رد على رسالة حول حديث "من لم تنهه صلاته"

رد على رسالة حول حديث "من لم تنهه صلاته"

من أبي عبد العزيز طالب بن عمر غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، إلى أخيه الفاضل الحبيب في الله/ الدكتور......   متعـه الله بالعافية..

سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعـد:

أما عن رسالتك الأولى فقد قرأتها واستفدت من بعض ما فيها، ولكني لم أرد؛ لأنني حقيقة وجدت أنها وجهت شديدة اللهجة، والنصيحة لها أسلوب؛ كما لا يخفى على من هو في فضلك وعلمك، وخاصة إذا كانت نصيحة إلى من يحب العلم ويقدره أهله، جعلني الله وإياك منهم.

أما عن الرسالة الثانية، فقد دهشت لقولك في أولها: وهذه ثانية، لكن في هذه تجاوزت الحدود مع السنة وصاحبها عليه الصلاة والسلام، وقد قلتَ عن حديث هو صحيح أنه باطل؛ نتيجة انزعاجك من بعض المؤثرات، فلا يدفعنك مثل هذا إلى أن تبطل الحديث إلا بعد الرجوع إلى المصادر، وتتأكد..

وكان الأحرى أن تقول: هل رجعت إلى مصدر ونقلت عنه، أم أنك اندفعت نتيجة بعض..؟

والجواب: أني لم أحكم - وأعوذ بالله من ذلك- على هذا الحديث بالبطلان إلا بعد أن رجعت إلى كلام بعض أهل العلم قبل الخطبة، لأنها أمانة عظيمة كما تعلم؛ خصوصًا عند من يحب العلم ويقدر أهله ! جعلني الله وإياك منهم.

• وبخصوص الحديث فإليك البحث فيه مختصرًا ومطولاً؛ فعلم الحديث من أحب العلوم إلى نفسي على قلة البضاعة، نسأل الله العون على طلب العلم:

أولاً: من حكم على الحديث من الحفاظ والأئمة المشهود لهم في علم الحديث بحسب ما تيسر لي:

1- قال ابن الجنيد رحمه الله في العلل 1 /381 عند تعليقه على حديث ابن عباس رضي الله عنهما: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا: حديث كذب وزور.

2- وحكم ابن حبان رحمه الله في المجروحين 2 /314 على حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: من صلى صلاة لم تأمره صلاته بالمعروف أو تنهاه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدًا : لا أصل لهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3- وقال ابن تيمية رحمه الله تعليقًا على حديث: كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعدًا: ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في مجموع الفتاوى 5 /22.

4- وقال الزيلعي رحمه الله في تخريج الكشاف 3 /44 عند حديث ابن عمر رضي الله عنهما: من صلى صلاة لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعدًا: فيه محمد بن الحسن البصري، قال الدارقطني: مجهول، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وروي مرسلاً في سنده العطاردي فيه مقال، وقال عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدًا: فيه يحيى ابن أبي طلحة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي ليس بشيء، وفيه ليث بن أبي سليم مختلف في الاحتجاج به.

قلت: قول النسائي: ليس بشيء جرح شديد كما يعرف المحدثون منه، إضافة إلى أن ليث بن أبي سليم مختلط؛ ففي الحديث علتان شديدتا الضعف.

5- قال العراقي رحمه الله عند حديث من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا : مرسل عن الحسن البصري بسند صحيح، تخريج الإحياء 1 /205.

قلت: ومعروف عند المحدثين أن المرسل من قسم الضعيف، ومراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل.

وقال العراقي أيضًا عند حديث ابن عمر رضي الله عنهما: من لم تنهه صلاته وصيامه عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدًا : موضوع، كما في ذيل الميزان 1/130.

6- وقال ابن كثير رحمه الله كما في تفسيره 3 /549: والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة والأعمش وغيرهم، والله أعلم.

قلت: أي لم يصح فيه شيء مرفوع.

7- وقال القرطبي رحمه الله كما في تفسيره 13 /308: الحديث المروي عن ابن مسعود و الحسن و الأعمش قولهم: [ من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدًا ] وقد روي أن الحسن أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك غير صحيح السند.

8- وقال ابن حجر رحمه الله كما في الكافي الشافي/216 عند حديث ابن عباس رضي الله عنهما: من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن منكر لم يزدد بصلاته إلا بعدًا: روي عن ابن عمر بسند فيه رجل متكلم فيه، وروي مرسلاً.

9- وقال السيوطي في الدر المنثور 6 /465: وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر"، ونقل تضعيف السيوطي للحديث الشوكاني أيضًا في فتح القدير 4 /292.

10- وقال الألباني رحمه الله كما في تحقيقه لكتاب الإيمان /28: عند حديث ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: أن في الصلاة منهى ومزجرًا عن معاصي الله، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ولم يزدد بصلاته من الله إلا بعدًا: اشتهر مرفوعاً ولا يصح، وظاهر معناه باطل، وقال في السلسلة الضعيفة/2: باطل.

ثانيًا: النظر في أسانيد الحديث :

روي هذا الحديث من عدة طرق:

‌أ- الطريق الأولى طريق ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الطبري في تفسيره 10 /144 والطبراني في المعجم الكبير 9 /103 والبيهقي في شعب الإيمان 3 /174 من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: من لم تأمره صلاته بالمعروف و لم تنهه عن المنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا.

قلت: هي طريق موقوفة، وفيها عنعنة الأعمش وهو مدلس، وأبو معاوية وصفه الدارقطني بالتدليس، كما في طبقات المدلسين 1 /36، ووصفه بذلك أيضًا ابن سعد ويعقوب بن شيبة كما في التهذيب 9 /120.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 531 على السند الموقوف: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

وقوله: هذا صحيح باعتبار الرجال، أما التدليس فلم يذكره، فليس الأثر صحيحًا، والهيثمي إنما أشار لقوة رجاله دون بقية شروط الحديث الصحيح، كما هو معروف عند أهل العلم بالحديث !.

وقال العجلوني في كشف الخفاء 2 /1599: رواه أحمد في الزهد عن ابن مسعود موقوفًا، ورواه ابن جرير عنه مرفوعًا، قلت: رواية أحمد في الزهد/159 موقوفة كما ذكر، لكن الذي عند ابن جرير موقوف أيضًا، والمرفوع عنده بلفظ آخر، أخرجه 10 /144: قال : ثنا الحسين قال : ثنا علي بن هاشم بن البريد عن جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ]، وليس فيها موضع الشاهد.

‌ب- الطريق الثانية طريق ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 11 /54 ومن طريقه القضاعي في مسند الشهاب1 /305: عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا يحيى بن زكريا المعلم ثنا أبو معاوية عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا.

قال في مجمع الزوائد 2 /531: رواه الطبراني في الكبير وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس.

قلت فيه علتان:

1- أبو معاوية وسبق أنه مدلس.

2- ليث بن أبي سليم، ضعفه أكثر أهل العلم، ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة وابن عيينة، وقال الميموني عن ابن معين: كان ليث ضعيف الحديث عن طاوس، وقال أبو زرعة: ليث بن أبي سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم، وقال الحاكم أبو عبد الله: مجمع على سوء حفظه، وقال الجوزجاني يضعف حديثه، في كلام كثير راجع تهذيب التهذيب 8 /417-418، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فترك.

قال العراقي في تخريج الإحياء 1 /104: وأسنده ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عباس بإسناد لين.

وأخرجه الطبري 10 /144: حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثنا خالد بن عبد الله عن العلاء بن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس في قول الله ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45] من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا.

• وسنده موقوف على ابن عباس، وفيه مجاهيل.

‌ج- الطريق الثالثة طريق ابن عمر رضي الله عنهما: قال ابن حبان في المجروحين 2/297: محمد بن الحسن الأزدي من رهط المهلب بن أبي صفرة من أهل البصرة يروي عن مالك مالا أصل له لا يجوز الاحتجاج به، روى عن مالك عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم تأمره صلاته بالمعروف أو تنهاه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدًا.

‌د- الطريق الرابعة طريق عمران بن حصين رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ذكره ابن كثير 2 /414: من طريق عمر بن أبي عثمان حدثنا الحسن عن عمران قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله:(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)؟ فقال:" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له".

وفيها ثلاث علل:

الأولى: الاختلاف في سماع الحسن البصري من عمران.

والثانية: عنعنة الحسن وهو مدلس.

والثالثة: جهالة عمر بن أبي عثمان، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه شيئًا.

‌هـ- الطريق الخامسة طريق الحسن البصري مرسلة: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 3 /174: من طريق أحمد بن عبد الجبار ثنا حفص بن غياث عن إسماعيل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة فلم تأمره بالمعروف و لم تنهه عن الفحشاء و المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا، وأخرجه بنحوه الطبري 10 /144.

وفيه ثلاث علل:

الأولى: أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي، قال الحافظ في التقريب/81: أبو عمر الكوفي ضعيف وسماعه للسيرة صحيح من العاشرة.

والثانية: إسماعيل بن مسلم هو المكي أبو إسحاق البصري، ضعفه أهل العلم، راجع تهذيب التهذيب 1 /289.

والثالثة: إرسال الحسن البصري، ومراسيل الحسن أضعف المراسيل.

وأخرجه الطبري 10 /144 وصاحب مسند الشهاب 1 /305: من طريق يونس عن الحسن قال : الصلاة إذا لم تنهه عن الفحشاء والمنكر قال : من تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا، وسنده صحيح من كلام الحسن البصري، وجاء أيضًا عن قتادة عند الطبري 10 /144.

• فتلخص أن الحديث لم يصح مرفوعًا، وأصح ما ورد من قول الحسن، والله أعلم.

ثالثًا: توجيه أهل العلم لمتن الحديث:

أ‌- قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره 10 /144: والصواب من القول في ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال ابن عباس وابن مسعود، فإن قال قائل : وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إن لم يكن معنيا بها ما يتلى فيها ؟ قيل : تنهى من كان فيها فتحول بينه وبين إتيان الفواحش لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر، ولذلك قال ابن مسعود : من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدا، وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر.

وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى 2 /5: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه وبكل حال، فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا، بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي، وأقرب إلى الله منه، وإن كان فاسقًا.