• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

المسافر (قصة قصيرة)

المسافر
إبراهيم عبدالعزيز السمري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/9/2011 ميلادي - 29/10/1432 هجري

الزيارات: 20998

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المسـافر

(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الثانية )

 

أصعبُ شيءٍ على المرء أن يصنعَ المعروف، ثم يتبيَّن له أنه وضعَه في غيرِ أهله، وأصعبُ منه أن يصنعَه في أهله ثم لا يَلقَى منهم سوى التنكُّر والجحود، والتجاهُل والجفاء، بل القسوة والظُّلم اللَّذَين يَهضمان حقَّه، ويكسِران خاطره، ويقصَّان جناحيه، فلا يقوى بعدَها على التحليق ثانيةً في فضاء الأمنيات!

 

هكذا حَكم عليه الأهلُ، بعدَ خمس سنوات عِجاف قضاها في غُربة كالحة، وعمَلٍ شاق دؤوب لا يَتناسب ومؤهلاتِه العلميَّة، كان عليه أن يُلقِي بشهاداته الجامعيَّة في أقربِ سَلَّة؛ كي يتمكَّنَ مِن الحصول على هذا العمل! كان عليه أيضًا أن يتنازلَ عن بعض مبادئه، وأن يُنحِّي كبرياءه جانبًا، وأن يميل مع الرِّيح حيث مالتْ حتى لا ينكسِر عُوده، ويتبدَّد في لحظةٍ مِن اللحظاتِ أملُه.

 

في غربتِه كان يزهَد في كلِّ مُتَع الحياة؛ يزهد في التنزُّه، يزهد في أطايبِ الطعام، وأفْخَر الثِّياب، ومع هذا كان حريصًا على هندامِه وأناقته البسيطة التي لا تُلفِت إليها الأنظار، ولكنَّها أناقة مِن نوع خاص، أناقة رَجلٍ مسلم حريص على نَظافة مظهرِه، قدْرَ ما يحرِص على طهارةِ جوهره، ونَقاءِ سريرته!

 

كان يُؤثِر أهلَه بكلِّ راتبه إلا جزءًا ضئيلاً يكفي حاجتَه الضرورية في غربته، يرسل هذا الراتب كلَّ أربعة أشهر بحوالة بنكيَّة باسم والدته التي يُكنُّ لها كلَّ احترام وتقدير؛ ولِمَ لا؟! أليستْ هي أمَّه التي أُمِر ببرِّها؟! أليستْ هي أمَّه التي ضحَّتْ بشبابها، وأفنتْ عمرها في سبيلِ تربية أولادها بعدَ أن قضى والدهم نحبَه؟!

 

بلى! لقدْ كانت جديرةً بكلِّ احترام، غير أنَّ شيئًا غامضًا - لا أحدَ يعلم كنهه - يجعلها تُفضِّل عليه أشقاءَه، بل يجعلها حانقةً عليه، وضجرةً منه في كثيرٍ مِن الأحيان إن لم يكُن في كلِّ الأحيان، وهو الذي يكاد يوقِد لها أصابعَه شموعًا لترضَى عنه.

 

كانتْ - ولا تزال - حنونًا رحيمة بأخيه الذي يصغُره بعامين وبشقيقتيه، إلاَّ أنها كانت شديدةَ القسوة معه منذُ كان طفلاً صغيرًا، ولولا قامتُه الفارعة التي ورِثها عن أمه، ولولا أنَّ قَسماتِ وجهه الخمري دليلُ صدق على امتزاج ملامحِها وملامِح أبيه فيه، ولولا الشبهُ الجليُّ بينه وبيْن إخوته لظنَّ - على الأقل فيما بيْنه وبيْن نفسه - بأنَّه غريبٌ عنهم مِن سوء المعاملة التي تُعامله بها!

 

لا يزال يذكُر تلك الليلةَ التي طردتْه فيها مِن البيت، كان عمرُه حينئذٍ خمسةَ عشرَ عامًا، خرَج هائمًا على وجهِه يتخبَّط في ليلٍ حالك لا يَدري إلى أين تُقوده قدماه في ذلك الوقت المتأخِّر مِن الليل، والليل في القُرى ذو رَهبةٍ تَشيب لها الرؤوس! والليل في الشِّتاءِ كمارد مهول ترتجُّ بين ضلوعها مِن هوله القلوب!

 

سرَى والدموع تنهمِر على وجنتيه حتى وجَد نفْسَه أمامَ بيت صديقِه الوحيد الذي لا يكاد يعرِف مِن الدنيا سواه، والذي يكبُره بثلاثة أعوام تقريبًا، وقَف أمام الباب حائرًا لبضعةِ دقائق، لكنَّه في لحظة أخَذ القرار قرَع الباب قرعًا خفيفًا كمَن يحذر أن يسمعه أحد، لكنَّ هاجسًا سرَى في خِفية إلى قلب صديقه الشاعِر الذي اعتاد السهرَ ليلاً ليقتطفَ مِن الدهر ساعاتِ الصفاء، وأوقات الهدوء كي يهيمَ في عالَم رحْب من الأفكار والأحلام والرُّؤى.

 

هبَّ صديقُه مِن جلسته، اتَّجه صوبَ الباب، فتَحه بسرعةٍ فإذا بأحبِّ الناس إلى قلبه ماثلاً أمامه، شاخِصًا إليه بصرَه، وقد كستْ وجهَه غلالةٌ مِن ذُلِّ اليتم، ومسكنة الضياع، ووجَل الخائِف الوجم، أخذه مِن يدِه، أدخلَه في هدوء إلى غرفته، جعل يستمع إليه بإصغاءٍ حتى عرَف قصَّته، هدَّأ مِن رَوْعه، ثم وعده بالذهاب إلى والدته في الصباح؛ ليكلمها في هذا الأمْر، لكن "أيمن" استعطفه وألحَّ عليه أن يذهبَ به إلى بيت عمَّته في مدينة (طنطا)!

 

وعدَه صديقُه بتنفيذِ رغبتِه في الصباح، قدَّم له عشاءً لكنَّه أبَى، زاعمًا أنَّه تناول وجبةَ العَشاء قبل أن يُطرَد من البيت، مع أنَّ لونه الشاحب، وبريقَه المنطفئ يدلاَّن على أنَّه لم يذقْ طعامًا منذ الصباح! هكذا كان دائمًا حييًّا عفيفَ النَّفْس.

 

أعدَّ له مكانًا للنوم، ورغم أنَّ المكان بسيط متواضِع إلاَّ أنَّه كان عامرًا بالدفء، مفعمًا بالحنان والرِّضا والسكينة، بات ليلتَه يُفكِّر فيما سيؤول إليه حالُه، ويقوده عقلُه إلى عقد مقارنة بيْن والدته الصلبة العنيدة القاسية، ووالدة صديقِه اللينة المتسامِحة الرحيمة التي لا تفرِّق بيْن أحد مِن أولادها الثمانية، بل تعاملهم جميعًا معاملةً قائمة على الحبِّ والرحمة والاحترام.

 

مِن ثَمَّ كان لا يَفتأ يغبط صديقَه على هذه الأمِّ التي لا يَعدو حديثها أن يكون همسًا، وإذا غضبتْ يَكفي أن توجِّه إلى مَن غضبت منه نظرةَ عِتاب تبثُّ فيها كلَّ معاني اللوم والتثريب، فلا يملك إلا أن يطرق حياءً منها، وسرعانَ ما يأتي إليها معتذرًا.

 

لا يَزال هذا المشهدُ القاتم الكامن في ذِهنه، القابِع في مخيلته يقضُّ مضاجعَ ذاكرته، ويَطفو بين الحين والحين على سطحِ عقْله كلَّما أثارَه داعٍ مِن دواعي الظلم الذي يحيق به بين آونةٍ وأخرى.

 

عادَ مِن غربته ليجدَ والدتَه قد أنفقتْ كلَّ أمواله التي أرسلها طوالَ سنوات الغُربة في بناءٍ بيت مِن طابقين، وراعه ما وجَدَه مِن ظلم مجحف حين عَلِم أنَّ أمَّه قد كتبتْ له شطرَ البيت ولشقيقه الأصغر الشطرَ الثاني، ولم يقفِ الأمر عندَ هذا الحدّ، بل أقامت لابنها الأصغر الذي لم يغتربْ ولم يذُقْ في حياته مرارةَ الغربة بعضَ المشروعات التجارية إلى جانب وظيفته.

 

أحسَّ "أيمن" كأنَّ طعناتِ غدرٍ نفذت إلى صدره، لقد ذَهَب حصيدُ سنوات الغربة أدراجَ الرياح، ثم أضحى بلا وظيفة، وبلا مشروعٍ يبدأ به حياتَه ويقتات مِن ورائه، وليس معه مالٌ يُعينه على الزواج الذي لا بدَّ منه حتى يكتملَ دِينه، كان عليه ألا يستسلمَ لليأس، وألاَّ يخلُد إلى الندم، ولهذا بدأ حياةً جديدة مِن الكفاح المتواصِل، لم يَنتظر الوظيفةَ كعادةِ كثيرٍ مِن الشباب، وعمِل مندوبًا للمبيعات في إحْدى الشركات؛ كي يستطيعَ أن يجهِّز شقته، ويوفِّر التكاليف اللازمة لتأسيسِ عُشٍّ صغير للزوجيَّة..

 

مرَّتِ السنوات تلتهم شبابَه التهامًا يكدُّ فيها ويشقَى حتى حقَّق أمنيته وتزوَّج ومنَّ الله عليه بطفلةٍ جميلة ملأتْ عليه حياته، لكنَّه لم يسلمْ مِن أذى أمِّه أو أخيه الذي فشِل في كلِّ المشروعات التي جاءتْه على طبَق من ذهَب.

 

وقَف "أيمن" إلى جوارِ أخيه، لم يألُ جهدًا حتى انتشلَه مِن رَدْغَة الديون التي أَغرقَ فيها نفسه، وأعانه على الزواج، واختارتِ الأم أن تعيشَ في كنف ابنها الأصغر؛ إذ إنَّ قلْبَها لم يميزْ مِن البشر سواه، ذاقتِ الأمَرَّيْن مِن زوجته المتسلِّطة! تعرَّضت للضرب والإهانة أكثرَ مِن مرة، وابنها المدلَّل لا يملك وسيلةً لردع زوجته؛ وكيف يردَعُها وهو لا حولَ له ولا قوة؟! لقدْ أذعن لزوجته منذُ البداية، وبدَا أمامها مغلوبًا على أمْره، مسلوبةً منه إرادتُه!

 

بدتِ الأم القويَّة، ذات القلْب الحجري الصلد ضعيفةً ذليلةً مهيضة الجَناح أمامَ زوجة ولدها الذي طالَما أحبَّتْه، ودلَّلتْه، وأعطتْه حقوقًا لم يكُن أهلاً لها، ولم يقدِّم في حياته ما يجعله جديرًا بها.

 

لم تَجِد بُدًّا من اللجوء إلى ابنها الأكبر ذِي القلْب الحنون؛ لتعيشَ في رحابه، وتحتمي به مِن أذى زوجةِ الابن المتسلِّطة، أشفق عليها، وآواها، ورَجاها أن تظلَّ معه بقية عمرها، وأقسم ليضعنَّها في عينيه، وكان بالفِعل عندَ قَسَمه، نسِي ما كان منها حين قسَتْ عليه، وحين حكَمَتْ عليه بتلك القِسمة الجائرة، نسِي جفاءَها وقسوتها وأذاها، وطفِق يعاملها بحنانٍ أكثرَ مما كان يعاملها به ليعوِّضها عن أيام الشقاء والإهانة التي تعرَّضت لها.

 

لكنَّ قلبها لا يزال معلقًا بابنها الآخَر، كانت تفتعل المشكلاتِ مع زوجةِ ابنها الأكبر، وتختلق المعاذيرَ لتهربَ مِن هذا الجو الهادئ الحنون، ولتخرج مِن حِمى الابن البار الذي تستكثر عليه أن يُثابَ على برِّها!

 

عادتْ مِن جديد إلى الابن الأصغر تَرتشِف الذلَّ ارتشافًا، كأنَّما هو قدرها الذي لا تَستطيع منه فكاكًا، اضطرتْ زوجة الابن إلى أن تضعَ زوجَها بين أمرين: إمَّا أن يُطلِّقها، وإمَّا أن يوفِّر لها مسكنًا بعيدًا عن أمِّه التي لا تُطيق الزوجة رؤيتها.

 

كعادته أذعَنَ لمطالب زوجته، وانتقل بها إلى محافظةٍ نائية رغمَ توسُّلات أمِّه، ونحيبها المتواصل، لم تجِدِ الأم سوى يدي ابنها الأكبر تمتدُّ إليها في رِفق لتمسحَ دُموعها المتدفقة كالشلاَّلات المندفِعة، ولتَرْبِت في حنان على كتفِها، تطلَّعت إليه في حياءٍ كأنَّما تريد أن تعتذرَ إليه، وتطلُب منه أن يسامحَها، تجمَّد الكلام في فمِها، تحاول أن تحرِّك لسانها لكنه لا يطاوعها، ارْتَعش فكَّاها، وجنَح الفم جهة اليمين ثم تجمَّدتْ أعضاؤه، حاولتِ النهوضَ مِن مقعدها فلم يَستجبْ لها شِقُّها الأيسر، سقطت على الأرض، صرَخ "أيمن":

 

• أُمِّي.. ما بكِ؟!

 

نظرتْ إليه بعينين دامعتين نظرةً بائسة كادتْ تمزِّق قلبَه، حملها هو وزوجتُه ووضعاها على السرير، اتَّصل بالطبيب الذي أكَّد له أنَّ المرض الذي ألَمَّ بها شللٌ نِصفي ناشئ عن صدمةٍ عصبية، قرَّر أن يعالجَها حتى لو اضطرَّ إلى بيع كلِّ ما يملك، طال مَرضُها، حتى اضطرَّ إلى بيع أثاث منزله، وكلِّ الكماليات، بل كل الضروريَّات، حتى أصبحتْ شقَّتُه خاويةً على عروشها، اقترَض مِن زُملائه وأصدقائه، وتَنقَّل بها مِن طبيبٍ إلى طبيب، ويَضرع إلى ربِّه في جوفِ الليل حتى شفاها الله، وبرِئتْ مِن علَّتها، وعادتْ إليها عافيتها.

 

التفتتْ إلى ابنها الذي لم يَذقْ طعمَ النوم طوال فترة مرضها إلاَّ سويعات معدودة، ونظرَتْ إليه بعينين مملوءتين بالرِّضا، ثم قالت:

• أسأل الله أن يسعدك، ويرضى عنك يا "أيمن" يا بني، أنت تعبتَ معي كثيراً.

 

ردَّ " أيمن" وعلى ثغرِه ابتسامة وضيئة:

• ربنا يعافيك، ويُتمُّ شِفاك، ويُطيل لنا في عُمرك يا أمي.

 

• سامِحْني يا ابني على كلِّ شيء فعلتُه بك؛ أنا آذيتك كثيراً، وظلمتك كثيراً ، وأعطيت تعبك وجُهدكَ لشخص لا يستحق! الله يسامحه.

 

• على كلِّ حال هو أخِي، وواجبٌ عليَّ أن أساعده.

 

• ربنا يبارك لك في صِحَّتك، ويرزقك، ويعوِّض عليك يا بني.

 

التفتَ إلى شقَّته التي أصبحتْ كالطَّلَل، وإلى زوجتِه التي باعتْ حُليَّها لتساندَ زوجها، وابنته التي شارفتْ دخولَ المدرسة، والديون المتراكِمة! ضاعَف ساعاتِ العمل، لم يعُدْ لديه وقتٌ لرؤية ابنته، ولا أن يطالعَ صفحةً في كتاب مِن الكتب وهو المولَع بالقراءة منذُ نعومة أظفاره.

 

لم يَجِد مفرًّا من التفكير ثانيةً في السفر إلى إحدى الدول العربيَّة؛ كي يتمكنَ من تحسين مستوى معيشته، وقضاء ما عليه من دَين، تردَّد على مكاتب السفر، في كلِّ مكتب يترك سيرتَه الذاتية، وينتظر ريثما يتلقَّى منهم مكالمةً هاتفية.

 

ذات نهارٍ تلقَّى مكالمةً مِن أحد المكاتب يستدعيه لإجراءِ مقابلةٍ شخصية، نهَض على الفور، جهَّز نفْسَه وانتقل إلى القاهرة، اجتاز الامتحانَ بجدارة ولفَتَ إليه الأنظار، بل سحَرهم بلباقتِه، وفِطنته وذَكائِه، وخِبرته في مجالِ تخصُّصه، عرَضوا عليه الراتبَ، لكنه رفَض، رغمَ حاجته الشديدة لهذا السَّفر، هو يدرك أنَّ إمكاناته أكبرُ بكثير من هذا الراتب المقرَّر له، وهو يعلم أنَّهم مقتنعون به أيَّما اقتناع؛ لأنَّهم وَجدوا فيه ضالتَهم المنشودة، ترَكهم وعاد إلى قريته.

 

تلقَّى مكالمة ثانيةً وثالثةً وعاشرة مِن نفْس المكتَب في كلِّ مرة يَزيد الراتب بمقدارِ مائة جنيه حتى وصلَ الراتب إلى حدٍّ يرضيه، وقَف أمامَ المرآة، هاله ما رأى؛ لقد وجَد الشيبَ تَسلَّل إلى صَفحتي رأسِه كخيوط ضوءِ الصبح حين تتسلَّل إلى صفحة الليل البهيم، فما تَلْبَث أن تَقضي عليه وتحتل مكانه، تنهد طويلاً، وقال في أسى:

 

• رحمِك الله يا أبا العلاء، لقد صدقتَ حين قلت:

 

تَعَبٌ كُلُّهَا الحَيَاةُ فَمَا أَعْ
جَبُ إِلاَّ مِنْ رَاغِبٍ فِي ازْدِيادِ

 

ها أنذا قد جاوزتُ حدَّ الأربعين، أمَا زالتْ أمامي الفُرصة لأبدأَ حياتي مِن جديد؟! أمَا زِلت قادرًا على العطاء؟! هل كنت محقًّا حينما فكرتُ في السفر؟! ما كان أغْناني عنه، لو.. سبحانك يا ربِّي! لك حِكمة ومشيئةٌ نعجِز عن فَهم أسرارِها!

 

هيَّأ نفْسه للسَّفَر، أخَذ حقيبته، ودَّع زوجتَه، وابنته، ووالدته التي ذرفتْ في لحظةِ الوداع دموع النَّدَم، وشَيَّعته عيونُ الأصدقاء، ومضَى في طريقه يسير حتى غرق في أمواج البشر المتلاطِمة، وغاب عن أعينِ مودِّعيه، لكنَّهم ما زالوا يرونه بعيونِ قلوبهم، ولا زالت ألسنتهم تلهَجُ بالدُّعاء له.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسماك المجارير (قصة)
  • المسافر والصوم
  • طبق إلى السماء (قصة قصيرة)
  • دموع مسافر
  • فتنة الريح (قصة قصيرة)

مختارات من الشبكة

  • عودة المسافر ( قصة قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من لا يجب عليه الصوم (المسافر)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مختصر أحكام صلاة المسافر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم الصائم المسافر الذي أمسك في بلده، وأراد أن يفطر في بلد آخر عند غروب الشمس(مقالة - ملفات خاصة)
  • إذا أقام المسافر لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • القول في انقطاع القصر إذا عزم المسافر على الإقامة مدة معلومة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • الوجيز في أحكام صلاة المسافر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أقيم وحدي مع إخوة زوجي المسافر(استشارة - الاستشارات)
  • فراغ الصيف وزاد المسافر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
16- شكر وتقدير
إبراهيم عبد العزيز السمري - مصر 26-10-2011 07:32 PM

أشكرك يا أستاذ وصفي على تعليقك المهذب، وإني لسعيد بمرورك، ومطالعتك قصتي، لك شكري وتقديري

15- الزمن الجميل
محبة للأدب - مصر 26-10-2011 12:27 AM

كتابتك أيها الأديب تعيدنا إلى الزمن الجميل، والقيم الأصيلة التي نفتقدها هذه الأيام في بلادنا العربية، فما أروع البر بالأمهات، وما أجمل التسامح في زمن نسي فيه الناس هذه القيم.
أتمنى لك التوفيق وإلى مزيد من التقدم والازدهار.

14- قصة رائعة
إحسان إبراهيم - مصر 25-10-2011 11:51 PM

ما أبدع كلماتك أيها الأديب وما أروع أسلوبك السهل الممتنع لقد عبرت عن مشاكل عصرية تعانيها الأسر العربية في أسلوب سلس جذاب وطريقة شيقة، أتنى لك التوفيق والنجاح في كل أعمالك الأدبية والعلمية.

13- أعجبنى
وصفى سليم - مصر 25-10-2011 11:47 PM

الحقيقة أنى لا أدعى القدرة على النقد الذى أعرف أنه يسعد الأديب الكبير إبراهيم السمرى لكن ما أستطيع قوله :إنها قصة رائعة وسوف تسعد كل من يقرؤها وأرجوا أن تلقى اهتمام النقاد الحقيقين مع كل تمنياتى للأديب الكبير بكل التوفيق.

12- شكر وتقدير
إبراهيم عبد العزيز السمري - مصر 24-10-2011 06:14 PM

أشكرك أخي الأستاذ/ أبو بكر قليل على مرورك الكريم وأقدر تعليقك الجميل، لك تحياتي ومحبتي في الله وأتمنى لك التوفيق لأنني أعرف أنك صاحب قلم بديع، ورأي حصيف لك شكري وامتناني.

11- المساقر
بوبكر قليل - الجزائر 22-10-2011 06:37 PM

تحياتي ...القصة تعالج واقع مزري نعيشه في الأسر العربية المسلمة حيث استطاع أن يصور لنا حقيقة كثير من الأسر وتعاملها السيء مع فلذات أكبادها مما يؤثر تأثيرا بليغا في نفسية الأبناء ...ثم استطاع الكاتب أن يدعو من خلال قصته كل شاب إلى البر والإحسان إلى الوالدين مهما كانت معاملتهما ..قصة ذات مغزى ومعنى .... أبوبكر الجزائر

10- نقاش مثمر
خيري عبدالعزيز - مصر 12-10-2011 05:58 PM

لا أظن أن أي عمل من الأعمال المرشحة لاقي من الحظوة والاهتمام, وخلق حالة من النقاش المبدع مثلما حدث مع قصة المسافر..وهذا جميل للغاية, وأظن ان الأخ ابراهيم صاحب العمل سيستثمر هذا كطاقة دافعة للأمام ولن يقف عنده كثيرا..
شكري وحبي للجميع..
وتحياتي للأخ الهاشمي الحسين للإفادة الرائعة والنقد المبدع..

9- تعليقا على الأخ خيري
زائر - مصر 12-10-2011 03:28 PM

الكاتب مع احترامي في القصة لم يشر إلى الدوافع وهذا مطلوب لشفاء غليل المتلقي
أعرف أما مثل هذه الأم تأخذ من الكبير لتعطي ابنها الصغير ولكن هي لأن ابنها في الخليج تظن أن معه نهر من المال وتظن أنه لايمكن هو أو زوجته ليس معهما فائض في البنك
وبعد موت هذه الأم التي أعرفها ابنها الصغير يستدين ويطلب من أخيه المال دائما ليس هذا فقط وإنما يحاسب زوجته وأولاد أخيه على ما ينفقونه لأنه يظن أنه حقه وهذا نتيجة الدلع والأخذ دائما حتى توهم أن هذا حقه
أما الابن الكبير الذي يفعل ذلك فهو بيكون غالبا عايش دور الأب كما ربته أمه على ذلك أو ضعيف جدا وخايف من غضب أهله أو هم يتمسكنون أمامه ويخفون نفقاتهم الزائدة في الترف أحيانا.

8- شكر وتقدير
إبراهيم عبد العزيز السمري - مصر 11-10-2011 11:06 AM

أخي الفاضل الكريم / الأستاذ/ الهاشمي الحسيني
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، لا يسعني أخي الكريم إلا أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير لجنابكم الموقر ولكل الإخوة الذين شرفت بتعليقهم على قصة المسافر، وأقسم أني ما فرحت بنشر قصتي قدر ما سررت بنقدكم البناء، وما سررت بتقريظكم وثنائكم قدر ما سعدت بنقدكم الموضوعي الذي طال انتظاري له حتى يتبين لي الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فن القصة القصيرة الذي تعد قصة المسافر أول تجربة لي فيه، وحين أرسلتها لم يكن هدفي الفوز وإنما كان هدفي أن أعرف هل أنا على الطريق أم إنها مجرد خواطر لا ترتقي إلى فن القص في شيء؟!
شكراً أخي على ما أسديته لي من نصح وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك، كما أشكر رجال الألوكة الذين منحوني هذه الفرصة لأعرف مقدار ما وصلت إليه، وأرجو أن يدوم التواصل بيني وبينك ليدوم العطاء.
أخوك/ إبراهيم عبد العزيز السمري

7- لمسة حنان و تسامح
greenfresh - arads 11-10-2011 12:52 AM

بكلمتين ألخص مغزى هذه القصة:
حنان وتسامح

1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب