• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

التعلق بالمتفرد بالرزق وقوله تعالى (فابتغوا عند الله الرزق)

التعلق بالمتفرد بالرزق وقوله تعالى (فابتغوا عند الله الرزق)
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2017 ميلادي - 6/4/1439 هجري

الزيارات: 33211

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التعلق بالمتفرد بالرزق وقوله تعالى: ﴿ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله مِن شرورِ أنفُسِنا ومِن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

 

أما بعد:

فاللهمَّ ربَّ السماوات السبع، وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كلِّ شيء، أنتَ الظاهر فليس فوقك شيء، وأنتَ الباطن فليس دُونك شيء، مُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، نعوذ بك من شرِّ كل شيء أنتَ آخذٌ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، عليك توكَّلنا، وإليك أنبْنا، وإليك المصير.

 

أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ من المسائل التي يهتمُّ لها الخلائق اهتمامًا شديدًا، ويَنشَطون لها نشاطًا عجيبًا، ما يتعلَّق بالرزق، والكدْح لأجله والسعْي لشأنه، وهذا أمر تَتشارك فيه المخلوقات، وإلى هذا يدلُّ قولُ ربِّنا تعالى وتقدَّس: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38].

 

وقد قرَّر القرآنُ العظيم في مواضع عديدة منه ما تكفَّل اللهُ تعالى به من أرزاق العباد، وكفَلَه لهم بحكمته ورحمته وفضله سبحانه، قسَم بين عباده أرزاقَهم، وأكد اللهُ هذا المعنى في مواضع عديدة من كتابه العزيز، فقد أَخبَر سبحانه أنه متكفِّل بأرزاق المخلوقات من سائر دوابِّ الأرض، صغيرها وكبيرها، بحريِّها وبرِّيِّها، كما قال سبحانه: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60]، وكما قال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، والمعنى: أنه ما مِن حيوان يدبُّ على الأرض إلا على الله تعالى غذاؤه ومعاشُه فضلًا منه سبحانه وكرمًا على مخلوقاته.

 

وتأمَّلوا في بلاغة هذا الكتاب العزيز؛ حيث قال سبحانه: ﴿ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾، وهذا كما يسمِّيه علماء اللغة: أنه تقديم الجار على المجرور؛ وذلك لإفادة الحصر والقصر؛ أي: أن الله تعالى هو وحده لا غيره الذي عليه رزْق هذه الدوابِّ، وعليه معاشها سبحانه، ولا ريب أن كونَ رزقِها ومعاشها على الله تعالى لا يُنافي الأخذ بالأسباب، والسعيَ في سبيل الحصول على وسائل العيش، لأنه سبحانه وإن كان قد تكفَّل بأرزاق خلْقه إلا أنه أمرهم بالاجتهاد في استعمال الوسائل المشروعة كافةً مِن أجْل الحصول على ما يُغنيهم ويسدُّ حاجتهم، ولذا قال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، ولذلك نجد أن هذا الأمْر فطْرة في نفوس الخلائق مِن البهائم جميعًا؛ أنها تسعى لأجْل الحصول على أرزاقها، وهكذا العُقلاء من الجن والإنس مأمورون بما عليه هذه الدوابُّ مِن الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها، ولذلك فإنك لن تجد من البهائم والطيرِ شيئًا منهم يَقعُد عن طلب رزقه، بل إنه يُبادِر بما جعل الله له من الفطرة، في حين أنَّ بعض المكلَّفين يَقعدون عن الأخذ بالأسباب، ويَقعدون عن السعْي في هذا الأمر، والسماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة فلا بد من السعي، وإلى هذا يُشير ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لو أنكم تَوَكَّلون على الله حقَّ تَوَكُّلِه لَرَزَقَكم كما يَرْزُقُ الطيرَ، تغدو خماصًا وتَرُوح بِطَانًا)). رواه الإمام أحمد، والترمذي، وغيرهما، وهو حديث صحيح.

 

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وهذا الحديث أصلٌ في التوكُّل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلَب بها الرزق، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية على أبي ذر، وقال: ((لو أنَّ الناسَ كلَّهم أَخَذوا بها لَكَفَتْهم)). يعني: أنهم لو حقَّقوا التقوى والتوكُّل لاكتفَوا بذلك في مصالح دِينهم ودنياهم. انتهى كلامه رحمه الله.

 

وتأمَّلوا هذه الإشارة اللطيفة، هذا الطير الذي يُصبح، وهو طير ضعيف لا يملك عقلَ الإنسان، ولكنه عنده الفطرة والتوكُّل على الرحمن، فهو يهُبُّ منذ صباحه لطلب الرزق، لا يدري أين هو، ولا خطة له ولا خارطة يتوجَّه من خلالها، ولكنه يسعى، لأنه يَعلم بما جعل الله عنده من الفطرة أن لا إله إلا الله، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ((تغدو خماصًا))، في الصبح غدوةً خماصًا ضامِرة البطون، خاليةً أجوافُها من الطعام، ((وتعود بطانًا)) قد امتلأت بطونها مما هيَّأ اللهُ لها من الأرزاق، وإنما كان ذلك بفضل الله ورحمته، ثم بما كفَل سبحانه من الأرزاق لعباده، ثم بما كان مِن هذا السعي اليسير مِن هذه الطير، فهذا الإنسان العاقل أولى وأولى أن يَعلم أنَّ مَعاقِدَ الأرزاقِ، ومَخازِن الأمورِ عند الرب العزيز الحكيم، الذي ينزِّل كلَّ شيء بقدَر، ومِن أعظمِ ما يُستجلب به الرزق مِن عنده التوكل عليه سبحانه؛ التوكل المبنيُّ على العِلم القاطع بأن الأرزاق بيد الله، وأن الإنسان إنما يَبذل الأسباب، أما مُسبِّبُها وأما مَن يرزق فهو الله وحده لا شريك له؛ ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾، ما أعظمَ ما تُفيضه هذه الآية الكريمة على قلب المؤمنِ ليطمئن أنَّ رزقه مقدَّر محفوظ، لا يمنعه مانعٌ مِن الخلْق، ولا يَزيده ويزيد فيه أحدٌ مِن الخلْق، وإنما هو إلى الله سبحانه، ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾، فالجميعُ قد أحاط الله بهم علمًا وجرى بهم قلمُه ونفذت فيهم مشيئتُه ووسعهم رزقُه، فلتطمئن القلوبُ إلى كفاية مَن تكفَّل بأرزاقها، وأحاط علمًا بذواتها وصفاتها. وهذا ما جاء مؤكَّدًا في مواضع أخرى من كتاب الله العزيز. وتأمَّلوا أيضًا هذه الدلالة العظيمة لهذه الآية الكريمة: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾، أينما دبَّتْ، وأينما ذهبتْ، وأينما توجَّهتْ، فالرزق ليس مرتبطًا بمكان ولا زمان ولا بأحدٍ من الناس، فالله سبحانه يرزقهم على ما يشاء بحكمته وعِلمه وفضله وإحسانه حيثما كانوا وأينما كانوا، ولهذا قال: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ﴾؛ أي: لا تطيق جمعَه وتحصيلَه، إما بسبب ضعفها أو عجزها، وهي أيضًا لا تستطيع أن تؤخِّر ولا أن تدَّخر شيئًا لغد إلا بما يقدِّره الله، قال الله: ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾، أن الله هو الذي يُقيِّض لهذه الدوابَّ، يُقَيِّضُ لها الرزق على ضعفها، ويُيسِّره لها، فيبعث إلى كل مخلوقٍ من الرزق ما يُصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، وحتى الطير في الهواء، وحتى الحيتان في الماء.

 

وتأمَّلوا فيما نبَّه إليه علماءُ التفسير، أن الله قال: ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾، مع أن الإنسانَ المخاطبَ بهذا القرآن هو أَقدَر المخلوقات في إدارة شؤونه ووضعِ خُططه، لكن الله بدأ بهذه الدواب التي هي أضعف، قدَّم رزقَ هذه الدواب التي لا تستطيع تحصيلَه على رزقهم، ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾، وذلك لِينفِي مِن قلوب الناس الاعتمادَ على قدرتهم، ولِيُشعرهم بأن الأسباب ليست كل شيء، فإنه سبحانه هو واهب الأسباب، ولا يترك أحدًا بدون رزق، ولإزالة ما قد يخطُر في النفوس مِن أن شيئًا أو أحدًا من الناس يتصرَّف بإنقاص الرزق، فهذا منفيٌّ في شرع الله، فالأمر كله مردُّه إلى الله، فالرزق مكفول للخلائق جميعًا، وبخاصة مَن أخَذ بالأسباب التي شرعها الله، وأعظمُها التوكُّل عليه سبحانه.

 

ثم تأمَّلوا رحمكم الله في تقرير هذا الأمر تقريرًا عميقًا بليغًا ينبغي أن يُرسَّخ في القلوب، وأن تطمئن به النفوس، جاء ذلك في آيتين عظيمتين من كتاب الله، في سورة يونس قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107]، وفي سورة فاطر قال سبحانه: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]، الله أكبر، ما أعظمَ ما دلَّت عليه هاتان الآيتان العظيمتان حتى تستقرَّ النفوس، لهذا الأمر الذي يُقلق الخلائق جميعًا.

 

قرَّرت هاتان الآيتان الطمأنينة في مسألة الأرزاق، وتفويضها إلى الرزاق تعالى وتقدَّس، وفي دلالة هذه الآيات أمورٌ عميقة بليغة، فقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ ﴾، قال العلماء: المسُّ أعمُّ مِن اللمس، ولذلك يقال: مسَّه السوء والكبَر والعذاب والتعب، فهو أمرٌ يشمل المعنويَّ والحسِّيَّ، ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ ﴾، وهذا شامل للألم والحزن والخوف وما يُفضي إليهما أو إلى أحدهما، كما أن النفع اسمٌ يشمل كل لذَّة وسرور وما يُفضي إليهما أو إلى أحدهما، وهكذا الخيرُ اسمٌ لكل ما فيه منفعة أو مصلحة، حاضرة أو مستقبَلة، والمعنى: أن الناس جميعًا تحت سلطان الله وقُدرته، لا سلطان لأحد من الخلْق عليك يا عبد الله، فعلِّق قلبك بمن إليه يرجع الأمر كله، فما يصيب أحدًا من الخلْق من ضرٍّ كمرض وتعب وحزن اقتضتْه سُنَّة الله في هذه الحياة فلا كاشفَ له إلا الله، فعلِّق قلبَك بمن إليه مردُّ هذه الأمور، ولا يصيب الناسَ مِن خير كصحَّة وغنى وقوة وجاه فإن الله سبحانه هو القادر على حفظه عليهم، وإبقائه لهم؛ لأنه جل وعلا على كل شيء قدير.

 

فعلِّق قلبك بمن هو على كل شيء قدير، ولا تُعلِّق قلبَك بالخلْق الذين هم أضعفُ مِن أن يتصرَّفوا في ذوات أنفسهم، فضلًا عن أن يمتدَّ تصرُّفهم إلى غيرهم من الناس، فربُّك هو الذي يجب أن يتعلَّق قلبك به، وقد قال سبحانه عقيب هذه الآية: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، فهو سبحانه الذي خَضعَت له الرقاب، وذَلَّت له الجِباه، وعَنِت له الوجوه، وقهَر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمته وجلاله وكبريائه الأشياءُ، وتضاءلت بين يديه وتحت قهْره وحكْمتِه سبحانه ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾، هذا خبرُ ربِّكم أيها المؤمنون لتتعلَّق قلوبكم به.

 

وقد تتابعَت أحاديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤكِّدةً هذه الحقيقة؛ حتى تطمئن النفوس ولا تتَّجه إلا إلى الملِك القدُّوس، ومما يدلُّ على هذا ما رواه حبْر الأمَّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:كنتُ خلْف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((يا غُلام، إني أُعلِّمكَ كلماتٍ: احفَظ اللهَ يَحْفظْك، احفَظ اللهَ تجدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلَم أنَّ الأمَّة لو اجتمعَتْ على أنْ يَنفعُوك بشيءٍ لم يَنفَعوك إلا بشيءٍ قد كَتَبَه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضُرُّوك بشيءٍ لم يَضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كَتَبَه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُف)). رواه الترمذي، وقال: حديث حسَن صحيح.

 

الله أكبر، ما أعظمَ ما تقرِّره هذه الكلمات النبوية مِن الطمأنينة في القلوب، ولذلك قال نبيُّنا عليه الصلاة والسلام قبْل أن يقولها لابن عباس، ولكل مَن تَبْلغه مِن أمَّته: ((إني أعلِّمك كلمات))؛ كلمات فيها توحيد الله، كلمات فيها سعادتُك وطمأنينتُك إنْ أنتَ أَخذْتَ بها، وفي شأن الرزق وما يتعلق بجلب النفع ودفع الضرِّ؛ يقرِّر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أمرًا عظيمًا لا يضرُّك بعد ذلك ما توجَّهتَ إليه من الأمور، وأقبلتَ عليه مِن الشؤون فيما فيه الخيرُ لك، أو انكففتَ عنه، ذلك قول نبيِّكم عليه الصلاة والسلام: فلو أن الخلْق جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يَقْضه الله لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه. هكذا جاء في الرواية الأخرى لهذا الحديث، والمراد: أنَّ ما يصيب العبدَ في دنياه مما يضرُّه أو ينفعُه فكلُّه مقدَّر عليه، ولا يصيب العبدَ إلا ما كُتب له مِن ذلك فيما كان في الكتاب السابق عليه، ولو اجتَهدَ على ذلك الخلْقُ كلُّهم جميعًا ليبدِّلوا أو يغيِّروا أو يقدِّموا أو يؤخِّروا لن يستطيعوا، وهذا قد دلَّ عليه القرآنُ العظيم كما في قوله سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ [التوبة: 51]، الله أكبر، ما أعظمَ ما تُفيضه هذه الآية مِن الطمأنينة على قلب المؤمنِ الواثق بربه، المتوكِّل عليه ﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾؛ لا ما يفعله أحدٌ مِن الخلْق، ولا ما يفعله أيُّ صاحب سلطان أو قدرة، فالأمر كله لله، وما الخلْق إلا أسباب وأدوات إنما يصنعون ما يقدِّره الله، ولذا قال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22].

 

وأعظمُ ما يَخافه الإنسانُ إنما هو الموت، وهذا بيدِ الله سبحانه، لن يستطيعه أحدٌ من الناس أن يقدِّموه أو يؤخروه ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، فالله سبحانه جعَل لكل إنسانٍ مِن المعقِّبات من الملائكة الكرام مَن يحفظونه إلى لحظة الأجَل التي قدَّرها اللهُ، فلو سقط مِن أعلى شاهق، أو دُهس تحت العجلات، أو غير ذلك مِن حوادث الدنيا، فهو محفوظ إلى اللحظة المقدَّرة التي قدَّرها الله لأجَل كلِّ إنسان، ولذا قال سبحانه: ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ [آل عمران: 154].

 

فهذه أخبارُ ربِّنا سبحانه عن الآجال، وعن مقادير الأرزاق، رِزْقُك الذي قُدِّر لك في كتابك الأول يوم خلَق الله الخلْق، ورزقُك الذي قُرِّر وأُكِّد واستُنفِذ مِن الكتاب الأول في لحظة نفخ الروح فيك يا عبد الله، حينما بُعث الملَك كما أَخبَر عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في الصحيحين: ((إنَّ أحدَكم يُجمَع خَلْقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكُون عَلَقة مثل ذلك، ثم يكُون مُضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملَكُ فيُؤمر بأربع كلمات؛ بكَتْب رزقِه وأَجَلِه وعملِه وشقيٍّ أو سعيد))، فالرزق مكتوب والأجَل محدَّد، ففيم الخوف حينئذ؟! إنما الخوف الحقُّ، والذي ينبغي أن يستقرَّ في قلبك هو الخوف ممن خلَقك أن تعصي أمْره، وأن تخالف ما وجَّهك به، فمَن توكل على الله واستقام على شرعه فلا خوف عليه كما قال سبحانه: ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].

 

ثم تأمَّلوا رحمكم الله في فضْل الله وإحسانه سبحانه، أنَّ الخيرات سابقة للشرور والمضرَّات، وأن الرحمة سابقة للغضب، فضلًا منه سبحانه وتعالى، وإلا لو يؤاخذ اللهُ الناسَ بما اقتَرَفوا ما بقيَ على وجهها من دابَّة، وذلك لكثرة عصيانهم وشرودهم عن ربهم؛ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [فاطر: 45]، لكنه سبحانه جعَل رحمتَه سابقةً لغضبه، وفضلَه وإحسانه سابقًا لمحاسبته، ولولا ذلك لأصاب الناسَ مِن الهلاك ما الله به عليم.

 

وتأمَّلوا رحمكم الله فيما ينبغي أن تستقرَّ به النفوس في هذا الشأن العظيم حتى لا يتوجَّه الإنسانُ في غير الاتجاه الصحيح في طلَب الرزق، وما يبتغيه من السعادة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قضية الرزق وكيف نظر الإسلام إليها؟
  • الأسباب العشرون لاستدرار الرزق (1)
  • الأسباب العشرون لاستدرار الرزق (2)
  • موانع استدرار الرزق العشرة (1)
  • موانع استدرار الرزق العشرة (2)
  • المعتقدات الخاطئة المتعلقة بالرزق

مختارات من الشبكة

  • التعلق بالمتفرد بالرزق وقوله تعالى ( فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ )(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فابتغوا عند الله الرزق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فابتغوا عند الله الرزق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فابتغوا عند الله الرزق (مطوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الرزق في ضوء الكتاب والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العبادة وطلب الرزق (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • التعلق بالله تعالى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التعلق بالمساجد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعلق بالله تعالى.. الفضل والعلامات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب