• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

أنا أحمد العربي (قصة قصيرة)

أنا أحمد العربي
الهاشمي الحسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/12/2011 ميلادي - 3/2/1433 هجري

الزيارات: 9412

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أنا أحمد العربي

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

عرفتُه ذاتَ مساء، شقَّ الطَّريقَ أمامنا في وجهِ سيَّارةِ الأُجرة، حتَّى كادتْ تدهسه! كان متكوِّرًا في مِعْطَفه يهدُّه صقيعُ ذاك الشِّتاء القارس، يَسيرُ فترتعش فرائصُه، وتصطكُّ أقدامُه، لكنَّه يقاوم، ويتشبَّث بمواصلةِ الطَّريق!

- انتبهْ يا أحمدُ، هل أُصبتَ في أذنيك؟!

 

يلتفِت إلينا باسمًا كعادته، لم يشغلْه هديرُ المحرِّك وأزيز الفرامِل خلْفَه، هو ذا يتقدَّم نحوَنا جميعًا ويمدُّ يدَه:

- صدقة لوجه اللّه الكريم يا محسنين.. وفّقكم الله في سفرتكم..

 

ويردف الكلام بتمتمات كانت وجها من الانتظار لأوّل هديّة "نعم يا أحمد، قد يكفيك بعض الطّعام ليُخمد نبض الجوع في الأحشاء، لكنّ طعام الطّرق بارد هامد من جنس هذا الشِّتاء.. لِمَ صِرتَ جوَّال طرقات دون أن تَدري؟! لِمَ يلازمك المذياعُ صَديقًا وحيدًا حتَّى سُمِّيت به؟ وما الذي تبقَّى مِن زهرةِ عُمرِك وكلُّ شبابك قدْ غار وحلَّ محلَّه التَّرهُّلُ والانحناء؟".

 

كان قصيرَ القامة، لا تَبرُز حدبة ظهرِه؛ لشدَّةِ قِصَره، لكنَّ تقويسةَ الجذع قد غدَتْ ناشئة منذ ثلاث سنوات، عرفته آخِرَ الألفية الثانية جوَّالاً بيْن طرقات الجبل مِن جهتي، كان يقطع مسافاتٍ ومسافاتٍ كلَّ يوم، وحيثما حلَّ بمدشر أو مربَّع بات، ربَّما ضافَه محسنٌ وأمَّنه، فلا يعثر له في الصَّباح على أثَر! وقد يُلاقيه مسافرٌ بطريق صاعد ليُفاجَأ به في أوَّل طريق نازل بعدَ ساعات، وشاعتْ حولَه بين النَّاسِ الأساطيرُ والخُرافات:

 

- درويش صالِح له كرامات.

 

- بل هو مُجرَّد هائم، إنَّه يعيش أزمةً عاطفيَّة.

 

- أُؤكِّد لكم أنَّه لم يعُدْ له ما يشدُّه إلى منزلِه الحقير منذُ أنْ فقَدَ جميعَ أهله.

 

- ولكنَّه كان صاحبَ عمٍّ يَحِنُّ عليه ويُؤْوِيه.

 

"عمُّك عِمران يا أحمد، كأنَّما وُهِب عُمرَ أبيك فعاش به وعاثَ بمدَّخراتِك كما شاء، تَأْوي إليه بعدَ الشَّهر والشَّهر فيُحاسبك على كلِّ مِلِّيم تجمعُه مِن صَدقات المحسنين، ولم تكُنْ تدفع منها مِلِّيمًا واحدًا في متجر أو مقهًى، أو حتَّى في إيجار حافلة تمتطيها، كلُّ أصحابِ السيَّارات قدِ أَلِفوا رفضك الرُّكوبَ فيكتفون بالتَّحيَّةِ ويَدَعُونك تُواصِل مشيك، لم تكن تُنفِق شيئًا؛ ببساطة لأنَّك تخشَى صولةَ عمِّك عمران".

 

- يا يا أحمقُ، تُخفي النُّقود في سُترةِ المذياع، خمسة دنانير كاملة تُريد إنفاقَها على شهواتك؟!

 

- لا يا عمِّي، أُقسم باللَّه لقدْ نَسيتُها، سَلَّمني إيَّاها رجلٌ نظيف أمس بالسُّوق.

 

- كاذبٌ واللَّهِ، أنتَ سارق، هذه النُّقود مِن حقِّي عليك، أنا مَن يَعرِف مصالحَك؟ كيف لك أن تَتزوَّج وتبني بيتًا وتُصبِح ربَّ أُسرة؟!

 

وتلتمع أساريرُ وجهه بكلِّ تلقائيَّة ويتبدَّد الحزنُ المخيم في قلبه: "رَبُّ أُسرة، وصاحِب زوجة وأولاد"!

 

وسرعان ما يفطن العمُّ عمران إلى انطلاءِ الحيلة، فيُومِئ إلى زوجته لتَزيدَ رغبةَ المسكين تهيُّجًا.

 

- عُنيزة بِنت حمران بن بغلوش يا أحمد، سنخطُبها لك إذا جمعت ثلاثة آلاف دِينار عندَ عمِّك.

 

- رَحِم اللهُ والديك، وكيف هي رِجْلُ عُنيزةَ يا زوجة عمِّي؟

 

تَضحَك في سِرِّها وتبتسم ابتسامةً ماكرةً، وتردُّ بهدوء: ما هي بالحافر ولا بالظُّفر، إنَّها تمشي على الفراسن[1].

 

- الفراسن؟

 

وتردُّ بحدَّة: الفراسنُ يا معتوه، أفضلُ أحذية النِّساءِ في بِلاد عُنيزةَ.

 

وينظر أحمد إلى خُفَّيه المتآكلَين، وإلى رِجله المنتفخةِ مِن المشي، ثمَّ تبدأُ الأخيلة إلى ذِهنه بالتَّوارد "ذاك اليوم الموعود، ستتزوَّج يا أحمدُ مِن عُنيزة بنت حمران بن بغلوش، ستكون عروسًا يحيط بكَ الفتيان وتَندفع البنادقُ في التَّهليل لك، وتُزغرد النِّسوانُ حتَّى زوجة عمِّك وابنتها القبيحة وبنت خالتك التي رفضتْ زواجك منها، ستجبرهنَّ على الزَّغردةِ لها، ستَغرْنَ منها؛ أتعلم يا أحمد، أنَّك الوحيدُ الذي تزوَّج عُنيزَة؟!".

 

لكن تمرُّ ليالي الشِّتاء على أحمد طويلةً ثقيلةً بائسة، وهو في غُربته يناجي نفسَه، تارةً بحلم عُنيزة، وطورًا بأموالٍ سيجمعها لعمِّه مِن هذا الكهل المحسِن، وذاك الشَّيخ الطيِّب، ومِن منحة ثلاثيَّة تُقدِّمها الدَّولةُ إليه، "تكفيك السَّنة الواحدة لتصبحَ ذا ثلاثة ملايين وعندَها تتزوَّج مِن عُنيزة".

 

- كم الحساب يا عمِّي؟ هل وصلتُ النِّصاب؟

 

يَضحَكُ العمُّ عمران، وتردُّ زوجته وهي تُقدِّم إلى أحمد كأسَ الشَّاي نصف مملتئ: افهمْ يا أحمد، الكأس، لا تكن يابس الرَّأس.

 

فتنهَّد عندها تنهيدةً عميقةً مِن أعماق صدره تهدُّه هدًّا: "أوَ لا بُدَّ لي مِن سَنةٍ أخرى؟! لا بدَّ مِن تأجيل العرس صيفًا قادمًا".

 

- لا حَلَّ لنا غير ذلك، تدبّر المال، تتحسَّن الأحوال، وقدْ تنزوَّج في الرَّبِيع القادِم.

 

وحلَّ الرَّبيع، فلم يفارقْ أحمد بعدُ الطُّرقاتِ حتَّى ألِفه العابرون علامةً كيلومتريَّة متنقِّلة، وألفته العرباتُ شرطيًّا سخيًّا لا يُحاسب إلاَّ بقدْر ما يطلُب حاجةً بسيطة، صار أكثرَ تعلُّقًا بطلب (اللُّوبان)، وألِف مَضغ علكته حتَّى تعلَّكت مشاعرُه، ونمَتِ الأزهار في أطرافِ الطُّرُق فوَّاحة، وانتشرتْ حولها الفراشاتُ صاخبةً، فأذكت في أعماقِ نفْسِه إشراقةَ السُّرور، وصار يجمع الباقاتِ يَعترض بها العرباتِ، ويَبيعها أو يُهديها، سيَّان، المهمُّ أنْ تعقبها الصَّدقةُ وتُثمر الفضل فينمو رأسُ المال.

 

"لمن تركتني أبي منصور بعدَك؟ وبِمَن كَلَّفتِ مهمَّتي بعدَك أُمَّاه صالحة؟ هذا الرَّبيع يوشِك على الانقضاء، وعُنيزةُ بعيدةٌ عنِّي لا عِمران ولا زوجته جادَّان في تزويجي، ولا البيت مُجهَّز بأبسط حصير يجمعنا أو غطاء يلفُّنا؛ ماذا لو طَلبتَ مِن النَّاس تأثيثَ بيتك، وحكيتَ لهم عن موعدِ زواجك، سيضغطون على عمِّك عمران ويَرْضخ لطلبهم".

 

لكن هيهاتَ! فأحمد العربيُّ أضعفُ مِن أن يؤلِّب النَّاس على عمِّه، كان كلَّما همَس برغبتِه في الزَّواج لأحدِهم انفجَر ضاحكًا.

 

- تَتزوَّج في مِثل هذا العمر يا أحمد؛ ومَن سيرضَى بك مِن النِّساء اليوم؟

 

- أَأَنت مَن سيتزوَّج عُنيزةَ أم تيسُ عمِّك؟!

 

- عنيزة؟ هل هذا الاسمُ حقًّا لفتاة؟ هل تملك على الأقلِّ صُورتَها يا أحمد؟

 

وينهمك المسكينُ في رسمِ دوائرَ سوداءَ يُلوِّنها ببياض الجير، وداخلها نتوءاتٌ حمراءُ وخضراء، ثُمَّ يُصيح هذا هو وجْهُها، انظروا!

 

- مسكين أنتَ يا أحمدُ، الصُّورة الفتوغرافيَّة أجْدَى بك، اطلبْ مِن زوجة عمِّك صورةَ خطيبتك.

 

- لا، بل اطلبْ منها رُؤيتَها وزِيارة أهلها يجِب أن تُعلِن خِطبتَك عليها رسميًّا.

 

يا لَه مِن مَشَّاء حديث، ولا فلسفة يحملها في زادِه! كان كلُّ جِرابه قارورةَ ماءٍ وكِسرة خُبز ومِذياعًا، المذياع لا يُفارِقه حتَّى لُقِّب به "أحمد المذياع"، وذاع اللَّقبُ فاختفَى أحمدُ وصار المذياعُ أشهرَ منه في عصرِ الباربولات، وهلْ لأحمد أن يُشاهِد التِّلفازَ يومًا وهو الذي أخذتْه الطُّرُقُ وسحَرَتْه أمانيه، فلبَّى نداءَ المشي ووطَّن النَّفْس عليه، تراه صيفًا يتصبَّب عرقًا ويَدفع الحرَّ عن نفسِه برَفْع مِعطفه الشِّتويِّ فوقَ رأسه، تُفرغ القارورة فيُلقي بها في أوَّل مُنعَطف، ويظلُّ على عطشِه حتَّى يَفطن إليه بعضُ أهلِ البيوت القريبة فينقذونه مِن الهلاك..

 

- هل تَمَّتِ الخطبة يا أحمد؟

 

- قال عمِّي: إنَّ عائلة عُنيزةَ قد رَحَلوا إلى إفريقيَّة لجمْع صابة القمح، وبعدَ العودة تكون الخِطبة.

 

- إذًا لا عُرسَ هذه السَّنَة!

 

- سيكون في الصَّيف القادِم.

 

ودارتْ دورةُ التَّأجيلِ فطحَنتْ مِن عمر أحمد سِنين طويلةً، تداعتْ أسنانه وزاد الرَّأس شيبًا، وامتدَّتْ تقويسةُ الجسم تَكوُّرًا ثقلت به الخُطَى، لأوَّل مَرَّة نرَى أحمد يَقبَل الرُّكوبَ بالسيَّارات، صار يقول: إنَّها مريحة أكثرَ للبدن، ولم يكُن يدفع نقدًا واحدًا، وَيْلَهُ مِن عمِّه لو صرف مِلِّيمًا واحدًا على ركوبه، والويل أكبرُ لو ظلَّ بالبيتِ قانعًا بحاله، منفقًا قليل أمواله.

 

"ما عليك إلاَّ أن تُسافِر وتظلَّ جوَّالَ الطُّرقات، قدَرك ُيا أحمد العربيّ أن تظلَّ صامدًا في هذه الطُّرُق، تَعْدو وتَعْدو وتَعدو، فَعمُّك عمران أقْسَى مِن أن يَقبلك ليلتين، وبيوت النَّاس قدْ تُضيفك نصفَ ليلةٍ على وجبةٍ واحدة، وأنت لا فِراشَ لك ولا مأوى؟! متى اليومُ الذي تنتهي فيه معاناتُك؟ متى اليومُ الذي تَكون فيه كأترابِك؟ لكن أين أترابُك؟! سَحْبان انسحَب إلى قبرِه، ونُعمان قرَّ في بيتِه عاجزًا، وحتَّى عبدالعزيز رَفيق طُفولتك قدْ طلَّقتْه زَوجته، وهو اليوم شيْخ بمأوى العجز في المدينة؛ هل تذكُر ذلك؟".

 

كانتْ تنتابه لذلك صَرَعات ويَأخُذه النَّشيج، ثُمَّ يَمتدُّ فيصيح صراخًا يجمع حولَه صِغار الحيِّ وأطفال الطُّرُق كلَّما اهتزَّ بدنُه في مكانٍ آهلٍ، وزاد في صِياحه حتَّى يُغمَى عليه.

 

- مسكين أحمد العربي، حرام على عمِّه عمران.

 

- بل هو سببٌ لما حَلَّ به؛ لِمَ يرضَى بهذا العمِّ الجلْف وبزوجتِه الحقود؟!

 

هو ذا الخريفُ يطلُّ مِن وراء وُريقات الشَّجر، صار أحمدُ يجلس بالطُّرقات وينتظر السيَّارات، لم تأتِ عُنيزةُ ولن يجمعَ الثَّلاثة الملايين يومًا، وماذا ينتظر العمُّ عمران غيرَ انهيار ساقَيْ أحمد حتَّى يستوليَ أبناؤه على مِيراثة الهزيل مِن أرض أجدادِه، وعلى مُدَّخرات عُمْرِ أحمد في انتظار عُنيزة، هو ذا (أحمد المذياع) يُومِئ للسيَّاراتِ العابرة أن تتوقَّف ويَصعَد بها مُنهكَ القُوَى يَرْمِي الجسم على أوَّل كرسي يصِله فلا تُرى منه داخل السيَّارة غير شاشيته الحمراء المتَّسخة، وخيطَا مذياعه يلبسانِ أُذنيه فيغرَق في ضبابٍ مِن حديثٍ كثيفٍ عن حوادث الدُّنيا وأحداث العالَم وأخبار العشَّاق والهوانِم، والكثير مِن ثرثرة المذيعات، ولم يسمعْ يومًا اسم عُنيزة بينهنَّ جميعًا، انتابه شكٌّ ذات مَغرِب وتقدَّم نحو عمِّه بكلِّ جِدٍّ، وقال: هل ماتتْ عُنيزةُ؛ أنا لم أسمع اسمَها في المذياع يومًا؟!

 

- عُنيزةُ يا أحمد، لا تَملِك المذياع، عُنيزةُ تحبُّ التِّلفاز، يجب أن تشتريَ تلفازًا لها، وثمنه مليونٌ آخَر.

 

ويَعني ذلك عندَ أحمد تأجيلَ الزَّواج سَنَةً أخرى؛ "مَن يربح المليون في يومِه، يُصبح عروسًا مِن غدِه، ومَن يُرخي عنان حُلمه لنَهَم عمِّه، يُمسي معوزًا طِيلةَ عمره، تلك هي الحِكمة يا أحمد، استيقظْ فقد انتهى الزُّقاق بالهارب، انظر إلى وجهِك في المِرآة، لم يعُدْ لصاحب الخمس والخمسين السَنَة حظٌّ في الزَّواج؟ ومَن سيرضَى بك والعوانسُ عازفاتٌ عن معدمي الرِّجال مِثلك يا أحمد الغبي؟"

 

- عُنيزَة، عُنيزَة، عُنيزَة! أُريد عُنيزة، أينَ عُنيزة؟!

 

ويستمرُّ في لهجِه باسمها حتَّى ينقطعَ صوتُه، فتضحَك زوجةُ عمِّه وهي تُردِّد: عنيزة نائمةٌ في بيتِها، لن تُفكِّرَ فيك لحظةً واحدة.

 

فيزدادُ هياجُه وهو يَصرُخ: يجب أن تَأتوا بها، ماذا بَقِي مِن عُمري؟ أينَ فُلوسي؟ أين ملاييني؟ سُرَّاق! أنتم سُرَّاق!

 

وفي غَمرةِ الحِدَّة والألَم يَتسلَّل العمُّ إلى ذِهن أحمد غُولاً مُفترِسًا، وتَبرُز زوجتُه ذِئبًا كاسرًا يُحاصرانه، ويزداد الحصارُ، فيعلو صوتُ الاستغاثة، يهرب أحمد بكلِّ ما أُوتي مِن قوَّة، ويلوذ باللَّيل في أعطافِ الألَم وبرقع مِن نشيج الأسَى يلفُّه، يلْفعُه البردُ فتقوده ساقاه المرتعشتانِ ليلةً مطيرةً شديدة البَرق إلى حافَّة الوادي، وتهدر المياه صاخِبة ضاجَّة منتقِمة، فتلقفه عابرًا وحيدًا للطَّريق الرَّئيسي، وتدفعه بعيدًا في طُرقات المداشر الجفريَّة.

 

ويستيقظُ النَّاسُ صباحًا مبتهجِين بهذا المطرِ الخريفيِّ الغزير، فينتشرون في تَفقُّدِ جُسورهم وأملاكهم البعيدة، وهناك في أقْصى طُرُقات الجِهة يُلْفُونَ جُثَّةَ أحمد مُكوَّرة عندَ علامة كيلومتريَّة قصيَّة، قذَف بها الوادي جانبًا، وهي هامدةٌ لا حِراكَ فيها، تَكمَّشتِ الرِّجلانِ، وتَعرَّتِ السَّاقان، ثُمَّ تَدلَّى مِن جيب مِعْطفِه الصُّوفيِّ مذياعُه الصَّغير، وقدْ بدا مطمورًا بطميٍ مِن الوحل الطِّينيِّ.



[1] الفراسن: هي الحوافِر الصَّغيرة للماعِز.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحاج أحمد

مختارات من الشبكة

  • مسائل الإمام أحمد الفقهية برواية أحمد بن القاسم (من أول كتاب البيع إلى آخر باب الصلح)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ترجمة مختصرة لفضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد (رحمه الله)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة المنهج الأحمد في طبقات أصحاب الإمام أحمد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح بيتي المقولات للشيخ الفقيه المتفنن أحمد بن أحمد السجاعي (ت: 1197هـ)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة إجازة محمد بن عبدالوهاب بن أحمد بركات الشافعي الأحمدي إلى حسين أفندي بن مراد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المنهج الأحمد في درء المثالب التي تنمى لمذهب الإمام أحمد (نسخة ثالثة)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المنهج الأحمد في درء المثالب التي تنمى لمذهب الإمام أحمد (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب: القول الأحمد في بيان غلط من غلط على الإمام أحمد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة المنهج الأحمد في درء المثالب التي تنمى لمذهب الإمام أحمد(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب