عابد المال ( مسرحية شعرية للنشاط المدرسي المسرحي )

عابد المال

"مأخوذة من حكاية لتوفيق الحكيم بعنوان

"الناسك والشيطان" بتصرُّف"

المشهد الأول

"يُحكى أن مجموعة من الناس في بلاد بعيدة، نبتَت عندهم شجرة ضخمة، كانوا يجتمعون عندها دائمًا، ويَجلِسون تحتها، إلى أن عبَدوها، وجعلوها لهم ربًّا إلى أن جاء يوم":

الشيطان (داخِل الشجرة):

سجودًا أيُّها البررة إلهكمُ أنا الشجَرة أُمتِّعكم وأمنحكُم رضاي، فعاقِروا خمره

"يسجد الجميع، المكان يعبق برائحة البخور، يَتناول كلٌّ كأسه الذي ظهر فجأة أمامهم"

يقف أحدهم رافعًا يدَيه:

أحدهم:

إلهي... واملأ الدنيا دنانيرًا من الذهب

آخر (يفعل فعله):

وأكثرْ في مراعينا فُنونَ اللهوِ والطرب

"يَخرج كاهن من خلف الشجرة، يُطلِق البخور، يدور على الجميع"

الكاهن:

تمتَّع أيها الإنسان فلا بعثٌ ولا ميزان خلودٌ إنها الدنيا خلودٌ أيها الحيران

الشيطان: "يقفر مِن فوق الشجَرة"

يموت إلهكم يومًا ليبقى بعده الشيطان فهيَّا ارقصوا غنُّوا وألقُوا الهمَّ والأحزان

"يتراقَص الجميع في دائرة يتوسَّطُهم الشيطان وهو يتمايَل ويَنثُر الذهب فوق رؤوسِهم"

يُردِّد ويُردِّدون وراءه

عبدي عليَّ تمنَّى هذه ثماري جنَّة بالمال قُم وتغنَّى واجعل لعيشِكَ معنى

"بينما هم في هياط ومياط، يَنتفِض الشيطان فجأة وينسلُّ مِن بينهم دون شعورهم، ويلحَق به الكاهن، يظهَر عابد المال حاملاً فأسه من بعيد، يتقدَّم رويدًا رويدًا وهم على حالِهم إلى أن يَصِل".

عابد المال:

خَسِئتم أيها الكفرة نسيتم أنها شجَرة وخالقنا ورازقُنا إله الكون! مَن ذكَره؟ وهذا البَرُّ، هذي الشمس هذا النُّور من قدره؟

هباءٌ خلَقها؟ قولوا

"لا مُجيب"      فُتِنتم أيها الفجَرة

"يتَّجه إلى جذع الشجرة":

وباسم الله ناصِرُني سأقطَع هذه الشجرة

"يهوي على الساق بفأسِه، يَخرُج له إبليس في صورة رجل شَفوق"

الشيطان:

مكانك أيها الرجُل أيُقطَع مورِقٌ خضِلُ

عابد المال:

وفيه الكُفر بالله وأتركُهُ لهم؟

الشيطان: جَهِلوا

دع الأشرار تعبُدها ولا تَحفل بما عملوا

عابد المال: عجيبٌ أيُّها النَّذل

أنترك دِين خالقِنا ونَعبُد ما هو الزلل؟

الكاهن (يظهَر وقد تجرَّأ):

أحرار يا هذا، فافهَم ارجِع عن غيِّك تسلَم

الشيطان:

لن تسمَع صوتك أوثانٌ عبدَت دينارًا... بل دِرهم

انظر... يا قوم.... دَنا الثمرُ

"يَنثر الذهب فيُسرِع الجميع لالتقاطه

حجُّوا للربِّ الأعظم

الجميع:

ذهبٌ ذهب ذهب ذهب

الكاهن: كل الأقوام به ذُهِبوا

الشيطان: فهو العقل

الكاهن: وهواللُّبُّ

الشيطان: وهو الدنيا

الجميع: وهو الربُّ

ذهبٌ ذهب ذهب ذهب

عابد المال:

سكوتًا أيها الكفَرة أرى الشيطان في الشجرة

سأقطعها... سأَحرِقها...

الكاهن: ........     كلامٌ فارغٌ

عابد المال: سترى.. "يهوي عليها بفأسِه".

الشيطان "متصديًا له":  مكانك....

الكاهن   "مُتصديًا أيضًا": إياك.

عابد المال: (يَلكُم الأول ويتبعه الثاني فيَسقُطان أرضًا ويُمسِك بقرني الشيطان والكاهن تحته" خُذ.

الكاهن: ......    ... دَعني..... أنا حشَرة

الشيطان: بربِّك فلتدع قرني       .. بربك... اقطَعِ الشجَرة

عابد المال: "وقد هرب جميع الناس، يُطلِق الكاهن ويَجثُم على صدر الشيطان رافعًا فأسه"

رأيت القوة العُظمى بفضلِ الله والإيمان. سَأصرَع كل شيطان إذا أغوى بني الإنسان

الشيطان:

سألتُك بالذي أعطا ك غُفرانًا مع الإيمان

فدَعني.... واقطع الأشجار، لا تَبغي على بُهتان

"يتركه ويذهَب لقطعِ الشجرة، يَنفلِت الشيطان، يقف والكاهن بعيدًا يحُثَّان التراب على رأسيهما كلما أهوى بفأسه على الساق... يتعَب عابد المال... يَقِف ويقول.

عابد المال: تعبتُ اليومَ لن أقوى على قَطعِك

سأَرجِع في غدٍ أَجتثُّ أرض الشِّرك مِن جذرك

ولن يرتاح لي بالٌ إذا أُبقي على مُشرِك

"يَحمِل فأسه وهو يتصبَّب عرقًا، ويعود أدراجه بينما يُسدَل السِّتار"

المنظَر الثاني

"نفس الشجرة والمكان، عابد المال يضَع زاده في ناحية، ثم يأخذ يَهوي بفأسه على الساق ويبدأ في قطعه... يَظهر له الشيطان".

الشيطان: وعُدتَ لتقطَع الشجَرة

عابد المال (غير مُلتفِت إليه):  نعم لا بُدَّ أقطعها.

الشيطان: وتقهَرُني... وتَغلِبني..

عابد المال: وباسم الله أبدؤها   .....   (يُلقي بفأسه ويتوجَّه للشيطان).

الشيطان: فقاتِلني .... وصارِعْني..

عابد المال (يَهجُم عليه):   أجل.. خُذ (يلكمه بقوة).

الشيطان: أَي

عابد المال (يُثنِّي بضربة أخرى): وخُذ

الشيطان (مُتدحرِجًا على الأرض):  أو ها

"يَجثُم عابد المال على صَدر الشيطان"

عابد المال: وما رأيُك الآن في قوَّتي؟

الشيطان: عجيبٌ وربّك هذا القدَر

فدَعْني... وأخلِ سبيلي إذا قطعت الشُجيرةَ نِلتَ الوطَر

عابد المال (وقد فَطِن): حقًّا.... حقًّا... أين الفأسُ.

يا ربِّ أعنِّي

"يهوي بفأسه على الساق، بينما يتأوَّه الشيطان الذي لمعَت له فكرة"

الشيطان: لا تَقسُ

ارجِع عن عزمك يا رجل.

"يَنظر إليه عابد المال شزرًا"    أعني... ارتَح.

عابد المال: لا بأس.

لا بُدَّ سأَقطعُ هذا الشرَّ

الشيطان: لن تفعل هذا

عابد المال "مُتحديًا وقد انبَرى له":  لا بأس.

الشيطان:

دع عنك يا هذا التعَب وانظر لنفسِكَ.... لا تُجِب. ستعيشُ في دعةٍ إذا طاوعتَني سترى العجَب

" يُخرِج صرةً من ذهب":

في كل يومٍ صُرَّةٌ مُلئت أساورَ مِن ذهب تحت المخدَّة إن دنا صُبح ستلقى ما تُحب

عابد المال:

في كل يوم صُرةٌ مُلئت أساور مِن ذهَب تحت المخدَّة إن دَنا صُبح سألقى ما أُحب!!

ومَن يَضمن الشرط إن خُنتَني؟

الشيطان: أُعاهد... إني صدوق وفيٌّ

عابد المال: وهل لك عهدٌ؟ وهل منكَ صِدقٌ

فبيني وبينك يا نحسُ فَرق

الشيطان: فجرِّب....

عابد المال: أكون خليلاً لإبليس... إنِّي

الشيطان: .... فجرِّب نصوحًا يرقُّ

وعند الامتحان يُهانُ قومٌ ويُكرَم آخرون ولا تُعقُّ

عابد المال (لنفسه): نعم... سأُجرِّبُ الشيطان حتى يذوق مرارة الخُسرانِ مني

"ثم يَلتفِت إلى الشيطان": تُعاهدني؟

الشيطان (فَرِحًا): أُعاهدك.

عابد المال (مُتقدِّمًا إليه): فبايعْني.

الشيطان: أُبايعك.

الاثنان "يتصافَحان ويُعانِقان بعضَيهِما البعض":   اتَّفقنا.... اتفَقنا..

ستار

المنظر الثالث

"عابد المال في حُجرته... يستلقي في فراشه، يسمَع أذان الفجر، يتمطَّى، يتثاءب ويتكلم مُتثاقلاً".

عابد المال

نَسيتُ مشقَّة العمل وفُزتُ بلذَّة الكسَلِ كأني بالفقير إذا يجوعُ يقول يا أَجَليِ

"يُخرِج الذهب":

فهذا العسجدُ السِّحريُّ أُنفقه على مَهَلي ومُت يا فقرُ للأبد فإني عنك في شُغُل

عظيم أنت يا إبليس

"يدسُّ تحت المخدَّة يدَه":

هاتِ المالَ في عَجَلِ

"لا يجد مالاً"

وأين المال؟

"يظهر إبليس مُقهقهًا مُتشفيًا".

......   يا وقح... قطعتَ الرفد بالحِيَلِ

وأين العهدُ؟

"ينفجر ابليس بالضحك بينما يُجَنُّ جنون عابد المال ويُمسِك بالشيطان يهزُّه"

خبِّرني....

الشيطان: ........ حقير أنتَ يا خلِّي

عابد المال   "يَجري إلى فأسه مُهدِّدًا متوعدًا":

سأقطع كل ذي غُصن ولا أُبقي على ظِلِّ

"يهجم على الشيطان"

وهذا الفأس أغرزها بقلب الفاجر الغِلِّ

الشيطان "وقد أمسك بالفأس":

مكانَك أيها البطل وصلِّ الصُّبحَ في العصر أتقطعها لأنك لم جد ذهبًا وما يُغري

عابد المال:

خسئتَ.. فما أُريد سوى مقاومة الأذى السِّحري أُزيل الشر من أرضٍ لأغرس عُنصر الخَير

الشيطان وتَقدِر أنت يا هذا؟

عابد المال: وتهزأ بي...!

الشيطان (فخورًا): ولا تدري

وعفوًا.... لا تؤاخذني فمَنظرُك الذي يُزري

يُثير الضحك يا صاحِ

عابد المال "وقد استفز":  فخُذ يا جيِّد المَكرِ

"يهوي بفأسه على رأس الشيطان"

الشيطان: أَيْ

عابد المال (مُكرِّرًا)   خُذ

الشيطان "ينزع الفأس من يده ويَضرِبه بها":

خُذها منِّي أنت الإنسان أنا الجنِّي

"يتلوَّى عابد المال من الألم، بينما يَجلِس الشيطان فوق صدره".

وسأَجلِس مزهوًّا، إني     فَرِح طَرِب... سأُغني

"يُغني":

يا من تتحرَّش بي دومًا أتبيع الدينَ بدينار اترك عُبادي أحرارًا يَصلَون معي حرَّ النارِ

"ينسلُّ العبَّاد، يتحلَّقون حولهما"

عابد المال "مِن تحت الشيطان، كليلٌ ضعيف":

سامِحني.... أنت المُنتصِر لا تُكثِر لوم المنهزم.

الشيطان (يكاد يخنقه):

اترك عُبَّادي أحرارًا يَصلَون معي حرَّ النار

"ويتقدَّم الكاهن، يَركلُ عابد المال قائلاً"

الكاهن:

لن تقدر بعد اليوم على         كَيدِ الشيطان.

عابد المال: ...... فوا ندمي

سامِحني... سامِحني...

أحد العُبَّاد:    ............. فلنَنتقِم.

ثان:     سُحقًا، سُحقًا للمُنهزِم.

"يستمرُّ الركل من الجميع، يقوم الشيطان عن صدره، متوجِّهًا إليه"

الشيطان: لما غضبتَ لربٍّ كنتَ تعبُده    قاتلتَ للدِّينِ، لا للمعدن الذهبي

كان انتصارك للتوحيد يَهزِمني   حتى ليوردَني في مورد العَطَبِ

"يتململ عابد المال... بينما ينسحب الشيطان فاسحًا المجال للعُبَّاد".

أحدهم: قد بعتَ دينك بالدراهم طائعًا.

ثان: ...... ونسيتَ ذِكر الله.

الكاهن: ....... يا عجبي

الجميع:   لمَّا غضبتَ لربٍّ كنتَ تعبُده    قاتلتَ لله، لا للمعدن الذهبي

كان انتصارك للتوحيد يَهزمنا   حتى ليوردنا في مورد العَطَبِ

"يُحاول أن يقوم فلا يستطيع، يبكي ندمًا.... يُجرجر نفسه فيصل إلى ماله"

عابد المال: لمَّا غضبتُ لنفس كنت أعبدها       قاتلتُ للمال لا لله والدِّين

إني جهلتُ، نسيتُ اللهَ وانقطعَت               أوصال قوَّته عن عبده الدُّونِ

"يُلقي بماله"     لا عاش مالي إن كانت عواقبُه  وردُ الهلاكِ ولا عاشَت ملاييني

ستار الختام