• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    التقوى مفتاح العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ثلاثة الأصول - فهم معناه والعمل بمقتضاها
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. حيدر الغدير / مقالات
علامة باركود

الشيخ الأعجوبة علي الطنطاوي

الشيخ الأعجوبة علي الطنطاوي
د. حيدر الغدير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/5/2012 ميلادي - 15/6/1433 هجري

الزيارات: 27689

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشَّيخ عليٌّ الطَّنطاويُّ (1327-1420هـ / 1909-1999م) رحمه الله: أُعجوبَةٌ مِن أعاجيب عَصْره؛ عِلمًا وحِكمَةً، وعَقلاً وذكاءً، وبَيانًا وفَصاحةً، وطُرفةً ونادِرةً، وثَقافةً غنيَّةً مَوسوعيَّةً، وذاكِرةً قويَّةً، وقُدرةً على إيصال المعلومة للآخَرين بأُسلوبٍ شائق ينفرد به. وهو قارئٌ مُدمِن، وعِصاميٌّ حقيقيٌّ، وقد جعلَتْه عِصاميَّتُه مع الزَّمنِ نَسيجًا مُتميِّزًا، إنَّه عِصاميٌّ في طلَبِ الرِّزق، وعِصاميٌّ في تحصيل العِلم، وعِصاميٌّ في الأداء والبَلاغ المُبين، وعِصاميٌّ في المكَانة التي احتلَّها عن جَدارةٍ، وكان بها محلَّ التَّقدير والإجلال من الكَثيرين من العلماء، والأُمراء، والدُّعاة، والسَّاسَة، والأُدباء، من مُختلِف المستويات والشَّرائح.

 

تعمَّق في عُلوم الشَّريعة والأدب واللُّغة والقَضاء، وأحاط بقضايا عَصْرِه إحاطةً مُمتازة، وأحبَّ دِينه حبًّا جمًّا، ووهَبَ نفسَه له، فكان بحقٍّ من أعظَم دُعاة الإسلام وحُماته، وأضافَ إلى ذلك رغبةً في اليُسر والاعتِدال، وقُدرةً على رَبْط الجُزئيَّات بالكُليَّات، والأحكام بالمقاصِد، فَضلاً عن وَعْيٍ عميق بمَنطِق الأولويَّات والمُوازَنات، وإعطاء كلِّ قضيَّة حقَّها، ووضْعها في مكانها الذي تستحقُّه، لا تتقدَّم عنه ولا تتأخَّر.

 

ولأنَّه داعيةٌ إسلاميٌّ واعٍ جدًّا، جعلَ مِن دأْبِه أمرَين؛ الأوَّل: أن يعرِفَ خُطَطَ الأعداء ويتصدَّى لها، والثاني: أن يعرِفَ جوانبَ القُصور في العمَل الإسلاميِّ ويُحذِّرَ منها، وله في هذَين الأمرَين جُهدٌ مَشكورٌ، وخِبرَة تجعله حُجَّةً ينبغي للدُّعاة الاستِفادةُ منها.

 

ومع أنَّه كان مُذْ بدأَ عمَله الدعويَّ مِلْءَ السَّمع والبصَر، إنَّ له مواقفَ مَجيدةً زادَتْ من شُهرته ومَجْده، وجعلَتْه حديثَ الناس، وازدادَ أهلُ الخير حُبًّا له بسببها، وازدادَ أهلُ الشرِّ كُرهًا له بسببها أيضًا، ولو أنَّ الإنسان تتبَّع هذه المواقِفَ، لعاد منها بحَصيلة وافِرة جدًّا، ليس هذا مَكانَها.

 

يبدو لي أنَّ الشَّيخ الطَّنطاويَّ كان عدَّة رجالٍ في رجل، فهو: أُستاذ، وخَطيب، ومُربٍّ، وفقيه، وقانونيٌّ، ومؤلِّف، وأديب، وقاضٍ، وقَصَّاص، ومَسرحيٌّ، وصحفيٌّ، ورحَّالة، وناقِد، وداعية، وراوية، وساخِر، ثمَّ هو أحَدُ شُهود العَصْر النَّادِرين الذين تابعوا - بوَعْيٍ وإحاطَة - تَغيُّرَ الدُّوَل واختِلافَ الحُكَّام منذ نهاية الدَّولة العثمانيَّة حتَّى وفاته.

 

وإذا كانت هذه المزايا الكَثيرة التي أكرَمَه الله - عزَّ وجلَّ - بها، من أسباب شُهرته من ناحية، ومن أسباب سَعَة نفْعِه للمُسلِمين من ناحية، فإنها قد جارَتْ عليه؛ ذلك أنَّها أدَّت به إلى كثير من الشَّتات، وكثير من التَّكرار، ولو أنَّه نجا من ذلك بالتركيز على ما هو أقدَرُ عليه وأنفَعُ فيه، وانصرف عمَّا سِوى ذلك، لكان حظُّه من النَّجاح والنفع أكبَرَ بكثير مما حازَه؛ ولذلك أرى أنَّ كَثيرًا من جُهدِه سوف يَطويه الزَّمن فيما يَطويه، ولستُ أدري كيف غابَ عنه هذا الأمرُ مع ذكائه ونُبوغِه! إنَّ التاجِر الحَصيف يستغني عن صَفقةٍ رابِحة؛ مِن أجلِ صَفقة أكبرَ رِبحًا، وهذا الأمر يصحُّ في عالَم الأفكار، كما يصحُّ في عالَم الأموال. وللإمام العبقريِّ أبي حامدٍ الغزاليِّ رحمه الله، جملةٌ وَجيزةٌ عبقريَّة، يَحسُن إيرادُها في هذا السِّياق يقول فيها: تَركُ الترتيب بين الخيرات من جُملة الشُّرور.

 

وأنا من الجيل الذي تفتَّح وَعْيُه، والطَّنطاويُّ مِلْء السَّمْع والبصَر، فبهَرني جدًّا، واتَّصلتُ به من خِلال الخُطبة والإذاعة والتلفزة والكِتاب، ثُمَّ اتَّصلتُ به صِلةً شخصيَّةً سَمعتُ فيها منه وسَمعَ منِّي؛ لذلك لي أن أقولَ وبفَخْرٍ: إنَّه أحَدُ أساتذتي الذين وضَعوا بصَماتِهم عليَّ فِكرًا وبيانًا.

 

كنتُ أَحرِصُ جدًّا على زيارة الشَّيخ الطَّنطاويِّ حين يُتاح لي ذلك في بيتِه في مكَّة المُكرَّمَة أو بيتِه الآخَر في جدَّة، وكنتُ أَحرِصُ على أن أُوجِّهَ إليه بعضَ الأسئلة التي تَشغَلُني؛ حتى لا تكونَ الزِّيارة مُجرَّد تَحيَّة ومُجامَلة وإضاعة للوقت، وأهمُّ من هذا وذاك كنتُ أَحرِصُ على أن أَعرِضَ عليه ما يَجدُّ في ذِهْني من أفكار، أشكِّلُها ببُطْء وأتشبَّثُ بها بإصرار - مع أنَّ كثيرًا ممَّن حولي يلومونَني عليها - وأَطلُب رأيه فيها، ومُحاوَرةُ العُقَلاء الصُّرَحاء الفُضَلاء هي الطريقةُ المُثلى لِمعرفة الصَّواب والخطأ مما نؤمنُ به، وفي كثير من الأحيان كان الشَّيخ يُؤيِّدُني ويَربِط على قلبي، ومع الزَّمَن ومع استمرار العَرْض والحوار، بدأ الشَّيخ يُثني عليَّ ويُشجِّعُني؛ حتَّى إنَّ أحد تلاميذه الآخَرين - وهو في الوقت نفسِه أخي وزميلي وتِرْبي - كان يقول لي في سياقٍ مِن الدُّعابة والثناء: يا حَيدر، إنَّ الشَّيخ يُؤمِن بكَ.

 

وكنتُ حَريصًا جدًّا على أنْ أَعرِفَ رأيَه في شِعري؛ لأنِّي خَشيتُ أنْ أكونَ مُجرَّد ناظِم، ولأنَّه قرأ لي قِطعةً قصيرةً، فأخبرَني أنَّها لم تُعجِبْه، ثم شاء الله - عزَّ وجلَّ - لي أنْ أزورَه برُفقة أخي وزميلي وتِرْبي الذي سبقَت الإشارةُ إليه في بيتِه في مكَّةَ المكرَّمة يوم الجمعة (6/2/1412هـ) (16/8/1991م).

 

وقد حَرَصتُ على تأريخ هذا اليوم - وبغايَة الدقَّة - لفرَحي بما ظَفِرتُ به من الشَّيخ فيه؛ لقد طلَبتُ منه أن يقولَ لي رأيَه في شِعري بصَراحة تامَّة، وقلتُ له: سوف أقرأ لك قَصيدةً أَعدُّها من أجود شِعري، وبعدها قُل لي: دَعِ الشِّعرَ فأنت لم تُخلَقْ له أو امضِ فيه، إنَّه شَرطي للقِراءة؛ فربَّما لا أَصلُح للشِّعر، فأبى الشَّيخُ أن يَعِدَ بشيء، فكرَّرتُ الطلب، فأبى الشَّيخ؛ ذلك أنَّه أراد أن يَدفَعَ عن نفسِه الحرَج، وعنِّي الإحباطَ لو كانتِ النَّتيجةُ سلبيَّة. على كلِّ حالٍ قرأتُ القصيدةَ للشَّيخ عليٍّ، وكانت "جُرح الشَّآم" فسُرَّ كثيرًا، وطَرِبَ واهتزَّ، وكرَّر كلمةَ "عظيم" عدَّة مرَّاتٍ، ثمَّ أردَفَ: إنَّ المَرْء يسكُت أحيانًا من شدَّة الإعجاب. ففَرحتُ بذلك كثيرًا جدًّا، وعَدَدتُّ ذلك إجازةً من الشَّيخ لشِعري، وقُلت له: يا سيِّدي شَهادتُك عِندي أعلى من شهادة مَن منحوني الماجستير. ولم أكُنْ قد حَصلتُ على الدكتوراه يومَذاك.

 

ومِن المعروف أنَّ الشَّيخ الطَّنطاويَّ اعتزل الدُّنيا كلَّها في العِقْد الأخير من عُمره، وظلَّ بين بيته في مكَّةَ المكرَّمة وبيته الآخَر في جدَّة حتَّى مات عام (1420هـ / 1999م) رَحمه الله رحمةً واسِعة، ومع اعتِزاله الاختياريِّ هذا، ومع مكانته الجليلة المُقرَّرة، ومع معرفته بسوء رأيي في بعض خاصَّته، أبَى عليه كرَمُه وإنصافه، وقُدرتُه على الفَصْل بين الأمور، ووَضْع كلِّ أمر في حجمه ومكانه، إلا أنْ يتَّصلَ بي هاتفيًّا لمَّا عرَف أنِّي حصَلتُ على الدكتوراه عام (1414هـ / 1994م)؛ ليقولَ لي من حيثُ يُقيم في مكَّةَ المكرَّمة إلى حيثُ أُقيم في الرِّياض: أنا ما اتَّصلتُ بك لأهنِّئكَ بالدكتوراه؛ بل لأهنِّئَ الدكتوراه بكَ. فاستبدَّ بي فرَحٌ غامِر، وشَكرتُ الشَّيخَ شُكرًا جَزيلاً، وقلتُ له: هذا الثَّناء أجلُّ عِندي من رأي اللجنة العلميَّة التي منحَتْني الدكتوراه.

 

وحين طبَعتُ بحثَ الدكتوراه - وكان عن الشَّاعر الكبير عُمر أبو ريشة رحمه الله - وقرأه الشَّيخُ الطَّنطاويُّ، أثنى عليه كثيرًا، ووصفَ الكِتابَ بأنه مُدهشٌ ومُمتاز، ووصف اللغة بأنها عالية، وقال لي: لقد أنصفْتَ الشاعِر، وكنتُ أُقرُّ بجَودتكَ كاتِبًا، لكنْ لم أكنْ أظنُّك بهذا المستوى، وأنا الآن أُشيد بمَقْدرتك كاتبًا بعد أن أشدتُّ بمَقْدرتكَ شاعِرًا. عِندها تشجَّعتُ وأحسَسْت أنِّي أريد أن أظفَرَ من الشَّيخ بمَزيد من الثَّناء، فقرأتُ له قَصيدتي "يا شام"، فسُرَّ بها كثيرًا، وكان اختياري لهذه القصيدةِ بالذَّات مُوفَّقًا؛ لأنَّ الشَّيخ عاشِقٌ لدمشقَ من ذُروة رأسه حتى أخْمَص قدمَيه، وربَّما كان في اختياري لهذه القصيدة نوعٌ من المَكْر المُباح، على كلِّ حالٍ فرحتُ كثيرًا بثَناء الشَّيخ وسُروره، وهو ما دفَعني إلى تَدوين هذه الزِّيارة وتأريخها فورًا، وكأنَّها وثيقةٌ أَزهُو بها، وأخاف أن تتسرَّبَ من الذَّاكرة، لقد كانت الزِّيارة في بيته العامِر في جدَّة، يوم الخميس (21/2/1418هـ) (26/6/1997م).

 

وفي زيارة أخرى للشَّيخ تاريخها (24/1/1411هـ)(15/8/1990م)، سألتُه عدَّة أسئلة عِندي أجوبةٌ حاسمة لها تمامًا؛ ليَرُدَّ عليَّ إنْ رفَضَها، وليَربطَ على قلبي إنْ أقرَّها، فأقرَّها جميعًا.

 

قلتُ له: إنَّ علوم الفلسفة ليس لها فائدة، ولن تَخسرَ البشريَّةُ شيئًا لو هلكَتْ جميعًا، فوافَق. وقلتُ له: إنَّ علوم البلاغة العربية - خاصَّةً في القرون الأخيرة - لن تَخسَرَ العربيَّةُ بفِقدانها شيئًا؛ لأنَّها تقومُ على تقسيماتٍ عقليَّة لا تبقى في الذِّهن، ولا تصنَع من حافِظها أديبًا بليغًا، فوافق وسُرَّ كثيرًا، وقال مُمازحًا: لو كنتَ جَميلاً لقبَّلتُك. وقلتُ له: إنَّ طريقة تدريس علوم الدِّين عامَّةً والتَّوحيد خاصَّةً طريقةٌ حِفظيَّة تَلقينيَّة قليلةُ الجَدوى، فأيَّد ذلك. وقلتُ له: إنَّ كثيرًا مِن المتديِّنين الذين ارتبطَتْ أرزاقُهم بالدِّين، هم - بسُلوكهم وعاداتهم وتَكلُّفهم وضَعْف ملَكاتهم - قليلو النفع للدِّين، وربَّما كان بعضُهم يَضرُّ، فأيَّد الشَّيخُ ذلك، وذكر أنَّ له مقالاً طريفًا عن هذا الموضوع عنوانه: "صِناعة المَشيَخَة".

 

وبعدُ؛ فإنِّي لا أدَّعي للشَّيخِ عليٍّ الطَّنطاويِّ - رحمه الله - كَمالاً ولا عِصمَةً، فالكَمالُ لله وحدَه جلَّ جَلالُه، والعِصمَة للأنبياء الكِرام فقط، لقد كان بشَرًا من البشَر له وعليه، ولكنْ لي أنْ أُقرِّرَ ومعي شواهِدُ كثيرةٌ جدًّا:أنَّ ما له أكبرُ بكثير جدًّا ممَّا عليه، وأنَّه من أنبغ النُّبَغاء، وأذكى الأَذكياء، وأنَّه إضافة مُتفرِّدة في عَصْره، وأنَّه من أعظَم دُعاة الإسلام وحُماته، وأنَّ سيرتَه جَديرةٌ أنْ تُدرَسَ وتُحتَذى، ويتعلَّمَ منها الكِبارُ قبلَ الصِّغار.

 

إني أنتقدُه لِما وقعَ فيه من الشَّتات والتَّكرار، وأنتقدُه أيضًا لمزاجه الخاصِّ الحادِّ الذي ضيَّق دائرةَ من أرادوا الاستفادةَ العلميَّة والدعويَّة والتربويَّة من خلال القُرب منه، وأنتقدُه أيضًا لحجب بعض مُروءاته التي هو قادرٌ عليها عن بعض مُستحقِّيها الأخيار لحساباتٍ خاطئة، وأنتقدُه كذلك لأنه لم يؤلِّف لنا كتابًا مستقلاًّ عن العمل الإسلاميِّ الحديث يصفُه، ويقوِّمُه، ويقترح له خططًا ومعالمَ مستقبليَّة تجعله أكثرَ صوابًا، ولو أنه فعلَ لقدَّمَ خِدمةً متميِّزةً جدًّا نافعةً جدًّا. إن في كتاباته وأحاديثه أشياءَ جيِّدةً تتصلُ بذلك، لكنَّها مُبعثَرةٌ هنا وهناك، وتشكو من التجزئة والتكرار، والوصولُ إليها في مَظانِّها الكثيرةِ الممتدَّة زمانًا ومكانًا أمرٌ شاقٌّ جدًّا.

 

وثمَّةَ اعتِذارٌ أضعُه بين يدَي القارئ الكريم، حول حِرصي على الحَديث عن صِلَتي به وثنائه عليَّ، ويغفرُ الله تعالى لي إن أخطأتُ، لقد أردتُّ للشابِّ أنْ يحفظَ مَنزلةَ أساتذته، ولكنْ ليس له أن يَذوبَ فيهم، وأردتُّ له أنْ يسألَهُم عمَّا يصلُ إليه من أفكار؛ ليَربطوا على قلبه أو ليُصحِّحوا له، وأردتُّ له أيضًا أن يفرَحَ بثَناء عُقلائهم عليه وتشجيعهم له؛ فذلك حافِزٌ قويٌّ جدًّا له على المُثابَرَة والنجاح. ولقد كنت ولا أزالُ أرى أنَّ الحوار مع العُقَلاء الصُّرَحاء الفُضَلاء مَغنمٌ كبير جدًّا، وخُطوةٌ في الترقِّي، وعَونٌ على تطوير الذَّات، وزيادةِ مِساحَة الصَّواب، وتَقليل مِساحَة الخطأ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته
  • سيرة الشيخ علي الطنطاوي
  • علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"
  • علي الطنطاوي مربِّيًا (1)
  • علي الطنطاوي مربِيًا (2)
  • علي الطنطاوي مربِّيًا (3)
  • علي الطنطاوي أديب الفقهاء
  • درر الشيخ علي الطنطاوي (1)
  • رثاء العلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى (قصيدة)
  • بين الشيخ علي الطنطاوي.. ونزار قباني

مختارات من الشبكة

  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد في محاضرة: مسائل متعلقة بشهري شعبان ورمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الشيخ د. عصام بن صالح العويد في محاضرة بعنوان (أركان تربية القرآن)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مسند الديار النجدية وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالرحمن الدوسري مع الشيخ صالح الحيدان - الإيمان بالقضاء والقدر(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • رسالة وفاء ومحبة لعلماء دمشق من الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي إلى الشيخ عبد الرزاق البيطار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة إجازة من الشيخ علي بن سليمان المنصوري إلى الشيخ حسين بن مراد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ جبران بن سلمان سحاري في محاضرة: اختيارات فضيلة الشيخ عبدالله بن عقيل في باب النكاح(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)

 


تعليقات الزوار
3- لم لا؟
عبدالله - السعودية. تبوك 20-08-2012 05:58 PM

أعترف أني لم أعرف الدكتور حيدر إلا بالأمس القريب إثر مقابلة تلفزيونية عابرة لمحته فيها فشدني
حديثه فاندفعت أبحث عن مقابلاته وإبداعاته على الشبكة. فلما وجدت إحدى مقالاته تحمل اسم الحبيب
علي الطنطاوي رحمه الله سارعت إليها ولم أجد فيها إلا الحب للشيخ والموضوعية. وأقول لحفيد الشيخ
على رسلك فإن الشيخ ركاز ثمين وأعده ملك عام لكل محبيه ولا نرضى له انتقاصا ولم أجد في كلام الدكتور ما يدعو لهذه الحدة وهذا الطعن من طرف خفي في حقه في التقدير من الشيخ علي رحمه الله.

2- لو لم!
سخي السحاب - السعودية 07-06-2012 10:17 AM

مقال جميل كتب في واحد من أجمل رجالات العصر و أكثر الرجالات افتقادا و لطيف ذكر. موسوعي إسلامي عالمي ما أتى عصرنا بعد بمثله. دماثة في الطرح واللقيا والقلم، وعمق في الفكر والقلم والأمل والألم. مفكر لكل الناس ومفكر لصفوتهم: وما اجتمعت هاتان الخصلتان في شخص إلا وسيدتاه في عالم الفكر والأدب. ولا أظنها في قرننا المنصرم وحتى ما انتهى من قرننا الحالي اجتمعت لشيخ غير الشيخ علي الطنطاوي. اسأل عنه الصغير قبل الكبير، واسأل عنه العالم والعامل، واسأل عنه المتدين وغير المتدين، والرجال و النساء، وسترى له في العقل و القلب وقعا غريبا، وأثرا عميقا. يختصر جمال القلم في كل كتبه ولا يعيي العقل في فهم أدبه.
جميل جدا ما أتي به قلمك أستاذنا الكبير د. حيدر، ولكنني فقط أنتقد سطورك الأخيرة التي أتت لتنثر التراب في عيون من قرأوك في الطنطاوي و قرأوا قبلك الطنطاوي و شاهدوه. لو أنك ما أتيت بها فحافظ مقالك على جميل طرحه لكان أجدى.
ليس دفاعا عن كمال أشخاص نقول ذلك: فلا أنت ولا أنا و لا غيرنا من البشر معصوم عن الخطأ، و لكن ولو افترضنا أن رأيك في الشيخ الذي أتيت به في مقطعك الأخير كان رأي غير شخصي - و إن كنت أراه رأيا شخصيا ربما قام على تجربة لك معه فأتى تصرف الشيخ رحمه الله مرهونا بتلك اللحظة التي لا يعرف القاريء تفاصيلها و لا يعنيه أن يعرفها- أقول لو افترضنا أن ما قلته كان دقيقا مئة في المئة: فكيف سينفع ذلك القاريء و الباحث و المهتم بقضايا الفكر؟ لو ارتقى القلم وسمى الفكر وصار عالمي الذكر والحضور كما هو الحاصل في فكر الشيخ الطنطاوي رحمه الله، فقل لي بربك كيف سيفيدني كباحث أن أعرف أن الشيخ كان كذا و كذا في سلوكياته؟
فلندع عنا هذا ونتركه لو حاك في نفسنا و اضطررنا للحديث عنه، فلنتركه لمنابر غير منابر الفكر ونفرد له جلسات حديث خاصة.
وما يضرك سيدي لولم يستقبل الشيخ طلاب العلم في بيته و مجالسه الخاصة - لو افترضنا دقة ما تقول- مادام قد ترك لهم تاريخا ينهلون منه أبدا خلدته كتب الشيخ التي لا تزال تطبع وتطلب اليوم و كأنها ولدت اللحظة.
ربما لو اكتفيت بقول أنه ما من إنسان كامل ونحسب أن الشيخ فعل ما بوسعه ليصل للكمال لفهم القارئ أن لك تحفظا على الشيخ ولكنك تأبى أن تقوله.
ربما لو فعلت ذلك لكان أرقى لك في نظر القارئ الذي يحب قلمك كما يحب من كتبت به.
ولك خالص الشكر والتقدير.

1- استدراك من حفيد الشيخ
مجاهد مأمون ديرانية - السعودية 27-05-2012 02:41 PM

أشكر أخي الفاضل الأستاذ حيدر على مقالته اللطيفة عن جدي رحمه الله، وأجد من واجبي أن أستدرك عليه بعض ما ورد فيها، ليس تعصباً للشيخ رحمه الله ولكن من باب الإنصاف وذكر الحقيقة من شخص يعرف الحقيقة.

انتقد الأستاذ حيدر الشيخ رحمه الله في ثلاث، الأولى أصاب فيها، وهي أنه وسّع جبهة العمل فلم يتفرغ لأبحاث متخصصة في العلوم اللغوية أو الشرعية أو التاريخية. وهذه قد تُحسَب له أو عليه، فإن يكن حرم محبيه ومتابعيه من بحث متخصص أو دراسة عميقة في فن من الفنون فما هذا بالحرمان الكبير، لأنه أمر يُحسنه أيّ واحد من أهل العلم بقليل من الجِدّ والمثابرة، أما الشمول واتساع الثقافة وتنوع المجالات، وهي الصفات التي غلبت على الشيخ علي الطنطاوي، فهذه لا يقدر عليها إلا القلة القليلة من الناس، وهي سرّ نجاحه الكبير. فهل نوافق الأستاذ حيدر فنعتبر هذه الخصلة عيباً أم مزيّة؟ الحكم لقرّاء الشيخ ومحبّيه ومتابعيه.

الثانية -التي عُرضت في المقالة واحدةً من ثلاث فظهرت وكأنها من أظهر صفات الشيخ- هي المزاج الخاص الحادّ "الذي ضيق دائرة من أرادوا الاستفادة من الشيخ". لا، لم يكن الأمر كذلك. فأما أنه كانت عنده حدّة فنعم، ولكنها كانت تظهر في لحظات عابرات ويعقبها رضا وانشراح في أغلب الأوقات، فهي سمة عارضة وليست طبعاً عاماً، أما السبب الحقيقي لانقطاعه عن الناس وضعف صلاته الاجتماعية فكان اتساع أعماله وضيق وقته، فاضطر إلى إغلاق بابه على نفسه ليتفرغ لعلمه وعمله، ولو أنه فتح الباب لكل محب ومنح الوقت لكل زائر لاستفاد منه عشرات أو مئات وحُرم من آثاره وأعماله مئاتُ ألوف أو ملايين. فهل نوافق الأستاذ حيدر فنعتبر هذه الخصلة عيباً أم مزيّة؟ الحكم لقرّاء الشيخ ومحبّيه ومتابعيه.

الثالثة لن أترك الحكم فيها للقراء، وهي الهجاء الشديد الذي هجا به الأستاذ حيدر الشيخَ رحمه الله حينما قال إنه "حجب بعض مروءاته عن مستحقيها الأخيار -وهو قادر عليها- لحسابات خاطئة" (كما قال الأستاذ حيدر).

أحب أن أوضّح فأقول إن هذه الحسابات الخاطئة هي كرامة الشيخ وعزة نفسه، هي رفضه لطَرْق الأبواب والتزلف إلى الكبراء، هي الصفة التي جعلت حفيده -الذي يكتب هذه الكلمات- يعيش منذ تسعة أشهر برخصة إقامة منتهية ولا يقدر على تجديدها لأنه يعيش في المملكة كما يعيش أي أجنبي فيها، ولو أراد جده أن يطرق الأبواب وأن "لا يحجب مروءاته" لكان حَفَدته وأصهاره جميعاً يحملون جنسية هذا البلد... ومع ذلك سأقول ما هو أغرب: لقد "حجب مروءاته" عن أهله لأنهم يمكنهم أن يعيشوا دون أن يَضطروه إلى إراقة ماء وجهه والتفريط بشيء من عزة نفسه، ولكنه لم يحجبها قط عن محتاج حاجة حقيقية، ولطالما سعى في أمور أناس انقطعوا إلا من رحمة الله، وما أكثر الذين يعرفون أياديه عليهم من وراء الستار، ولا يضرّه أن لا يعرف فضلَه عامةُ الناس إن عرفها رب الناس وقد صار اليوم بين يديه.

على أنه لم يبخل -رحمه الله- بماله قط، والذي أعرفه أنا نفسي من ذلك كثير لأنني كنت "وزير ماليته" في السنوات الأخيرة من عمره، ولم يبخل -رحمه الله- بلطفه وأدبه، فكان كثيرَ المجاملة لضيوفه وزوّراه الذين كثروا في السنوات العشر الأخيرة من حياته، حتى لقد كان يوزع المدائح على الناس بالجملة وبالأكوام وبغير حساب -كما ذكر أخونا الأستاذ حيدر في مقالته هذه- فيشجع المواهب ويرفع المعنويات وهذا -لعمري- هو الكرم الحقيقي من العالِم الكبير.

أكرر شكري للأستاذ حيدر على تفضله بالكتابة عن الشيخ رحمه الله، ولعلي أعود إلى بعض ما أوجزت هنا بتفصيل أكثر ذات يوم إن شاء الله.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب