• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إزالة الأذى والسموم من الجسوم في الطب النبوي
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    نهاية العام.. سنن وبدع
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: كان الإيلاء الجاهلية السنة والسنتين
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة المحرم وعاشوراء
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    ظاهرة تأخر الزواج (2)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    الغيبة والنميمة طباع لئيمة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فقه يوم عاشوراء (باللغة الإنجليزية)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    نطق الشهادة عند الموت سعادة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خصائص الجمع الأول للقرآن ومزاياه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    التعرض لحرارة الشمس في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    عاشوراء (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الاغتسال المتكرر حماية للجسم من الأمراض
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    عاشوراء شكر وعبادة.. لا مآتم وبدع
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

أوصاف القرآن الكريم (14): ﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم ﴾ (خطبة)

أوصاف القرآن الكريم (14): ﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم ﴾ (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/4/2022 ميلادي - 13/9/1443 هجري

الزيارات: 11985

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أوصاف القرآن الكريم (14)

﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾


الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِشَعِيرَةِ الصِّيَامِ، وَاخْتَصَّهُ بِجَزَائِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ؛ ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَقْبَلُ تَائِبًا، وَيُجِيبُ دَاعِيًا، وَيُعْطِي سَائِلًا، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ «أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاغْتَنِمُوا مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ فَقَدْ ذَهَبَ شَطْرُهُ، وَبَقِيَ شَطْرُهُ الْأَخِيرُ، وَالشَّطْرُ كَثِيرٌ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا مَضَى مِنْهُ؛ إِذْ فِيمَا بَقِيَ عُشْرُهُ الْمُبَارَكَةُ، الَّتِي اخْتُصَّتْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [الْقَدْرِ: 2-5].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، فِيهِ يُتْلَى آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَتُضِيءُ الْمَسَاجِدُ فِي لَيْلِهِ بِالْقِيَامِ. وَلِلْقُرْآنِ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ جَاءَتْ فِي آيَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَمِنْ أَوْصَافِهِ أَنَّهُ كِتَابٌ حَكِيمٌ، وَجَاءَ هَذَا الْوَصْفُ لِلْقُرْآنِ فِي آيَاتٍ عِدَّةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 58]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ [يُونُسَ: 1]، وَأَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ عَلَى رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصِفًا إِيَّاهُ بِأَنَّهُ حَكِيمٌ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ [يس: 1 - 5]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 3-4].

 

وَلَا عَجَبَ أَنْ يُوصَفَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ حَكِيمٌ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَكِيمُ، وَالْحِكْمَةُ تَصْدُرُ مِنَ الْحَكِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الْحَجِّ: 52]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النَّمْلِ: 6]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فُصِّلَتْ: 42]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 2].

 

وَوُصِفَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ حَكِيمٌ؛ لِأَنَّهُ كِتَابٌ مُحْكَمٌ؛ «أُحْكِمَ وَأُتْقِنَ فَلَيْسَ فِيهِ فُضُولٌ وَلَا مَا لَا يُفِيدُ»، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 7]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هُودٍ: 1]. وَلِإِحْكَامِهِ لَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ؛ ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 82].

 

وَوُصِفَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ حَكِيمٌ لِأَنَّهُ الْحَاكِمُ، «وَالْقُرْآنُ حَاكِمٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَحْكَامَ تُسْتَفَادُ مِنْهُ» وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ [الرَّعْدِ: 37]. وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ وَتَرْكِ أَهْوَاءِ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْحَكَمُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾ [الرَّعْدِ: 37]. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾ [الْأَنْعَامِ: 114]، « أَيْ: مُوَضَّحًا فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَأُصُولُ الدِّينِ وَفُرُوعُهُ، الَّذِي لَا بَيَانَ فَوْقَ بَيَانِهِ، وَلَا بُرْهَانَ أَجْلَى مِنْ بُرْهَانِهِ، وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ حُكْمًا، وَلَا أَقْوَمَ قِيلًا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ». قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 50]، «أَيْ: لَا أَحَدَ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا».

 

وَوُصِفَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ حَكِيمٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ الْكَثِيرَةِ فِي أَحْكَامِهِ وَقَصَصِهِ وَأَخْبَارِهِ وَمَوَاعِظِهِ، وَلَا عَجَبَ أَنْ تُذَيَّلَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الْقُرْآنِ بِاسْمِ اللَّهِ الْعَلِيمِ، وَاسْمِهِ الْحَكِيمِ، وَاسْمِهِ الْخَبِيرِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وَخَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَقِصَّةَ الْإِفْكِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النُّورِ: 18]، وَخَتَمَ أَحْكَامَ الِاسْتِئْذَانِ وَالْخَلْوَةِ بِالْأَهْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النُّورِ: 59]، وَخَتَمَ سُبْحَانَهُ أَحْكَامَ التَّنَاكُحِ وَالْفِرَاقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الْمُمْتَحَنَةِ: 10]. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً كَبِيرَةً مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 39]. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.

 

وَالْحِكْمَةُ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَهَبُهَا مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْقُرْآنُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ كِتَابُ حِكْمَةٍ، فَالْحِكْمَةُ فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ يُدْمِنُونَ قِرَاءَتَهُ وَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 269].

 

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ الْحِكْمَةَ الَّتِي تُخْرِجُهُمْ مِنْ جَاهِلِيَّتِهِمْ وَظَلَامِهِمْ وَضَلَالِهِمْ إِلَى أَنْوَارِ الْوَحْيِ، وَعُلُومِ الْحِكْمَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 164]. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالْقُرْآنِ عَنِ السُّنَّةِ؛ إِذِ السُّنَّةُ وَحْيٌ وَحِكْمَةٌ كَالْقُرْآنِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقُرْآنِ وَحْدَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْقُرْآنَ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَهُ ظِهْرِيًّا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَحَالَ عَلَى السُّنَّةِ، وَكُرِّرَ فِيهِ وُجُوبُ طَاعَةِ الرَّسُولِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا.

 

وَلَا يَلْزَمُ عَبْدٌ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قِرَاءَةً وَتَدَبُّرًا وَعَمَلًا إِلَّا جَرَتِ الْحِكْمَةُ عَلَى لِسَانِهِ، وَظَهَرَتِ الْحِكْمَةُ فِي أَفْعَالِهِ، وَمُلِئَ حِكْمَةً وَعِلْمًا؛ فَالْقُرْآنُ يُؤَدِّبُ صَاحِبَهُ وَيُرَبِّيهِ وَيُعَلِّمُهُ، وَيُوَسِّعُ عَقْلَهُ وَمَدَارِكَهُ؛ وَلِذَا قَالَتْ عَائِشَةُ فِي وَصْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ»، أَيْ: أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْقُرْآنِ.

 

وَلَا يُرَبَّى الْأَطْفَالُ وَالشَّبَابُ وَالْفَتَيَاتُ عَلَى الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ إِلَّا أَكْسَبَهُمْ ذَكَاءً وَمَعْرِفَةً وَعِلْمًا وَحِكْمَةً، وَوَسَّعَ مَدَارِكَهُمْ، وَزَادَ فِي مَعَارِفِهِمْ، وَحَسَّنَ أَخْلَاقَهُمْ، وَجَمَّلَ سَجَايَاهُمْ، وَأَعْلَى هِمَمَهُمْ، فَلَا تَجِدُهُمْ إِلَّا حَيْثُ تَكُونُ مَعَالِي الْأُمُورِ، وَكَرِيمُ الْأَخْلَاقِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ حِكْمَةٍ، فَيَزْدَادُ بِهِ الْعَقْلُ حِكْمَةً، وَالْحِكْمَةُ هِيَ: «فِعْلُ مَا يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ وَخَاصَّتُهُ، وَأَنْ يَرْفَعَنَا بِالْقُرْآنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا الْعَشْرَ الْمُبَارَكَةَ، وَيَرْزُقَنَا فِيهَا الْقُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْإِخْلَاصَ فِي عِبَادَتِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الْحَدِيدِ: 28].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

أَيَّامٌ قَلَائِلُ وَتَسْتَقْبِلُونَ عَشْرًا مُبَارَكَةً هِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي رَمَضَانَ، فَضِّلَتْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، وَأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدُّخَانِ: 3-4]. قَالَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ: «يُبْرَمُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلُّ أَجَلٍ وَعَمَلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ، وَمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ».

 

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَرَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِحْيَاءِ لَيَالِي الْعَشْرِ تَحَرِّيًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَشُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِيهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَاعْتَكَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ تَحَرِّيًا لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ الْعَظِيمَةِ، وَرَجَاءَ الْفَوْزِ بِهَا؛ فَمَنْ قَامَهَا وَفَازَ بِهَا وَقَبِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَأَنَّمَا قَامَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ لَيْلَةٍ، فَيَا لَهُ مِنْ عَمَلٍ قَلِيلٍ، وَأَجْرٍ كَثِيرٍ؛ فَأَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، وَفَرِّغُوا أَنْفُسَكُمْ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ لِلُزُومِ الْمَسَاجِدِ، وَمُصَاحَبَةِ الْمَصَاحِفِ، وَطُولِ التَّهَجُّدِ، وَتَدَبُّرِ الْآيَاتِ، وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ؛ فَكَمْ مِنَ الرَّحَمَاتِ وَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ تُنَزَّلُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ، وَكَمْ يُسْتَجَابُ فِيهَا مِنَ الدُّعَاءِ، وَكَمْ يُقْبَلُ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ؛ فَلَا يَظْفَرُ بِهَا إِلَّا مُوَفَّقٌ مَرْحُومٌ، وَلَا يُحْرَمُ مِنْهَا إِلَّا مَخْذُولٌ مَحْرُومٌ، فَجِدُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَاجْتَهِدُوا، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ حُسْنِ الْعَمَلِ، وَارْجُوهُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ عِبَادِهِ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 186].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات) أوصاف القرآن الكريم (9)
  • أوصاف القرآن الكريم: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا
  • وإنه لكتاب عزيز (أوصاف القرآن الكريم 11)
  • أوصاف القرآن الكريم (12) (والقرآن المجيد)
  • أوصاف القرآن الكريم (13) (والكتاب المبين)
  • أوصاف القرآن الكريم (15) { الله نزل أحسن الحديث }
  • خطبة: أوصاف القرآن الكريم (16): {تلك آيات الكتاب}
  • أوصاف القرآن الكريم (17) {كتابا متشابها مثاني}

مختارات من الشبكة

  • من طرق استثارة المعاني والأفكار(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أوصاف القرآن الكريم (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوصاف القرآن (3) الكريم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • أوصاف القرآن الكريم (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوصاف القرآن الكريم (7)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • أوصاف القرآن الكريم (6)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • أوصاف القرآن الكريم (5)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • أوصاف القرآن الكريم (4)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • أوصاف القرآن الكريم (3)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/1/1447هـ - الساعة: 14:50
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب