• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

خلق الحياء وحاجة المجتمعات إليه

خلق الحياء وحاجة المجتمعات إليه
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2017 ميلادي - 14/1/1439 هجري

الزيارات: 55348

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خُلق الحياء وحاجة المجتمعات إليه

وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله مِن شرورِ أنفُسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.

 

أما بعد.

فيا أيها الإخوة المؤمنون، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام فإنها خيرٌ كلُّها، وفضلٌ كلُّها، وبِرٌّ وطهرٌ كلُّها، ولنا أُسوة بسيد الخَلْق محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، الذي عظَّم اللهُ جنابَه وأعلى مقامَه، وأثنى عليه ربُّه فقال عز من قائل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وإنك يا رسولنا لعلى خُلق عظيم؛ جَبَلَهُ الله عليه، انتظَم المكارمَ والفضائل والشمائل الكريمة.

وقد كان نبيُّنا عليه الصلاة والسلام هو الأسوة والقدوة وهو المثل الأعلى للناس في كل خُلق كريم، وكل صِفة جليلة.

ومِن جملة الأخلاق التي جاء بها هذا الشرع المطهَّر، واتصف بها نبيُّ الهدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم: خُلق الحياء.

 

الحياء الذي قال العلماء عنه: إنه خُلقٌ يَحمل على فِعل كلِّ جميل، وترْك كلِّ قبيح، وعلى معرفة قدر أهل القدر، والبعد بالنفس عما يشِينُها، ولا يناسب ما فطرها الله عليه، فالحياء من صفات النفس المحمودة، وهو من مكارم الأخلاق، وهو شعارٌ لهذا الدِّين؛ دين الإسلام.

 

وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ، وابن ماجه في سُننه؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إنَّ لكلِّ دينٍ خُلقًا، وخُلقُ الإسلامِ الحياء)؛ كل دينٍ يكون فيه صفة متميزة مِن صفات الأخلاق التي يُعنَى بها، وهذا الدين دينُ الإسلام أكَّد على خُلق الحياء، وذلك لما له مِن الثمرات العظيمة، والآثار الكريمة.

 

وحسبُنا أن ندرك أن ربَّنا جل وعلا اتَّصَف بهذه الصفة وهي الحياء، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله حَيِيٌّ ستِّير))، ووصفُنا لربنا بالحياء وصفٌ يليق بجلاله وعظمته، لا يُشبهه فيه أحدٌ مِن خَلْقه سبحانه.

 

والحياء بين الناس مطلب معظَّم، ولذلك يؤكِّد النبيُّ عليه الصلاة والسلام على أن هذا الخُلق خُلُقٌ متوارَث في شرائع الأنبياء، حتى جاءت هذه الشريعة الكاملة لتؤكِّده، وتعظِّم شأنه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ مما أدرك الناسُ مِن كلام النبوة الأولى؛ إذا لم تَسْتَحِ فاصنَع ما شئتَ)).

 

إن مما أدركه الناسُ من كلام النبوة الأولى؛ فهو مما أوصى به الأنبياء بأمر ربِّ الأرض والسماء، ولم يزل متوارَثًا معروفًا بين الناس حتى بلغ هذه الأمَّة، فجاء الشرع المطهَّر ليؤكِّده، وليبيِّن أن الإنسان إذا نُزع منه الحياءُ فإنه لن يباليَ بعد ذلك بما يقترفه من المساوئ، ولا بما يقع فيه من الأخطاء، ولا بما يواجِه به الناسَ ((إذا لم تَسْتَحِ فاصنَع ما شئتَ)).

 

ولذلك جاء الشرعُ الكريم ليؤكِّد على هذا الخُلق، وليبيِّن أنه مِن الإيمان، فقد ثبت في الصحيحين؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((الإيمانُ بضْع وسبعون شعبةً؛ فأفضلُها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ مِن الإيمان)).

وجاء في حديث عنه عليه الصلاة والسلام: ((الحياءُ والإيمانُ قُرِنَا جميعًا؛ فإذا رُفِع أحدُهما رُفِع الآخرُ)).

 

فالحياءُ يحتاجُه الناسُ في مجتمعاتهم؛ لأنه سيَحمِلُهم على فعْل كلِّ جميلٍ فيما بينهم، وأنْ يَنْكَفُّوا عن كلِّ شرٍّ، وعن كل ما يسوء فيما بينهم.

 

ولذلك جاء في هذا الشرع المطهَّر بيانُ ما للحياء مِن هذه المنزلة العظيمة، ولذا لمَّا رأى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا يَعِظُ أخاه في الحياء قال: ((دَعْهُ؛ فإنَّ الحياء لا يأتي إلا بخير)).

 

رأى النبيُّ عليه الصلاة والسلام رجلًا يقول لأخيه: لِمَ تُكْثِر مِن الحياء؟ لماذا تَنْجَفِل وتبعد عن كثير مِن الأمور مع أنها مباحة؟ لماذا عليك هذه الصفة التي صِرْتَ مبتعدًا بها عن كثيرٍ من الكلام، وعن كثير مِن الفعال، وهي مباحة حتى لا نكاد نسمع لك صوتًا، ولا مبادرةً ولا شيئًا؟ ويُكثر عليه في نُصْحه ووعظه، ويقول له: لا تكُن كذلك. فقال عليه الصلاة والسلام: ((دَعْهُ؛ فإنَّ الحياء لا يأتي إلا بخير)).

 

الحياءُ الذي هو في حقيقته حياء، وهو أن يكون الإنسان فاعلًا لكلِّ خيرٍ وبِرٍّ أَمَرَ به الشرعُ، منكفًّا عن كلِّ إثم.

ولذلك كان نبيُّنا عليه الصلاة والسلام أكثرَ الناسِ حياءً، وأشدَّهم فيه، كان يَستَحْيي أن يُقال، وأن يسمع ما يُسْتَحْيا مِن مثله، وإنْ كان في أصله مباحًا، لكن قد يكُون في بعض المجالس ما ينبغي أن توقَّر به عن سيِّئ الكلام، العبارات التي فيها نوع مِن الكلام، العبارات التي فيها شرح وتفصيل لأمور يُستَحيا منها، كما يكون مثلًا بين الرجُل وأهله، أو الحديث عن العورات، أو الحديث عن الحرمات المتعلِّقة بالنساء، فهذه مما ينبغي أن يُستَحيا منه، وأن يكفَّ عنه، ومن الأمثلة على ذلك، التي تبيِّن هذا المقام: ألَّا يتحدَّث الإنسانُ بحضرة والد زوجتِه عمَّا يكُون بين الرجل وأهله؛ لأن هذه التي يُتحدَّث عنها إنما هي بنتُه وهذا ما لحظه سيدُنا عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإنه قال: إنه كان رجلًا مَذَّاءً، فأراد أن يَعرف الحُكْم في هذا الأمر، وهل ما هو فيه مِن هذه الحال تُوجب عليه أن يتطهَّر كما يتطهَّر الرجلُ مِن الوضوء، وممن يُؤخذ الحكْم في هذا؟ مِن سيِّد الخَلْق محمد صلى الله عليه وسلم، لكنَّ عليًّا رضي الله عنه استحْيَا أنْ يَعرض هو بنفسه هذا السؤال؛ لأن زوجته فاطمة هي بنتُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأمَر أحدًا غيرَه أن يستفتي عن ذلك.

 

ومن الأمثلة في هذا: أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءتْه امرأةٌ تسأله كيف تتطهَّر من الحيض؟ فقال عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيح: ((خُذي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فتطهَّري بها)): خذي قطعة قماش، واجعلي فيها (ممسكة)؛ فيها المسْك، وتطهَّري بها في الموضع، فقالت المرأة: كيف أتطهَّر بها يا رسول الله؟ هذه المرأة لم تكتفِ بهذه العبارة المجْملة التي هي كافية في أداء المعنى، كيف تتطهَّر؟ لكن لمَّا كان هذا الموضع مِن المرأة مما ينبغي أن يَبعد الرجلُ عن التفصيل فيه، إذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يَبلغ به الحياء مَبْلَغَهُ؛ فلم يستطرد في الشرح لها، قال: ((سبحان الله، خُذي فِرصة ممسَّكة فتطهَّري بها))، فإذا بالسيدة الكريمة أُمِّنَا عائشة رضي الله عنها، وهي الخبيرة بخُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُبادر فتأخذ بالمرأة، وتشرح لها ما ينبغي في هذا الأمر.

 

إنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان أشدَّ حياءً مِن العذراء في خِدْرِها، كان أشدَّ حياءً مِن العذراء في خِدْرِها. العذراء: الفتاة التي في مقتبل العمر، التي لم تخالط الحياة، ولم تعالج أمورها ومشاكلها، ولم تُكثر الاختلاطَ، فالصفة المعروفة فيها: أنها تكُون حَيِيَّةً لا تريد أن يُفتح بابٌ في الحديث، وبخاصة عما يتعلَّق بالأمور التي يُستحيا منها، فكان عليه الصلاة والسلام أشَّد حياءً مِن العذراء في خدرها، (في خِدْرِها)؛ ذلك أنها في الغالب تكون تلك الفتاة منعزلة عن مخالطة مَن هو أكبر منها سنًّا مِن النساء؛ خشية أن تسمع ما قد يتحدَّث به فيما هو مُعتاد بين النساء فيما يتعلَّق بمخالطة الأزواج.

 

والمقصود أيها الإخوة الكرام: أن النبي عليه الصلاة والسلام أكَّد على أن الحياء لا يأتي إلا بخير؛ لأن الحياء يمنع الإنسان عن اقتحام الآثام، وعن المجاهرة بالمنكرات؛ فهو يحافظ على سمعته، ولا يحب أن يتحدث عنه إلا بالخير، وهذا مطلب أكَّدتْه الشرعة المطهَّرة.

 

ولذلك إذا نُزع الحياءُ بين الناس، فلا تسَل حينئذ عن خروجهم عن المنهج الإنساني الفطري إلى المنهج الحيواني المنحرف، الحيوان لا يُبالي بعورة تظهر، ولا بممارسة ما قد يكُون مِن غريزته ذكورًا وإناثًا، فإذا انخلع الحياءُ مِن نفوس الناس فإنهم يرجعون إلى تلك الحال التي عليها البهائم، ألا ترون كيف أن المجتمعات الغربية لا يُبالون بهذا الأمر، لا في عورة انكشفَت، ولا في ممارسات يُستغرب منها، والسبب في هذا أن الحياء انهدَّت أركانُه في مجتمعاتهم. ولهذا يذكر النبي عليه الصلاة والسلام؛ أنه في آخر الزمان حينما تتهدَّم أركانُ الشرع في نفوس الناس، ولا يلتزمون الهدي الربانيَّ، والتوجيه النبويَّ؛ فإنهم حينئذٍ ربما واقع الإنسانُ المرأةَ في الطريق لا يبالي بمن رآه، وهذا يقع له نظائر في المجتمعات الغربية التي تحلَّلَت من آداب الشرع شرعهم هم؛ لأنه لا يزال في الأديان بقايا تحثُّ على الأخلاق في اليهودية والنصرانية؛ لكنهم مع ذلك تحلَّلوا من تلك الأخلاق والآداب التي جاءت بها الشرائع، ولم تزل لها بقايا في كتبهم؛ كمثل ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام في خُلق الحياء؛ فإنه كان باقيًا فيما بين المجتمعات الإنسانية على اختلاف مِلَلها: ((مما أدرَك الناسُ مِن كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنَع ما شئت)).

 

والحياءُ خُلق تنبعِث نحوه النفسُ حتى ولو لم تأمُر به الشريعة، ولذلك إلى عهدٍ قريبٍ ربما نحو مائة عام لم يُعرف هذا السفور والتبرج والتحلل في المجتمعات الغربية، بل لا زالت إلى ذلك الحين محافظة على أركان العائلة، وعلى العلاقات الإنسانية التي يحافظ فيها الإنسان على إنسانيَّته، وعلى الأخلاق والفطرة التي جُبِل عليها، لكن لمَّا نُسفت الأخلاقُ خُلقًا بعد آخر، ومِن جملتها الحياء، فلا يُبالي كثيرٌ منهم، بل فئام كثر منهم أن يكونوا على غير الفطرة، فيتعرَّون ويتبرَّجون ولا يُبالون بما انكشف من الحرم.

 

والحياء أيها الإخوة في الله حينما يتحدَّث عنه العلماءُ، يُبيِّنون أنه يَدخل في تصرفات الإنسان وتعامله على نواحٍ شتى، فمِن أكرمِ الحياءِ وأعظَمِه وأشرفِه وأجلِّه وأسماه: الحياءُ مِن الله جل وعلا، فإن المؤمن إذا استشعر نظر الله إليه استحيا من ربه سبحانه، إذا استحضر مثل قول ربه سبحانه: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق: 14]، وقوله جلا وعلا: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ [ق: 16]؛ حينئذٍ يكُون محافظًا حتى على خطَراته وعلى تصوُّراته، فهو يَستحضِر عظَمَة المنعِم، الخالق المتفضل، أليس الإنسان يستحيي أن يواجه أحدًا أحسَن إليه من الناس، بما يَكرهه، فكيف به حينئذ أن يُبارز ربه الذي خَلَقَه، وما من نعمة ولا خير هو فيه إلا وهو من ربه سبحانه وتعالى؟! وما أعظم التوجيه النبوي الكريم حينما قال عليه الصلاة والسلام: ((استحْيوا مِن الله حقَّ الحياء))، فقالوا: يا رسول الله إنا نستحي، قال: ((ليس ذاكم، ولكن مَن استحْيا مِن الله حقَّ الحياء فليحفَظِ الرأسَ وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومَن أراد الآخرةَ تَرَكَ زينةَ الدنيا؛ فمَن فعَل ذلك فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء)).

 

ولهذا فإن المؤمن إذا كان على هذا المنهج الكريم فإنه يأتيه حياؤه مِن الله، فينقذه من المعصية في وقت ربَّما خفيَ عن العيون، وبَعُد عن مراقبة الناس.

 

وأنتم تعلمون، أيها الإخوة، الحديثَ المشهور الذي حدَّث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الذين يُظِلُّهم اللهُ في ظله يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، فذكر منهم رجلًا دَعَتْه امرأةٌ ذاتُ منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. هكذا أدركه الحياء، ومنَعه مِن هذا الإثم.

 

وهكذا حياءُ الإنسانِ من الملائكة الكرام الذين يُلازمون كلَّ واحدٍ منا، فما مِن أحد إلا ومعه ملائكة كرام من الكتبة، ومن الحفظة، الكتبة الذين يكتبون عليه ما كلفوا به من كتابته من حسنات الإنسان وسيئاته؛ ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18] هذا مَلَكان، وملائكة آخرون كلفوا يا عبدالله بك ليحفظوك كما قال ربنا سبحانه: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾ من الملائكة ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾[الرعد: 11]، ولذلك جاء في الأثرِ التوجيهُ على الاستحياء من هؤلاء الذين قال الله عنهم: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 10، 11]، وفي هذا يقول العلَّامة ابن القيِّم رحمه الله: أي: استحيُوا من هؤلاء الحافظين الكرامَ، وأكرِمُوهم، وأجِلُّوهم أن يرَوا منكم ما تستحيُون أن يراكم عليه مَن هو مثلُكم، والملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم، فإذا كان ابنُ آدم يتأذى ممن يَفْجُر ويَعْصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثلَ عمَله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟

 

وهكذا الحياء أيضًا من الناس فإن لهم حقًّا عليك يا عبد الله؛ أن تكُون مجلًّا لهم، مقدِّرًا لمشاعرهم، قائمًا بواجباتهم، ولذا قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (لا خيرَ فيمَن لا يستحي من الناس).

وقال الإمام مجاهد رحمه الله: (لو أن المسلم لم يُصِب مِن أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لَكَفَاهُ).

ولذلك وضَع النبيُّ عليه الصلاة والسلام منهاجًا كريمًا للحياء من الناس، ومراعاة مشاعرهم فقال: ((ما كرهتَ أن يراه الناسُ فلا تفعلْه إذا خلوتَ))، فالناس لهم حقُّهم أن تستحي منهم؛ فلا تسمعهم ما يخدش مسامعهم، ولا تريهم ما يكرهونه، وإنما تتلمس ما يحبُّون أن يكون منك أمامهم من أقوال وأفعال وغير ذلك.

 

ومنزلة أخرى كريمة من منازل الحياء، وهي الاستحياء من النفس، فإن الاستحياء من النفْس ذلك؛ أن الإنسان إذا أجلَّ نفسَه وعظَّمها وقدَّرها، أبعَدَها عما لا يليق بها. ولذلك تجد في سيَر كرامِ الناس وعظمائهم أنهم كانوا يحافظون على هذا الأمر، فلا يقترفون ما فيه إخلال بإنسانيتهم، وبمكانتهم الكريمة، وبمنزلتهم الشريفة، فيرفع نفْسه عما لا يليق بها، ولذلك فإن المرء ينبغي أن يستحضر هذا المنهج، ويكون مستحييًا حتى مِن نفسه، فلا يضعها في المواضع التي لا تليق بها.

 

وبعد أيها الإخوة المؤمنون؛ فهذا هو الحياء الخُلق العظيم، والمنهج الكريم، الذي أَمَرَت به الشريعة الغرَّاء، وحثَّت عليه، وأمرت به، ورغَّبت فيه أعظم الترغيب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ووفقنا وإيَّاكم لما فيه هدي خيرِ المرسلين، نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، إذا كان الحياء في العصور المفضَّلة المتقدمة، والقرون الكريمة السالفة، فإننا في عصرنا هذا أحوَج ما نكون إليه، والسبب في ذلك ما حصل في كثير من المجتمعات من انفراط عقد الأخلاق، وانهيار كثيرٍ مِن عظيم الخِلال، وهكذا ما حصل من الثورة المعلوماتية التي صار التواصل من خلالها ميسورًا بين الناس، والوصول إلى كثيرٍ من المحتويات الإعلامية سهلًا، وفي يد أكثر الناس، وهنا يحضر الحياء الذي يحمِل الإنسانَ على أن يكون مميِّزًا بين ما يجور وما لا يجوز، بين ما يحبه ربه وما يبغضه، وبين ما يحسُن أن يكون متناقلًا ومرسلًا بين الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو منكفًّا عنه، واليوم ربما يتساهل كثير من الناس بأن يتراسلوا فيما بينهم بأمور يُستحيا منها، ولذلك فإن ما قد يكون مناسبًا في مقام لا يناسب أن يكون في مقام آخر، فإذا كان للإنسان أن يتمتع بما أحله الله فيما يكون من الغريزة الحلال التي أُحِلَّت عبْر عقد الزواج، فإن هذا لا يبرِّر أن يتحدث الإنسان بما يكون بينه وبين أهله، أو بما هو قريب من ذلك مما يخجل منه ويستحيا منه، ولذلك ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم ما يكون من بعض الناس إبَّان حياته، قبل أن يعرفوا الحكم في هذا؛ أن يتحدث الواحد منهم بما يكون بينه وبين أهله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لعلكم تفعلون ذلك؟)) يستفهِم: هل يقع منكم ذلك؟ فقالت امرأة: نعم يا رسول الله إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثن، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تفعلوا؛ فإنما مثل ذلك))، ثم ضرب المثل في هذا، وهو مثلٌ مستقبَح في شأن خروج الإنسان عن إنسانيته وكرامتها إلى مشابهة البهيمية.

 

وهكذا في أمور عديدة يدركها المسلم بما عنده مِن عِلمٍ بشرع الله، فإن ديننا بيِّنٌ واضح لا تعقيد فيه، ولا طلاسم فيه، بل الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بيِّنٌ))، وإذا كان الأمر كذلك فالواجب على كل مسلم ومسلمة: أن يجعل الحياء معيارًا فيما يتحدث به، وفيما يرسله، وفيما يشاهده، وفيما يسمعه، وفي غير ذلك، فيلاحظ الحياء بكل منازله ومقاماته، حياؤه من الله، حياؤه من الملائكة، حياؤه من نفسه، حياؤه من الناس، فإذا سار المسلم على هذا المنهج، وشاع فيما بينهم مراعاة الأخلاق بعامة، وخُلق الحياء بخاصة رأينا خيرًا كثيرًا، ورأينا انكفافًا عما لا يليق، وبُعدًا عن المجاهرة بما يسُوء وما يخدش الحياء، وما يُؤَثِّر في الأخلاق، ويبعد عن منهاجها الأصيل.

 

وبعد أيها الإخوة المؤمنون؛ فالمجتمعات الإنسانية بعامة بحاجة إلى تأصيل الأخلاقيات، وإلى الارتقاء بالقيَم؛ لأنها عماد الحياة الكريمة في المجتمعات الإنسانية، ولذلك أكَّد النبيُّ عليه الصلاة والسلام على هذا الأصل فقال: ((إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق))، ((إنما بُعثتُ لأتمم صالحَ الأخلاق))؛ رواه الإمام أحمد في مسنده، ولما سَأل هرقل أبا سفيان في أول بعثته عليه الصلاة والسلام عن الأصول والكليات التي يدعو إليها هذا النبيُّ الجديد، قال أبو سفيان مجيبًا هرقل: إنه – أي: محمد صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالبر والصدق والصلة والعفاف.

إنها أخلاق إنسانية فرضها الرب جل وعلا، وابتعَث بها أنبياءه وبخاصة خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم.

 

فحريٌّ بنا أن نلاحظ هذا الأمر، وأن نتواصَى به، وأن يُوصي به الآباءُ أولادَهم، والمربُّون والمعلِّمون مَن تحت أيديهم، ونحن فيما بيننا نحرص على إشاعة هذه الأخلاق والمكارم والقيَم، ونضرب لها الأمثالَ والوقائعَ والقصصَ مِن هدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن قصص ووقائع كرام الناس وعظمائهم ونبلائهم.

فإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ ♦♦♦ فإنْ همو ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا

 

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خَلْق الله نبيِّنا محمد؛ فقد أمَر ربُّنا بذلك فقال عزَّ من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين، والأئمَّة المهديِّين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشِّرك والمشركين. وأصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم ابسُط على بلادنا الأمن والاستقرار، واحفظ علينا إيماننا وأمْننا واستقرارنا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولاة أمورنا لما فيه خير العباد والبلاد، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولاة أمورنا، اللهم وفقهم لكل خير وبِرٍّ وتيسير على الناس، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم وَلِّ على المسلمين خيارهم، واكفِهم شرارهم يا رب العالمين.

اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم إن بأمَّة نبيِّك محمد عليه الصلاة والسلام من الفرقة واللأواء، ومن الشدة وتسلط الأعداء، ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يقدر على كشفه إلا أنت، ولا نشكوه إلا إليك؛ فنسألك اللهم فرَجًا عاجلًا لكل مكروب من المسلمين يا رب العالمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

خُلق الحياء وحاجة المجتمعات إليه وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحياء... فلسفة الإيمان
  • الحياء وجهاته
  • أقوال وحكم عن الحياء
  • خطبة في الحياء
  • مهلا.. لقد تربيت على الحياء
  • درع العفاف: الحياء والحجاب
  • كلمة عن الحياء
  • كيف نقيس كفاءة المجتمعات؟
  • خطبة عن الحياء
  • الحياء المنشود
  • استحيوا من الله حق الحياء
  • الأخلاق: الحياء
  • تذكير الأتقياء بخلق الحياء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق الحياء وحاجة المجتمعات إليه وقوله صلى الله عليه وسلم: الحياء لا يأتي إلا بخير(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خلق الحياء وأثره في رقي المجتمع(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خلق الحياء وأثره في رقي المجتمع(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الحياء خلق الإسلام(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خلق الحياء وبيان فضله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق الحياء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق آدم عليه السلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خلق المسلم نحو بيئته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية الأولاد بين الحكمة والرحمة (1 /3)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- نحتاج لنشر خلق الحياء
سعيد - السعودية 05-10-2017 02:01 PM

شكراً جزيلا
فعلا جميع المجتمعات تحتاج لهذا الخلق خلق الحياء

الحياء كفيل بتعديل أخلاقيات الناس وقيامهم بالواجب نحو بعض.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب