• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات
علامة باركود

علم التاريخ في الحضارة الإسلامية

علم التاريخ في الحضارة الإسلامية
أ. د. عبدالحليم عويس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2017 ميلادي - 12/4/1439 هجري

الزيارات: 42714

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

علم التاريخ في الحضارة الإسلامية

 

كان عمل الإخباريين (المؤرِّخين) حتى نهاية القرن الثاني الهجري يقتصر على أخبار الأمم الماضية؛ منها العرب قبل الإسلام، والسيرة النبوية، وأحداث صدر الإسلام، إلا أنه اتَّسم في القرن الثالث الهجري، بالزيادة الواسعة في المادة التاريخية من حيث زمانها ومكانها، بدقة التحرِّي عن صحتها ووثوقها، كما أصبحت مصادر المؤرِّخ عن تاريخ هذا القرن أكثرَ دقة وضبطًا؛ لأنها تستمد مادتها من سجلَّات دواوين الدولة المختلفة التي كان يرأسها - عادةً - الكتَّاب المتميزون، وهو ما يجعل لمدوناتهم الديوانية أهمية كبيرة[1].

 

ولقد سجَّل المسلمون السيرةَ والمغازي أوثقَ تسجيل وأروعه، كما سجَّلوا - كملحقاتٍ لها - أخبارَ الجاهلية وأيامها وأنسابها، وأدبياتها وجوانبها الحضارية المختلفة، كما سجَّلوا - أيضًا - أخبار العرب قبل الإسلام وتاريخ الأنبياء السابقين، وتاريخ الفرس والروم وبعض الأمم الأخرى التي سمِعوا بها، وقد كانت مصادرُهم (المشافهة) و(المعاينة) والكتب المقدَّسة السابقة، وما يرويه الإخباريون - بالتواتر - والمهتمُّون بالأديان.

 

أما تاريخ (السيرة والمغازي)، فقد كانوا صانعِيه، وبالتالي فقد كتبوه بأعمالهم قبل أن يكتبوه بكلامهم، وقد كان المصدر هم أنفسهم، ولم يحتاجوا إلى مصادر من خارجهم، وقد توارثوها عبادةً ونموذجًا قبل أن يتوارثوها تاريخًا.

 

وقد كان (السَّنَد) و(النقل) بين التعديل والتجريح، هما الركيزة التي اعتمدوا عليها في نقل السيرة والمغازي؛ لكونها عبادة وتاريخًا في آنٍ واحد.

 

لقد اشتهر في مدرسة السيرة والمغازي عروة بن الزبير بن العوَّام (ولد سنة 23 هـ)، وأبان بن عثمان بن عفان (ولد سنة 20 هـ)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْري (ت 134)، والوليد بن مسلم أبو العباس الأموي (ت 195)، وسعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي (ت 123هـ)، وسهل بن أبي خيثمة المدني الأنصاري (ولد سنة 3 هـ)، وشرحبيل بن سعد (ولد سنة 24 هـ)، ووهب بن مُنبه (ت 114 هـ).

 

وتوالى جيل الفتوحات وصناعة التحوُّل التاريخي:

عاصم بن عمرو بن قتادة (ت 119 هـ)، وأبو روح يزيد بن رومان الأسدي المدني، من موالي أسرة الزبير بن العوام (ت 130 هـ)، ومحمد بن عبدالرحمن بن نوفل الأسدي، ربيب الزُّبَيريين (ت 131)، ومحمد بن السائب الكلبي (ت146 هـ)، ومُصعب الزبيري (ت 233)، وغيرهم كثير[2].

 

ثمَّ ظهر مِن بعد هؤلاء جيل المؤرخين الذين حملوا راية تقعيد علم التاريخ واستقلاله، ومِن هؤلاء:

ابن بكار الضبي (ت 222)، والجمحي أبو عبدالله محمد بن سلَّام البصري (ت 231هـ)، ويحيى بن معين البغدادي (ت 233هـ)، والخزاز أحمد بن الحارث (ت 258)، ثم المحدثون الذين حمَلوا أعظم أمانة في التاريخ الإسلامي؛ وهي نقل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، صحيحًا عن طريق التفرُّغ لجمعه وتمحيص صحيحه من موضوعه، وهؤلاء هم:

محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256)، وهو صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى في تاريخ المسلمين، وأول الكتب السِّتة المعتمدة لدى المسلمين، وله - إلى جانب صحيح البخاري - التاريخُ الكبير، الذي جمع فيه تراجم لنحوِ أربعين ألف ترجمة لرجل وامرأة من رواة الحديث، إلى جانب التاريخ الأوسط، والتاريخ الصغير، والتاريخ في معرفة رواة الحديث، والتواريخ والأنساب.

 

وثاني المحدثين بعد البخاري هو الإمام مسلم (ت 261)، وثالثهم الإمام الترمذي محمد بن عيسى السلمي (ت 279هـ)، ثم أبو داود (ت 375هـ)، ثم النسائي (ت 303هـ)، ثم ابن ماجه (ت 275هـ).

 

ولقد قدَّم لنا هؤلاء السيرة ممزوجةً بالتاريخ، وقدَّموا لنا كلامَ الرسول صلى الله عليه وسلم (موثقًا) أعظم توثيق، ولعلَّ توثيقهم - بل هو كذلك - لم يتوافر لكتب يزعم أصحابها أنها مقدَّسة، لقد كانوا يختلفون على (الكلمة) ويروونها بالروايات المختلفة التي وردت بها، ولم يسمحوا لأنفسهم بأدنى تغييرٍ أو استعمال (الأسلوب الخاص) أو الإيراد بالمعنى، كما كتبت كتب (مقدسة) كثيرة بأقلام تلامذة صاغوها بأسلوبهم الخاص، وبما بقي في أذهانهم من معلومات دون استعمال (للسَّنَد) أو (الجَرْح) أو ملاحقة للألفاظ نفسها حتى تصل الحقيقة كما هي، دون ظلال شخصية، أو تعبيرات خارجة لن تستطيع بالتأكيد التعبير عن الحقيقة، كما وردت بألفاظها الأصلية القانونية.

 

وقد قام أبو حنيفة الدينوري (المتوفى سنة 282 هـ)، في كتابه (الأخبار الطوال)، بتتبع ملوك الأرض من لدن آدم إلى آخر أيام المعتصم، وهي محاولة رائدة في حقل الفكر التاريخي الإسلامي، وقد راعى أبو حنيفة في (الأخبار الطوال) التسلسل الزمني في التاريخ، ولكنه انتقى الأخبار وَفقًا لمفهوم خاص في التاريخ العالَمي، فتوسَّع في الحوادث والحركات التي اختارها؛ مما جعل كتابه أقرب إلى أن يكون سلسلة أخبار يلتصق بعضها ببعض لتتوازن مع التاريخ الإيراني الذي يحتل المكان الرئيسي؛ فهو قبل الإسلام يهتمُّ بتاريخ الرسل كثيرًا، ويقدم صورة متوازية لتاريخ اليمن والجزيرة وبيزنطة، ويتوسَّع في تاريخ فارس، وبعد الإسلام يمر بفترة الرسالة المرور السريع؛ ليركز اهتمامه على تاريخ العراق وإيران[3].

 

وعندما ظهر اليعقوبي - أحمد بن إسحاق، المتوفى سنة 292 هـ - قدم لنا صورة للتاريخ العالَمي، مبتدئًا بقصة الخليقة، مخصصًا جزءًا غير قليل من كتابه المنسوب إليه (تاريخ اليعقوبي) لجوانب التاريخ الثقافي، كما قدَّم صورًا من الاكتشافات، والعادات الاجتماعية، وتميز منهجه بالرجوع إلى المصادر الأصلية نفسها، فهو يرجع إلى العهدين: القديم والجديد عند حديثه عن اليهود والنصارى، وكتابه تاريخ موجز منظم، يتناول التاريخ العالَمي منذ الخلق حتى سنة 259 هـ.

 

ومع أن خليفة بن خياط (ت 240 هـ) في تاريخه الموجز المنسوب إليه، كان أسبق في الزمان، إلا أن ابن جَرير الطبري (ت 310 هـ) يعدُّ البداية البارزة لمرحلة التدوين الموسوعي في المشرق، وقد قدَّم للمكتبة التاريخية كتابه العظيم (تاريخ الرسل والملوك) السردي التقليدي؛ دون الوقوف بدرجة مقبولة عند الدلالات التاريخية، فالتاريخ في رأيه كلامٌ في مسائل مادية حدثت، وأخبار ماضية وقعت، وهي وإن كانت تحتمل الصدق والكذب؛ إلا أنها تستخرج بالرواية والأخبار لا بالعقول والأفكار.

 

وفي رأي الطبري - أيضًا - أن التاريخ يعدُّ مجرد جمع للحوادث بروايتها المختلفة، دون ترجيح وتحقيق لتناقضاتها أو تأثيرها على القارئ بالحكم عليها[4].

 

وقد صدَّر كتابه الكبير بقوله: (وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه، بما اشترطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت مِن الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مستدلٌّ إلى روايتها فيه؛ دون ما أدرك بحجج العقول واستُنبط بفكر النفوس)[5].

 

لقد بحث الطبري في كتابه التاريخ (الخليقة) منذ (البَدْء) المتمثل في هبوط آدم عليه السلام من الجنة، وقصة قابيل وهابيل، وتاريخ الأنبياء منذ نوح وإبراهيم ولوط عليهم السلام، وذكر تاريخ الفرس والروم، وتحدَّث عن السيرة النبوية بَدْءًا من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بداية القرن الرابع الهجري.

 

ومن حسنات تاريخ الطبري أن مادَّته مِن أوثق المواد - فيما يتعلَّق بالتاريخ الإسلامي - لاعتمادِه على منهج (السَّنَد)، وأنه قدَّم معلومات كثيرة ودقيقة عن تاريخ الفرس والروم، وامتاز بالحياد والإنصاف والموضوعية.

 

وقد مثل المسعودي - (أبو الحسن علي بن الحسين الهذلي) المتوفى سنة (345 هـ - 957 هـ) - مع قربه من عصر الطبري، ومعاصرته له مرحلة أكثر تطورًا في الإشارة إلى بعض مغازي التاريخ.

 

وقد وصَلت إلينا من مؤلفاته بعض الكتب؛ أهمها: مروج الذهب، والتنبيه والإشراف، وكتاب أخبار الزمان ومَن أباده الحدثان؛ (بقي منه الجزء الأول وكان في ثلاثين مجلدًا)، وكتب أخرى ضاعت ولم يبقَ منها إلَّا اسمها؛ ولم يكن المسعودي مؤرخًا فحسب، بل كان مؤرخًا وجغرافيًّا معًا؛ فهو رحَّالة سائح يجمع مادَّتَه التاريخية من رحلاته الواسعة؛ فقد زار الحجاز، ومدين، وفلسطين، والسند، والزنج، والصين، وإيران، وجاب الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وكان يُعنَى بأثر المناخ والبيئة الجغرافية فيما يناقش من قضايا التاريخ؛ معتمدًا على رحلاته وجدِّه في الاطلاع والجدل والتسجيل المستمر لِمَا يشاهده في رحلاته[6].

 

ونستطيع أن نُدرِك اهتمام المسعودي بتفسير التاريخ، فيما ذكره في مقدمة كتابه (التنبيه والإشراف)؛ تعقيبًا على بعض كتبه التي لم تصِل إلينا؛ فقد ذكر أنه تناول فيها الأخبار عن بَدْء العالم والخلق وتفرُّقهم في الأرض والممالك والبر والبحر والقرون البائدة والأمم الخالية الدائرة الأكابر، وتاريخ الأزمان الماضية والأنبياء وذكر قصصهم، وسير الملوك وسياساتهم ومساكن الأمم، وتباينها في عباداتها واختلافها في آرائها، وبحار العالم والخلجان والأنهار والجزائر العظام[7].

 

كذلك يعدُّ كتاب (تجارب الأمم) لأبي علي أحمد بن محمد - المعروف بمسكويه (ت421 هـ) - واحدًا من أهم الكتب ذات الطابع الشمولي الموسوعي التي تمد الطرف إلى تاريخ العالم كله، وقد بدأه صاحبُه بما بعد طوفان نوح عليه السلام، وانتهى به إلى سنة 370 هـ تقريبًا.

 

وفي الأندلس - مع بزوغ القرن الخامس الهجري - ظهرَتْ حركة تاريخية واسعة، وفي هذه الحركة نضج النظر إلى التاريخ، وتناثرت اجتهادات كثيرة في تفسيره، وكان باعثها هذه المحنة التي أحاطت بالأندلس على يدِ ملوك الطوائف؛ مما جعل المؤرخين الأندلسيين يتساءلون: كيف تسقط الأمم؟ وما أسباب سقوطها؟ ونبغ في هذه المدرسة كثيرون، على رأسهم شيخ مؤرخي الأندلس أبو مروان بن حيان القرطبي (المتوفى سنة 469 هـ)، وصاحب كتابي (المقتبس، والمتين)، وأسرة الرازي، والإمام الثبت الفيلسوف المؤرخ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (المتوفى سنة 406 هـ).

 

وقد قدَّم محيي الدين بن سليمان الكافيجي (788 - 879 هـ) أقدم رسالة معروفة في نظريات علم التاريخ، وذلك في كتابه (المختصر في علم التاريخ) الذي كتبه سنة 867 هـ (1463م)؛ ولئن كان ابن خلدون قد سبَقه، فإن ابن خلدون كان يبحث في التاريخ، أما الكافيجي، فكان يبحث في عملية كتابة التاريخ بصورة مباشرة، لقد حاول الكافيجي أن يُقدِّم معالجة لنظرية التاريخ نفسها، وكتابه (المختصر) أصيلٌ في طريقته وجودة كتابته وعلميته ومنهجيته.

 

وقد أجاب الكافيجي في الكتاب عن المسائل المتعلِّقة بخصائص علم التاريخ وغرضه وهدفه وفوائده، غير أنه كرَّس مجالًا أوسع للمعضلات الناجمة عن غموض كلمة تاريخ (العربية)، وعن مركز التاريخ بين العلوم الدينية الإسلامية[8].

 

أما شمس الدين السخاوي (المتوفى سنة 902) - صاحب (التوبيخ لمن ذم أهل التاريخ) - فيُعرِّف التاريخ بقوله: (إن التاريخ فنٌّ يبحث فيه عن وقائع الزمان وحيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم، وأما موضوعه: فالإنسان والزمان، ومسائله: أحوالهما المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان وفي الزمان)[9].

 

ونقف عند علَّامة المغرب عبدالرحمن بن محمد المعروف بابن خلدون - والمولود بتونس (سنة 732 هـ)، والمتوفى بمصر (سنة 808 هـ) - وقد اشتهر بابن خلدون نسبةً إلى جده خالد بن عثمان، وَفْقًا للطريقة المتبعة في المغرب في إضافة واو ونون زيادة في التعظيم.

 

والحق أن ابن خلدون مِن خلال موسوعته التاريخية (العبر وديوان المبتدأ والخبر) - لا سيما (المقدمة) (الجزء الأول) - يُمثِّل المفتاح الكبير الواضح القسمات، والمتكامل الرؤية والمنهج في إبداع فلسفته للتاريخ، وفي علم الاجتماع (العمران)، بل إننا نستطيع أن نقول مطمئنين: إن الكتابة التاريخية في الحضارة الإسلامية والإنسانية ينظمها عصران:

♦ عصر ما قبل ابن خلدون.

♦ وعصر ما بعد ابن خلدون.

 

وليسَتْ هذه المكانة التي نعطيها لابن خلدون رأيًا عنصريًّا أو عاطفيًّا، بل هي حقيقة اعترف بها كبارُ فلاسفة التاريخ الأوروبيين، وسجَّلوها في شهادات صريحة واضحة؛ فإن أكبر مفسر أوروبي للتاريخ في العصر الحديث - وهو الأستاذ (أرنولد توينبي) "Arnold Twinbi" - يتحدَّث عن ابن خلدون في مواضع كثيرة من كتابه (دراسة للتاريخ)، ويُفرِد له في المجلد الثالث سبع صفحات (321 - 327)، وفي المجلد العاشر أربع صفحات (84 - 87)، وهو يقرر أن ابن خلدون قد تصوَّر في مقدمته ووضع فلسفة للتاريخ: هي - بلا مراءٍ - أعظم عمل مِن نوعه ابتدعه عقلٌ في أي مكان أو زمان؛ وفي المجلد الثالث (ص 322)[10]، وهو يقول عن ابن خلدون في الفقرة نفسها: (إنه لم يستلهم أحدًا من السابقين، ولا يدانيه أحدٌ من معاصريه، بل لم يَثُر قبس الإلهام لدى تابعيه، مع أنه في مقدمته للتاريخ العالَمي قد تصور وصاغ فلسفة للتاريخ تعدُّ - بلا شك - أعظم عمل من نوعه).

 

وأما المؤرخ العالَمي (روبرت فلنت) "Robert Flint"، فيقول عن ابن خلدون في كتابه الضخم (تاريخ فلسفة التاريخ): (إنه لا العالم الكلاسيكي ولا المسيحي الوسيط قد أنجب مثيلًا له في فلسفة التاريخ، هناك مَن يتفوقون عليه كمؤرخ، حتى بين المؤلفين العرب؛ أما كباحث نظري في التاريخ، فليس له مثيل في أي عصر أو قطر، حتى ظهر (فيكو) "Vico" بعدَه بأكثر من ثلاثة قرون، لم يكن (أفلاطون) "Plato" أو (أرسطو) "Aristotle" أو (سان أوغسطين) "Saint Augustine" أندادًا له، ولا يستحق غيرهم أن يذكر إلى جانبه...، إنه يثير الإعجاب بأصالته وفطنته...، بعمقه وشموله، لقد كان فريدًا ووحيدًا بين معاصريه في فلسفة التاريخ، كما كان (دانتي) في الشعر، و(روجر بيكون) "Roger Bacon" في العلم؛ لقد جمع مؤرِّخو العرب المادة التاريخية، ولكنه وحده الذي يستخدمها[11].

 

ويقول عنه (جورج سارتون) "George Sarton": (لم يكن فحسب أعظم مؤرِّخي العصور الوسطى، شامخًا كعملاقٍ بين قبيلة من الأقزام، بل كان من أوائل فلاسفة التاريخ سابقًا: (ميكافيلي "Machiavelli"، وبودان "Budan"، وفيكو "Vico"، وكونت "Conte"، وكورنو "Cournot").

 

وبما أن ابن خلدون أسبقهم زمانًا وأبعدهم مكانةً، وكلهم كانوا عالةً عليه، فإنه في الحق الإمامُ لمدرسة فلسفة التاريخ، والفيصل بين مرحلتين حاسمتين في منهج البحث التاريخي، إنه بداية عصر جديد في الكتابة التاريخية، نستطيع أن نسميه بلا تحفظ (عصر ابن خلدون).



[1] أحمد عبدالباقي: معالم الحضارة الإسلامية، ص (37).

[2] انظر في دراستهم ومحاولة حصرهم: د. شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون (1/ 131)، وما بعدها، وانظر: د. سيدة إسماعيل الكاشف: مصادر التاريخ الإسلامي، نشر دار الخانجي بالقاهرة.

[3] د. شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون (1/ 249) دار العلم للملايين، بيروت.

[4] انظر علي أدهم: مقال بمجلة الهلال، عدد سبتمبر 1975، وانظر: محمد عبدالغني حسن: علم التاريخ ص (8).

[5] الطبري: تاريخ الأمم والملوك (1/ 5) طبع دار القاموس الحديث بيروت.

[6] د. عفت الشرقاوي: أدب التاريخ عند العرب (264)، ود. شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون (2/ 6)، نشر دار العودة، بيروت.

[7] د. عفت الشرقاوي: أدب التاريخ عند العرب (264)، وشاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون (2/ 6) مرجع سابق.

[8] روزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ص (318)، طبع مؤسسة الرسالة.

[9] الإعلان بالتوبيخ ص (385 - 400)، بتصرف (بتحقيق روزنتال) وانظر: روزنتال: المرجع السابق.

[10] نقلًا عن: أرنولد توينبي: مقال بعالم الفكر المجلد الخامس، العدد الأول، الكويت.

[11] نقلًا عن: د. أحمد محمد صبحي: في فلسفة التاريخ: (11/ 135).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كتابة التاريخ
  • مصطلح التاريخ
  • ملخص كتاب: المنظور الحضاري في التدوين التاريخي عند العرب
  • تطور الكتابة التاريخية بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية
  • تطور الفكر التاريخي في الأندلس
  • واجب المسلمين نحو الحضارة الإسلامية

مختارات من الشبكة

  • حث الطلاب على الجمع بين علم التفسير والحديث والفقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • البحث في علم الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • علم المصطلح وعلم اللغة: أبعاد العلاقة بينهما(مقالة - حضارة الكلمة)
  • طبيعة العلم من المنظور الإسلامي(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نصف العلم لطالب العلم: بحث في علم الفرائض يشتمل على فقه المواريث وحساب المواريث (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • علم الماهية والعلوم المطلوبة للأغراض المحمودة وعلم الظاهر من الحياة الدنيا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تطور منهج التوثيق في الحضارة الإسلامية وواقع التوثيق في الحضارة الحديثة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحضارة الإسلامية ظلت الحضارة الأولى عالميًا لأكثر من عشرة قرون(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • من أقوال السلف في عمل طالب العلم بعلمه ونشره بين الناس(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب