مسألة ميراث القاتل الخطأ والعمد

مسألة ميراث القاتل الخطأ والعمد

المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

قوله: (من انفرد بقتل مُوَرِّثِهِ أو شارك فيه مُباشرة أو سَبَاً بلا حق لم يرثه...) إلى آخره[1].

قال في «المقنع»: «كل قتل مضمون بقصاصٍ، أو ديةٍ، أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول، سواء كان عمداً أو خطأً، بمباشرة أو سبب، صغيراً كان القاتل أو كبيراً، وما لا يضمن بشيء من هذا، كالقتل قِصاصاً أو حدّاً أو دَفعاً عن نفسه أو قتل العادل الباغي، والباغي العادل فلا يمنع.

وعنه[2]: لا يرث الباغي العادل، ولا العادل الباغي، فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث»[3].

وقال في «الإفصاح»: «واتفقوا على أن القاتل عمداً ظلماً لا يرث من المقتول[4].

ثم اختلفوا في من قَتل خطأً؟

فقال أبو حنيفة[5] والشافعي[6] وأحمد[7]: لا يرث.

وقال مالك[8]: يرث من المال دون الدية.

واختلفوا فيما إذا كان القاتل صغيراً أو مجنوناً؟

فقال مالك[9] والشافعي[10] وأحمد[11]: يحرمان الإرث.

وقال أبو حنيفة[12]: يرثان كذلك.

واختلفوا في من حفر بئراً، أو وضع حجراً في الطريق فهلك بهذين الشيئين، أو بأحدهما مُوَرِّثِه:

فورثه منه أبو حنيفة[13]، ومنعه الميراث مالك[14] من الدية دون المال.

وقال الشافعي[15] وأحمد[16]: لا يرث على الإطلاق.

واختلفوا فيما إذا قتل الباغي العادل:

فقال أبو حنيفة[17]: إن قال: قتلته وأنا على حق في رأيي حين قتلته، وأنا الآن على حق، ورث منه، وإن قال: كنت على الباطل في قَتْلِي له لم يرث منه.

وقال مالك[18] والشافعي[19] وأحمد[20]: لا يرث على الإطلاق.

وأما إذا قتل العادل الباغي فإنه يرثه عند أبي حنيفة[21] وأحمد[22]، وكذلك كل قاتل[23] بحق كالحاكم في القصاص والدافع عن نفسه في المحاربة.

واختلف أصحاب الشافعي:

فقال أبو العباس بن سريج كقول أبي حنيفة وأحمد، وذلك أنه جعل الإرث تابعاً لما يجوز فعله من الأسباب، وما لا جناح على فاعله.

وقال أبو إسحاق المروزي: إن كان القاتل مُتَّهماً كالمخطئ، أو كان حاكماً فقتله في الزنى لم يرثه؛ لأنه مُتَّهم في قتله لاستعجال الميراث، وإن كان غير مُتهم بأن قتله بإقراره بالزنى ورثه؛ لأنه غير مُتهم باستعجال الميراث.

وقال الإصطخري: كل قتل يُسقِط الإرث بكل حال، قال أبو إسحاق: وهو الصحيح»[24].

وقال ابن رشد: «واختلفوا في ميراث القاتل على أربعة أقوال:

فقال قوم: لا يرث القاتل أصلاً من قتيله.

وقال آخرون: يرث القاتل، وهم الأقل.

وفرَّق قوم بين الخطأ والعمد، فقالوا: لا يرث في العمد شيئاً ويرث في الخطأ إلا من الدية، وهو قول مالك([25]) وأصحابه.

وفرَّق قومٌ بين أن يكون في العمد قَتل بأمرٍ واجب أو بغير واجب، مثل أن يكون من له إقامة الحدود، وبالجملة بين أن يكون يُتهم أو لا يُتهم.

وسبب الخلاف: مُعارضة أصل الشرع في هذا المعنى للنظر المصلحي، وذلك أن النظر المصلحي يقتضي ألّا يرث؛ لئلا يتذرع الناس من المواريث إلى القتل واتباع الظاهر، والتعبد يُوجب ألا يلتفت إلى ذلك، فإنه لو كان ذلك مما قصد لالتفت إليه الشارع ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64] كما تقول الظاهرية»[26].

وقال في «الاختيارات»: «والآمر بقتل مورثه لا يرثه ولو انتفى عنه الضمان»[27].