• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / خطب
علامة باركود

خطبة الإحسان إلى الناس

خطبة الإحسان إلى الناس
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/11/2023 ميلادي - 25/4/1445 هجري

الزيارات: 37279

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإحسان إلى الناس


الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المُجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسَارَ عَلَىٰ نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:-

عباد الله! فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، تقوى الله هي العمل بما أمر، وترك ما نهى، تقوى الله تقديم مراد الله عَزَّ وَجَلَّ ومراد رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىٰ مرادك وشهوتك أَيُّهَا المكلف: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 102 ﴾ [آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون! جاء الله عَزَّ وَجَلَّ بهذه الشَّرِيْعَة الغرَّاء، بهذا الدين دين الإسلام، الَّذِي ارتضاه لنا دينًا نتدين لله عَزَّ وَجَلَّ به، أتمَّ به علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، جاء ديننا من أعظم مقاصده باجتماع الكلمة وائتلاف الصف، وبهذا أمركم الله جَلَّ وَعَلَا في غير ما آية، ومنها: قوله سُبْحَانَهُ في آل عمران: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].

 

ونهانا سُبْحَانَهُ عن ضد الاجتماع، وهو التنازع والاختلاف المذموم الَّذِي يفضي إِلَىٰ الافتراق والتشرذم: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

 

بهذا جاء ديننا دين الإسلام، وبهذا بعث الله عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخاتمة الأديان.

 

وعوامل الاجتماع أَيُّهَا الإخوة! عوامل الاجتماع في ديننا متضافرة، فديننا واحد، وربنا المعبود واحد، ونبينا المرسل إلينا واحد، وكتابنا المُنزَّل علينا واحدٌ وهو القرآن، وشعائر الإسلام دالَّة عَلَىٰ هٰذَا الاجتماع، فأساس الاجتماع: توحيد الله بإفراده بالعبادة وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَيْضًا: الشَّهَادَة بأنَّ مُحَمَّدًا عبد الله ورسوله، المقتضية لطاعته صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما أمر، وتصديقه في كل ما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألَّا نعبد الله بأي شرعٍ وأبي محدَثٍ ما لم يشرعه نَبِيُّنا صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

هٰذَا من عوامل اجتماعنا، صلاتنا واحدة، نصلي جيعًا خمس فروضٍ أوجبها الله علينا، نجتمع في يوم الجمعة، فنؤديها صلاةً في الأسبوع، زكاتنا واحدة افترضها الله عَلَىٰ أغنيائنا فتُرد عَلَىٰ فقرائنا، صيامنا في شهرٍ واحد، يصومه المسلمون جميعًا في رمضان، فيما افترضه الله عَزَّ وَجَلَّ عليهم إن كانوا من أهل الاستطاعة، الحجُّ ركن الإسلام الخَامِس، يدلُّ عَلَىٰ اجتماع المسلمين وعَلَىٰ وحدتهم، يحجون إِلَىٰ مكانٍ واحد، في شعارٍ واحد، في تلبيةٍ واحدة، يؤدون عبادةً واحدةً في وقتٍ واحد.

 

الله جَلَّ وَعَلَا عَلَىٰ كل شيءٍ قدير، قادر عَلَىٰ أن يجعل الحج في كل وقتٍ، وفي كل شهرٍ وفي كل أسبوع، لكن أراد من الحج أن يكون وقتًا لاجتماع المسلمين، وإظهارًا لتآلفهم في هٰذَا المؤتمر الإسلامي العظيم، كل ذلك من تشوُّف هٰذِه الشَّرِيْعَة، من تشوفها وتطلعها إِلَىٰ اجتماع المسلمين عَلَىٰ كلمةٍ سواء، وهي كلمة التَّوحِيْد، واعتصامهم بحبل الله عَزَّ وَجَلَّ.

 

فهل نحن -يا رعاكم الله- عَلَىٰ هٰذَا المستوى من هٰذَا الاجتماع والائتلاف؟ هل قمنا به كما أمرنا الله جَلَّ وَعَلَا وكما أراده منَّا؟ هل سلمت قلوبنا لإخواننا المسلمين، بل ولغير المسلمين عطفًا عليهم وإحسانًا إليهم ورحمة بهم؟ أم أننا كنا عَلَىٰ غير ذلك؟

 

أَيُّهَا المسلم؛ إنك السفير لهذا الإسلام، فإن كنت مقتضيًا بأخلاقه وبحسن تعامله، وبتلمس الإسلام في أحوالك، فأنت خير داعيةٍ إِلَىٰ دين الله عَزَّ وَجَلَّ، بقدوتك وأنموذجك، وأنت تعيش مع غير المسلمين.

 

إنَّ الإسلام يا عباد الله! دخل في الأرض وانتشر في الآفاق، لم ينتشر بحدِّ السيف إِلَّا في أقل من عشرة بالمائة في أنحاء هٰذِه المعمورة، أما تسعون بالمئة من انتشار الإسلام فكان بأسباب آبائكم وأسلافكم من المسلمين، لمَّا تمثلوا هٰذَا الإسلام دينًا وخُلُقًا، وتمثلوه منهجًا وتعاملًا، اتقوا الله جَلَّ وَعَلَا فلم يكذبوا، ولم يغشوا، ولم يغدروا، أوفوا بالعهود، ولم ينقضوها، وقاموا بحقوق الله، وحقوق عباد الله، فكانوا خير سفراء بقدواتهم، وبنماذجهم الحسنة إِلَىٰ دخول النَّاس في دين الله عَزَّ وَجَلَّ أفواجًا.

 

احذر يا عبدالله! وأنتِ أَيْضًا يا أمة الله! أن تكوني سفير سوءٍ لديننا، أن يتعلَّق بكم وفي رقابكم غير المسلمين يوم القيامة، يا ربنا هٰذَا عبدك المسلم، وَهٰذِه أمتك المؤمنة كانوا نُذر سوءٍ إِلَىٰ هٰذَا الدين وَإِلَىٰ هٰذَا الإسلام بسوء تعاملهم، بأنهم لم يتمثلوا الإسلام إِلَّا في أنفسهم، ولم يتمثلوه في التعامل مع خلق الله وعباد الله.

 

احذروا أن يتعلَّقوا بكم فتكونوا بأفعالكم وتصرفاتكم وأخلاقكم تكونوا مُنَفِّرين لهذا الدين، مُنفِّرين عنه، غير جالبين وداعين إليه، والله أمركم بما أمر به المرسلين: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 108 ﴾ [يوسف: 108].

 

إنَّ الدَّعْوَة إِلَىٰ الله يا عباد الله لا تكون إِلَّا بالعلم والبصيرة، المستقاة المستمدة من كلام الله، في كلامه القرآن، ومن سنة نبي الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي هي خير البيان، بهذا يكون المسلم قدوةً حسنة، ويكون داعيةً خيِّرةً إِلَىٰ إصلاح البشرية، وَإِلَىٰ عمارة هٰذَا الكون بدين الله جَلَّ وَعَلَا، الَّذِي ارتضاه لنا دينًا، وأتمَّ علينا به النعمة.

 

وَأَمَّا ألَّا يراعي الإسلام إِلَّا في حقوقه، ولا يراعي أحكام الإسلام في تعامله مع غيره، فَهٰذَا -لِلْأَسَفِ الشَّدِيْدِ- لم يمتثل أمر الله عَزَّ وَجَلَّ، ولا دين رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

بعث نبيكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعاةً إِلَىٰ الأرض، وكان هؤلاء الدعاة من العلماء، من علماء أصحابه، بعث إِلَىٰ اليمن خمسة: بعث معاذًا إِلَىٰ جهة صنعاء وتعز، بعث أبى موسى الأشعري إِلَىٰ ساحل اليمن، إِلَىٰ الحديدة وَإِلَىٰ زبيد ونواحيها، بعث أبا هريرة إِلَىٰ دوس، بعث علي بن أبي طالب إِلَىٰ شبوة وحضر موت، بعث أبا عبيدة إِلَىٰ نجران، بعث علماء، وقد أمرهم بما أمر به دعاته: أن يكونوا رُسَل خيرٍ إِلَىٰ هٰذَا الإسلام.

 

قَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ترتيب أولويات الدَّعْوَة في حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا، قَالَ: لمَّا بعث النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذًا إِلَىٰ اليمن، قَالَ: «يا معاذ! إنك تقدم قومًا من أهل الكتاب» أ ي: أسبق منَّا علمًا، وأُنزل عليهم الوحي قبلنا، وبُعثت إليهم الرسل من قبلنا، «إنك تقدم قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأني رسول الله»، وفي رواية: «إِلَى أن يوحدوا الله، فإن هم أجابوك لذلك» أي: أنهيت هٰذِه الأولولية؛ «فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك؛ فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُرد عَلَى فقرائهم، وإياَّك وكرائم أموالهم» أي: لا تأخذ أطيب أموالهم في الزَّكَاة، ثُمَّ قَالَ: «واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»[1].

 

إنَّ المظلوم يا عباد الله! ولو كان من غير المسلمين إذا ظلمه مسلم؛ فإنَّ دعوته لا تُحجب عن الله عَزَّ وَجَلَّ، ولو كان المظلوم عَلَىٰ غير دين الله لو كان الظالم عَلَىٰ دين الله عَزَّ وَجَلَّ، فاتقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، وأقيموا أحكام الله وشرائعه في نفوسكم، وادعوا إِلَىٰ الله إليها بقدواتكم ونماذجكم وأخلاقكم الحسنة، بهذا يدخل النَّاس في دين الله إذا رأوا تعامل الإسلام في أخلاقكم وفي تعاملاتكم.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَىٰ إحسانه، والشكر له عَلَىٰ توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَىٰ رضوانه، صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله! اعلموا أنَّ دينكم دين الإسلام هو دين الرحمة، وهو دين الإحسان، دين الرحمة بالخلق جميعًا، ودين الرحمة بالمكلَّفين إنسًا وجنًّا.

 

روى الإمام مسلمٌ في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض؛ يرحمكم من في السَّماء» [2]، وفي قوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارحموا من في الأرض» أي: كل من في الأرض، حَتَّىٰ من البهائم، حَتَّىٰ من الجمادات، حَتَّىٰ البيئة، حَتَّىٰ من غير المسلمين، ورحمتهم: بأن تكونوا سببًا في هدايتهم، وسببًا في الإحسان إليهم.

 

إنَّ الإحسان يا عباد الله! الَّذِي هو إتقان العمل مِمَّا حثَّكم عليه ديننا أعظم محثَّة، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «إنَّ الله كتب الإحسان عَلَى كل شيء، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم؛ فأحسنوا الذبحة، وليُحِد أحدكم شفرته، وليُرِح ذبيحته»[3]، حَتَّىٰ في المطعومات من الحيوانات الَّتِي أُبيح لنا أكلها أُمرنا بالإحسان إليها، فكيف بالإحسان إِلَىٰ الخلق؟ وكفي بِالتَّسَبُّبِ في هدايتهم؟

 

ذَكَرَ نبيكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ثبت عنه في الصحيحين حديث المرأة البغي من بني إسرائيل، الَّتِي كانت تقاره هٰذَا الفعل الشنيع، وَهٰذَا الفعل الخاطئ في إتيانه الزِّنا وفعل البغي، أنه اشتد حرُّها، واشتد عطشها، فنزلت إِلَىٰ بئرٍ فشربت، فأذهب الله بهذا الماء عطشها، فلمَّا ارتفعت، وإذا كلبٌ، والكلب يا عباد الله نجس، وإذا كلبٌ يلعق الثرى بلسانه من شدة العطش، فقالت في نفسها: إنه قد بلغ العطش بهذا الكلب، كالذي بلغ مني، فنزلت مرة أخرى إِلَىٰ البئر "وملأت موقها" وهو زربول رجلها، الَّذِي من جلد، ملأته ماءً، ثُمَّ صعدت فأسقت هٰذَا الكلب حَتَّى ذهب عنه العطش الَّذِي كان فيه قبل أن يروى، وذهب عنه العطش الَّذِي أصاب المرأة قبل أن تروى بالماء، فشكر الله عَزَّ وَجَلَّ لها، وغفر لها، وتجاوز عمَّا كان من فعلها البغي فأدخلها الجَنَّة، لِمَ؟ لأنها أحسنت إِلَىٰ خَلْقٍ من خلق الله، «وفي كل نفسٍ رطبةٍ أجرٌ» [4] قاله النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

كان ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا إذا أكل خبزة، جمع فتات الخبز وما تناثر منه، جمعه في حجر ثوبه، ثُمَّ رفعه وألقاه عند بابه، فسأله أصحابه من تلاميذه: ما تصنع يا أبا عبد الرحمن؟ قَالَ: "هٰذَا أطعم به جيراني" يعني: من النمل والذر؛ لأنه «في كل نفسٍ رطبةٍ أجرٌ» يُثاب عليها المؤمن إذا احتسبها عند الله عَزَّ وَجَلَّ.

 

وفي المقابل يا عباد الله! عدم الرحمة في الغلظة، وفي تعذيب الخَلْق أنه سببٌ للبلاء من الله، وسببٌ لعقوبته في العاجلة أو في الآجلة؛ ثبت في الصحيحين عن النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنَّ الله عذَّب امرأةً عابدةً فيمن قبلنا، حبست هرَّة، فلا هي الَّتِي أطعمتها، ولا هي الَّتِي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض [5]، فهي لا تزال تُعذَّب إِلَى يوم القيامة تمخشها هٰذِه الهرة في وجهها»[6] لأنها عذَّبتها عذابًا ينافي الرحمة الَّتِي جعلها الله عَزَّ وَجَلَّ في خلقه.

 

والرحمة يا عباد الله! رحمتان:

رحمةٌ غير مخلوقة، وهي صفة الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنَّ الله من أسمائه: «الرَّحِيم»، ومن صفاته: «أنه ذو الرَّحمة»، يرحم بهذه الرحمة عباده، وقد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ الرحمة مئة جزءًا، فأنزل إِلَىٰ الأرض جزءًا واحدًا، وأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، فمن ذلك الجزء الواحد الَّذِي أنزله إِلَىٰ الأرض، يتراحم الخلق كلهم؛ إنسهم، وجنهم، وحيوانهم، ونباتهم، وبهائمهم، حَتَّىٰ ترفع الفرس حافرها عن ولدها مخافة أن تصيبه؛ هٰذِه من الرحمة الَّتِي جعلها الله عَزَّ وَجَلَّ في قلوب خلقه.

 

فارحموا عباد الله! ارحموا خلق الله لتنالوا بذلك رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ، «ارحموا من في الأرض؛ يرحمكم من في السَّماء، الراحمون يرحمهم الرحمن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ» [7].

 

ومن الرحمة يا عباد الله! الإحسان إِلَىٰ النَّاس، ودلالتهم عَلَىٰ الخير، ومجانبتهم للشر وتحذيرهم منه، هٰذِه من الرحمة الَّتِي تجب عَلَىٰ المؤمن تجاه إخوانهم، وتجاه غير إخوانهم أَيْضًا من غير مللهم؛ لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ جعل الرحمة عنوانًا لهذا الإسلام، وعنوانًا لديننا، وعنوانًا لصفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، بل ذَكَرَ ممتنًّا عَلَىٰ عباده: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، فسبحان من غلبت رحمته غضبه، فرحمته جنته في آخرته تغلب غضبه الَّذِي هو نارٌ توعَّد الله عَزَّ وَجَلَّ الكافرين، وتوعَّد المكذبين، وتوعَّد المتخلفين عن أمره وعن أمر رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

* ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

• ثُمَّ إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قد أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بالمؤمنين من جنه وإنس، فَقَالَ سُبْحَانَهُ في آخر الأحزاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 56 ﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ نبيكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا كان يوم الجمعة وليلتها؛ أكثروا من الصَّلَاة عليَّ، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ»[8].

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيْمًا، اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللَّهُمَّ أبرم لهٰذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ ارحمنا والمسلمين والخلق أَجْمَعِيْنَ برحمتك الواسعة، اللَّهُمَّ اجعلنا دعاة رسلٍ وخيرٍ إِلَىٰ دينك، اللَّهُمَّ اهدِ بنا خلقك وعبيدك، اللَّهُمَّ آجرنا بهدايتهم، اللَّهُمَّ وضعَّف لنا ولهم المثوبة عندك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اصرف عنَّا وعن المسلمين في كل مكانٍ، اصرف عنَّا وعنه أسباب البلاء والمحن، اللَّهُمَّ من ضارَّنا فضره، ومن كادنا فكد له، ومن مكر بنا فامكر به، اللَّهُمَّ اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرج عبادك من بينهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ كُن لإخواننا المستضعفين المقهورين في كل مكان، اللَّهُمَّ كُن لهم وليًّا ونصيرًا وظهيرًا، اللَّهُمَّ بمن ضارَّهم، اللَّهُمَّ عليك بمن أساء إليهم، اللَّهُمَّ عليك بمن قتلهم وسفك دماءهم وخوَّفهم وأرعبهم يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اكفنا شر الظالمين، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكَّرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.



[1] أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19) بنحوه.

[2] أخرجه الترمذي (1924) بهذا اللفظ، وأخرجه أحمد (6494)، وأبو داود (4941) بنحوه.

[3] أخرجه مسلم (1955).

[4] أخرجه البخاري (2363)، ومسلم (2244) بنحوه.

[5] أخرجه البخاري (745)، ومسلم (2242) بنحوه.

[6] أخرجه النسائي (1482) بنحوه.

[7] أخرجه الترمذي (1924) بهذا اللفظ، وأخرجه أحمد (6494)، وأبو داود (4941) بنحوه.

[8] أخرجه أحمد (16162)، وأبو داود (1531)، وابن ماجه (1636)، والنسائي (1374) بنحوه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإحسان إلى الناس ونفعهم
  • الإحسان إلى الناس ( خطبة )
  • الإحسان إلى الناس ونفعهم (باللغة الأردية)
  • الإحسان إلى الناس ونفعهم (خطبة) (باللغة الهندية)
  • من دقائق الإحسان
  • هل بقي لأحد بعد الله فضل أو إحسان
  • خطبة المال العام والرشوة والغلول

مختارات من الشبكة

  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • الإحسان إلى الناس (خطبة مرئية)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم وزواجر من خطب البلغاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عام مضى وعام أتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تكون خطبة الجمعة خطبة عظيمة ومؤثرة؟ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخطبة الأخيرة من رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (13)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (12)(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب