• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (217)

تفسير سورة البقرة .. الآية (217)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2013 ميلادي - 7/2/1435 هجري

الزيارات: 53228

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (217)

 

قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيْهِ قُلْ قِتَالٌ فِيْهِ كَبِيْرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُوْنَ يُقَاتِلُوْنَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوْكُمْ عَنْ دِيْنِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوْا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُوْنَ ﴾ [217].


يخبر الله عباده المؤمنين في هذه الآية عن شغب الكفار المشركين ودجلهم المكشوف وإرجافهم بالباطل كعادتهم في شناءة المسلمين وتعييرهم بما لو كان ذنباً لكان حقيراً جداً بالنسبة إلى الشرك الذي هو من أكبر كبائر الذنوب.

 

وقد ذكر المفسرون وأصحاب السير كابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني في الكبير وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبدالله بن جحش - وهو ابن عمته - مع ثمانية من المهاجرين في آخر شهر جمادى، وقيل باثني عشر رجلاً يعتقب كل اثنين على بعير، وكتب له كتاباً فقال: ((اخرج بأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح الكتاب فانظر فيه فما أمرتك فامض له ولا تستكره أحداً من أصحابك على الذهاب معك)).

 

فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه أن امض حتى تنزل (نخلة) فأتنا من أخبار قريش بما اتصل إليك منهم، ولم يأمره بقتال، فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعاً وطاعة، من كان منكم رغبة في الشهادة فلينطلق معي، ومن كره ذلك فليرجع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن استكره أحداً منكم.

 

فمضى القوم معه، فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبه بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه فتخلفا عنه لطلب البعير، ومضى القوم حتى أتوا (نخلة) ونزلوا بها، فمر بهم عمرو بن الحضرمي ورفاق معه في عير لقريش تحمل زبيباً وزيتاً، فتشاوروا في قتالهم لمضايقة شهر رجب، وكانوا في آخر يوم من جمادى، فعزموا على قتالهم، فقتلوا ابن الحضرمي وأسروا اثنين من رفاقه وهرب الرابع فلم يدركوه، فاستاقوا العير وذهبوا بالأسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ((إني والله لم آمركم بقتال))[1].

 

واستغل الكفار وأعوانهم فرصة الدجل فزعموا أن الوقعة حصلت في أول رجب وهي في آخر جمادى، فأزعجهم الخوف من الله أن يكون شهر جمادى ناقصاً وتكون الوقعة كما قيل، فتساءلت قريش مع الرسول ومن حوله من المشركين عن استحلال الشهر الحرام، فتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العير والأسيرين حتى أنزل الله هذه الآية المبينة لحقيقة الأمر، وأن أعمال المشركين أفظع وأشنع وأكبر جريمة من القتل في الشهر الحرام، بل إن الفتنة فتنة المسلمين بأصناف الإغراء والتنكيل ليرجعوا إلى الشرك هي أكبر من القتل مطلقاً ومن القتل في الشهر الحرام، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم العير وفدى الأسيرين وأبطل الله في هذه الآية جميع أراجيف المشركين من قريش وغيرهم، وأذهب حزن المسلمين مما حل بهم من الذم الكاذب والتهريج الباطل، وشفى صدورهم بهذه الحقيقة الدامغة.


وهذه الآية الكريمة ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾ أتى الله سبحانه بها لذكر مبررات المسلمين للقتال الذي هو كبير في الأشهر الحرم، وقد كانت العرب تعظمها لما ترسب فيها من ملة إبراهيم عليه السلام كما أسلفنا القول في أنهم كانوا على ملة إبراهيم عليه السلام، وأن الإسلام فيهم أصيل، والوثنية هي الدخيلة عليهم، عكس ما يزعمه أفراخ الماسونية وتلاميذ الاستعمار، وأن كل ما تبقى عندهم من الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة فهي من بقايا الملة الإبراهيمية، ومنها تعظيم الأشهر الحرم، فقد كانوا لا يسفكون فيها دماً ولا يغيروا على عدو حتى أن أحدهم يلقى قاتل أبيه وأخيه في الحرم أو في الشهر الحرام فلا يهيجه، وقد استغلوا حادثة عبد الله بن جحش التي ذكرناها للدعاية ضد المسلمين والوقيعة بهم والإكثار من تهويل الحادثة، ولكن العليم الحكيم جل شأنه تولى الدفاع عن المؤمنين دفاعاً يخرس أعداءهم ويبكتهم، فقال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾. أي: عن جواز القتال فيه فقل لهم يا محمد: إن القتال فيه كبير ومستنكر ولكننا ارتكبناه لإزالة ما هو أفظع منه وأشنع، فلم نفعل فيه إلا ما ألجأتنا إليه الضرورة من ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن مندوحة من فعل أحدهما، وهذه قاعدة يقررها العقل والنقل، فلهذا لم يعيدوا الشغب عليها، وذلك أنكم يا معشر المستنكرين للقتل في الشهر الحرام قد فعلتم في نفس الحرم المحرم أفعالاً شنيعة لا يقرها دين ولا إنسانية.


فصدكم عن سبيل الله بصرفكم الناس عن الطريق الموصل إليه وهو الإسلام، وما فعلتموه من اضطهاد المسلمين وتعذيبهم بأبشع أنواع التعذيب، وكفركم بالله رب الحرم والشهر الحرام ورب كل شيء ومليكه أفظع مما فعلناه في الشهر الحرام لإزالة الضرر عنا فجريمتكم في صد المسلمين عن سبيل رب العالمين أكبر مما فعلناه وكفركم بالله أكبر جريمة وصدكم لعباد الله عن المسجد الحرام أكبر جريمة وإخراجكم لأهله منه جريمة كبرى أيضاً هي عند الله أكبر من القتال.


ثم ما ترتكبونه من فتنة المسلمين عن دينهم بشتى أنواع الإرهاب والتعذيب هو أكبر من القتل.


لقد عذبوا ضعفاء المسلمين الذي ليس لهم من يحميهم بأبشع أنواع العقوبات: من الكي بالنار والطرح بالرمضاء على الحديد، ومع وضع الصخور الثقال، بل قد أوقدوا النار في ظهر عمار وعذبوا أمه حتى طعنها أبو جهل بحربة محماة في فرجها فماتت كما مات زوجها ياسر في العذاب، وحكى (خباب بن الأرت) عن عذابه فقال: من جملة ما عذبوني أن أشعلوا ناراً على ظهري لم طفئها إلا ودك ظهري - يعني: دهن ظهره - وكانوا يجيعون بعضهم ويعطشونه يوماً وليلة ويوضع في الرمضاء في شدة الحر وتوضع عليه صخرة.


هكذا أعمالهم الفظيعة بالمسلمين في حرم الله الذي أوجب الله أمان من دخله، فلم يحترموا الحرم ولا رب الحرم ولا دين رب الحرم، بل عملوا على فعل أكبر الكبائر من الشرك بالله وعداوة رسوله صلى الله عليه وسلم وإيذائه بما يقدرون عليه، ولولا سيوف بني هاشم التي قيضها الله لحمايته لفعلوا به كما فعلوا بضعفاء المسلمين، ثم صدهم عن سبيل الله وإخراجهم أهل دينه من حرمه ومواصلة تعذيبهم للمسلمين حتى في نفس الوقت الذي يستنكرون فيه ما فعلته سرية عبد الله بن جحش في يوم مشتبه، هل هو من جمادى أو بداية رجب.


وما أعظم دفاع الله عن المسلمين بهذه الصيغة العجيبة وهذا الأسلوب القوي الدامغ، فجوابهم لم يأت على سبيل التنصل، وأنهم لم يجزموا بدخول الشهر الحرام، وأنهم قد استصحبوا حكم شهر جمادى الذي يحق لهم استصحاب حكمه حتى يتيقنوا دخول رجب برؤية الهلال كلا، إن الله لم يدافع عن المسلمين بأسلوب التنصل والميوعة، بل بأسلوب القوة ومواجهة الواقع بالواقع وبيان أن ما عمله المسلمون هو شيء تافه لا قيمة له بالنسبة إلى جرائم الكفار الذين اتخذوا من الشهر وسيلة للطعن بالمسلمين والتشهير بسيرتهم الحميدة، فلطمهم على أعينهم، ودمغهم على رءوسهم، وأدانهم بما فعلت أيديهم من احتقار الحرمات والمقدسات، وأوضح للمسلمين وقت النزول كما أوضح للمسلمين وغير المسلمين على ممر العصور سفاهة وشدة وقاحتهم، إذ يستعظمون الحقير مما فعله المسلمون جرياً على قاعدة صحيحة وهي ارتكاب أخف الضررين، ويحتقرون بل هم يتعامون عن جرائمهم الفظيعة التي لا يقاس بها أي عمل، وقد نسب إلى أبي بكر الصديق أنه قال:

تعدون قتلاً في الحرام جريمة
وأعظم من ذا لو يرى الرشد راشد
صدودكمو عما يقول محمد
وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله
لئلا يرى لله في البيت ساجد

 

وقيل: إنها لعبد الله بن جحش قائد السرية، وآخر النظم يشهد بذلك.


وفي هذه الآية الكريمة عدة فوائد:

أحدها: أن الله تولى الدفاع عن المؤمنين بما أرغم أنوف المشركين وأخرس ألسنتهم وقطع عليهم كل طريق، وهذا من إتمام وعده سبحانه إذ قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، فهو سبحانه يدافع عنهم في مقام الجدال وفي مقام القتال إكراماً لشأن الإيمان ورفعة لرءوس المؤمنين.


ثانيها: أن الله سبحانه لم يقل: (القتال فيه كبير) مع أنه من شرط النكرة المذكور إذا أعيد ذكرها أن يعاد معرفاً نحو: سألتني عن رجل والرجل كذا وكذا، ولكن الله أعاد ذكره منكراً تنبيهاً على أنه ليس كل قتال في الشهر الحرام هكذا حكمه، فإن قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لم يكن هذا حكمه، فقد قال: ((أحلت لي ساعة من نهار ولم تكن تحل لأحد قبلي))[2].


ثالثها: إن في دفاع الله عن المؤمنين بهذا الأسلوب القوي الدامغ تعليماً لهم أن يسلكوا هذا الأسلوب مع كل عدو يريد الحط من شأنهم وكل دجال يلعب على عقولهم حتى لا يعطوه فرصة للتمادي في ذلك. فمثلاً إذا طعن عدوهم في دينهم أنه انتشر بالسيف لا يلجئون إلى المعاذير التي تئول إلى تحريف الكلم عن مواضعه، بل يردون وصمتهم على رءوسهم في الحروب الصليبية، فيقولون لهم: ما الذي جاء بكم؟ ولماذا ارتكبتم الأعمال والفضائح والوحشية، وأقمتم محاكم التفتيش للقضاء على الدين والإكراه على العقيدة في حين أن في (إنجيل متى) عندكم ما نصه: (من صفعك أيها النصراني على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر).


رابعها: قوله سبحانه: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ نص قاطع في أن القتال في الشهر الحرام أهون من الفتنة عن الإسلام لو لم ينضم إليها جرائم أخرى، فكيف وقد يصاحب الصد عن سبيل الله بالوقوف في وجه الإسلام، والصد عن المسجد الحرام، وإخراج أهله منه، بل وما هو الأكبر من ذلك وهو الكفر بالله رب المسجد الحرام، والشهر الحرام، والناس أجمعين.


وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ إخبار من الله للمؤمنين عن طبيعة الكفار التي لا يمكن أن يتخلوا عنها قطعاً، وهي أنهم يصرون على قتال المسلمين حتى يردوهم عن دينهم ﴿ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ استبعاداً لاستطاعتهم وقدرتهم.


أما قوله تعالى: ﴿ ومَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. يعني من يرجع منكم عن الإسلام إلى الكفر حتى يموت عليه بسبب فتنة الكفار وتلبيسهم أو إغرائهم، فأولئك قد بطلت أعمالهم وفسدت، فضاع أجرها ونفعها في الدارين ـ الدنيا والآخرة ـ لاستجابتهم لأعداء الله وأعدائهم، وإعراضهم عن وحي ربهم العظيم.


فوائد:

أولها: اختلف العلماء رحمهم الله في نسخ حرمة القتال في الأشهر الحرم ابتداءً، فالجمهور جوزوه وقالوا: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ، وهو مذهب الأئمة الأربعة كلهم رحمهم الله، وخالفهم عطاء وغيره، لكن حجة الأئمة حجج كثيرة: منها: غزوه لخيبر في شهر المحرم، ومنها بيعة الرضوان على القتال، وهذه لها سبب خاص، وأقوى من ذلك حصاره للطائف، وكان قد خرج إليها في أواخر شوال، وفتح الله عليه هوازن وقسم غنائمها، ثم ذهب منها إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوماً قضى فيها شهر ذي القعدة بكامله، وكذلك بعثه صلى الله عليه وسلم السرية إلى أوطاس في شهر ذي القعدة.


وقد أجاب المانعون بأجوبة من أقواها آية المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2].


ولكن من الصعب تسليم تأخر نزولها عن آيات سورة التوبة، لأن سورة المائدة ليس كلها من المتأخر كما لاحظها المحققون.


وسئل سعيد بن المسيب: هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال: نعم. قال أبو عبيد: والناس بالثغور اليوم جميعاً على هذا القول يرون الغزو مباحاً في الشهور كلها، ولم أر أحداً من علماء الشام والعراق ينكره عليهم، كذلك أحسب قول أهل الحجاز، والحجة في إباحته قوله تعالى: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5].


وهذه الآية ناسخة لتحريم القتال في الشهر الحرام.


قال: والذي عندي أن قوله تعالى: ﴿ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ هذا نكره في سياق الإثبات فيتناول فرداً واحداً ولا يتناول كل الأفراد، فهذه الآية لا دلالة فيها على تحريم القتال مطلقاً في الشهر الحرام، لأنها ليست نكره في سياق النفي، فلا حاجة إلى تقدير النسخ فيه.


قلت: لا حاجة إلى الاختلاف في نسخ القتال ابتداءً ما دام الجميع متفقاً على إباحته في حال الدفاع، ما دام باب الدفاع واسعاً يعم قتال من أراد الصد عن الدعوة أو عمل على فتنة الناس عن الدين، فإن هذه الكريمة المباركة أوضحت بما لا يدع للشك مجالاً إباحة القتال على الأقل أو وجوبه إذا حصل من الكفار صد للمسلمين عن الزحف بالدعوة أو حصل منهم إيذاء لمن حولهم من المسلمين أو منع لهم من الهجرة أو من إقامة التعبد أو حصلت فتنة بأي أنواعها، وهذه الأمور متحقق حصولها من الكفار، بل يحصل منهم زيادة الطعن في الدين والتفنن العظيم بأنواع الفتنة مما يصبح القتال فيه جائزاً أو محتماً في كل زمان حتى في الأشهر الحرم.


ثانيها: تخصيص الله للمؤمنين بأنهم أهل المسجد الحرام بقوله سبحانه: ﴿ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ لأنهم هم القائمون بحقوقه، فهم أهله وعماره بالعبادة، كما قال تعالى: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ [الفتح: 26].


وكما قال في شأن المشركين والمؤمنين: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 34].


فأخرج المشركين بشركهم من ولاية المسجد الحرام وحصرها في المؤمنين.


ثالثها: قوله سبحانه فيمن يرتد عن دينه: ﴿ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ أما حبوط أعمالهم فهو زوال ثوابها وجدواها وكونها باطلة في الدنيا ومحروم من جميع نتائجها في الدنيا والآخرة، وأصل الحبط مأخوذ من الهلاك، وهو أن يأكل بعض الأنعام ما يضره من نبات الربيع فينتفخ بطنه فيهلك، ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم))[3] فسمى فساد الأعمال بالحبط لما فيه من الهلاك المعنوي بفسادها وعدم الاعتداد بها وحرمان ثوابها، ومن الأحكام المترتبة على حبوط الأعمال في الدنيا المرتد يقتل إذا ظفر به ويقاتل إلى أن يظفر به، ولا يستحق من المؤمنين موالاة ولا نصراً ولا ثناءً حسناً، فمن والاه أو ناصره أو أثنى عليه كان مشاقاً لله ورسوله، ومضاداً للدين وأهله، وقد تقدم حرمانه من الإرث وفساد عقد زوجيته.


ومن المجرب قديماً وحديثاً من عهد النبوة إلى زماننا أن المرتد عن الإسلام يكون أضر على الإسلام والمسلمين من الكفار الأصليين، ويكون أشد عتواً ونفوراً منهم عن الحق وأهله، وأما حبوط أعماله في الآخرة فبحرمانه ثوابها وإدخاله النار خالداً فيها.

 

رابعها: إعراب هذه الآية، فقوله تعالى: ﴿ قِتَالٍ فِيهِ ﴾ بدل من الشهر بدل اشتمال، وقال الكسائي: هو مخفوض على التكرير، يريد أن التقدير: يسألونك عن قتال فيه وعلى القراءة الشاذة بالرفع وجهه أن يكون خبر مبتدأ محذوف معه همزة الاستفهام تقديره: أجائز قتال فيه؟ ﴿ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ مبتدأ وخبر وجاز الابتداء بالنكرة، لأنها قد وصفت بقوله (فيه) و(صد) مبتدأ و﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ صفة له أو متعلق به، و(كفر) معطوف على (صد) وإخراج أهله معطوف أيضاً وخبر الأسماء الثلاثة أكبر وقيل: خبر (صد وكفر) محذوف أغنى عنه خبر (إخراج أهله)، ويجب أن يكون المحذوف على هذا (أكبر) لا (كبير) كما قدره بعضهم، لأن ذلك يوجب أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر وليس كذلك. وأما جر المسجد الحرام فقيل: لعطفه على الشهر الحرام، وقد ضعف ذلك بأن القوم لم يسألوا عنه إذ لم يشكوا في تعظيمه، وإنما سألوا عن القتال في الشهر الحرام لأنه وقع منهم ولم يشعروا بدخوله، فخافوا من الإثم، وكان المشركون عيروهم بذلك، وقيل هو معطوف على الهاء في (به)، وهذا لا يجوز عند البصريين، إلا أن يعاد الجار، وقيل: هو معطوف على  ﴿ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ وهنا لا يجوز لأنه معمول المصدر والعطف بقوله: ﴿ وَكُفْرٌ بِهِ ﴾ يفرق بين الصلة والموصول، والجيد أن يكون متعلقاً بفعل محذوف دل عليه (الصد) تقديره (ويصدون عن المسجد) كما قال تعالى: ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [الفتح: 25].

 

وقوله: ﴿ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ ﴾ يجوز أن تكون (حتى) بمعنى كي، وأن تكون بمعنى (إلى) وهي في الوجهين متعلقة بـ ﴿ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾وجواب ﴿ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ محذوف قام مقامه ﴿ وَلَا يَزَالُونَ ﴾ وقوله: ﴿ فَيَمُتْ ﴾ معطوف على ﴿ يَرْتَدِدْ ﴾. ويرتدد مظهر لما سكنت الدال الثانية لم يمكن تسكين الأولى لئلا يجتمع ساكنان، و(منكم) في موضع الحال من الفاعل المضمر، و(من) في موضع مبتدأ، والخبر هو الجملة التي هي قوله: ﴿ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ ﴾.



[1] آخره البيهقي : [9/12، 58]، والطبري: [2/347، 348] وغيرهما.

[2] [صحيح] سبق تخريجه.

[3] أخرجه البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل النفقة في سبيل الله، [2842]، ومسلم: [1052]، وغيرهما.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (214)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (215)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (216)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (218)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (219)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (220)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (221)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (223)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب