• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

نضال الذاكرة

نضال الذاكرة
نورة المحسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/1/2024 ميلادي - 18/7/1445 هجري

الزيارات: 1452

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نضال الذاكرة

 

أين يجد المرء حِضنًا حنونًا إلا أمام البحر؟ أين يُوسِّع مضائقه ويبدِّد همومه إلا من سَعَةٍ كسعة البحر وامتداده؟ أين يُخمِد جراحاته الملتهبة إلا بنسمة ندِيَّة تصطبغ بماء البحر، فيجد فيها الانطفاء والرِّيَّ معًا؟ ها هو ذا بحر يافا العظيم؛ حِضني وملجئي وملاذي منذ أن وَطِئت قدماي هذه المدينة الغريبة، التي لا تعرف أهي موطنك أم غربتك، بلادك أم منفاك، البحر وحده هو الذي لا يقع فيه كل هذا، لا يعترف بالحدود؛ لأنه ليس أرضًا، لا يعرف الصراع والاغتراب والطرد؛ لأن البشر لا يعيشون فيه، هو ماء، وقد جُعِلَ من الماء كل شيء حي، هو عميق وواسع كعمق وسعة الحياة التي وهبنا الله إياها؛ لذلك ليس من حق أحد أن يحتكره ويقتسمه أو يطرد الناس منه، لم يقطع سلامي وصوت أفكاري إلا مرورُ فتاة يهودية حسناءَ، ترتدي فستانًا أسود طويلًا عاريًا من الكتفين، وقد طُرِّز من أعلى الصدر بمستطيل ملون بألوان الكوفية الفلسطينية على مدار الصدر، ومنتفشًا من الأسفل بكسرات طولية مقلمة، مرةً بألوان الكوفية الفلسطينية، ومرةً بالأسود الخالص على مدار الجزء السفلي من الفستان، كانت تمشي فيه على الشاطئ بزهو، وبجانبها اثنتان من صديقاتها ترتديان بنطالًا وقميصًا عاديًّا، وكأنها بزهوها بفستانها النافش تريد أن تري المتنزهين على الشاطئ فستانها؛ لأن انتفاشه كان كبيرًا ولافتًا بحقٍّ، وأيضًا الكوفية المطرزة عليه كانت غريبةً، وأعطت للفستان شكلًا مميزًا، قلت لصديقي أيمن الذي كان يجلس معي:

• انظر إلى هذه الحمقاء لماذا ترتدي فستانًا عليه شعار لأعدائها؛ بل تزهو به؟

 

التفتُّ إليه، فإذا هو يحدِّق فيها بإعجاب، فضربته على ظهره وقلت:

• هيه، لا تنسَ من أنت؛ إنها عدوتك وإن كانت جميلة.

 

• ألَا تعرف من هذه؟

 

• من؟

 

• إنها سارا روبين، مثَّلت "إسرائيل" في مسابقة ملكة جمال الكون كإحدى المرشحات، ولكنها لم تتأهل، وكانت ترتدي أيضًا فستانًا مزينًا بتطريز الكوفية الفلسطينية؛ لهذا ميزتها وعرفتها الآن حينما مرت.

 

• ماذا تقول؟ كانت ترتدي ألوان الكوفية الفلسطينية، ماذا تقصد بفعلتها هذه؟

 

• أين كنت مُغيَّبًا أنت؟ ألَا تعرف أن اليهود يدَّعون أن الكوفية هي من التراث الصهيوني، ويتزَيَّون بها في المجامع المحلية والدولية، ويعرفون الناس بها.

 

• كيف قلت؟ الكوفية إن كونها فلسطينية أشهر من نار على عَلَمٍ، وهي رمزنا نحن الفلسطينيين أينما كنا في العالم، وهي أيضًا رمز الفدائية والنضال الفلسطيني.

 

• عماد، أين أنت؟ ما الكهف الذي تعيش فيه؟ ألَا تعرف أنهم سرقوا كثيرًا من تراثنا الفلسطيني؛ كالكوفية، والثياب التقليدية النسائية، وحتى الأكلات؛ الكنافة والشكشوكة، والطعمية والمقلوبة، وغيرها ونسبوها لهم؟

 

• سرقوها، كيف يفعلون ذلك؟ العالم كله يعرف أنها تراث فلسطيني، أو أنها على الأقل ليست تراثًا يهوديًّا، إنه شيء أوضح من ضوء النهار.

 

• وما يُدري العالم الذين في أوروبا وأمريكا أو الصين أنه تراث عربي فلسطيني، لا أحد يعرف ذلك إلا من يعيش حولك هنا، ضوء النهار هنا فقط، أما الجزء الآخر من الكوكب، فيعيش في ليل بَهِيمٍ، ولا يعرفون من هنا إلا إسرائيل، أو ما تقوله وتدِّعِيه إسرائيل، هم يجتهدون في نسبة تراثنا لهم، يفعلون ذلك في المحافل الدولية، انظر إلى هذه المرأة، ما الذي يجعلها في محفل دولي ترتدي فيه المشاركات ما اشتُهر وذاع من آخر الصيحات والموضات الأنيقة في عالم الأزياء؟ ما الذي يجعلها ترتدي فستانًا رقعت فيه ألوان عتيقة من تراث قديم؟ هم يحرصون على ذلك، ويتسابقون نحو المنظمات الدولية؛ كموقع التراث العالمي (اليونسكو) لإثبات ذلك، وحتى الطعام، ينظمون جولات للسياح الأجانب لديهم نحو مطاعم تقدِّم أكلاتنا، ويعرفونها لهم بأنها تراث إسرائيلي، وينطلي على الأجانب هذا الكلامَ؛ لأنهم مغيبون عن الحقيقة أصلًا.

 

صفعتني كلمات أيمن وآلمتني، وأرسلتني إلى صفحة قديمة من صفحات الذاكرة لا تزال مبسوطة لا تُطوى، قبل سنوات حين زارنا ذلك المقاوم الملثَّم "أبو سعد" في دارنا القديمة في ضواحي الخليل، واختبأ فيها، كان أبو سعد ورجاله من كتيبة المقاومة التي ظلت تواجه العمليات الاستيطانية المتزايدة في مدينة الخليل، عبر الإغارة على الجنود الذين يحمونها، كان أبو سعد يناور مع رجاله على خطوط العدو المنتشرة حول جرافات الاحتلال التي تتهيأ لاقتحام إحدى الضواحي القريبة منا، وطرد سكانها، وهدم منازلهم لبناء مستوطنة، وتقوم أيضًا برصد المقاومين المختبئين في المنطقة وتفتيشها للبحث عنهم، فكان أبو سعد ينسلُّ في الليالي وعلى حين غِرَّةٍ من القوم إلى بلدتنا، ويقوم بالتحدث مع رجالها، والتشاور معهم أحيانًا، تبرَّع بعض شبابنا للقتال معه، وكان منهم أخي الشهيد حسام رحمه الله، وكان أبي يستضيفه في دارنا أحيانًا باعتباره من وجهاء البلدة، ويحرص على بذل ما يستطيع بذله له من كساء وغذاء، أو حتى مال له ولرجاله، وكان يقول: "لقد هجرت من قرية أهلي وعائلتي في الداخل الفلسطيني، وجئت إلى هنا، ولا أريد أن أخسر وطني مرتين"، كنت صغيرًا وقتها، في الثامنة أو التاسعة من عمري، وكان أبو سعد إذا أتى إلى بيتنا يتحدث معي أحيانًا، كان مُلثَّمًا لا يظهر منه إلا عيناه، متوسط الطول، عريض الْمَنْكِبين، ممتلئ اللحم قليلًا، كان دائمًا يرتدي بنطالًا أسودَ واسعًا قليلًا، وفنيلة بيضاء قد اشتمل فوقها حزام بندقيته من أعلى كتفه اليمنى إلى خَصْرِه، سألته مرة: "لماذا تتلثَّم ولا تكشف وجهك حين تأتي عندنا؟" وكان يبتسم ويقول: "لكيلا يعرفني أحد"، "ولكن لا يوجد عندنا يهود"، فيطبق على شفتيه، كأنه لا يريد النطق بهذه الكلمات: "ولكن يوجد أحيانًا بيننا خونة يتعاونون مع اليهود".

 

كان يحدثني دومًا عن فلسطين ما قبل النكبة، رغم أنه وُلِدَ بعدها بسنوات، ولكن التهجير المتعدد والمتواصل الذي عانته عائلته، وموت جدته كَمَدًا أمام عينيه بعد استشهاد اثنين من أبنائها في صفوف المقاومين، وواحد منهم غدرًا برصاص المستوطنين، وفقدان بيتها وقريتها - جعله يتمسك بالعودة، وبخريطة فلسطين، ويراها رمزًا للماضي السعيد، والحُلم الموعود، والهناء والعز، ثم هو الحال المنكود للفلسطينيين اليوم في الضفة، الذي يتلوَّن في بؤسه وشقائه - كما يقول - من تهديدات مستمرة من قوات الاحتلال والمستوطنين، وقتل واعتقالات، وطرد وتهجير واستيطان وتدنِّي الوضع المعيشي، وحالة الاستضعاف والاعتداءات على الأقصى والمصلين، قد جعله يَعَضُّ على حقِّ العودة بالنواجذ كما يقول، كان يحدثني عن يافا وحيفا، وكيف كانتا مدينتين متحضرتين، وموئلًا للثقافة والتعليم في وطننا ومحيطنا العربي، كان يحدثني عن نابلس واشتهارها بصناعة الصابون ومصانعها التي كان يفِد إليها عمال من الخليج وشتى الأقطار العربية، عن عكا ومينائها وشطآنها، كنت أرى منه حين يتحدث عن هذا الماضي التماعةً في عينيه، وتهدُّجًا في صوته، كان يبدو سعيدًا جدًّا، وربما كانت تلك الحال السعيدة هي الوحيدة التي أراها منه، وسط لظى أحاديث الاشتباكات والقتال، وعبوس عينيه وحزم صوته.

 

في أحد الأيام وقت الضحى كان أبو سعد يجلس مع رجال بلدتنا في مجلس أحَدِ وجهائنا، حينما دخل عليهم أحد الشبان يركض لاهثًا:

- اليهود ... سبعة أو ثمانية جنود منهم دخلوا البلدة من جهة الجنوب، لقد رأيتهم.

 

حينها قام الرجال، وانتفضوا فحلف أبي على أبي سعد أن يخبئه عنده في منزله، ولأن منزلنا كان قريبًا من حيث كانوا يجلسون وافق، فخبأه أبي في كوة واسعة في زاوية جدار المطبخ، كنا نضع فيها بعض براميل وأكياس الأرز والحبوب، والبصل والبطاطا، وبالكاد تتسع لشخص أو شخصين، فحشرناه في طرفها عند مدخلها، ووضعنا فوقه وأمامه تلك الأكياس والبراميل، دخل الجنود الثمانية بعض البيوت رافسين الأبواب على أهلها، ومكسرين بعض الأثاث والمتاع، ومصوبين بنادقهم على أهل البيت؛ لكيلا يعترض أو يتكلم منهم أحد، لقد طالتنا عين الخيانة هذه المرة، ونقل الخائن خبر أبي سعد إلى اليهود، لقد جاؤوا يبحثون عنه، حاول أبو سعد عدة مرات أن يخرج من بيتنا في هذه الأثناء، وكان أبي يصده عن ذلك قائلًا له في كل مرة: "لقد اقترب الجند من هنا، هم في هذه الدور المجاورة، سوف يرونك، اختبئ"، قال له أبو سعد: "إن اليهود سيقتلوننا إن علموا أن أبي يخبئه في بيته"، ولكن أبي كان يقول: إنه لن يحدث ذلك وإن عليه أن يختبئ، في النهاية أزاح أبو سعد والدي عن طريقه وذهب عند الباب، فلمح أحد الجنود يقف قبالة بيتنا وقد ولاه ظهره، فرجع أبو سعد القهقرى، واختبأ في الكوة، وجلس أبي وإخوتي في الفناء مترصدين ومترقبين، وفي هذه الأثناء كنت أروح وأغدو على أبي سعد في الكوة، رغم تحذيرات أبي ألَّا أوحي بشيء يفضح الأمر، طال انتظارنا لاقتحام الجنود دارنا، وكنا نسمع أصواتهم في الجوار، فجلست إلى جانب الكوة بحيث أرى عينَي أبي سعد تبرقان في الظلام من بين الأكياس والبراميل، قال لي وقد اكتست عيناه بالوداعة:

"ربما أموت اليوم أو غدًا، ربما يأخذون بلدة، وربما يأخذون بلدات أو مدينة، ربما يبتلعون فلسطين كما يبتلع حوت ضخم الجزر كما في الحكايات القديمة، فإن مسحوا القرى والأسماء من الخريطة، فلا يمسحوها من رؤوسكم أيتها الأجيال الناشئة، اذكروا أن هناك مدنًا اسمها يافا أو عكا كانت فلسطينية، وقرًى اسمها طنطورة ودير ياسين، والقسطل وقيسارية، وغيرها، وإن بدلوا أسماءها وغيَّروا ملامحها، احفظوا كل شيء في ذاكرتكم، وانقشوه في صدوركم، احفظوا كل شيء، تراثكم ثقافتكم وكل ما يمت إلى شعبكم وأرضكم، احفظوه غضًّا طريًّا كما كان، فلن يكتفي العدو بتهجيركم وقتلكم، بل سيقتل وجودكم وكل ما يُذكِّر بكم هنا، حربهم معنا حربان يا عماد: حرب على أرضنا، وحرب على ذاكرتنا، لا تنسَ قولي".

 

هززت رأسي متظاهرًا بالفهم، ثم بعد قليل، دخل أبي وأخواي مبشرين بأن الجنود رحلوا، ولم يخطوا نحو بابنا حتى، خرج أبو سعد من الكومة التي دفناه بها وشكر أبي على معروفه الذي أسداه له، وكنا جميعًا مستغربين عدم اقتراب الجنود منا، وفجأة حين كنا نتحدث سمعنا طرقًا شديدًا على الباب، فهُرِعَ أخي حسام وفتحه، فإذا أحد شباب البلدة يخبرنا أن قطعة كبيرة من الجنود عددها بالعشرات تقصِد ضاحيتنا، وأنها تقترب من الجهة الجنوبية الغربية منها، تفتيش موسع واقتحام أشد، وربما مساءلة وعقاب جماعي، هُرِع أبو سعد للباب حينما سمع ذلك وقال لأبي: "أنا ذاهب"، جذبه أبي من طرف قميصه: "انتظر لا تخرج من هنا، لدينا باب في خلفية السور إذا خرجت منه ومشيت قليلًا، ستجد منحدرًا يفضي إلى أكَمَةٍ مليئة بالأشجار، اصعَد إليها، وتخفَّ بين أشجارها ماشيًا إلى الأمام، ثم ستخرج إلى السهل حيث تنقطع حدود البلدة، بإمكانك أن تركض هناك وتهرب".

 

استمع أبو سعد إلى نصيحة والدي، وودعنا على عَجَلٍ، وخرج من هناك، ثم صعِدت أنا إلى سطح الدار لعلي أرمُق الجند إذا اقتربوا، فرأيت رؤوسهم من بعيد تعلو وتهبط في الأزِقَّة بين الدُّور وتنتشر فيها، ثم التفتُّ ورائي، فرأيت أبا سعد خارجًا من الأكمة، يعدو في السهل كأنه خيل سابح يركب الجو، ويجافي الأرض، وكانت الشمس أمامه منحدرة، تستقبله لكي تغيب ويغيب معها، هذه كانت آخر صورة في ذاكرتي لأبي سعد، آخر صورة لذلك الملثَّم، وبعدها بعام فقط طُرِدنا نحن أيضًا من بيوتنا لتُبنى مستوطنة اسمها "بيت حجاي" مكان بلدتنا، ونهجر نحن إلى يافا؛ لوجود أخوالي وعائلة أمي بها.

 

لم يبرَح أبو سعد عالمي ووجداني، كان يخطر لي أحيانًا في جلوة الذكريات، ولحظات الخَلْوة، وفي مواقف الصدام مع اليهود والأحداث الفارقة بيننا وبينهم، كان صوته يئِزُّ في أذني، آخر مرة حين مررت بمتحف القدس القديم الموجود عندنا في يافا من قبل النكبة، الذي أُغلِق فترة طويلة بعد قيام إسرائيل، ثم أُعيد للافتتاح قبل سنوات، كنت أمرُّ منه دائمًا حين أذهب للشاطئ، وتفاجأت تلك المرة بلوحة جديدة عليه، قد خُطَّت بأحرف عبرية: "مكتبة التراث"، لقد أصبح مكتبة يهودية، توقَّفتُ مصدومًا للحظات أمامها، متى وكيف حدث هذا ولِمَ؟ فإذا بصوت متهدِّجٍ خلفي يكلمني: "تفاجأت باللوحة؟" التفتُّ فإذا هو العم أحمد، صاحب متحف القدس الذي ورِثه عن أبيه، كان يبدو عليه الانكسار: "لقد غصبه مني اليهود، قاضيتهم في المحكمة وأتيتهم بالأدلة والشهود أن هذه الأرض التي عليها المتحف هي أرض اشتراها أبي، وأنه بنى عليها المتحف، قبل أن تقوم دولتهم، ولكن ما الحيلة والمخرج إن كان (حاميها حراميها)"، وفورًا سمعت صوت أبي سعد في أذني: "لن يكتفي العدو بتهجيركم وقتلكم، بل سيقتل وجودكم وكل ما يُذكِّر بكم هنا"، لقد كان أبو سعد يتجول أمام عيني محذرًا ومنذرًا في مواقف كثيرة، كسعي اليهود إلى عبرنة وأسرلة المناهج التعليمية، ومراقبة الأنشطة الاجتماعية والتربوية التي يقوم بها الفلسطينيون هنا، أو هدم المنازل واغتصاب الأراضي، وتوسيع رقعة الاستيطان، أو حتى في أبسط الأشياء كالمضايقات التي نتعرض لها من اليهود هنا، والعراكات اللفظية والجسدية، وكنت أحيانًا كثيرة أهُمُّ بفعل شيء، أن أقف في أرض المواجهة، أو أقود مظاهرات أو أحرِّض على عصيان، أن أعترض؛ لأن أبا سعد يصرخ في رأسي ويحضُّني على النزال، ولكني كنت أتراجع أو أخطو بضع خطوات وأنتكس، لقد بات أبو سعد في الآونة الأخيرة يزورني كثيرًا في نومي في حُلُمٍ وفكرة واحدة لا غير، كنت أراه دائمًا مع أخي حسام الذي قتله اليهود قبل سنوات في دفاعه عن بلدتنا ودورنا، مع شبانها حين أراد اليهود غصبها وتهجير أهلها، فلما تسلَّم أبي جثمانه، وقد أيقن أن اليهود سيحتلون البلدة لا محالة، قرر أن يدفنه بعيدًا عنها في أرض خلاء لا يزورها إلا الرعاة مع قطعانهم: "لا أريد أن يكون قبر ابني مسرحًا لأقدام اليهود، لا أريد لأرجلهم القذرة أن تنجسه، أريد أن أزوره وأقرأ الفاتحة عليه دون أن تنغِّص عليَّ نظراتهم، وأنا مرفوع الرأس ساكن، وهو مطمئن الرُّقاد آمن"، وهكذا دأب أبي على زيارة قبره ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، أما أنا في الثلاث السنوات أو السنتين الأخيرتين، فقد كان أبو سعد يأتيني في منامي؛ مرة رأيته كأنه يمسك بيدي ويقودني عبر هضبة فيتوقف على حفرة أطل عليها، فأنظر فإذا هي قبر أخي حسام، وإذا هو مُمَدَّد فيها يصرخ ويبكي، فأقول له: "حسام حسام، ما بك؟ ما الذي جرى لك؟ لماذا قبرك منكشف ومفتوح؟ ألم يُهيلوا عليك التراب؟" فلا يجيبني بغير الصراخ والبكاء، فأستيقظ من نومي مفزوعًا، ومرة رأيتني كأني أطل على هذه الحفرة مباشرة، فرأيت أبا سعد يجلس بجانب حسام، وقد أسند رأسه على يده، وحسام ممدد يبكي ويصرخ، وأبو سعد صامت يحدق إليَّ، فأصرخ: "حسام، حسام، ما بك يا أخي؟" وألتفت إلى أبي سعد: "ما الذي فعلت به يا أبا سعد؟ لماذا أنت هنا؟" فيهزُّ رأسه يمنة ويسرة، دون أن يتكلم وهو محدق بي، ومرة رأيته وأخي حسام يمشيان على أرض سديمية بيضاء، قد أحاط البياض بها من كل جهاتها، وفجأة أفلت أبو سعد يدَ أخي ومضى إلى اليمين، أما أخي فقد سقط أرضًا وانقشع البياض فجأة، فإذا هو على تلك الهضبة فأخذ يبكي ويصرخ، فاستيقظت أنا، كانت تتكرر عليَّ تلك الأحلام كثيرًا حتى ضِقْتُ بها ذرعًا من الخوف والفزع، فحدثت بأمرها أبي على انفراد؛ مخافة أن تسمعني أمي فتضيق وتفزع، شعر أبي بالرعب حينما قصصت عليه تلك المنامات وقال: "منذ زمن لم أزُرْ قبرَ أخيك، أتراه عاتبًا عليَّ أني انقطعت عن زيارته؟".

 

- "أظن أن الأمر أعمق من ذلك يا أبي، نحن انقطعنا عن زيارته ولكننا لم ننقطع عن تذكره والدعاء له هنا، أظن أن لها مغزى ومرادًا آخر، أو أنها أضغاث أحلام، أو تخويف من الشيطان"، لم يعجب أبي كلامي، وقرر من صباح الغد أن يشُدَّ الرِّحال إلى قبر أخي، ويرى إن كان ثمة خَطْبٌ ما هناك، وحين رجع من قبره بعد أيام كان وجهه يشي بالخيبة والضيق: "أظن أني عرفت سبب أنَّات أخيك يا عماد"، حدقت نحوه: "ماذا تعني يا أبي؟"، "لقد محَوا وجود أخيك فوق الأرض، ومحَوه باطنها، لقد سُوِّيَ قبر أخيك، ضاع وذهب، لقد بنَوا مستوطنة فوق القبر وفي الأراضي التي حوله، كان فوق مكان قبر أخيك مبنى وحدة طبية، فذهبت إلى بلدية المستوطنة، وحاولت أن أتحدث معهم بالإنجليزية والعبرية، وأسألهم عن القبر الذي كان هنا: ماذا فعلوا به؟ هل نقلوه إلى مكان آخر أم لم يأبهوا به؟ فنظروا إليَّ شَزْرًا، إلى أن تبرع موظف شاب يجلس على كرسي وتحدث إليَّ ببرود، وهو متكئ على الطاولة، وقال: "إنهم على الأرجح لم يأبهوا به، وسوُّوه بالأرض؛ لأنهم لا يهتمون بهذه الأمور، خاصة إن كان على القبر شاهد يوحي بأنه ليس قبر يهودي"، خرج أبي كسيفًا مكسورًا، وفي قلبه تتراءى له صورة أخي وهو يئنُّ كما يقول، أما أنا، فحين قال أبي: "لقد محَوا وجود أخيك فوق الأرض، ومحوه باطنها"، تذكرت عبارة أبي سعد: "فإن مسحوا القرى والأسماء من الخريطة، فلا يمسحوها من رؤوسكم أيتها الأجيال الناشئة، فلن يكتفي العدو بتهجيركم وقتلكم، بل سيقتل وجودكم وكل ما يذكر بكم هنا"، لقد كانت كلمات أبي وكلمات أبي سعد هي تأويل رؤاي ومناماتي، وكانت صورة المستوطنة وهي تحل مكان قبر أخي هي نبوءة أبي سعد ونذارته التي تحققت، وها هي الآن نبوءة ونذارة أخرى تتجسد أمام عيني في هذه الفتاة التي تستعرض بالكوفية، وتكسو بها جسدها، وترمقها أعين الناس حولها إعجابًا واستحسانًا دون استنكار: أي مخاتلة وفتنة تنطوي عليها فعلتها؟ فحتى إن كان عند أحد من هؤلاء اليهود ذرة أمانة، أو حمية، وأنكر عليها ارتداء الكوفية، ألن يَسْبِيه حسنها ودلالها، وجمال فستانها وهيئتها عن التدقيق في أمر الكوفية، كما حدث شيء منه قبل قليل مع صديقي أيمن؟ انظر كيف لبَّسوا الحق بالباطل، وخلطوا الحسن بالقبيح، قطع صوت أفكاري صوت أيمن:

"عماد، هل دعاك صديقنا حسن إلى العشاء في منزلهم؟"

 

"نعم دعاني، وسأذهب إن شاء الله".

 

حين رجعت إلى البيت ظللت أفكر بما رأيته اليوم، وأربِط الماضي بالحاضر، والخفي بالظاهر، وأنسج الخيوط في أثوابها، ما الذي آلت إليه قضيتنا الفلسطينية؟ ما الذي ضاع منها؟ وما الذي ثبت في مكانه؟ هل ضاع الكثير؟ لماذا وكيف ضاع؟ كيف وصل اليهود إلى هذه الوقاحة والجرأة حدَّ أن يغصبوا أعلام الثقافة الفلسطينية؛ كالكوفية والكنافة والمقلوبة والشكشوكة وغيرها، وينسبوه لأنفسهم؟ هل نسِيَ العالم من هم الفلسطينيون حنى يصدقوهم؟ هل يعرفوننا أصلًا؟ هل نَسِينا نحن مدننا وقرانا وبلادنا المحتلة؟ هل نَسِينا نكبتنا، شهداءنا، لجوءنا ومآسينا، قتالنا وتضحياتنا، أَسْرانا، مخيماتنا، ثقافتنا وماضينا، هل نسينا أنفسنا؟ هل نسينا أقصانا؟ هل ما زالت قضيتنا تيمَّم الأفئدة شطرها، وتتحلق حولها سواعد أهل الحق، وتُوزَن بها الحقوق والظلم والعدل؟ هل ما زالت قضيتنا بتلك المكانة القديمة؟ حقًّا لا أدري.

 

في المساء خرجت إلى منزل صديقي حسن، وهو منزل قديم يشبه البيوت الفلسطينية العتيقة؛ لأنه بالأصل كان منزل جَدِّ أبيه، فورِثه جَدُّه منه، والآن يسكن معه ابنه والد حسن وعائلته، حين حان وقت العشاء، وأدخلنا حسن على غرفة الطعام، دخل علينا جَدُّ حسن، كان شيخًا مربوعًا، منتصب القامة، طويل الوجه، عريض اليدين، حليق الذقن، وله شارب طويل عريض، كان يبدو صلبًا قويًّا، وحين صافحنا لا أنسى كيف ضغط على عظام كفِّي، وكأن مسمارًا يغرز فيها، لم يكن يبدو كفؤَ عمره وسنه الكبيرة، كان في الثمانين، ولكن هيئته وقوته جعلتاه يبدو في الستين أو الخمسين، يرتدي جمبازًا وكوفية وعقالًا محافظًا على تراثه الفلسطيني كباقي أشياخ وكهول فلسطين، قوته وصلابته كانتا غيضًا من فيض ماضٍ ريَّان بالقوة والشجاعة؛ فقد كان مقاومًا في حروب النكبة 1948م مع عبدالقادر الحسيني، رغم سنه الصغيرة جدًّا آنذاك، وبعدها في جيش التحرير؛ حيث كان مع المجموعة التي قامت بالعملية العسكرية في عيلبون 1964م، وبعدها شارك في معركة الكرامة الشهيرة 1967م، ومن ثَمَّ في المناوشات التي كانت تقوم بها المقاومة في الضفة، وأيضًا في الإضرابات والتظاهرات التي كان يقوم بها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة هنا، وحين كان العمل العسكري لحركة فتح يتحلحل ويتضاءل شيئًا فشيئًا، قام بالانضمام إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، حين أعلنت عن تأسيسها لجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام 1991م، وبعد عام من انضمامه إليها اعتقلته قوات الاحتلال لاشتباهها بنشاطه المقاوم؛ فقد كان يخفي مقاومته، وحكمت عليه بالمؤبد بتهمة المقاومة و"الخيانة" لدولة إسرائيل؛ لأنه كان من سكان يافا المحتلة، وأفرج عنه أخيرًا في صفقة وفاء الأحرار 2011، خرج من السجن قبل عامين، رحب بنا، وتعشى معنا، وجعل يحدثنا عن ذكرياته في معارك المقاومة، وقصص القتال، وغطرسة وإجرام الاحتلال، وعن قرى وأماكن فلسطين، وأخبارها قبل النكبة وبعدها، انجذبنا كثيرًا لحكاياته وأخباره، وهو أيضًا تبسَّط في الحديث معنا، بعد العشاء عرض علينا أن يُدخِلَنا المنزل، ويرينا بندقيته، وبعض الصور التي بقيت عنده من ماضيه مع المقاومة، كان جد حسن وجدته وعمته وعمه يسكنون في الطابق الأسفل من البيت، وأبو حسن وعائلته في الطابق الثاني، وفي مدخل المنزل مجلس الضيوف وغرفة الطعام اللتان كانتا مشتركتين بين عائلتي الجد والابن، لمن أراد استضافة أحد، دخلنا المنزل بعد العشاء، ومررنا بزقاق يؤدي إلى غرفة في نهايته، كان الجدار الأيمن للزقاق قد علق عليها أربع لوحات صور لجَدِّ حسن، قديمة باللون الرمادي؛ الصورة الأولى تبدو رسميةً حين كان شابًّا في بداية العشرينيات، والثلاث الصور الباقية له وهو يحتزم سلاحه مع رفاقه المقاومين في مراحل مختلفة أثناء حروب النكبة وما بعدها، دخلنا الغرفة التي كانت صغيرة مربعة قد غطَّى أحدُ جدرانها رفوفًا قد امتلأت بالكتب، وبقية الجدران قد صُفَّت عليها سِلال مغطاة وأكياس ومتاع، وفي إحدى الزوايا يوجد كنب فردي أزرق، وبجانبه كنب طويل يتسع لثلاثة أو أربعة، بجانب الكنب الفردي انتصبت بندقية، وبجانبها سلة طولية مفتوحة، فيها مسدسان صغيران، وعلبتا معدن تحوي رصاص البنادق، جلس جَدُّ حسن على الكنب المنفرد، وأمرنا أن نجلس على الكنب الطويل، كنا أربعة فوسعنا جميعًا، انتبهت لجانب الجدار المحاذي للرفوف، فإذا هو قد عُلِّق عليه ثلاثة ألواح صور كبيرة، على شكل مثلث، فيها جَدُّ حسن مع رفاقه المقاومين، إحدى الصور - وتبدو ملونة بعض الشيء - قد وضع أحد المقاومين الذي كان ملثَّمًا رجله على جندي صهيوني منبطح قد أسرُوه، وبجانبه يقف جد حسن وقد عصب الكوفية على رأسه، ونصب بندقيته على ظهر الجندي، الصورة الثانية لجد حسن وهو ملثَّم بالشماغ، ويجلس على العشب وحده، الصورة الثالثة لثلاثة من المقاومين، أحدهم كان ملثَّمًا، معهم جد حسن يجلسون على أنقاض منزل مهدَّم، وهم يتناولون الطعام، وقد رفعوا أصابعهم متمثِّلين شارة النصر، شدتني صورة الملثم في الصورة الأخيرة، وكان جسمه يشبه جسم أبي سعد؛ فسألت جَدَّ حسن:

"هل تعرف مقاومًا يكنى أبا سعد؟ كان يتلثم دائمًا؟"

 

"لا أعرف أحدًا بهذا الاسم، وكثير من المقاومين كان يتلثم بصورة دائمة حتى إن المقاومين أنفسهم لم يكونوا يرون وجوههم".

 

صمتُّ قليلًا ثم قلت:

"ولكن اعذرني يا عم، لماذا تعلق هذه الألواح وتظهرها هكذا بشكل مفضوح؟ ألَا تخاف أن يقتحم جنود الاحتلال المنزل فجأة ويرونها؟".

 

"لم أعلقها إلا منذ فترة قريبة، وكانت مركونة ومغطاة فترة طويلة في مخرن المنزل، حتى هذه البنادق كنت خبأتها عند صاحب لي في سنوات اعتقالي، ولم أستردها منه إلا منذ فترة قريبة حين شعرت أن وطأة مراقبة اليهود لي قد خفَّت، أما لماذا أعلقها هكذا وقد يقتحم اليهود المنزل في أي وقت، استجابةً لخاطر متوجس يرِد في صدورهم فجأة؟ فأنا أعلقها ببساطة لكيلا أنسى، لكي توقظني الصور، ولا أنسى من أنا، وما كنت عليه، وما أنا متوجه إليه، لكيلا أنسى فلسطينيتي، لكيلا أنسى شعبي وقضيتي".

 

قال أيمن: "وهل يُنسَى أمر كهذا يا عم؟ وهل تستطيع أنت أن تنسى ماضيك المكافح المقاوم الذي لم يهدأ؟ هل يمكن أن يتحول هذا الماضي الثائر إلى أرض هامدة من النسيان والعدم؟".

 

"ومن يدري؟ السكون يركبه السكون، والذاكرة حفرة لا قاع لها تُردَم كل حين بالذكريات الجديدة، حتى إذا غارت الذكريات القديمة بعيدًا، وتراكمتها ذكريات حادثة، مضت كأنها لم تكن يومًا، وسكون يا ولدي إثر سكون يتلبد تحته كل ثوران، إنه أشبه بغيث دِيمة رقيق الهطول، شفيف الإحساس، ولكنه ينزل على الرمال الهائجة، فيسكنها، ويستنبت منها العشب والكلأ، فإذا هي أرض أخرى غير الرمال التي تعرف، هذا هو السكون الذي أخاف أن يسطو على ثورتي وحربي، أعترف، لقد كسرتني سنوات السجن بعض الشيء، وحين خرجت رأيت أن أمورًا كثيرة تغيرت في القضية، ثم نظرت في عمري، فإذا ما مضى أكثر مما بقِيَ، فأين هم الآن رفاق النضال والجهاد؟ بعضهم سُجِن، وبعضهم اغتِيل، وبعضهم أقعده السن والضعف، وبعضهم للأسف ركن إلى السلم وآثر القعود، المهم أني لا أريد لهذا السكون الطويل أن يُطبِق على ثورتي؛ لذلك أعلق هذه الصور الآن كي يثور داخلي - على الأقل - كلما نظرت إليها، وَدَعْك من لغة الاستعارات والمجازات، وانظر إلى الواقع لتفهم كيف يغير النسيان أو التناسي وجه المشهد، انظر إلى كثير من المقاومين أين ذهبت مقاومتهم ونضالهم؟ بعضهم تدرع بدرع السياسة الذي يدافع ولا يهاجم، ويخاتل ولا يقدم، ويصر مقتنعًا أن فيها وفي طاولات الحوار والمفاوضات حلًّا للصراع، وبعضهم يئس من طول الطريق مع ما يقطعه من قواطع متجددة، فكان ضجره وسأمه مُقعِدًا له، وسلاحًا من أسلحة النسيان والتفريط، الذي يؤذي به القضية من حيث لا يعلم، وبعضهم ظل ينتظر الدعم والحشد واللحظة المناسبة، أو ينخدع بالوعود دون أن يفعل شيئًا، فأهمده انتظاره، وطول مكوثه، وبعضهم وقع فريسة بأيدي قادة فاسدين، يقولون ما لا يفعلون، ويكذبون ولا يصدقون، يبيعون القضية بالمال والسلطة، وبعضهم وبعضهم، وأنتم تشاهدونهم كما أشاهد يا أولادي، كلما تقادم عمر الشيء أصبح عرضة للترك والنسيان، أو عرضةً للإلف والتعود، لا فرق، ونحن قد مضت عقود على قضيتنا، وكلما مضت عليها الأعوام، غربت مكانتها شيئًا فشيئًا في الأفئدة، مع أنه لا يمر يوم فيها إلا ويحدث فيه ما يثير الصراع من جديد، إلا أنه ينبغي علينا أن نربط صراع اليوم بحروب الأمس، وأن نعيد ترتيب الصفوف في صفين فقط، كما كانا بالأمس: صفَّيِ الحق والباطل، صفي صاحب الأرض والمحتل، صفي المظلوم والظالم، صفي البريء والمجرم، صفي المقاوم والغازي، فقط فقط، ولا ثالث بينهما، العرب يا أولادي انشغلوا أو شُغِلوا عنا، ونحن كذلك انشغل كثير منا عن قضيتنا، ولكننا هنا على هذه الأرض، لا نزال في بؤرة الحرب، تشتعل نارها من تحتنا حينًا وتُطفَأ حينًا، تلسعنا بشرارها حينًا وتخبو بالمرة حينًا، ولكننا ما زلنا فوق أتُّونها، ينبغي لنا دائمًا أن نتذكر ونذكر، التعويل في قضيتنا على الذاكرة، لا غير حتى في أصغر الأشياء، لماذا تظنون أني أرتدي دومًا قمبازي الفلسطيني وكوفيتي وعقالي لا أنزعها؟

 

- قال حسن: "إنها تراثنا الذي لا ينبغي أن نهجره أو نخجل منه".

 

- "صحيح صحيح، ولكن هنا معنًى أعمق وأهم، إني أذكر بها نفسي والناس حولي بمن أنا ومن هم، وأننا فلسطينيون من أرض تسمى فلسطين، حدودها من النهر إلى البحر، إنها دعوة صامتة للناس أن يتعرفوا عليَّ، ويطَّلعوا على تاريخي وقضيتي من خلالها، أزياؤنا الشعبية، مأكولاتنا، موالاتنا، وفلكلورنا، وعاداتنا الشعبية هي أيضًا تذكير بقضيتنا، وتعريف بنا، انظروا إلى هؤلاء الملاعين كيف طالت سرقاتهم حتى ثقافتنا وفنَّنا؟ لأنهم يريدون بناء تاريخ لهم على هذه الأرض يشبهها، ولكنه لا يشبههم، هذا احتلال اجتثاثي، يريد أن يجتثَّ كل شيء لكي يثبت أحقيته بهذه الأرض، فهو يغتصب المكان والذاكرة، ويقتل ويهجر الإنسان؛ لكيلا يبقى أثر إلا أثره، في إسبانيا - مثلًا - عندما طردوا المسلمين، وحاولوا تذويبهم في دينهم المسيحي وثقافتهم، لم يحاولوا أن يمحوا تاريخهم كاملًا، أبقَوا بعض المساجد والآثار الإسلامية، وإن كانوا قاموا بتحويل بعضها لكنائس، ولكنك ما زلت ترى المئذنة جوار الصليب، وبعض الآيات والكتابات العربية المنقوشة، أما هؤلاء الصهاينة فهم يطمسون الآثار العربية والإسلامية؛ لكي يهوِّدوا التاريخ والجغرافيا، وتصبح فلسطين كما يزعمون أنها كانت (أرضًا بلا شعب، لشعب بلا أرض)، يطمسون الشواهد الواضحة، وينبشون في أعماق الأرض بحثًا عن تاريخهم البائد، وآثارهم وحفرياتهم المتآكلة، ويروِّجوا لأساطيرهم الدينية؛ لكي يُثبتوا لهم تاريخًا ووطنًا مصطنعًا، لماذا يزعمون أن تحت الأقصى هيكلهم المزعوم؟ ليهدموا الأقصى، ليقولوا: إن لهم القدسَ دون غيرهم، لماذا لا يبنون هيكلهم جواره؟ لماذا يريدون محوه؟ لماذا لا يفعلون مثلما صنع المسلمون حين فتحوا المدينة وأبقوا الكنائس لم يهدموها؟ ولماذا يزعمون أن حائط البراق هو حائط الْمَبْكى عندهم، ويريدون أن يمنعوا غيرهم من الوصول إليه؟ إنهم يعلمون أن لا شرعية لهم ولا دولة إلا بتاريخ وماضٍ يستندون عليه، يثبتون من خلاله نسبهم، وأن وجودهم قديم عريق، فإياكم يا أولادي أن تَدَعُوهم يسرقون ما يشاؤون من تراثكم وتاريخكم، متوهمين أنه إن ذهبت الأرض، فهل سيبقى شأن للتراث والثقافة؟ لا، إياكم وهذا التوهم، قاتلوا عن تاريخكم وأثبتوه، كما تقاتلون عن أرضكم، فمن قال: إن التاريخ دفة كتاب وأخبار وروايات أو تراث وموروث؟ التاريخ نهر زمني جارٍ لا يحده أن كان منبعه فترة زمنية معينة أو واقعة محصورة، التاريخ هو هُوِيَّتُكم، هو أنتم، تذكَّروا دومًا كل ما حصل لبلادكم في النكبة وما قبلها وما بعدها، تذكروا مدنكم المحتلة، أسماءها التي غيَّرها الاحتلال، لقد محَوا وجودكم حتى من الخرائط، أصبحت الخرائط تسمي هذه الجغرافيا بـ"إسرائيل" بدلًا من فلسطين، أنكِروا هذا المنكر، ولو بأصوات قليلة، تذكَّروا تاريخ البلاد وأخبار البلاد قبل النكبة، تذكروا اللجوء المخيمات والتهجير، تذكروا الأقصى، المجازر وجرائم العدو، النكسة، المناطق التي يزحف عليها العدو بالاستيطان، الأسرى في السجون، الخيانات واصطفافات المصالح والمداهنات والتواطؤ والفساد، تذكروا هذه الهزائم والخسائر جيدًا وذكروا بها؛ فالعدو له معنا رِهانان: رِهان على الأرض، ورهان على الذاكرة والصمت، وفي التذكير الدائم حشد للأحقاد، وأقصر طريق للنصر هو حشد الأحقاد حتى تتعاظم الرغبة بالانتقام والصمت، والنسيان أو التناسي، تواطؤ على الهزيمة من حيث لا نعلم، الصمت قتل فوق القتل، تخيل أن يُسرَق بيتك، وتُغتصب حُرَمُك، ويُؤخَذ منك ما تملك، والناس من حولك يتفرجون ويسكتون، ذلك قتل أنكى وأشد، التذكير يا أولادي وفاء للمنكوبين والشهداء، هو صراخهم لأبنائهم، وإن كانوا في قبورهم: ألَّا ينسوهم، التذكير هو وفاء للأبطال الذين قضَوا دفاعًا عن قضيتهم، ونوع من ردِّ الجميل لهم، ولا أقل من أن نسمي شوارعنا بأسمائهم.

 

قلت أنا:

"أحيانًا أشعر بأن تذكيرنا بقضيتنا لم يعد كما كان في سابق عهده، أو أن صوته يعلو عند ظهور الأحداث فقط، هناك قضايا كثيرة مهمة في قضيتنا ضاع صوتها مع الأيام، وفَقَدَ الناس الاهتمام بها إلا من هم معنيون بها بشكل مباشر؛ كقضية الأسرى في السجون مثلًا".

 

"ولكن تخيل يا ولدي يا عماد، لو أننا خُنَّا الذاكرة واكتفينا بالصمت، سيُنسى الأسرى في ظلام السجون، سيزحف الصهاينة أكثر وأكثر على أراضينا بمستوطناتهم، ستضيع حقوقنا أكثر في صفقات الخونة المستمرة مع الصهاينة، ستلجم أفواهنا، وتتبعثر ذواتنا تحت سياط الظلمة الخونة الذين بيدهم أمرنا، سيتغير وجه الأرض ربما، وربما ذهب الأقصى وقد تختفي شيئًا فشيئًا فلسطين، الذاكرة يا ولدي أرشيف الهُوِيَّة التي فقدت وجودها المادي، تناسل وجودها المعنوي في فضاء اللازمان واللامكان، الذاكرة هي أيضًا جزء من صراع البقاء في سنة التدافع الإنساني الذي إن توقفت فسدت الأرض، وانقرضت معانٍ وحقوق، خراب الأرض في تقويض مبانيها وذهاب ملامحها، وخراب الذاكرة في نسيان التفاصيل، وسوء التوثيق والحفظ، سأسألكم: هل يموت الشهيد؟".

 

قلنا:

"لا، هم أحياء عند ربهم يرزقون".

 

"فكيف يكون الشهيد حيًّا عند ربِّه، ويموت عند الأحياء، كيف تُنسى قضيته عندهم؟ أليست حياته عند ربه دلالةً على خلود قضيته وأنها عظيمة لا تموت؟

 

مرة أخرى، التذكير والذاكرة الفلسطينية ليست أمرًا هامشيًّا في القضية، أكاد أقول: إنها لُبُّ الصراع، نحن ليست ذاكرتنا ذاكرة طفل، سرعان ما ينسى الإساءة إن أُعطِيَ لعبة أو حلوى أو لاقى بعض مواساة وإحسان، نحن نحفر نكباتنا ومظلماتنا في صخرٍ؛ عُدَّةً ليوم الثأر، وانظر ماذا يحدث عند النسيان؛ يمجَّد الخونة والكذابون، ويُنسى الأبطال والشهداء، وعند فقدان الذاكرة يستوي الخبيث بالطيب، والبطل بالكذاب".

 

قلت أنا:

"ولكني أتساءل يا عم: كيف تزحزح هكذا قضية عظيمة واضحة بيِّنة عن الذاكرة، وتُنسى أو يُغفل عنها؟".

 

"وأين تغرق قضية عظيمة كهذه إلا في بحر من التفاهات، انظر بِمَ شغل الشباب اليوم؛ لتعرف أين صرفت قضيتنا".

 

قال حسن:

"سيدي (جدي بالدارجة الفلسطينية) ولكن أشعر أنه لا فائدة كبيرة تُرجى من التذكير، أو فلنقل، أعني، أرى أن القتال والمقاومة هي الحل الجذري لقضيتنا حتى نسترد آخر قطعة أرض".

 

"لو لم تكن حفيدي، وأنك أمام أصحابك، لضربتك بكعب هذه البندقية على رأسك".

 

قالها مبتسمًا فضحكنا، ثم أكمل كلامه وقد رجعت ملامحه الحازمة:

"هل تكلمت عبثًا فيما مضى؟ بالطبع إن المقاومة المسلحة هي الحل، ولكن كيف تُحمى القلوب للقتال، وتُحرَّض الصدور، وتتدرب السواعد، إن كانت العقول ناسية أو غافلة؟ كلٌّ يقاوم في ميدانه وبحسب استطاعته، وحتى المقاومون في الميدان بحاجة إلى أن تذكروهم وتذكروا انتصاراتهم وبطولاتهم، وتُفاخروا بها أمام العالم مرة بعد مرة، فإن كانت ذكريات الهزائم تُورِث الحقد والكره الدافعين للانتقام، فإن أخبار النصر ومرويات البطولات تعمُر الصدور بالعزِّ، وتعطي القلوب ثقة وقوة أمام أعدائها، قاوموا بالتذكير، قاوموا قاوموا بالقصص والروايات والأشعار، بالخطب والإعلام والإنترنت، بالشعارات والشارات، والرموز والرسومات، بالثياب الفلسطينية، بالكوفية، بكل ما بهويتكم، بتذكر أخبار النكبة والمجازر، والأسرى والجرائم، وكل ما يُذكِّر بكم، المهم ألَّا تقطعوا التذكير الدائم؛ فإن قُذِفَ حَجَرٌ واحد في البحيرة، فسرعان ما يغلب سكونها رشاشه وبعثرته، ولكن إن قُذِفت أحجار؟ إن قذفت صخور؟ ربما تطير الطيور التي كانت تسبح عليها وتفر الحيوانات الهاجعة حولها، وتضطرب الأسماك تحتها، لا تخافوا لأنكم "عرب إسرائيل" كما يسموننا، وأنكم في الجزء المعقد والملتبس والأضعف، ربما بالنسبة إلى غيركم، بل غيركم ربما ليس بأحسن حال منكم، أنتم أصحاب البلاد الحقيقيون، أنتم النيران الخامدة تحت الرماد، فاشتَعِلوا".

 

بدا أن الجَدَّ قد تعِب من الكلام، أو أن الكلام أتعبه؛ فقد كان قولًا ثقيلًا عليه وعلينا، وضع يده على صدره، ثم استنشق نفسًا عميقًا وتنهَّد، تلمَّس بيديه جوانب الكنب، كأنه يبحث عن شيء، ثم تنبه ووضع يده على البندقية جواره، وقام وقد اتكأ عليها، لم يكن يستند على عصًا قبل ذلك، ولكنه الآن توكأ على بندقيته، واتجه نحو الباب، التفت إلينا قبل أن يخرج وقال:

"اعذروني، لقد شعرت بالتعب قليلًا، وأريد أن أذهب وأستلقي، يمكنكم البقاء بالغرفة والتفرج على ما تريدون فيها، حسن يا ولدي؛ أطفئ أنوار الغرفة والزقاق إذا خرجتم".

ثم ودَّعنا وشكرناه وصافحناه وخرج.

 

أما أنا، فحين عدت إلى البيت تذكرت صاحبي محمودًا من مدينة البيرة في الضفة الغربية، الذي تعرفت عليه في القدس قبل سنوات، حين ذهبنا نصلي في المسجد الأقصى، التقينا بعد لقائنا الأول مرتين، ولم نتمكن بعدها من الالتقاء كثيرًا؛ بسبب صعوبة الوصول للقدس لكلينا، جرَّاء نقاط تفتيش الاحتلال وسياساته الأمنية، وكان أكثر تواصلنا في الهاتف، إلا أني انقطعت عن التواصل معه منذ فترة طويلة جدًّا، أمسكت هاتفي، وكتبت إليه بعد السلام والاطمئنان عليه:

"صديقي محمودًا، ما أخبار الضفة والقدس؟ كيف هي أوضاع سكانها وعيشهم؟ كيف هم مع الاحتلال وفي الميادين؟ لا تظن أنا إن كنا نعيش في الداخل أنا نسينا، يسموننا فلسطينيي الداخل، فهل أنتم إذًا في الخارج؟ ما الخارج والداخل؟ ما هذه الأسماء؟ كيف نصبح نحن وأنتم داخلها وخارجها وهي فلسطين، أرض واحدة وكلنا فلسطينيون؟ أي منطق هذا؟ هل نحن ملامون إن نسيناكم؟ أم أنتم تلامون إن نسيتم أراضيكم المحتلة هنا؟ إن نسيتمونا؟ المهم ألَّا تظن يا صاحبي أننا نسينا، نحن عَنْقاء، كلما قتلها الاحتلال وظن أنه محا وجودها، خرجنا له من تحت الرماد، مُدَّ يدك من الضفة، وأنا سأمد يدي من أرضنا المحتلة، هاتان اليدان، والرأس غزة، والقلب القدس، ونحن فلسطين".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في الذاكرة
  • اختبار دقيق لتشخيص فقدان الذاكرة
  • حفريات من الذاكرة: في رحاب الخزانة
  • حفريات من الذاكرة: نظرية السبابة والوسطى
  • أصوات في الذاكرة
  • الذاكرة الشعبية لعبد الرحمن بن عبد الله الشقير

مختارات من الشبكة

  • صفحات من الذاكرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • غمسة محو الذاكرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذاكرة التناصية لقصيدة ترنيمة الشوق لأسامة الرياني(كتاب - حضارة الكلمة)
  • هل أعاني من اضطراب الذاكرة المكانية؟(استشارة - الاستشارات)
  • الذاكرة وفنون الحفظ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الذاكرة البشرية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حديث من عبق الذاكرة!(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قبيلة "بورنا" والسقوط من الذاكرة الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تفاصيل صغيرة في الذاكرة القوية!!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • حشو الذاكرة وخواء الإدراك(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 


تعليقات الزوار
1- قلم بديع
عبدالعزيز المعيقل - السعودية 31-01-2024 06:24 AM

ما شاء الله تبارك الله، قطعة أدبية رائقة وجليلة المعاني

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب