• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

وتمرد القلم ( الجولة الأولى )

وتمرد القلم (قصة مقال)
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/5/2013 ميلادي - 26/6/1434 هجري

الزيارات: 6299

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وتمرد القلم

(الجولة الأولى)

(قصة مقال)


كانت الجفوةُ قد وقعت بيني وبين قلمي العزيز حينًا من الدهر، لكنها - والحمد لله - لم تَصِل لحد العَدَاوة، فما كنتُ لأنتظرَ حتى أُنعَت بالألدِّ، ولا هو بمَن يفجرُ بالخصومة.

 

وما أدري إن كان في الأمر واشٍ أو وشاية؛ فإن الوشاة أشد الناس إسراعًا للتفريق بين المحبِّين والمتآلفين، واللعب على حبال الحسِّ المرهف والكيل بمكاييل الفتنة.

 

استبعدتُ تلك الفتنة الكبرى بيني وبين القلم، وقلت: ربما يكون المَلَل قد سرى لأناملي، فباتت تنوء بحمل العِلَل، أو أمسى قلمي نفسُه غيرَ قانع بما أُملي عليه، وتلك أدهى وأمرُّ.

 

قلتُ: أَجهَز على الظنون بعبيرِ الحق، ومرآة الصامت، فالتمستُ قلمي باشتياقِِ وأودعتُه راحة يدي اليُمنَى؛ فلستُ بمَن يخطُّ بيساره، جعلنا الله جميعًا أصحابَ يمينٍ في مستقر ومستودع.

 

ولمَّا كان القلمُ قد استوى عندي ما بين السبَّابة والإبهام متكئًًا على الوسطى، دعوته أن يستدعي ما حَوَت رأسي من أفكار وعبارات، أنعم الله عليَّ بها، ومحسنات من بديع؛ كالجناس، والطباق، والمقابلة، وسجع لا يشبه سجع الكهَّان؛ إذ برأسي قد أَبَت وقلمي المِطْوَاع لم يستقبل منها حرفًا، ولم يكوِّن لها وصفًا.

 

ثارت حَفِيظتي على القلم، وألقيت به بين أوراقي المتناثرة، الثائرة أحبارها حينًا، وحينًا على درجة من الوداعة تُخيِّل للقارئ أني مَلك، وما أنا إلا بشر يُنعِم الله عليه بالفتح مرة، ويمسك عنه مرات، والله المستعان.

 

عوَّلت فقدان شهيَّة الكتابة على القلم المسكين، فألقيتُه - كما أوضحت آنفًا - بين الورق الموصوف بشتى النعوت ومختلف الصور.

 

قلت لنفسي: سوف أنتقم منك، وسيلة قديمة، وفكر عقيم، ذهب بريقها بالحاسوب، وعمدتُ إلى جهازي القابع بحجرتي، ثم فتحته فأصدر صوتًا تمنَّيت لو ينزعج لأجله القلم، فيقدِّمَ اعتذارًا أو يرتجي عودةً إلى مكانه المحبب إليه وإليَّ، لكن دون جَدْوَى، فدَلَفتُ لبرنامج معالج النصوص، واعتدلت بجلستي، ورجوت أن أستحضر فكرتي؛ لكي تخرج كلماتي سَلِسة سهلة جميلة، معبِّرة كاشفة، ليس لها من دون البلاغة واصفة.

 

تعاقبت الأفكارُ على رأسي ألفافًا، لكني لم أستطع النَّيل من واحدة، فكانت تطير بمجرد أن ألمح منها طيفًا لواحدةٍ، أو شذا مُنقِذة تُخرِجني ممَّا أنا فيه، لكن لا جدوى، ويبدو أنه لا أمل بعدُ في استدعاء الكتابة أو استحضار البيان.

 

أغلقتُ جهازي بطريقة غير صحيحة، يأبى المتخصِّصون أن يقبلوا بها، أو يرضوا بها سبيلاً للإغلاق؛ إذ لا تعنيهم الحالة النفسية، ولا تغيِّر فيهم؛ فهم بين اثنتين لا ثالثة لهما، البيانات (الداتا) التي لا بد وأن تحوَّل إلى معلومات تسيِّر للناس المعايش وتلبِّي لهم الأغراض بشتى أوصافها.

 

تعبت رأسي في التفريق بين الحداثة والأصالة، وغلبني الملل، فاستدعى نوم الكسالى على الفور أو مَن برأسه نصب ووصب.

 

عرجتُ لحجرةِ نومي، ألقيتُ رأسي المُتعَبة على وسادتي، وأسلمتُها تسليمًا، وأنا غير راضٍ عن قلمي ملتمسًا لجهاز الحاسوب العذرَ في كونه بيانات ومعلومات وفقط، إذ بي أرى فيما يرى النائم صوت صرير القلم وحفيف الورق: يا للهول! إنه قلمي الحبيب، الذي امتدت الجفوة بيننا لحد التنابز والتباعد، قد التقمه غيري، وصار القلم على مداولة بين طاولة من الكتَّاب، ربما أعرفُهم، لكني لا أسمِّيهم، كانوا من قبل يستفتحون على الظالمين، واليوم هم يُجلُّون مَن على منصة السيادة، وعجلة القيادة، فما انزعجت لأجلِهم قدر انزعاجي لقلمي الحبيب الذي وقع فريسة بين أناملهم الكاذبة، العاملة الناصبة، التي لا ترعوي عن مداهنة مَن بذلوا لهم اليوم أحبارًا، واختلقوا لهم أشعارًا، وزينوا أحبارهم بألوان غير اللون الرئيس.

 

بل لجؤوا لألوانِ الطيف، وبهجة الصيف؛ لإكرام مَن ينعتونه بالضيف يومًا أو بعض يوم، ثم يأتي غيره فيجدون ما يَشِين الراحل، ويجمل القادم، وكثير منهم ملحِّنون.

 

رأيتُ الواحد فيهم يكتب كلامًا غير ما يعرف، ثم ينكس ويرتد بالكلمات تفصيلاً وإذلالاً للعبارات، واللغة بين أيديهم سهلة مِطْوَاعة، حتى ولو لم تكن على قناعة بما يخطُّون.

 

هم كما أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: ((لعل أحدَكم أن يكون ألحنَ بحجته من أخيه فأحكم له...))، لآخر الحديث الشريف.

 

أقبلتُ عليهم إقبالَ المحارب على المعتدي، وجسارة المُنقِذ لنجدة المفتري عليه؛ وانتزعتُ قلمي من بين أيديهم انتزاعًا، حتى ظفرتُ به، وكلَّلت معركتي بوقوعه ثانية في حوزتي معاتبًا له:

أتراني أذرُك وأحبارَك الفوَّاحة بذكر الله أن تبوء بما تراه الرؤوس الشيطانية؟!

 

فقال قلمي معاتبًا ومعنِّفًا: ويكأنَّك لو لم ترَ تلك المعركة الخفيَّة ما كنتَ لترتجعَ عمَّا سبقت إليه رأسك، لتجعلني (وحدة إخراج) لما حوتْه رأسك وقنعت به.

 

ضَحِكتُ بصوت عالٍ من كلمة (وحدة إخراج)، وقلت له هازئًا:

قد سَرَت الغَيْرة لأحبارِك أيها القلم، فمسمَّى (وحدة إخراج) هذه لا تنبغي إلا لمفردات جهاز حاسوب، أو تقنيات أحدث منك بكثير.

 

قال القلم بثباتٍ: بالرغم من أن هذا ليس هو سبب الجفوة بيننا، إلا أني أعلِّمك كلمات، ربما مرَّت عليك ولم تلتفت لها.

 

فقلت مصطنعًا التواضع، ملتمسًا نقاط عيوبه، متربصًا بسقطاته الأدبية واللغوية: تفضَّل وأنجز.

 

قال: إن العلم مستودعُه الرأس، ومستقره الأوراق، والعكس، فكم من أوراق لم تَسَع علمًا! فما زال ببطون الأمهات العالمون، وإن لم يكونوا ببطون الأمهات ففي أصلاب الرجال، وإن لم يكونوا في أصلابهم ففي ذرارِيهم حتى يوم الدين، فليس للعلم محيط، ولا يحده ولا يدريه إلا رب العالمين.

 

حقيقةً أفحمني القلم، وآلمني فرط جهلي، وعزة نفسي المشْرَبة كِبرًا وزهوًا، فامتثلت له سامعًا مطيعًا لا أقاطعه.

 

وأردف يقول: وأما عن السبب الرئيس في وقوع الجفوة، وتسرب أشعة الملل لأناملك أولاً، ولي ثانيًا، فما أنا كما ذكرت إلا بوحدة إخراج، لا تؤاخذ بما كتبت، فأنت الواصف لست أنا، ولا إخالُك إلا وقد حصلت على بعض علمٍ من علوم المكتبات، وفهرسة الموضوعات، وحقل المسؤولية أمام الناس، ثم عند رب العالمين.

 

قلت محتدًّا: صرتَ مملاًّ يا قلمي، أتعلمت مني الإسهاب الذاهب بالألباب، احذر فقد أوشكتُ على مَلَلِك؛ فإن شطرة بيت تغني عن القصيد، وإن نظرةَ عين تكفي ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، ابتسم القلم، وقال لي: لولا الذكر الحكيم لكنت واصفَك الآن بالإسهاب والتطويل.

 

قلتُ مراجعًا نفسي: تفضَّل يا عزيزي القلم، وأخرج مكنون صدرك؛ ففي التنفيس التلطيف، وفي الكَبْت الموت والهلاك إلا بصبر على الصمت، فكم من صمت أفضل من كلام! وكم من كلام يسوق للمُهلِكات!

 

ابتسم القلم ثانيةً، عَرَفت بالبديهة أنه رأى في كلامي التطويل، فالتزمت الصمت، وأشرت إليه ملتمسًا العذر دون أن أتفوَّه ببنت شفة.

 

صمت القلم هُنَيهة، وكذلك أنا؛ التقاطًا للأنفاس، ثم قلت له: قِفْ هنا يا قلمي المراوغ، وقل لي: هل استخدامي لجهاز الحاسوب والتقنية الحديثة، هو ما دفعك للغَيْرة وعدم الصبر على ملازمتي في استجداء الكلمات ونحوها؟!

 

لو كان هذا هو السببَ الأوحد فدعني أقل لك حتى لا أندفع اندفاع المتحامل عليك، فاستمع ولا تقاطع حتى لا تنفذ أحباري قبل النَّيْل منك، فأَبيتُ فارغَ الرأس من الإقناع، وتَبِيت أنت في زهو الكتَّاب إذا ما بيَّنوا.

 

قلت له: تفضل ولن أقاطع.

 

قال: رأيتُك يا عزيزي منذ اندلعت ثورتُكم المباركة في العامين المنصرمين، كنتَ أول مَن أشاد بالثورة والثوار، والجيش القائم باقتدار على شؤون البلاد والعباد، ولكن سرعان ما رأيت منك تحولاً، تارة تجامل، وتارة تتحامل؛ بغية الشنآن لبعض، ولا ترضى بالحق حتى ولو لم يكن مرًّا في حلقك.

 

قلتُ له متعصبًا وقد أخذتني الحمية: على رِسْلك يا قلمي، فأنت تعرفني، ما كنت أحبِّذ السابق، حتى أداهن اللاحق، وما كنت ربيبَ الغابرين حتى أجامل مَن آلت إليهم الدفَّة، والله لا أنتمي لحزب أو جماعة، ولا تقنعني فكرة العصابة، ما دامت النوايا فردية والمصالح فئوية، لقد رأيت الثورة المجيدة تأخذ في الخفوت وكذلك بريقها اللامع، الذي أشادت به البلاد، عربية كانت أو غربية، تنظر إلينا الآن بعين الصَّغار: كيف لشعبٍ أطاح بالجبابرة ألاَّ يغيِّر من طبائعه وأنماط حياته وطرائق البناء، وإن كانت مليئة بالعثرات، لكن الله الناصر، وعلى أمره غالب؟!

 

سكت القلم ولم ينبس، لقد أفحمته، فأراد النَّيْل مني من حيث لا أدري، قال لي القلم: هل أنت الثائر الحق يا صاح؟

قلتُ: لا أمدح نفسي، ولكن بداخلي نية صافية، ورغبة في الإصلاح عارمة، يشوبها الحذر من هيمنة نفرٍ على مفاصل البلاد وأرزاق العباد، وأخشى ما أخشاه أن نُرَدَّ لأسوأ حال بعد سقوط الشهداء ووقوع البلاء.

 

ثم استجمعتُ قواي، وقلت: إن الثائر الحق هو ما أشار إليه العلاَّمة الراحل فضيلة الإمام (محمد متولي الشعراوي) حين قال كلمات كأنها كانت ليومِنا هذا محفوظة ومصانة، وهي: إن الثائر الحقَّ هو مَن يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليبنِيَ الأمجاد.

 

ساعتها نظر لي القلم بعينٍ لا ينبغي لي أن أصفها، فقلت محافظًا على ماء وجهي: أعرف أننا لم نهدأ بعد، ولم نترك مَن على الشؤون يعملون، وإن أيادِي خفية تنظِّم في الظلام دولة جوار دولة، وعصابة تنعت بشتى الأسماء، وفوق كل هذا، الناس في حذر ووجل وخوف من غد قادم، وقوت ممتنع، وأرض ربما تضنُّ بالحصاد لا جحودًا، بل إرضاء لرحيل السحاب الثقال.

 

سكتنا سويًّا، القلم وأنا، ثم قال لي القلم: صاحبي، أنا أعرفك، وأدرى ما يؤلِمُك، لكن خذها سوائر أمثال، سمعت بها، لا من باب التباهي، فما سرت لي البلاغة إلا باطلاعك، ولا البيان إلا باستماعك للذكر الحكيم وكلام رب العالمين.

 

ومما يحزنني أحيانًا أن تكون منهمكًا في الكتابة، يرفع النداء بالصلاة فتصمت، ثم تكمل، ألا ترى أنك لو فزعت للصلاة ثم رجعت، وجدتَني أنتظرك وقد أنعم الله عليَّ بمفاتح البلاغة ومناقب الكلام.

 

استنكرتُ ذلك، لكني قلت بتواضع وندم: لن أكرِّرها بعدُ، ليس استجداءً للبيان، لكن رجاء إلا يعذِّبني ربِّي يوم العرض عليه.

 

ثم همس الشيطان في أذني اليسرى قائلاً: كم من شياطين للسجع وكهَّان يقدِّمون لك البلاغة على طبق من فِضَّة، حتى ولو لم تطأ المساجد.

 

زلَّ بها لساني الأحمق، فاهتزَّ القلم هزًّا عنيفًا، حتى كادت الجفوة التي أجهزنا عليها أن تعود، وقال غاضبًا: أترضَى أن تكون منهم شيطان سجع وبيان، وما تقول يوم أن تقف بين يدي الرحمن وتخشع الأصوات؟

 

قلت له: أستغفر الله العظيم أن أكونَ منهم، أو ممَّن يكونون على شاكلتهم.

 

هدأ القلم وزال الشك القديم بعودة الخصومة، فحمدت الله، وقلت: سوف أُرضِيه أكثر، فقلت له: قل لي بعضًا مما علمت يا قلمي.

 

فقال: نية خالصة للتعلم أم الجدال؟

فقلت: لا والله، للتعلم لا أكثر.

 

فأخذ القلم مني موضع الكاتب، وراح يقول: يا صديقي، إن الناس ليسوا على درجة من الكمال تمنعهم الوقوع في الخطأ، فما كان الله ليخلقَ بعد (محمدٍ المصطفى) - صلى الله عليه وسلم - من كاملٍ فالتمسْ لذي حِلم عثرةَ التهور، ولذي سطوةٍ لحظةَ التكبُّر؛ فإن الشيطان يجري ولا يركد، ولا تكتب من الألفاظ إلا ما يزين صفحاتك، ويكبح زلاتك، ولا تصارح بالعلة أحدًا إلا إذا كانت المصارحة سبيلاً للاستشفاء وطريقةً للعلاج، ولا تفرِّط في وصف الفتن فتصير من مناهضٍ لداعم دون أن تدري، حتى ولو لم تكن قاصدًا ذلك.

 

(ولا تحكم على الشيء بأوله، وانتظر حتى يتمَّه صاحبه؛ فإن هيئة الأشجار وقت الخريف لا تبشِّر بثمر ولا ورق، ولو رأيتَ ثَمَّ رأيت تلك الأشجار في بواكير الربيع، ومطالع الصيف، قلت في نفسك: سبحان مُخرِج الحي من الميت! سبحان مُحْيي الأشجار وهى حُطَام!

 

ثم قال لي مختتمًا: لا تعطِ دور الفيل للعصفور، فما ينبغي للفيل أن يطير إلا في قصص الخيال، وتشويق العيال، واستجلاب النوم لهم، وكذلك لا ترجو من العصفورِ أن يأتي بدور الفيل؛ فهذا محال، وإذا عمدت لقراءةِ مقالٍ، فكن الجاهل الراغب في التحصيل، لا المتصيِّد أخطاء نحوٍ وصرف وبلاغة، فأنا الأكثر إحاطة بسقطاتك تلك، واجعل الجِدَّ والسعي مطلبك، وكلِّل العلم بالعمل، وأضعفُ الإيمان أن تتمنَّى الإصلاح ولو بقلبك.

 

وأذكِّرك بما تسمعني إياه دومًا كلما أوشكت على الكتابة

في ازديادِ العالم إرغامُ العِدَا
وجمال العلم إصلاح العمل

 

فقلت باسمًا: لامية العجم، فقال: هي يا ربيب الأدب، وقبل أن يختتم كلامه وحلو نظامه قال لي: لا تنس بيتًا طالما تردده:

وأحقُّ بالبتر ساقٌ لا تعرف السعيَ
وأحقُّ بالإجلال مَن لم يُهِن الكرام

 

فقاطعته قائلاً: قل:

وأحقُّ بالبتر ساقٌ لا تعرف السعي
وأحقُّ بالإجلال مَن حاز بالرأس علمًا

 

ثم اختتم الكلام بالحمد، والصلاة على أشرف الرسل - عليه الصلاة والسلام





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين القلم والجلاد (قصة)
  • حامل القلم
  • وتمرد القلم ( الجولة الثانية )
  • البريء والجميلات
  • ثلاثية الآحاد الأولى
  • وتمرد القلم ( الجولة الثالثة )
  • وتمرد القلم ( الجولة الرابعة )
  • موجة تمرد!
  • قلق القلم بين الشبكة والورقة

مختارات من الشبكة

  • لا تحرمهم من قلمك(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القلم في ديوان عناقيد الضياء للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القلم ودوره(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • آيات الله الكونية بين الابتلاء والتسليم والتمرد ونذر بدء الملاحم الكبرى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظهور حركة التمرد لأول مرة في الإسلام: الخوارج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تمرد على الفطرة: مقتطف من كتاب "الله بلغة العلم"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تطوير أساليب الخطاب الديني في مواجهة تمرد الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين الاستسلام والتمرد(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • التمرد (مخاطره وعلاجه)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • البوسنة: سيلاجيتش ينتقد سياسة المنسق الدولي لعدم وقف تمرد الصرب(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
7- روعه
عبدالعليم - مصر 12-11-2013 05:50 PM

توقفت أناملي عن التحرك وعقلي عن التفكير فإنني محرج من عدم الاعتراف

روعه ^_^ سلمت سبابتك وابهامك وصديقهم الأوسط الذي اتكأوا عليهـ .. وسلم عقلك الذي كان رئيسا يحتذوا بهـ :)

6- عفواً ما أخطأ القلم
محمد صادق عبدالعال - مصر 03-06-2013 09:13 AM

عفواً الاخوة الكرام فقط سقطت سهواً منى (

في ازديادِ العالم إرغامُ العِدَا
وجمال العلم إصلاح العمل

فقلت باسمًا: لامية العجم، فقال: هي يا ربيب الأدب،

البيت لصاحبه (ابن الوردى فى الحكم ) وهى لاميته هو ،ولكن الامر اختلط على فالقصيدة تجوار قصيدة لامية العجم لمؤيد الدين الطغرائي في كتيب عندى والتي يقول في مطلعها :
إصالة الرأى صانتنى عن الخطل ِ
وحلية الفضل زانتنى لدى العطلِ
فرجاء العفو عن تلك السقطة فمن باب الأمانة الأدبية أن نرد المقالة لصاحبها
وأشكر لمن علقوا على مقالي هذا بكل خير وأرحب بالناقد قبل المادح والله المستعان
أخوكم من مصر دمياط
محمد صادق عبد العال

5- حقا إبداع وفكر هادف وبناء
محمد الكيال - مصر 26-05-2013 12:11 AM

سلمت يا أستاذ محمد على هذا الكلام الأكثر من رائع

4- الأطروحات القيمة والأسلوب البلاغي الذي يأخذ بالألباب..
سعيد المهدى - أم الدنيا 17-05-2013 03:27 PM

أسجل تقديري لشخصكم الكريم ولاختياركم للجمل والمعاني أوافقك على ما سطرته أناملك . سلم لنا أسلوبك الهادف وننتظر المزيد
فقد حـار الكلام وزاغ البصر وتاهت الحروف فلن يبقى لها أثر وتسابقت الكلمات كقطرات المطر فعانقت مقالتك البراقة بأبهى العبر ووقفتُ وقفة الحيران مذهول بالأمر وعجزتُ أمام كلام كله جواهر ودرر ... فليس بجديد عليك هذه المبادرة فدائما سباق لكل مميز وراق فهما عنوانك ما شاء الله

3- روعهـ
Ashraf hisham Atallah - مصر 14-05-2013 04:02 PM

ألم أخبركَ بأنك حيثما تَهطُل تُبدع .. سلم القلم

2- صار للأدب طعم
أسامه غلوش - مصر 10-05-2013 02:46 PM

وددت أن أراك في أعلى المراتب فأنت والله بحق أديب

1- أرفع لك القبعة
احمد العدوي - مصر 09-05-2013 04:42 PM

عجز لساني عن وصف ما كتبت أستاذي العظيم بل أديبنا الرائع وربما عجزت يدي عن كتابة ما تستحقه أتمنى أن أراك في مقدمة الأدباء المشهورين فأنت لست أقل منهم بل أفضل من بعضهم بكثير

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب