خاتمة حول تفاعل المستشرقين مع الصحوة

خاتمة حول تفاعل المستشرقين مع الصحوة

الخلاصة والنتيجة:

1- شهد القرنان الأخيران في العالم الإسلامي حركات إصلاحية متفرقة جغرافيًّا، ونتج عن هذه الحركات الإصلاحية بروز ظاهرة التوجه إلى الدين، واصطلحت الأدبيات العربية على تسمية هذا التوجه إلى الدين بالصحوة الإسلامية.

2- أعانت الصحوة على نفسها فيما يتعلق بترك انطباعات غير حسنة عنها، ولا سيما في موقفها من الغرب الذي يسيطر على الساحة العالمية اليوم، وبخاصة مع انقشاع الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.

3- أدت نظرة الصحوة إلى الغرب بخاصة، وإلى الحياة الراهنة بعامة، بعلماء الأمة ومفكريها إلى السعي إلى ترشيدها وتوجيهها الوجهة المباركة؛ ولذا حفلت المكتبة العربية بالإنتاج العلمي عن الصحوة، وغلب على هذا الإنتاج التقويم العلمي الشرعي المتأني الوجل من سيطرة العاطفة والحماس الزائد.

4- لقد تفاعل المستشرقون مع الصحوة الإسلامية التي شاعت بين المسلمين في البلاد الإسلامية، وبين الأقليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية، وبين الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب بخاصة،وفضَّل المستشرقون إطلاق مصطلح الأصولية على هذه الصحوة،وظل هذا المصطلح مضطربًا إلى الآن.

5- وتفاعل غير المستشرقين مع هذه الصحوة من علماء الغرب وإعلامييه، بحيث اختلط الأمر على المتابعين، ولم يتمكنوا من التفريق الدقيق بين هذه الفئات الثلاث: المستشرقين، وعلماء الغرب، والإعلاميين الغربيين،وأدى هذا إلى أن يفقد الاستشراق قيمته التي كان عليها من قبل.

6- نتج عن هذا التفاعل إنتاج فكري غزير، بعضه عميق، وكثير منه سطحي وسريع، وقد اهتم به الغرب والمسلمون حتى أضحى مصدرًا من مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي المعاصر، وبخاصة منه ما يتعلق بالصحوة الإسلامية، ولا سيما الإنتاج الفكري الاستشراقي الأكثر علمية وعمقًا، وذلك عند من تمكنوا من التفريق بين الفئات الثلاث.

7- جاءت معظم الإسهامات الاستشراقية عن الصحوة بانطباعات غير طيبة، ما عدا حالات معدودة ومعلومة نادت بعدم التعميم في الأحكام، على الرغم من أنها ربما درست فئة من الفئات تنظيمية أو حزبية، أو درست إقليمًا من الأقاليم برزت فيه الصحوة واضحة، وأثرت في هذا الإقليم أو ذاك، وبدا أثرها من خلال بعض الممارسات التي لا تخفى على أي متابع.

8- تقدم المستشرقون وبعض علماء الغرب الذين درسوا الصحوة الإسلامية بجملة من النصائح للحكومات الغربية،وكان بعض هذا الإنتاج الفكري الذي تمخضت عنه هذه النصائح بتكليف من هذه الحكومات.

9- لم يذهب هذا الإنتاج الفكري هباء؛فلقد استعانت الحكومات الغربية بهذا الإنتاج الفكري للاستشراق في وضع السياسات والإستراتيجيات وتحديد المواقف من مجتمعات برزت فيها الصحوة،مما أدى إلى نظرة رسمية غير عادلة، وغير متكافئة مع هذه الصحوة، وربما نزعت هذه المواقف إلى التطرف في النظرة إليها، مما نتج عنه تطرف في النظر إلى الغرب، والتطرف يولد تطرفًا.

10- في ظل التطورات الحديثة في تقنية المعلومات يستمر الاستشراق في فقدانه للمكانة العلمية التي تبوأها منذ القدم، ولا سيما في تحليلاته للصحوة الإسلامية الأصولية؛ إذ سيلجأ المتابعون - ممن استخدموا الاستشراق قاعدة معلومات - إلى المعلومة الجاهزة والسريعة التي ستوفرها قواعد المعلومات الحديثة، وشبكات المعلومات الدولية، إلا إذا بادرت مراكز الدراسات الاستشراقية ومراكز دراسات الشرق الأوسط إلى إيجاد مواقع لها في هذه القواعد المتقدمة، الأمر الذي لا يبدو متحققًا في كل الأحوال؛ لأن الوقت الآن وقت السرعة المذهلة في الوصول إلى المعلومات.