• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. حنافي جواد / مقالات علمية
علامة باركود

إضاءات واستشكالات في الحداثة

إضاءات واستشكالات في الحداثة
أ. حنافي جواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/3/2016 ميلادي - 22/5/1437 هجري

الزيارات: 16233

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إضاءات واستشكالات في الحداثة


هذه إضاءات مهمة في إشكالية الحداثة، وما بعدها أو قبلها،أحببت أن تكون شاملة تطرح الإشكاليات ولا تلتزم بالإجابات القطعية الحاسمة في موضوع طويل الذيل، ينحو منحى فلسفيًّا، وإن كنت أبدي فيها وجهة نظري بين الفينة والفينة.

 

الحداثة مهمة أي أهمية، والانخراط فيها ضرورة أي ضرورة، ولكن ليس بعجرها وبجرها.


نريدها حداثة فاضلة تعترف بالهوية واللغة، وتنفتح على الآخرين في العالم، ولا تهمل المحيط البيئي، الذي نعده جزءًا منا.


نريدها حداثة لا تدفع الفرد للتماهي مع الجماعة المحلية أو الدولية تحت مسمى الكونية،إنه فرد مستقل عن التنميط المقصود عن طريق الحداثة أو ما بعدها أو العولمة وما لها وما عليها.


بادئ ذي بدء فإن الحداثة ضد القدامة، وليس كل قديم قبيحًا أو منبوذًا؛ فإحياء القديم والنبش فيه تجديد.


والفعل الحداثي متعد، تعدى العالم الغربي إلى العالم العربي، من أدناه إلى أقصاه، داخلًا من النوافذ والشقوق والسطوح، عبر موجات الشبكيات والصحون والتيارات والهوائيات، وكل وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية،فرض نفسه بقوة - ناعمة - في الساحة؛ زائرًا أو ضيفًا أو دخيلًا أو متطفلًا.


وتحدث الحكماء أنه اختلط بجينات كثير من البشر، من حيث يدرون ولا يدرون، فما زالت مقاومة له متحصنة في عدة من الثغور، نسأل الله السلامة.


واختلف الناس قديمًا وحديثًا في تعريفها، وتباينت التعريفات بتعدد الطارقين لبابها، كل يدلي بدلوه من موقعه وحقل اهتمامه ومجاله، وهناك تعاريف محيطة شاملة، ترصد كل ملامحها، أو أجزاء منها.


وتبدو الحداثة عند الروائي عبدالرحمن منيف من أكثر المصطلحات خلافية، بسبب عدم تحدد معناه بدقة، وعدم معرفة أسباب وظروف نشأته، وبسبب عزله عن سياقه التاريخي وطغيان إحدى دلالاته الجزئية على المفهوم[1].


ولا شك أن الحداثيين العرب حاولوا بشتى الطرق والوسائل أن يجدوا لحداثتهم جذورًا في التاريخ الإسلامي، فما أسعفهم إلا من كان على شاكلتهم فذكروا لهم أسماء، لكن الواقع أن كل ما يقوله الحداثيون هنا، ليس إلا تكرارًا لما قاله حداثيو أوربا وأمريكا، ورغم صياحهم وجعجعتهم بالإبداع والتجاوز للسائد والنمطي - كما يسمونه - فإنه لا يطبق إلا على الإسلام وتراثه، أما وثنية اليونان وأساطير الرومان وأفكار ملاحدة الغرب، حتى قبل مئات السنين، لذلك تجدهم يذمون كل ما هو آت عن المسلمين، ويمجدون ما جاء عن ضلال الفلاسفة[2].


يقول أدونيس: "مبدأ الحداثة هو الصراع القائم بين السلفية والرغبة العاملة لتغيير هذا النظام، وقد تأسس هذا الصراع في أثناء العهدين الأموي والعباسي، حيث نرى تيارين للحداثة: الأول سياسي فكري، ويتمثل من جهة في الحركات الثورية ضد النظام القائم، بدءًا من الخوارج، وانتهاءً بثورة الزنج، مرورًا بالقرامطة، والحركات الثورية المتطرفة، ويتمثل من جهة ثانية في الاعتزال والعقلانية الإلحادية وفي الصوفية على الأخص"[3].


ويعتبر أدونيس المنظر الفكري للحداثيين العرب، الذي أخذ على عاتقه نبش كتب التراث ليستخرج منها كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين، من أمثال بشار بن برد وأبي نواس؛ لأن في شعرهم كثيرًا من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد، والسخرية منها، والدعوة إلى الانحلال الجنسي..."[4].


ويتحدث عبدالله العروي عن الإصلاح الضروري لتجاوز التخلف، واقتحام فضاء الحداثة اقتحامًا حقيقيًّا، يقول: يتأصل عقل الفعل في نقض عقل الاسم.


ولا يكون الإصلاح إصلاحًا إنشائيًّا إلا في الإطار الأول، وخارج إطار الثاني، وهذا ما تؤكده الملاحظة بعد أن أقره النظر.

الحسم الذي نتكلم عليه قد وقع بالفعل في جميع الثقافات المعروفة لدينا، ابتداءً من القرن 16مـ إلى يومنا هذا[5].


(عقل الفعل) مخالف تمامًا للعقل العربي الذي نحتفي به، ونكرره بمناسبة أو بدونها، باعتباره نصير العلم، ويقدر التجربة والعمل.


وجزء كبير من أعطاب الحداثة في البلاد العربية يرجع لهذه المفارقة المزمنة التي تمزق الثقافة وجهود الإصلاح بالعالم العربي[6].


العقل الاسمي عقل بعيد عن الحداثة، والثاني عقل منتج لحداثة حقيقية.


نقطة نظام:

الحداثة وما بعدها وقبلها من التحديث المعلوم، منتوج غربي مستورد، اقتحم أسوار العالم العربي، ودول كثيرة في العالم، باعتباره ضرورة منطقية مسلمًا بها، أو موضة لا مناص منها، إما أن تنخرط فيها، أو لا تكون هي مسألة وجود أو عدم!".


يعنون بذلك إما أن يكون المثقف حداثيًّا، أو لا يكون مثقفًا...والشاعر الحقيقي لا يكون محافظًا"[7].


لن أدعو كما دعا طه عبدالرحمن في روح الحداثة[8] إلى التعامل مع المصطلحات الجديدة والمفاهيم المخترعة، التي شاع تداولها، وأن نخرجها على قواعد مجالها التداولي، بدءًا من الحداثة، وما بعد الحداثة، إنما أدعو إلى عدم الانسياق مع المصطلحات كما هي، بل أن نكشف عوارها وشبهاتها، ونقدم البديل لها، فتحوير المصطلح وتمطيطه وتمديده وتأويله ليشمل ما نريد من باب (نحن السابقون) لا يستساغ؛ لأن هذا المنطق لم يثمر في مجالات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، عندما أغرق بعضهم فيه، وحمل النص ما لم يتحمله.


فالعالم اليوم منبهر بالعلمانية، فهل يمكن أن نلصق بها الإسلام، تحت مسمى العلمانية الإسلامية؟

وحري بالذكر أن الحداثة ليس واحدة،هناك حداثات، حداثة تقنية وثقافية وفنية ودينية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأدبية... وهلم جرًّا.


هدفها واحد، هو تجاوز القديم والبحث عن الجديد، للمواكبة والتطوير والبناء والتفاعل والتجاوز، الذي يعتبر سنة من سنن الله في الكون.


والناس اليوم في علاقتهم بالحداثة أصناف، رافض لها، ومرحِّب بها، ومرتبك، ولكن أغلبهم، عند التمحيص، تجده منغمسًا فيها حتى الأذنين، ورغم ذلك تلفيه مصرًّا على انتقادها،وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام.


إن الحداثة التقنية والتكنولوجية والفنية والعلمية الخاضعة للضوابط الأخلاقية مقبولة، بل مدعو لها، ولكن الإشكال في فلسفة الحداثة، وأبعادها الإقصائية، وفي تفاصيلها وأبعادها الإيديولوجية والفلسفية والعقائدية،ولا يخلو منتج من حمولة فكرانية،طبعًا الحداثة حمالة لحمولات أصحابها المبدعين لها، فهل يمكن الحديث عن أسلمة الحداثة؟


فمفهوم الحداثة يترنح بين جانبين:

• جانب اللغة التداولية، وما تحيل إليه من (الحديث - الجديد - الإبداع - التفكير وإعمال العقل - استنفار الطاقة - البحث عن أفضل الطرق لبلوغ الأهداف - الاستفادة من الأخطاء...)، ولا يكون هذا الجانب مقصودًا - غالبًا - إلا تباعًا لا أصالة.


• وجانب الفلسفة، الذي يستحضر الصراع بين الكنيسة (رجال الدين) ورجال العلم في أوربا، وما تعنيه من ضرب في الدين والتدين والأخلاق، بمعناها الديني، أو إقصائه وتهميشه وفصله عن الممارسة اليومية،ولمَ لا؟ نَقْد الدين وتسفيهه تحت أسماء ومسميات التفكيك، والبحث العلمي، وإحياء التراث، والدعوة إلى إنشاء فلسفات حديثة على أنقاض الدين!فالغالب أن التيار العلماني ينتعش وينتفش تحت جناحي الحداثة.


يقول أدونيس في مقابلة أجرتها معه مجلة "فكر وفن" عام 1987 مـ: "إن القرآن هو خلاصة ثقافة لثقافات قديمة ظهرت قبله (...) وأنا أتبنى التمييز بين الشريعة والحقيقة، إن الشريعة هي التي تتناول شؤون الظاهر، والحقيقة هي التي يعبرون عنها بالخفي، والمجهول، والباطن؛ ولذلك فإن اهتمامي بالمجهول ربما يأتي ويتغير باستمرار، وهذا ما يتناقض مع الدين".


وأدونيس هذا ينقم على المجتمعات العربية أنها لم تقتحم الحداثة كما ينبغي لها،واكتفت بحداثة شكلية ناقصة مبتسرة،وما زالت الحداثة العربية - في نظره - منطوية على نفسها، لم تتخلص من التراث الديني.


فهل الحداثة مسار طبيعي؟

يمكن القول: إنها مسار طبيعي أو صيرورة مجتمعية؛ لأن العالم يتجدد ويتغير، بناءً على أفكار وإبداعات العلماء في مختلف الميادين، استنادًا على الموروث الحضاري الشمولي، الذي ساهم فيه سكان العالم،إلى هذا الحد نحن لا نختلف،ولكن عندما تقصي الحداثة الوحيَ والهوية إقصاءً ممنهجًا، فهنا نختلف.


الهوية - عند كثيرين - هي الحداثة، هي أبوه وأمه وجده وخاله...هويته أن يكون حديثًا مواكبًا جديدًا مسايرًا، يستهلك حتى يوارَى الثرى، وبعد ذلك تنتهي القصة، فهل هذه حداثة؟


أما النص الديني في العقل الحداثي، فنص كسائر النصوص الأدبية والفنية واللوحات التشكيلية والمظاهر الطبيعية.

نص قابل للقراءة والتقليب والنقد السيميائي والتفكيكي والبنيوي...فلا مجال للحديث عن قدسية النص.

والنقد الحداثي الأدبي، نقد يتجاوز القوالب القديمة المعروفة، هو نقد متمرد، بل لا تكاد تميز فيه بين النقد والنص.


النص الحداثي، وما بعد الحداثي، يفر ويطير كلما اقتربت منه، وتلك من خصيصاته، نص زئبقي حمال وجوه ومعان، بل لا تكاد تدرك منه عبارة أو مفهومًا، ولو كنت خبيرًا في فك الشفرات، إنه النص المتمرد، فهل حكمت علينا الحداثة بالتماهي مع الغموض؟ "إن الشاعر يحرر الكلمة من معانيها، ومما علق بها من غبار السنين فيطهرها ويغسلها"، ويقول كمال أبو ذيب: "هي تثوير جذري للفكر"،ويقول أحمد كمال زكي: "الشعر الذي يفهم ليس بشعر"،ويقول سعيد السريحي: "إن هذه الأبواب الإبداعية ذات طبيعة تجعل من الغموض ضربة لازب"[9].


وقد تعرض الدكتور عبدالعزيز حمودة في مقاربته النقدية - الماتعة - لمفهوم الحداثة، الذي يعده غائمًا بسبب منهجية الإبهار، ولا سيما في المشهد النقدي العربي، متمثلًا بفارس من فرسان البنيوية، وهو الدكتور جابر عصفور، الذي يتعمد الغموض والمراوغة باستعمال الميتا لغة، وهما لازمتان من لوازم لغة الحداثيين العرب، وغير العرب، والتي تتطلب الاستعانة الدائمة بمعاجم حديثة في الدراسات النفسية واللغوية والنقدية لتحديد دلالات المفردات الباهرة، من مثل "الوعي" و"الإدراك" و"الأنا الفاعلة" و"القطيعة المعرفية"...[10]، وقد لا تفيدك المعاجم في فك الشفرات.


ويرى الحداثيون أن اللغة العربية الفصحى قوة ضخمة من الفكر المتخلف التراكمي السلطوي؛ لذا يجب أن تموت لتحل مكانها اللغة الحداثية الجديدة المتطورة المواكبة للمستجدات.


واللغة العربية تقصي الأنثى - في نظرهم - وتهينها، خصوصًا في الجموع، فجمع الذكران والإناث يرجح فيه الذكران، وجمع النسوة فيهن ذكَر يرجح الذكورية،هنا تتجلى السلطوية والقمعية اللغوية - كما يزعمون!


الحداثة والعقل:

الحداثة تحيل على العقل والتفكير، والمنهج والدقة والربط والتحليل، والمنطق والبرهان، بينما تحيل ما بعد الحداثة إلى تجاوز العقل والنظام، إلى الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة، وكسر كل الأساليب والقوالب والقواعد التي بناها العقل في الثقافة واللباس والحضارة، وأنماط العيش والحياة.


طبعًا لن تهدم العلم ومقوماته؛ لأن ما بعد الحداثة، جاء ليغطي الجوانب الثقافية الممزقة، إحالة إلى الفراغ الروحي الذي أسست له الحداثة، فكان البديل - في نظرهم - هو ما بعد الحداثة، عسى أن يسد خلات الخواء العاطفي والوجداني، والتصلب الحضاري الغربي، فدعهم يجربونها!


الانتقال من الحداثة إلى ما بعدها، لم يكن مرسومًا، كما ترسم الخطط على الورق،ولم يكن ضربًا من حظ، أو انتقاءً عشوائيًّا، بل كان مسارًا تكاد تتجلى ملامحه بارزة.


كان متوقعًا أن يمل الإنسان من الأطر التي لم تعُدْ قادرة على تغذية حيوانيته وروحه، بالشكل الذي يحيله إلى كائن متوازن مستقل، فكانت الحاجة إلى فلسفة ما بعد الحداثة، تكسيرًا لكل مألوف أو معتاد (كسر أسطورة الأطر).


جدير بالذكر أن ما بعد الحداثة احتفى بأنموذج التشظي والتشتيت واللاتقريرية، مقابل شموليات الحداثة وثوابتها،وزعزعت الثقة بالأنموذج الكوني، وبالخطية التقدمية، وبعلاقة النتيجة بأسبابها،وحاربت العقل والعقلانية، ودعت إلى خلق أساطير جديدة تتناسب مع مفاهيمها، التي ترفض النماذج المتعالية، وتضع محلها الضرورات الروحية، وضرورة قبول التغيير المستمر،وتبجيل اللحظة الحاضرة المعاشة،كما رفضت الفصل بين الحياة والفن، وأدب ما بعد الحداثة ونظرياتها تأبى التأويل، وتحارب المعاني الثابتة.[11]


وتنضبط ما بعد الحداثة - إذًا - داخل خريطة مفاهيمية تقوم، أساسًا، على النفي والتدمير والتجاوز والافتتان "بأخلاقيات الموت"، والتحرر ودرامية النهاية[12].


الحداثة والإسلام والتراث:

فإذا كان الخطاب الإسلامي يعتبر الدين والتدين سبيل الرقي والازدهار، فإن الخطاب الحداثي يرى خلاف ذلك.


الإسلام والتدين - في نظرهم - هو طريق التخلف والانهيار والرجعية، بل لا ننسى أن الإسلام عدو لدود، وكذا كل ما يضمر نكهةً إسلامية، ولو كانت علمانية، فهو مخيف ومرهب.


فالحداثة والإسلام خطان متوازيان لا يلتقيان.

هنا نتكلم عن الحداثة بصفتها فلسفة إقصائية، لا معنى لغويًّا أو مظاهر حديثة.


التراث، مصطلح مشمول بالأبحاث الحداثية، وغاية من غاياتها، وهو يشمل كل إنتاجات الفكر البشري في مجالات الثقافة والفن والخطابة والآداب والعمارة والعلوم،تراث الأمة ما له قيمة باقية من عاداتٍ وآدابٍ وعلومٍ وفنونٍ، وينتقل من جيلٍ إلى جيلٍ، كالتراث الإنساني والتراث الإسلامي والتراث الأدبي.


إنه إذًا الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني[13].


ولا يليق إدخال النصوص القرآنية والسنية في هذا التراث البشري، تنزيهًا لهما عن تحكم الأهواء والشهوات ووجهات النظر وتدخلات الفكر البشري النسبي، ولا ضير أن تدخل اجتهادات الناس في التراث؛ لأنها ليست مطلقة، بل يدخلها الخطأ والصواب.


والتراث ليس واحدًا:

• هناك التراث الديني، ويشمل الاجتهادات الإسلامية في مختلف المجالات الفقهية والأصولية والحديثية وغيرها،ويدخلها الاجتهاد والنقد بناءً على قواعد من أهل الاختصاص، نعني النقد من داخل التخصص، كما هو أمر سائر النقد، فلا نقد بدون علم ودراية ودربة، إذا أردناه أن يكون نقدًا علميًّا.


• هناك التراث المشرب بحس أو نكهة دينية، كالآداب الإسلامية من شعر وقصة...إلخ.


• وهناك التراث غير الديني؛ كـ (الثقافة والفنون والآداب، المنقولة عن الأمم والشعوب الأخرى...)،والمعيار فيها أن تقف عند الجمارك الإسلامية - على حد تعبير الشاهد البوشيخي حفظه الله - لتنخلها وتفرزها وتنزلها منازلها.


فالتوجيهات الحداثية تتجه إلى نقد هذا التراث وتفكيكه، وإعادة النظر فيه،لا تمييز بين نص الوحي وغيره، تقتحم كل شيء.


تبدأ الفكرة من نقد التراث، وتنتهي إلى الطعن في الدين الإسلامي، كما هو الأمر بالنسبة لمعظم المستشرقين.


وتقتضي الحداثة قطعًا مع التأسلف والتمغرب، على حد تعبير أدونيس[14].

ومن ثم فلا تنشئ الحداثة مصالحة، وإنما تنشئ هجومًا،تنشئ، إذًا، خرقًا ثقافيًّا جذريًّا وشاملًا لما هو سائد[15].


وفي تحديث العقل العربي وتجديده يقول الدكتور محمد عابد الجابري:

تحديث للعقل العربي وتجديد الفكر الإسلامي يتوقف ليس فقط على درجة استيعابنا للمكتسبات العلمية والمنهجية المعاصرة، مكتسبات القرن العشرين وما قبله وما بعده، بل أيضًا، ولربما بالدرجة الأولى، يتوقف على مدى قدرتنا على استعادة نقدية ابن حزم، وعقلانية ابن رشد، وأصولية الشاطبي، وتاريخية ابن خلدون.


هذه النزوعات العقلية التي لا بد منها، إذا أردنا أن نعيد ترتيب علاقتنا بتراثنا بصورة تمكننا من الانتظام فيه انتظامًا يفتح المجال للإبداع، إبداع العقل العربي داخل الثقافة التي يتكون فيها ويتماهى معها.


إنه بدون التعامل النقدي العقلاني مع تراثنا لن نتمكن قط من تعميم الممارسة العقلانية على أوسع قطاعات فكرنا العربي المعاصر (...) كما أنه بدون هذه الممارسة العقلانية على معطيات تراثنا لن يكون في إمكاننا قط تأصيل العطاءات الفكرية التي يقدمها، أو بالإمكان أن يقدمها قطاع آخر من فكرنا العربي المعاصر، القطاع الذي يدعو إلى الحداثة والتجديد.


إنه باستعادة العقلانية النقدية التي دشنت خطابًا جديدًا في الأندلس والمغرب مع ابن حزم وابن رشد والشاطبي وابن خلدون، وبها وحدها، يمكن إعادة بنينة العقل العربي من داخل الثقافة التي ينتمي إليها، مما يسمح بتوفير الشروط الضرورية لتدشين عصر تدوين جديد في هذه الثقافة[16].


فالجابري هنا يشترط النقد العقلاني، والبناء المنطقي، لإعادة ترتيب أوراق التراث، من أجل حداثة وتجديد حقيقيين، وفي كلامه إشارات مضمرة إلى أن التعامل مع التراث والتعلق به بشكل ساذج يعطل مسارات التحديث والتطوير.


التقدم الحقيقي في نظره هو الثورة النقدية على التراث،يقول: "إنه بممارسة العقلانية النقدية في تراثنا وبالمعطيات المنهجية لعصرنا،وبهذه الممارسة وحدها، يمكن أن نزرع في ثقافتنا الراهنة روحًا نقدية جديدة، وعقلانية مطابقة، وهما: الشرطان الضروريان لكل نهضة.[17]


وعلى أي حال، فهناك ثلاث نظريات عامة في التراث:

• نظرية تقديسية للتراث: وتسمى أيضًا بالرؤية السلفية القائمة على إحياء الماضي وبعثه من جديد تمجيدًا وتنويهًا وإشادة.


• ونظرة تغريبية ليبرالية مغالية: هي ترفض الرجوع إلى التراث، كما يتضح ذلك جليًّا عند سلامة موسى - مثلًا - الذي قال: "إن أسوأ ما أخشاه أن ننتصر على المستعمرين ونطردهم، وأن ننتصر على المستغلين ونخضعهم، ثم نعجز عن أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا ونعود إلى دعوة: عودوا إلى القدماء"[18].


• وهناك نظرية توفيقية تجمع بين إيجابيات العودة إلى الماضي، وإيجابيات الانفتاح على الغرب،ويمثل هذا الموقف أغلب المثقفين العرب، من الأكاديميين المعاصرين[19].


سحر وطلسمات حداثية:

الحداثة تجعلك لا شعوريًّا تعتز وتفتخر بالنموذج الغربي، وكأن واضعها الأول بث فيها سحرًا أو طلسمات، تجعل المتلقي المعجب مسكونًا بعقدة الآخر، الغربي المتحضر.


فهل يمكن أن نتحدث عن الحداثة العربية؟

طبعًا يمكن أن نتحدث عن النسخة العربية للحداثة الغربية.


يؤكد محمد برادة أن الحداثة مفهوم مرتبط أساسًا بالحضارة الغربية وبسياقاتها التاريخية، وما أفرزته تجاربها في مجالات مختلفة،ويصل في النهاية إلى أن الحديث عن حداثة عربية مشروط تاريخيًّا بوجود سابق للحداثة الغربية، وبامتداد قنوات التواصل بين الثقافتين[20].


الحداثة أخلاق، ولكنها ليست الأخلاق التي جاء بها الإسلام.


الأخلاق التي جاء بها الإسلام، في المنظار الحداثي، أخلاق قديمة هالكة متخلفة جامدة متجمدة، أخلاق بدائية تحتقر الإنسان وتهينه.


وقد يتساهل بعضهم فيقول: إنها أخلاق صالحة لزمانهم، أما زماننا، زمن التكنولوجيات والفضائيات والشبكيات والأيفون والروبوت...فأخلاقه مختلفة.


الحادثة الرائجة (من النسخة الغربية) تقصي وتهمش الجانب الروحي.


• الروح لا ترى ولا تنظر، فأمرها - إذًا - ملغًى.


إن الفكر الليبيرالي الرأس مالي استحوذ على الألباب، عملًا بمنطق، (ملعقتي) (سيارتي) (بيتي) (لي ولي)، فغاب الدفء وغابت المعاني، وهيمنت المباني التي لا تمت بصلة للوجدان والإحسان، فأصبح الإنسان جافًّا جافيًا عنيدًا متعاليًا.


ولا يعني ذلك أن حال المسلمين بخير (من الناحية الأخلاقية)، فإنهم يعانون من أدواء الفصام، فلا هم تحدثوا، ولا تأصلوا، ولا استطاعوا الجمع بينهما جمعًا منسجمًا متوازنًا.


المرأة والأسرة والحداثة:

والمرأة في الخطاب الحداثي امرأة حرة متفتحة، بلا قيود ولا حدود، أيقونة الإشهارات، وعلامة من علامات الماركات المسجلة، لا ينبغي لأنوثتها أن تحبسها في سياج ضيق أو تعزلها عن المحيط الواسع.


هي لا تختلف عن الرجل، ولا يفوقها الرجل في شيء؛ فالواجب النظر في قسمة ميراثها...وهنا الحديث عن الهيمنة الذكورية الفكرية - في زعمهم.


فالأسرة ليس غاية في حد ذاتها؛ لأنها مجرد أنموذج تقليدي للكينونة، وما زال هذا البلاء لم يعم في العالم العربي، كما هو عند صناع الحداثة الأوائل.


فالعائلة تأخذ في التقلص، والعلاقات العائلية والعصبيات الدموية والإقليمية والعشائرية الراسخة تتفكك تدريجيًّا، لتحل محلها روابط عمودية قائمة على الموقع الطبقي والدور الإنتاجي.


والموقع الاجتماعي للأفراد لم يعد خاضعًا فقط للولد والنسب والفاعلية الاجتماعية[21].


فـ (الأسرة) الحداثية متفتحة حرة طليقة، يطير فيها الأبناء بمجرد الإفقاس، يتخذ الابن خليلته والبنت خليلها، ترتع وتلعب وتمرح وتتسكع، كما اتفق، ولا شرف أعظم من الوجود والإنتاجية في مجتمع آلي، يشيِّئ كل شيء، ولا يعبأ بروحانية الإنسان ووجدانه، بل لا قيمة لما يعتد به من شرف ونحوه (...)؛ لذلك وضعنا لفظ الأسرة بين قوسين،ولا يخفى عليك أنه إذا انهارت الأسرة انهار كل شيء،فلماذا لم تنهَرْ تلك المجتمعات؟


وأي سقوط أعظم من الانحلال والتيه الذي يعيشه أهلهم المنتشين بخمرة الحداثة ورقصاتها،والحضارات تحمل عوامل انهيارها تحت إبطها.


إن المادية المفرطة وفراغ البيت، خدمة للمصنع، كلف المجتمعات كثيرًا، تبدو الآثار واضحة والعواقب النفسية جلية، فعن أية مجتمعات نتحدث؟


مجتمعات في خدمة الآلة والبطن والفرج (...) والنتائج لا نشك أنها ستتحول إلى الاقتصاد والسياسة، بشكل ظاهر جلي واضح، ولقد بدأ مصلحوهم ينبهون لخطورة الأمر (...)، وفي نفس السياق نقول: لسنا بخير، كما نزعم.


منطق الحداثة - كما هو في العالم العربي - لا يحن للماضي ولا يذكره إلا بوصفه تاريخًا قضى نحبه، مرحلةً أو طورًا خاليًا من المعاني الوجدانية والروحية الملهمة.


ونحن لا ندعو إلى معانقة الماضي وتمجيده حتى يغدو مقدسًا أو آلهة تعبد من دون الله، إنما القصد أن الماضي طريق الحاضر، خطوة من خطوات المستقبل،وجديد اليوم قديم الغد، بلا شك،وقد تكون العودة للقديم في أحايين كثيرة تجديدًا، إذا اقتضى الحال.


التحديث ليس ضربًا واحدًا، والمنحنى التاريخي، وإن بدا متصاعدًا، فإنه ينزل يلف يمنة ويسرة، ينعرج هنا وهناك، حسب كل حال وحال،فليس كل تراث اليوم بمنبوذ،إن التحف الفنية القديمة تباع بما لا يقدر ثمنه، وإن دل ذلك فإنما يدل على أن للماضي وجودًا ومكانة.


الحمولة الحداثية الرائجة - في العالم العربي المسلم - تقصي وتهمل كل ما له صلة بالهوية والإسلام، من نصوص الوحي، (بمنطق سقطت الطائرة في الحديقة)، فيتوقع المتتبع أن الخطاب الحداثي ما انفك ينتقد الدين والتراث الإسلامي، في كل السياقات، سواء أكانت أدبيةً أم علميةً أم نقديةً أم فنيةً أم اقتصاديةً أم اجتماعيةً (...).


فالمتهم الأول والسبب المباشر في التأخر هو الدين الإسلامي، وتلك تكاد تكون العلامة المميزة والسمة الظاهرة في الخطاب الحداثي العربي المعاصر.


ولا نخفي ملاحظة، نراها من الأهمية بمكان، وهي التورية عند الحديث عن المقدسات الدينية (والسياسية) في الخطاب الحداثي وما قبله أو بعده.


اختار كثير من الحداثيين العرب لغة البناء للمجهول والتعمية، إما لأنهم لا يقدرون على مواجهة (الكل)، أو يدركون أنهم يصرحون بأمور مرفوضة ونشاز، من صنف الطابوهات (...) حتى صار لأغلب تلامذتهم الغموض منهجًا.


فلا يكاد (متكلموهم) يعبرون عن فكرة واضحة صريحة،وحرصهم شديد على معجم خاص وشفرات خاصة، باطنها (جلد الذات العربية المسلمة).


ونادرًا ما يصرحون بمقاصدهم السياسية الرافضة والمخالفة،يرفضون الاستبداد، ولكنه ليس كل استبداد، بل الاستبداد الديني فقط؛ (أي: إن مشكلتهم مع الدين).


إنهم يعيشون معنا بأجسادهم وقلوبهم وراء البحار!


تقول الكاتبة الحداثوية خالدة سعيد في بحث لها عنوانه: (الملامح الفكرية للحداثة):

إن التوجهات الأساسية لمفكري العشرينيات تقدم خطوطًا عريضة تسمح بالقول: إن البداية الحقيقية للحداثة، من حيث هي حركة فكرية شاملة، قد انطلقت يومذاك، فقد مثل فكر الرواد الأوائل قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية، كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، وأقام مرجعين بديلين: العقل والواقع التاريخي، وكلاهما إنساني، ومن ثم تطوري،فالحقيقة عند رائد كجبران أو طه حسين لا تلتمس بالنقل، بل تلتمس بالتأمل والاستبصار عند جبران، وبالبحث المنهجي العقلاني عند طه حسين[22].


الخطاب الحداثي منطقي، ولكن...


وتجدر الملاحظة إلى أن الخطاب الحداثي في بلاد المنشأ خطاب سليم منطقي في سياقه، ولكنه هجين ودخيل وغريب وساذج في المناطق التي لم تعرف الصراع بين الكنيسة والعلم.


والدين الإسلامي لا يتدخل في العلم والتقنية والاختراعات والتحديثات التي تعود بالنفع على البلاد والعباد،قد نقول: إنه موجه أخلاقي، حتى لا يزيغ العلم عن مساره، ولا يخفى - الآن - الزيغ الذي عرفته علوم كثيرة أقصت الدين والأخلاق إقصاءً.


في صلة الحداثة بالغنى والفقر:

صلة الحداثة بالغنى والفقر: ربط الحداثة بالغنى والفقر يعمق الإشكالية، ويربك التحديدات، فما الغنى وما الفقر أولًا؟ لن نقتحم هذه الجدلية (غنى / فقر)، والحدود الفاصلة بينهما؛ لأنهما عصيان مرِنان زئبقيان، سيفجران الموضوع، ونجازف لنقتحم الإشكالية من هذه الناحية:

• فالحداثة فلسفة، قبل أن تكون أشكالًا ومظاهر أو تقنياتٍ، فهل نتصور أن نجد حداثة (أو ما بعد حداثة) في بيئة فقيرةٍ فقرًا مدقعًا، أو تعاني الهشاشة المادية والثقافية؟


يستحيل ذلك في نظري، ولو من باب التعسف، وتمطيط المصطلح، ليتسع لنية التحديث (الحداثة) أو الرغبة والطموح الجامح له؛ فالغالب في الحداثة أن تتطلب وجود حد أدنى من المقومات المادية التي تسمح لنا بالحديث عنها.


هذا على سبيل الإجمال، أما على مستوى الإفراد فقد نجد المتطلعين إلى الحداثة، الساعين لها، المعجبين بها.

والشركات - مواكبة - وفَّرت لكل ذي مستوى اقتصادي ما يجعله يمارس حدًّا معينًا من الحداثة.


فصباغات الحداثة، وأثاثها، وثيابها، وأشكالها، متوافرة بكل الأثمان، ولكل الأذواق.

وهنا نتحدث عن الحداثة بالتقسيط.


الانخراط في الحداثة يكون حسب الطاقة والاستطاعة، وإن كان الانخراط شبه حتمي، عبأت له العولمة بآلياتها.


الحداثة هنا فلسفة ونظرة للحياة، ينتج عنها تغير في النمط والنظام والأشكال والأحجام (...)؛ فالعولمة التقنية والرغبة في تصدير المنتج المحلي إلى السوق الأجنبية (الشرقية والعربية)، في إطار كشوفاتٍ جديدة، ذات الأبعاد الإمبريالية الثقافية الحداثية، تصديرًا للنموذج وتحكمًا في السياسات المحلية، عبر الاتفاقيات التي ظاهرها قانوني وباطنها تحكمي استبدادي استعماري.


لقد ساهمت العولمة في نشر النماذج التحديثية بعجرها وبجرها، وتهافت المتلقون المعجبون بها.


سياسة وبيئة وحداثة:

نقف هنا وقفة مع السياسة الحداثية أو الحداثة من منظور سياسي.


طبعًا لن تكون الديموقراطية، ودولة المؤسسات، وفصل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والعدالة الاجتماعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة إلا أسلوبًا من أساليب الحداثة، هكذا أريد لها أن تكون، ولكن هذا المفهوم أعسر على الهضم من غيره، فالديموقراطية ديموقراطيات،وكلهم يدعي أنه ديموقراطي، سواء في المجال المحلي الضيق أو الدولي الواسع.


ولكن الدول متفاوتة في التنزيل الديموقراطي، بين دول نامية ومتطورة ديموقراطيًّا، ودول بين بين، وأخرى خارج التاريخ والسياق والتغطية،فهل يمكن اعتبار من خالف التوجهات الديموقراطية المعتمدة حاليًّا غير حداثي؟


وفي صلة الحداثة بالبيئة والمحيط نفترض أن المنطق الفلسفي الحداثي سيكون أشد حرصًا على البيئة والمحيط الجميل الذي يحيط بنا ونحيا فيه.


ولكن المداخن التي تعانق عنان السماء، وتنفث دخانها، وتصب سمومها في البر والبحر، أو تصدرها للدول، جريًا مع الضرورات الرأس مالية المتوحشة.


فكم قمة عقدت وكم ندوة وكم وكم؟ والمحيط البيئي ما يزيد إلا تدهورًا إلى تدهور،فهل نتهم العقل الحداثي أو نتهم الإنسان؟


وفي الختام:

الحداثة بصفتها فلسفة، لم تستطع كبح جماح النفس البشرية، لا هي غذتها ولا ضبطتها،تركت لها الحبل على الغارب، وصقلت وجهها بالكريمات والمزينات، فتكاد تندهش لبهرجتها وتنظيمها، وتمجيدها للعقل والتعقل، واهتمامها بالمظاهر والأشكال الخارجية، وحرصها على التحكم والتوقع، ولكنها تركت كل شيء؛ لأن هاجس الضرورات الرأس مالية هدم كل أحلامها،والتجربة أكدت أن الحداثة متجاوزة، لم تقدم حلًّا متكاملًا متناسقًا يخدم الإنسانية، روحًا وجسدًا،فانطلق قطار التحول في اتجاه ما بعد الحداثة، ضاربًا لكل قيمة أو نظام أو نسقية أو توقع أو حكمة؛ لذلك ترى حملات المثليين والعدميين وأصنافًا وأشكالًا من الموضة، لا تمت للعقل بصلة: سراويل ممزقة، وأجساد عارية، وعلاقات جنسية، وشذوذ وانفلات، وتفتح خارج التفتح، وتغيير للخلق، فهل ترى معي أن ما بعد الحداثة هو الحل؟


فإذا كانت الحداثة، في الظاهر، تنبِذ العنف وتدعو للتسامح والمصالحة والحوار بين الأعيان والأديان، فإنها تضمر، في كنهها، القوة والتسلط والكراهية، والتمييز العنصري وحب الذات، والكيل بمكيالين في قضايا مصيرية كثيرة،لا نتكلم هنا عن العنف المادي فقط، بل كل أشكاله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأدبية (...).



[1] فتنة السرد والنقد، نبيل سلطان، دار الحوار، اللاذقية، 1994، ص 52.

[2] الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص23، 24.

[3] الثابت والمتحول، ج 3 ص 9.

[4] الحداثة في ميزان الإسلام - القرني محمد عوض - ص 29 - 30.

[5] (العروي، مفهوم العقل، م. س. ص. 363)، المركز الثقافي العربي الطبعة الثالثة: 2001.

[6] امحمد جبرون، إمكان النهوض الإسلامي (مراجعة نقدية في المشروع الإصلاحي لعبدالله العروي)، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، ط. 1/ 2012، ص. 148 - 159.

[7] الحداثة في ميزان الإسلام - القرني محمد عوض (الأولى. 1408. مصر. هجر).

[8] روح الحداثة تأسيس الحداثة الإسلامية طه عبدالرحمن. ص: 265.

[9] الحداثة من منظور إيماني - د. النحوي عدنان - (الطبعة الثالثة 1410هـ. دار النحوي. الرياض).

[10] ينظر: المرايا المحدبة: من البنيوية إلى التفكيك. ص: 20.

[11] دليل الناقد الأدبي - د. سعد البازعي وميجان الرويلي - ص: 227.

[12] الحداثة وما بعد الحداثة تثبيت الأصول أم كسر النماذج - سعيد المتدين - مجلة فكر ونقد - العدد 22 (16) أكتوبر 1999.

[13] (التراث ومشكل المنهج) - د. محمد عابد الجابري:، ص:74.

[14] - فاتحة لنهايات القرن - أدونيس. ص 315.

[15] النص القرآني، أدونيس. ص 107.

[16] محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط. 2/ 1991، ص. 552.

[17] د. محمد عابد الجابري: (التراث ومشكل المنهج)، المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1986 - ص: 87.

[18] انظر محمد عابد الجابري: الخطاب العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، دار الطليعة، بيروت، لبنان، مايو 1982م، ص: 37.

[19] انظر موقع الألوكة http://www.alukah.net/literature_language/0/41145/ مقال تحت عنوان: منهجية محمد عابد الجابري في التعامل مع التراث العربي الإسلامي، للدكتور جميل الحمدواي.

[20] الحداثة في ميزان الإسلام: ص18 عوض محمد القرني، ينقل عن مقال بعنوان (اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة) منشور في مجلة (فصول) المجلد الرابع، العدد 3 ص: 11.

[21] مدارات الحداثة محمد سبيلا الشبكة العربية للأبحاث والنشر - الطبعة الأولى 2009 ص: 128.

[22] مجلة (فصول) المجلد الرابع، العدد الثالث ص: 26 و27.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • زندقة في برنامج إضاءات!
  • إضاءات في طريق البناء الفكري المتوازن
  • إضاءات على رثاء شوقي لـ (سليمان باشا أباظة)
  • إضاءات في طريق استثمار الموارد البشرية
  • أغلقت أبوابها (قصة)
  • إضاءات للمستلفين
  • سمات الحداثة العربية
  • استشكال وجوابه!
  • إضاءات نبوية (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • إضاءات من قوله تعالى (فاذكروني أذكركم)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مصابيح الدجي: إضاءات دعوية من قصص أولي العزم من الرسل ويوسف عليهم السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إضاءات حول قضية الرزق من مشكاة الكتاب والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إضاءات في ظلال السيرة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إضاءات من سيرة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إضاءات في صعيد عرفات (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • إضاءات كاشفة عن معاني سورة الفاتحة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إضاءات على القراءة والكتابة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إضاءات زوجية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إضاءات من قول الله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب