• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

الجائزة (قصة قصيرة)

الجائزة
إبراهيم عبدالعزيز السمري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2011 ميلادي - 25/11/1432 هجري

الزيارات: 15037

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجائزة

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب "الألوكة" الثانية)

 

ما كان ليصدِّقَ نفسَه حين مسَّت البشرى شغافَ قلبه، وعزف الخبر على أوتارِ مسامعه، لولا أن رأى زملاءه يهرعون إليه، تتلألأ بالفرحةِ أعينُهم، وتشرق بالبهجة أساريرُ وجوههم، وتلهج بالتهنئةِ ألسنتهم، وتبارك في غبطة أيديهم الممدودة للمصافحة.

 

اغرورقت بالدُّموعِ عيناه اللتان طالما تطلعتا في شوقٍ ذائب إلى هناك، واخضوضرت روحُه المقفرة التي أمضَّها الشوقُ واللهفة إلى السقيا من غيثِ تلك البقاع النورانية المقدسة.

 

ساءل نفسَه في دهشة:

• أحقًّا ما سمعت؟! أفي يقظةٍ أنا، أم في أحلام الكرى؟! أبهذه البساطةِ يتحقَّقُ حلم كنت أظنه بعيد المنال؟! كم أنت عظيم يا إلهي! كم أنت كريم ورحيم بعبادك!

 

خرَّ ساجدًا شاكرًا لأنعمِ ربه، غاب عن الوجودِ حينًا من الوقت، مستغرقًا في سجودِه يتمتم بدعوات كأنما أعدَّها لمثل هذا اليوم، أفاق من نشوةِ عبادته ليجد زملاءه قد انفضوا من حوله، وعاد كلٌّ إلى عمله، كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانيةِ بعد الظهر، أدرك أنَّ فترة خدمته قد انتهت، لم يتركْ موطنَ العمل إلا بعد أن اطمأنَّ من وجود من ينوب عنه في الخدمة، استأذن في الدخولِ على المأمور ليشكرَه على عظيمِ معروفه؛ إذ كان سببًا مباشرًا في ترشيحِه لهذه المنحة الكبرى والجائزة العظمى.

 

قال بعد أن أدَّى التحية، والسعادة ترقصُ على أساريرِ وجهه:

• أشكرك يا سيدي، صنيعك هذا لن أنساه ما حييت.

 

اعتدل المأمورُ في جلستِه، ثم قال وعلى ثغره ابتسامة هادئة:

• ليس لي فضلٌ أيها الرجل الطيب في هذه المنحة، إنما الفضلُ لله الذي وفَّق مديرَ الأمن لاختيارِك؛ ثم لك لأنك بالفعلِ تستحقها، وأجدر الناس بها، وإلا لما اختارك الله لزيارةِ بيته.

 

• أحقًّا يا سيدي أنَّ هذه الرحلة علامةٌ على محبةِ الله لي ورضائه عني؟!

 

• وهل تشكُّ في ذلك؟! أنت رجلٌ طيب محبوب من رؤسائك وزملائك، ومجتهد في عملِك، وتتقي الله في سلوكِك، فلم لا تكون هذه الجائزة علامةَ رضًا ومحبة من الله لك؟!


• أشكرك يا سيدي فلولاك ما تحقَّق حلمي.

• بلِ اشكرِ الله الذي وفَّقك إلى حسنِ طاعته يا حاج "مصطفى".

 

أدَّى التحيةَ ثانية واستأذن في الخروجِ، لعله يطير إلى أهله فيثلج صدورَهم بهذا النبأ السعيد، مضى في طريقِه يحث الخطى ويقولُ في نفسِه:

• لقد جاءت الجائزةُ في الوقت المناسب، لَكَمْ تمنيتُها، ولكم دعوتُ الله أن يمنَّ عليَّ بها! وها هو الأملُ المرجوُّ يتحقق، وها أنا ذا على مشارفِ الرِّحلة إلى الأرض المقدسة؛ إلى الرِّحابِ الطاهرة، إلى البيت العتيق، إلى مثوى الرَّسولِ الأعظم، إلى مهبطِ الوحي ومبعث النور، إلى مهوى الأفئدةِ والأرواح، إلى حمى اللائذين والعائذين.

 

أشكرك يا إلهي على كلِّ نعمة أنعمت بها عليَّ، وأوليتني إياها، لك الحمد يا وليَّ النعم.

 

وصلَ البيتَ في خفةِ النسيم، ورشاقة العصافير، وقلبُه مفعم بالبهجةِ، ووجهه مشرقٌ بالغبطة، تلقَّت العائلةُ البشرى النديَّة بقلوبٍ ظامئة إلى السَّعادة، فوقع الخبرُ من نفوسِهم موقع الماء من ذي الغلة الصادي، تلألأ البيتُ بأضواء الفرح، وانتصبت في سمائه سحائبُ الرِّضا، وقناديل الهناء.

 

أحسَّ برغبةٍ ملحة في أن يخلو إلى نفسِه بعضًا من الوقت، دخل حجرتَه، استلقى على سريرِه، ألقى بنفسِه في مهب رياح الذكريات؛ عساها أن تحملَه إلى بعيد؛ حيث الطفولة البريئة والصبا الناضر، والشباب المزهر، هنالك تداعت إلى رأسِه الذِّكريات، ولاحت لعيني خيالِه صورةُ الماضي الأليم، تذكَّر يومَ أن تركه شقيقُه الأكبر في موقفٍ عصيب، راحلاً إلى بلادٍ بعيدة، هاربًا من كلِّ التزام، متنصِّلاً من كلِّ مسؤولية تجاه أسرته.

 

كان "مصطفى" آنذاك طالبًا في المرحلةِ الإعدادية يحتاجُ إلى من ينفقُ عليه، فضلاً عن والديه المريضين اللذين كانا في أمسِّ الحاجة إلى الرِّعايةِ والحماية، آثر والديه على نفسِه، لم يجد بدًّا من تركِ التعليم والبحث عن عملٍ يعينه على مسؤوليتِه الجديدة، اجتهد وبذل ما في وُسعِه من جهد، كان حريصًا على ألا يدخل بيتَه مثقالُ ذرةٍ من حرام.

 

دبَّتِ الحياةُ من جديد في أوصال الوالدين، وأُبْرِئَ كلاهما من مرضِهما، وتطلَّعَ الشابُّ الوقور إلى الزواج، لكنَّه بسبب ضيق ذات اليد من جهة، ورغبته في التقربِ إلى الله من جهةٍ أخرى آثر الزواجَ من امرأةٍ أرملة معها طفلان لم يتجاوز أكبرُهما السنوات الخمس.

 

غدا للطفلين أبًا حنونًا، ولأمِّهما زوجًا رؤومًا، ولوالديه ابنًا بارًّا رحيمًا، وعندما أنجبت له زوجُه أبناءه الثلاثة لم يفرِّق في المعاملةِ بين أحدٍ من أولادها الخمسة، ظلت السعادة ترفرفُ بجناحيها حول هذه المملكةِ الصغيرة حتى أشار عليه بعضُ قرنائه بضرورةِ الالتحاق بوظيفةٍ حكومية، فلم يجد أمامَه سوى وزارة الداخلية، قدَّم مسوغاتِ تعيينه، وما هي إلا أسابيع قلائل حتى تسلَّمَ عملَه كشرطي في إدارةِ المرور.

 

بدت الحياةُ في ظلِّ الوظيفة كئيبة، الراتب الشهري يلفظُ أنفاسَه الأخيرة في اليومِ العاشر من كلِّ شهر، كل ضرورات البيت من اليوم العاشر إلى آخر الشهر على النُّوتة، لفحته الحياةُ بهجيرِها وسعيرها، ولطمته بشظَفِها وقحطها حتى ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت، وما أشد ألمه حين يرى ابنًا من أبنائه يتطلعُ إلى ما في أيدي أولادِ الجيران ثم لا يجدُ إلى الوصولِ إليه سبيلاً، كم تاقوا إلى اللحمِ وإلى أنواعٍ عديدة من الفاكهة، بيد أنَّ راتبَه لم يسعفه في تحقيقِ مآربهم، فلا يملك حينئذٍ إلا أن يوصيهم بالصبر.

 

زاره أحدُ زملائه ذات مرة فرأى شظفَ العيش، ومرارة الحرمانِ يضربان بأطنابهما في البيت، فسأله في عتاب:

• ما هذه الحياةُ الجدباء التي تعيشُها يا صديقي؟!

 

أجابه - وفي حلقه غصَّة، وفي صدرِه تغلي مراجلُ الحزن والأسى -:

• إنها الحياةُ في ظلِّ الوظيفة يا صديقي، لو تعلم كم فكرتُ في تركِ العمل الحكومي الذي ما ذقتُ من ورائه سوى البؤسِ والشقاء والحرمان.

 

• وماذا تعملُ بعد أن تتركَ وظيفتك؟

• أعملُ في القطاعِ الخاص!

 

• وماذا تعمل في القطاعِ الخاص؟ بائعًا في أحدِ المتاجر؟ خفيرًا على إحدى العمارات؟ أم عاملاً في المعمار؟ كل هذه الأعمالِ لا تليقُ بك، ستكون خادمًا وعبدًا لكلِّ مَن يوليك نعمته، أما أنت في وظيفتِك فسيد نفسِك، وهب أنك مرضتَ هل أصحابُ هذه الأعمال يستطيعون أن يتحملوك في مرضِك؟ إنهم لا يعرفون الرَّجلَ إلا إذا كان بكاملِ قوته، أما إذا مسَّه نصَبٌ أو وَصَبٌ تنكروا له، وربما تخلَّصوا منه، ونفضوا من سيرتِه أيديَهم.

 

• كلامك صحيح، ولكن...!

 

قاطعه في حزم:

• ليس هناك لكن، إنَّ في يديك ثروةً يجبُ أن تحسنَ استغلالَها.

• كيف؟!

• لا عليك، ولكن موعدنا الليلة بعد العشاءِ عندي في البيتِ لأشرحَ لك كيفية استغلال هذا الكنز.

 

مضى الضيفُ إلى بيته تاركًا زميله يفكِّرُ فيما دار بينهما من حديث، وفي الليلةِ التالية ذهب "مصطفى" إلى بيتِ زميله، وبعد تجاذبٍ لأطرافِ الحديث فيما بينهما فهم "مصطفى" أنَّ ثمة خدمةً ليلية أجرها كبير، وعليه أن يستثمرَ طاقتَه ويعد نفسَه لهذه الخدمةِ الليلية مع زملائه.

 

وفي ليلةٍ جفا سماءها القمرُ، وتجهمت في فضائها النُّجوم، خرج "مصطفى" مع ثلاثةٍ من زملائه يرتدون زيهم الحكومي، وقد أقنعوه بأنهم في عملٍ رسمي، وبسبب طيبتِه البادية في سيماه، وسذاجته المعهودة عليه صدَّقهم، وبذل ما في وسعِه لإرضائهم حتى يأخذوه معهم كلَّ ليلة، نصبوا أمتعتَهم ووسائلهم على الطريقِ في موضعٍ خلا من العمران، وطفقوا يوقفون السيارات القادمة من القاهرةِ والمتجهة صوب الإسكندرية، ظنَّ السائقون بأنها لجنةٌ مرورية تبحثُ عن المخالفات، وكان على المخالفين منهم أن يبسطوا إليهم أيديَهم بما فرض عليهم من إتاواتٍ أو إكراميات، وإلا سحبتْ منهم رخصُ القيادة ورخص السيارات، وحرِّرت ضدهم مخالفات لا حصرَ لها.

 

بعد منتصف الليل انتهت خدمتُهم المزعومة، وعادوا أدراجهم بعدما تقاسموا فيما بينهم حصيدَ ليلتهم، آب كلُّ طائرٍ إلى وكره في هدوء كأنَّ شيئًا لم يكن، رجع "مصطفى" إلى بيتِه في تلك الليلة منشرح الصدر، قرير العين، واثق الخطى، ولم لا؟ ألم يكن نصيبُه في ليلةٍ واحدة يفوقُ راتبَه الشهري؟!

 

تعاقبت الليلاتُ، وتوالت الخدمات، وبات الرِّفاقُ لا يثبتون على طريق، كل ليلة في مكانٍ مختلف عمَّا قبله، بدا أثر الثراء عليهم وبخاصة زميلهم "مصطفى" الذي رقت حواشي بيته الجديب، وازدهرت مرابعُه بعد قحطٍ طال مكثه حتى كاد أن يأكلَ جدرانه، وفقر كاد يلتهم أهلَه، نضرت الوجوه، ولانت الأجساد، وامتلأت البُطون، وناءت الثلاجةُ بما تحملُه من ألوانِ اللحوم وأصناف الفاكهة الطَّازجة، وانتصب التلفازُ على خوان فاخر كبير، وازدهت الحوائطُ بألوانِها الزيتية القشيبة.

 

لم يعكر صفوَ هذه الحياة النَّاعمة المنسابة كخريرِ الجدول العذبِ إلا صرخة أطلقها ذات ليلةٍ فيما هو خارج من حمام البيت، هرع الجميعُ إليه فإذا به ملقًى على الأرضِ، وقد شُدَّ إلى وثاقِه لسانُه فلم يعد قادرًا على الكلام، وتشنجت في لحظةٍ أطرافُه فلم يستطع الحِراك، تنقلوا به من طبيبٍ إلى طبيب، وتوالت الاستشارات، لكن أحدًا لم يستطع أن يشخصَ حالته فيما هو مفتحة عيناه ومصغية أذناه، يرى ويسمعُ لكنَّه عاجزٌ عن الوصفِ باللسان أو الإشارة.

 

في سكونِ الليل تهجع الأطيار، وتنام أعينُ السمار، وتهدأ الشوارعُ والطرقات إلا من زفرة حشرة، أو مُواء هرَّة، أو نباحِ كلب يتردَّدُ صداه من بعيدٍ في غياهب الدجى فيمزق بين الحين والحين حجابَ الصمت البهيم، لكنه ظلَّ ساهرًا مستيقظًا برأسه، يصرخ من أعماقِه كلَّما برح به الألم، ويضرعُ إلى ربِّه بلسانِ قلبه أن يكشفَ عنه ضرَّه.

 

ظلَّ طريحَ الفراش ستة أشهر حتى اضطرت العائلةُ إلى بيعِ أثاث البيت والأجهزة الكهربائية؛ كالثلاجةِ والتلفاز والمسجل حتى الملابس الجديدة بِيعت في سبيلِ معالجة رب الأسرة، ولكن دونما جدوى.

 

ذات ليلة أخذته سِنةٌ من النوم فرأى شيخًا وقورًا، ذا وجهٍ مشرق، ورأسٍ مستدير، وشعرٍ أبيض، ولحيةٍ بيضاء، وعينين صافيتين لامعتين، وفمٍ عريض، وأنف متناسق مع وجهه المستطيل يربت على كتفِه في حنان، ويقول:

• ها أنت توشكُ على التحرُّرِ من قيدِك.

 

ردَّ عليه بلهفة:

• من أنت؟ وماذا تعني؟

• لقد أدخلتَ على أهلِك مالاً جمعته من غيرِ حلِّه، فلن تبرأ حتى ينفقَ على مرضِك مقدار ما جمعته!

• أي حرام تقصد؟

• أنت تعرفُ ما أقصد، سترد إليك عافيتك ولكن لا تعدْ إلى ما كنتَ عليه.

 

استيقظ "مصطفى" فإذا بصوتِ المؤذن يصدحُ بأذان الفجر، فهب ناهضًا من رقدتِه، وإذا بجسدِه يطاوعه، قام واقفًا وخرج من حجرةِ نومِه متجهًا نحو الصالة، فوجد في جسدِه خفةً كأنما نشط من عقال، نادى على زوجِه وأولاده كي يستيقظوا لصلاةِ الفجر، فإذا بصوته قوي شجي، فسجد شكرًا لله.

 

استيقظ كلُّ أفرادِ العائلة، وأقبلوا إليه فرحين يهنئونه على شفائه، قصَّ عليهم قصتَه والرؤيا التي رآها في منامِه، حمدوا الله على نجاتِه من السُّقوطِ في هاويةِ الحرام، ونصحوه بألا يخرج ثانية مع أولئك الرِّفاقِ، حتى وإن عضَّهم الجوع، وطحنهم الدَّهرُ بكلكله.

 

كان عليه أن يكيفَ حياته على قدرِ راتبه، ويعيدَ الدفةَ من جديدٍ إلى ما كانت عليه قبل الصعودِ إلى الهاوية، تنازل عن كلِّ الكماليات، وأعانته على هذه الحياة العجفاء الخشنة زوجٌ صبور، تتقي الله في زوجِها وأولادها.

 

مرض والدُه المسنُّ، فكان يقتطعُ من قوتِه وقوت أولاده كي يوفرَ له الدواء، اشتاق أبوه ذات يوم صيفي قائظ إلى التفاح، الحَرُّ شديد، والرطوبةُ العالقة في الجوِّ تكتم الأنفاس، والفقر قيد في الرِّقاب، ومذلة في النَّفسِ، فلا يستطيع أنْ يعد التفاح، ذهب إلى عملِه، طلب سلفةً على راتبه، لكن رئيسَه المباشر لم يوافق عليها لكثرةِ ديونه، خرج من عملِه في الثانية بعد الظُّهْر متأفِّفًا ضجرًا، حزينًا مَكْروبًا، كيف له أن يعودَ إلى أبيه خاوي الوفاض؟! والإنسان في شيخوختِه كطفلٍ صغير لا يعرفُ الأعذار، ركب الحافلةَ من عملِه إلى بيته شارد اللب، مكروب النفس، يقول في نفسِه:

• لن أعودَ إلى البيتِ قبل أن أشتري التفاحَ لأبي، ولكن من أين آتي بثمنِه؟! أيرضى أحدُ زملائي أن يقرضني بعد أن أبلغتُ عنهم، وكنت سببًا في توقيعِ الجزاء على نفسي وعليهم؟

 

حقيقة أنا لم أفعل ما فعلتُ إلا من قبيل الحرصِ عليهم، كل ما كان يهمني أن أحميَهم من نفوسِهم الجشعة الطاغية، لا بد أنهم راجعوا أنفسَهم وحاسبوها وتبين لهم صدق نيتي، ولكنهم قاطعوني في العملِ، فلو كانت نفوسُهم صافية من جهتي ما قاطعوني، إنهم يهربون مني كلَّما اقتربتُ منهم، لا، لن أذهبَ إليهم، ولكن ما السبيلُ يا رب؟ لقد أوصدت دوني الأبواب، ولم يبق لي سوى بابك، فلا تردني خائبًا، تحدرتْ دمعتان ساخنتان على وجنتيه، فأطرقَ برأسِه كيلا يراه أحد، ربت الشيخُ الجالس إلى جوارِه على كتفِه في حنان، وقال في هدوء:

• هوِّن عليك يا أخي، ودع الأمر لله.

 

ثم مدَّ إليه يدَه بمبلغ من المال، وقال له:

• خذ هذا المبلغ، وأحضرِ التفاحَ الذي طلبه أبوك، ولا تيأسنَّ من رحمةِ الله.

 

هنالك جحظت عيناه، التفت إلى الرجلِ، فإذا هو نفس الرجلِ الذي رآه في منامِه في آخر ليلةٍ من مرضه، أُلجم لسانُه من هولِ المفاجأة، وتسمَّر في مقعدِه كأنما شُلَّت من جديد جوارحُه، غادر الشيخ مقعدَه في هدوء ونزل من الحافلة، بعد لحظات تحرَّكت أعضاؤه، وانطلق لسانُه ينادي على السائقِ يدعوه إلى الوقوف، نزل بسرعة كي يلحقَ بهذا الرجلِ ليسأله مَن يكون؟ وكيف علم بما جعله مهمومًا مكروبًا؟!

 

لكنه حينما نزل لم يجد أحدًا أمامه على مرمى بصره في كلِّ الاتجاهات، وضع المالَ في جيبه واتجه إلى السوقِ ليشتري التفاحَ الذي طلبه أبوه، وعاد إلى البيت والدهشة منقوشة على ملامحِ وجهه، يقول: سبحان الله! قادر وغيره لا يقدر!

 

أحسَّ ببردِ اليقين يسري إلى قلبِه، وتسربلت نفسُه بسربال الثقة، وأيقن بأنَّ الله معه، فتعلق قلبُه منذ ذلك الحين بربه، وأصبح لا يتوقفُ عن الدُّعاءِ لسانُه، ولا ينقطع عن الذِّكرِ قلبه، ولا تسأم من العبادةِ روحُه.

 

هدأت رياحُ الذكريات، وانتبه من شرودِه على صوت البابِ يقرع برفق، التفت فإذا بزوجِه الرؤوم تطلُّ عليه كأنها الشمسُ في وضاءتها، والبدر في صفائه، والنسيم العليل في رقته، قطعت عليه خلوتَه لا لشيء إلا لتذكرَه باقترابِ موعد صلاةِ المغرب، هبَّ من رقدتِه، حيَّاها بابتسامةٍ حنونة، وقام يتوضأ، خرج لأداءِ الصلاة في المسجد منشرح الصدر، راضي النفس، هانئ البال، يجد في قلبِه حلاوةَ الإيمان، سمع الإمامَ يقرأ قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر : 31]، فانهمرت دموعُه، حتى إذا ما انتهى من صلاتِه خرج يقولُ في نفسِه ويردِّدُ: حقًّا، صدق ربي: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسماك المجارير (قصة)

مختارات من الشبكة

  • عيد الفطر.. يوم الجائزة وموقف الجائزة(مقالة - ملفات خاصة)
  • الهند: الدكتورة هيفاء شاكري تنال جائزة رئيس الجمهورية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة عيد الفطر للعام 1439هـ الأنفس الفائزة بيوم العيد يوم الجائزة(مقالة - ملفات خاصة)
  • حفل توزيع جوائز مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي وجوائز العروة الوثقى(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • يوم الجائزة(مقالة - ملفات خاصة)
  • الجائزة الأدبية وصناعة الاعتبار(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المدينة المنورة: تكريم الفائزين بجائزة نايف بن عبد العزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية في دورتها 12(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أخبار التراث والمخطوطات (61)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • ألمانيا: عمدة مونستر يحصل على جائزة المعهد الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مركز دنفرملاين الإسلامي يفوز بجائزة أفضل برنامج توعية(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
3- الحج أعظم جائزة
د. جمال العراقي - مصر 26-10-2011 01:00 AM

حقيقة ليس هناك جائزة أعظم من جائزة الحج تلك الجائزة التي لا يشعر بها ولا يتذوقها إلا المتلهفون والمتشوقون إليها، كانت هذه الجائزة تتويجا للبطل على الأعمال الصالحة وبره بوالديه والتفاني والإخلاص في عمله، وأفضل شيء صنعه الكاتب أن جاء بالجائزة أولا لتشويق القارئ ثم ساق الكاتب بعد ذلك التبريرات التي جعلته جديرا بهذه الجائزة.
قصة رائعة وأتمنى للكاتب المبدع الأستاذ إبراهيم السمري مزيدا من التقدم والرقي في هذا الفن الأدبي الرفيع.

2- شكر واجب
إبراهيم عبد العزيز السمري - مصر 24-10-2011 01:17 PM

أخي الناقد المبدع، والأديب البارع الأستاذ/ الهاشمي الحسين.
تحياتي إليك وأشكرك على جهودك الرائعة المنطلقة من حرصكم على تطوير فن الأقصوصة لدي، وإنه لشرف لي أن تخص كتاباتي بهذا الاهتمام دون غيرها، ولعل القلوب ـ كما يقولون ـ عند بعضها، إذ إنني تمنيت منذ أول تعليق لك على قصة المسافر أن تنظر إلى بعض أعمالي كي يتسنى لي الوقوف على أرض صلبة في هذا الوادي العريض.
وأحب أن أنوه أن قصة الجائزة سبقت قصة جفاف المشاعر في الكتابة تاريخيا ولكنني أرسلتها متأخرة، ولي قصة أخرى كتبتها هذه الأيام وأرسلتها إلى الألوكة وأتمنى أن تنشر حتى تنال حظها من توجيهك المبارك، ونقدك الدقيق القائم على العلم المستوحى من المناهج الحداثية كالبنيوية والسيميولوجية، والتفكيكية، ونظرية التناص، تلك المناهج التي أعترف بأني قصرت في القراءة لأتباعها، وظللت أكتب القصة على طريقة يوسف السباعي، ويوسف إدريس، ويحيى حقي، وإبراهيم أصلان وغيرهم.
أشكرك مرة ثانية وأتمنى أن يجمعنا لقاء تحت مظلة الألوكة.
والشكر موصول لأهل الألوكة الكرام الذين أكن لهم كل تقدير واحترام على منحهم هذه الفرص الذهبية لتطوير أعمالنا الأدبية.

1- "الجائزة"أو جواز "المسافر" عن"جفاف المشاعر"
الهاشمي الحسين - تونس 24-10-2011 09:46 AM

قراءة نقديّة في قصّة الجائزة لمحمد إبراهيم السّمريّ:
إلى اعضاء أسرة الألوكة تحيّة تقدير واحترام لما حقّقتموه من تواصل وتبادل في الكتابة القصصيّة بين محاولين كثر عبر أنحاء هذه البلاد العربيّة الإسلاميّة الشّاسعة وبعد:
فقد آليت على نفسي أن أهتمّ بكتابات الأديب إبراهيم عبد العزيز السّمريّ المنشورة على صفحات موقعكم مساهمة منّا في نقد يطوّر الكتابة القصصيّة ما أمكن وتبادلا للخبرات بشكل يفيد ناشئتنا في فنون القصّ ووظائفها الجماليّة والتّربويّة.
إلى الاخ إبراهيم عبد العزيز السّمريّ
تابعت برغبة ملحّة تطوّر كتابتكم المنشورة على صفحات شبكة الألوكة وحاولت أن أجد خطّا فنيّا لتطوّرها من "المسافر" إلى "جفاف المشاعر" إلى الجائزة.وإذا صحّ التّرتيب التّاريخيّ لكتابة هذه القصص،فيمكن للنّاقد الوقوف عند مسار قصصيّ بادئ التّشكّل، وقد وضع لبنات أولى في كتابة الأقصوصة.لذلك سنحاول من خلال هذه الإطلالة نقد أقصوصة"الجائزة" أوّلا ومقارنتها بأقصوصة "جفاف المشاعر" ثانيا لننتهي إلى تنزيلها ضمن مسار تطوّر كتابتكم القصصيّة ثالثا.
1-في نقد أقصوصة الجائزة:
توحي الأقصوصة منذ عنوانها بمعنى المكافأة وتنزع بالمسار القصصيّ نزعة تتويجيّة ملحميّة فيها الكثير من الطّمأنينة والرّضى عن النّفس أو ما يسّميه نقّاد المسرح بالتتّويج الملحميّ.وذاك ما يحشر الكتابة ضمن تطوّر فنيّ محكوم بالضّيق والمحدوديّة. لأنّه لايخرج عن بنية الخرافة كما حدّدها النّاقد الرّوسيّ"بروب" في البطل وطريق المغامرة والشّخصيّة المساعدة فالاختبارات التّرشيحيّة لتنتهي بالتّتويج. ومثل هذه البنية تسجّل حضورها في القصّة بشكل واضح فالشّيخ المختفي فجأة هو الشّخصيّة المساعدة يقظةًومنامًا، ومشاقّ المهنة والجماعة المحتالة والعلّة البدنيّة وشهوة الوالد المريض للتفّاح كلّها اختبارات ترشيحيّة. وسيكون تاج النّجاح فيها الموافقة على حجّ مصطفى إلى البقاع المقدّسة-بالمناسبة نشرت القصّة في أولى ايّام سفر الحجيج هذه السّنة حجّا مبرورا وسعيا مشكورا-.
غير أنّ ميزة التّصرّف في البنية الحدثيّة للخرافة -كما حدّدها بروب- هي تقديم التتّويج على بقيّة المراحل،وإحداث ضرب من التّشويش المقصود في خطيّة الأحداث لاستدعاء نمطين من السّرد،السّرد الاتّباعيّ المحدّد في يوم الإخبار بالموافقة-وكلّ القصّة تدور في زمن حدث مقتصر على ذلك اليوم حتّى مغربه-،والسّرد الاسترجاعيّ القائم على أسلوب الذّكريات وقد عُرض شريطها مرتّبا خطّيا بشكل يبرّر طيبة مصطفى واصطفاءه لنيل الجائزة الكبرى.وذاك زمن الحديث أو السّرد.
لكنّ هذا التّصرّف في البنية لا يخلو من مزالق قد تُذهب عن القصّة تماسكها.فهي أوّلا قصّة غير ذات هويّة فبدايتها نفسيّة تركّز على التّفاعل مع الخبر وكادت تصبح حفرا في كيان باطنيّ لمطصفى ولو دخلت إلى تلك الأعماق المعتّمة لكانت نصّا جيّدا.وهي ثانيا قصّة أحداث رتيبة نموّها طبيعيّ باهت ولا فضل للخوارقيّة فيه بظهور الشّيخ الواهب غير حلّ نفس العقدة تصريف المال الحرام وتوفير المال الحلال.ولذلك كلّه تفكّكت حبكتها وصارت خالية من العقد النّاميّة وبدت بسبب ذلك كلّ الشّخصيات باهتة ضعيفة النّموّ:فالزّوجة غير ذات ملامح، والزّملاء زيّ رسميّ، ورئيس قسم الشّرطة مبارك عاديّ. وحتّى مصطفى شخصيّة بسيطة قانعة راضية بحالها لم يساعدها المال الحرام على توتّر داخليّ يشرح أعماقها تصارعا قيميّا مثلا، بل انهار بدنها عقابا ربّّانيّا كان له الشّيخ الصّوفيّ في المنام مفسّرا.
لاشكّ أن إبراهيم عبد العزيز السّمريّ قد حاول التّصرّف في بنية الخرافة وتحويلها أقصوصة لكنّه تصرّف يظلّ محدودا، وفي حاجة إلى تشظّ داخليّ لشخصيّة البطل وذاك بالطّبع ما يمكن أن يضيف إلى القصّة رونقها باعتمالات حادّة عنيفة تنمّي الشّخصيّة وتقلّص من سيطرة الحدث على ذهن الكاتب ومخيّلته.
أمّا في خصوص لغة الكتابة فقد زاد الكاتب ولعا بالوصف وصار أقدر على بنائه وفق الاستعارة ورأينا بعض وصفه تمّاميّا-نسبة إلى أبي تمّام-كثير الاستعارة وطريفها.وفي لغته سلامة يُشهد بها وسلالة لا تخلو من تنويع لفظيّ.على أنّه لايقيم لتجانس الألفاظ وزنا في توليد الدّلالات ولو فعل ذلك لكان أسلوبه أرقّ وأرقى ولكانت لغته أدقّ وأصفى.
ومن مميّزات أسلوبه هذه المرّة تضمين آيات القرآن الكريم ختام القصّة.وهو ضرب من محاولة الختم بالطّمأنينة التّامة.لكنّ هذا التّضمين يضعف أسلوب القصّ إلى درجة كبيرة.فالفرق شاسع بين التّضمين الاستشهاديّ-وهو ما قام به الكاتب-ويكون في النّصوص الحجاجيّة.وبين التّضمين الإبداعيّ القائم على الاستلهام أو الاقتباس.فأيّ نصّ يُضمّن داخل كتابة إبداعيّة لا بدّ أن يكون منمّّيا لحبكتها القصصيّة ومتناسقا مع وجهات الصّراع فيها.وما ضمّن في هذه القصّة إنّما كان من باب الاعتبار والتّعليق فلم يزد شيئا لرونق القصّ ولا جعل خاتمة القصّة ذات إشعاع.لذلك تبقى الآيات في ذهن القارئ وتزول القصّة تماما.ببساطة لأنّها غير مكتملة فصصيّا وغير متماسكة في حبكتها الفنيّة.
2-في مقارنة قصّة"الجائزة"بقصّة "جفاف المشاعر":
تبدو بنية قصّة "جفاف المشاعر" أكثر إحكاما وفيها تجريب لتيّار الوعي الذّاتي بدايات القصّ وكنّا ننتظر أن يتطوّر هذا الخطّ حتّى يصبح طاغيا على الكتابة.وعندها يترسّخ إلى حدّ كبير فنّ الأقصوصة لدى السّمري.لكنّ قصّة "الجائزة" قد حادت عن ذلك المسار ورامت توظيف السّرد الاسترجاعيّ عبر قناة التّذكّر فعطّلت نموّ الفعل القصصيّ وأظهرت الشّخصيّة باهتة ضعيفة.تُصاب في بدنها ولا يتطوّر كيانها النّفسيّ بغير الفرحة الفاتحة والطّمأنينة التّسليميّة الخاتمة.ومعلوم أنّ الشّخصيّة القصصيّة لا يمكن أن تكون سويّة بل لابدّ من اهتزازها حتّى تصبح فعلا نامية بكبواتها وأخطائها وإخفاقاتها ومآزقها..لا لشيء إلاّ لكونها شخصيّة ورقيّة تحاكي بشريّة الإنسان في ضعفها وأخطائها وعجزها ومحاولتها التّجاوز وإعادة بناء الذّات.وذاك هو روح القصّة:تجربة إنسان يريد أن يكون...
3-في تنزيل أقصوصة"المسافر"ضمن الثّلاثيّة القصصيّة المنشورة للسّمريّ:
كانت قصّة "المسافر "بداية رحلة قصصيّة عند الكاتب إبراهيم عبد العزيز السّمريّ كشف فيها عن قدرة فنيّة في نظم الأحداث نظما انضماميّا شدّه إلى بعض الخطيّة.وجرّب في قصّة "جفاف المشاعر" أن يؤسّس القصّة على العالم الباطن من الشّخصيّة فانزاحت به الكتابة منذ الفقرة الخامسة عشر نحو النّموّ الحدثيّ الخطّيّ في تراكم انضماميّ.وهو في هذه القصّة"الجائزة" يجرّب الاستفادة من بنية الخرافة والتّصرّف فيها بقلبها وقد استمرّ ذلك حتّى لحظة التّذكّر المطوّلة والّتي أعادت إلى قلمه انسيابا خطيّا للأحداث.فلم يتخلّص بعد من سيطرة الحكي على نسق كتابته. ولعلّ التّطوّر الحاصل من خلال هذا المسار القصصيّ الثّلاثيّ هو الانتباه إلى الشّخصيّة ومحاولة تركيز القصّ عليها.لكنّ ضعف حضور الحوار الباطنيّ،وعدم تنوّع ضمائر السّرد وهيمنة شخصيّّّة الرّاوي المطلقة على شخصيّة البطل، وإهمال بناء بقيّة الشّخصيات كلّها عوامل تجعل نموّ الشّخصيّة البطلة ضعيفا إلى حدّ لا يخدم نموّ عقد القصّة وتطوّر معمارها الفنيّ.لذلك يمكن اعتبار هذه القصّة أقلّ نضجا فنيّا من القصّتين السّابقتين.
4-الخاتمة:
لقد حاولنا صديقنا إبراهيم قراءة نقديّة خصّت بنية الأقصوصة ولغتها وأساليبها ولربّما لاحظتم ميلا إلى بيان الحاجيات القصصيّة دون اهتمام بالمضامين القيميّة لأنّ المعاني ملقاة على الطّرقات بعبارة الجاحظ.وإنّما مردّ ذلك التّركيز على الفنيّ من الكتابة حرصنا على تطوير تجربتكم لما نرى فيها من تطوّر واعد كلّما تمرّن القلم على الكتابة من أعماق الشّخصيّة.ولاشكّ أنّ "الجائزة" ليست سوى محاولة في تنويع تجريبيّ قد يكون جوازا نحو آفاق أرحب للقصّ وتجريب أخصب لكتابة تكون الشّخصيّة فيها مركز اهتمام رئيسيّ واللّغة الشّعريّة داخلها رحم توليد المعنى وتطريب المغنى وتماسك المبنى.وذاك ما ستدركنّه صديقنا إبراهيم يوما بإذن اللّه إذ الجائزة الحقيقيّة في استمرار الكتابة فعلا حضاريّا أدخل الإنسان إلى التّاريخ وحقّق به إنسانيته.وتلك كانت سومريّة أصلا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب