المفاخرة بين الطيلسان والطرحة: إنشاء العلامة جلال الدين السيوطي

المفاخرة بين الطيلسان والطرحة

إنشاء: العلامة جلال الدين السيوطي

ت 911 هـ رحمه الله

(تنشر لأول مرة ولله الحمد)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصَّلاةُ والسلام على مَن لا نبيَّ بعده.

وبعد:

فأثناء زيارتي لدار الكتب المصريَّة العامرة، وأثناء تصفُّحي لإحدى المجاميع الخطيَّة وجدتُ مخطوطًا بعنوان: (المفاخرة بين الطيلسان والطرحة)[1]؛ للعلامة السيوطي رحمه الله، فأنكرتُه بادئ ذي بدء؛ لكونه غير مذكور في فهرست مؤلَّفاته المطبوع المشهور، وليس مذكورًا في قائمة مؤلَّفاته ضمن ترجمته الذاتيَّة "حسن المحاضرة والتحدُّث بنعمة الله"، ثم يسَّر الله تعالى الوقوفَ على نسخة من فهرست مؤلَّفاته بخطِّ العلامة المؤرِّخ ابن الحمصي نقلها من خطِّ العلامة السيوطي[2] وذكَر فيه هذه المفاخرة، ثمَّ يسَّر الله تعالى لي الوقوفَ على نسخة من كتاب العلامة السيوطي (الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان) فوجدتُه قد ذكرها بتمامها في آخره كعادته في عدد من مؤلَّفاته رحمه الله التي لها صلة ببعضها البعض[3]، ثمَّ يسَّر الله تعالى الوقوف على عدَّة نسخ خطِّية لهذه المفاخرة اللطيفة؛ منها نسخة نفيسة بخطِّ المؤرِّخ ابن الحمصي، وقد قرأها على منشئها العلامة السيوطي، وعليها إجازته بخطِّه!

ودونكم نصَّ المفاخرة، ولله الحمد في الأولى والآخرة:

المفاخرة

بين

الطيلسان والطرحة

لشيخنا العلَّامة شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام

جلال الدين الأسيوطي الشافعي

أدام الله أيامه الزاهرة

آمين

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

حدَّثنا الأخيار، عن الأحبار، أنَّ الطيلسان المُحَنَّك والطيلسان المسدول، جرى بينهما القولُ في محفل مأهول، وآلَ الأمر إلى المفاخرة، حتى خِيف عليهما المفاجرة، فبرز المسدول بفجوره، وبدر ببهتانه وزورِه، وقال:

♦ أنا الطليق اللسان، المختص قديمًا باسم الطيلسان، لبسَني أحبارُ أهل الكتاب، ومَن ثاب إلى البِيَعِ وتاب، ثم جُعلتُ في دولة الإسلام، شعار الوزراء والحُكَّام، والخُطباء والأعلام، وما زلتُ للرؤساء شِعارا، وفي المواكب فخارًا لا عارا، فأنا للعزَّة وأنت للذلَّة، وأنا للكثرة وأنت للقلة.

فقال المحنك:

♦ ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين، أنا لباس سيد الآخِرين والأوَّلين، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين، ومَن بعده من الصحابة والتابعين الأفضلين، وقد أخبر سيد ولد عدنان، بأني لِبسة الفِقه والحكمة والإيمان، وأنت لبسة اليهود وقوم لوطٍ والشيطان، فأنا لخير فريق، وأنت في اليهوديَّة عريق، وفي بحار الجهل والطغيان غريق، وأنا سُنَّة من سنن الصلاة، وأنت بدعةٌ من بدع الوُلاة، أنا للمساجد والزوايا والمدارس، وأنت للمِدراس[4] والبِيَع والكنائس، وأنا الطويل القامة البسيط الذراع، وأنت حقير نقير قصير البدن والكُراع، وأنا ذو الطُول والطَول، وأنت قصير النوال والنَّول، فلا غرو إن بالغتَ في أوصافك، وأخذتَ الزورَ والبهتان عن أسلافك، فقد ورد الكتاب والسنة أن اليهود قوم بُهت، سمَّاعون للكذب أكَّالون للسُّحت.

فقال المسدول:

♦ أنا أقدم منك زمانًا وأكبر سِنَّا.

فقال المُحنَّك:

♦ وأنا أهدى سُنَّة وأعظمُ مَنَّا.

فقال المسدول:

♦ أنا منسوب إلى التوراة وآل عمران.

فقال المُحنَّك:

♦ وأنا من آل طه ويس والفرقان.

فقال المسدول:

♦ أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرا.

فقال المُحنَّك:

♦ كل الصيد في جوف الفَرا.

فقال المسدول:

♦ أنا أعزُّ وأرقى.

فقال المُحنَّك:

♦ وأنا أنقى وأتقى، والآخرة خير وأبقى.

آخر المفاخرة بين الطيلسان والطرحة.

علقه الفقير أحمد بن الحمصي الأنصاري الشافعي بالقاهرة في خامس عشري ربيع الآخر عام أربع وتسعمائة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

نص الإجازة بخطِّ العلامة السيوطي رحمه الله:

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، قرأ عليَّ هذه المفاخرة من إنشائي الشيخُ الإمام العالم شهاب الدين أبو العباس الحمصي الشافعي نفع الله به، وأجزتُ له روايتها وجميعَ مروياتي ومؤلَّفاتي، وكتب الفقير عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي لَطف الله به آمين.

فائدة:

للعلامة السيوطي خمسة كتب متعلِّقة بالطيلسان، وهي:

1 - طي اللسان عن ذم الطيلسان.

2 - الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان.

3 - أربعون حديثًا في فضله بإسناده عن شيوخه، وهو عزيز جدًّا.

4 - التضلُّع في معنى التقنع.

5 - هذه المفاخرة.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأستغفر اللهَ لي ولجميع المسلمين.