• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

سر قبر الأفاعي (مغامرات للأطفال)

سر قبر الأفاعي (مغامرات للأطفال)
سيد مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2014 ميلادي - 5/1/1436 هجري

الزيارات: 8364

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة مغامرات "أبو الأشبال" (1)

 

سر قبر الأفاعي

مغامرات "أبو الأشبال"، سلسلة مغامرات للأطفال ذات طابع بوليسي تربوي وديني شائق، وكل مغامرة قصة منفصلة بذاتها، وكاملة.

 

أبطالها: أبو الأشبال، وهو عقلها المفكر، وأعضاء فرقته، وهي فرقة عجيبة بحق، عبارة عن "صبيين، وصبية، وببغاء، وكلب"، واشتهرت بين قوات الشرطة بفريق: "أبو الأشبال لإحقاق الحق، ونصرة المظلوم".


 

صرخة في جوف الليل

صرخة هلع واستغاثة انطلقت في جوف الليل.

صرخة امرأة.

وبالتحديد انطلقت من عمارة السلام التي يسكن فيها أبو الأشبال.

هبَّ سكان العمارة من نومهم، يبحثون عن مصدر الصرخة، قال بعضهم: أسرعوا، إنها من شقة أم عاطف.

 

أسرع الجميع للدور الثالث شقة رقم 4، وطرقوا الباب طرقات متتابعة، وكل واحد يسأل نفسه هذا السؤال: ماذا حدث لعاطف وأمه؟

ولما لم يُفتح الباب أخذ السكان يحطمون الباب بكل وسيلة، حتى انفتح تحت ثقل الضربات المتلاحقة.

 

ودخلوا، فإذا بأم عاطف على أرض الصالة طريحة، وفي غيبوبة عميقة.

التفَّ الجميع حولها، ماذا بها؟ أحضِروا الطبيب، قال ساكن في العمارة: لا داعي لذلك.

نظروا للقائل، وأفسحوا له باحترام شديد، وقال بعضهم: تفضل يا دكتور عادل.

 

تقدم رجل في عقده الخامس بثبات، وأخذ بيد أم عاطف، يقيس نبضها، وهو ينظر لساعته، ثم قال: الحمد لله، نبضها طبيعي، لا بد أنها أغمي عليها، أحضر بعض السكان رائحة نفاذة، وما إن قرَّبوها من أنفها حتى أفاقت وهي تصرخ: عاطف، الحقوه، ابني يحتضر، لقد عذَّبه الأشرار، وسيقتلونه!

 

قال الدكتور عادل: رويدك يا أم عاطف، أين هو؟

قالت: في مقابر أكتوبر[1].

 

قال الدكتور: عجبًا، لماذا ذهب إلى هناك؟ أليست مقابر العائلة في الإمام الشافعي؟

أدرك أبو الأشبال على الفور أن "عاطف" وجد لنفسه مغامرة جديدة، وهو يعلم جيدًا حبَّ عاطف للمغامرات، وطيشه، وتسرعه، وانفراده بقراراته رغم قربه منه، مما يجعله دائمًا يقع في المتاعب، ويلقي بنفسه إلى التهلكة.

 

فقال: بالله عليكِ يا أم عاطف، أين في مقابر أكتوبر؟

قالت: لا أعرف، لقد.. لقد اتصل بي بهاتفه المحمول، يخبرني أنه في خطر، وأنهم قد عذَّبوه، وذكر شيئًا عن قبر الأفاعي.

قال الجميع في دهشة: قبر الأفاعي!

 

نظر الجميع لبعضهم البعض في حيرة، وأراد الدكتور عادل أن يستفسر عن المقصود بقبر الأفاعي، ولكن أم عاطف غابت عن الوعي؛ بسبب صدمتها العصبية، وهلعها على ابنها، وتسمَّر الجميع في أماكنهم.

 

فقال الدكتور عادل: لا فائدة من وجودنا هنا، دعونا نُدخل أم عاطف حجرتها، وفي الصباح نستفسر منها عندما تُفيق، وتكون واعية لما تقول.

ثم قال: وسوف أتصل بالبوليس؛ فقد تكون حياة عاطف في خطر حقيقي، وكل دقيقة لها أهميتها في إنقاذه، ثم تنهد بعمق، وقال: ولكن قبل أن ينصرف الجميع، ليس من الصواب ترك أم عاطف بمفردها، فهل تتطوع امرأة من جيرانها وتتكرم لتبيت معها الليلة؟

 

لم يتكلم أحد.

نظر أبو الأشبال للجميع، وأدرك أن حكاية قبر الأفاعي أثارت كوامن الخوف في قلوب الجميع، فقال: شقيقتي "قمر"، لا أظنها تتردد في رعاية أم عاطف؛ فهي تُحبُّها جدًّا، وهي نائمة، وسوف أوقظها على الفور.

 

قال ذلك وانصرف ينزل درجات السلم بسرعة.

قال الدكتور عادل: عظيم جدًّا، وجزاكم اللهُ جميعًا خيرًا، انصرفوا الآن، وأعدكم بإخباركم بكل ما يستجد.

انصرف الجميع بعد تردد يسير.

 

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

انتظار وترقب

جلس أبو الأشبال في شرفة حجرته ينتظر عودة الدكتور عادل من قسم البوليس، وظل هكذا حتى كاد الليل ينتصف، ثم لمح سيارته آتية حتى توقفت أمام باب العمارة، وانتظر حتى يطمئن إلى أنه وصل لحجرته، ثم بادر بالاتصال به عن طريق الجوال الخاص به، وجاءه صوت الدكتور عادل الذي أدرك من نمرة المتصل أنه أبو الأشبال، ولم يتعجب من اتصاله في هذا الوقت، بل كان - في الواقع - يتوقع هذا الاتصال؛ لعلمه بالعَلاقة الوثيقة التي تربط "أبو الأشبال" بعاطف.

 

قال الدكتور: السلام عليكم ورحمة الله، ألم تَنَمْ بَعْدُ يا "أبو الأشبال"؟

قال أبو الأشبال: وعليكم السلام ورحمة الله، ومن أين يأتي النوم وكل دقيقة لها ثمن يا دكتور عادل؟!

 

قال الدكتور: معك حق.

قال أبو الأشبال: أهناك جديد؟

 

قال الدكتور: بلَّغت الضابط بمديرية أكتوبر بكل ما حدث هنا، وأخبرني أنه سيتحرى الأمر، ويذهب لمقابر أكتوبر، ولحسن الحظ وجدتُ هناك اللواء "حسن الشاملي"، وهو صديق قديم وعزيز، وقد وعدني بمتابعته الشخصية للموضوع، وسوف يوافيني بكل التطورات، وبدوري سأخبرك إن جَدَّ جديد.

 

ثم قال: ولا نملك في الوقت الحالي يا ولدي شيئًا، وأرى أن تأخذ قسطًا من النوم، فغدًا يوم شاق، تصبح على خير يا "أبو الأشبال".

قال أبو الأشبال: وأنت من أهله يا دكتور، جزاك الله خيرًا.

 

دقت الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وما زال أبو الأشبال لم يغمُض له جَفن، وهو يحتضن هاتفه المحمول، يترقب مكالمة من الدكتور عادل في أيِّ لحظة، ورن جرس هاتفه المحمول، وأدرك أن محدِّثه هو الدكتور عادل.

فبادر على الفور بقوله: السلام عليكم يا دكتور، أهناك جديد؟

 

قال الدكتور عادل: وعليكم السلام يا "أبو الأشبال"، لقد.. لقد..

أثار تردده كوامن الخوف في قلب "أبو الأشبال"، وتوقف الدم في عروقه.

 

وقال: لقد ماذا يا دكتور؟

قال الدكتور: اعذرني يا "أبو الأشبال"؛ فإني مرهق بشدة، وعلى كل حال لقد وجدوا "عاطف" في المقابر، ولكن - للأسف - حالته خطرة، وهو في العناية المركزة بمستشفى الهرم.

 

هلع أبو الأشبال، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما مدى الخطورة يا دكتور؟

قال الدكتور: لدغات ثعابين وجروح، ويبدو أن هناك مَنْ ضربه بشيء ثقيل على رأسه، وهو في غيبوبة حتى هذه اللحظة.

اندهش أبو الأشبال، وقال: ما الذي حدث يا تُرى؟!

 

لم يرد الدكتور، ومرت لحظة، ثم سمع صوته وفيه رنة قلق، وهو يقول:

الله أعلم يا "أبو الأشبال"، ولكن حضرة اللواء "حسن الشاملي" أخبرني أنه لن تعرف جفونه النوم حتى يكشف اللثام عن هذا الأمر، وسيكون على اتصال بي دومًا.

 

ثم أردف: وفي الصباح - إن شاء الله - سنرى ما يمكن أن نفعله، فلنأخذ قسطًا من النوم؛ فإن لأنفسنا علينا حقًّا أن نريحها من الإرهاق والسهر؛ كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ((فإن لأهلك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا؛ فصُمْ وأفطِرْ، وصَلِّ ونَمْ))[2].

 

قال أبو الأشبال: معك حق، وشكرًا لك يا دكتور عادل.

 

قال الدكتور عادل: لا داعي للشكر يا "أبو الأشبال"، الناس لبعضها، وعاطف وأمه جيراننا، ولهما كل الحق أن نساعدهما بقدر ما نستطيع.

قال أبو الأشبال: نعم، وفي حفظ الله يا دكتور.

رقد أبو الأشبال على فراشه، وضبط المنبه على أذان الفجر، وما لبث أن غرق في نوم عميق.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦


استيقظت أم عاطف من نومها وهي تمسك برأسها؛ لِما تشعر به من صداع، ووقع بصرها على "قمر"، فأشفقت عليها؛ لصغر سنها، ولكنها في صميم قلبها تشكرها لموقفها النبيل ولرعايتها لها طوال الليل، ولم تَشَأْ أن توقظها، فالتزمت الهدوء، وأخذت المصحف الذي لا يفارقها، تقرأ منه آيات الله تعالى؛ فهي شفاء لما في الصدور من هم، وغم، وقلق.

 

ولم تستطع أن تمنع دموعها وتفكيرها في ابنها عاطف، وأخذت تبكي بمرارة، وتدعو ربها من قلبها.

 

قلب أُمٍّ تخاف على ابنها أن يكون أصابه مكروه.

 

وبصوت حزين رفعت يديها تدعو ربًّا رحيمًا، وهي تتلو هذه الآية: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، ثم تقول: اللهم احفظه من كل سوء، ومن كل شيطان وهامَّة، يا سميع، يا بصير، يا من تقول للشيء: "كن" فيكون.

 

ويبدو أن أنينها وتضرعها أيقظ "قمر"، فاعتدلت، وجلست بجانب أم عاطف وهي تطيب خاطرها، وتأمرها بالصبر، وتخبرها أن مع العسر يسرًا.

 

أومأت أم عاطف برأسها قائلة: ونعم بالله يا قمر، ولكن قلبي يتمزق من داخلي، آهٍ، أطلقتها أم عاطف في لوعة، وهي تتذكر مكالمة ابنها، لقد اتصل بي، وقال: إنه موجود في مدافن أكتوبر، وقال بصوت فيه رعب الدنيا كلها: إنه في خطر، ومصاب، وقد يقتله "الفهد" بلا رحمة، قالت قمر: الفهد؟! أيُّ فهد؟!

 

قالت أم عاطف: لا أعرف، ولكنه ذكر شيئًا عن قبر الأفاعي، اللهم احفظه برحمتك يا رحيم، واشمله برعايتك يا كريم.

قالت قمر في دهشة: قبر الأفاعي؟! ماذا كان يقصد عاطف؟!

 

قالت أم عاطف: وما يدريني يا بنيتي؟! لقد كان يتحدث، ثم سمعت قهقهة رجل، وصوت جسد يرتطم بالأرض، وأنا خائفة، وأظن أنه حدث له مكروه.

قالت قمر: الله خير حافظًا، فلا تخافي، وخير إن شاء الله.

 

قالت أم عاطف: ونعم بالله، ونعم بالله.

ثم عكفت مرة أخرى على تلاوة القرآن بخشوع، واستأذنت قمر في الرجوع لشقتها؛ لإيقاظ شقيقها؛ فقد اقترب أذان الفجر.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦


اجتماع الفريق

انهض، قالتها قمر لأخيها "أبو الأشبال" وهي توقظه بلطف.

وأردفت: لقد اقترب أذان الفجر، والصلاة خير من النوم.

 

فتح أبو الأشبال عينيه، وارتسم على شفتيه شبح ابتسامة، وقال: كيف كانت ليلتك؟

قالت: لقد استعادت أم عاطف وعيها، وهدوءها، وإن كان قلبها يتمزق كلما ذكرت "عاطف".

 

قال أبو الأشبال: ما أعظمَ قلبَ الأم!

قالت قمر: وذكرت أشياء عجيبة.

أومأ أبو الأشبال مشجعًا لها على الكلام، وقد أثار فضوله وعجبه ما قالته، وأدهشه بشدة، وأردف قائلاً: لم أكن أظن لحظة أن تسوء الأمور إلى هذا الحد.

 

قالت قمر: ماذا تقصد؟ فأخبرها بحواره مع الدكتور عادل.

ولم يكن هناك مفر من اجتماع الفريق كله، فكل لحظة لها ثمن.

فريق كوَّنه أبو الأشبال من أصدقائه، فريق عجيب حقًّا، له مهمة وحيدة؛ هي إحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، فريق "أبو الأشبال".

 

وفي أول اجتماع لهم، نظر أبو الأشبال إلى أخته قمر التي أكملت عامها الثاني عشر، ويكبرها بسنتين، وصديقه "خالد" الذي يصغره بعام، ثم نظر إلى باقي الفريق، وابتسم؛ فقد بادر العضو الثالث بالترحيب على طريقته وهو يقول:

أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".

أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".

أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".

 

قال أبو الأشبال: إن "ظريف" ببغاء ذكي جدًّا؛ ولهذا اخترته ليكون واحدًا منًّا.

 

وهنا ارتفع صوت نباح كلب، فأدرك أبو الأشبال أن العضو الرابع في فريقه يريد التنبيه لوجوده، فقال: وأنت أيضًا "يا برق"، ذكاؤك، وسرعتك، وقوتك، تدل على أنك كلب ماهر؛ فمرحبًا بك في الفريق، ومسح على ظهره تشجيعًا.

والآن إليكم خُطَّتنا.

 

أنصت الجميع له وهو يحكي ما مر من أحداث، وأنصت الجميع باهتمام شديد للخطة؛ ليعرف كل واحد من أعضاء الفريق دوره، وكانت خطة عجيبة وخطيرة في الوقت نفسه.

 

كانت الخطة تتطلب من "أبو الأشبال" أن يرافقه الببغاء ظريف إلى مقابر أكتوبر، والبحث عن مقبرة الأفاعي، وكان أخطر ما في الأمر الدخول إلى المقبرة نفسها؛ فالسر كله في داخلها، يجب أن يعرف ما الذي اكتشفه عاطف حتى كاد يتعرض للقتل، وكانت هذه مهمة "أبو الأشبال".

 

ومهمة خالد أن يبحث في شبكة الإنترنت عن كل ما يتعلق بالمقابر المصرية، والسر في تسمية هذه المقبرة بالأفاعي.

 

أما قمر، فقد أخذت الكلب "برق" لمقابلة الدكتور عادل في عيادته، وإبلاغه بما قالته أم عاطف عن الفهد وعصابته؛ لإبلاغ اللواء "حسن الشاملي".

 

وفي نهاية اليوم يلتقي الجميع للنظر في الخطوة التالية.

قال أبو الأشبال: أتمنى للجميع التوفيق، وعلى بركة الله.

وبدأت ساعة الصفر.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦


في قلب الأحداث

انتظر أبو الأشبال أن يُتِمَّ خالد مهمته؛ لعله يدله بمعلومات من الإنترنت يهتدي بها لسر قبر الأفاعي، فلما أخبره بانعدام المعلومات على الشبكة، بدأ مهمته على الفور منذ الصباح الباكر، ومن أمام موقف السيارات في مدينة السادس من أكتوبر ركب أبو الأشبال "الميكروباص" إلى مقابر أكتوبر على طريق الواحات، ومعه ظريف.

 

وكان وجوده معه لافتًا للنظر، وفتح شهية الركاب للضحك، وإلقاء "القفشات"؛ فقد كان ظريفًا بحق لدرجة الخطورة.

أنا وأبو الأشبال، أنا وأبو الأشبال.

قبر الأفاعي، قبر الأفاعي.

اهرب يا فهد، اهرب يا فهد.

لم يفهم الركاب شيئًا، وضحكوا.

 

وخاف أبو الأشبال أن يكون مِن الركاب مَن له صلة بعصابة الفهد، وينكشف أمره، وتفشل مهمته من قبل أن تبدأ.

والعجيب أنه قد أصاب في تفكيره.

 

الرجل الذي يجلس بجواره نظر إليه نظرة، أدرك مغزاها، ومعناها، وخطورتها، وأدرك أن أمره قد انكشف.

 

بادره الرجل بصوت غليظ هامس: هل هذا الببغاء لك أيها الصبي؟

قال أبو الأشبال: نعم.

دقق الرجل النظر فيه بطريقة أثارت قلقه وحيرته في آن واحد.

 

ثم همس الرجل في أذن "أبو الأشبال"، وقال بلهجة تهديد: ارجع من حيث أتيت، واحرص على غلق فم هذا الببغاء، أو اقطع لسانه.

 

وأردف الرجل بغلظة: وإن لم تفعل فسوف تندم.

 

الرجل يهدده ويتوعده، بصراحة بلا مواربة، وأثار ذلك حيرته وارتباكه، ولم يكن أبو الأشبال ممن يخاف بسهولة، ولكنه أدرك أن حياته منذ هذه اللحظة مهددة.

 

وقال للرجل في ثبات وثقة: أنا ذاهب لمقابر أكتوبر للزيارة، فهل هذه جريمة؟! وهل هناك شيء تريد أن تحذرني منه؟

قال الرجل بغلظة: لقد حذرتك؛ فافعل ما بدا لك، ثم اعتدَل في مجلسه، وأغمض عينيه، واستسلم للنوم، ولم يعبأ بـ: "أبو الأشبال".

 

أخذ عقل "أبو الأشبال" يعمل بسرعة؛ لماذا يحذرني؟ وممن؟ وهل هناك صلة بينه وبين "عصابة الفهد"؟!

لا ريب أنه يعلم الكثير عن قبر الأفاعي، ومن يدري؟ ربما كان واحدًا من أفراد العصابة!

وطوال الطريق أخذ أبو الأشبال يضرب أخماسًا في أسداس.

 

واقتربت السيارة من مقابر أكتوبر وهي تقطع المسافات بسرعة كبيرة، وعزم أبو الأشبال على إكمال مهمته حسب الخطة دون النظر إلى العواقب؛ فهي مغامرتهم الأولى كفريق يساعد العدالة، وينصر المظلوم، والهرب الآن معناه فشل الفريق من قبل أن يبدأ.

 

كلا، قالها أبو الأشبال لنفسه في حزم وثقة.

لا تراجع، ولو كانت حياته هي الثمن!

 

ووقفت السيارة أمام مدخل المقابر على طريق الواحات، ونزل أبو الأشبال، وتوقع أن ينزل الرجل، ولكن وجده ما زال نائمًا، ومضت السيارة حتى غابت عن عينيه في الأفق، وأثار هذا عجبه ودهشته، ولكنه قرر المُضيَّ قُدُمًا، ودخل المقابر يسبقه ظريف، وهو يقول:

هيا "أبو الأشبال".

إلى قبر الأفاعي، إلى قبر الأفاعي.

أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".

 

ابتسم أبو الأشبال، وقال لنفسه: على الأقل هناك مَنْ يشجعني، وأخرج من حقيبة الطوارئ التي يحملها دومًا - وفيها كل ما يحتاجه مما خف حملُه وزادت فائدته - كيس بودرة ملونة بلون فوسفوري مميز، ينثره في طريقه لداخل المقابر كل نصف متر تقريبًا؛ ليعرف طريق العودة، أو في حالة إن أصابه مكروه يعرف فريقه طريقه ومكانه؛ فهو تكتيك متفق عليه فيما بينهم.

 

وتوغل في المقابر وهو يقول ما علَّمه نبيه صلى الله عليه وسلم: ((السلامُ عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون))[3].

 

قال ذلك، ثم توكل على الله تعالى، وتقدم بحرص وحذر شديدين، ورائحة الموت تحيط به من كل جانب.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

 

الفهد المصري

تعمق أبو الأشبال داخل المقابر، يبحث عن أي شيء يدله على قبر الأفاعي، وفجأة تناهى إلى سمعه صوت قريب، أقرب مما يتصور، فحبس أنفاسه، وأخذ يدنو من مصدر الصوت، فوجد نفسه أمام مقبرة كتب على بابها: "قبر المرحوم أنور الفأر".

 

كان الباب مرتفعًا، فأخذ حجرًا، ونقله بحرص قريبًا من الباب؛ ليقف عليه، ونظر من شقوق الباب، فرأى رجلاً أنيقًا في ملبسه، يقول بلهجة آمرة لرجل في مواجهته مفتول العضلات:

اسمع يا عقرب، إننا مقبلون على صفقة العمر، لا أريد أي أخطاء، واجمع رجالك، وسنتقابل هنا في تمام الساعة الواحدة ظهرًا في المقبرة، أريد أن أنتهي من هذه الصفقة سريعًا.

 

قال الرجل العقرب: مفهوم يا أستاذ أنور.

اصمت أيها الغبي، لقد حذرتك أن تنطق باسمي مهما كانت الأسباب، لا تنادِني إلا بالاسم الحركي: "الفهد" "الفهد المصري"، هل تفهم؟!

 

قال العقرب: نعم.. نعم، وأنا أعتذر.

فقد كان يعلم أن "أنور" الفأر رجل مثقف، نال قسطًا وافرًا من التعليم العالي؛ فهو خريج كلية "الألسن" بجامعة القاهرة، ويتكلم ثلاث لغات بطلاقة، وهو معروف على المستوى المحلي والدولي؛ فهو مجرم مطلوب القبض عليه في 12 دولة لزجه في السجن؛ لجرائم خطيرة لا حصر لها؛ قتل، واختطاف، وسرقة، وتجارة المخدِّرات... إلخ.

 

ولكنهم لم يفلحوا أبدًا في القبض عليه؛ لذكائه، وأناقته، وقدرته على التنكر، وتغيير هيئته، فضلاً على أنه يمارس عملاً مشروعًا كستار لجرائمه.

 

"شركة أنور الفأر للنقل والسياحة".

 

وسفره الدائم لعقد الصفقات لا يثير الريبة؛ لطبيعة شغله؛ فهو دائم الترحال، وهذا جعل البوليس المحلي والدولي المعروف بـ "الإنتربول" عاجزًا عن القبض عليه؛ لسبب بسيط جدًّا، هو أنه مجرم معروف بالاسم الحركي "الفهد المصري"، فجهل البوليس باسمه الحقيقي هو السبب في اختفائه، فكلما ظنوا أنهم على وشك القبض عليه، يفلت من بين أيديهم، ويعود لشخصيته الحقيقية حتى تهدأ الأمور، ثم يضرب ضربة أخرى، وهكذا دواليك.

 

أما أعوانه، فهم لا يعرفونه إلا بهذا الاسم "الفهد المصري"، ولو شاهدوه في هيئته الحقيقية لن يتعرفوا عليه أبدًا؛ فهو لا يظهر لهم إلا متنكرًا، وهو أستاذ في هذا المجال، حتى إن أمه تعجز عن أن تعرفه لو التقت به مصادفة!

 

دار ذلك كله في عقل العقرب؛ اليد اليمنى لأنور الفأر، أو الفهد المصري.

لكل هذا كان يخشاه ويهابه، ويدين له بالفضل في عالم الإجرام...

هل أنت نائم يا عقرب؟ قالها "أنور" في غيظ شديد من مساعده الأبله.

 

قال العقرب: آسف، لقد مر عليَّ شريط من الذكريات الجميلة معك في لحظة خاطفة، فلم أنصت لما قلته جيدًا.

قال أنور في عصبية وغضب شديدين: كيف أفلت منك الصبي هكذا بسهولة؟

ثم قال في سخرية لاذعة: هل أصبحت ضعيفًا يا عقرب لا سم لك؟!

قالها بتهكم وهو ينظر إليه.

 

فقال العقرب: لقد تعرض للدغ الثعابين في المقبرة، وعندما خرج آذيته بشدة، وكنت أنوي قتله، لكنه غافلني وهرب.

يفلت منك صبي صغير بعد أن سمعك تناديني بالفهد، وعرف أسرارنا، وتجسس علينا، وأدرك أننا نحتفظ بالمخدرات في المقبرة، بل دخلها وأنت في غفلة، ولولا حضوري لاستطاع إبلاغ أهله أو البوليس، ونصبح كلنا في خطر، أليس هذا خطأ يستحق القتل؟! قالها وهو يشهر مسدسه في وجه العقرب الذي ظهرت على وجهه علامات الرعب.

 

فبادر يقول: قلت: إنني أخطأت، وتعلم مدى حرصي على سلامتك، ولكن كما يقال: لكل جواد كبوة.

 

تغيرت ملامح أنور أو الفهد - كما يحب أن يناديه أتباعه - واشتد غضبه وثورته، وهو يجاهد ليكتم غيظه.

حسنًا.

وتوقف فجأة عن الكلام؛ فقد أدرك أن العتاب لا جدوى منه.

 

ولكنه قال في صرامة: لا أريد أخطاءً أخرى؛ فأكبر صفقة لنا ستتم غدًا، الساعة الثالثة عصرًا، عند تمثال "أبو الهول"، وربما تكون هذه الصفقة هي الأخيرة، ونعتزل حياة الإجرام إلى غير رجعة، ونعيش بما نجنيه من هذه الصفقة من الأموال حياة هنيئة، هل كلامي واضح؟ قال العقرب: نعم.

 

وزفر الفهد بقوة، ثم قال - والشرر يتطاير من عينيه -: وليكن معلومًا لك ولرجالك جميعًا أن من لا ينفذ ما عليه حرفيًّا، سيكون مصيره هكذا، وأمرَّ يده على رقبته، ففهم العقرب ما يقصده، واستوعبه على الفور.

 

ووقف أبو الأشبال يرهف السمع، والفهد يبين للعقرب مكان إتمام الصفقة، وموعدها، وخطته لخداع البوليس، ولقاء تجار المخدِّرات، و...، وفجأة، حدث ما لم يكن في الحسبان، حدث ما جعل حياة "أبو الأشبال" في خطر محدق، وقد لا يخرج من المقابر أبدًا!

 

زلت رِجل "أبو الأشبال" من على الحجر، ووقع على الأرض محدثًا جلبة وصوتًا، وكان هذا كفيلًا بكشف أمره.

وصاح العقرب: هناك دخيل.

قال أبو الأشبال لظريف: الفت انتباه العصابة.

وأسرع أبو الأشبال يستتر خلف جدار مقبرة قريبة، وحبس أنفاسه المتلاحقة.

 

ونفذ ظريف أمر "أبو الأشبال"، واصطنع جلبة؛ فهز جناحيه بقوة، وأخذ يتخبط في حائط المقبرة كالمجنون.

 

في الوقت نفسه خرج العقرب حاملاً مسدسه، ورأى "ظريف"، وتعجب من صنيعه، قائلاً: طائر مجنون، وأمسك حجرًا صغيرًا، وقذفه في اتجاه ظريف، وأردف: ابتعد أيها الطائر الغبي.

 

سمع ظريف العبارة، وأدرك معناها، وكظم غيظه، وانحرف؛ حتى لا يصيبه الحجر، وطار بعيدًا، وهو يردد:

أنا أنقذت "أبو الأشبال"، أنا بطل الأبطال.

العقرب غبي، العقرب غبي.

وخرج أنور من المقبرة قائلاً: هل وجدت شيئًا؟

قال العقرب: نعم، طائر غبي، أصابه مس من الجنون، ويبدو أنه كان يريد الانتحار.

هاهاها... وأخذ يقهقه بقوة؛ فقد أعجبه تعليقه.

 

لم يضحك أنور، وقال في خشونة للعقرب: كفى ما ضاع من الوقت، نفِّذ ما أمرتك به، واجمع الرجال هنا غدًا، والقوني داخل المقبرة في الواحدة ظهرًا، دون تأخير - ولو دقيقة واحدة - لنقل المخدرات من المقبرة قبل إتمام الصفقة عند "أبو الهول" في تمام الثالثة عصرًا، هل كلامي واضح؟

قال العقرب: نعم، وانصرف على الفور، واختفى في ظلام الليل.

 

كان أبو الأشبال واقفًا خلف الجدار، ورأى "أنور" أو الفهدَ وهو يقترب في اتجاهه، وأخذ يقترب، ويقترب.

ترى، هل كشف أمره؟ خطوات قليلة وينكشف أمره، ولكن، كان الله تعالى رحيمًا به.

توقف أنور قرب الجدار مباشرة، ثم استدار نحو باب المقبرة التي يستتر بالجدار القريب منها.

وسمع أبو الأشبال صوت المفتاح وهو يدور في قفل الباب، وصوت باب يفتح ويغلق.

وهنا فقط خرج من مكانه، ونظر للمقبرة التي دخلها أنور.

سبحان الله! قالها أبو الأشبال عندما نظر للمكتوب على باب المقبرة؛ مقبرة الأفاعي.

وأخيرًا.

 

الحمد لله، لقد أدرك الآن سرها، وأنها وكرٌ وستار لحفظ المخدرات عن عيون المتطفلين، لقد بلغ الآن هدفه، وعليه أن يتحرك بسرعة.

 

عاد أدراجه خلف الجدار، ينظر حوله، يبحث عن ظريف، فوجده يقف على سطح مقبرة قريبة، فأشار إليه إشارة دربه عليها، إشارة يفهم منها أنه يحتاج إليه في مهمة خطيرة وحاسمة.

 

وجاء ظريف، ووقف أمامه ينتظر أوامره.

 

أخرج أبو الأشبال من حقيبة الطوارئ التي يحملها قصاصة ورق، وقلمًا، وخيطًا، وسجل باختصار كل ما سمعه، وشاهده، ثم طواها، ولفها حول ساق "ظريف"، وثبتها بخيط، ثم قال له: انطلق، وابحث عن خالد، وسلمها له، وكن حريصًا يا ظريف.

 

فهِم ظريف الأمر، واستوعبه، وطار على الفور.

وتنهد أبو الأشبال، وقال لنفسه: والآن حانت اللحظات الحاسمة.

إما أن ينجح في دخول المقبرة، والتأكد من وجود المخدرات، أو يكون مصيره كعاطف أو أخطر.

وفي كلتا الحالتين لا بد أن يتحرك قبل حضور رجال أنور، ولكن كيف؟

ولم يشعر وهو مستغرق في التفكير بالخطوات التي تقترب منه بحذر شديد.

لم يشعر بها على الإطلاق.

وكانت غلطة العمر.

وكان الثمن غاليًا.

حياته.

 

شعر بيد قوية تمسك به، تكاد تعتصره، يد شبيهة بقبضة العقرب، وشيء ثقيل يهوي على رأسه بعنف، جعل الدنيا تدور حوله، ووقع على الأرض، وقع مغشيًّا عليه أمام المقبرة؛ مقبرة الأفاعي.

 

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

اللواء حسن الشاملي

جلس اللواء حسن الشاملي على مكتبه في مديرية أمن مدينة السادس من أكتوبر، يتصفح بعض الملفات أمامه، وقد غرق في تفكير عميق.

 

وأمامه كان يجلس دكتور عادل وقمر، بعد أن أخبراه بكل شيء.

 

ثم رن جرس التليفون، فبادر بالرد: السلام عليكم ورحمة الله، من معي؟

ثم لزم الصمت، وهو ينصت لمحدثه باهتمام شديد، ثم قال له: لحظة من فضلك.

 

ووجه كلامه للدكتور عادل قائلاً: يتصل بي الآن أحد ضباطنا، ويقول: إن صبيًّا كان بجواره في سيارة "ميكروباص"، ومعه ببغاء، في طريقه لمقابر أكتوبر، وذكر أن اسمه أبو الأشبال، ووافق هذا ما أخبرتني به الآن، فهل هو نفس الصبي الذي تحدثني عنه؟

 

أومأ الدكتور عادل برأسه، وأردف: نعم.

 

حك اللواء رأسه، ثم قال لمحدثه: اسمع، التزم بالخطة، ولكن اجعل سلامته لها الأولوية، مفهوم؟

ثم أغلق الخط، وقد انقلبت سحنته تمامًا، ونظر للدكتور عادل، وأردف قائلاً: أنا لا أفهم كيف يذهب صبي إلى مكان خطير كهذا دون أن تمنعه؟!

 

وقد تكون حياته هي الثمن، ألم تعلم يا دكتور أن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]؟

قال الدكتور عادل - وهو يهز رأسه -: أعلم بالطبع، ولكن لو عرفت "أبو الأشبال" ما استطعت أنت أن تمنعه إلا بالقوة؛ فهو صبي جريء، وذكي، ويجري حب المغامرات في دمه، ولكن...

 

قال اللواء حسن: ولكن ماذا؟

قال الدكتور عادل: ولكن معك حق فيما تقول، ما كان ينبغي أن يذهب إلى هناك، ويعرض حياته كعاطف للخطر، و...

 

قاطعته قمر: أبو الأشبال حريص كل الحرص، وقد تحرك بخطة، و...

قال اللواء حسن بدهشة: خطة!

 

قالت قمر - وهي تعض شفتيها ندمًا -: أقصد أن معه "ظريف".

قال اللواء حسن: من ظريف؟

 

قالت قمر: ظريف هو ببغاء "أبو الأشبال"، وهو عضو في فريقنا، أقصد...

قال اللواء - وقد أثار كلامها عجبه - موجهًا كلامه للدكتور عادل: ماذا تقصد هذا الصبية؟ وعن أي فريق تتكلم؟

 

قال الدكتور عادل: الأفضل أن تسألها هي.

نظر اللواء للدكتور عادل، ثم لقمر، وقال: حسنًا، أخبريني أيتها المغامرة بالقصة كلها.

 

نظرت قمر للدكتور عادل الذي أومأ لها مشجعًا، فقالت: لقد كوَّن أبو الأشبال فريقًا لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، ولقد تعاهدنا جميعًا على العمل معًا، و...

 

قال اللواء حسن - مقاطعًا ورافعًا يديه في حركة مسرحية -: رائع، صبي، وصبية، وببغاء.. ثم قال متهكمًا: هذا فريق عجيب حقًّا.

 

قالت قمر: معذرة يا حضرة اللواء، إننا جزء من الفريق، ولسنا كل الفريق، و...

رن الهاتف المحمول للدكتور عادل، فقال: معذرة للمقاطعة، ثم أردف يخاطب محدثه: وعليكم السلام ورحمة الله، ماذا تقول؟

 

كانت المحادثة عجيبة.

عجيبة لأقصى حد.

جعلت الدكتور ينهض واقفًا، وهو يطلب ورقة وقلمًا، ويكتب باهتمام شديد معلومات يمليها عليه محدِّثُه.

 

معلومات على جانب عظيم من الخطورة.

قد تقلب الأمور رأسًا على عقب.

 

وأنهى المحادثة قائلاً: لقد اتصل بي خالد، وأبلغني معلومات خطيرة.

قال اللواء حسن: مَن خالد؟

 

قالت قمر: عضو من أعضاء فريقنا لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم.

قال اللواء حسن في هستيرية: رائع، رائع، ثم نظر لقمر، وقال بلهجة لا تخلو من التهكم:

كم عمره؟

قالت قمر: 13 عامًا.

 

قال اللواء حسن: عظيم، أكمل يا دكتور.

قال الدكتور عادل: يقول: إن "ظريف" حضر بعد رحلة طيران مرهقة وشاقة، يحمل معه رسالة من "أبو الأشبال".

 

قاطَعه اللواء حسن: وظريف هذا هو الببغاء الذي يرافق "أبو الأشبال"، وهو عضو من أعضاء فريق إحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، أليس كذلك؟ قالها وهو ينظر لقمر نظرات ذات مغزى.

فقالت بتحدٍّ - وقد آلمتها سخريته اللاذعة، ونقده الجارح -: نعم.

 

قال: رائع، وماذا قال خالد؟

قال الدكتور: لقد سجلت المعلومات؛ فقد طلب تسليمها لك، كما أمره أبو الأشبال، وما يثير قلقي أنه أخبرني أنه سوف يذهب لنجدته، ومعه "برق"، فكل دقيقة تضيع تجعل حياته في خطر محدق.

قال اللواء: لحظة من فضلك، من "برق" هذا؟

 

ثم بادر وهو ينظر لقمر: عضو آخر في الفريق، هل هو في مثل عمرك؟

قالت قمر: "برق" هو كلب خالد، وليس إنسانًا، وهو العضو الخامس في فريقنا.

قال اللواء حسن: كلب!

 

زفر اللواء حسن بقوة، وأردف: ما الذي حدث في الدنيا؟! صبيَّان وصبيَّة وببغاء وكلب يأخذون من وقتنا الكثير، ثم نحاول إنقاذهم على حساب أمن البلد وسلامتها، ما هذا الجنون؟!

 

ثم نظر بعصبية للدكتور عادل، وقال في ضيق: إن وقتنا ثمين جدًّا يا دكتور عادل، وأنت تعلم ذلك، وإننا نتعامل مع مجرمين وقتلة، وليس عندنا وقت لطيش هؤلاء الصِّبية.

 

قال الدكتور عادل: وهذا يثير خوفي وقلقي، إنني أعتبر نفسي مسؤولاً عنهم الآن، ولقد فات أوان العتاب، والمهم الآن إنقاذ "أبو الأشبال" وخالد.

 

ثم زفر بقوة، وأردف: ورجاءً - بحق الصداقة التي بيننا يا حضرة اللواء - أنقذْ حياة هؤلاء الصبية، وأعدك بأنني سأتكلم معهم، وأحاول إقناعهم بخطورة ما يفعلونه.

 

قال اللواء: هذا واجبنا يا دكتور من غير أن تطلب.

قال الدكتور عادل - وهو يمسك بيد قمر لينصرفا -: شكرًا لك، ولن أضيع وقتك أكثر من ذلك، وها هي المعلومات التي أبلغني بها خالد، لعلها تفيدك.

 

قال اللواء حسن بغير اكتراث: لا أريد أي معلومات من هؤلاء الصبية، ثم نظر إلى قمر، وقال: أنا لا أقصد الإهانة يا قمر، ولكن نحن هنا في المديرية لا نمثل فيلمًا للأطفال، ونحن - كما قلت - نتعامل مع مجرمين وقتلة، وعصابات منظمة، لا تأخذهم رحمة ولا شفقة بمخلوق، في سبيل تحقيق غاياتهم وجرائمهم.

 

قالت قمر - وهي تفلت يدها من بين يدي الدكتور عادل، موجهة كلامها للواء حسن في ثقة وحزم -: حضرة اللواء، ربما كنت سيئ الظن بنا، ولكن "أبو الأشبال" غامر بحياته، وأرسل لك معلومات ترفض أن تنظر إليها، ماذا يضرك لو ألقيت عليها نظرة عابرة؟!

 

ابتسم اللواء - ولم يخفِ إعجابه بكلامها وجرأتها - وقال: حسنًا، هات الرسالة يا دكتور.

 

قال الدكتور عادل: تفضل.

نظر اللواء إلى سطور الرسالة، وأدهشه كمُّ المعلومات التي فيها، وأذهله، وأثار حيرته وتعجبه.

 

"أنور الفأر" صاحب شركة أنور للسياحة الخارجية بوسط البلد، هو الاسم الحقيقي للمجرم المعروف بـ: "الفهد المصري"، وهو متنكر، وفهمت من كلامه لرجل من عصابته اسمه "العقرب" - وهو يده اليمنى - أن في الساعة الواحدة ظهرًا سينقلون المخدرات من قبر الأفاعي؛ لإتمام أكبر صفقة مخدرات لهم، وسمعت الفهد يخبرهم أن ذلك سيكون عند تمثال "أبو الهول"، في تمام الساعة الثالثة عصرًا، ويتخفى التجار مع فوج سياحي يتبع شركة أنور الفأر للسياحة، ولا أعرف الطريق الذي سيسلكونه بالتحديد، وأخبر اللواء "حسن" بهذه المعلومات بأسرع ما يمكن، وسوف أحاول دخول "مقبرة الأفاعي"، ونقل المخدرات لمكان آخر؛ لإرباكهم، أسرع بالله عليك، وأحضر المساعدة؛ فقد تكون حياتي في خطر، إمضاء: أبو الأشبال.

 

معلومات قيمة، وخطيرة، عجز البوليس في 12 دولة أن يعرف من هو "الفهد المصري"، المطلوب لمحاكمته بتهم متعددة؛ مخدرات، جرائم قتل، مخدرات... إلخ.

 

وكانت الضغوط شديدة على جهاز الأمن المصري من كافة الدول الأعضاء في الإنتربول الدولي، أو المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، ومقرها في فرنسا؛ فقد كان "الفهد المصري" مصري الجنسية، ويمارس عمله غير المشروع على أرضها.

 

يعقد الصفقات، ويلتقي بتجار المخدرات، ولا يعرف أحد اسمه الحقيقي الذي يتخفى تحته أبدًا.

 

عشر سنوات أفسد فيها هذا المجرم شباب مصر والعالم بتجارة المخدرات.

 

قال اللواء حسن الشاملي بحزم: يبدو أنني مدين لكما بالاعتذار، لم أكن أظن لحظة أن هؤلاء الصبية، قصد أقصد: فرقة "أبو الأشبال" لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم - قالها بكل احترام، ومن صميم قلبه - تستطيع أن تقدم لنا هذه الخدمة الجلية - قالها وهو يمد يده لمصافحة قمر بكل حرارة وحب - ثم أخذ سماعة التليفون، وأجرى مكالمة مهمة وخطيرة، مكالمة استمرت عشر دقائق كاملة، دب على آثارها النشاط في مديرية أمن أكتوبر كلها، ثم قال للدكتور عادل وقمر: هيا بنا؛ لننقذ أبطالنا، فكل دقيقة لها ثمن، ثمن فادح للغاية.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦


داخل قبر الأفاعي

أفاق أبو الأشبال، ووجد نفسه داخل مكان له باب مغلق بإحكام، لا بد أنه ظل في غيبوبة فترة طويلة؛ فقد كانت الضربة قوية بحق، ولكنه بدأ يستعيد صفاء ذهنه، وأخذت أسئلة عديدة تتزاحم في رأسه، وتثير القلق في نفسه.

ترى، هل استطاع "ظريف" الوصول لخالد، وتسليم الرسالة؟

وهل يصدق البوليس معلوماته، ويأخذها بجدية؟

وهل...

 

وفجأة، فتح الباب، ونظر أبو الأشبال، فوجد أمامه ثلاثة رجال، لهم ملامح إجرامية، وقبض الرجل العقرب - اليد اليمنى للفهد المصري - ملابسه بقوة شديدة، تكاد تعتصره داخل ملابسه، وقال له في غلظة: من أنت يا ولد؟

 

لم يقل أبو الأشبال شيئًا، فقال العقرب - وقد تطاير الشرر من عينيه -: هل أنت أصم؟

لم يجد أبو الأشبال ما يقوله، ويكون من الغباء أن يصدقوه لو أخبرهم أنه كان يزور المقابر؛ لأن له ميتًا هنا، ونظر إلى ساعته، فوجدها قاربت الواحدة ظهرًا، موعد نقل المخدرات حسب خطة الفهد، ولا ريب أنهم سينفذون أوامره، ولعلهم يتركونه محبوسًا هنا حتى إتمام الصفقة.

 

هو لا يشعر بالخوف على حياته بقدر ما يشعر بالألم لوقوعه هكذا بسهولة، وعليه أن يجد وسيلة للفرار، و...

وخاب ظنه بشدة، وأفاق من تفكيره إثر لطمة من العقرب على كتفه، آلمته بشدة.

 

وسمعه يقول بخشونة: امشِ أمامي يا ولد، قالها العقرب، ويده تعتصره بشدة، وأخرجه من المقبرة، وأدخله داخل محيط مقبرة أخرى يعرفها جيدًا.

 

مقبرة الأفاعي.

ووجد نفسه وجهًا لوجه أمام الفهد، اندهش أنور "أو الفهد المصري" لرؤية "أبو الأشبال"، وقال: من هذا الولد؟

قال العقرب: رأيته يتلصص خلف حائط، يراقب مقبرة الأفاعي، ولعله سمع حوارنا، وعرف أمر المخدرات، فضربته، ففقد الوعي، فحبسته في محيط مقبرة مغلقة بإحكام، وأحضرت الرجال حسب أوامرك، ولما اقترب موعد نقل المخدرات خشيت أن يفر بوسيلة ما، فيفسد علينا الصفقة، فأحضرته معي؛ لترى فيه رأيك.

 

قال أنور: فليكن، هو يستحق أن يعامل كالصبي الآخر، أدخله داخل القبر، واحبسه فيه، وسوف نتولى أمره بعد انتهاء الصفقة، ثم أردف: هذا لو ظل على قيد الحياة.

 

ضحك العقرب، وفهم ما يقصده "الفهد المصري"، وفتح مدخل القبر، وهو يدفع "أبو الأشبال" بقوة إلى داخل القبر.

 

قبر الأفاعي.

 

ثم أغلق عليه باب القبر بلوح من خشب الكونتر السميك، ثم وضع أحجارًا ثقيلة عليه، وأهال عليها التراب؛ للتعمية.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

 

كان الظلام حالكًا، فلم يرَ أبو الأشبال شيئًا، ورائحة الموت تحيط به.

 

تذكر أنهم لم يأخذوا حقيبته التي يحملها خلف ظهره، ولعلهم اعتقدوا أنها حقيبته المدرسية، ولو علموا ما فيها من أشياء مفيدة لأخذوها منه، فحمد الله على ذلك، وفتح الحقيبة، وأخذ يتحسس ما فيها.

 

ها هو، وأخرج كشافًا قويًّا وأضاءه؛ ليرى موضع قدميه، وما حوله.

 

ويا هول ما رأى!

ثلاثة ثعابين، طول الثعبان متر ونصف على الأقل، أمامه مباشرة على مرمى البصر، العينان، واللسان المشوق، أثارت الخوف في نفسه، وأخذت الثعابين تزحف تجاهه لتفتك به.

 

ولأنه ملتزم بدينه، وكاد يتم حفظ القرآن كله؛ رأى أن نجاته ستكون في يد خالقه وخالق الثعابين، وتذكر قول الله تعالى عن سيدنا يونس عليه السلام عندما التقمه الحوت وهو مليم: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].

 

نعم وربي، لعل وعسى أن ينجيني برحمته وفضله، فأخذ يسبح لله تعالى، وهو يقول مرارًا وتكرارًا: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، في نفس الوقت أخذ عقله يعمل بسرعة، ويأخذ بأسباب النجاة، وتذكر أن في حقيبته السلاح الذي تهابه كل الحيوانات والحشرات وحتى البشر.

 

النار.

أخرج - على ضوء مصباحه - من حقيبته علبة ثقاب، وأشعل ببعض الأوراق التي يحملها في حقيبته نارًا بسيطة، ولكنها نار على كل حال، وتوكل على الله، ولسانه لا يفتُرُ عن التسبيح، وتراجعت الثعابين فزعة من النار، ودقق أبو الأشبال النظر إليها، فوجد أنها من النوع السام، ولدغتها مؤلمة.

 

فأشعل عود ثقاب ثانيًا في بعض الأوراق، وثالثًا، ورابعًا.

ماذا لو انتهت أعواد الثقاب؟!

إن عليه أن يتحرك بسرعة؛ لينقذ حياته.

إن جلوسه هنا معناه أنه سيقع تحت رحمة الثعابين.

لم يعد يسمع صوتًا خارج المقبرة، لا بد أنهم رحلوا؛ لإتمام الصفقة.

كيف غاب عنه ذلك؟!

أكياس المخدرات غير موجودة في القبر، لا بد أن "أنور" قام بنقلها عندما كان يراقب المقبرة من الخارج.

ليتحرك إذًا قبل أن يصير فريسة للدغات الثعابين السامة.

كانت فتحة المقبرة فوقه مغلقة، والثعابين ترقبه عن بعد، تنتظر الفرصة.

 

لم يبقَ إلا ثلاثة أعواد من الثقاب، ولم يعُدْ معه أوراق في حقيبته، وها هو يشعل واحدًا، وأخذ يحاول رفع مدخل القبر الذي سدوه بلوح خشبي، إنه ثقيل جدًّا.

 

لا بد أنهم وضعوا أثقالاً عليه، ولكن لا مفر من أن يحاول، ويأخذ بأسباب النجاة، ولا يلقي بنفسه إلى التهلكة، هكذا تعلم من دينه العظيم، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، تنهد بقوة، ثم توكل على الله.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦


عملية إنقاذ "أبو الأشبال"

نزل خالد من سيارة صديق له تطوع بتوصيله إلى مشارف مقابر أكتوبر على طريق الواحات.

 

كان من الصعب أن يركب مواصلات عامة، ومعه كلبه "برق"؛ فهذا كفيل بلفت الأنظار إليه.

 

شكر صديقه، وما إن انصرف حتى توغل إلى داخل المقابر يتقدمه برق، ويدقق في الأرض، يبحث عن البودرة الفوسفورية التي يثق بأن "أبو الأشبال" نثرها للطوارئ، وكان برق كلبًا مدربًا، وله حاسة شم قوية، ولم يكن في حاجة إلى أن يرى العلامات التي تركها أبو الأشبال؛ لأنه يعرف طريقه جيدًا، وأخذ يتقدم وهو يشم الأرض، وكل شيء، ويعدو وراء الرائحة؛ رائحة "أبو الأشبال".

 

على مهلك يا برق، قالها خالد، وقد أرهقته السرعة التي يعدو بها برق، ولمح خالد سيارة أمام إحدى المقابر، في هذا الوقت من الظهيرة، والحر شديد! إنهم هم لا شك، وأخذ حذره، ووقف يترقب، ويرهف سمعه، وأمسك كلبه، واستتر خلف جدار مقبرة قريبة، وأمره بالصمت بإشارة دربه عليها، وانتظر حتى يتحرك في اللحظة المناسبة.

 

خرج رجال يحملون أكياس بلاستيك، أدرك على الفور أنها المخدرات، لكن أين أبو الأشبال؟

لقد انتهينا.

سمع خالد الكلمة بوضوح تام.

 

وخرج رجل أنيق، وأغلق باب المقبرة بقفل، وقال لهم بلهجة آمرة: اركبوا جميعًا؛ لننتهِ من الصفقة، وخذ يا عقرب مفتاح المقبرة، أريدك أن تعود عندما نتم مهمتنا؛ لتنهي مهمتك هنا، لا أريد أي أخطاء أخرى، تخلص من الولد قبل الصباح، أفهمت؟ قال العقرب: نعم.

 

وأراحت مقالة "الفهد المصري" "خالد"، وحمد الله أن "أبو الأشبال" ما زال على قيد الحياة، ولم يدرِ أن "أبو الأشبال" في ذلك الوقت يواجه خطرًا محدقًا، وحياته معلقة بعود ثقاب، عود ثقاب واحد.

 

وركب الجميع، وانطلقت السيارة في طريقها إلى خارج المقابر؛ لإتمام الصفقة.

 

وهنا خرج خالد من مكمنه، وترك "برق" يكمل مهمته في البحث عن "أبو الأشبال"، وانطلق برق إلى المقبرة مباشرة، وخالد على أثره.

 

وأخذ برق يضرب باب المقبرة برجليه، وأدرك خالد أن "أبو الأشبال" لا بد أن يكون محبوسًا داخل المقبرة، وأسرع يحطم القفل بحجر، بضربات متتابعة بقوة، حتى تحطم مع قوة الضربات، وانفتح الباب، وانطلق برق وهو يطلق زمجرة قوية، وأخذ خالد ينظر داخل المقبرة، فلم يجد أحدًا، ورفع صوته: "أبو الأشبال"، "أبو الأشبال".

 

رأى "برق" ينبح، وينبش تراب فتحة القبر، ففهم الرسالة، وأخذ يحاول تحريك بعض الصخور الضخمة من على مدخل القبر، ولكن بلا جدوى؛ فقد كانت ثقيلة لا طاقة له بها.

 

وسمع صوت "أبو الأشبال" يناديه: خالد، أسرع بالله عليك، أنا هنا داخل القبر، ولم يعد معي إلا عود ثقاب واحد، هنا ثلاثة ثعابين تريد أن تفتك بي، أسرع بالله عليك.

 

حاول خالد زحزحة الصخور، وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حاول بكل ما أوتي من قوة، ولكن.

 

إنها ثقيلة جدًّا.

 

شعر بالعجز والقهر، وكاد يبكي، أبو الأشبال ليس بيني وبينه إلا خطوة، ولا أستطيع أن أنقذه، ماذا أفعل؟

ابتعد، ابتعد..

 

نظر خالد إلى مصدر الصوت، ورأى رجلاً مفتول العضلات يدفعه عن مدخل القبر، فأمسك حجرًا ليدافع عن نفسه، ولكن الرجل لم يعبأ به، وأخذ يزيح الصخور، ثم رفع اللوح الخشبي، وفتح المقبرة في اللحظة التي انطفأ فيها آخر عود ثقاب في يد "أبو الأشبال".

 

قال الرجل لـ "أبو الأشبال" - والثعابين تزحف من خلفه -: بسرعة، مد يديك، وقبض الرجل بقوة على يده، وسحبه خارج القبر في نفس اللحظة التي فتح فيها الثعبان فمه، وأخذ الرجل لوح الخشب، وضرب به رأس الثعبان، فسقط داخل القبر، وأغلق المدخل، وأعاد صخرة ضخمة عليه؛ لتمنع الثعابين من الخروج.

 

وأراد أبو الأشبال أن يشكر الرجل، وعرفه على الفور، نفس الرجل الذي حذره في "الميكروباص" من الحضور إلى هنا، وحتى هذه اللحظة لا يدري أعدو هو أم صديق؟ ولكن الرجل ابتسم، وقال: هل أنت بخير؟ هل آذتك الثعابين؟ قال أبو الأشبال: كلا، والحمد لله، شكرًا لك، فقال الرجل: الحمد لله، لقد حذرتك، هل تتذكر؟

 

قال أبو الأشبال: نعم، وأراد أن يعرف منقذه من هو، لكن الأمر واضح، فوجوده في هذا الوقت وهذا المكان لا يمكن أن يكون مصادفة.

 

قال للرجل: أنت تعمل مع الشرطة، صحيح؟ نظر الرجل إلى "أبو الأشبال"، وقال: أنت ولد ذكي جدًّا، نعم، أنا أعمل معهم، واسمي "عمر"، "الضابط عمر"، وقد أمرني اللواء حسن الشاملي أن أعمل على سلامتك، ثم أخرج هاتفه، وطلب رقمًا، رقم اللواء حسن الشاملي، الذي كان ينتظر مكالمته على أحر من الجمر، أراد أن يخبره أن مهمته قد انتهت بنجاح، وأخبره بنوع السيارة التي تحمل "أنور الفأر" "أو الفهد المصري" ورقمها، ورجال عصابته، وأنهم في طريقهم لإتمام الصفقة، وأن "أبو الأشبال" و"خالد" بخير، وأن الجولة الأولى قد انتهت، وتبقى الثانية؛ القبض على الفهد المصري متلبسًا مع تجار المخدرات.

 

وفي الطريق إلى البيت أخذ أبو الأشبال يفكر بعمق في كل ما مر به من أحداث.

 

"أبو الأشبال"، هل أنت بخير؟ قطع عليه خالد تفكيره، نظر أبو الأشبال إلى خالد، وأردف: نعم، أنا بخير، شكرًا لك يا خالد، والحمد لله على كل حال، وأخذ برق ينبح وهو جالس بجوارهما في سيارة الضابط عمر، فقال أبو الأشبال: آه، شكرًا لك - أيضًا - يا برق، وربت على رأسه وهو يبتسم، وزفر بقوة، ونظر إلى خالد، وقال: لقد عرفت الآن سر قبر الأفاعي، وما أصاب صديقنا "عاطف".

 

وأخبره بكل شيء.

القبض على الفهد


وقف اللواء حسن الشاملي قريبًا من تمثال "أبو الهول"، يخفي نفسه مع قوات البوليس، خلف الصخور الضخمة في ذلك الوقت، ينتظر اللحظة الحاسمة، وهو يلقي نظرة حيث كان دكتور عادل وقمر خلف صخرة تخفيهما عن العيون.

 

جاء ضابط شرطة، وأدى للواء حسن الشاملي التحية العسكرية، وهو يقول بصوت واضح قوي: تم مرور السيارة السياحية لشركة أنور الفأر للسياحة يا أفندم، ورصدنا سيارة أنور الفأر ورجاله - كما وصفتها لنا - داخل المنطقة القريبة من هنا.

 

قال اللواء حسن: حسنًا، نفذوا الخطة.

 

قال الضابط: علم وينفذ، وانصرف على الفور.

 

انتشرت قوات الشرطة على طول الطريق لمنطقة الهرم، وأحاطت بالمنطقة الأثرية بالكامل إحاطة السوار بالمعصم.

 

فتجار المخدرات داخل الفوج السياحي داخل منطقة الهرم بالفعل، والمباحث تجهل شخصياتهم، وقد رصدت قوات الشرطة السيارة السياحية لشركة أنور الفأر لحظة بلحظة، وتابعت عن قرب نزول الفوج، وراقبت كل فرد منهم.

 

وحدث ما كان متوقعًا؛ انفصل عن الفوج السياحي ثلاثة رجال يحملون حقائب جلدية، والتقوا جميعًا في سيارة كانت تنتظرهم؛ لنقلهم بعيدًا عن العيون، بالقرب من تمثال "أبو الهول"، وانطلقت السيارة ووقفت قريبًا من تمثال "أبو الهول" على بعد حوالي مائة متر من قوات المباحث المتمركزة والمنتشرة حول منطقة "أبو الهول"، خلف الصخور، في انتظار الأمر بالقبض على الفهد وتجار المخدرات في ضربة واحدة.

 

وبعد دقائق معدودة جاءت سيارة الفهد ورجاله، ونزل الجميع، وأخرج رجال أنور المخدرات، وسلم التجار الحقائب الثلاث لرجال أنور الذي كان يبتسم ويقول لنفسه: 50 مليون دولار، مبلغ ضخم للغاية، وآن الأوان ليعتزل حياة الإجرام، ويكفيه فخرًا عجز البوليس المصري والدولي عن القبض عليه، لا أحد يعرف شخصيته الحقيقية، و...

 

الشرطة: ليسلم الجميع نفسه.

انطلق صوت اللواء حسن الشاملي بواسطة الميكرفون، وأطبقت قوات المباحث على الجميع من كافة الاتجاهات.

 

مستحيل أن يحدث هذا، قالها أنور بلوعة وأسى وقوات الشرطة تقبض عليه، وتضع يده في الأصفاد.

 

واقترب اللواء حسن الشاملي منه، وتأمله، كان متنكرًا كعادته؛ لتظل شخصيته الحقيقية مجهولة، فهي نافذته إلى الحرية إذا ما تعقدت الأمور.

 

أخيرًا وقعت أيها الفهد، أم تحب أن أقول: يا سيد أنور الفأر؟

صعق أنور لقوله، كيف؟ كيف عرفت؟!

 

قال اللواء حسن الشاملي: بفضل فرقة من صغار المباحث، فرقة "أبو الأشبال" لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم.

فغر أنور الفأر فاه، وظهرت على ملامحه الدهشة.

 

من أبو الأشبال؟

لم يفهم، ولن يفهم أبدًا.

 

إن صبيَّين وصبيَّة وببغاء وكلبًا أوقعوا به كالغر الساذج، بعد أن دوخ البوليس الدولي أكثر من عشر سنوات، وهناك 12 دولة تطلب محاكمته، وسجنه، وربما إعدامه على جرائمه الكثيرة.

 

وانتهت أسطورة الفهد المصري على يد فرقة "أبو الأشبال" لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، انتهت تمامًا.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦


عضو جديد في الفريق

التف الجميع حول سرير عاطف في مستشفى الهرم، وقد بدأت صحته تتحسن؛ للعناية الطبية به، ورعاية الدكتور عادل له من بعيد.

 

شكرًا لكم جميعًا.

 

ابتسم أبو الأشبال، واقترب من عاطف، وأردف:

اسمع، أعرف حبك للمغامرة، ولكن أرجو أن تعلمك هذه التجربة ألا تتهور وتتخذ قرارات منفردة.

 

قال عاطف: كنت أريد أن تعلم - إن نجحت - أنني جدير بالانضمام لفرقتك.

تنهد أبو الأشبال بقوة، وقال: وأنت تستحق ذلك.

 

قال عاطف: حقًّا؟

قال أبو الأشبال: نعم.

 

قال عاطف: هذا أجمل يوم في حياتي، ودمعَتْ عيناه بدموع الفرح.

أخيرًا انضم لفرقة "أبو الأشبال"، وأصبح فردًا من الفريق.

 

أخذ خالد وقمر يصافحون "عاطف"، ويهنئونه، بينما نبح برق، ورفرف ظريف بجَناحيه وهو واقف على حامل السرير.

 

أما أبو الأشبال، فقد نظر من النافذة، ينظر للطريق، ويحدث نفسه.

 

لقد انتهت مغامرتهم الأولى على خير، وبنجاح منقطع النظير.

 

لقد طلب من اللواء حسن الشاملي أن يكتم خبر الفرقة عن الصحافة، وينسب الفضل له، ولمباحث أمن الدولة؛ فإن الشهرة سلاح ذو حدين، وهو يريد لفرقته أن تعمل في السر.

 

وتأمل حركة السيارات في شارع الهرم المزدحم دائمًا، وهو يسأل نفسه:

ترى، ما هي طبيعة المغامرة المقبلة؟ وأين؟ ومتى؟

 

لم يكن أبو الأشبال يدري أنها قريبة، قريبة جدًّا، أقرب مما يتصور.

 

تمت بحمد الله..



[1] مقابر أكتوبر: تقع في مدينة السادس من أكتوبر، على طريق الواحات.

[2] انظر صحيح أبي داود للألباني، حديث رقم/ 1239.

[3] أخرجه مسلم برقم / 367 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العلكة اللذيذة – قصة للطفل

مختارات من الشبكة

  • ماذا تعرف عن القبر؟ (7) أول ليلة في القبر، وأهوال القبور (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأسرة السعيدة بين الواقع والمأمول (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور الأسرة في علاج وتدريب الطفل المعاق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أسباب عذاب القبر ونعيمه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد تربوية لمائدة طعام الأسرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كتمان الأسرار الشخصية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة فقه الأسرة: الخطبة (1) أسس بناء الأسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سر الصلاح صلاح السر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سر من أسرار التكرار في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- سر مقبرة الأفاعي
عيسي الدوم - السعودية - جدة 29-05-2015 02:24 AM

جميله جدا ومثيرة ومشوقة كت أتمنى أن يذكر في طياتها وعلى وجه التحديد في القبر لو ذكر دعاء نزول المكان
مثل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق 3 مرات حتى لو لدغته الأفاعي لا تضره فهي جمله وحافظة ومثل بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .

والقصة جميلة وهادفه ومشوقة وذكرنا لما سبق لا يقلل من قيمتها وروعتها.

فالحق دائما منتصر بتكاتف الأخوة يدا بيد لنصرة الضعيف والمظلوم.

في كل وقت وزمان والله مع الحق دائما.

الله يعطيكم ألف عافية على هذه القصة المثيرة والهادفة.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب