الاختصاص الدولي (3)

فقه التقاضي

الحلقة الخامسة والثلاثون

الاختصاص الدولي (3)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعدُ:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وقد سبق الحديث بأنَّ الاختصاص الدولي في القضاء يحدّد الاختصاص في المنازَعات ذات العنصر الأجنبي، كما لو كان طرفا الخصومة أو أحدهما من غير مواطني البلد الذي فيه المحكمة، أو كانت الخصومة على عقار خارج البلد الذي فيه المحكمة، أو تراضى الطرفان على نظر الدعوى في بلد غير بلدهما.

ونقف اليوم في هذه الحلقة مع الاختصاص المحلي أو الإقليمي للمحاكم في البلد.

مستمعي الأفاضل:

أمَّا الاختِصاص المحلِّي أو الإقليمي للمحاكم في البلد، فيستمد من نظام الترافع في البلد فيما إذا كانت الخصومة ذات طابع محليٍّ، بأن يكون طرفا الخصومة من أهل البلد، والشيء المتنازع فيه داخل البلد أيضًا، فالاختصاص المحلِّي يبيِّن المحكمة المختصة بنظر الدعوى في البلد، فمثلًا يحدد نظام المرافعات الشرعية في المملكة العربية السعودية الاختصاص المحلي للمحاكم، فيبين اختصاص كل محكمة بما يخصها مِن الدعاوى، كما يبين المحكمة المختصة في هذه المدينة أو تلك، فمثلًا: لو أن لزيد دعوى على خالد في ثمن سيارة باعها إياه، فهل يقيمها في المحكمة العامة أم المحكمة الجزئية؟ وهل يقيمها في المحكمة الواقعة في جدة، أم في الرياض، أم غيرهما ونحو ذلك، وكل هذا يوضِّحه ويضبطه نظام المرافعات؛ تفعيلًا لمبدأ التخصُّص، ومراعاة الاختصاص الولائي.

وقد خُصص الفصل الثالث من الباب الأول من نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادرِ عام 1421هـ لبيان ما يتعلق بالاختصاص المحلي، وفيما يلي خلاصة لما يتعلَّق بالموضوع.

أولًا: جاء في المادة الرابعة والثلاثين ما نصه: (تقام الدعوى في المحكمة التي يقَع في نطاق اختصاصها محل إقامة المدعى عليه، فإن لم يكن له محل إقامة في المملكة، فيكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة المدعي.

وإذا تعدد المدعى عليهم، كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة الأكثرية، وفي حال التساوي، يكون المدعي بالخيار في إقامة الدعوى أمام أي محكمة يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة أحدهم.

وبينت اللائحة التنفيذية لهذه المادة أن محل الإقامة هو: المكان الذي يسكنه المدعى عليه على وجه الاعتياد؛ وفق ما نصت عليه المادة (10) من النظام، التي نصت على بيان محل الدعوى في بعض الصور، فبالنسبة للبدو الرحل، يعد محلَُّ إقامة الشخص المكان الذي يقطنه عند إقامة الدعوى، وبالنسبة للموقوفين والسجناء، يعد محل إقامة الشخص، المكانُ الموقوفُ أو المسجون فيه، وإذا كان المدعى عليه ناقص الأهلية، أو ناظر وقف، فالعبرة بمحل إقامة وليه، ومحلِّ إقامة ناظر الوقف، وأنه إذا كان المدعى عليه وكيلًا شرعيًّا، فالعبرة بمحل إقامة الأصيل.

كما بينت اللائحة التنفيذية للمادة الرابعة والثلاثين أنه إذا لم يكن للمدعي والمدعى عليه محل إقامة في المملكة، فللمدعي إقامة دعواه في إحدى محاكم المدن الرئيسة في المملكة.

وإذا كان للمدعى عليه سكنٌ في أكثرَ من بلد، فللمدعي إقامة الدعوى في إحدى هذه البلدان.

وأنه يمكن سماع دعوى المدعي على بعض المدعى عليهم إذا تعذر حضور البقية أو توكيلهم، ولا يسوغ التوقُّف عن سماع الدعوى حتى يحضر الجميع.

وأنه إذا اختلف سكن المدعى عليه ومقر عمله، فالعبرة بسكن المدعى عليه ما لم يكن مقيمًا أيام العمل في بلد عمله فتسمع الدعوى فيه.

كما بينت اللائحة التنفيذية للمادة الرابعة والثلاثين أنه يجوز سماع الدعوى داخل المملكة في غير بلد المدعى عليه في الأحوال الآتية:

أ- إذا تنازل المدعى عليه عن حقه صراحةً أو ضمنًا؛ كأن يجيب على دعوى المدعي بعد سماعها.

ب- إذا تراضى المتداعيان على إقامة دعواهما في بلد آخر، بشرط أن تكون الدعوى داخلة في الاختصاص النوعي للمحكمة، وألا تكون الدعوى متعلقة بعقار خارج المملكة.

ج- إذا وجد شرط بين الطرفين، سابق للدعوى، بأنه إذا حصلت بينهما خصومة فتقام الدعوى في بلد معين.

وفي فقرة (هـ): للزوجة في المسائل الزوجية الخيار في إقامة دعواها في بلدها أو بلد الزوج، وعلى القاضي إذا سمع الدعوى في بلد الزوجة استخلاف قاضي بلد الزوج للإجابة عن دعواها، فإذا توجهت الدعوى ألزم الزوج بالحضور إلى محل إقامتها للسير فيها، فإذا امتنع سمعت غيابيًّا، وإذا لم تتوجه الدعوى ردها القاضي دون إحضاره، ويسري هذا الحكم على دعاوى الحضانة والزيارة في الأحوال الشخصية.

كما بينت اللائحة التنفيذية للمادة الرابعة والثلاثين أن جميع الإجراءات المتعلقة بحجج الاستحكام من تكميل، أو تعديل، أو إضافة ونحوها، تنظر لدى محكمة بلد العقار؛ ولو كان الصك صادرًا من غيرها.

وأما إذا كان القاضي ممنوعًا من نظر القضية لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها نظامًا، فتنظر القضية لدى قاض آخر في المحكمة ذاتها إن وجد، وإلا ففي أقرب محكمة.

ثانيًا: أما إذا كانت الدعوى مقامة على أجهزة الإدارة الحكومية فيما يدخل في اختصاص القضاء العام فقد بينت المادة الخامسة والثلاثون: أن الدعوى تقام في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها المقر الرئيس لها، ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الجهاز الحكومي في المسائل المتعلقة بذلك الفرع.

ثالثًا: وأما إذا كانت الدعوى مقامة على الشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة، فإن المادة السادسة والثلاثين من نظام المرافعات تنصُّ على أن الدعوى تقام في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مركز إدارتها، سواءً كانت الدعوى على الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، أو من الشركة أو الجمعية أو المؤسسة على أحد الشركاء أو الأعضاء، أو من شريك أو عضو على آخر.

ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، وذلك في المسائل المتعلقة بهذا الفرع.

مستمعي الأفاضل:

كانت هذه نبذة موجزة حول الاختصاص المحلي للقضاء العام في محاكم المملكة العربية السعودية، وفق ما ورد في نظام المرافعات الشرعية، وفي الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - استكمال للحديث في هذا الموضوع، أسأل الله تعالى أن يمدني وإياكم بعونه وتوفيقه، والحمد لله رب العالمين.

والله تعالى أعلم.

المراجع:

• نظام المرافعات ولائحته.