• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

وقد يجمع الله الشتيتين: 4- ولا أنشد الأشعار إلا تداويا

وقد يجمع الله الشتيتين: 4- ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/10/2024 ميلادي - 5/4/1446 هجري

الزيارات: 1116

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة مقالات: وقد يجمع الله الشتيتين

(4) - ولا أُنشِدُ الأشعار إلا تداويًا


النفس الشاعرية لها تجليَّات؛ فمرَّةً عبر الشعر، وكَرَّةً عبر النثر، وتارة عبر الرواية، ورابعة عبر الرسم أو التصوير أو الأصوات، ونحو ذلك، وكما أنها تظهر في المصدر المرسِل، فكذلك الشأن في المستقبِل، واعتبر ذلك بمحب الشعر دون الرواية وعكسه، أو الرسم والتصوير، وهكذا؛ فالْمُخْرِج لتلك المشاعر على هذه التجليات هو كالشمس، ومستقبِلها كالنبات الغضِّ الرطيب، والمستقبِل سواء أكان معشوقًا معجبًا به، أو ذوَّاقة مستمتعًا بجمال الفن، فكلاهما شريك للمبدع الأول، سواء كان شاعرًا - وهو الأرغب - أو رسامًا ونحوه، فهما الحنجرة وهو الصوت، وهما البحر وهو القارب، وإن كان المعشوق - بلا نزاع - هو الْمُلْهِم الأول، سواء كان حقيقيًّا أو متوهَّمًا متخيَّلًا.


فالأديب - أيًّا كان فنه - يروي بلسانه أو يده ما نقشته يدُ المشاعر في فؤاده، ولوَّنته ريشة الأخْيِلَة في عينيه، ولا بد في النهاية من معبر لتلك المشاعر، الذي هو في النهاية العمل الفني الإبداعي، فالفروع راجعة إلى أصولها، والأعجاز لاحقة بصدورها، والمباني تبع لمعانيها، وهكذا الفنون الأدبية والإنسانية.


بُحْتُ بتلك الخواطر وأنا أسير بمعيَّة صاحبي على الأقدام، قريبًا من تلك الخميلة الزاهية، وبِيدِ كلٍّ منا عصًا كأنها عصا هند بنت الغطريف العجلانية إذ تقول:

ولكنها كانت عصًا خَيزُرانة
إذا قُلِّبت بين الأكُفِّ تلينُ

ثم قرعت عصاه، وقلت: ألم تَرَ أنك أعنقت في الغزل والنسيب، وفي هذا ما لا يخفاك من الإزراء؟ فزَفَرَ ثم قال: ما النسيب لي باختيارٍ، لكني أُجَرُّ له جرًّا، ولا بد للمصدور أن ينفُث؛ كما قال أبو تمام الطائي:

شكوت وما الشكوى لمثلي عادة
ولكن تفيضُ النفس عند امتلائها

ثم إن هذه الأمور إذا لم تَكُ دَيدنًا للإنسان، غامرةً لواسع حياته، مجلِّلة لغالب عمره، فلا بأس بها، بل إنها من نعيم الأنفس، ومن الاسترواح وتجديد النشاط، وطرد الرتابة والملل؛ هذا الشعبي يقول: "إن القلوب تمَلُّ كالأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة"، والنسيب العُذريُّ العفيف لا يزري بالرجولة، ولا يقدح في النُّبل، وما دام كان طارئًا غير رتيب، فهو لا يغضُّ من البهاء، ولا يخلق من الرُّواء، بل هو الرواء النَّمير لأهل اللطافة والظَّرف، وإن كنتُ لا أبرِّئ نفسي من الزيادة فيه عن حد الوسط، لكنَّ أخاك مُكرهٌ لا بطل.


قلت: كأننا قد اتفقنا، فالحب مشاعر، والنسيب لسانها، وحب الأنثى في الحياة كالْمِلح، إن فُقِدَ كسدت، وإن زاد تَلِفَت، قال:

صدقت ونصحت.


ثم التفت إليَّ وقال رافعًا عرنونه: يا صديقي، ألم تَرَ أن الحب يُسخي يد البخيل، ويشجِّع قلب الجبان، ويقوِّي عزم الكسلان؟ كما قيل:

يود بأن يُمسي سقيمًا لعلها
إذا سمِعت عنه بشكوى تراسلُه
ويهتز للمعروف في طلب العلا
لتُحمَد يومًا عند ليلى شمائله

 

والشعر أنفذ من السِّحر، وقد يبلغ به كما بلغ بمالك بن الصمصامة العامري؛ إذ قال في جنوب العامرية:

خليليَّ قد حانت وفاتي فاحفِرا
برابيةٍ بين المخافر والبترِ
لكيما تقول العبدلية كلما
رأت جَدَثي سُقيتَ يا قبرَ مَن قُبِر

 

فكيف بمن كانت أخلاقه في أصلها كريمةً سخية، شجاعة باسلة؟!


وقال معاوية رضي الله عنه: علِّموا أولادكم الشِّعرَ؛ فإني أدركت الخلافة، ونِلْتُ الرئاسة، ووصلت إلى هذه المنزلة بأبيات ابن الإطنابة، فإنني يوم الهرير كلما عزمت على الفرار، أنشدت قوله:

أبَت لي عِفَّتي وأبى بلائي
وأخذي الحمد بالثمن الرَّبِيح
وقولي كلما جَشَأتْ وجاشت
مكانك تُحمدي أو تستريحي

 

فأثبت وأقول: مكانك تحمدي أو تستريحي".


وقال محمد بن عبدالله بن طاهر لبنيه: اعشقوا تظرفوا، وعُفُّوا تشرُفوا، ولفقيه أهل المدينة عبيدالله بن عتبة بن مسعود، وقد كان من أهل القلوب الخضر:

ألَا مَن لنفس ما تموت فينقضي
عَناها ولا تحيا حياةً لها طَعمُ
أأترك إتيان الحبيب تأثمًا
ألَا إن هِجران الحبيب هو الإثمُ
فذُقْ هجرها قد كنت تزعم أنه
رَشادٌ ألَا يا ربما كذب الزَّعمُ

 

وعبيدالله هذا هو ابن أخي عبدالله بن مسعود، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة من فقهاء المدينة، وفيه يقول الزهري: "كنت إذا لقيت عبيدالله، فكأنما أفجر به بحرًا"، وقال له سعيد بن المسيب: "أنت الفقيه الشاعر، فقال: لا بد للمصدور أن ينفث"، وقالها كذلك لعمر بن عبدالعزيز حينما عاتبه قائلًا: ما لك وللشعر؟ قال: "وهل يستطيع المصدور إلا أن ينفُث؟"، وصدق رحمه الله؛ فمِنَ التَّوقِّي تركُ الإفراط في التوقي، ألَا إن حبس المصدور للنَّفثات أثقل من عذاب الفراق، وكتاب الطلاق، وموت الحبيب، وفجأة الرقيب.


ومن شعر عروة بن أُذَينة، وهو من فقهاء المدينة وعُبَّادها، وكان من أرق الناس تشبيبًا:

قالت وأبْثَثْتُها وَجْدي وبُحتُ به
قد كنت عندي تحب الستر فاستترِ
ألستَ تُبصر مَن حولي فقلت لها
غطَّى هواكِ وما ألقى على بصري

 

ووقفت عليه امرأة، فقالت له: أنت الذي يُقال فيك الرجل الصالح وأنت تقول:

إذا وجدتُ أُوارَ الحبِّ في كبدي
غدوت نحو سقاء الماء أبتردُ
هَبْني بردت ببرد الماء ظاهره
فمَن لنارٍ على الأحشاء تتَّقدُ

 

والله ما قال هذا رجل صالح، وكذبت، فلم يكن مرائيًا، ولكنه كان مصدورًا فنفث.


وعروة هذا هو من قدم على هشام بن عبدالملك في رجال من أهل المدينة، فلما دخلوا عليه، ذكروا حوائجهم فقضاها، ثم التفت إلى عروة، فقال له: ألست القائل:

لقد علمت وخير القول أصدقه
بأن رزقي وإن لم آتِ يأتيني
أسعى له فيَعْنِيني تطلُّبُه
ولو قعدت أتاني لا يعنيني

 

قال: بلى، قال: فما أراك إلا قد سعيت له، قال: سأنظر في أمري يا أمير المؤمنين، وخرج عنه، فجعل وجهته إلى المدينة، وكشف عنه هشام بن عبدالملك، فقيل له: قد توجَّه إلى المدينة، فبعث إليه بألف دينار، فلما قدم عليه بها الرسول، قال له: أبلِغْ أمير المؤمنين السلام، وقل له: أنا كما قلت، قد سعيت وعنيت في طلبه، وقعدت عنه فأتاني لا يعنيني.


وبعضهم يستحسن قول جميل بثينة على تجاوزه:

وكان التفرق عند الصباح
عن مثل رائحة العنبرِ
خليلان لم يقربا ريبةً
ولم يستخفَّا إلى المنكرِ

 

ومن قول عبدالله بن المبارك، وكان فقيهًا ناسكًا شاعرًا رقيقَ النسيب، معجب التشبيب؛ حيث يقول:

زعموها سألت جارتها
وتعرَّت ذات يوم تبتَرِدُ
أكما ينعتني تبصرنني
عمرَكُنَّ الله أم لا يقتصدُ
فتضاحكن وقد قلن لها
حَسَنٌ في كل عين مَن تودُّ
حسدًا حملْنَه من شأنها
وقديمًا كان في الحب الحسدُ

 

وقال شريح القاضي، وكان من جملة التابعين والعلماء المتقدمين، وقد استقضاه عليٌّ رحمه الله ومعاوية، وكان تزوج امرأة من بني تميم تسمى زينب، فنَقَمَ عليها، فضربها ثم ندم، فقال:

رأيت رجالًا يضربون نساءهم
فشُلَّت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها في غير ذنب أتت به
فما العدل مني ضَرْب من ليس أذنبا
فزينب شمسٌ والنساء كواكب
إذا برزت لم تُبْدِ منهن كوكبا

 

ويزعمون أن أبا حازم المدايني - وكان من أعبد الناس وأزهدهم - نظر إلى امرأة تطوف بالبيت مُسفِرةً، أحسنَ خلق الله وجهًا، فقال آمرًا لها بالمعروف: أيتها المرأة، اتقي الله، لقد شغلت الناس عن الطواف، فقالت: أمَا تعرفني؟ قال: من أنتِ؟ فقالت:

من اللائي لم يحْجُجْنَ يبغين حسبةً
ولكن ليقتلن البريء المغفَّلا

فقال: أسال الله ألَّا يعذب هذا الوجه الحسن بالنار، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب، فقال: أما لو كان بعض عُبَّاد العراق، لقال: اغربي يا عدوة الله، ولكنه ظَرفُ عُبَّاد أهل الحجاز، وقيل له؛ أي لابن المسيب: إن قومًا من أهل العراق لا يَرَون إنشاد الشعر، فقال: لقد نسكوا نسكًا أعجميًّا، ألَا ما أوضح برهانه، وأصدع بيانه رحمه الله!


ويُروى عنه رحمه الله أنه قد قال على قول النميري:

تضوع مسكًا بطن نعمان إذ مشت
به زينب في نسوة عطراتِ
له أرج من مجمر الهند ساطعٌ
تطلع ريَّاه من الكفراتِ
تهادَين ما بين المحصب من مِنًى
وأقبلن لا شعثًا ولا غبراتِ
مَرَرْن بفخ رائحات عشيةً
يُلبِّين للرحمن معتمراتِ
يخمرن أطراف البَنانِ من التُّقى
ويخرجن جنح الليل معتجراتِ
جَلَون وجوهًا لم تلحها سمائم
حرور ولم يسفعن بالسبراتِ

 

فقال سعيد بن المسيب مؤيدًا:

وليس كأخرى وسعت جيب درعها
وأبدت بنان الكف للجمراتِ
وعَلَت بنان المسك وحفًا مرجلًا
على مثل بدر لاحَ في الظلماتِ
وقامت تراءى يوم جمعٍ فأفتنت
برؤيتها من راح من عرفاتِ

 

وذكر الخرائطي عن محمد بن سلمة، قال: حدثني أبي، قال: أتيت عبدالعزيز بن المطلب أسأله عن بيعة الجن للنبي صلى الله عليه وسلم بمسجد الأحزاب، ما كان بدؤها؟ فوجدته مستلقيًا يتغنَّى:

فما روضةٌ بالحزن طيبة الثرى
يمجُّ الندى جَثَجاثُها وعَرارُها
بأطيب من أردان عزةَ موهنًا
وقد أُوقِدت بالمندل الرطب نارُها
من الخفرات البِيض لم تلقَ شقوةً
وبالحسب المكنون صافٍ نجارها
فإن برزت كانت لعينيك قرةً
وإن غبت عنها لم يعمك عارها

 

فقلت له: أتُغني أصلحك الله وأنت في جلالك وشرفك؟ فقال: أمَا والله لأُحمِّلنَّها ركبانَ نجدٍ، فقال: فوالله ما اكترث بي، وعاد يغني:

فما أدماء خفَّاقة الحشا
تجوب بظلفيها متون الخمائلِ
بأحسنَ منها إذ تقول تدلُّلًا
وأدمُعها تذرين حشوَ المكاحلِ
تمتع بذا اليوم القصير فإنه
رهينٌ بأيام الصدود الأطاولِ

 

قال: فندمت على قولي، وقلت له: أصلحك الله، أتحدثني في هذا بشيء؟ قال: نعم، حدثني أبي قال: دخلت على سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم وأشعب يُغنِّيه أي ينشده بصوت حسن:

مغيرية كالبدر سنة وجهها
مُطهَّرة الأثواب والعِرض وافرُ
لها حسب زاكٍ وعِرض مهذب
وعن كل مكروه من الأمر زاجرُ
من الخفرات البيض لم تلق ريبةً
ولم يستمِلها عن تُقى الله شاعرُ

 

فقال له سالم: زِدْني، فغنَّاه:

ألمَّت بنا والليل داجٍ كأنه
جناح غراب عنه قد نفض القطرا
فقلت أعطَّار ثوى في رحالنا
وما احتملت ليلى سوى طيبها عطرا

 

فقال له سالم: والله لولا أن تتداوله الرواة، لأجزلتُ جائزتك، فإنك من هذا الأمر بمكان، وصدق رحمه الله، فمُلَحُ العلم والأدب تُفجِّر فَتِيقَ الفَهم والكلام.


وللعَلَمِ العلَّامة، والنِّحرير الفهَّامة، الموسوعي المتفنِّن محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، صاحب أضواء البيان قَدْحٌ مُعلًّى من ذلك الغرض، ومن قريضه الذي نشره، وذكر إنه قديم:

فقالوا لي تزوج ذات دلٍّ
خلوب اللحظ جائلة الوشاحِ
ضحوكًا عن مؤشرة رقاق
تمجُّ الراح بالماء القراحِ
كأن لحاظها رشقات نبل
تُذيق القلب آلام الجراحِ

 

وقال أيضًا:

قد صدَّ بي حِلمُ الأكابر عن لمى
شفة الفتاة الطفلة المغناجِ
ماء الشبيبة زارعٌ في صدرها
رمانَتَي روضٍ كحُقِّ العاجِ
وكأنها قد أدرجت في بُرقعٍ
يا ويلتاه بها شعاع سراجِ
وكأنما شمس الأصيل مُذابة
تنساب فوق جبينها الوهَّاجِ


وقال وقد حزَّ الْمِفْصَل، وبلغ العظم، وقطع كل مقولٍ:

وترى شعاع الشمس في وجناتها
مترقرقًا بجبينها الوقادِ
لمياء تبسم عن لآلئ رُكبت
في معدن من سمرة وسوادِ
شنباء مصَّةُ ريقها تشفى الجوى
من صدر حرَّان الجوانح صادي
والله لا أنسى مبيتي عندها
بشفا الأُحَيمر عن جنوب الوادي
إذ بتُّ أشفى من رُضابٍ بارد
داءً تقادم حرُّه بفؤادي
ويل امِّها ما كان أطيب ريقها
يا برد ريقتها على الأكبادِ

 

والشَّنَبُ بياض وبريق الأسنان، نعم يا صاحبي؛ فثَمَّ أمور غابت عن أهلها وهم بها أحق، وكم من درة في موضع لم تُكرم، والنار قد تلتظي من ناضر السَّلَمِ.


وتكفينا بردة الشاعر بن الشاعر كعب بن زهير بن أبي سُلْمَى رضي الله عنه، التي ألقاها بين يدي إمام الهدى صلوات الله عليه وسلامه، في مسجده وبين أصحابه:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
مُتيَّمٌ إثرها لم يفدَ مكبولُ
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغنُّ غضيض الطرف مكحولُ
تجلو عوارض ذي ظَلمٍ إذا ابتسمت
كأنه مُنْهَلٌ بالراح معلولُ
شجت بذي شَبَمٍ من ماء مَحْنِية
صافٍ بأبطحَ أضحى وهو مشمولُ
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه
من صوب ساريةٍ بِيض يعاليلُ
فيا لها خُلَّةً لو أنها صدقت
ميعادها أو لو ان النصح مقبولُ
لكنها خلة قد سِيط من دمها
فَجعٌ ووَلعٌ وإخلاف وتبديلُ
كانت عواقب عرقوب لها مثلًا
وما مواعيده إلا الأباطيلُ
أرجو وآمُل أن تدنو مودتها
وما لهن طوال الدهر تنويلُ
أمست سعاد بأرض لا يُبلِّغها
إلا العِتاقُ النَّجيبات المراسيلُ

 

وبعضهم يرويها بزيادة:

هيفاء مُقبلة عجزاء مُدبرة
لا يشتكي قصرٌ منها ولا طولُ

وبينا هو ينشد القصيدة، كنت أطرح الفراش بجوار الغدير، فجلسنا ننكت طرف الماء بعِصِّينا، ونرقب عصافير الصعو بلونها الأصفر الفاقع، وهي تسير بترقب وتلهف، وتصطاد من الماء حاجتها، فبقينا حتى اصفرَّت غلالة الشمس، وصارت كأنها الدينار يلمع في قرار الماء، ونفضت تبرًا على الأصيل، وشدَّت رحلها للرحيل، ثم تصوَّبت للمغيب، حتى استتر وجهها بالنقاب، وتوارت بالحجاب، حينها صدح صاحبي بالأذان، وما أعظمه في الفيافي!


وكان من حديثنا على ذلك الغدير أن قلت له: يا أيها الأديب، حدثني عن عفاف أهل النسيب، فقال وقد أشرق مُحيَّاه، وتهللت أساريره: الآن طاب لي الحديث، ثم تبسَّم وفتر عن ناجذه، وغمز بعينه، وقال: أتريده حديثًا كحديث ابن سعيد الأندلسي إذ يقول:

الريح أقود ما يكون لأنها
تبدي خفايا الردف والأعكانِ

أو قول الحماسي:

أبت الروادف والثُّدِيُّ لقمصها
مسَّ البطون وأن تمسَّ ظهورا
وإذا الرياح مع العشيِّ تناوحت
نبَّهن حاسدةً وهجن غيورا


أم قول النحوي العاشق:

وعارفة بالنحو قلت لها اعربي
حبيبي عليَّ البين قد جار واعتدى
فقالت: حبيبي مبتدا في كلامهم
فقلت لها ضُمِّيه إن كان مبتدا


أم تروم قول أعشى بكر:

قد حَجَمَ الثَّديُ على نحرها
في مُشرِقٍ ذي بهجة ناضرِ
كبِيعةٍ صُوِّر محرابها
بذهبٍ مرمر مائرِ
لو أسندت ميتًا إلى نحرها
عاش ولم يُحمَل إلى قابرِ


أم وصف ذي الرمة:

برَّاقة الجِيد واللَّبَّات واضحة
كأنها ظَبيةٌ أفضى بها لَبَبُ
عَجْزَاءُ مَمْكُورةٌ خُمْصانة قَلِقٌ
عنها الوشاح وتمَّ الجسم والقصبُ


أم ابن الرومي في حسن تصويره:

صدور زانهن حِقاق عاجٍ
وحلي زانه حسن اتساقِ
يقول الناظرون إذا رأوه
أهذا الحلي من هذي الحقاقِ
وما تلك الحقاق سوى ثديٍّ
قدرن من الحقاق على وفاقِ
نواهد لا يعدُّ لهن عيب
سوى منع المحبِّ من العِناقِ؟


أتُراك تريد وصف غمز النهود، وقطف رمَّان الصدور، ولَثْمِ ورد الخدود، ورشف سُلاف الثغور، وجَنْيِ أُقْحُوان الثنايا، وشمِّ جدائلها المجمرة؟!


قلت: دعني يا صاحبي من مجونك، أجمِلْ بالشعر الظريف العفيف، دون المكشوف المسفِّ! أريده كهذا:

عيناكِ شاهدتان إنكِ من
حَرِّ الهوى تجدين ما نجدُ
بكِ ما بنا لكن على مضضٍ
تتجلدين وما بنا جَلَدُ


وكهذا للمجنون:

أُحِنُّ إلى ليلى وقد شطت النوى
بليلى كما حنَّ اليَرَاع المثقبُ
يقولون ليلى عذَّبتك بحبها
ألَا حبذا ذاك الحبيب المعذِّبُ


أو كقول جميل الجميل:

إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا
جرى الدمع من عيني بثينة بالكحلِ
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابةً
إلى إلفه واستعجلت عَبرةً قبلي


وقوله الحالم:

مضى لي زمان لو أُخيَّر بينه
ويبن حياتي خالدًا آخر الدهرِ
لقلت ذروني ساعةً وبثينة
على غفلة الواشين ثم اقطعوا أمري


وقوله الوفي:

أبْلِغ بثينة أني لست ناسيها
ما عشت حتى تجيب النفس داعيها
بانت فلا القلب يسلو من تذكرها
يومًا ولا نحن في أمرٍ نُلاقيها


قال: هاكها إذًا فعلى الخبير سقطت، فلأنا ابن بَجْدَتِها:

قال جرير التميمي، وانظر إلى رِقَّتِهِ وحسن اصطياده للمعاني، وجودة كسوته لها بِرَقِيقِ الألفاظ، مع كامل الاحتشام عما يُعاب:

أتنسى إذ تودعنا سُلَيمى
بعود بَشامةٍ سُقِيَ البَشامُ
فلو وَجَدَ الحمام كما وجدنا
بسلمانين لاكتأب الحمامُ


وقال تاجر بن أبي مطيع بكل عفاف وطهر، إذ حده الحديث دون ما بعده، وإن كان أبو مرة لم يمت، وخطواته لا تُؤمَن:

كم قد ظفِرت بمن أهوى فيمنعني
منه الحياء وخوف الله والحذرُ
أهوى الْمِلاح وأهوى أن أجالسهم
وليس لي منهم في ريبة وَطَرُ
كذلك الحب لا آتيه فاحشةً
لا خير في لذة من بعدها سَقَرُ


ومن الغواني من يَطْرَبْنَ للأدب وهن في الغاية من الاحتشام، وبعضهن تستسهل أمر الحديث مع صونها وعفافها؛ كما قيل:

أُنُسٌ غرائر ما هَمَمْنَ برِيبةٍ
كظباء مكةَ صيدُهنَّ حرامُ
يُحسَبن من لين الحديث فواسقًا
ويصدهن عن الخَنَا الإسلامُ


وقال أحد المحبين العفيفين:

أحبك يا سلمى على غير ريبة
لا خير في حبٍّ لا تعف سرائرُه

ودخلت بثينة جميل على عبدالملك بن مروان، فقال لها: والله يا بثينة ما أرى فيكِ شيئًا مما كان يقول جميل، قالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إليَّ بعينين ليستا في رأسك، قال: وكيف صادفتِه في عِفَّتِهِ؟ قالت: كما وصف نفسه؛ حيث يقول:

لا والذي تسجد الجِباهُ له
ما لي بما دون ثوبها خبرُ
ولا بفِيها ولا هممتُ بها
ما كان إلا الحديثُ والنظرُ


وهو القائل:

وإني لأرضى من بثينةَ بالذي
لو استيقن الواشي لقرَّت بلابلُه
بلا وبألَّا أستطيع وبالْمُنى
وبالأمل المرجو قد خاب آمِلُه
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
أواخره لا نلتقي وأوائله


وذكروا عن أبي سهل الساعدي قال: دخلت على جميل بن معمر العذري، وهو عليل، وإني لأرى آثار الموت على وجهه، فقال: يا أبا سهل، أتقول: إن رجلًا يلقى الله لم يسفك دمًا حرامًا، ولم يشرب خمرًا، ولم يأتِ بفاحشة، أترجو له الجنة؟ قلت: إي والله، فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل، قلت: بعد زيارتك بثينة، وما تحدث به عنكما؟ فقال: والله إني لفي يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، ولا أنالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت حدثت نفسي فيها بريبة قط، قال: فما انقضى يومه حتى مات رحمه الله.


وقال شاعر رُمِيَ بمجون:

إن أكن طامح اللحاظ فإني
والذي يملك القلوب عفيفُ

بل حتى شاعر المغامرات (النسونجي) عمر بن أبي ربيعة كان عفَّ الإزار، قال الأصمعي: كان عمر بن أبي ربيعة، وابن أبي عتيق جالسَين بفناء الكعبة، فمرَّت بهما امرأة من ربيعة، وقيل: من آل أبي سفيان، فدعا عمر بكتفٍ، فكتب فيها:

ألِمَّا بذات الخال فاستطلعا لنا
على العهد باقٍ ودُّها أم تصرما
وقولا لها: إن النوى أجنبية
بنا وبكم قد خفت أن تتيمما


فقال له ابن أبي عتيق: ما تريد إلى امرأة مسلمة محرِمة تكتب إليها بمثل هذا؟ فقال: أترى ما سيَّرتُ في الناس من الشِّعر، وربِّ هذه البَنِيَّة، ما حَلَلْتُ إزاري على فاحشة قط.


وقيل لكُثيِّر عزةَ: هل نلت من عزة شيئًا طول مدتك؟ فقال: لا والله، إلا أنه ربما كان يشتد بي الأمر، فآخُذ يدها، فأضعها على جبيني، فأجد لذلك راحة.


إنه كُثيِّر الشاعر العفيف الظريف، ومن مبلغ ظرفه أن قد اتفق أن خرجت عزة وزوجها في عيرٍ كان فيهم كُثيِّر، فسلَّمت عزة على جمل كُثَيِّرٍ، فبلغه، فحلَّ الجمل وأطلقه وأنشد:

حيَّتك عزة بعد الهجر وانصرفت
فحيِّ ويحك من حياك يا جملُ
ليت التحية كانت لي فأرددها
مكان يا جمل حُيِّيت يا رجلُ


وقد وفدت عزة على عبدالملك بن مروان، فقال لها: أنتِ عزةُ كُثيِّر؟ قالت: لست لكُثيِّر بعزةَ، ولكني أم بكر الضمرية، قال: أتروين قول كُثيِّرٍ فيكِ؟

لقد زعمت أني تغيرت بعدها
ومن ذا الذي يا عزَّ لا يتغيرُ
تغيَّر جسمي والخليقة كالتي
عهدت ولم يخبر بسرك مخبرُ


قالت: لست أروي هذا، ولكني أروي غيره؛ حيث يقول:

كأني أنادي صخرةً حين أعرضت
من الصم لو يمشي بها العصم زلَّتِ
صفوحًا فما تلقاك إلا بحيلة
فمن مَلَّ منها ذلك الوصف ملَّتِ


لقد كان كُثيِّر شاعرًا عفيفًا، حينما قال إبراهيم بن عبدالله بن حسن لأبيه: ما شعر كثيِّر عندي كما يصفه الناس! قال أبوه: إنك لن تضع كُثيِّرًا بهذا، إنما تضع نفسك.


وقال فقيه مكة عطاء: كان الرجل يحب الفتاة فيطوف بدارها حولًا كاملًا، يفرح إن رأى مرآها، وإن ظفِر منها بمجلسٍ، تشاكيا وتناشدا الأشعار، فاليوم يشير إليها وتشير إليه، فإذا التقيا لم يشكوا حبًّا، ولم يُنشدا شعرًا، وقام إليها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة وأصحابه.


وقيل لأعرابي: ما كنت تصنع لو ظفِرتَ بمن تهوى؟ قال: كنت أُمتِّع عيني في وجهها، وقلبي من حديثها، وأستر منها ما لا يحبه الله، ولا يرضى بكشفه إلا عند حلِّه، قيل: فإن خفت ألَّا تجتمعا بعد ذلك؟ قال: أكِلُ قلبي إلى حبِّها، ولا أصير بقبيح ذلك الفعل إلى نقض عهدها.


ودخلت ليلى بنت عبدالله الأخيلية على الحجَّاج، وعنده وجوه الناس وأشرافهم، فاستأذنته في الإنشاد، فأذِن لها، فأنشدته قصيدةً مدحته بها، فلما فرغت من إنشادها، قال الحجاج لجلسائه: أتدرون من هذه الجارية؟ قالوا: لا نعلم، أصلح الله الأمير، ولكنا لم نَرَ امرأةً أكمل منها كمالًا، ولا أجمل منها جمالًا، ولا أطلق لسانًا، ولا أبينَ بيانًا، فمن هي؟ قال: هذه هي ليلى الأخيلية، صاحبة توبة بن الحمير الذي يقول فيها:

نأتك بليلى دارها لا تزورها
وشطَّ نواها واستمر مريرها

ثم قال لها: يا ليلى، ما الذي رابه من سفورك حيث يقول:

وكنتُ إذا ما زرتُ ليلى تبرقعت
فقد رابني منها الغداة سفورها؟

قالت: أصلح الله الأمير، لم يَرَني قط إلا مُتبرقعةً، وكان أرسل إليَّ رسولًا أن سيُلِمُّ بنا، ففطن الحي لرسوله، فأعدوا له وكَمَنُوا، وفطِنتُ لذلك، فلم يلبث أن جاء، فألقيت بُرقعي وسفرت له، فلما رأى ذلك أنكره وعرف الشر، فلم يزِدْ أن سلَّم عليَّ، وسأل عن حالي وانصرف راجعًا، فقال الحجاج لها: لله درك، فهل كانت بينكما ريبة؟ قالت: لا، والذي أسأله أن يصلحك، إلا أنه قال مرةً قولًا ظننت أنه خضع لبعض الأمر، فقلت له:

وذي حاجة قلنا له لا تبُح بها
فليس إليها ما حييتَ سبيلُ
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه
وأنت لأخرى صاحب وخليلُ


فلا، والذي أسأله صلاحك، ما كلمني بشيء بعدها استربتُه حتى فرَّق الدهر بيني وبينه.


وقال ابن هرمة:

ولَرُبَّ لذة ليلة قد نلتها
وحرامها لحلالها مدفوعُ

وقال أعرابي من فزارة: عشقت جاريةً من الحي، فحادثتها سنين كثيرة، والله ما حدثت نفسي بريبة قط، سوى أن خلوت بها، فرأيت بياض كفها في سواد الليل، فوضعت كفي على كفها، فقالت: مه، لا تُفسد ما صلح، فارفضَّ جبيني عرقًا، ولم أعُدْ.


ولما دعت امرأةٌ عبدَالله بن عبدالمطلب إلى نفسها، أبى وقال:

أما الحرام فالممات دونه
والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
يحمي الكريم عِرضه ودينه


ومن جميل قريض ابن ميادة:

موانع لا يعطين حبة خردل
وهن دوانٍ في الحديث أوانسُ
ويكرهن أن يسمعن في الحب رِيبةً
كما كرهت صوتَ اللجام الشوامسُ


وقال العباس بن الأحنف، وقد أقرَّ واعترف بجرم النظر وخطره، وعاقبة السمع وخطله:

أتأذنون لصبٍّ في زيارتكم
فعندكم شهواتُ السمع والبصرِ
لا يُظهِر الشوق إن طال الجلوس به
عفُّ الضمير ولكن فاسق النظرِ


ولا شكَّ أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وكما قال الإمام أحمد: كم نظرة أوقعت في قلب صاحبها البلابل! وأبلغ من ذلك وأعظم وأجل قول ربنا: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30].


وأنشد المبرد:

ما إن دعاني الهوى لفاحشة
إلا نهاني الحياءُ والكرمُ
فلا إلى فاحش مددت يدي
ولا مشت بي لزلَّةٍ قدمُ


وحدث عثمان الضحاك قال: خرجت أريد الحج، فنزلت بخيمة بالأبواء، فإذا بجارية جالسة على باب الخيمة، فأعجبني حسنها، فتمثلت بقول نصيب:

بزينب ألْمِمْ قبل أن يرحل الركبُ
وقُل لا تَمَلِّينا فما ملَّكِ القلبُ

فقالت: يا هذا، أتعرف قائل هذا البيت؟ قلت: بلى، هو نصيب، فقالت: أتعرف زينبه؟ قلت: لا، قالت: أنا زينبه، قلت: حيَّاكِ الله وحباكِ، قالت: أما والله إن اليوم موعده، وعدني العام الأول بالاجتماع في هذا اليوم، فلعلك ألَّا تبرح حتى تراه، قال: فبينما هي تكلمني إذا أنا براكب، قالت: ترى ذلك الراكب؟ قلت: نعم، قالت: إني لأحسبه إياه، فأقبل فإذا هو نصيب، فنزل قريبًا من الخيمة، ثم أقبل فسلَّم ثم جلس قريبًا منها، فسألته أن ينشدها فأنشدها، فقلت في نفسي: محبَّان قد طال التنائي بينهما، فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة، فقمت إلى بعيري لأشد عليه، فقال: على رسلك إني معك، فجلست حتى نهض معي، فسِرنا وتسامرنا، فقال لي: أقلت في نفسك: محبَّان التقيا بعد طول تناءٍ، فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة؟ قلت: نعم قد كان ذلك، قال: ورب البيت منذ أحببتها، ما جلست منها مجلسًا هو أقرب من مجلسي هذا، فتعجبت لذلك، وقلت: والله هذه هي العفة في المحبة.


وقال المجنون مبينًا مبلغ عفافه، ورُويت لغيره:

أمستقبلي نَفْحُ الصبا ثم شائقي
ببرد ثنايا أم حسَّان شائقُ
كأن على أنيابها الخمر شجَّها
بماء الندى من آخر الليل عاتقُ
وما شمته إلا بعيني تفرُّسًا
كما شِيمَ في أعلى السحابة بارقُ


وحُكِيَ عن الأصمعي - وواضح تكلف الحكاية، لكنها لا تخلو من إشارات حسنة، وجمال رقيق - قال: بينما أنا أسير في البادية، إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:

أيا معشر العشاق بالله خبِّروا
إذا حلَّ عِشْقٌ بالفتى كيف يصنعُ

فكتبت تحته:

يداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضعُ

ثم عُدتُ في اليوم الثاني، فوجدت مكتوبًا تحته:

فكيف يداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يوم قلبه يتقطَّعُ

فكتبت تحته:

إذا لم يجد صبرًا لكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت أنفعُ

ثم عدت في اليوم الثالث، فوجدت شابًّا مُلقًى تحت ذلك الحجر ميتًا، وقد كتب قبل موته:

سمعنا أطعنا ثم مِتنا فبلِّغوا
سلامي على من كان للوصل يمنعُ

وقال أحمد بن أبي عثمان الكاتب:

وإني ليُرضيني المرور ببابها
وأقنع منها بالوعيد وبالزجرِ

وقال آخر:

فقالت بحقِّ الله إلا أتيتنا
إذا كان لون الليل لونَ الطيالسِ
فجئت وما في القوم يقظان غيرها
وقد نام عنها كل والٍ وحارسِ
فبِتْنا مبيتًا طيبًا نستلذه
جميعًا ولم أمدُدْ لها كفَّ لامسِ


ثم تمطَّى صاحبي قائلًا: هل اكتفيت أم أزِيدُ؟ قلت: جزاك الله الحسنى وزيادة، فلم تَدَعْ لمسترسل زيادة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقد يجمع الله الشتيتين: 1- المقدمة
  • وقد يجمع الله الشتيتين: 2- يا من يداوي لوعة العشاق
  • وقد يجمع الله الشتيتين: 3- إذا هم ألقى بين عينيه عزمه
  • وقد يجمع الله الشتيتين: 5- ويبقى العود ما بقي اللحاء
  • وقد يجمع الله الشتيتين: 6- وباكية أخرى تهيج البواكيا
  • وقد يجمع الله الشتيتين: 7- يا ليل الصب متى غده؟!
  • وقد يجمع الله الشتيتين (8) بقافية أنفاذها تقطر الدما
  • وقد يجمع الله الشتيتين (9) وليل كموج البحر أرخى سدوله
  • طاقة أزهار من روض الأشعار
  • شيعة مهتدون

مختارات من الشبكة

  • وقد يجمع الله الشتيتين: سياحة في مرابع الأدب وشيء من حكمة المحبين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قتل الساحر قد يكون ردة وقد يكون حدا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل استيقظ الفتية المؤمنة من أصحاب الكهف وهم طويلو الشعر والأظافر، وقد تغير مظهرهم؟!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القاعدة القرآنية: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وألقيت عليك محبة مني}: كيف ألقيت على موسى المحبة وقد لقي من العداوة ما لقي؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول فيمن مات وقد لزمه الحج والعمرة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من أسباب رفع البلاء: قراءة سورة الفاتحة وقد سميت بالرقية والشفاء والشافية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم...)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب