• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

الشوق إلى الله

الشوق إلى الله
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/11/2017 ميلادي - 4/3/1439 هجري

الزيارات: 23077

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشوق إلى الله

وقوله صلى الله عليه وسلم

"وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضرَّاء مُضِرَّة ولا فتنة مُضلَّة"

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهْده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فلا ريب أيها الإخوة المؤمنون، أنَّ الله جلَّ وعلا إنما خَلَق الخلْقَ لعبادته، كما قال عزَّ مِن قائل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، والله جلَّ وعلا إذْ خَلَق هذه الحياة الدنيا، فقد جعَل فيها مِن الخصائص ما هو واضحٌ لكلِّ مَن تأمَّلَ في كتابِ الله تعالى، وسُنَّةِ نبيِّه عليه الصلاة والسلام، وهذا الكتابِ المفتوحِ مِن الكون المخلوق العظيم.

 

ومما هو مقرَّرٌ ومؤكَّد: أنَّ الصِّلة بالله جل وعلا هي جماع كل خير، وأنَّ عبادته سبحانه هي مناط السعادة في الدنيا والآخرة، فبذكْر اللهِ تطمئنُّ القلوبُ، وتسْكُن النفوس، وقد قال ربُّنا سبحانه: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، فلن يُوجَد في هذه الدنيا شيءٌ يجلب طمأنينةَ هذه القلوب مثْل ذكْر الله جل وعلا.

 

وهكذا في الآخرة فإنَّ رؤيةَ الله سبحانه هي أكْمَلُ النعيمِ وأعْظمُه وأعلاه وأجلُّه وأشرَفُه، رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة بها قُرَّة العيونِ، وتمام النعيم؛ فإنهم لن يُعْطَوا في الآخرة شيئًا أحبَّ إليهم، ولا أقرَّ لعيونهم، ولا أنعمَ لقلوبهم مِن النظر إلى الله سبحانه، وسماعِ كلامه بلا واسطة، ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].

 

وفي الدنيا لم يُعْطَ أحدٌ شيئًا خيرًا، ولا أحبَّ لأهل الإيمان، ولا أقرَّ لعيونهم مِن الإيمان بالله، ومحبَّته، والشوقِ إلى لقائه، والأنسِ بقُرْبه، والتنعُّم بذِكْره.

 

وتأمَّل في حالك يا عبد الله، هل تجد في نفسك شوقًا إلى الله؟ هذا الشوق الذي يجعلك في حالة تلهُّف وتأهُّب إلى كل ما يَصِلُك بالله سبحانه وتعالى، فتجد نفسَك متشوِّقة متلهِّفة إلى القرآن، أن تقرأه، وأن تسمعه، وأن تتدبَّره، وتجد نفسَك شغوفة بالصلاة؛ لأنها صِلَتُك بربِّك، ولذلك كان نبيُّنا عليه الصلاة والسلام يقول لبلال: ((أَرِحْنَا بها يا بلال))، أرحْنا بالصلاة، فكأنما هذه الدنيا بكلِّ ما فيها؛ مِن أفراحها وملاذِّها، وما يَشُوب ذلك مِن أتراحها؛ كلُّ ذلك متعِبٌ للنفْس السويَّة، فلا ترتاح حقيقةَ الراحةِ إلا بالصلاة.

 

تأمَّل في حالك يا عبد الله، هل أنتَ مِن أولئك الذين عَلِقَتْ قلوبُهم بالمساجد؟ كما جاء وصفُهم، وجُوزُوا الجزاءَ العظيمَ بإظلالهم في ظلِّ اللهِ يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه؛ ((ورجُلٌ قلبُه معلَّق بالمساجد))، وما أَجملَ هذا التعبيرَ! وما أَبلغَ هذا الوصفَ! كأنما يَخرج المؤمنُ حين يَخرج مِن المسجد وقد أبقَى قلبه في المسجد، وهل يَعيش أحدٌ بلا قلب؟! وهل يُتصوَّر عيشُ السمَك خارجَ الماء؟! فلا يزال حالُه مضطربًا كما يضْطرب السمَك إذا خَرج مِن مائه حتى يُعاد إليه، وإنْ تأخَّرَ وأُبطئ عليه هذا العودُ والرجوعُ أدركَه العطَبُ والهلاك، هكذا هو المؤمنُ؛ قلبُه معلَّق في المساجد، في الصلاة؛ لأنها بها حياتُه، وبها سعادتُه، وبها طمأنينتُه، وهكذا في شأن النساء، قلبُها معلَّق بالصلاة، ولها هذا الحُكْمُ كما قال العلماء.

هذه مِن علائم الشوقِ؛ شوقك لربِّك سبحانه.

 

إن الناس في الدنيا، أيُّها الإخوة المؤمنون، جَرَّبوا هذه الأشواقَ، الأشواق التي تحملهم نحو مَن يحبُّون، فتجد هذا الإنسانَ متشوقًا لوالديه؛ لِبِرِّه لهما، وغاية حبِّه لهما، فهو لا يكاد أن يُفارِقَهما، فهو عند قدمَيهما مأمورٌ مستجيبٌ لكلِّ ما يخدم ويؤمر به مِن قِبَلِ والديه، ولذلك تجد آخرين أيضًا في أشواقهم، ومِن أكثرِ ما يعبِّر عنه الناسُ في القديم والحديث شوقُهم لأحبَّتهم، لمحبوبيهم كما يكون بين الرجُل والمرأة، فتجدُه يعبِّر عن أشواقه، ويكُون صادقًا كلَّ الصدق إن كان عبر عن الحلال، حيث يتشوَّق لِزوجِه، ويعبِّر بتعابير كما نظَمَها الشعراءُ في محبوبيهم، وكلُّ ذلك إنما هو شيءٌ دون ما هو من المنزلة العالية التي يتشوَّق فيها المؤمنون لربهم؛ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]؛ المؤمنون امتلأتْ قلوبُهم حبًّا لله سبحانه، حتى تشوَّقوا لربهم سبحانه، هذا التشوُّق الذي يجعلهم يرتبطون بطاعتِه جل وعلا في كل لحظة وحين، فأنفُسُهم متعلِّقة بربهم ذِكْرًا وتسبيحًا وتحميدًا وتكبيرًا، وأبدانُهم مُستعمَلة في طاعةِ الله، متصرِّفة فيما يحبُّه سبحانه، وألسنتُهم لاهجة بالذِّكْر لله جل وعلا، وقلوبُهم متعلِّقة به سبحانه، فبَلَغَ بهم الشوقُ كلَّ مَبْلغ، ولذلك فإنَّ هذه الحياة الدنيا عندهم يجدونها طويلة؛ لأنها تحبِسُهم عن ربهم سبحانه، وإنما هم في هذه الدنيا يجِدُون راحةً وطمأنينةً لما يكُون فيها مِن الطاعة لله جل وعلا، وأما حقيقةُ أحوالهم؛ فإنهم كلَّما تَرَقَّوا في معارج العبودية لله زادتْ أشواقُهم إلى ربهم تعالى وتَقَدَّس، ولذلك كان أهلُ الإيمان إذا حضرتْ آجالهم، وحانتْ مَنِيَّتُهم يفرحون بهذه اللحظات، يفرحون بلقائهم بربهم جل وعلا، وهذا يدلُّ عليه قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المؤمن؛ أنه إذا حَضَرَه الموتُ أَحَبَّ لقاءَ الله، فأَحَبَّ اللهُ لقاءَه.

 

الأنسُ بطاعة الله في الدنيا، والشوقُ إلى لقائه؛ فتِّشْ عنه يا عبد الله في قلبك، فإنْ لم تجده فاعلَم أنك على خطَرٍ عظيمٍ، وإنْ وجدتَ هذا التشوُّق فأنتَ إلى خير، وإلى برٍّ، وبحياتك سوف تستمتع تَقْدِمَةً للنعيم الأعظم في الدار الآخرة.

 

وقد جمع النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بين هذين الأمرين الطيِّبَين اللذيْن هما أطيَبُ ما في الدنيا، وأطيَبُ ما في الآخرة، في الدنيا الشوق للقاء الله، وفي الآخرة رؤية وجهِ الله تعالى وتقدَّس، جمع النبيُّ عليه الصلاة والسلام بين هذين الأمرين فيما رواه الإمام أحمد والنسائي، وصحَّحه ابنُ حبان من حديث عمَّار بن ياسر رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: ((اللهمَّ بِعِلْمِكَ الغيب، وقدْرَتك على الخلْق، أحْيِني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، وأسألُك خشْيَتَك في الغيب والشهادة، وأسألُك كلمةَ الحقِّ في الغضب والرِّضا، وأسألُك القصْد في الفقر والغِنَى، وأسألُك نعيمًا لا يَنْفَدُ، وأسألُك قُرَّةَ عَينٍ لا تنقطع، وأسألُك الرضا بعد القضاء، وأسألُك بَرْدَ العيشِ بَعد الموت، وأسألُك لذَّة النظرِ إلى وجهك، وأسألُك الشوقَ إلى لقائك في غير ضرَّاء مُضرَّة، ولا فِتْنةٍ مُضِلَّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مُهْتدِين)).

 

وفي هذا يقول العلَّامة ابن القيِّم رحمه الله: جمَع في هذا الدعاء العظيمِ القدْر بين أطيَبِ شيءٍ في الدنيا وهو الشوقُ إلى لقائه سبحانه، وأطيَبِ شيءٍ في الآخرة وهو النظرُ إلى وجهه سبحانه، ولما كان كمالُ ذلك وتمامُه موقوفًا على عدمِ ما يضرُّ في الدنيا، ويَفْتن في الدين قال: ((في غير ضرَّاء مضرَّة، ولا فِتْنة مضلَّة))؛لأن مِن الناس مَن يتمنَّى الموتَ، لا حبًّا في لقاء الله، لكن لأمورٍ حادثةٍ عليه في الدنيا يجدُ معها أمنيةَ الموتِ حاضرةً عنده، وكفى حالًا سيِّئًا بالإنسانِ أن تكُون أمانيه بالمنايا؛ بالموت.

 

فإنَّ مِن الناس كما جاء في الحديث مَن يمرُّ بالقبر فيتمنَّى أن يكُون صاحبَه، وما به الدِّين، وما به حبُّ الله، ولكن لِما يكُون له مِن الفتن والمضايق، ولذلك تجدُ مَن لا عِلم عنده حينما تضيق عليه الدنيا في معايشها يُفكِّر بفتْح باب الانتحار، وهذا اعتراضٌ على الله، وهذا عمَلٌ مُجَرَّم في شريعة الرحمن ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 30]، لكن المؤمن يتشوَّق للقاء الله، ويَعلم أن بوابته إلى هذا هي الموتُ، ومع ذلك فإنه يكُون على هذا التشوُّق؛ لأنه يَعلم عِلم اليقين قولَ ربِّ العالمين:﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 158]، وما أَحَبَّ رجوعَ الحبيبِ إلى حبيبه، ولقاءَ المتشوِّق لمن تشوَّق إليه.

 

ولما كان كمالُ العبدِ في أن يكُون عالمًا بالحقِّ، متَّبعًا له، مُعلِّمًا لغيره، مرشدًا له قال في هذا الدعاء: ((وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مهتدينَ))، وهذه أعلى المنازل، وأعظم الرتب؛ أن يكُون الإنسانُ في هذه الدنيا هاديًا مهديًّا؛ لأنه بذلك يكون ممن ﴿ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه ﴾ [الأحزاب: 39].

 

ولما كان الرِّضَى النافع، المحصِّل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لا قبله، فإنَّ ذلك عزم على الرضى، فإذا وقع القضاءُ انفسَخ ذلك العزْم، سألَ في هذا الدعاء الرضى بَعده، فإن المقدور يكتنِفه أمْرانِ: الاستخارة قبل وقوعه، والرضى بعد وقوعه.

 

هكذا يكُون المؤمنُ إذا تحيَّر في الأمور، واستغلقتْ عليه الأحوال فَزعَ إلى ربِّه يستخيره، ولذلك كما قال ابنُ مسعود: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارةَ في الأمور كلها). ولذلك كان مِن سعادة العبد أنْ يجمَع بين هذين الأمرين، كما في المسند وغيره؛ أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((إنَّ مِن سعادةِ ابنِ آدمَ استخارة الله، ورضاه بما قضى الله، وإنَّ مِن شقاوةِ ابنِ آدمَ تَرْك استخارةِ الله، وسخطه بما قضَى اللهُ تعالى)).

ولما كانت خشْيةُ الله تعالى رأسَ كلِّ خيرٍ في المشهد والمغيب، سأله خشْيتَه في الغيب والشهادة.

 

وما أعظمَ منازلَ هؤلاء الذين نَوَّهَ اللهُ بهم في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]، فالخشية حقيقتُها حينما يغيبُ الإنسانُ عن الأنظار، ويَعْلم أنه بين نظَر العزيز الغفار؛ فيخشاه ويخافه؛ ولذلك عظَّم اللهُ مكانتَه، وأجلَّ منزلتَه، وكان مِن الذين يُظِلُّهم في ظلِّه كما في الحديث: ((ورجُل ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناه، ورجُل أنفَقَ حتى لا تَعْلَم شمالُه ما تُنفِق يمينُه، ورجُل خلا بامرأةٍ ذاتِ حُسن وجمال، فدعتْه إلى نفْسها فقال إني أخاف الله)).

 

هؤلاء يحبُّهم الله، ويجعَل لهم حُسنَ العُقْبَى في الدنيا والآخرة.

ومِن الحريِّ بالمؤمن أنْ يُكثِر مِن دعاء الله أن يَرزقه هذه العبادةَ: خشيتَه في الغيب والشهادة.

 

ولما كان أكثرُ الناسِ إنما يتكلَّم بالحق في حال الرضى، فإذا غضب أخرجه غضبُه إلى الباطل، وقد يُدخله رضاه أيضًا في الباطل، فجاء في هذا الحديث دعاءُ الله تعالى أن يُوفِّقه لكلمة الحق في الغضب والرضى. ولهذا قال بعضُ السَّلف: لا تكُن ممن إذا رضِيَ أدخَلَه رضاه في الباطل، وإذا غضب أخرجه غضبُه من الحق.

 

وقد كانت وصية نبيِّنا عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل الذي كرَّر عليه أن ينصحه، وأن يوصيه: أن قال له: ((لا تغضَب، لا تغضَب، لا تغضَب)).

 

ولما كان الفقر والغنى مِن البلايا والامتحانات التي يَبتَلي اللهُ بها عبدَه، ففي الغنى يبسُط يدَه، وفى الفقر يقبضها، هكذا كثيرٌ من الناس، فجاء في هذا الحديث سؤالُ الله ودعاؤه القصْد فى الحاليْن، وهو التوسُّط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير. كما مدَحَهم الله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].

 

ولما كان النعيم نوعين: نوعًا للبدَن، ونوعًا للقلب، وهو قرَّة العيْن، وكماله بدوامه واستمراره، جمَع بينهما في قوله: ((أسألُك نعيمًا لا يَنفَد، وقُرَّة عين لا تنقطع)).


ولما كانت الزينة زينتَين: زينة البدَن، وزينة القلب، وكانت زينة القلب أعظمَهما قَدْرًا، وأجلَّهما خطَرًا، وإذا حصلتْ زيَّنت البدَن على أَكمَل الوجوه في العُقبى، سأل ربَّه الزينة الباطنة فقال: ((زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإيمَانِ)).


فزينة الإيمان هي أَكمَل الزيْن وأعظَمُه وأشرَفُه، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر ﴾ [الأعراف: 26]؛ فالمؤمن إذا تزيَّن بالتقوى نال كلَّ فضْل، وبلغ حُسن العُقبى.

 

ولما كان العيشُ في هذه الدار لا يَبْرُد لأحدٍ كائنًا مَن كان، بل هو محشوٌّ بالغُصَص والنكد، ومحفوف بالآلام الباطنة والظاهرة، سأل بَرْدَ العيش بعد الموت؛ لأن هذه الحياة لا تخلو من المنغِّصات، ولن يَسْلَم أحدٌ مِن سُنَّة الله تعالى فيها: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، لكن المؤمن يَستعين على مجاوزة هذه الأمور بالفزع إلى ربه، واستقرار قلبه بذكْره، والأنس بقربه سبحانه، ويَعلم أن الحياة الكاملة الطيِّبة التي لا نقصَ معها هي هنالك في الدار الآخرة بعد الموت، ولذا قال: ((وأسألك برد العيش بعد الموت)).

 

والمقصود أيها الإخوة المؤمنون: أن هذا الدعاء العظيم جمَع بين أطيب ما في الدنيا، وأطيب ما في الآخرة.

فلتكُن هذه بُوصْلَتُك يا عبد الله؛ أن تعلم أن الفوز الأكمل هو الفوز في الآخرة، وأن تنال رضا الله، وتكرَّم منه سبحانه برؤية وجهه وسماع كلامه منه بلا واسطة، فهذه أعظم النعم، وأكبر الفوز، وأعظم الفلاح.

 

وفي الدنيا مهما حصَّل الإنسانُ مِن مال ورتب ومراتب وغير ذلك، فكلُّ ذلك إلى زوال، ولكن الفلاح في هذه الدنيا هو بالقُرب من الله تعالى، والمحافظة على طاعته، والاستقامة على إسلامه حتى يَلقَى ربه كما أوصى ربُّنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

بارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإيَّاكم بهدْي النبيِّ الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنْب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، فإنَّ الدعاء هو مفتاح خزائن الله؛ فاستكثِر يا عبد الله منه فإن الله فضْلُه عظيم، والله جل وعلا يَفرَح ويحبُّ دعاءك وسؤالك، والله جل وعلا قد دعا عِباده أن يسألوه، وأن يَستكثِروا مِن سؤاله، وهو القائل عزَّ مِن قائل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان ﴾ [البقرة: 186]، وهو سبحانه القائلُ كما في الحديث القدسيِّ الثابت في الصحيحين وغيرهما؛ أنه سبحانه وتعالى يقول في الثلث الأخير مِن الليل كلَّ ليلةٍ لِعباده: ((هل مِن داعٍ فأستجيب له؟ هل مِن سائلٍ فأعطيه؟ هل مِن مستغفِرٍ فأغفر له)).

 

فاستكثِروا أيها الإخوة المؤمنون مِن دعاء الله وسؤاله، ولتكُن دعواتكم جزلة معظمة فيما عند الله، وأعظمُ ما يسأل الله به هو بمثل هذه الدعوات التي دعا بها نبيُّنا عليه الصلاة والسلام، فإنه قد أوتي جوامع الكلم، وهو أعظمُ الخلْق معرفةً بالله، وأعظمُ الخلْق معرفةً بما فيه صلاحُ الإنسانِ في الدنيا والآخرة، وهذا الحديث بما تضمَّنه مِن هذا الدعاء مما ينبغي تعلُّمه وفهْمه وتدارُسه، ودعاءُ اللهِ تعالى بما جاء فيه مِن هذا الدعاء، الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان، عن عطاء بن السائب رحمه الله، عن أبيه قال: صلَّى بنا عمَّار بن ياسر رضي الله عنه صلاةً فأوجز فيها، فقال له بعضُ القوم: لقد خفَّفتَ وأوجزتَ الصلاة فقال: (أمَّا على ذلك لقد دعوتُ فيها بدعواتٍ سمعتُهن مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فلما قام تَبِعَه رجُل مِن القوم هو أبي فسأله عن الدعاء، ثم جاء فـأخبر به القوم: ((اللهمَّ، اللهمَّ بِعِلمِك الغيب، وقُدْرتك على الخلْق، أحْيِني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي، اللهم وأسألُك خشيتَك في الغيب والشهادة، وأسألُك كلمةَ الحق في الرضى والغضب، وأسألُك القصْد في الفقر والغنى، وأسألُك نعيمًا لا يَنفَد، وأسألُك قرَّة عيْن لا تنقطع، وأسألُك الرضى بعد القضاء، وأسألُك بَرْدَ العيشِ بعد الموت، وأسألُك لذَّة النظَر إلى وجهِكَ، والشوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء مضرَّة، ولا فتنة مضلَّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداة مهتدين)).

 

فتأمَّلوا رحمكم الله في هذا الدعاء، وتهيَّؤوا لهذه الأشواق، هيِّئوا قلوبَكم لها، لتمتلئ بالشوق إلى الله سبحانه، وهذه الأشواق أكثرُ ما تظهر، وأعظم ما تحضُر في لحظات الموت، وهذا يدلُّ عليه ما ثبت في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءه، ومَن كرِه لقاءَ الله كرِه اللهُ لقاءَه))، قلتُ: يا رسول الله أكراهية الموت؟ فكلُّنا نَكْره الموت، عائشة رضي الله عنها فهمتْ أنَّ مَن كرِه الموتَ فهو يكْره لقاءَ الله، فوضَّح لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال؛ إنَّه ليس الأمْر في كراهية الموت، فالخلْق كلُّهم يكرهون الموت، ويتوارَون عنه، ويتباعدون منه، ولكن قال: ((إنَّ المؤمن إذا حضَره الموتُ، ورأى ما عند الله، وبُشِّر بما له عند الله أحبَّ لقاءَ الله، فأحبَّ اللهُ لقاءه))، كما جاء في الحديث الآخر؛ أن ملائكة الموت إذا حضَروا لقبْض رُوح المؤمنِ استعجَلَهم؛ يقول المؤمن لملك الموت ومَن معه: استعجِلوا بقبْض روحي؛ لأنه تَشوَّق للقاء الله، وفرِح بما له عند الله، وأمَّا الفاجر أو الكافر إذا حضَره الموت، ورأى ما له عند الله من العذاب والنكال كَرِهَ الموت، وكرِه لقاء الله، فكرِه اللهُ لقاءه.

 

ومن هنا كان على المؤمن أن يتهيَّأ لهذه اللحظة الحاسمة، التي تتوقف عليها سعادتُه الأبدية؛ بأن يكُون متهيئًا بالطاعات، منظِّفًا قلبَه مما يسخط ربه، مقبلًا على ما فيه رضاه من الطاعات، وذكره سبحانه، والاستقامة على طاعته.

هنا يتهيَّأ القلبُ متشوِّقًا لمولاه، ومحبًّا لربِّه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

 

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلْق الله نبيِّنا محمد فقد أمَرَنا ربُّنا بذلك فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين، والأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرْك والمشركين.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رحمن.

اللهم ابسُط علينا في بلادنا الأمن والاستقرار والرخاء، وثبِّتنا على الإيمان حتى نلقاك يا رب العالمين.

اللهم أصلح ووفِّق ولاة أمورنا، اللهم دلَّهم على كل خير، وأبعدْهم عن كل شر، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعدْ عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدِينا، وارحمهم كما ربَّونا صغارًا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشوق إلى الله ( خطبة )
  • شوق مكتوم
  • الشوق إلى الله تعالى (1) شوق الأنبياء إلى الله تعالى
  • خطبة: الشوق إلى الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • الشوق إلى الله تعالى (2) شوق الصالحين إلى الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مفاتيح القبول في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • الشوق العميق للبيت العتيق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إلى من يحدوه الشوق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حديث الشوق(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الشوق إلى لقاء رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • نوافذ الشوق (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين(مقالة - ملفات خاصة)
  • السماء والأرض في قصائد ديوان "بلابل الشوق" للشاعرة لطيفة العصيمي(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب