• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / خطب منبرية
علامة باركود

التحذير من الترف والمترفين

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/1/2016 ميلادي - 20/4/1437 هجري

الزيارات: 42771

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحذير من الترف والمترفين

 

• المقدمة.

• صور من مشاهد الترف وصور من مواقف السلف.

• ذم الترف.

• من نتائج الترف.

• أسباب الترف.

• علاج الترف.

 

المقدمة:

أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فأكثروا من حمده على عظيم نعمائه، وأكثروا من شكره على تجدد آلائه، فكم خصكم بنعمة، وأزال عنكم نقمة، وتدارككم برحمة، قصرنا في شكرها، وفرطنا في حقها، أعرضتم عن القيام بحقها فستركم، وأهملتم الوفاء بشكرها فأمهلكم، وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.

 

معاشر المؤمنين: حديث خطبتنا هذا اليوم المبارك: عن داء قست به القلوب فهي أشد من الحديد، وفسدت به الأمم والشعوب فأضاعت عزها وتاريخها المجيد، وهدد الله تعالى وتوعد وقال: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [سورة إبراهيم: 7].

 

إنه مرض سبّبَ انحلال الأخلاق، أدى للتباغض والتحاسد، شُغل به الناس عن أمر الآخرة وحرثها، ورضوا بمتع الدنيا وشهواتها، ونسوا يومًا يقوم الناس فيه لرب العالمين، أحدثكم أخوة الإيمان عن الترف والمترفين، الترف أسبابًا وصورًا، وحكمًا وعلاجًا، اللهم فلا تجعلنا ممن يبطر بنعمتك، ويفجر بعافيتك، ويجحد فضلك وإحسانك.

 

معناه:

أما الترف: فهو التوسع في النعمة ومجاوزة الحد في الاعتدال، والإغراق والاسترسال في التنعم؛ حتى يصبح كل هموم الإنسان وآمال حياته.

 

والمترف هو الذي أبطرته النعمة وأطغته، فتوسع في ملاذّ الدنيا وشهواتها، والمترفون هم طبقة الكبراء الناعمين الذي جمعوا أموالاً لم يبالوا من حلال أو من حرام، ثم توسعوا في المباهج والزينة والتفاخر، ولم يبالوا بأداء حق أو التزام شرع، فقلدهم بعض ضعفاء العقل والدين، وساروا على آثارهم فضلوا سواء السبيل، ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ [الأحزاب: 67].

 

صور من مشاهد الترف وصور من مواقف السلف:

إن الإسلام لا يمنع المسلم من أن يتمتع بما أحل الله له، لكن هذا مشروط بأن يأخذ من زينة الدنيا بلغته وكفايته بقدرٍ لا يطغيه ولا يشغله عن الدار الآخرة، إن الذي يضبط لنا هذا التوسط هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا من غير سرف ولا مخيلة ).

 

لكن أن تصل المسألة إلى إسراف الأغنياء في نفقاتهم، ومحاكاة الفقراء لهم في عاداتهم، عندها ينقلب الأمر إلى ضده، ويحتاج منا إلى وقفة تنبيه ونصح، وبيان وتحذير، وإليكم صورًا تنتشر بيننا لا نجد حكمًا عليها إلا أنها من الترف المذموم:

1 - فمن ذلك أيها الطيبون: اشتغال كثير من الناس بالكماليات، كماليات بأغلى الأثمان من زينات البيوت، وكماليات بأغلى الأثمان لتزيين السيارات، وإكسسوارات بأثمان تتزايد لتجميل الجوالات، بدأت الجوالات حاجة وصارت اليوم مظهرًا واضحًا من مظاهر الترف، مع الزوج والزوجة والشاب والفتاة، بل وحتى الأطفال، تجارة الجوالات غدت كأنها بيع للسلع الضرورية، وجوال بسبعين ألف وبأكثر، وجوال بكاميرا، ومن البطرة التي لا معنى لها جوال بكاميرتين، وأشياء أعجب وأكبر!!

 

2 - إن من صور الترف الظاهرة للمتعجب من مجتمع يشكو من الدين والفقر: ما يحدث في كثير من الأعراس، ولائم ممتدة مصيرها إلى براميل القمامة، غرف نوم مبهرجة، بل حمامات مزركشة بقطع الرخام والزجاج المعكوف، تغالي في الملابس والحلي بل حتى في فناجين الشاي، وسنسأل والله عنها يوم القيامة، ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [سورة التكاثر: 8]. كان الحسن وقتادة رحمهما الله يقولان: ثلاث لا يسأل عنهم ابن آدم وما خلاهن فيه المسألة والحساب يوم القيامة: كسوة يواري بها سوءته، وكسرة يشد بها صلبه، وبيت يظله، فأعدوا لما بعد هذه الثلاثة جوابًا معاشر المترفين.

 

هذا نبينا صلى الله عليه وسلم وقد دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه قال: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا! فقال عليه الصلاة والسلام: مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من النهار ثم راح وتركها.

 

3 - إن من صور الترف التي تقض المضاجع: مظاهر شباب الأمة التافه، وترف الاهتمامات: ترف في متابعة المباريات ودوريات كرة الطائرة والقدم للكبار والصغار والناشئين المحلية والعربية والعالمية!! وترف في متابعة أخبار الفنانين والبحث عن آخر إصداراتهم العفنة أولاً بأول، وترف في الاعتناء بالجسد ودهانه والاهتمام بالشعر وتسريحه؛ حتى كأن بعض شبابنا هم النساء، بحثًا عن آخر الموضات، وجريًا وراء صرعة التقليعات، حتى صار بعض شبابنا ينثني كالغصنٍ الرطيب، يخدشه الهواء ويشتكي خشونة الماء!!

 

أهكذا يا شباب محمد، أصبحتم وعلى هذا الحال السيئ صرتم، نعم إن نبيكم هو الذي قال:" من كان له شعر فليكرمه"، لكن هو الذي نهى عليه الصلاة والسلام عن الترجل إلا غباً، نعم إن رسولكم هو الذي قال: "إن الله جميل يحب الجمال"، " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، لكن هو الذي كان عليه الصلاة والسلام ينهى عن كثير من الإرفاء؛ ينهى عن كثير من التنعم.

ليس المرؤة أن تبيت منعماً
وتظل معتكفاً على الأقداح
ما للرجال وللتنعم إنما
خلقوا ليوم كريهة وكفاح

 

معاشر الشباب إن نبينا صلى الله عليه وسلم لما أرسل شابًا إلى اليمن قال له يا معاذ: "إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين"، إن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فتح الله الفتوح للمسلمين أرسل يوصي الشباب: إياكم والتنعم وزي العجم، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب، وتمعددوا، واخشوشنوا، واخشوشبوا، وأعطوا الركب أسنتها، وانزوا نزواً، وارموا الأغراض؛ أي ليكن لعبكم ولهوكم تعلم الرماية والتقافز من على الخيل.

 

أيها المؤمنون: لقد ذكرت الدنيا عند رسولكم صلى الله عليه وسلم فقال:" ألا تسمعون، ألا تسمعون: إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان"، رواه أبو داود وابن ماجه، والبذاذة ترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس تواضعًا وزهدًا لله.

 

4 - إن اهتمام المترفين بمآكلهم ومشاربهم- أخي الكريم- ينبئك عن فشو المرض؛ فأصنافٌ من الطعام والشراب، وتفننٌ في صنع الوجبات والمأكولات، حتى أن أحدهم ليود لو أنه تقيأ ما أكل ليأكل مرة أخرى! إزهاقٌ للأوقات، وإنفاقٌ للأموال، في بعض الدول الأوروبية تجمع القمامة والنفايات المنزلية يومين في الأسبوع، وعندنا إذا لم تجمع القمامة في اليوم مرة أو مرتين تحولت الشوارع إلى مزابل، أمة الإسلام: أنسيتم أيام فتحنا بلاد العجم، يقدم الفاروق عمر رضي الله عنه الشام، ويصنع له طعام لم ير قبله مثله، فما رآه قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: لهم الجنة، فبكى عمر واغرورقت عيناه بالدموع، وقال: لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بوناً بعيداً.

 

ذم الترف:

معاشر المؤمنين: لقد ورد ذكر الترف في القرآن الكريم في ثمانية مواضع كلها في الذم والتحذير منه، فأي شيء تحسبون أيها المترفون: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56]، عباد الله إذا رأيتم الله عز وجل يملي للعبد، وهو مقيمٌ على معصيته، فاعلم أن هذا استدراج؛ يستدرجه الله بتوالي النعم حتى إذا أخذه أخذه أخذ شديد منتقم، ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182]، لقد هددهم الله وتوعدهم، لقد خوفهم الله وأوعدهم، فقال عز من قائل: ﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 11].

 

إن المترفين في كل عصر ومصر هم الذين يصدون عن دين الله ويخالفون أمر أرسل الله، إن الترف أدى للظلم والكفر ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾، [سورة هود: 116]، معاشر المترفين يا أولي النعمة لا تقولوا كما قال الذين من قبلكم، ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [سبأ: 35]، لا تقولوا ذلك فإن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55].

 

أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد قال:" شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم، وغذوا به، يأكلون من الطعام ألوانًا، ويتشدقون في الكلام "، حسنه الألباني رحمه الله.

 

أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كان يواسي أهل الصفة، وهم الذين يرقعون ثيابهم، يقول لهم: أنتم اليوم خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة، ثم قال: لأنتم اليوم خير منكم يومئذ، أخرجه البيهقي.

 

فتحت علينا الدنيا فتنافسنا فيها كما تنافس الذين من قبلنا، وما الفقر بالذي يخاف علينا منه، لكن الذي نخاف منه توالي النعم ونسيان شكرها، وتتابع العطايا وجحود حقها، إن سرور الدنيا ليس بشيء يوم القيامة أيها المترفون، يوم " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة؛ فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت نعيماً قط هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب"، فنعوذ بالله من ترف الدنيا وعذاب الآخرة.

 

ومن نتائج الترف:

• إن من نتائج الترف: الغفلة عن العمل الصالح والدار الآخرة؛ لأن المال يطغي، والصحة والفتوة تلهي، والجاه والشرف ينسي، قد قالها الأعراب الذين تخلفوا عن العمل الصالح: ﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ﴾ [الفتح: 11].

 

• إن من نتائج الترف: عبادة الشهوة، سواء في ذلك شهوة البطن، أم شهوة الفرج، و"تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس وانتكس ".

 

• إن من نتائج الترف: الصراع على المكاسب، الصراع على المال، الصراع على الأرض، الصراع على الجاه والسلطة، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه نقول كما أمرنا الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أو غير ذلك، تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون"، رواه مسلم.

 

أيها المترفون: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، أيها المترفون: لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، أيها المترفون: لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا؛ فاتقوا الله واتقوا عذابه!.

 

أيها المؤمنون: ليس معنى الزهد في الدنيا ترك العمل، لكن الزهد الصحيح أن تكون الدنيا في يدك والآخرة في قلبك، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، تذكروا هذا الأمر وتذكروا النهاية التي هي البداية: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، تذكروا هذا الأمر وتذكروا قول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [المؤمنون: 64، 65]

• • •

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر لله على توفيقه وامتنانه، أحمده ربي تعظيمًا لشأنه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.

 

أما أسباب الترف فكثيرة:

1- وأولها طول الأمل ونسيان الموت: قال تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3]، فإياك إياك وطول الأمل، خذ بوصية نبيك صلى الله عليه وسلم، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، دخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته، فلم يجد كثير متاع، فقال: يا أبا ذر أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا، يعني في الآخرة، قال: إنه لابد لك من متاع ما دمت في هذه الدار، فقال أبو ذر رضي الله عنه: لكن صاحب الدار لا يدعنا فيه.

 

2 - والسبب الثاني: كثرة المال ووفرة النعم: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، قدم رجل على ابن عمر رضي الله عنه فقال: ألا أجيئك بجوارش، قال: وأي شيء هو؟ قال: شيء يهضم الطعام إذا شبعت، قال: رحمك الله ما شبعت منذ أربعة أشهر، وليس ذاك أني لا أقدر عليه، ولكني أدركت أقواماً يجوعون أكثر مما يشبعون؛ فأنا أقتدي بهم!

 

3 - ومنها حب التقليد وضغوط العادات؛ فيحاكي غيره في الخطأ، ويزيد الإثم إثمًا، ظن أنه ينجو لأنه لم يكن الأول، وليسألن كلٌ منا عن ذنبه.

 

عـلاج الترف:

وهنا يأتي السؤال المهم: ما هو علاج الترف، والجواب إن من علاج الترف:

1- فطم النفس عن الميل إلى التوسع في المباحات والملذات، وترك الدعة والكسل، قد كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل".

 

2- إن من علاج الترف الزهد في الدنيا والرضى بالقليل، كان صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض وينام على الحصير، ويصلي على فرش اسود من طول ما لبس، ويقول: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت"، رواه البخاري.

 

3- من علاجات الترف أن تنظر إلى من هو دونك في الدنيا ولا تنظر إلى من هو فوقك، لتعرف نعمة الله عليك ولا تبطر.

 

4- من علاجات الترف عدم الاختلاط بأهل الدنيا وأرباب الترف؛ فإن الصاحب ساحب، ومن جالس جانس، فاجلس إلى قوم يذكرونك بالآخرة ولقاء الله، فما عند الله خير وأبقى، ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]، وانظر لأحوال المسلمين وما يعانونه من فقر ومرض وجهل، وما يلاقونه من حرب وتشريد؛ فإن هذا يدلك كيف تشكر نعمة الله عليك.

 

5- إن علينا معاشر المربين: آباء ومعلمين أن نربي أبنائنا تربية الجد والتضحية، وأن نجنبهم تربية الهزل والكسل، إننا أمة مطالبة أن تصلح أحوال العالم، وتنقذه من الضلالة إلى الهدى، فأين جيلنا القادم الذي سيحمل راية الدين ويعيد لأمته العزة والتمكين؛ لنربيهم على الطاعات ونوافل العبادات، لنربيهم على معالي الأمور وعظيمها، هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله بلغه أن ابنًا له اشترى خاتمًا بألف درهم، فكتب إليه: بلغني أنك اشتريت فصًا بألف درهم، فإذا أتاك كتابي فبع الخاتم، وأشبع به ألف بطن، واتخذ خاتمًا بدرهمين، واجعل فصه من حديد، واكتب عليه رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.

 

اللهم وفقنا للهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرانا التي إليها معادنا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الترف في اللغة
  • كيف ينتشر الترف في المجتمع؟
  • من وسائل علاج الترف: الإيمان
  • ترك بعض المباحات تعويدا للنفس على الصبر

مختارات من الشبكة

  • التحذير من الترف والرفاهية (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة المسجد النبوي 16 / 6 / 1434هـ - التحذير من الترف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من كتابي: التحذير من فتنة التكفير، وصيحة نذير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موقف القرآن الكريم من الترف والمترفين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 4/3/1433 هـ - التحذير من ضياع الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من الإسراف والتبذير (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التحذير من أكل المواريث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من جلساء السوء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من إلحاق الضرر بالمسلمين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون حديثا في فضل التوحيد، ويليه: الأربعون حديثا في التحذير من الشرك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب