• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ دبيان محمد الدبيان / مقالات / قضايا مالية فقهية
علامة باركود

الجدل الفقهي في مالية الحقوق الفكرية (WORD)

الشيخ دبيان محمد الدبيان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/1/2011 ميلادي - 27/1/1432 هجري

الزيارات: 31392

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أُنبِّه القارئَ الكريم بأنَّني أتناول في هذا المقالِ الحقوقَ الفِكرية من الجانب الفِقهي فقط مع أنَّ هذه الحقوقَ لها جانبٌ اقتصادي لا يقلُّ أهميةً عن الجانب الفقهي، ولم أتناولْ هذا الجانب؛ احترامًا للتخصُّص، وخوفًا من الكلام فيما لا أُحسِن؛ لذا مَن أراد أن تكتملَ الصورة لديه فليقرأْ في الموضوع من الناحيتين: الفِقهية والاقتصادية؛ لتكونَ المعلومة كاملة، ولِيقفَ القارئ على الآثار الاقتصادية مِن وراءِ إهمال مِثل هذه الحقوق.

 

فإذا أخذ ذلك في الحسبان، أقول:

إنَّ الحقوق الفِكريَّة أو الحقوق المعنوية أوَّل مَن أقرَّها واعترَف بها ونظَّمها هو القانونُ الفَرَنسي، ثم انتقلتْ بفِعْل التأثُّر إلى القوانين العربيَّة.

 

فإذا جاء الفقيهُ المسلم ليناقشَ هذه الحقوق في ظلِّ هيمنة القوانين العربية المتأثِّرة تأثرًا كاملاً بالقوانين الغربية، فإنَّه إمَّا أن تكون مرجعيتُه في بحثه مُستمَدَّةً من الفقه الإسلامي، والذي لن يجدَ هذا الأمر محسومًا، خاصَّة مِن خلال الفقه الإسلامي القديم، وإما أن تكونَ المرجعية في ذلك إلى القوانين العربية المستمدَّة مِن القوانين الغربية، وهذه القوانين نشأتْ في بيئة النِّظام الرأسمالي، وإطلاق سلطان الإرادة، والحريَّة الفرديَّة.

 

وإما أن يحاول الفقيهُ الاجتهادَ في تخريجِ هذا الحق، والذي كان مصدرُه القوانين الغربية، فيحاول أن يُخرِّجه على أحدِ الحقوق المقرَّرة في الشريعة الإسلامية، وسيكون اجتهادُه مِن قبيل النازلة الفقهيَّة؛ لأنَّ هذا الحقَّ لم يكن مُعترَفًا به في العصور الإسلامية السابقة، وسيكون على الفقيه أن يُقدِّم الحُجَّة المُقنِعة في عدم اعتبار هذه الحقوق حقوقًا ماليَّة مع قيام السببِ طِيلةَ هذه القرون من عصر الدولة الإسلامية، وتبقَى هذه الحقوق الفكرية مهما قِيل فيها، فلن تكون بمنزلةِ الحقوق التي جاء النصُّ الشرعي باعتبارها كحقِّ الشُّفعة، وحق الخيار، وحق الطلاق، وحق القِصاص، وحق الحضانة والولاية، وغيرها مِن الحُقُوق المالية وغير المالية المنْصوص عليها.

 

فإذا رجَع الفقيهُ المسلِم إلى تُراثه في تعريفِ المال؛ ليرَى هل هذه الحقوق تدخُلُ في مسمَّى المال، وبالتالي يصحُّ أن تكونَ هذه الحقوق محلاًّ للمعاوضة؛ لأنَّ ما ليس بمال لا يجوز بذلُ المال لتحصيله والمعاوضة عليه - وجدنا هناك خِلافًا بيْن مذهب الحنفية وبين مذهب جمهور الفقهاء في بيان حقيقةِ المال.

 

فمذهب الحنفية يرى أنَّ المال لا يقَع إلا على شيءٍ مادي يمكن حيازتُه وادِّخاره، وهذا الشرط عندَهم أخرَجَ منافع الأعيان؛ لأنَّها أعراضٌ لا يمكن حيازتُها وادِّخارها، فالسيَّارة مال؛ لأنَّها شيءٌ ماديٌّ محسوس يمكن حيازتُه وادِّخاره، بينما ركوب السيارة ليس مالاً عندَ الحنفية؛ لأنَّه لا يمكن حيازتُه وادِّخاره، وقِسْ على ذلك سُكْنَى الدار ونحوها، الحنفية يرون أنَّ هذه المنافِعَ مِلْك، وليستْ مالاً.

 

بينما جمهورُ الفقهاء يرَوْن أنَّ المال كما يشمل الأعيانَ، فهو يشمل المنافِع، وتظهر ثمرةُ الخِلاف في بعضِ الأبواب كالضمان والإجارة:

فيَرى الحنفية أنَّ المنافع لا تُضمَن بالغصْب والإتلاف خلافًا للجمهور، فمَن غصَب دارًا، فسَكَنها سنين لم تجبْ عليه أُجرتُها، وعندَ الجمهورِ تلزمه.

 

وليس هذا هو الخلاف الوحيد بيْن الحنفيَّة والجمهور في حقيقةِ المال، ولكن هذا هو الخلافُ الذي يَعنينا في مسألتِنا هذه.

 

فإذا أردْنا أن نقِفَ على تعريفِ الحقوق الفِكرية، يقول الشيخ علي الخفيف في تعريفها:

هي "سُلطة على شيءٍ غير مادي، هو ثمرةُ فِكر صاحب الحقِّ أو خياله أو نشاطه، كحقِّ المؤلف فيما ابتدَعه مِن أفكار علمية، وحق الفنَّان في مبتكراته الفنيَّة، وحقِّ المخترِع في مخترعاته الصناعيَّة، وهكذا".

 

فإذا كانتِ الحقوق الفكرية تقع على شيءٍ غير مادي لا يُمكن حيازتُها وادخارها، فإنَّ الخلاف في ماليتها يجب أن يَجري عليها كما جرَى الخلافُ في مالية المنافِع بيْن الفقهاء المتقدِّمين.

 

والحقُّ أنَّ مذهب الحنفية مذهبٌ ضعيف جداًّ، وغير معمولٍ به في عصرنا، وقد دلَّتِ الأدلة الكثيرة على أنَّ المنافع من الأموال، بل إنَّ المالية تدور على وجودِ هذه المنفعة، فإذا فَقَدتِ العينُ منفعتَها فقدتْ ماليتَها.

 

وقد استدلَّ الجمهور بأدلَّة كثيرة على أنَّ الأعيان مِن قبيلِ الأموال، من ذلك:

ما رواه البخاريُّ من طريق مالك، عن أبي حازم، عن سَهْل بن سعد، قال: جاءت امرأةٌ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسول الله، إنِّي قد وهبتُ لك مِن نفسي، فقال رجلٌ: زَوِّجْنيها، قال: ((قد زَوَّجْناكها بما معكَ مِن القرآن))؛ ورواه مسلم، واللفظ للبخاري.

 

وجه الاستدلال:

قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((زَوَّجْناكها بما معك من القرآن))، فلو لم يكن التعليمُ مالاً لم يصحَّ جعله صَداقًا؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ [النساء: 24]، ففي الآية دليلٌ على أنَّ ما لا يُسمَّى مالاً لا يكون مَهْرًا.

 

الدليل الثاني:

آجَرَ شعيبٌ موسى على أن يُنكِحَه إحدى ابنتيه، والإجارة منفعة؛ قال - تعالى - في قصة موسى: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ [القصص: 27].

 

الدليل الثالث:

أنَّ الأعيان لا تكون مالاً إلا إذا ثبَتَ أنَّ لها منفعة؛ لأنَّ الأعيان لا تُقصد لذاتها، وإنما تُقصَد لمنافعها.

 

الدليل الرابع:

لو لم تكنِ المنافعُ أموالاً لَمَا بُذِلتِ الأموال في تحصيلها، ولَمَا بُنِي عليها كثيرٌ من العقود، كعقد الإجارة، وعقد الاستصناع.

 

فإذا ثبَت أنَّ المنافع مِن قبيل الأموال، فإنَّ إثبات المالية لعين من الأعيان أو لمنفعة مِن المنافع لا بدَّ فيها من تَوفُّر شرطين: الإذن بالتملك، وجريان التمول.

 

قال ابن عبدالبَرِّ - رحمه الله -: "المعروف مِن كلام العرب: أنَّ كل ما تُملِّك وتُموِّل فهو مال"، فأشار ابن عبدالبر إلى الأمرين معًا: التملُّك والتموُّل.

 

فالشرط الأول لماليةِ الشيء هو الإذن بالتملُّك، بمعنى ألاَّ ينهى الشارع عن تملُّكِه، فما نهَى الشَّرْع عن تملُّكه، أو كان الشيء بطبيعته لا يَقبل الملكية فلا يُعتبر مالاً، فالأول: كالمَيْتة والخمر والدم والخنزير والأصنام، فقد نهى الشارع عن بيعِها - كما في حديث جابر المتفق عليه - وبالتالي لا تُعتبَر مالاً بالإجماع.

 

والثاني كالهواء، وحقُّ التنقُّل وحق إبداء الرأي، فإنَّ هذه الحقوق لا تَقبل المِلكيةَ، فلا تُعتبر مالاً.

 

وإذا نظرْنا إلى الحقوقِ الفكرية، فإنَّه لا يُوجد نهيٌ مِن الشارع عن تملُّكها، فالاسمُ التجاري والعلامة التجارية، وحق المؤلِّف والمخترع لا يُوجَد نصٌّ مِن الشارع ينهَى عن تملُّكها، أو عدم إضافتها إلى أصحابها، أو جواز التعدِّي عليها.

 

الشرط الثاني لمالية الشيء:

هو جريانُ التموُّلِ بيْن الناس، فلا يَكفي كونُ الشارع لم ينْهَ عن تملُّك هذه العين أن تكون مالاً حتى يجري تموُّلها بين الناس، ويعتاد الناس ذلك، وتصبح لها قيمةٌ ماليَّة عندهم.

 

وهذا الشرط متوفِّر أيضًا في الحقوقِ الفِكرية، فإنَّ الناس في عصرنا اعتادوا تموُّلَ مثل هذه الأشياء، وبذْل المال فيها، والمعاوضة عليها.

 

وإذا عُلِم ذلك نستطيع أن نقولَ:

إنَّ إثبات المالية لعينٍ ما، لا يقال: إنَّ طريقَه شرعي فقط، ولا عُرفي فقط، بل مُركَّب مِن الأمرين معًا، فما نَهَى الشارع عن بيعِه فقَدَ ماليته، وإذا هجَر الناس الانتفاعَ بعين، ولم يعتادوا تدوالَها فقدتْ ماليتها، كالنِّفط كان في عصر من العصور لا يُنتفَع به، فلم يكن مالاً، وبعدَ اكتشاف دَوره في الطاقة والصناعة كان مِن أنفسِ الأموال.

 

ولو كنَّا في بلدٍ تعارَف أهلُه على عدم أكْل حوايا الذبيحة ورأسها وأطرافها، لم تكن هذه الأشياءُ مالاً عندَهم، وإن كانتْ هذه الأعيان فيها منافعُ مباحة.

 

فإذا تَرَك الناس تموُّلَ بعض الأعيان فقدتْ ماليتها، وإذا رجَع الناس إلى تموُّلِها أصبحتْ مالاً.

 

قال ابن عابدين: "والمالية تثبُت بتموُّلِ الناس كافَّة أو بعضهم"، وقال في المبسوط: "وإنَّما تَنبني الماليةُ على التموُّل"، وهذا فيه حصرُ ثبوت المالية على التموُّل.

 

والنصوص في هذا كثيرة كلُّها تُصرِّح أنَّ التمول مردُّه إلى العادة والعُرْف.

 

هذا فيما يتعلَّق بحقيقةِ المال من الناحية الفِقهية، ومدى انطباق تعريفِ المال على هذه الحقوقِ الفِكرية على وجهِ الإجمال، أمَّا مناقشة هذه الحقوقِ على وجهِ التفصيل، فلنأخُذْ هذه الحقوق كلَّ حقٍّ على حِدَة.

 

فالأول:

حقُّ المؤلف، وقد قيل في تعريفه: "حقُّ الإنسان في إبداع شيءٍ عِلمي أو أدبي أو فني، سواء بالجمْع والاختيار، أو إحداث شيءٍ لم يُسبَق إليه، أو إكمال ناقِص، أو تصحيح خطأ، أو تفسير وتفصيل، أو تلخيص أو تهذيب، أو ترتيب مختلط".

 

وهذا الحق نوعان:

الأول: حقٌّ أدبي لا يقبل المعاوضة، ولا يدخُل في مسمَّى المال، ويشمل أربعة أمور: حق المؤلف في تقريرِ نشْر مُؤلَّفه، وحقه في نسبةِ مُصنَّفه إليه، وحقه في دفْعِ الاعتداء على مُصنَّفه، وحقه في سحبِ مُصنَّفه من التداول وحرْقه متى ما رأى أنَّ هناك خطأً علميًّا ارتكبه.

 

النوع الثاني: حق مالي يَقْبل المعاوضة، وهو حقُّ صاحبه في اختصاصه بالمنفعةِ المالية التي تُمكنه مِن استعماله واستغلاله وبيْعه، وهذا هو مقصودُ البحث.

 

وقد اختلف الباحِثون المعاصرون في تكييفِ هذا الحق:

فذهب بعضُهم إلى أنَّ حق المؤلف ليس حقًّا ماليًّا، وذهب آخرون بأنَّه حقٌّ مالي، واختلف القائلون بأنَّه حقٌّ مالي: هل هذا يَعني أنه مِن حقوقِ المِلكية، أو مِن حقوقِ الاحتكار؟ فذهب بعضُ القانونيِّين إلى أنَّه مِن أقدسِ حقوق الملكية.

 

وعلل ذلك:

إذا كانتِ الملكية تُطلق على استحواذِ الإنسان على أشياءَ ماديةٍ قد لا تكون مِن نتاج عقله، ولا مِن صُنع يده، فإنَّ إطلاق الملكية على نِتاج ذهن الإنسان وتفكيره أَوْلى، فهي تتَّصل بالصميمِ من نفسِه، وتَظهر فيها شخصيتُه، واعتزازُه بها، وحِرْصه عليها أكثرَ مِن حرصه على مِلكية أمورٍ ماديَّة لَم تكنْ مِن نتاجه، ولا مِن عمل فِكْره.

 

وذهَب آخرون إلى أنَّه ليس مِن حقوق المِلْكية، وإنْ كان له حقٌّ في الجزاء المالي على عملِه، ولكن هذا الجزاءُ ليس هو الملكية التي تتنافَى طبيعتها مع طبيعة الفِكر، بل هو الحقُّ المالي للمؤلِّف أو المخترِع في احتكاره، واستثمار فِكره ما دام حيًّا، ولمدة مَعْقولة بعدَ وفاته.

 

فالملكية:

حقُّ استئثار مؤبَّد، في حين أنَّ حقَّ المؤلف أو المخترِع حقٌّ استِغلال مؤقَّت، فالملكية تُؤتِي ثمارها بالاستحواذِ عليها والاستئثار بها.

 

وأمَّا الفِكر فعَلى النقيضِ مِن ذلك، إنما يُؤتي ثمارَه بالانتشار، وليس بالاستئثار، وبالانتقال من شخصٍ إلى آخرَ بحيث يمتدُّ إلى أكبرِ مجموعٍ ممكن من الناس.

 

وإذا كان صاحبُ الفِكر هو الذي ابتدع نتاجَ فكره، فالإنسانية شريكةٌ له من وجهين:

وجه تُقضَى به المصلحة العامَّة؛ إذ لا تتقدَّم الإنسانية إلا بفضل انتشار الفِكر.

 

ووجه آخر يَرجِع إلى أنَّ صاحب الفكر مَدين على نحو ما لأهل العِلم قبله، ففِكره ليس إلا حلقة في سلسلة تسبقها حلقات، فهو إذَا كان قد أعان مَن جاء بعدَه، فقد استعان بمَن سبقه، ومقتضَى ذلك ألاَّ يكون حقُّ المؤلف حقًّا مؤبَّدًا - كما هو شأن الملكية المادية.

 

ويظهر ذلك جليًّا في البحوث الشرعية، فإنَّ جُلَّ مادة هذه البحوث مأخوذةٌ مِن التراث، من كتاب الله، ومن سُنَّة رسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن أقوال الصحابة، وفقهاء هذه الأمَّة، وهذه الأقوال ليستْ ملكًا للباحِث؛ حتى يدَّعي أن ذلك مِن حقوق الملكية.

 

لهذا يرى بعضُ الباحثين أنَّ أقصى مدة لاستغلال الورثةِ للحق الناشئ عن الإنتاج الفكري هي سِتُّون عامًا من تاريخِ وفاة مورِّثهم، وذلك قياسًا على أقصى مدة للانتفاع عرَّفَها الفقه، وهي الانتفاع بحقِّ الحكر، وهو حقُّ القرار على الأرْض الموقوفة للغرس، أو البناء بطريقِ الإجازة الطويلة باعتبار أنَّ أصل هذا القياس هو كون الإنتاج الفِكري نسبيَّ الابتكار؛ لاعتماده على تراثِ السَّلَف، وهو حقٌّ عام للأمَّة بمثابةِ الموقوف على جِهة عامَّة.

 

وهذا الكلام يمكن تعقُّبه، بأن يُقال:

إنَّ قولكم: "الملكية تُؤتي ثمارَها بالاستحواذ عليها، والاستئثار بها، وأمَّا الفِكر فلا يُؤتي ثمارَه إلا بالانتشار، وليس بالاستئثار".

 

فيقال: إنَّ الاستئثار المقصود في الملْك في الفقه الإسلامي ليس معناه احتواءَ الشيء من قِبل المالك، وإنما معناه أن يختصَّ به دون غيره، فلا يعترض عليه أحدٌ في التصرُّف فيه، والتصرُّف في الأشياء حسبَ طبيعتها؛ لذلك تختلف طبيعةُ التصرُّفِ في الشريعة من نوع إلى آخَر.

 

وأمَّا قولكم بأنَّ حقَّ المؤلِّف ليس حقًّا مؤبدًا، والملكية تعني الاستئثارَ المؤبد.

 

فيقال: الشريعة أيضًا لا تشترط التأبيدَ لتحقُّق معنى الملْك، بل إنَّ طبيعة ملْك المنفعة مثلاً تَقتضي أن يكونَ مؤقَّتًا، كما في ملْك منفعة العين المستأجرة، وملْك منفعة العين الموصَى بمنفعتها دون رَقبتها، فإذا كان لا بدَّ أن يتأقَّت الحقُّ المعنوي بمدَّة مُعيَّنة بحجَّة أنَّ صاحب الحق المعنوي قد استفادَ مِن جهد غيره، فهو ليس جهدًا خالصًا له، كما أنَّ جهده ضروري لتقدُّمِ البشرية ورُقيِّها، ومقتضَى ذلك ألاَّ يكون حقُّه حقًّا مؤبَّدًا، فإنَّ هذا التوقيتَ لا يُخرِجه عن الملْك في الشريعة.

 

دليل القائلين بأنَّ حق المؤلِّف ليس حقًّا ماليًّا:

استدلَّ القائلون بأدلَّة، منها:

الدليل الأول: أنَّ حقَّ المؤلِّف حقٌّ معنوي، وليس عينًا، ولا يجوز الاعتياضُ عن الحقوقِ المعنويَّة المجرَّدة.

 

ويجاب بوجهين:

الوجه الأولى: أنَّ دعوى أنَّ الحقوقَ المجرَّدة لا يجوز الاعتياضُ عنها بمالٍ ليس محلَّ إجماع.

 

الوجه الثاني: على التسليم بأنَّ الحقوقَ المجرَّدة لا يجوز الاعتياضُ عنها، فإنَّ حقَّ المؤلِّف لا يُعتبر من الحقوق المجرَّدة كحقِّ الشفعة وحقِّ الخيار، وحقِّ إبداء الرأي وحقِّ الشورى، وحقِّ التنقُّل، إلى غيرها مِن الحقوق المجرَّدة؛ وذلك أنَّ الحقوق المجردة إنَّما ثبتَتْ لصاحبها لدفْع الضرر عنه، بخلافِ حقِّ المؤلِّف فإنَّه قد ثبَت أصالةً لصاحبه، وليس فقط لدفْع الضرر عنه، وكان استحقاقه قائمًا على بذْلِ جَهْدٍ فِكري، ووقت زمني، وما كان كذلك جاز أخْذُ العِوَض عليه.

 

الدليل الثاني:

أنَّ التأليف كان موجودًا في عصورِ الإسلام المختلفة، ولم يطالبِ المصنفون لهذه الكتب بحقوقٍ مالية، ولو كانتْ مالاً لوُجِد مَن يطالب بها، فدلَّ على أنها ليستْ مالاً، ولم يُعرفْ هذا الحق في الشرع، وإنما مصدر هذا الحقِّ هو القانون، وهناك فارقٌ كبير بين أن يقرَّ بهذا الحقِّ الشرعُ، وبين أن يقرَّ به القانون الوضعي، والذي نشأ في بيئة النِّظام الرأسمالي، والذي لا يُدخِل في حسابه أنَّ أحدًا يبذل جهدَه في التأليف لا يَبتغي إلا وجهَ الله والدار الآخرة.

 

ويُجاب عن ذلك:

لا نُسلِّم أنَّ مصدرَ هذا الحقِّ هو القانون، وأنَّ الشرع لم يتعرَّض له، فهناك نصوصٌ شرعية كثيرة تدلُّ على أنَّ أخْذ الأجر على التأليف سائغٌ شرعًا، كالإذن بأخذ الأجر على الرُّقية، وجعْل التعليم مهرًا في النكاح، وأخْذ الأجر على التحديث، وعلى التسليم بأنَّ مصدر هذا الحقِّ هو القانون، فإنَّ هذا لا يعني أنَّ هذا الحق لا تُقرُّه قواعدُ الشرع.

 

وأما كون هذا الحقِّ لم يقمْ في المجتمع الإسلامي رغمَ نشاط حركة التأليف في القديم، فله أسبابٌ كثيرة جدًّا، ذكرها بعض المحقِّقين في هذا الشأن، منها:

السبب الأول: قد بَيَّنَّا في فصل سابق أن التموُّل مردُّه إلى العادة والعُرْف، فإذا اعتاد الناس تموُّلَ شيء صار مالاً، وإذا ترَك الناس تمولَ بعض الأعيان فقدَتْ ماليتها.

 

قال ابن عابدين: "والمالية تثبُتُ بتموُّلِ الناس كافة أو بعضهم"، وقال في المبسوط: "وإنما تَنبَني المالية على التموُّل".

 

ومِن أبرز الأمثلة على ذلك دود القز، فقد مرَّ عهْد طويل في بعض البلاد، والناس لا يرون لدودِ القزِّ أيَّ جدوى؛ إذ لم يكونوا يُقبِلون عليه بأيِّ محاولة استفادة، إمَّا لجهلهم بما فيه مِن المَزية المعروفة، وإما لجهلهم بسُبُلِ الوصول إلى هذه المزية فيه، ومِن ثَمَّ فلم يكن التعامل به مشروعًا، فلما تبدلت الأحوال وتنبه الناس إلى ما فيه من مزية وتمرَّسوا بسُبل استخراجِ الحرير منه تَغيَّر الحُكم، فأصبح التعاملُ به مشروعًا، بل أصبح مصدرًا مِن مصادر الثروة والتجارة".

 

السبب الثاني:

أنَّ الكتاب مهما عظُمَتْ فائدته المعنوية، ومهما كان محل رغبةٍ عالية مِن جماهير الناس، فإنَّ القِيمة المالية التي يُمكن أن تُقدِّر تلك الفائدة بها تذوبُ وتختفي إزاءَ قِيمة الجهد الكبير الذي كان الناس يَبذلونه في سبيلِ رصْد هذه الفائدة وتسجيلها، بحيث تبدو قِيمةُ النسخ مساوية أو أغْلَى مِن قيمة المضمون العِلمي أو الفِكري للكتاب.

 

ولهذه المسائلِ نظيرٌ معروف في حياتنا اليوم، وهو أنَّنا كثيرًا ما نتأكَّد مِن وجودِ معادنَ ثمينةٍ داخل بُقْعة مِن الأرض التي في حَوْزتنا، غير أنَّ السعيَ إلى استخراج هذه المعادِن وتصفيتها يتطلَّب مِن الجهد والتكاليف ما قد يَرْبو ثمنُه على قِيمة تلك المعادن ووجوه الاستفادة منها، بحيث لا يُوجد جدْوى اقتصاديَّة لاستخراج مِثل هذه المعادن، ولا ريبَ أنَّ قيمة تلك المعادن تضمحِلُّ وتذوب إزاءَ الجهود والصعوبات التي تقِف في طريق استخراجها، وعندئذٍ يصحُّ أن يُقال: إنَّ هذه المعادن لا تَنطوي حُكمًا علي أيِّ قِيمة مالية حيَّة.

 

فكذلك الشأن في الكتابِ في الزمن الماضي، وأمَّا اليوم فقد ظهرتِ الآلاتُ الطابعة التي تقذف الواحدةُ منها عشرات النُّسَخ من الكتاب في الدقيقة الواحِدة، فلم يعد يُكلِّف إخراج النسخة الواحدة إلا مبلغًا زهيدًا من المال، هو في مجموعِه قِيمة الورق ونفقات الآلة، وأمام ضمورِ كلفة استخراج النسخة الواحِدة تبرز قيمةُ المضمون العِلمي له، تلك القِيمة التي ظَلَّتْ خفيَّة أو ضامرة بسببِ ضخامة القِيمة التي كان يستحقُّها استخراج النسخة الواحِدة منه.

 

الدليل الثالث:

إذا كان العِلم مِن فروض الكفاية، وكان قُرْبةً وطاعة، فكيف يجوز أخْذُ العوض على ما هو واجِب، ويُراد به وجهُ الله والدار الآخرة؟!


وقد قال - تعالى -: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15 - 16].

 

فالتأليفُ الشرعي مِن أفضلِ القُرَب التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربه، وإذا كان ذلك كذلك فإنَّ أساسَ العبادة ولُبَّها هو إخلاصُها لله، وتنزيهُها عن شوائبِ الشِّرْك بحظوظ النفس؛ قال - تعالى -: ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 14].

 

ويجاب:

هذا الدليل مركَّبٌ من دليلين، ويُجاب عن كلِّ واحد بمُفرَده.

 

أما القول بأن الواجب لا يجوز أخْذُ العِوَض عليه.

 

فيقال: لا مانعَ مِن أخْذ المال على ما هو واجبٌ على الإنسان؛ وذلك لأنَّ التأليف اليوم حِرفةٌ ومِهنة، فكيف يقوم الإنسانُ بمعاشه، ومعاش مَن يعوله إذا لم يكن لِمَا بذَلَه من جهْد مُضنٍ وشاق، ووقت كثير أيُّ مردود مالي؟!

 

بل إنَّ الجَهْد البدني أخفُّ بكثير من الجَهْد الذِّهني، فقد تأخذ مسألة فقهية من طالب علم أيامًا كثيرة، وهو يصرف الجُهد والوقت في البحْث عنها ليقدِّمها للقراء، هذا مِن جهة، ومِن جِهة أخرى فإنَّ الإمامة العظمى، وهي مِن أعظم فروض الكفاية في الأمَّة، إذا اختير شخصٌ ليكون إمامًا للأمَّة وخليفةً لها أَجْرَى له بيت المال رِزقًا على عمله، يعول نفسَه وولده، وهذا إمامُ الصلاة والمؤذِّن والقاضي، ومُعلِّم القرآن والحديث والفقه يَجري لهم أرزاقٌ من بيت المال، فالمؤلِّف مثلهم، فإذا لم يَجرِ له هذا المال من بيت مال المسلمين، فما المانع أن يأخذَ هذا الحقَّ مِن منفعة كتبه مُستغنيًا بذلك عن هِبات الحُكَّام وعطاياهم، والتي ربَّما قد تكون ثمنًا لدِينه، وقد تحمله على أن يتقاعسَ عن القِيام بواجبه.

 

وأما الجواب عن أخْذِ العِوض الدنيوي عمَّا يُراد به الدار الآخرة، فلا حرَج فيه شرعًا، وإنما الحرَجُ لو كان الباعثُ على التأليف هو الدنيا وحْدَها، وأمَّا إذا كان الباعثُ هو الرغبةَ في الأجْر، أو كان الباعث أمرًا مشتركًا (الدين والدنيا)، فلا يَقْدح هذا في إخلاصِ المرء ودِينه، كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتفق عليه: ((مَن قتَل قتيلاً فله سَلَبُه)).

 

وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ الله))؛ رواه البخاري.

 

وأَذِن الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديثِ المتَّفق عليه أخْذَ الأُجْرة من الرُّقية، وهي عبادة.

 

وهذا الجهادُ، من حقوقِ الله تعالى، وهو مِن أعظم القُرُبات، ومع ذلك فقد جعَل للمجاهدين حقًّا في أربعة أخماس الغنائم، وقد اعتبرتْ هذه الغنيمة معونةً مِن الله - سبحانه وتعالى - للمجاهدين، ومكافأةً لهم لتمكينِهم مِنَ الاستمرار في الجهاد، وعدم الانقِطاع عنه، وإهمالُ حقوقِ المؤلف أدْعَى لترْك التأليف لعدم تمحُّضِ حقِّ الله تعالى في التأليف كتمحُّضه في الجهادِ في سبيل الله، والأدلة في هذا كثيرةٌ.

 

الدليل الرابع:

أنَّ في هذا السلوك كِتمانًا للعِلم، وقد توعَّد الشارع مَن يكتم العلم.

 

ويجاب عن هذا:

بأنَّ هناك فرْقًا بين كَتْم العلم عن الناس، وبيْن بذْلِه لهم بعوض مالي، والوعيدُ إنما هو في كَتْمِه وحبْسِه عنهم.

 

الدليل الخامس:

أنَّ مَن باع كتابًا إلى آخرَ فقد ملَك المشتري ذلك الكتاب، ومقتضى الملك أن يتصرَّف فيه كيف يشاء، فيجوز له أن يقوم بطِباعته، وليس للبائعِ أن يحجرَ عليه أيَّ نوع مِن أنواع التصرُّف من استعماله وبيْعه واستغلاله.

 

والجواب على ذلك:

بأن يُقال: هناك فرْقٌ واضح بين تمليك الانتفاع وبيْن ملْك المنفعة.

 

فتمليك الانتفاع: حقٌّ شخصي يُباشِره صاحبُه بنفسه فقط، وليس له أن يُمكِّن غيرَه من تلك المنفعة، فالنِّكاح مثلاً من بابِ تمليك الانتفاع لا تمليك المنفعة؛ إذ ليس له أن يُمكِّن غيره من تلك المنفعة.

 

ومثله حقُّ الجلوس في الطرقات والمساجد، وإجراء الماء في أرْض غيرِه إنِ احتاج إليه دون الإضرارِ به.

 

وتمليك المنفعة أعمُّ وأشمل، فهو يُعطي صاحبَه حقَّ التصرُّف في المنفعة تصرُّفَ الملاَّك في أملاكهم ضمنَ حدود العقْد الذي ملَك به المنفعة، فيحقُّ له تمليك المنفعة التي ملكها لغيره بأُجْرة أو هِبة أو عارية، ولا يُقَيَّد في تصرُّفِه إلا بشيءٍ واحد، وهو المماثلةُ لِما مَلَكه من المنفعة في وجهِ الانتفاع.

 

فمَنِ اشترى كتابًا فهو قد مَلَك الانتفاع بهذا الكتاب فقط (الوعاء المادي أصالةً، وما قد تضمَّنه تبعًا)، ولم يملك منفعتَه (مادة الكتاب)، ولهذا لو تَلِف الكتاب الذي اشتراه ليس له الحقُّ في نسخة أخرى؛ لأنَّ حقَّه تعلق في هذا الغلاف بعينه، وبه يتبيَّن أنَّ عقد الشراء لم يقعْ في الأصل على جوهر الحقِّ الذي هو ملْك للمؤلف، وإنما وقع العقْدُ على نُسخة مِن الكتاب ينتفع بها قِراءةً وهِبةً، ولم يَنتزعْ حق تلك الأفكار مِن مُبدِعها الذي لا تزال تُنسَب إليه شرعًا، ولم يَجعلِ المشتري من نفسه بدلاً من المؤلِّف أو المبتكِر، فليس للمشتري الحقُّ في غير النسخة التي اشتراها، وليس له أن ينسخَ عليها نُسَخًا أخرى، وهذا واضحٌ بيِّن.

 

دليل من قال: إن حق المؤلف حق مالي:

الدليل الأول:

ما رواه مسلمٌ من طريقِ العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا مات الإنسان انقطَع عنه عملُه إلا مِن ثلاثة: إلا مِن صَدَقةٍ جارية، أو عِلْم يُنتفَع به، أو ولد صالِح يدعو له)).

 

وجه الاستدلال:

أثبت الحديثُ أنَّ العِلم مِن عمل الإنسان؛ لقوله: ((انقطع عمله))، وعمل الإنسان له قِيمةٌ مالية، كما أثبت الحديثُ المنفعة للعلم بقوله: ((أو عِلم يُنتفَع به))، وهو إثباتٌ لقيمته المالية أيضًا، وقد ذكر الحديثُ أنَّ منفعة العلم كما تكون في حياةِ صاحبه، تكون بعدَ وفاته.

 

وروى مسلمٌ أيضًا من طريقِ أبي معاوية، عن عاصم، عن عبدالله بن الحارث، وعن أبي عثمان النَّهْدي، عن زيد بن أرقمَ، قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول، كان يقول: ((اللهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن العجز والكسل، والجُبْن والبُخْل، والهرم وعذاب القَبْر، اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنِّي أعوذ بك مِن علم لا ينفع... الحديث)).

 

فتَعوَّذ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن العلم الذي لا يَنفع، وإذا ثبتتِ المنفعة للعلم، وهو أمرٌ لا يمكن أن يُكابِر فيه أحد، فقد ذكرتُ في أدلَّة سابقة على أنَّ المنافع أموال مُعتبرَة شرعًا، وأنَّ المقصود مِن الأعيان إنما هي منافعُها، وأنَّ العين إذا فقدَتْ منفعتَها فقدَتْ ماليتَها، وبقَدْر ما تزداد المنفعةُ تَزْداد القِيمة، وكل هذا دليلٌ على أنَّ حقَّ المؤلِّف منفعةٌ مالية.

 

الدليل الثاني:

القول بجواز الاعتياضِ عن حقِّ المؤلِّف لا يعارض نصًّا، ولا إجماعًا، ولا قياسًا صحيحًا، ولا قول صحابي، ولا قاعدة شرعية - فيما أعلم - بل إنَّ ذلك موافقٌ لقواعدِ الشريعة، وجريان العملِ في العصْر الحاضر دون أن يُنكِر ذلك أحدٌ مِن العلماء المعاصرين.

 

وقد أفْتَى المجمعُ الفقهي في رابطة العالَم الإسلامي بقرارٍ نصُّه:

"حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونةٌ شرعًا، ولأصحابها حقُّ التصرُّفِ فيها، ولا يجوز الاعتداءُ عليها".

 

الدليل الثالث:

الأحكام الشرعية جاءتْ لتحقيقِ المصالح ودَرْءِ المفاسد، وحِفْظُ حقوق المؤلِّفين فيه مصلحةٌ كبيرة تعود على العِلم، وعلى المجتمع، وعلى المؤلِّف؛ وذلك لأنَّ حفظَ حقوق المؤلِّفين فيه تشجيعٌ للمفكِّرين والعلماء، وسببٌ في زيادة الإنتاج والبحْث العلمي، وشحذ الهِمم على الإبداع، وإهمال حقوق المؤلِّفين قد يتسبَّب في انصراف الناس عن البحثِ إلى تحصيلِ المعاش المفروض عليهم تحصيلُه، وهذا يؤدِّي إلى فسادٍ عظيم وحرمانِ الأمة مِن مصلحة راجحة، وقاعدةُ سدِّ الذرائع تقتضي اعتبارَ المالية لهذه الحقوق لما يؤدِّي إليه إبطالُها من مفاسد وخيمة، وتعطيل جزء مِن المصالح العامَّة، وهي معتبرَة مِن حقوق الله تعالى، وهي واجبةُ التحقيق، ولا يُمكن إسقاطها، ويلزم حمايةُ هذا الحق، وسدُّ جميع السُّبل المُفضية إلى إبطاله وتضييعه.

 

الدليل الرابع:

تمكينُ الناشرين والموزِّعين مِن حقوقهم المالية دون المؤلِّف، وإثراؤهم على حسابِ المؤلِّف دون أن يكونَ له نصيبٌ فيما قام به من جُهد، وتَكلَّفه من مشقَّة، ليس مِن العدل والإنصاف، حيث إنَّ المؤلف قد حبَس نفسَه ووقف حياتَه على هذا العمل، وقد لا يكون له مصدرٌ للمعاش سواه.

 

وقد اعترَض بعضُهم على هذا بقوله:

لا يُعتبر مُصنِّف المؤلَّف الشرعي مغبونًا ومحرومًا إنِ اختار ما وعد الله، وما يَرْجوه منه على دراهمَ معدودةٍ يأخذها مِن الناشر، وقد يكون الله أغْناه عنها بما أنعم عليه مِن كفاية.

 

ويجاب عن هذا: بأنَّ أخْذ العوض لا يعني قطعَ الأجْر، ولا القدح في الإخلاص كما ذكرْنا ذلك في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية السابقة، وإنما الذي يَقْدَح لو كان الباعثُ على التأليف هو الكسبَ الدنيوي فقط، وأمَّا إذا كان الباعثُ على العمل الدار الآخر، والكسب الدنيوي لم يكن ذلك قادحًا في النيَّة.

 

الدليل الخامس:

إذا كانتِ المنفعةُ الناشئةُ عن خِدمة بعض الحيوانات مهما كانتْ بسيطة كتغريد العصافير، وأصوات الببغاوات تُعتبر مالاً محترمًا لأصحابها، وكذلك الديدان المُعدَّة للصيْد تُعتبر مالاً؛ نظرًا لمنفعتها في جعلها طُعمًا في الشَّرَك، فأَوْلى ثم أَوْلى أن تكون المنفعة الناشئة عن التأليف مالاً محترمًا يجب صونُه لصاحبه؛ وذلك لوجود البون الشاسع بيْن المنفعتين.

 

الدليل السادس:

إذا جاز جعْلُ تعليم القرآن عوضًا تُستحلُّ به الأبضاع، كما في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((زَوَّجْناكها بما معكَ مِن القرآن))، فمِن باب أَوْلى أخْذُ العوض على نشْر علومه.

 

الدليل السابع:

قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجْرًا كتابُ الله))؛ رواه البخاري.

 

وجه الاستدلال:

إذا جاز العِوض في القرآن، ففي السُّنَّة من باب أَوْلى، وإذا جاز في الوحيين، ففيما تفرَّع عنهما مِن الاستنباط والمفهوم وتقعيد القواعِد، وتأصيل الأصول لهو أَوْلى بالجواز.

 

لهذه الأدلة كلها أستطيع أن أقول:

إنَّ حقَّ المؤلِّف حقٌّ مالي يجب صونُه والدفاعُ عنه، وإنَّ هذا الحق يجب أن يَستمرَّ في حياة المؤلف، وينتقل للورثةِ بعدَ وفاة صاحبه مدَّة معيَّنة، ثم يصبح من حقِّ الأمة، وهذه المدة هي محلُّ اجتهاد، ويُترك تقديرُها في كلِّ بلد إسلامي لأهل العلم، أو القُضاة الشرعيِّين.

 

وأما القوانين الوضعية فهي وإنْ كانت تعتبره حقًّا ماليًّا، إلا أنَّها في مدَّة استغلال هذا الحق مختلفة فيما بينها، وأقصى مدة ذهَب إليها القانونيُّون هي خمسون سَنَة.

 

هذا فيما يتعلَّق بحقِّ المؤلف، والكلام في براءة الاختراع لا يختلف كثيرًا عن الكلام في حقِّ المؤلف؛ لوجودِ الشبه بينهما، فحق المؤلف يتعلق بالأعمال الأدبيَّة والفنيَّة، وأمَّا حق براءة الاختراع فيتعلَّق بالأعمال الصناعيَّة كابتكار جهاز، أو اكتشاف دواء، وما رجَّحْناه هناك نُرجِّحه هنا.

 

بقي علينا الكلام في الاسم التجاري والعلامة التجارية:

فالاسم التجاري: تسميةٌ يستخدمها التاجرُ ليميزَ منشأته التجارية عن نظائرها.

 

وأما العلامة التجارية: فهي رمزٌ يتخذه التاجرُ أو الصانع شعارًا لمنتجاته أو لبضائعه؛ تمييزًا لها عن غيرها، والفرق بين الاسم التجاري والعلامة التجارية: أنَّ الاسم التجاري علامةٌ تَوضَع على المصنع والمنشأة، والعلامة: رمزٌ يُوضَع على البضائع والمنتجات.

 

والسؤال: هل يُمكن أن نَعتبِرَ الاسم التجاري أو العلامة التجارية مالاً يُمكن بيعُه والمعاوَضة عليه؟

قبل الجواب عنه: ينبغي أن نبيِّن أنَّ هناك طريقتين في بيْع الاسم التجاري، أحدهما: لا يَنبغي أن يكون فيه خلافٌ في جواز بيعه، واعتباره مالاً حتى على قول مَن يرى أنَّ المنافع ليستْ من قبيل الأموال:

فالطريقة الأولى:

أن تتعهَّدَ الشركة المنتجة ببيعِ الخِبرة لشركة أخرى، وذلك بأنْ تقوم بدَوْر التدريب والإرشاد لتصنيعِ البضاعة، والكشف عن أسرارها ومزاياها حتى تكونَ منتجات الشركتَيْن بنفس الجودة والإتقان، فهذا العقْد في الحقيقة منصبٌّ على نقل الخِبرة الصناعية، وإنما دخَل الاسم التجاري تبعًا، فهذا عقدٌ صحيح لا يَنبغي الخلاف عليه؛ لأنَّ نقل الخِبرة بالتدريب مقابلَ ثمنٍ يتفق عليه لا حَرَجَ فيه شرعًا، وهو مِن عقود الإجارة، وإنما ينتقل الاسم التجاري تبعًا لانتقالِ الخِبرة؛ نظرًا لما هو قائمٌ بينهما مِن التلازم المستمر.

 

الطريقة الثانية:

أن يبيعَ التاجر الاسمَ التجاري دون أيِّ التزام بتقديمِ خِبرة أو الكشْف عن أسرار الصناعة، وإنَّما يَطلب المشتري الاسمَ التجاري ليضعَه على بضاعته؛ ليحقِّق رواجًا لسلعته تحتَ هذا الاسم مقابلَ مبلغ من المال، فيستفيد المشتري مِن شهرة الاسم وثِقة الناس به.

 

وهذا النوع مِن البيع هو الذي يمكن أن يجري فيه خلافٌ حسب قواعدِ الفُقهاء المتقدِّمين، ويكون بيعه مِن قبيل بيع الحقوق والمنافع، وإنْ لم يكن هذا النوعُ مِن الحقوق معروفًا في عصْر الفقهاء المتقدِّمين، وإنما انتشر في العصرِ الحديث، والله أعلم.

 

فما حُكم بيع الاسم التجاري إذا لم يصاحبْه التزامٌ مِن البائع بنقل الخِبرة أو الكشْف عن أسرارِ الصَّنْعة، وإنما كان البيع للاسم التجاري فقط؟


في هذا خلافٌ بيْن أهل العِلم يرجع إلى الخلافِ القديم في تعريف المال.

 

فقيل: لا يعتبر مالاً، ولا يجوز أخذ العوض عليه، ويُمكن تخريج هذا القول على مذهب الحنفية القائلين بعدم مالية المنافع.

 

وقيل: يُعتبر مالاً، وهو مقتضَى مذهب جماهيرِ العلماء، والذين يعتبرون المنافِع من الأموال، وقد اتَّفق العلماءُ المعاصرون على اعتبار الاسم التجاري حقًّا ماليًّا، وذا قيمة مالية، ودلالة تِجارية معيَّنة، وبه صدَر قرار المجمع الفِقهي الإسلامي.

 

تعليل مَن قال: إنَّ الاسم التجاري لا يعتبر مالاً.

 

التعليل الأول:

الاسم التجاري مِن الحقوقِ المعنويَّة، والحقوقُ المعنويَّة لا تدخل في مسمَّى المال عندَ الحنفية كسائر المنافع العرضية؛ لأنَّ الشَّيء لا يكون مالاً حتى يُمكن حيازته وادِّخاره، وهذا مِن خصائص الأَعْيان، وعليه فالمنافع كسكنى الدار، والحقوق المعنوية ومنها الاسم التجاري لا تُعتبر مالاً.

 

ويجاب من وجهين:

الوجه الأول:

لا نُسلِّم أنَّ المال لا يُطلَق إلا على ما يمكن حيازتُه وادِّخاره، وقد سبَق الاستدلالُ على مالية المنافع فأغْنَى عن إعادته هنا.

 

الوجه الثاني:

يرى بعضُ الباحثين أنَّ الاسم التجاري وإن كان حقًّا مجردًا غير ثابت في عينٍ قائمة، ولكنَّه بعدَ التسجيل الحكومي الذي يتطلَّب جهدًا كبيرًا، تحصل له بعدَ ذلك صفةٌ نظاميَّة تُمثِّلها شهادات مكتوبة بيدِ حاملها، وفي دفاترِ الحكومة - أشْبَه الحقَّ المستقر في العين، والْتَحق في عُرْف التجار بالأعيان، ولا شكَّ أنَّ للعُرْف مجالاً في إدراج بعضِ الأشياء في الأعيان؛ لأنَّ المالية كما يقول ابن عابدين - رحمه الله -: تثبت بتموُّل الناس، وهذا مِثل القوة الكهربائية أو الغاز الذي لم يكن في الأزمانِ السالفة يُعدُّ مِن الأموال والأعيان المتقوِّمة؛ لأنَّها ليستْ عينًا قائمةً في ذاتها، ولم يكن إحرازها في الوسعة البشرية، ولكنَّها صارتِ الآن من أعزِّ الأموال المتقوِّمة التي لا شُبهة في جواز بيعها وشرائها؛ وذلك لنفعِها البالغ، ولإمكان إحرازها، ولتعارُف الناس على ماليتها وتقومها.

 

ويقول القره داغي: "فالاسم التجاري وإنْ كان في ظاهره أمرًا معنويًّا، لكنَّه في حقيقتِه له واقعٌ ملموس، وقيمة ذاتيَّة مستقلَّة عن السِّلع التي تُمثِّلها".

 

التعليل الثاني:

أنَّ بيع الاسم التجاري مجرَّدًا من نقْل الخِبرة يحمل غشًّا وتدليسًا للجمهور، وذلك لأنَّ المزايا التي تتمتَّع بها السِّلعة الأصلية إنَّما هي ثمرةُ جهود أصحابها ونشاطهم الفِكري أو الصناعي، فإذا نقل الرمز التجاري مِن بضاعة إلى أخرى انطوى ذلك على غشٍّ وتدليس وخِداعٍ للجمهور الذي اشترى البضاعةَ الجديدة على أنَّها نفس البضاعَة الأصلية.

 

ويُجاب عن ذلك:

بأنَّنا نشترِط في بيْع الاسم التجاري ألاَّ يترتَّب على هذا البيع غرر، فبيع الاسمِ التجاري يلزم منه بيعُ مضمونه فيما يدلُّ عليه مِن جودة وإتقان ومواصفات للسِّلع، فإنِ انفصلتِ الجودةُ والإتقان عن ذاتِ الاسم التجاري، كان ذلك تدليسًا وغشًّا لِمَا يُوقِعه من توهم الجودة، وهذا البيع لا يجوز، ولكن ما المانِع إذا انتقل الاسمُ التجاري مع ما يدلُّ عليه مِن جودة بضائعه، وثبات صفاته المعهودة لدَى المتعاملين معه، فإن تغيُّر صاحب الاسم التجاري لا يُغيِّر من الأمر شيئًا، فقدِ انفصل الاسم بمزاياه وشهرته إلى غير صاحبه الأول، فلا يترتَّب على هذا تدليسٌ أو تغرير، فلا فرقَ بيْن بيع الاسم التجاري وما يستوعبه مِن سِلع وملحقات، أو بيع الاسم التجاري منفردًا، مع اشتراط أن ينشئ المشتري مضمونًا جديدًا من السِّلع لهذا الاسم بذات المواصفات والجودة المعهودة مِن ذي قبلُ، فإنْ لم يمكنه ذلك فيجب على المشتري أن يُعلِن أنَّ الاسم التجاري لم يعُدْ يمثل ما بداخله، وأنَّ البضاعة قد تغيَّرت من حيثُ المواصفات والأنواع، فإنْ فعل ذلك ارتفع الغَرَر؛ ولذلك تجد المشتري للاسمِ التجاري أحيانًا يُبيِّن بلد التصنيع؛ ليرتفعَ بذلك الغرر.

 

وفي أحيانٍ كثيرة تُعلِن الشركة التي اشترتِ الاسم بأنها اشترتْ حقَّ الترخيص من الشركة المالكة، فيزول اللبسُ عن الجمهور، ويَعرِف المستهلك الفرقَ بيْن البضاعة الأصلية، والبضاعة المقلَّدة، وقد أشار فضيلةُ الشيخ محمد تقي العثماني إلى هذا الشَّرْط بقوله:

"ألاَّ يستلزم هذا البيعُ الالتباسَ أو الخديعة في حقِّ المستهلكين، وذلك بأن يَقَعَ الإعلان مِن قِبل المشتري أنَّ منتج هذه البضاعة غيرُ المنتج السابق، وإنما يستعمل هذا الاسم أو العلامة بعدَ شرائهما بنيةِ أنَّه سيُحاول بقَدْر الإمكان أن يكونَ إنتاجُه بمستوى الإنتاج السابق أو أحسن منه.

 

وأمَّا بغير هذا الإعلان، فإنَّ انتقال الاسم أو العلامة التجارية إلى منتج آخرَ يُسبِّب اللبسَ والخديعة للمستهلكين، واللبس والخديعة حرامٌ، لا يجوز بحال، والله - سبحانه وتعالى - أعلم"؛ تعليلات الجمهور على جواز بيْع الاسم التجاري.

 

التعليل الأول:

الاسم التجاري له قيمةٌ ماليةٌ معتبَرة لأمور؛ منها: الأموال والأوقات والجهود التي بُذلِت في تحقيقِ السُّمْعة الطيِّبة للاسم التجاري، والعائد المالي الذي يُحقِّقه هذا الاسم، فلا يستطيع أحدٌ أن يُنكِر أنَّ الاسم التجاري ذا السمعة الطيبة يعود على صاحبه بالأرباحِ الطائلة، وقُدرة الاسم التجاري على تمييزِ البضائع الجيِّدة من البضائعِ المقلَّدة والمزيَّفة، كل ذلك جعَل للاسمِ التجاري قيمةً مالية، وجعَل لصاحبه الحقَّ في الانتفاع بهذا الاسم، والتصرُّف فيه واستعماله واستغلاله ومِن ذلك بيعُه.

 

التعليل الثاني على جوازِ بيع الاسم التجاري:

كل الأدلَّة التي سُقْناها في فصْلٍ سابق، واستدلَّ بها الجمهورُ على مالية المنافع تُساق هنا باعتبار أنَّ الاسم التجاري مشتملٌ على منفعة، وإذا كان الاسمُ التجاري له منفعة تعود على صاحِبه، وتعود على المجتمع، فقدْ قامتِ الأدلَّةُ على أنَّ المنافع أموال، وأنَّ مالك المنفعة يجوز له أن يَتصرَّف فيها بيعًا واستعمالاً واستغلالاً.

 

الراجح من القولين:

بعدَ استعراض أدلَّةِ كلِّ فريق يترجَّح لي ما يلي:

"أنَّ الاسم التجاري له قيمةٌ مالية معتبَرة، ولصاحبه الحق في التصرُّفِ فيه بيعًا واستعمالاً، واستغلالاً بشرْطه، وهو ألا يتضمَّنَ غررًا أو تدليسًا على الجمهور".

 

وبهذا التقرير نَعرِف أنَّ الحقوق الفِكريَّة هي حقوقٌ مالية يجب المحافظةُ عليها وصونها؛ تشجيعًا للباحِث، وخدمةً للبحث العلمي، ولن تتطوَّر البحوثُ ويتوجَّه الناس لها وهي حقوقٌ منتهَكة، يستفيد منها غيرُ أهلها.

 

وإذا كان المقالُ يُعالِج هذه المسألةَ من الناحية الفقهية، فإنَّ رِجال الاقتصاد يستطيعون أن يدعموا هذا البحثَ بالجدْوَى الاقتصادية في المحافظة على هذه الحقوقِ وصيانتها، وردْعِ المعتدين عليها، كما أنَّ على الإعلام أن يَنشُرَ هذه الثقافة بين عامة المواطنين؛ ليكون هناك وعيٌ لدَى كافة الناس في أهمية المحافظة على هذه الحقوق الفِكرية؛ خدمةً للعِلم وأهله، وخدمةً للمجتمع ليكونَ مجتمعًا منتِجًا لا مستهلِكًا، وليكون هناك وازعٌ أخلاقي يَرْدَع الناسَ عن الاعتِداء على تلك الحقوق.

 

وبلادنا كغيرِها من البلاد النامية تُعاني نقصًا مِن التشريعات الضروريَّة التي تحمي هذه الحقوق، ومِن سوء تطبيقِ تلك القرارات إن وُجِدَتْ، والتساهل غير المبرَّر في تطبيقها مع أنَّ خسائرها قد تبلغ ملياراتِ الرِّيالات، فالله المستعان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قضايا مالية فقهية
  • الإجارة المنتهية بالتمليك (WORD)
  • الشركات المختلطة بين الحلال والحرام (WORD)
  • المضاربات في سوق الأسهم ما لها وما عليها (WORD)
  • الأوراق المالية (نشأتها، وتطورها، وجريان الربا فيما بينها) (WORD)

مختارات من الشبكة

  • الجدل في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجدل الفقهي في مالية الحقوق الفكرية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • الجدل بالباطل والصد عن طريق الحق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فائدة في الفارق بين (البيان) و (الجدل والبرهان)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجدل: رؤية نفسية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مختصر نهاية الأمل في علم الجدل لابن المعمار الحنبلي البغدادي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الجدل)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اجتناب الجدل المذموم في الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
3- شكر يتبعه شكر
أبو بكر الحريري - سوري مقيم في الرياض 09-01-2011 12:13 AM

أتقدم بالشكر الجزيل للشيخ الدبيان على تكرمه
بقراءة ما كتبته وإفادتي حياله
فهذا الموضوع شائك جداً بالفعل ويحتاج إلى تحرير
ويبقى عندي تساؤل أو تساؤلات لم أحصل على جوابها:
القاعدة أن للمقيس حكم المقيس عليه
فإذا قسنا هذه المسألة على (مقيس عليه)
فكل ما بعدها من مسائل ترجع في أحكامها إلى ذلك المقيس عليه أولاً وهذا ما لم أجده في مسألة من المسائل الخمس بل رأيت في كل مسألة مقيساً عليه!
ولم يذكر في شيء منها تفاصيل القياس ليحكم بصحته
يعني العلة في المقيس والمقيس عليه وهل هي منصوص عليها أو اجتهادية وهل هي متفق عليها أو هي راجحة عند الكاتب خاصة وإن كانت علة فيلزم أن تكون مطردة فنطردها في مثيلاتها مما هو منصوص عليه لنعلم صدق ظننا في عليتها لأن النص والقياس الصحيح لا يختلفان كما بينه ابن القيم وهو مما لا يخفى على الشيخ الكاتب إن شاء الله
وليست المسائل مستقلة بل هي تابع بعضها للبعض الآخر
فلا يصح أن يقال فيها (هذه مسائل مختلفة، فلا بد أن تكون أدلتها مختلفة) إذ الأمر كما قال الشيخ المتعقب(فالخلاف في الحقوق الفكرية) نعم هو كذلك فقط هي مسألة واحدة وما تحتها فروع لها لا مسائل مستقلة ولا يخفى على الشيخ الفرق
فمن دليل إثباتها حقاً - مالياً تتبين الأحكام الأخرى مع أنه لا دليل حقيقة لما يأتي:
المقتضى لإثبات هذا الحق كان موجوداً في العصور الأولى لأنهم أفقر وأحوج إليه ممن نثبته لهم في العصور المتأخرة التي يملك الواحد فيها ما شاء الله أن يملك ثم يدعي الفقر والحاجة متناسياً قوله صلى الله عليه وسلم: من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها.
فإذا علم أن المقتضى كان موجوداً على ألف وأربعمئة سنة والأدلة موجودة (حسبما ذكر الشيخ كاتب المقال)فهي عندهم مشهورة كان مقتضى ذلك وجود هذا الحق واستعماله لأن إغفاله والحالة هذه غفلة كما لا يخفى وليس كمن يكتشف مادة (نفطا أو غيره) وهو لا يعرف له فائدة وبخاصة أن الكاتب ذكر أن بعض المتقدمين استعمله ظانا أن هذا حجة له في الباب والواقع يشهد بخلافه وبيان هذا في:
ثانياً- أن الذين أخذوا الأجرة على الحديث لم يقولوا بأنه حق لهم بل أخذوه على استحياء وقد أنكر عليهم أئمة عصرهم ولم يقولوا إنه حقهم مع أنهم بذلوا في تحصيله أضعاف أضعاف ما يبذله الكاتب اليوم
وعندما عورضوا أجابوا بأن الفقر والحاجة ألجأتهم إليه ولم يجيبوا بأنه حق لهم
وكذلك من جاء بعدهم من العلماء ذكر فعلهم واعتذر لهم بذلك ولم يقل أحد إنه حق لهم بمقتضى ما ذكره الكاتب من الأدلة وهم بها أعلم وبدلالتها أعرف.
ثالثاً- حق لم يستعمله الناس على مدى ألف وأربعمئة سنة مع ثبوته في النصوص والقياس (حسب إيراد الكاتب لأدلته) بغض النظر عن مدى حاجتهم له فالحقوق المادية الأصل فيها التشاح كما لا يخفى فما هذا الكرم عند هذه الأمة هذه القرون الطويلة ليبخل علينا بها المؤلفون اليوم
أعني لم يستفد الناس علماء وعامة من حق ثبت لهم شرعا طيلة هذه القرون واستفادوه اليوم من القانون الفرنسي!!
لا يجي في خاطر الشيخ الكاتب شيء فلي مؤلفات مطبوعة لكنني أود أن يطرح الموضوع بقوة لنطمئن فيه إلى حكم
فأنا من طرفه (بحسب مصلحتي كمؤلف أو محقق) لكن الحق أحب إلينا إن تبين لنا أين كان(أعني أنا والشيخ الكاتب فيما أحسبه ولا أزكي على الله أحداً).
وعندي تعقبات على ما كتب في أشياء بأعيانها
كقول الكاتب: (فهناك نصوصٌ شرعية كثيرة تدلُّ على أنَّ أخْذ الأجر على التأليف سائغٌ شرعًا، كالإذن بأخذ الأجر على الرُّقية، وجعْل التعليم مهرًا في النكاح، وأخْذ الأجر على التحديث) فأين النصوص الكثيرة على كل واحد مما ذكر إنما هو نص أو نصان على الأول ونص واحد على الثاني ولا نص إطلاقاً على الثالث!!! فأين (النصوص) فضلاً عن (الكثيرة).؟!! وغير ذلك مما هو من جنسه ولذلك طلبت من المؤلف مراجعة المقالة لأن فيما كتبه أشياء قد يرد بعضها بعضاً.
وقولي إن المؤلف استدل بدليل واحد مرتين رده الكاتب دون أن ينظر في مقاله وإلا لرآه واضحاً جلياً بل فرقه وشتته بالمخالفة في عزوه مما يوهم تعدده فهل توهم هو ذلك؟!! انظر قوله في معرض استدلاله في مكان واحد: (وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ الله))؛ رواه البخاري.
وأَذِن الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديثِ المتَّفق عليه أخْذَ الأُجْرة من الرُّقية، وهي عبادة.)اهـ كلام الكاتب وإلا فما مقتضى العطف واختلاف العزو؟!!
ثم أسأل المؤلف أخيراً سؤالا واضحاً
إذا ثبت للمؤلف حق التملك لهذا الحق الفكري فما الذي يمنع استحقاقه لغيره أيضا وطريقة التحصيل واحدة فبالطريقة التي أخذها هو أختها أنا منه مثلاً
والعبرة في كوني (كآخذ منه ومؤلف له) أتحمل تبعته على أنه قولي كما يتحمل هو تبعته على أنه قوله فلأي أحد أن يحاسبني عليه إن أخطأت ولله أن يؤاخذ به إن كان مخالفاً
والغنم بالغرم.
فالحق أن البحث يحتاج بعد تقرير هذا كله إلى دليل على احتكار هذا الحق بهذا المؤلف وليس على كونه يستحقه وأنه مقوم مالي فقط ليؤتي البحث ثمرته.
آسف على الإطالة لكن شجعتني سعة صدر المؤلف حفظه الله وسدده ورعاه.

2- الإجابة على استفسار الأخ أبوبكر
دبيان بن محمّد الدبيّان - السعودية 08-01-2011 07:23 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر أخي أبا بكر على تفضله وقراءته للمقال، وأتمنى عليه التواصل مع بقية المقالات والبحوث لتعم الفائدة. وجواباً على تعقبه أقول:
قال المتعقب: أليست الأموال حقوق موروثة، وإذا ثبت انتقال حق مملوك طيلة عمر صاحبه إلى وارثه فكيف يرفع عنه هذا الحق بمجرد مرور الوقت.
ويجاب عن هذا بأكثر من وجه:
الوجه الأول: أن هذا القول هو قول فقهي وقانوني قائم موجود، والاعتراض عليه لا يلغيه، وهو قول من ثلاثة أقوال قائمة، أحدها: لا يعتبر حق المؤلف حقاً مالياً مطلقاً، والثاني يعتبره حقاً مملوكاً مؤبداً، والقول ثالث يراه حقاً استثمارياً مؤقتاً لمدة معينة يأخذ فيه المؤلف بدل أتعابه، ولا يتأبد هذا الحق شأنه شأن الحقوق المؤقتة، وهي كثيرة في الفقه الإسلامي كحق الشفعة، وحق الخيار، وحق المستأجر.
الوجه الثاني: ليست كل الحقوق المتعلقة بالأموال حقوق موروثة، فهذا خيار الشرط في عقد البيع إذا مات صاحبه أثناء الخيار بطل عند الحنفية والحنابلة، وكذا خيار المجلس عند الحنابلة.
الوجه الثالث: ليس الخلاف في كونه يورث أو لا يورث، وإنما الخلاف هل هو مؤبد أو مؤقت، فإذا كان مؤقتاً فهو يورث مدة توقيته، فالخلاف في توصيف هذا الحق، هل هو حق ملكية، أو حق استثمار واستغلال مؤقت، يستثمره صاحبه مدة معقولة ما دام حياً، ولمدة معقولة بعد وفاته، ولو رجع المتعقب لوجد النص من خلال البحث بأنه يورث مدة توقيته.
التعقيب الثاني:
قال المتعقب: « وفي بعض الاستدلالات نظر، إذا كيف يفرق بين إجازة النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الأجرة على الرقية، وبين قوله صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ، وجعلهما دليلين مستقلين مع أنهما دليل واحد.
والجواب: لا مانع من سياق الدليل الواحد أكثر من مرة إذا كانت المناسبة مختلفة، أو كان وجه الاستدلال مختلفاً، فأخذ الأجرة على الرقية سيق مرة جواباً على من اعترض على أخذ العوض الدنيوي على عمل أخروي.
وأعيد قوله صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله في أدلة القائلين بأن حق المؤلف حق مالي وكان وجه الاستدلال بأنه إذا جاز أخذ العوض على تعليم القرآن، فأخذه على تعليم السنة من باب أولى، وإذا جاز ذلك في الوحيين، ففيما تفرع عنهما من الاستنباط والمفهوم، وتقعيد القواعد وتأصيل الأصول أولى بالجواز. والله أعلم، وعلى كل حال هي ملحوظة شكلية.
وأعجب من هذا أنك قد تجد الدليل الواحد أحياناً يساق دليلا لقولين مختلفين، ولا حرج في ذلك.
التعقب الثالث:
قال المتعقب: أليس من الخطأ أن يقال: الرقية عبادة، فهي تطبيب بما يتعبد به وبما لا يتعبد به، وليست عبادة.
والجواب: لا يقال عن الرقية بأنها عبادة مطلقاً، ولا يقال: بأنها ليست عبادة مطلقاً، فإذا كانت بما يتعبد به كالقرآن والأدعية المأثورة فهي عبادة، ولذلك قد يدخلها الشرك، قال صلى الله عليه وسلم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً ، وإذا كانت في غير ما يتعبد به فهي دواء من الأدوية.
التعقب الثالث:
قال المتعقب: ألا يلاحظ تشتت اقتباس أحكام حقوق الملكية من أدلة مختلفة، ولا يطرد حكمها مع شيء معين مما تقاس عليه، فأصل جعله حقاً من دليل، وحكمها من دليل آخر، ومدة عمره من دليل ثالث، واستمرارها بعد وفاته من دليل رابع، وانقطاع تعلقها بالورثة يمر بلا دليل.
الجواب:
هذه مسائل مختلفة، فلا بد أن تكون أدلتها مختلفة، فالخلاف في الحقوق الفكرية مبنية على:
هل يثبت هذا الحق أو لا يثبت، والاجتهاد في تخريج هذا الحق على الحقوق المسماة في الفقه الإسلامي، وعلى الخلاف في مالية المنافع بين الفقهاء المتقدمين، هذا هو أصل الموضوع .
وإذا ثبت هذا الحق، فهل هو حق مالي، أو حق أدبي، وإذا ثبت أنه حق مالي، فهل هو حق ملكية أو حق استثمار مؤقت، فهل تريد لهذه المسائل أن تكون أدلتها واحدة، فما ذا يضير أن تكون هذه المسائل المختلفة لها أدلة مختلفة.
أما قول المتعقب بأن انقطاع هذا الحق يمر بلا دليل .
فلعل المتعقب لم يتأمل أدلة هذا القول، وأعيده عليه مرة أخرى:
الدليل الأول: أن أصحاب هذا القول يرون أن صاحب هذا الفكر مدين على نحو ما لأهل العلم قبله، فنتاجه ليس إلا حلقة في سلسلة تسبقها حلقات، ويظهر ذلك جلياً في البحوث التراثية، وتحقيق كتب التراث، فالأولى جل مادتها مأخوذة من التراث، من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال الصحابة، وفقهاء هذه الأمة، وهذه الأقوال ليست ملكاً للباحث حتى يدعي أن ذلك من حقوق الملكية، والثاني: وهي كتب التراث هي كتب لأصحابها، فكون الشخص قد يكون عمل على إخراج هذه الكتاب لا يعطيه الحق لتأبيد هذا العمل، وأساس مادته هي من عمل غيره.
الدليل الثاني:
أن بعض الباحثين قاس مدة الانتفاع بحق الحكر، وهو حق القرار على الأرض الموقوفة للغرس، أو البناء بطريق الإجازة الطويلة باعتبار أن أصل هذا القياس هو كون الانتاج الفكري نسبي الابتكار لاعتماده على تراث السلف، وهو حق عام للأمة بمثابة الموقوف على جهة عامة.
وعلى كل حال، فالمتعقب له الحق أن يختار ما يشاء من هذه الأقوال، ولغيره أن يرجح ما يراه أنه أقرب إلى العدل والحق.

1- استفسار و استدراك
أبو بكر الحريري - سوري مقيم في الرياض 07-01-2011 09:16 AM

أليست الأموال حقوق موروثة؟
وإذا ثبت انتقال حق مملوك طيلة عمر صاحبه إلى وارثه فكيف يرفع هذا الحق عنه بمجرد مرور الوقت؟!
حتى لو كان خمسمئة سنة لا خمسين.
وفي بعض الاستدلالات نظر إذ كيف يفرق بين إجازة النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الأجر على الرقية وبين قوله: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله
وجعلهما دليلين مستقلين مع أنهما دليل واحد؟!
ثم أليس من الخطأ أن يقال: (الرقية عبادة)؟!
فهي تطبيب بما يتعبد به وبما لا يتعبد به وليست عبادة!
ألا يلاحظ أيضاً تشتت اقتباس أحكام حقوق الملكية من أدلة مختلفة ولا يطرد حكمها مع شيء معين مما تقاس عليه فأصل جعله حقاً من دليل
وحكمها من دليل آخر
ومدة عمره من دليل ثالث
واستمرارها بعد وفاته من دليل رابع
وانقطاع تعلقها بالورثة يمرر بلا دليل؟!!
فلعل الكاتب يتفضل مشكوراً بضبط ذلك وطرد قوله في قياس هذا الحق على شيء معين يكون له جميع أحكامه كما هو مقتضى القياس.
مع الشكر للمجهود المبذول في هذا البحث على كل حال.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب