران الذين قد يلاحظون حركة غير عادية في هذه الشقة أو تلك، فيلجؤون إلى سلطات الأمن لحمايتهم منها، ظنًّا منهم أنهم ربما لحقهم من هذه الشقة بعض من أذى، في وقت تَجِدُّ فيه وسائل الإعلام هناك على رسم صورة غير نقية عن العرب خاصة، وعن المسلمين عامة، وأذكر أنه في مدينة أمريكية كبيرة سبعة مساجد، كلها لا يرى فيها صورة المسجد، بل هي بيوت مستأجرة، تدفع أجرتها من تبرعات توضع في "صندوق" صغير ألصق في زاوية من زوايا المنزل، لا يكاد يُرَى!

وفي المؤتمر العالمي السادس للندوة العالمية للشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض في منتصف جمادى الأولى من هذا العام 1406هـ، ركز على بعض من هذه الجوانب التي تتعلق بالأقليات المسلمة في العالم، ومن توصيات المؤتمر متابعة أخبار الأقليات المسلمة، والتعرف على مشكلاتها، والتعريف بهذه المشكلات، وهذه بدورها سوف تضفي على هذه الجوانب شيئًا من التأكيد، هي في حاجة إليه، متضمنة إليه في ذلك مع رابطة العالم الإسلامي والهيئات والاتحادات والمنظمات الإسلامية الأخرى في سبيل المساهمة في إبراز هذه الجوانب للآخرين وإطلاعهم عليها، ومن ثم المساهمة - مساهمة مهما كانت متواضعة - في الوصول إلى حلول قريبة الأجل وطويلة المدى تضامنًا مع إخوة مسلمين، أجبرتهم ظروف كثيرة على البحث عن لقمة العيش في بيئات لم تفتح لهم صدرها، ولم يكونوا يتوقعون أن يقابلوا ما قابلوه بعد أن "تورطوا" في العيش هناك، فكان الله في عونهم، وكان الله في عون الجميع.

(الجزيرة: ع 49202، السبت 20/ 6/ 1406هـ).