• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

الأعرج (قصة قصيرة)

الأعرج (قصة قصيرة)
أحمد بختي


تاريخ الإضافة: 4/12/2011 ميلادي - 8/1/1433 هجري

الزيارات: 13039

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأعرج

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

الأعرج يتذكَّر كلمات طفلته له في صباح ذلك اليوم الصيفي الحارق بلهب شَمسه وحرارة طقس العيد، وبنَشوة هواء صباحه المُشبع بالروائح الإيمانية العَطِرة، وبشواهد مآذن المدينة وهي تَنتصب في شموخ، وصوت المُصَلِّين ينساب مُجَلجلاً، يخاطب الوجود: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، على رؤوس مساجد مدينة الأعرج في هذا الزمن الجميل، المُصَلُّون يكبرون ويُهَلِّلون، ويحمدون ويُسَبحون في بهجة بقدوم العيد، وقد امْتَلأت كل النفوس نورًا وجمالاً، حينها قالت له ابنته وهو تحت غطاء النوم يُخفي ألَمه عنها: أبي، هيَّا اسْتَيْقِظ لنذهب إلى صلاة العيد، ألا تَسمع أصوات المآذن، اسْمع، اسْمع، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ها هم يُكَرِّرونها، آه.

 

أبي هيَّا استيقِظْ إنَّك كسول، وراحَت تَجذبه من يده بقوة الطفلة الصغيرة البريئة، والتي لا تعلم أنَّ المرض اللعين قد افترَس كاملَ جسدها، وما هي إلا أيام ورُبَّما ساعات وتنتهي.

 

أستغفر الله العظيم! قالها والدها في تَمْتمة مع نفسه تحت الغطاء، الأعرج لَم يستطع القيام أمام طفلته، ليس لأنه كسول، بل لأن عَيْنيه كانتا تَذرفان الدموع لحال ابنته، فأراد أن يتماسَك؛ ليقوم أمامها في مظهر غير الذي عليه، لكنَّه لَم يستطع واشتدَّ عليه البكاء، لَم يُجبها وبَقِي مسمَّرًا وهو يَنتظر زوجته؛ لتُخرجه من هذا الموقف الذي لا يتمنَّاه أحد، فالأعرج تختلط عليه المشاعر، ويَزداد خَفقان قلبه، ويَرتعش جسدُه، وتتعالَى أصوات الحيرة والذهول بداخله، كلما رأى ابنته غزة، والْتَقى وجهه بوجهها وعيونه بعيونها.

 

حَمَل ابنته على عُنقه، وهي تأمره أن يُكَرِّر معها التسبيح والتهليل مثلما يقول المصلُّون عبر مآذن المساجد؛ حيث كان كلُّ شيءٍ في البلدة يرتعد لتلك التسابيح والتهاليل، إنه جو عيدي، مملوء بالصفاء والطهارة والأجر لكافَّة أُمة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم، وبارك ومجّد وكرّم وشرّف وعظّم.

 

وصَل الأعرج مع طفلته إلى المسجد، كان المشهد مهيبًا بكثرة المُصلين المصطفَّة بانتظام، ملأ الأعرجَ إحساسٌ عارم بالخشوع، اجْتَاحَته رغبة مُلحَّة في البكاء، وراحَ يَحتضن ابنته في مُداعبة، استقبَل القِبلة وصلَّى مع المُصَلِّين، وابنته تُقَلِّده مرَّة تَسجد معه، ومرة تَلتفت إليه، وهي لا تعلم أن المصلي لا يجب عليه الالتفات عن اليمين والشمال، إلاَّ للخروج من الصلاة عبر التسليم، ثم جلَس وجلَست في حِجره، وأمَرَها أن تَصمُت؛ لأن الإمام سيتكلَّم، فكانت مؤدَّبة؛ واستجابَت لأمر أبيها، كان حينها الأعرج غائبًا يستمع للإمام بكل جوارحه، وانتَهَت الخُطبة ورجَع الأعرج من النشوة الدينيَّة والكلمات المتوالية والمتزاحمة الشديدة لخطبة الإمام - إلى ابنته غزة وشقاوتها البريئة.

 

ثم قام وعاوَد حَمْل ابنته على عُنقه وهو يتمايَل بها في مِشيته المعهودة، متَّجِهًا إلى الأمام، ساوَرَته أفكار العجز، فراح يَتَمَلْمل على خُطى الرصيف، حتى اقترَب من بيته، وضَع المِفتاح على قُفل الباب وفتَحه، وأدخل ابنته غزة، وترَكها تُخبر أمَّها برحلتها إلى المسجد مع والدها، ثم دار الأعرج في مكانه، وخرَج من المنزل وقَفَل مُبتعدًا عن بيته والأفكار تُقَطِّع أحشاءَه، تائهًا في تفكيره، توقَّف على الرصيف بالقرب من محطة وقوف الحافلات، وكان بالقرب منه شخص واقف يحمل حقيبة، بعد انتظار لَم يَدُم طويلاً، لعلَّ القدر لَم يترك للأعرج أن يعاود قراره ما يقرب من رُبع ساعة من الزمن، توقَّفت أمامه أوَّل حافلة قادمة من الشمال مُتَّجِهة إلى الجنوب، لَم يسأل عن وِجْهتها، صَعِد الحافلة دون أي كلام ولا تردُّد، مُتَّجِهًا إلى مكان لَم يُحَدِّده بعدُ، كان يريد الهرب فقط، أخَذ الأعرج له مكانه في الحافلة، بعد أن رَكِب مسافر قبله كان ينتظر بالقرب منه، كانت الحافلة قد امْتَلأت مقاعدها بصعود الأعرج المُثقل بالهمِّ والغمِّ، كان يبدو على وجهه التعب، ورُسِمَت عليه معالِمُ الشيخوخة المُبكرة، انطَلَقت الحافلة مسرعة مرة، ومرة مُهرولة، وهي تتمايل في المُنعرجات، ثم بعد مدة من السير اعْتَدَلت الطريق، ورَسَمت لوحة حقيقية لصحراء الجزائر، وزاد السائق في سرعة حافلته غير عابئ بجحافل أمواج الرِّمال المُتسابقة لتجد مَن يوقفها، لعلها تَصطدم بجدار قديم أو بنخلة شاهدة على أجيال كانت تعيش هنا عبر السنين.

 

كان جالسًا في مؤخرة الحافلة على كرسي بجوار النافذة، مُتَّكِئًا على جانبه الأيمن، يُحَدِّق في الأُفق البعيد بحِدَّة، علَّه يَثقُبه فيتخطَّاه إلى ما لا نهاية.

 

تَكِلُّ عيناه، فيُدير رأسه قليلاً للأمام، يرى السراب يُوهمه أن هناك ماءً، تَفتر شفتاه عن ابتسامة إعجاب حزينة، ويعود بناظره إلى اليمين جهة النافذة كرَّة أخرى، متأمِّلاً بقايا الرمال المُتكسرة على جانبي الطريق، غاب عقله في لا شيء.

 

كان الركاب جالسين في سكينة؛ بعضهم يقرأ الصُّحف، وبعضهم مستغرق في التفكير، وآخرون في حالة استرخاء، كان الجو ساكنًا مُفعمًا بالهدوء، وملوَّنًا بالسكينة.

 

كان خياله لا يتركه وهو يعيش بين الهمِّ والغَمِّ، يُصارع الأفكار والتخمينات، فجأة صَعِد رجل مع طفلة، الظاهر أنها ابنته، عاد إلى الأعرج الألَم، وتذكَّر ابنته.

 

صار يحب الضجيج، وفوضى الأولاد وشقاوتهم، يحب طفولتهم؛ رُبَّما لألَمه على تقاعُسه تُجاه ابنته في بادئ الأمر، فالآباء معظمهم وباستمرار يتحجَّجون على أبنائهم ويتقاعسون في عدم الاهتمام بهم.

 

كانت فتاة هادئة، لا ضجيجَ لها، جلَس الرجل إلى جانبه، وأغلَق الأعرج عينيه مُتهرِّبًا عن الموقف كله، وهو يتمنَّى أن يَسترجع عقارب الزمن؛ علَّه يَستعيد مع ابنته غزة كلَّ لحظة عاشاها معًا، تمنَّى لو أن الزمان عاد بريئًا كما كان‏، ولو أنَّ القلوب عادت وديعة كما كانت‏، ليْتَه استطاع أن يَسترجع زمانه مع ابنته، ويسترجع أجْمَل لحظات حياته، حين وُلِدت له بالمستشفى بنت جميلة، كانت ضعيفة حقًّا لكنها حلوة، سمَّاها "غزة"، وكان ذلك اليوم هو الأربعاء 12 تموز (يوليو) 2006، إلاَّ أنَّ الأعرج سرعان ما يَخترقه الألَم، ويتذكَّر ذلك اليوم المشؤوم يوم الاثنين 27 كانون الأول/ ديسمبر 2010 الساعة 10:36، إذ بالدكتورة طَلَبت منه أن يجلس على الكرسي، ثم أخْبَرته بأنَّ ابنته قد تكون مُصابة، حينها تسمَّر الأعرج في مكانه خائفًا، يَنتظر الدكتورة لتُكمل كلامها عمَّا أصاب ابنته، قائلة له: ابنتك مصابة بالسرطان في آخر مراحله، وهي تواسيه وتُخَفِّف عليه هولَ صدمة الخبر، لَم يتكلَّم الأعرج، ولَم يتحرَّك؛ لتنزل دموع حارة راسمة خطًّا على وجهه المُغبر، وتَسقط على الأرض، وبعد شَهقة عميقة، سألها الأعرج قائلاً: هل أنت متأكدة من تشخيص المرض يا دكتورة؟

 

الدكتورة ردَّت عليه قائلة: لقد أجمع الأطباء قبل قليل على أنه لا يمكن أن تعيشَ غزة طويلاً، إلا أن يشاء الله، وعليك أن ترضى بقدر الله، ولا تُكَلِّف نفسك عناءَ المكابرة وإسراف المال، وتَستنزف أموالك في المستشفيات وفي عيادات الدكاترة والبروفسورات فيما لا فائدة منه، هنا أدرَك الأعرج أن ابنته في عداد الأموات، فقرَّر أن يَجعل تلك الأموال صدَقات على ابنته؛ "دَاوُوا مرضاكم بالصدقات"، ويسأل الله أن يتغمَّد ابنته برحمته.

 

الأعرج حاوَل أن يُظهر تماسُكَه وهو لَم يتخيَّل يومًا أنها ستُصاب بالسرطان وهي طفلة، وقبل أن يَحتفل بزفافها ويرى أحفاده، فهو مرَّة يعتبر أنَّ هذا المرض مجرَّد كَبوة واختبار من الله، وأنه مرض سيأخذ وقتَه وينتهي ويمرُّ، ويُصبح ذكرى فقط، في ثقة منه بالله أنه سيُنجيها من هذا الألم الذي قلَبَ حياة أسرته رأسًا على عَقِبٍ، ومرة يعرب لكل مَن يُلاقيه أنه على استعدادٍ تامٍّ للتنازُل عن كلِّ شيء في حياته، وأن يَرقد بديلاً لها؛ ليتحمَّل مرضها، ومرة يُفصح أنه راضٍ سعيد بأنه وحده الذي يتألَّم وليس ابنته، مؤكِّدا أنه ينوي عمل أيِّ شيء لتُشفى ابنته غزة.

 

هنا الأعرج رَغِب في النهوض على قَدَميه والسير حتى مدخل الغرفة التي بها ابنته غزة، لَم يَستطع؛ إنه يَرزح تحت ثِقَلٍ عظيم من هَوْل صدمته لخبر مصاب ابنته؛ ليتحوَّل على ظهره في تعب وأرقٍ، فَكَّر مليًّا، غاص في أعماقه يُفتِّش عن شيء جميل يُخَفِّف عنه حِمْله، فيجد بعض الذكريات الجميلة رابضةً في داخله، تعلوها كتلة من السواد تَمنعها من الظهور.

 

تحامَل على نفسه عدة مرات، ونَهَض متثاقلاً رغم نحافته وضَعف جسده، فهو أعرج، سار ببطء حَذِرًا؛ ليحافظ على توازُنه، واصَل التقدُّم، يواجه الصدمة بجسده الأعرج النحيل المُثقل بالتعب، يُحاول الثبات دون تمايُلٍ، ظلَّ يسير للأمام والخوف يدفعه إلى الوراء، إلى أن تقدَّم إلى جهة باب الغرفة والزُّملاء والرِّفاق يواسونه؛ حرصًا منهم على سلامته، دخَل على ابنته التي فَقَدت الرُّوح، وبَقِيت جسدًا ميِّتًا للأبد.

 

كان من الصعب على غزة أن تبقى مع والدها،‏ وكان الأصعب أن يكون الفراق، ليَبتعد الحبيبان ويَنشطر الجسدان،‏ وتَنطفئ في سواد الليل الشمعتان، وهو يعيش تجربة من تجارب الفراق، ألا وهي الموت‏.‏

 

الأعرج كان في آخر أيَّام ابنته غزة لا يستطيع فراقها، ولو للمَيْتة الصغرى النوم؛‏ ليعيش الأعرج تجربة رحيل أخرى،‏ توديع إنسان سَكَنت قلبه،‏ وتَرَكت له كلَّ المشاعر، وهو يتخيَّل نفسه مثل ذلك العربي الذي يترك أرْضَه للمحتلِّ الغاصب يستدمرها، إنها معه في كل شيء:‏ إذا سافر،‏ أو مَرِض‏، أو فكَّر، أو هاجَر، أو غفا.

 

إنها تتسلَّل في دمائه دون أن يراها، وتَخفق في ضلوعه وهو لا يَسمعها، وتُشاركه الفكر وهو لا يعرف،‏ إنه يراها في نومه وطعامه وحلمه،‏ ويراها في وجوه الناس كلَّ ساعة وكلَّ دقيقة.

 

الأعرج صار يبحث في ملامح الناس في الشوارع عن ملامح ابنته غزة حبيبته، وهو يرى في كلَّ الوجوه شيئًا منها،‏ وهو يرى فيلمًا وأغنية،‏ ومدينة كاملة وهو يفتِّش في كل هذه الأشياء: في الحافلات واللقاءات، وتلال من الأشباه تُحاصره، ثم فَجْأة توقَّف به الزمن والحياة عند ذلك الشعور بفِقدان الشعور المتفرِّغ؛ لتلذُّذ ألَمِ الفِراق، وليعيش الموت مع غزة ما تبقَّى من العُمر‏.

 

وهو يتخيَّلها في نفسه وهو يُعيد ترتيب أشيائه، لتلوح أمامه ثواني عمرٍ طويل في صورة وفي هديَّة؛ ليتألَّم بالفراق كموت مبكِّرٍ أنهى حبًّا لَم يَمُت، بل أصبح عبئًا ثقيلاً عليه، أنهى حبَّه لابنته بنهاية مُعانقتها واللعب معها، ومصافحتها ومُواساتها، وتَكرار التوديع لها؛ ليصير الوداعُ فراقًا لحبيبته فَلذة كبده غزة دون رَجعة، لترسم نهاية حبِّه لها الذي لا يعني الموت أبدًا.


حبُّه لها الذي اختار جزءًا بعيدًا في أعماقه واستراح فيه،‏ إنه يراه‏ ويسمعه‏ وفي مرات يَسخر منه،‏ وفي أحيان كثيرة يُشفق عليه؛‏ ليأخذَ حبُّه لها قبرًا صغيرًا يَسكنه أبٌ حيٌّ‏.‏

 

الأعرج وجَد نفسه وهو يودِّع حبيبته وقد غابَت أمام عينيه كلُّ الصور،‏ هذه الابنة البريئة الملائكية التي شارَكته كل تلك الأيام، لن تكون له بعد اليوم، سوف ينام دون أن يسمعَ صوتها ‏ وقد كان لا ينام إلاَّ بصوتها، يَحلم ولَم تكن شريكًا في أحلامه، وقد كانت يومًا كل أحلامه.

 

الأعرج يكتب ويقرأ ويأكل، ويَحزن ويبكي،‏ ويموت،‏ وهي هناك بعيدة عنه لا يعرف عنها شيئًا، ولا يسمع منها أيَّ شيء،‏ إنها بعيدة مثل السحاب الذي يراه ولا يَلمسه،‏ إنها بعيدة مثل الأُفق الذي يُحيط به في كلِّ شيء، وإذا اقترَب منه وجَده سرابًا سرعان ما يختفي ويغيب‏؛ لينتزع جزءًا عزيزًا من عمره، ويُصافحه في لحظة وداعٍ دامية،‏ وهو يعرف ويُدرك أن الأيَّام لا تَجمع بينهما أبدًا في الدنيا، وهذا هو حاله الآن،‏ يَراها كثيرًا في نومه‏،‏ رغم أنَّ أحلامه صارَت قليلة، ويَسمعها كثيرًا حوله، وإن كان لا يراها، ويُفَكِّر فيها،‏ ويُفَكِّر بها،‏ ويتمنَّى لو رجَعَت عقارب الزمن للوراء، فيقول لنفسه: ليتني لَم أُخْلَق، كلما رأى طفلة تحمل ولو شيئًا قليلاً من ملامحها،‏ ابتسَم وأعاد ترتيب ملامحها؛ لكي تبدو صورة منها، فإذا اقترَب منها اكتشَف أنه نحتُ دُمْيَة جميلة تُشبهها، ولكنها بلا رُوح،‏ ولا نَبضٍ،‏ ولا حياة.

 

استمرَّ الأعرج في جلسته دون أن يتحرَّك، كان ساكنًا، خائفًا من أن يتحرَّك، فتعود به ذاكرته للألَم، لَم يكن يُصدِّق أن يكون على حالٍ أحسنَ من حاله الآن!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة شرح مختصر ابن الحاجب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حديث: من كسر أو عرج فقد أحل(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • خاطب يعاني من عرج ، هل أوافق؟(استشارة - الاستشارات)
  • تحقيق تخريج مسألة ( سجود النبي سجدتي الوهم )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انتقاض الوضوء بزوال العقل بالنوم(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: الكلب يلغ في الإناء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختلاف عدد النساء اللاتي طاف عليهن النبي سليمان عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آيات بينات للعبر والعظات(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
4- شكر وعرفان
dodo - alger 05-03-2012 06:39 PM

بسم الله الرحمان الرحيم **
سلام سليم احلى من النسيم العليل وأجمل من البلبل في التغريد...
أشكرك واعترف لك أخي بحسن اختيارك وبراعتك توضيح بعض الصور الداكنة من قلب المجتمع ...قصة في منتها الروعة لأنها حقيقية من الشارع العربي . أتمنى أن تزودنا أكثر وأكثر ....بارك الله فيك أخي...

3- أبدعت و أحسنت
عبدالسلام - الجزائر 25-01-2012 12:23 AM

بحق أخذتني كلماتك ولامست أنامل غزة الملائكية مشاعري ووجداني حتى أنني تخيلتها صورة وجسدا من خلال وصف معاناتها وأي معاناة وقد ذكرتني غزة الطفلة غزة المكان المقدس الذي يعاني معاناته جريحا متألما فآلمتني مرارة الإحساس بالذنب وأنا الاعرج الذي بقي يراها في يد ذلك المرض الخبيث المسمى صهيون وقد أعجزه الفعل ...
عموما بارك الله فيك على إبداعك وإلى المزيد

2- شكرا على التعليق
الاستشرافي - الجزائر 14-12-2011 04:27 AM

وضعت اناملي على لوحة مفاتيح الكمبيوتر بدلا من مسك القلم .. وبدأت في الكتابة .. فضغطت بأصبعي على حرف الشين ثم الكاف ثم الراء فالألف ... شكرا لك على تعليقك "أحسنت يا سيدي في كتابة هذه القصة الرائعة بحق".. واعتبر هذا التعليق شهادة لي محفزة من شخص شعرت من أسلوبه الصدق .. ياسيدي .. ما يخرج من القلب الصادق يصل إلى القلب ويلامس كل القلوب الصديقة و أما الكلام الذي يخرج من اللسان فلا يجاوز الآذان .."ما أجمل المشاعر التي جرفت كلماتك لتستقر على شواطئ مآقينا التي غمرتها دموع حارقة .. على غزة .. وعلى تقصيرنا تجاهها.. وعلى موتها البطيء أمام عيونها .. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ..حسبنا الله ونعم الوكيل." ..
وفجأة تذكرت ما يحدث بغزة يوميا من انتهاك لحقوق الانسان فخجلت من نفسي .. توقفت عن الكتابة وانا انظر الى الساعة بجنب شاشة الكمبيوتر كانت 12:31 ..
الساعة الان 12:35 عاودت الكتابة بعد توقف لدقائق ربما اردت ان استجمع قواي الفكرية لمواصلة الكتابة .. الا ان اناملي لا تريد الكتابة وعقلي يقول لي استحالة ان تكتب .. وراح ضميري يواسيني تارة ويوبخني تارة اخرى .. هامسا بداخلي دون صوت ألا تخجل ايها العربي المسلم من نفسك وانت ترى من حولك المجازر التي ارتكبت بحق اطفال و نساء وشيوخ غزة .. فاني لا اجد كلمات لارد بها على خاطري ولا اجد كلمات تجسد او تصور تلك المحرقه .. وسرعان ما تزول عني هذه الاشباح الصادقة والجاثمة على كاهلي ..واواصل الكتابة .. ثم تعاودني الهواجس واتذكر اولئك الاطفال الابرياء الذين كانوا يلعبون مع الموت في أزقة وشوارع غزة ..في يوم الأربعاء 12 تموز (يوليو) 2006 ..

1- رائعة
بهاء طلعت - مصر 04-12-2011 01:07 PM

السلام عليكم..
أحسنت يا سيدي في كتابة هذه القصة الرائعة بحق.. ما أجمل المشاعر التي جرفت كلماتك لتستقر على شواطئ مآقينا التي غمرتها دموع حارقة..
على غزة....
وعلى تقصيرنا تجاهها
وعلى موتها البطيء أمام عيونها.
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
حسبنا الله ونعم الوكيل.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب