• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد الدبل / مقالات
علامة باركود

عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (2)

عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (2)
د. محمد بن سعد الدبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/11/2013 ميلادي - 23/1/1435 هجري

الزيارات: 15757

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عناصر النظم القرآني في السورة الرعد (2)


إذا كان هنالك خلاف في تقدير اللبنة الأولى في العمل الأدبي، وأعني بها اللفظة المفردة بين عبدالقاهر وغيره من النقاد الذين أشرنا إلى آرائهم فيما سبق، فإننا لا نجد أثرًا لهذا الاختلاف في مزية التركيب، أو التأليف، أو النظم الذي تُضَمُّ فيه اللبنات بعضها إلى بعض حتى تفيد الغرض الذي من أجله تصاغ العبارة، فإن أولئك الذين أشادوا باللفظة المفردة لم يستطِعْ واحد منهم أن ينكر فضل التأليف، أو النظم، أو التركيب؛ أي إنهم جميعًا يلتقون مع عبدالقاهر في اعتبار قوة التركيب، وحسنه، وتنسيقه، وأنه صاحب الأثر الأوفى في تقدير الكلام.


فإذا كان قدامة بن جعفر - مثلاً - قد وصف اللفظة المفردة بما أسلفنا من الأوصاف، فإنه يولي النظم الذي يسميه بـ: "الائتلاف" عناية كبيرة، فيقرر أن اللفظة قد تحسن من حيث هي لفظة مفردة، فإذا نظر إليها مؤتَلِفة - أي: منظومة مع معناها، ومع وزنها، ومع ما تقتضيه قافية البيت في الشعر - اكتسبت مزية أخرى، أو أصابها شيء من القُبح.


ويطلق قدامة كلمة "النعوت" على المحاسن التي يفيدها الكلام من هذا الائتلاف، ويجعل في مقابلها العيوب، وليس يسمح المجال في هذا المضمار ببسط تلك النعوت أو العيوب كما أوردها.


وكذلك ضياء الدين بن الأثير الذي نراه بعد أن أفرد الألفاظ المفردة بالبحث عن أسباب حسنها أو أسرار قبحها - يتكلم طويلاً عن التركيب.


وإذا كنا قد أفردنا بالإشارة بعض الألفاظ المفردة في طائفة من آيات السور، وذكرنا شيئًا مما تمتاز به على غيرها من مرادفاتها - فليس يفوتنا أن ننبِّهَ إلى أن السياق كان له أبعدُ الأثر في تخيُّر هذه الألفاظ على النحو الذي أشرنا إليه، فهذه الألفاظ وحدها في غاية السمو كما فصلنا، وازدادت جمالاً وجلالاً بنَظْمها في التركيب الجملي الذي اقتضاها دون غيرها.


وليس ما يفتش عنه النقاد هو محصل ما يصل إليه الكاتب أو الشاعر في صناعته من الجودة وعدمها قوة وضعفًا؛ لأن نظرتهم إلى القرآن الكريم في أسلوبه لا تختلف بحال من الأحوال، فهو آية في السمو، والجودة، والإعجاز البياني، "وإذا كان الكلام يتركب من ثلاثة حروف؛ هي من الأصوات، وكلمات؛ هي من الحروف، وجمل هن من الكلام - فسِرُّ الإعجازِ في نظم القرآن الكريم هذه الأنواع كلها؛ بحيث خرجت من جميعها تلك الطريقة التي قامت به، فألفاظه كيفما أدرتها، وكيفما تأملتها، وأين اعترضتها من مصادرها أو مواردها، ومن أي جهة وافقتها، فإنك لا تصيب لها في نفسك ما دون اللذة الحاضرة، والحلاوة البادية، والانسجام العذب"، "وإذا صارت اللفظة مركبة، فإن لتركيبها حِكَمًا غيرها مفردة؛ وذاك لأنه يحدث من أثر التركيب فوائدُ من التأليفات والامتزاجات، حتى يخيل للسامع أن هذه الألفاظَ ليست تلك التي كانت مفردة"، وإذًا فأسرار بدائع التركيب كامنة في النظم، فلنبحث عن هذه البدائع في النص الكريم من قوله - تعالى -: ﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 1] الآيات حتى قوله: ﴿ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14]، ولنتفحص الأسباب التي من أجلها قُدِّم جزء، وأُخِّر جزء؟ ولماذا حُذِف هنا وأُثبِت هناك؟ ولِمَ جاء التعريف هنا وهناك التنكير؟ ولم استُعمل الخبرُ في موضع الإنشاء؟ ولم عبِّر بالمجاز مرة وبالحقيقة أخرى؟ وكيف حَسُن هنا التشبيه، وراق في موضع الجناس؟ إلى غير ذلك من مباحثَ تتصل بشأن التركيب والمعنى في الجملة والجملتين".


وقبل أن نفصل القول في روعة نظم هذه الآيات، أرى من الواجب أن نجمل الأغراض والمقاصد التي نرمي إليها.


وأول ذلك افتتاح السورة بما يلخص موضوعها كله، ويشير إلى جملة قضاياها، فبعد الانتصار للقرآن الكريم، وأنه حقٌّ لا مريةَ فيه يبدأ سياق الآيات في استعراض آيات القدرة، وعجائب الكون الدالة على قدرة الخالق، وحكمته وتدبيره، الناطقة بأن من مقتضيات هذه الحكمة أن يكون هناك وحي لتبصير الناس، وأن يكون هناك بعث ونشور، وحساب وجزاء.


ويستمر السياق في تفصيل آيات القدرة، فتعرض السموات مرفوعة بغير عمد، معروضة على الأنظار، هائلة في شكلها وعلوها دون دعائم تقوم عليها، ومن هذا المنظور الهائل ينتقل السياقُ إلى ما هو أعظم هولاً، إلى المغيب الذي تتقاصر دونه المدارك والأبصار، من قوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الرعد: 2]، ويتضح لكل ذي عين وعقل مدى قدرة الله المحيط بكل شيء؛ فمع الاستعلاء والتسخير تقترن الحكمة والتدبير، كلٌّ يجري لأجل مسمى، إلى حدود مرسومة، وَفْق ناموس مقدر، ثم يهبط العرض التصويري الهائل من السماء إلى الأرض، فيرسم لوحتها العريضة الأولى، ويبدأ في تخطيطها وبسطها وانفساحها بخطوط جزئية أدق من الخطوط العريضة الأولى؛ إذ يقول - تعالى -: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ﴾ [الرعد: 4] الآيات، ثم يرمي السياق إلى ما هو أكبر وأسمى غاية، ذلك هو طلب الإيمان بخالق هذا الكون البديع، وما فيه، وهذا المقصد يأتي بطريق التعجب من أمر قوم يلزمهم الإيمان، لكنهم يأبَوْن إلا الكفر تجبُّرًا وعنادًا.


﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [الرعد: 5] ما لهؤلاء لا يؤمنون؟ فإن الذي خلق هذا الكون الضخم ودبَّره على هذا النحو قادرٌ على إعادة الأناسيِّ خلقًا جديدًا، لكن إنما هو الكفر المسيطر على العقول والأفهام ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]! إن هذا الكفر لا يملك معه فرد من هؤلاء المعاندين إلا الوقوف أمام المبلغ الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - بطلب الخوارق والمعجزات، وتلك حجة مَن غلب على قلبه الكفرُ والضلال، واستحوذ على عقله العنادُ فَلَجَّ في كبريائه الساقطة.


ويعرض السياق في الآيات وجوه الهداية وطرق الإرشاد لهؤلاء ولغيرهم، وأن عليهم النظر، والتأمل في آفاق الكون، وآيات الله المبثوثة في السماء والأرض، وأن عليهم التفكير والاتعاظ، فلينظروا إلى مصارع الغابرين الذين استعجلوا عذاب الله، فأصابهم وتركهم مثلةً يعتبر بها مَن بعدهم ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ﴾ [الرعد: 6]، ويمضي سياق الآيات مقدمًا مغفرة الله على عقابه في مقابل تعجُّل هؤلاء الكافرين الغافلين، ليبدو الفارق الكبير بين الخير الذي يريده اللهُ للناس، والشر الذي يريده الناس لأنفسهم، ومن وراء هذا الشر يظهر انطماس البصيرة، وعمى القلب، والانتكاس الذي يستحق درك النار، وتلك الأغراض تجمعها الآياتُ الكريمات من قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 6، 7].


ويستمر عرض تلك المقاصد السامية منتهية بالجولة الأولى في الآفاق، والتعقيبات عليها، حتى يبدأ السياق جولة جديدة في وادٍ آخر، في الأنفس والمشاعر والأحياء من قوله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ﴾ [الرعد: 8].. إلى قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11] نلحظ في مرامي تلك الأغراض والمقاصد: تقرير المبدأ وإبراز حالة تغيير الله ما بقوم إلى السوء؛ لأنهم كانوا السبب في ذلك؛ فليس الله بظلامٍ للعبيد، ثم يستمر العرض، فيأخذ سياق تلك الآيات جولة جديدة أخرى، في وادٍ آخر موصول بذلك الوادي الذي تحدثت عنه الآيات الأولى في مطلع السورة، ذلك معرض تجتمع فيه مناظر الطبيعة، ومشاعر النفس الإنسانية متداخلة متناسقة في الصورة والظل في مشهد تخيم عليه الرهبة والضراعة، والجهد والإشفاق، وتظل النفس فيه في ترقُّب وحذر، وفي تأثُّر وانفعال، نلحظ ذلك في قوله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الرعد: 12، 13]..... إلى قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14][1].


ولنبدأ الآن في تحليل نظم هذه المعاني، وتلك المقاصد والأغراض التي ضمها إطار الآيات من مطلع السورة إلى قول الله - عز وجل -: ﴿ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14]، وبأدنى تأمُّل نلحظ أن أول ما يطالعنا في تراكيب هذه الآيات تنوعُّها وتفاوتها من حيث الطول والقِصَر على حسب ما يقتضيه معنى هذه أو تلك، فقد ساقت الآية الأولى من السورة معنى "الانتصار للقرآن الكريم، وأنه الحق الذي لا مرية فيه"، ولم يتطلب الموقف هنا سوى ثلاثة مقاطع من الآية، هي قوله: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 1]، وقوله: ﴿ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴾ [الرعد: 1]، وقوله: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1]، ولما بدأت الآيات في عرض القدرة الإلهية جيء بثمانية مقاطع هي قوله: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ ﴾، وقوله: ﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾، وقوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، وقوله: ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾، وقوله: ﴿ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾، وقوله: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾، وقوله: ﴿ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ ﴾، وأخيرًا: ﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2].


وهكذا حتى نستقرئ الآيات جميعًا في هذه المجموعة، بل ستجد ما هو أبدع وأروع، وذلك فيما يظهر من تنوع التركيب في كل مقطع من مقاطع الآية الواحدة، من جملة اسمية، إلى جملة فعلية.


فهذه مثلاً جملة: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ ﴾ تعقبها متراخية عنها جملة: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، وتأتي بعد ذلك جملة ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾، فالأولى اسمية تعطي معنى الثبوت والاستمرار، فلا أحدَ غير الله - سبحانه - رفع السموات وثبَّتها بغير عمد؛ فهي مستمرة على هذا العلو المتناهي الثابت الذي لا يزول، وثمة جملة أخرى تفيد معنى التجدد والحدوث، وذلك مثلاً في قوله - تعالى -: ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾، فمن ذا الذي يذلِّل هذين الفلكين، ويسخِّرهما لمصالح البشر، وَفْق قاموس طبيعي متجدد؟ فنهار يعقبه ليل، وليل يعقبه نهار، في حركة متكررة دائبة لا تفتر؟


لا أحد غير الخالق الكريم الذي أبدع خلقهما على هذا النحو العظيم.


وتأمل بديع صلة قوله - تعالى -: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ بالجملة التي تليها من قوله في مطلع الآية الثانية: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ ﴾، ووجه الصلة بينهما: أن الأُولى نعت الإيمان على كثير من الناس، لكن هذا الإيمان بمن؟ إنه الإيمان بالله الذي رفع السموات بغير عمد، حقًّا إنه تركيب تستلهم معناه القلوب، وترعاه العيون.


يأتي بعده في السياق معنى أدق وأعظم، يغيب عن مدارك البشر جميعًا، ذلك هو قول الله - سبحانه -: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، ولأمر ما جاء العطف بـ: "ثُمَّ" دون غيرها من حروف العطف!! إن هذا الحرف يعطي مهلة للتأمل، لينظر أهو قادر على اكتناه ذلك العلو المطلق، والاستواء الغيبي الذي لا تدركه الأبصار.


ويأتي بعد ذلك في السياق العطف بالواو، الذي لا يقتضي غير التشريك بين جملتين، وفي هذا إيماؤه إلى مدى إحاطة علم الله وقدرته؛ فكونه - تعالى - على خلقه بائن منهم، فإن علمه وقدرته محيطة بكل شيء؛ ولذا جاء قوله - تعالى -: ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ بعد قوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾.


وافطن إلى قوله - تعالى -: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ ﴾ ما لهذه الجمل جاءت من غيرِ عطف بـ: ثم، أو الواو، أو حرف آخر من حروف العطف؟


إن الأمر ليس يخضع لتقنين البلاغيين ومصطلحاتهم، كقولهم: عطف على تلك الجملة لكمال الانقطاع، وترك العطف لشبه كمال الاتصال مثلاً، وإنما الأمر أدق وأبدع من ذلك، ونلحظ براعة النظم في عملية التدبير والتفصيل الذين لا يُعجِز اللهَ شيءٌ منهما؛ فاتصالهما مركبين في التعبير من غير عطف ينم عن اتصالهما الوثيق بعلم الله، وقدرته المسيطرة التي لا تنقطع ولا تنفصل بحال من الأحوال.


والْحَظْ كيف ختمت الآية الأولى في السورة بقوله - تعالى -: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ دون ﴿ لَا يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أو ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ مثلاً، وختمت الآية الثانية بـ: ﴿ تُوقِنُونَ ﴾ دون ﴿ تُصَدِّقُونَ ﴾ ليس هذا الختام لتوافق الفاصلة القرآنية فحسب، وإنما لكون الآية الأولى ذكرت في سياقها معاني القدرة الإلهية من رفع السموات والاستواء، وتسخير الشمس والقمر، وتلك الأمور تستدعي أن يكون الختام بـ: ﴿ تُوقِنُونَ ﴾ دون ﴿ تُصَدِّقُونَ ﴾؛ فدرجة اليقين أعم وأكبر من التصديق، واليقين بالشيء أصل التصديق به.


والْحَظْ هذا التناسق العجيب في سياق الآيات؛ إذ لما انتهت من عرض القدرة الإلهية في العُلْوِ، أعقبت بعرض القدرة ومظاهرها في السُّفْلِ، على حد قول الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾ [الرعد: 3] إلى قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]، والإطار الذي يكتنف عرض هذه المعاني الشريفة السامية منوع بجمل اسمية وأخرى فعلية، مرة مؤكدة، ومرة غير مؤكدة، ومما يسترعي النظرَ في هذا السياق توالي ثلاث جمل مصدَّرة بفعل ماضٍ من قوله - تعالى -: ﴿ مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾، وقوله: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ﴾، وبعد هذه الأفعال تأتي جملة: ﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ﴾، ما سر افتتاح هذا التركيب بالفعل المضارع "يُغْشِي"؟ أليس مد الأرض، وبسطها، وتثبيتها بالجبال الراسية، وبث الثمرات في جنباتها من الدلائل على عظمة الخالق وقدرته؟ إنه لكذلك، ولكنَّ فَرْطَ أُلْفَة الناس لهذه المخلوقات، وبقاءها صامتةً جامدة قد يهوِّن عليهم أمرها، دون تدبر واعتبار طويلين، أما آية الليل وآية النهار فهما آيتان كبيرتان، في إحداهما: طلب المعاش، وفي الأخرى: طلب السكون؛ فالكيفية البشرية فيهما متجددة نشيطة مستمرة.


ولذا جاء التعبير بالمضارع الدال على التجدد والحدوث، وأخيرًا تأمَّل ختام الآية إذ جاء مؤكدًا بأن واسمية الجملة، وانتهى بقوله: ﴿ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ دون ﴿ يَعْقِلُونَ ﴾ مثلاً؛ لأن في هذه المخلوقات، وبديع صنعها، وتسخيرها - ما يستوجب التفكر والتأمل في ملكوت الكون، ثم سِرْ مع الآية من قوله: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ﴾ [الرعد: 4] إلى قوله: ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾، إنه نمط من القول رفيع، تتوالى تراكيبه في عرض الجزئيات الدقيقة للأرض، بعد رسم الخط العريض لخِلْقتها والغرض منها، فبعد أن قال - سبحانه -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾، ثم بيَّن فيها من منافع لعموم المخلوقات قال مفصلاً: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ ﴾ [الرعد: 4]، وكذا وكذا، سبحان الله! ما من تركيب أو جملة إلا وتأتي حاملة في ثناياها معنى أضخمَ وأعظم من إطارها؛ فجملة: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ﴾ أربعة ألفاظ فقط، لكن من ذا الذي يستطيع عد قطع الأرض وحَصْرها وجمع صفاتها؟ إن هذا من بلاغة الإيجاز في أسلوب القرآن الكريم، وأعظم منه طريقةُ حرثِ هذه القطع، وما ينبت فيها، وما يخرج منها، وأعظم منها سقيها بماء واحد، ثم اختلاف ما تنتجه في اللون والطَّعْم والحجم والرائحة، ولسرٍّ ما جاءت جملة ﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ﴾ مصدَّرةً بالفعل المضارع ﴿ يُسْقَى ﴾ دون أسقيناه، ففي الأول استمرار لتنوع الثمرات واختلافها على الرغم من سقيها بماء واحد، وفي ذلك استمرار القدرة المهيمنة على كل شيء، وأخيرًا تأمَّل ختام الآية بقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4]، نعلم أن في خلق هذه المخلوقات ما يستثير العقول، ويدعوها إلى التدبر والتفكر، فليس الأمر مجرد حدَث أو شعور، ولكنه قضية تخاطب العقل أولاً، وتستلهب الشعور ثانيًا.


ومما نلحظه في تراكيب هذه الآيات مجملة تنوُّعها من جملة فعلية إلى اسمية مؤكدة وغير مؤكدة، إلى ما هو مصدَّر بالاستفهام وغيره، وكل ذلك أكسبها جدة وحيوية.



[1] من تفسير سورة الرعد في الظلال لسيد قطب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (1)
  • عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (3)
  • عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (4)
  • التلاؤم في جو سورة الرعد
  • التصوير البياني في سورة الرعد (1)
  • خصائص النظم في سورة الرعد وغيرها من السور
  • النظم القرآني عند المفسرين
  • الجرس والإيقاع

مختارات من الشبكة

  • صرخات منبرية للتحذير من مشاهدة الأفلام والمسلسلات الهندية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنبيه المسلم الغيور إلى خطورة المغالاة في المهور (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عناصر تحليل النص الأصولي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عناصر الإنتاج ومدخولاتها (مكافآتها) في الاقتصاد الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تقويم عناصر المنهاج الدراسي مدخل أساسي نحو تحقيق التغيير المنشود في مجال التربية والتعليم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • عناصر القوة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهجه في التأليف (PDF)(كتاب - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • الترتيب في عناصر الجملة في باب "الأفعال الناسخة" وباب "الحروف الناسخة"(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مشروع التدريب على عناصر ومهارات التمهيد الجيد للحصة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عناصر لمدارسة متن زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عناصر التكامل في بناء شخصية المتعلم وموقع التربية على القيم منها(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب