• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / من روائع الماضي
علامة باركود

رسالة تاج الدين السبكي إلى والده، وجواب والده عليها

رسالة تاج الدين السبكي إلى والده، وجواب والده عليها
أ.د. عبدالحكيم الأنيس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/8/2016 ميلادي - 5/11/1437 هجري

الزيارات: 21245

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رسالة تاج الدين السبكي إلى والده، وجواب والده عليها

 

المراسلاتُ بين الأبناء والآباء مِنْ أجمل المراسلات، لاسيما إذا كانوا من أهل العلم والفضل والدين، وهذه رسالةٌ كتبها تاجُ الدين السبكي إلى والده تقي الدين -رحمهما الله تعالى- في سادس عشر جمادى الأولى سنة (755هـ) بدمشق، وكتبَ الوالدُ جواباً لابنهِ عليها.

 

ولا ندري سببَ كتابة تاج الدين هذه الرسالة، ولكننا نستشفُّ ذلك مِنْ مضمون الرسالتين، ويبدو أنه متعلقٌ بعلاقة التاجِ بالناس، وفتحهِ باب قضاء حوائجهم، وتقريبِ غاياتهم، وقد فُسِّرَ هذا تفسيراً أدخلَ الحزنَ على قلبه، وهو أنه يريدُ مِنْ ذلك تحقيقَ أمورٍ خاصة.

 

وهاتان الرسالتان نقلهما السيوطي في الجزء السابع من تذكرته (الفلك المشحون) (الورقة 2-4 حسب ترقيمي) مِنْ خطِّ الابنِ والأبِ.

 

وقد رأيتُ نشرَهما؛ لما لهما من أهميةٍ كبيرةٍ في الكشفِ عن جوانبَ جديدةٍ في حياة الشيخين القاضيين، وحاولتُ توضيحَ نصَّيهما كما ترى.

 

♦♦♦♦

قال السيوطي -رحمه الله-:

♦♦♦♦

(بسم الله الرحمن الرحيم

ربِّ يسِّر

نقلتُ مِنْ خطِّ الشيخ تاج الدين السبكي -رحمه الله تعالى- ما نصُّه:

بعد البسملة الشريفة:

الحمدُ لله، وصلى اللهُ على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

 

أمّا بعدُ:

فهذه رسالةٌ كتبها العبدُ الفقيرُ إلى الله تعالى عبدُالوهاب بنُ علي السبكي إلى والده ---أطال الله عمرَه، وشيّدَ به رَبْعَ الدين وعَمَرَه-.

 

الأسبابُ المقتضيةُ للإجلالِ والتعظيمِ، والمحبّةِ والمهابةِ عند الصاحبِ لصاحبه أمورٌ:

أحدُها: القرابةُ: وأعلى درجاتها البعضيةُ، فلا أعظمَ من الوالدية والولدية.

والثاني: العلمُ: واللهُ يعلمُ أنَّ سيِّدَنا عندَنا في درجةِ سفيان الثوري، ومحمدِ بن إدريس الشافعي، وأمثالِهما.

والثالث: الدِّينُ: ولا يَشكُّ اللبيبُ في أنَّ مولانا بالمحلِ الأعلى منه، وأنه جامعٌ لأنواعهِ، حاوٍ لأقسامهِ، قائمٌ فيه بقلبهِ وقالبهِ، وأنّه من الأولياءِ.

 

ولو كنّا نقضي بما نقضي به على العلماء لقلنا: إنّه أزهدُ أهل زمانه، ولكنّه لا اطلاعَ لنا على الزُّهاد، بخلاف ذوي العلم، فإنَّ العلمَ لا يكادُ يختفي على أحد.

 

والرابع: الإحسانُ: وقد اشترك الخاصُّ والعامُّ في معرفة إحسانِ مولانا لبنيه وذويه إحساناً بلغَ النهاية مِنْ قدرتهِ، مع تقصيرهِ في الإحسانِ إلى نفسهِ. ومرادُنا بالإحسان هنا الإحسانُ الدُّنيوي دون الدِّيني.

 

والخامس: الهدايةُ والإرشادُ: وقد نصبَ اللهُ تعالى مولانا علَماً تأتمُّ الهُداة به، وضياءً تمشي السائرون في جنَباته.

والسادس: الرأفةُ والشفقةُ والمحبةُ: ومولانا بالمكانِ المكينِ منه كلِّه.

 

والسابع: حُسْنُ الإخاء: مِنْ بذلِ النُّصحِ، وعدمِ الحقد، والإغضاءِ، والصفحِ، والحلمِ:

أبداً تراهُ لا يعاتِبُ صاحِباً
بالذنبِ خوفَ تغيُّرِ الأصحابِ
فالذنبُ ليس بسالمٍ منه امرؤٌ
والعاتبونَ غدوا بلا أحبابِ
والصفحُ أولى ما تدرَّعَهُ الفتى
والحقدُ شرُّ ملابسِ الأثوابِ

 

وكلُّ خصلةٍ من هذه الخصال تُوجِبُ ما ذكرنا من الإجلال والمحبة، فما ظنُّك بها إذا اجتمعتْ؟

وأقول: إنّي

ذو خُلُق خَلِق إذا وازنتَهُ[1]
أربى وإنْ يكُ آخرَ الميزانِ
كيف النجاةُ وإنهُ الموضوعُ في ال
ميزانِ قبلَ مكاسبِ الإنسانِ؟

 

والطالبون ذوو إلحاحٍ وعمَى لا يَعرفون إلا قضاءَ حوائجهم، وقادرون والأذى أغلبُ على طبائِعهم، وإذا أُضيف إلى عماهم وجاههم سماعُهم ذكر الدرهم والدينار ازدادَ الجهلُ جهلاً، والعمى ضلالاً، فهُمْ أحبُّ خلقِ الله فيما بأيديهم، وما أحسنَ قولَ ابن الرومي:

ولوْ أنّي جُعِلتُ أميرَ جيشٍ
لمَا قاتلتُ إلا بالسؤالِ
لأنَّ الناسَ ينهزمونَ منهُ
وقد صَبَروا لأطرافِ العوالي

 

[إذا أُضيفَ هذا][2] مع ضعفِ المسؤولِ عن مقاواتهم كانَ ذلك أشدَّ.

وإنّي لما حُدِّثتُ فيما علمتم - واللهُ يعلمُ أنَّ الدنيا تضيقُ بي إذا حُدِّثتُ في شيءٍ مِنْ ذلك، وأنَّ الحالَ في هذا الزمانِ مضطرٌ إلى المحاسبة[3]، وأنتم تعلمون أنَّ مَنْ نَسَبَ إلى علمِ اللهِ ما لم يكن فقد كفرَ- ثم جئتُكم بعد إهانةٍ زائدةٍ، ورددتم الكلامَ رَدَّ مَنْ غلبَ على ظنِّه أنَّ لي غرَضاً -واللهُ يعلمُ البراءةَ مِنْ ذلك - شقَّ ذلك [عليَّ][4] مشقةً زائدةً، وقلتُ: سبحان الله:

نُرَقِّعُ دنيانا بتمزيقِ دينِنا ♦♦♦ فلا دينُنا يبقى ولا ما نُرَقِّعُ


وقد كتبتُ هذه الأسطرَ باسطةً للعذر، مُعْلمةً أنَّ مولانا لا ينبغي أنْ يقيسَ على نفسهِ غيرَه، ولو أنه[5] إلا لأنه يُعامَلُ بما لا يُعامَلُ به غيرُه من التهكُّم، مع ما في أنفسِ الناسِ الأعداءِ خذلهم اللهُ منه مِنْ مكايد، لا يجدون بُدّاً من الانتقامِ والتشفِّي بأولاده - حيثُ قدروا لا قدرهم الله - لعجزهم عنهُ[6]، مع أنّهم لو قدروا عليه هو لم يُبالِ بهم، فإنّه:

مَنْ كان فوقَ محلِ الشمسِ موضعُهُ ♦♦♦ فليس يرفعُهُ شيءٌ ولا يَضَعُ


وهذا بخلافِ غيرهِ، وهذا هو المُوجِبُ للحديثِ معكم.

وأمّا ترتُّبُ غيظِكم على ذلك، وتوهُّمُكم فيَّ ما لا ينبغي، فهو أشدُّ الأمرين، وآلمُ الجرحين، وأعظمُ المُذففين.

وأشتهي أنْ تعلموا العذرَ، وأنْ يكون خاطرُكم مع ذلك طيّباً راضياً، وأنْ تدعوا لي دعاءً ينفعُ -إنْ شاءَ اللهُ تعالى- في الدارين، فإنَّ مَنْ كان والِداً عالِماً عامِلاً مُحسناً مهذِّباً رؤوفاً حليماً ينبغي اغتنامُ هذه الأشياءِ منه.

 

وأنا قد كتبتُ إلى الأخ بهاء الدين[7] مِنْ مدةٍ أنِّ الذي أدينُ اللهَ تعالى بهِ أنَّ الإقامةَ عندَكم أفضلُ مِنَ الإقامة بمكة[8].

 

لذلك فما أشتهي خاطرَكم يتغيّرُ، وأشتهي تكتبونَ الجوابَ بخطِّكم فيما فضلَ مِنْ هذه الأوراقِ، لتكون حجةً لي عليكم[9] يوم القيامة، وسجلاً يشهدُ برضاكم عني، ودعائِكم لي.

 

كتبه عبدُالوهاب بنُ علي السبكي غفر اللهُ لهما، في سادس عشر جمادى الأولى[10] سنة خمس وخمسين وسبع مئة، بدمشق.

وصلّى اللهُ على محمدٍ وسلُمَ.

 

وقد أحاطَ علمُكم بأنَّ الذي ضمِنَ له عبدُالرحمن ابنُ أبي حاتم الجنةَ دُفِنَ وورقتُه معه.

وأنَّ السيّدَ الكبيرَ الإمام أبا بكر الصبغي دُفِنَ معه الخاتمَ الذي رأى في النوم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر تختموا به.

 

ونحنُ نرجو أنْ تُدْفَنَ هذه الكراسة التي يكون فيها خطُّكُم بذلكَ - إنْ شاءَ اللهُ - معنا.

والحمدُ لله، وصلى اللهُ على سيِّدِنا محمد، وآلهِ وصحبهِ وسلَّم تسليماً.

 

♦♦♦♦

فكتبَ والدُهُ عقبَ ذلك في بقيةِ الكُراسةِ ما نصُّهُ - ومِنْ خطِّهِ نقلتُ -[11]:

الحمدُ لله.

وقفتُ على هذهِ الفضائلِ التي رسمَها الولدُ، والفوائدِ التي فاتتْ العدد، ولا يَصلُ إليها أحد، وحلّتْ في قلبي حُلولَ الزُّلال على الكبد، وريحِ الصَّبا على الجسد.

فحمدتُ اللهَ وشكرتُهُ إذ جَعَلَ نجلي يأتي منهُ ذلك، وإنِّي مُقصِّرٌ عمّا هُنالك، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه مَنْ يشاءُ، ولا يَهلِك على اللهِ إلا هالك، ولقد سلكتَ في إرسالِك هذه الرسالة أحسنَ المسالك.

ولقد علوتَ فيها أدباً، واتخذتَ مِنْ كلِّ فنٍّ سبباً، ولم تُبْقِ شأواً لمُجيبٍ وإن كان أباً، حتى قضى مِنْ حسنها وما قضى عجباً:

فكأنها وكأنَّ رقةَ لفظِها
ذكرى حبيبٍ فوقَ كلِّ حبيبِ
ما مسلمٌ إلا صريعٌ[12] عندها
ولغيرها[13] يزهو بكلِّ نسيبِ

 

فأفديكَ مِنْ ولدٍ بما أجد، وأعيذُك بالواحدِ الأحدِ مِنْ شرِّ ما يرِد.

• فأمّا ما ذكرتَهُ من الوالِديةِ فصحيحٌ متين، وذلك حقٌّ للهِ أنزلهُ في كتابهِ المُبين، ليُصرَّف به حقُّ الله ويستبين.

 

• وأمّا العلمُ فأنا عنهُ بمعزلٍ، ولا يُعجبني من الولد أنَّ يظنَّ أنّي منه بمنزلٍ، فضلاً مِنْ أنْ يذكرَ سُفيان أو ابنَ إدريس، فهيهاتَ اشتهيتُ أنْ أسلمَ مِنْ إبليس، فالولدُ لا يرجع يفوه بمثلِ هذا، أخافُ أنْ يُقالَ لي: أنتَ بهذا[14]؟.

 

• وأمّا الدِّينُ فواللهِ أكبرُ منايَ أنْ أموتَ مُسْلماً، وإيّاكَ ثم إيّاكَ أنْ تقول هذه الكلمة (الولاية) بعد هذا، أو تتخيلها بذهنك، فأين نحنُ وتلك المرتبة؟! فلا تغلطْ، ففيه مفسدتان:

أخروية: مِنْ جهةِ اللهِ: أخافُ من المؤاخذةِ لي ولكَ بها.

ودنيوية: لأنَّ الناسَ ينتقدون دون ذلك ما كانَ بسببها[15].

 

وكذلكَ ما ذكرتَهُ من الإحسان والهداية والإرشاد؛ كل هذا أَبْعِدْ[16] عنهُ غايةَ الإبعاد، فخذْ فيما ينفعُ، ونعوذُ بالله مِنْ علمٍ لا ينفعُ، ودعاءٍ لا يُسْمَعُ.

 

وأنتَ ما تعلم أنَّ الإطراءَ يَضرُّ القائلَ والمَقولَ فيه؟

فشفقتُك على نفسِك وعلى والدِك أنْ لا تكونَ تذكرُ بعد اليوم شيئاً مِنْ هذا، بل نسألُ اللهَ لكما[17] الصفحَ وتركَ المُؤاخذة، وأنْ يسرَّنا في الدارين، ويزيدَنا مِنْ فضله كما يشاء سبحانه وتعالى.

 

وأمّا رضاي: كلُّ[18] أحدٍ يَعلمُ بطبيعتهِ البشريةِ منزلةَ الولدِ من الوالدِ، ولي مِنْ ذلكَ -إنْ شاء الله- أعظمُ [نصيبٍ][19]، وأنا في غايةِ الرضى والحُنو، وأشتهي لكلِّ مُسلمٍ أكثرَ ممّا أشتهي لنفسي.

 

وأمّا حوائجُ الناسِ فأنتَ معذورٌ، ولكني أقولُ لكَ قولَ شفقة:

متى سلَّطَهم الإنسانُ على نفسهِ تعبَ، فإنَّ [حوائجَهم][20] ما لها نهاية.

ومتى فطمَهم انفطموا.

ومتى سلكَ طريقَ المُخاشنة تعبَ تعباً لا ينجو منه.

فأنا أريدُ كلَّ مَنْ طلبَ حاجة يطلبُها مني إنْ اتفقَ قضاؤُها، وإلا كان عتبُهُ عليَّ وحدي، والله يلطف بي وبه.

 

وأنتَ إذا عرفوا مني ومنكَ هذا استرحتَ وتفرَّغتَ لما أنتَ بصددهِ مِنْ اشتغالٍ بعلمٍ يُنْتَفعُ به في الحالِ والمآلِ، فالشافعيُّ يقول: لو كُلِّفتُ شراءَ بصلة ما حفظتُ مسألة.

 

وأنا لولا كان أبي قائماً بكلِّ ما أحتاجُ إليهِ وأنا لا أفكِّرُ في شيءٍ ما حصَّلتُ علماً، بل اليومَ وأنا في هذه الحالة والله - لولا أني أخلو في البيتِ بعضَ الأيام، فأنامُ كثيراً حتى يستريحَ بدني ويصفو عقلي، فيخلصُ إليَّ ثلاثُ، أربعُ ساعاتٍ في كل يومين، ثلاثة - ما قدرتُ أعملُ شيئاً.

 

والإنسانُ - أنا وغيري - ما يصفو له مِنْ دهرهِ العُشرُ منه، فإنْ انتهزَ فيه فرصةً في خاصةِ نفسهِ في دينهِ وعلمهِ وضرورةِ دنياهُ انتفعَ بها، وإنْ ضيَّعها مع الناس أو مع نفسهِ راحتْ عليهِ وندمَ حيثُ لا ينفعه الندمُ، والناسُ واللهِ لا ينفعون شيئاً.

 

والوالدُ إذا كان حيّاً يُمكنه أنْ يتلقّى عن الولدِ بعضَ ما يَنوبه، وإذا ماتَ احتاجَ الولدُ يتلقى كلَّ ما ينوبُه، فالولدُ يغتنِمُ حياةَ والده، ويرمي كَلَّهُ عليه، ويُفرِغُ بالَهُ بقدرِ إمكانهِ لما ينفعُهُ فيما سيأتي، فمصيرُهُ يَتعبُ، ولا يُعجِّل لنفسهِ التعبَ الآنَ والفكرةَ في ما لا يَنفعُ.

 

وكلًّ أحدٍ يُحسِّنُ إليهِ الناسُ أو نفسُهُ الأمّارةُ أو إبليسُ أنَّ تلك الحاجة التي يطلبُها منه الناسُ خيرٌ لمحاسنهِ أو ضرورة.

..............................  ♦♦♦ وتلكَ خديعةُ الطبعِ السقيمِ

(إنهم لنْ يُغنوا عنك من الله شيئاً).

 

وأمّا كوني أتوهَّمُ أنَّ لك غرضاً فهذا ما يَخطرُ ببالي، فلا يَسْرِ هذا بذهنك، وإنما غرضك[21] لضعفِ قوتك، وتوهُّمِك عيبَ الناس [في الامتناع من][22] قضاء ما يطلبونهُ مِنْ قضاءِ حوائجِهم.

 

وأنا أعرفُ أنَّ هذا مثلُ مَنْ يفتحُ على نفسهِ بابَ سبيلٍ لم يقدرْ يدفعُه، فأريدُ أسدُّ عنكَ لتتفرغَ لمصلحتك.

 

أنا أجدُني في حقِّ نفسي هكذا، لا يُمْكنُ أفهمُ شيئاً حتى أستجمَّ زماناً، وتنصرفَ نفسي عن كلِّ شيءٍ حتى لا أفكِّر في أكلٍ ولا في شربٍ ولا في أحدٍ، ذلك الوقتَ يصفو لي خاطري، فيحصلُ لي بعضُ شيءٍ يسيرٍ من العلم.

والمُتقدِّمون ما حصلَ لهم شيءٌ إلا بهذا، فهذا فليكن[23] دأبَك لا يصدَّك عنه صادٌّ، ولا يصرِفْك عنه صارفٌ.

وأنا داعٍ لكَ، راضٍ عليكَ أتمَّ الرضى.

 

والإنسانُ لا بُدَّ له مِنْ حاجة، وهي حاجةٌ يسيرةٌ مِنْ أكلٍ وشربٍ يُمكنُ أن يقومَ بها أقلُّ غلامٍ عنده، بحيثُ لا يكونُ له فكرةٌ فيها، فمتى تفكَّرَ فيها تنغَّصَ حالُه، ونقصتْ فكرتُه العلمية.

 

وله نفسٌ مشتملةٌ على صفاتٍ حسنةٍ وصفاتٍ قبيحةٍ، ومِنْ جملة صفاتِها الحسنة عقلي؛ إمّا منها، وإمّا زائدٌ عليها، متى مكَّنها مِنْ اتباع شهواتِها، وصفاتِها القبيحة، -وهو الشهواتِ الجُثمانية أو الوهمية أو الخيالية- تعِبَ وضَيَّعَتْ عليه أوقاتَه.

 

ومِنْ جملة أغراض النّاس الذين هم أصحاب العافية[24] لا يودون الإنسانَ إلا في حالِ العافية ما دامَ مُحسناً إليهم، وفي غيرِ ذلك لا يعرفونه، فرَمْيُ النفسِ في هذا التيّار أعظمُ مِنْ حاجةِ البدنِ بكثيرٍ؛ لأنَّ هذا تيارٌ وبحرٌ لا ساحلَ له، والعقلُ يقتضي أنَّ الإنسانَ لا يَصرِفُ له وقتاً إلا في علمٍ، أو دينٍ، أو شيءٍ يسيرٍ مِنْ ضروراتِ معاشهِ، فإنّه لابُدَّ من المعاش والمعاد؛ أمّا المعاشُ فلإصلاحِ الدنيا، وهي يسيرة، وأمّا المعادُ فلإصلاح الآخرة. واللهُ أعلمُ، فاجتهدْ فيما ينفعُك، واللهُ يبارِكُ فيكَ ويكونُ في عونك.

 

وأنا كنتُ أطلبُ أجيءُ إليكَ بكرةً قبلَ "دارِ العدل"[25]، فجيدٌ الذي سيَّرتَ إليَّ هذا حتى عرفتُ طيبةَ خاطرِك، فما يَصلُ الإنسانُ إلى مصالحِ دنياهُ وآخرتهِ إلا بطيبِ خُلقه، وحُسْنِ خلقه، واعتدالِ مزاجه.

 

والشيطانُ يستفزُّ الإنسانَ حالةَ غضبهِ يُخرِجُ منه ما ليسَ بجيدٍ، ولاسيما عند مَنْ لا يرحمُه، فأعيذُك باللهِ مِنْ شياطين الإنس والجن، وأسأل اللهَ أنْ يكونَ في عونِك، ويُعلي قدرَك، ويزيدَك ولا ينقصَك، ويعطيَك ولا يحرمَك، ويهبَك مِنْ موادِّ فضلهِ.

إنّه هو الوهّاب - إنْ شاءَ اللهُ تعالى -).



[1] كرَّر الناسخ: خلق إذا وازنته.

[2] زيادة مني.

[3] كذا في الأصل، ولعل الصوابَ: المحاسنة. وسيأتي في كلام التقي ما يفيدُ ذلك: وكلُّ أحدٍ يُحسِّن إليه الناس...

[4] زيادة مني.

[5] كذا في الأصل، ويظهرُ أنَّ في الكلام سقطاً.

[6] أي: لعجزهم عن النيل من الشيخ تقي الدين.

[7] وكان يقيم في مكة.

[8] كأنه ينظر في ذلك إلى جانب البر.

[9] هذه اللفظة (عليكم) قاسية هنا!

[10] في الأصل: الأول!

[11] أي من خط تقي الدين، وهذا يعني أنَّ الكراسة لم تُدفن مع تاج الدين.

[12] تورية بالشاعر صريع الغواني: مسلم بن الوليد المتوفى سنة 208هـ، وترجمته في "الأعلام" (7 /223).

[13] في الأصل: ولغرها. ولعل الصواب ما أثبتُّ.

[14] كذا في الأصل، ولعل المرادَ: أنتَ هو هذا.

[15] هذه اللفظة كأنها كذلك في الأصل.

[16] كذا في الأصل بهمزة مفتوحة على الألف، وسكون الباء، وكسر العين.

[17] يقصد بهاء الدين وتاج الدين.

[18] أي: فكلُّ. ولم يَستعمل الفاء هنا، مع أنه استعملها فيما مضى.

[19] زيادة مني.

[20] زيادة مني.

[21] أي أعرف أن غرضك فيما صنعت.

[22] زيادة مني.

[23] في الأصل: يكن.

[24] من أقوال السلف: إياك وصديق العافية. أي الذي يصاحبك في الرخاء ويتخلى عنك في الشدة.

[25] أي قبل ذهابي إلى دار العدل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تاج الدين السبكي (727 - 771هـ)
  • كتاب طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي
  • كتاب اللطائف في النزول عن الوظائف لتقي الدين السبكي
  • معيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي

مختارات من الشبكة

  • علم الحديث بين تقي الدين ابن تيمية والتاج السبكي: دراسة نظرية تطبيقية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • رباعيات تاج الدين ابن علي بن عبد الكافي السبكي في طبقات الشافعية الكبرى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أرجوزة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وحكمها للإمام تاج الدين ابن السبكي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السبكي (تراجم أسماء متشابهة)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة رسالة تقي الدين السبكي (إجابة على سؤال عن أطفال المشركين)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة رسالة مشتملة على سؤال أهل مكة في الاستغاثة وجواب الشيخ حمد بن ناصر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رسالة الجواب الحاتم عن سؤال الخاتم للحافظ جلال الدين السيوطي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رسالة الجواب الحزم عن حديث "التكبير جزم" للحافظ جلال الدين السيوطي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جواب شبهة: نقصان الدين قبل نزول آية الإكمال واختلاف العلماء على مسائل الدين مع كمالها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما أجمل الجماعة والائتلاف والإنصاف، وما أقبح التعصب والفرقة والاختلاف(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
18- شكر وتعليق
ياسر إبراهيم نجار أبو سلمة - الكويت 10-09-2016 04:11 PM

جزاكم الله خيرا أخي الأستاذ عبدالحكيم
على هذه الدرر النفيسة.

وفي قوله: ذكرى حبيب فوق كل حبيب
تورية بالشاعر المشهور أبي تمام حبيب بن أوس

17- نعم القاطف ونعم القطاف
د. بدر الدين ناجي - سوريا 12-08-2016 01:09 PM

ذرية بعضها من بعض. جزاك الله خيرا دكتور عبد الحكيم.

16- شكر
د. أحمد ختال العبيدي - العراق 09-08-2016 11:08 PM

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا. آمين

15- رائعة
زياد المأمون - الإمارات 09-08-2016 06:53 PM

ما شاء الله رائعة جدا
قرأتها كلها

14- تعليق
د.رافع الرفاعي - العراق 09-08-2016 06:51 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله عنا خير الجزاء على هذه التحف النوادر التي تنير النواظر، وتسر الخواطر.
أسأل الله تعالى أن ينفع بها، ويجعلها سببا لرفع درجاتكم، إنه سميع مجيب

ذكرني قول ابن السبكي:
ذو خلق خلق اذا وازنته
حيث لا يستقيم وزنه إلا باشباع ضمة الخاء الأولى لتكون واوا
بكثير من الأبيات في منظومة (الوردة العنبرية) لأستاذنا المدرس، والتي طالما اعترضت عليها وهو يقول - رحمه الله تعالى -: أنا اقراها صحيحة، وهذا هو المهم.

13- نافعة
محمد شاكر السامرائي - العراق 09-08-2016 06:48 PM

جزاكم الله خيرا
رسالة نافعة في التربية

12- جميلة
أبو المجد - فرنسا 09-08-2016 06:46 PM

جميلة جدا.
اختيار موفّق.

11- تعليق ودعاء
محمد عتيق - الإمارات 09-08-2016 05:59 PM

ما أعظم الوالد والولد !
رحمهما الله تعالى
وجزاكم الله خير الجزاء ..

10- جميل جدا
الحارث الطاهر حافظ - المدينة المنورة 09-08-2016 05:57 PM

جميل جدا يا مولانا ..
استمتعت به كثيرا واستفدت..

سبحان الله
حتى في ذاك الزمان كانوا يعانون من الأشغال المختلفة والمسؤوليات حتى إن أحدهم ليبحث عن وقت يصفو فيه ذهنه حتى يكتب ويزداد علما..
هذا مما يؤنسني في حالتي عندما أجاهد لأختلي بوقتي دون أحد ..
وهذا وليس لي زوج ولا ولد...

9- أدب ممتع
د.ماجد الدرويش - لبنان 09-08-2016 05:54 PM

يا سلام ..
جزاكم الله خيرا ..
من أمتع الأدب والأبوة والبنوة..
وفي جواب قاضي القضاة فوائد ينبغي أن يستفيد منها كل طالب علم...
أكرر شكري لكم على نشرها فقد استفدت منها كثيرا.

1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب