• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

جفاف المشاعر (قصة قصيرة)

جفاف المشاعر
إبراهيم عبدالعزيز السمري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/10/2011 ميلادي - 4/11/1432 هجري

الزيارات: 18956

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جـفاف المشـاعر

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

منذ مدة ليستْ بالقليلة يعمُّ الصمت، ويَرتسم الضجر على وجهيهما كلما الْتَقَيا، كأنما جمَعهما المكان على غير هوًى منهما، كثيرًا ما يكون شارد اللبِّ، قَلِق النفس، حائر البال، بين لحظة وأُختها يرنو إليها بطرْفٍ خَفِي، فيَلْمح انقباضًا في أسارير وجْهها العبوس، فيَزداد امتعاضًا وتجهُّمًا!

 

وهي مُطرِقة صامتة، تَسبح بأفكارها وخواطرها في بحار بلا شُطآن من الهموم والشكوك، التي لا تَفتأ تُساورها صباحَ مساء؛ حتى أحالَت ليلها نهارًا، فلا تَغمض لها عينٌ، ولا يَرقأ لها دمعٌ، وأحالَت نهارها ليلاً سرمدًا، كئيبًا موحشًا، خبَّأ في جَوْفه ضوءَ الأمل، وغابَت عن سمائه شمسُ الرجاء.

 

برودٌ وجفافٌ أحْدَقا بهما بعدما اعتُقِل في حَلْقيهما لساناهما، وتبلَّدت من فَرْط صَمْتهما مشاعرُهما، فأصبَحا كتمثالين حجريِّين، يَخلوان من كلِّ حرارة إلاَّ من حرارة النَّجوى، وحديث النفس إلى النفس.

 

مُجتثة في بستانهما الذابلِ أشجارُ العواطف، مهدَّمة أمام أعينهما جسورُ التواصُل، مُقطعة بين شفاههما خيوطُ الحوار، فأمسى المكان جامدًا موحِشًا، كالطَّلل أو الكهف الخَرِب.

 

شرع يَهيم في عالَم من الأفكار والخواطر، يستدعي الذِّكريات، ويسأل نفسه في ألَمٍ مُمضٍّ، وكَرْب لا تَنقشع غمامته.

 

• مَن هذه المرأة الماثلة أمامي؟ أهي بحقٍّ زوجتي؟! أيمكن أن أكون قد أحبَبْتُها يومًا؟! كيف اخْتَرتها؟! أكنت مصابًا بالخَبَل حينئذٍ؟! أم هي المراهَقة الملعونة التي تُصَوِّر لنا القُبح جمالاً؟! ألا ما أبردَ عاطفتها! وما أثقلَ ظِلَّها! ألا ما أشْبَهها بالرجال! بل ما أشْبه الرجال بها!

 

ها هي قابعة أمامي صامتة كالحجر، باردة كالثلج، أترى فيمَ تُفكِّر؟! أتكون قد عَلِمت بما عَزَمت عليه من أمر الزواج؟! وما الغريب في الأمر؟ أليس من حقي أن أتزوَّج ما طاب لي من النساء؛ مَثنى، وثلاث، ورُباع؟!

 

إنني أحوج الناس إلى الزوجة الثانية، أُريد أن أشعرَ برجولتي، أريد امرأة جميلة رشيقة، تملأ دنياي بالحب والحنان، والنشوة والمرَح، أُريد أن أمشي بين الناس مرفوعَ الرأس، مختالاً كالطاوس، وقد استقرَّت على ذراعي ذراعُ أنثى كالقمر، تتهادَى إلى جواري كظبية وديعة تَصرف أبصار الناس إلينا، فأَرْنو إليهم بنظرات ازدراءٍ كأني مَلَكت الدنيا بما فيها.

 

والزوجة ما زالت مُطرقة ترجع بذاكرتها إلى ما قبل الزواج، تتراءى لها صورة أبيها الحنون الذي كان يحبُّها أكثر من نفسه، ويخصُّها بمزيد من التدليل عن بقيَّة إخوتها، أكان يرى من سَجفِ الغيب ذلك العذاب الذي ينتظرها؟! أكان يسمع تلك الآهة الحرَّى المتردِّد صداها بين جوانحها قبل أن تولَد بعشرات السنين؟!

 

مَن لها في وَحدتها الكئيبة بعد أن هجَرها زوجها برُوحه وجسده؟!

 

لو كان ميتًا لَهانَت مصيبتها؛ فكم من زوجة مات عنها زوجها وهي ما تزال في رَيعان شبابها، فتُؤثر أولادها على نفسها، وتَعكُف في صمتٍ ورضًا على تربية أولادها، لكنَّ الخَطْب يكون أفدحَ إذا جمَعهما مكان، ثم لا يكون معها برُوحه ولا بجسده.

 

حَنانَيْكَ يا إلهي، رِفقًا بأَمَتِك الضعيفة، رفقًا بأَمَتِك التي طالَما صَبَرت على فقر زوجها، وتجرَّعت في كَنَفه غُصصَ الحِرمان، إنها ما تزال تحبُّه، ما تزال قادرة على التضحية، ولكن من أجْل مَن؟! من أجل زوج لا يُطيق رؤيتها؟! من أجْل رجلٍ يتجاهلها وكأنها نَسيًا مَنسيًّا؟!

 

ما ذنبُها في كونها تُشبه أباها؟! ألَم يكن أبوها وسيمًا؟!

 

ما ذنبها في اكتناز لَحمها، وازدياد وزنها؛ حتى تلاشَت تضاريسُ جسدها، فأضْحَت كالكرة المنتفخة؟! ما ذنبُها في ثرثرة وَرِثتها عن أمِّها، وصَوْتٍ جَهْوَري وَرِثته عن أبيها؟! ما ذنبها في جُرأتها التي دَرَجت عليها؛ حتى لقد غَدَت تتطاوَل على زوجها وأهل زوجها باللعن والسِّباب؛ لأنها اعتادَت منذ صِغرها ألاَّ تسكتَ لأحد يَسبُّها أو يُهين كرامتها؟!

 

لعلَّ هذه الصفات المجتمعة فيها هي ما جعَلَت زوجها كارهًا لها، نافرًا منها، وينتظر من الله لحظة الخلاص، لكنه مع هذا لا يَملك القدرة على تطليقها، فبينهما نبَتَت بذرتان: ولد، وبنت، ولعله يخشى الضياع عليهما إذا حدَث الفراق، كما أنه موقِّع على إيصال أمانة؛ لأنه لَم يكن يَملك مهرها حين تقدَّم لخِطبتها، ولا يَملك المسكن الذي يعيشان فيه، لقد ضحَّى أبوها من أجْل سعادة ابنته، تلك المُحَبَّبة إلى قلبه!

 

ولولا خوف الزوج من العاقبة الوخيمة المترتبة على هذا الإيصال الذي وقَّع عليه، لَمَا بَقِيت زوجته على ذمَّته كلَّ هذه المدة التي تجاوَزَت عقدًا من الزمان؛ إذ إنه لا يستطيع بأيِّ حال من الأحوال أن يوفِّيَها ما عليه من حقوق، أو يُسدِّد تلك الديون التي تُطوِّق رقبته، فتجعله أمامها ذليلاً، ولفَضْلها أسيرًا، خصوصًا وأنه يعمل موظَّفًا صغيرًا في المجلس المحلي للقرية.

 

وجَد في عمله الجديد - كسكرتير بعد الظهر في إحدى العيادات - ما يَشغله عن زوجته، ويَجعله يتحرَّر من قَيْدها بقيَّة من النهار وطرَفًا من الليل، أصبَح في عمله منهمكًا؛ حتى لَم يَعُد يعلم شيئًا عن ولده وابنته، ولا يحاول أن يسألَها عن أحوالهما؛ لأنهما يُذكِّرانه دائمًا بخطيئته التي يحاول نسيانها، إنه يخرج من البيت قبل أن يستيقظا من نومهما، ويعود إليه بعدما يَغِطَّان في نوم عميق.

 

في عالَمه الجديد الذي أخَذ منه جُلَّ وقته، بَهَرته المدينة بأضوائها البرَّاقة وضجيجها الصاخب، وحوَّله الثراءُ - الذي يراه مُجسَّدًا أمامه في البيوت الفخمة، والأثاث الفاخر، والسيارات الفارهة - إلى شخص متمرِّد على حياة الضَّنْك التي يعيشها، ثائرٍ على هدوء القرية البائسة الناعسة الزاحفة نحو المغيب.

 

لاحَت لعينيه الفتيات الصغيرات في أزيائهنَّ العَصرية كظباءٍ تتهادى لاهية عابثة، هفا إليهنَّ قلبه الملتاعُ، واشتاقَت للرِّيِّ من جمالهنَّ النَّدِي رُوحه الظامئة، كان يَحتال لجَذْب أنظارهنَّ إليه، فإذا ما وقَعَت إحداهنَّ في شِباكه، دعاها إلى تناول الغداء معه في أحد المطاعم الفاخرة، فيُنفق عليها في وجبة واحدة ما ينفقه على أُسرته في شهر.

 

ما كان ليطمعَ في شيء أكثرَ من خروجها معه، وسَيْرها إلى جواره، وقضاء وقت ممتع وإن كان قصيرًا، كانت لذَّته في محادثتها عن قربٍ، ورؤية علامات المَرَح والانطلاق مطبوعة على وجهها الضحوك، ومُتلألئة في عينيها الباسِمتين، وما أسعَده حينما يُلامس يَديها الناعمتين كالحرير، لكنَّه سَرعان ما يُصيبه المَلل، ويَعتريه الفتور، فيبحث عن فتاة أخرى يُنفق عليها ما أنفَقه على فتاة الأمس!

 

كثيرًا ما نَصَحه أحد أصدقائه بأن يتخلَّى عن هذا السلوك الشائن والعادة الذميمة؛ إذ إن أولاده وزوجه أحقُّ من غيرهم بهذا المال المُهدر في سبيل الهوى والشيطان، والنفس الأمَّارة بالسوء، لكنه لَم يَأْبه لنصيحة صديقه، وظلَّ سادرًا في غيِّه، لا يلوي على شيء.

 

امتدَّت يده للاقتراض ممن يعمل عنده أكثر من مرَّة، فلمَّا رأى الطبيب بذَخَه وإسرافه، وعدَمَ اكْتَراثه بما وصَل إليه حاله، رفَض إقراضه، وأصبَح يُطالبه بما عليه من ديون!

 

تعرَّف على أرْمَلة حسناء صغيرة السنِّ، عرَض عليها الزواج، أبْدَت موافقتها وأخْبَرته بأنها تمرُّ بضائقة ماديَّة وتحتاج إلى معونته، تحرَّكت في صدره مظاهر النَّخوة والشهامة، وحاوَلَ أن يظهر لها بأنه رَجلها الأوْحد، جهَّز أوراقًا وحوَّل راتبه على البنك، وسَحَب قرضًا على راتبه؛ ليُقدِّمه هدية لهذه الأرملة الجميلة، أخَذَت المال، ثم اعْتَذَرت إليه بأنها لا تَقبل أن تكون زوجة ثانية.

 

طارَت العصفورة الرشيقة من يده، مُخلِّفة وراءها ذيلاً ثقيلاً من الديون، اختار كرهًا أن يَحمله على عاتقه؛ حتى ناء من ثِقَلِ حَمْله، وضاقَت عليه الأرض بما رَحُبَت.

 

فكَّر معه بعض شياطين الإنس من رِفاق السوء الذين تَعرَّف عليهم في الآونة الأخيرة، فقال أحدهم ذات مرة:

 

• وجدتُها!

 

فردَّ وقد بَدَت الدهشة على وجهه:

• أيَّ شيءٍ تَقصد؟!

 

• أقصد الفكرة التي تُمكِّننا من الحصول على المال بسهولة.

 

• وما هذه الفكرة التي واتَتْك؟

 

• نستأجر شقَّة مفروشة لمدة قصيرة، نفتح فيها مكتبًا للسياحة والعمالة، ونُعلن في الجرائد عن حاجتنا إلى الأيدي العاملة للسفر إلى الخارج، أو للتوظيف داخل الدولة، ونطلب من كلِّ فرد مبلغًا من المال، يَتناسب مع نوع الخدمة المُفترض أن تُقَدَّم له، فإذا ما تجمَّع لنا قدرٌ من المال يُرضينا، نلوذ حينئذٍ بالفرار.

 

• وهل تظن الناس من السَّذاجة بمكان يَجعلهم يُصَدِّقوننا ويستأمنوننا على أموالهم؟

 

• اعلم يا أخي أنَّ الناس مَهْمَا ارتَقَت عقولهم، ومَهْمَا تفتَّقت أذهانهم، من السهل أن تُسَيطر عليهم وتَسلُب منهم أموالَهم، لا سيَّما في هذا الزمان الذي أصبَحوا فيه كالغَرقى يتطلَّعون إلى طوق نجاة، ولو كان خادعًا.

 

بَرَقَت في أذهانهم الفكرة، وشَحَذت الأحلام المستعرة هِممَهم، فطَفِقوا يُجَسِّدون هذا الوَهم المسيطر، ويُحوِّلون أحلامهم السانحة إلى حقيقة واقعة.

 

في غضون بضعة أشهر جَمَع الرِّفاق أموالاً طائلة من جرَّاء بَيعهم الأوهامَ الكاذبة للكسالى السُّذَّج الذين يعيشون على آمال زائفةٍ، كل واحد من هؤلاء يحلم بوظيفة أنيقة، يَجلس خلالها إلى مكتب فخمٍ، ويسند ظهره في عنجهيَّة وخُيَلاء على مقعد وثيرٍ، تُداعب نسمات التكييف مُحَيَّاه، فيَزور الكَرى عينيه الناعستين، فلا يَفتحهما إلاَّ عندما يحين موعد الانصراف.

 

هكذا يحلمون، لا يُفَكِّر أحدهم في أن يضربَ في الأرض ابتغاءَ رِزق الله، تعوَّدوا أن يكونوا عيالاً على أهليهم حتى سنِّ الثلاثين، فكيف لا يكونون عيالاً على الحكومة بقيَّة عُمرهم؟!

 

بيد أنَّ في هؤلاء المضحوك عليهم أناسًا جديرين بالشفقة، خليقين بما يسعون إليه، بعضهم يبحث عن فرصة حقيقيَّة للسفر؛ كي يحقِّق طموحه وأهدافه، وبعضهم يبحث عن وظيفة؛ لأن صحته لا تُساعده على الأعمال الحُرَّة والشقاء اللانهائي!

 

في ظروف غامضة اختَفى رفاق السوء عن الزوج البائس وعن أعين الرُّقباء، وبَقِي الزوج ضحية خديعتهم الماكرة؛ فالضحايا لا يعرفون أحدًا من هؤلاء الرِّفاق، وإنما يعرفون هذا الزوج الذي كان يَستدرجهم إلى المكتب، فيدفعون أموالهم بدافع الثقة فيه والاطمئنان إليه.

 

طالَبوه بكلِّ أموالهم التي دفَعوها إلى هذا المكتب، ولأنهم لا يملكون أوراقًا رسميَّة تُدينه ورفاقه، اضطرَّ بعضهم إلى اختطافه، وفَرْض فِدْية على أهله، بعد أن أوْسَعوه ضربًا، باعَت زوجته كلَّ حُلِيِّها وأخَذت حقَّها في ميراث أبيها، واقترَض شقيقه من بعض الناس؛ كي يُنقذه من أيدي مُختطفيه الذين هدَّدوا بقَتْله إذا لَم تَصلهم أموالهم.

 

عاد إلى بيته مُنكسرًا بعدما ذاق ألوانًا من العذاب، وبعدما طرَده صاحب العيادة؛ بسبب سُمعته التي أوْشَكت أن يَحيق أذاها بصاحب العمل، لَم يجد حوله من الناس إلاَّ زوجته المُحبَّة له، نظَر إليها، فوجَد إنسانًا مختلفة تمامًا عن زوجته التي يعرفها، لقد تبدَّل العُبوس الملازم لها إلى ابتسامات حانية، والصوت الجَهْوَري غدَا أرْخَمَ من هديل الحمائم وشَدْو البلابل، والجسد المتكوِّر أصبَح ممشوقًا كغُصن البان، والقلب المتأجِّج غضبًا وغيظًا أصبَح حانيًا مُفعمًا بالعواطف الدافئة، ولسانها المعتقل في مَحْبسه تحرَّر من قَيْده، وشرَع يُداعبه بكلمات معسولة، تعجَّب وبَدَت الدهشة واضحة على قسمات وجهه، ساءَلَها في رِفقٍ:

 

• مَن أنتِ؟

 

أجابتْ بدلالٍ:

• حبيبتك.

 

• لستُ أصدِّق عيني، أأنا في حلمٍ؟!

 

• بل أنتَ في الحقيقة.

 

• هل أنا تغيَّرت أم أنتِ؟

 

• كلانا تغيَّر يا زوجي العزيز! المصائب والنكبات التي أحلَّت بك أعادَتك إلى مَعدنك الأصيل، وأنا أحسَسْت أني أخطأتُ في حقِّك؛ لأني أنا التي أضَعْتك من يدي، وتركْتُك تقع فريسة لأرباب الفساد والهوى.

 

• كيف تحوَّلتِ إلى هذه الدرجة؟!

 

• لَم أتحوَّل، بل عُدت إلى أصْلي، ألَم أكن رشيقة حينما جِئتَ تَخطبني؟!

 

• بلى، ولكن..!

 

• من يحب أن يصنع المستحيل، وأنا صَنَعتُه من أجْلك، ومن أجْل أن تبقى لي.

 

• وأنا يا سيدتي الجميلة عاجزٌ عن شُكرك، لقد كنتِ لي نعم الزوجة المُخلصة، وكنتُ لك بِئس الزوج العاق.

 

• لا تفكِّر فيما مضى، ودَعْنا نعِش حاضرنا ومستقبلنا بشيء من الرضا، ولون من ألوان السعادة.

 

أمْسَك يديها بكلتا يَدَيه، ثم رفَعهما إلى فمه، وجعَل يَلثِمهما في حنان ويقول:

• بورِكْتِ يا زوجتي الجميلة، وجزاك الله عني خيرَ الجزاء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وحي المشاعر!
  • فوضى المشاعر
  • البرعم والمطر
  • سلامة التعامل مع عواطفنا ومشاعرنا
  • المشاعر والمجتمع الآلي
  • متلازمة (قصة قصيرة)
  • طبق إلى السماء (قصة قصيرة)

مختارات من الشبكة

  • جفاف المشاعر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جفاف المشاعر بين الأزواج كيف نسقيه بوابل من مطر الحب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • مشاعرك حقك.. تفاعل الغير حقهم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- تحية تقدير وإعزاز
إبراهيم عبد العزيز السمري - مصر 15-10-2011 01:29 AM

إلى الناقد الحصيف، والأديب الألمعي الأستاذ الفاضل الهاشمي الحسين تحية تقدير وإعزاز.
أشكرك أخي على هذه التوجيهات النقدية السديدة التي تنم عن وعي عميق بتقنيات السرد الأدبي لا سيما فن القصة القصيرة، وإني لأغبط نفسي حين أجد بعض تجاربي مطروحة بين يديك تسافر فيها بروحك الوثابة، وفكرك الثاقب، وإحساسك المرهف، وذوقك الرفيع، ويزيدني غبطة أن أراك تنثر عليها بعضاً من رياحينك العطرة، وتدبجها بتعليقاتك التي لا تقل عظمة عن أي عمل إبداعي رفيع.
وأرجو أن أشرف بمطالعة بعض أعمالك الإبداعية لأني تشوقت إليها كما تشوقت لرؤياك.
لك تحياتي ولكل شعب تونس الحرة الأبية، وشكري الخاص لشبكة الألوكة وكل العاملين عليها لهم خالص التقدير ووافر التحية.

1- جفاف المشاعر ..أوالبحث عن ارتواء القصّ
الهاشمي الحسين - تونس 13-10-2011 11:22 AM

إلى شبكة الألوكة ومشرفيها تحيّة تقدير على ما تبذلونه من نشر عبير الكلمة الصّادقة ودعم الذّوق الأدبيّ الرّفيع.
إلى الأخ إبراهيم عبد العزيز السّمري سلاما واحتراما
وبعد
فقد حاولت متابعة كتابتكم عبر هذه الشّبكة ولي بها شغف نقديّ عسى ان تثمر تجربتكم بعض الإضافة والتّطوّر.لذلك سأركّز في هذه المراسلة الثّانية على نقد قصّة جفاف المشاعر ومقارنتها بقصّة المسافر نهاية.
تبدو قصّة "جفاف المشاعر" منذ عنوانها قصّة نفسيّة خالصة تهتمّ بتطوّرات باطنة تعتمل في كيان الشّخصيّة البطلة.وقد استمرّ هذا المسار إلى حدّ الفقرة الخامسة عشرة وبمجرّد إيجاد عمل مسائيّ -وهو تقنيّا حلّ العقدة النفسيّة السّلابقة -انقلبت القصّة قصّة أحداث تنمو بوتيرة أسرع وتعتمد منطق الصّدفة والمفاجأة والانقلاب في إثراء نسيج السّرد وشدّ خيوطه.ومثل هذا الانتقال غير مبرّر في هيكل القصّ يحتاج اختيار نسق نفسيّ ينمو في عالم الشّخصيّة أو نسق حدثيّ ينمو في عالم الواقع
أعجبت باختياركم العالم الشّخصيّة وتوزيعكم الوصف النّفسيّ بين الزّوج والزّوجة لكنّ ذلك لم يستمرّ طويلا فقد غاب كليّا بعد الفقرة الخامسة عشرة.ثمّ قد تمّ عبر الرّاوي ولو كانت الشّخصيات هي القائمة به لكان أروع وأذكى.ولم تغفلوا عن الحوار الباطني متعمّدين تلوينه بالأزرق على أنّ بدايات الفقرة التالية هي بدورها حوار باطني فمن الضّروري أن يكتمل التّلوين حتّى لا يشوّش أفق التّوقّع لدى القارئ"حَنانَيْكَ يا إلهي، رِفقًا بأَمَتِك الضعيفة، رفقًا بأَمَتِك التي طالَما صَبَرت على فقر زوجها، وتجرَّعت في كَنَفه غُصصَ الحِرمان، إنها ما تزال تحبُّه، ما تزال قادرة على التضحية".
ومن جانب ثان فإنّ توزيع الوصف النّفسيّ بين شخصيتين متقابلتين في صمتهما يحتاج تقنية قصصيّة أقوى من المراوحة تقوم مثلا على المناظرة والتّقاطع في الخواطر والتّداعي المطّرد..حسن جدّا أن تجرّبوا المونولوج -الحوار الباطني-وأحسن منه أن تحرّروه من سلطة الرّاوي حتّى تصبح الكتابة تحرّرا أفضل يقيم حقّا عالم القصّة القصيرة لأنّه بالأساس عالم الشّخصيّة.
ولي أن الاحظ نموّا محترما للشخصيّة البطلة في هذه القصّة لكنّه كان على حساب شخصيّة الزّوجة الّتي قتل نموّها منذ الفقرة الخامسة عشرة وتسطّحت بل ظهرت في النّهاية باهتة ولا تبدو قادرة على تغذية الصّراع الدراميّ وهو عنصر القوّة في القصّة القصيرة المميّز لها عن القصّة عموما.إنّ قبولها بزوجها دونما محاسبة وردّها الخطأ إلى نفسها لهو تعليل قد يقبل في الأخلاق المجتمعيّة الشّرقيّة لكنّه لا ينسجم تماما مع المنطق الدّاخليّ لنموّ القصّة.لذلك يمكن القول إنّ نهاية القصّة لا ترتبط فنيّا ولا منطقيّا ببدايتها ولا هي قائمة على المفاجأة أو الانقلاب.كلّ ما قد صنعها هو الحرص على تمرير قيمة التّسامح وطاعة الزّوجة لزوجها.وهذا الامر لا يثري عالم القصّة بقدرما يعطّل نموّها الطّبيعيّ ويطوّع أحداثها إلى ما لايكون منطقيّا.فهذا الزّوج منذ أن اقترض من البنك قد صار يعيش أزمة ستجرّه حتما إلى السّجن والطّرد من قبل الطّبيب.ولا مبرّر عندها لأحداث مكتب التّشغيل الوهمي اللّهم أن يكون الكاتب راغبا في نقد مجتمعيّ موسّع.وعندها تنتهي علاقة النّصّ بالاقصوصة أو ما نسمّيه القصّة القصيرة ويكون من صنف القصّة المنفتحة على فنّ الرّواية.
عموما في هذه القصّة تطوّر أسلوبيّ يدمج الحوار الباطنيّ.لكنّ سلطة الرّاوي وسلطة القيم على مخيّلة الكاتب في رأينا-واللّه أعلم-قد أضعفت الحبكة وقلّصت من الجماليّة الفنيّة وراكمت الأحداث بشكل غير متناسق.
وبالعودة إلى قصّة المسافر مقارنةً فإنّا نقرّ باستمرار البراعة في الوصف وسلاسة الأسلوب وسلامة اللّغة.لكنّا نذكّر أيضا باستمرار لهجة الحكي الأقرب إلى الشّفاهيّة في طبيعة الخطاب.وإذا ما ولج الكاتب عالم النّفس هذه المرّة وتجاوز عالم الاشياء في قصّته السّابقة فإنّه مازال يحاول أن يكون "مسافرا"يبحث عن نبع قصصيّ أكثر صفاءً ورواءً في زمن"جفاف المشاعر".وسيدركنّه يوما بالمثابرة.أرجو أن تزداد غزارة القلم أخ إبراهيم وأن نجد من الوقت ما يسمح لنا متابعة تجربتك توجيها نقديّا ما استطعنا.
يحرص إبراهيم عبد العزيز السّمري على أن تكون القصّة شهادة مثقّف على انحدار القيم فيختار بين"المسافر"و"جفاف المشاعر"أن يطرق بابي العائلة فالأسرة ليشخّص كالطّبيب الماهر علّة هذا المجتمع في جشع المال وجفاء المشاعر..وتنطلق الكلمة مبشّرة باليقظة العقليّة كلّ نهاية أوبة وتوبة وضربا من الاعتدال.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب