• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

الزحف

أ. محمود توفيق حسين


تاريخ الإضافة: 12/9/2011 ميلادي - 13/10/1432 هجري

الزيارات: 6060

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أُسندُ السماعة المرتكزة في أُذني بإصبعي، وما زِلت لا أسمع فيها شيئًا: نورة، نورة، نورة، لا أسمعك.

 

تبتسم لي المذيعة، واعْتَذَرت للجمهور عن عدم إكمال الاتصال؛ نظرًا لوجود مشكلة فنيَّة، لتختفي صورتي من على الشاشة، بعد أن كنتُ أمام الملايين، صِرت وحدي وظهري للحائط، حتى ظلي المرتكن يكاد يتركني، وضعتُ المايكروفون بجانبي يائسًا، سلَّمته لوحدة التصوير الخارجي، لأمضي إلى بيتي على الأحجار الموزَّعة كوسيلة عبورٍ في بِركة مياه المجاري الطافحة، والتي لَم تظهر على الشاشة.

 

يا حزني، المرة الأولى التي أظهَر فيها على شاشة التلفاز، والتي انتظرتُها طويلاً، وبلَّغتُ بها الأهل والأصدقاء، وعمَّتي بالخارج، واشتريتُ لها بذلةً جديدةً، انتهتْ في أقلِّ من دقيقةٍ، أنا أُنادي على المذيعة، والمذيعة تنادي عليّ.

 

لَم أعمل كمراسل، الأمر كان عارضًا، فبناءً على تزكية من بعض الناشطين الشباب الذين شارَكوا في الثورة وكنتُ بينهم، تمَّ اختياري كشابٍّ مُثقَّفٍ من حيِّ (النقرة) العشوائي؛ لأنقلَ للمشاهدين في كلِّ مكانٍ وجهة نظر أهل (النقرة)، المتضرِّرين من عدم تعيين أبنائهم كموظفين بالمنطقة الصناعيَّة المجاورة لهم.

 

الساعات التي سبقتْ هذا اللقاء التلفازي على الهواء، قضيتُها بشكلٍ متوتِّر محموم في التحصُّل على بيانات وإحصائيَّات هامَّة عن عدد سُكَّان المنطقة، ونسبة البطالة، ومتوسط دخْلِ الأسرة، وكذلك الخبرات الفنيَّة المُتاحة التي يُمكن الاستفادة منها، وسجَّلت كلَّ هذا في أوراقٍ أخَذتُ أُراجعها وأُذاكرها، وعزَّزتها ببعض الدراسات الاجتماعية والاقتصادية، وختمتُ كلَّ هذا بكلمات مأثورة لمفكرين وقادةٍ ودُعاة عن العدل الاجتماعي والمساواة، وتحدِّيات الفقر، ولكنَّ كلَّ هذا قد ذهَب هباءً في اللقاء الأوَّل.

 

التجربة قد علَّمَتْني، وكانت كاشفةً على نحو غريب ككلِّ التجارب المؤلِمة؛ إذ لاحظتُ - وأنا في قمَّة إحباطي - ما لَم ألْحَظه عن نفسي من قبلُ أبدًا، لاحظتُ شيئًا واقعيًّا محرجًا، فأنا بصراحةٍ حَزِنتُ على الفرصة الشخصيَّة التي ضاعتْ أكثر من أيِّ شيءٍ آخرَ، لَم أكن أحمل فوق ظهري يوم أن وقفتُ أمام الكاميرا حملاً إلاَّ فُرصتي.

 

وفي سبيلي الغارق للبيت، انعكسَتْ على سطح المياه الآسِنة - وأنا أمضي بحذرٍ فوق الأحجار - صور النجوم الذين حملتْهم الثورة للسماء، وعرَّفتْ بهم الناس في لحظة نادرة، فانبعَث مني شيءٌ كريه الرائحة، لا تُداريه حتى رائحة المجاري، إنه غيظٌ غريبٌ لقيطٌ، لَم أشعر به في الميدان عندما كنت أقْتَسِم خُبزي وزجاجة المياه مع الآخرين، ولا أُبالي بالكاميرا، إنما الليلة تفوح مني رائحةٌ كريهةٌ حقًّا؛ غيظًا حتى من الذين صَعِدوا للسماء وقد ماتوا أمامي، وملأتْ صورهم اللافتات، وحقدًا بشعًا على الذين صَعِدوا للفضائيَّات كلهم: وائل غنيم، نوارة نجم، أسماء محفوظ، وغيرهم وغيرهم، تركوني وحدي مهملاً أمرُّ على البِرَك العَفِنة فوق الأحجار المهتزَّة، وأخذوا يتنقَّلون من برنامج لبرنامج، كلهم يغيظوني، حتى الشيخ مظهر شاهين خطيب الثورة والميدان، حتى باسم يوسف الذي يكاد يُميتني من الضحك بخفَّة ظلِّه، ومقاطعه الرائعة على اليوتيوب، والتي يَسخر فيها من الأجهزة الإعلاميَّة البَلهاء والتابعة للنظام.

 

مِن حيِّ (النقرة) مَن نَحسبهم شُهداءَ، سقَط أحدهم أمامي تحت خُفِّ الجمل، فخرجَت (مصارينه) من بطنه، وخرَج مخُّ آخر من رأسه بقِطَع الرخام الحادَّة الشريرة التي شحَنها رجل الأعمال المُجرم، وغيرهم كثير، صَعِدتْ أرواحهم لله، وبَقِيتُ أنا هناك بين فقراء (النقرة) الذين تَشغلهم لُقمة العيش عن الثورة - الترف كما يظنون - التي قالوا عن شبابها: "عيال فاضية"؛ لأنَّ الثورة مزعجةٌ ومُعطِّلةٌ، هذا رغم أن الرجل فيهم يُجبر جيرانه - وفيهم المريض، وفيهم مَن يستذكر دروسه - على تحمُّل إزعاجه عندما يُقيم عُرسًا بالشارع - حتى مطلع الفجر - بالطبل والزمر، ومُكبرات الصوت الفظَّة، والألفاظ النابية للسَّكارَى، ويقولون عن الثورة: إنها توقف الحال، رغم أنهم صبَروا على وقْف حالهم ثلاثين سنةً!

 

ترَكني الشهداء، وبَقِيتُ بين هؤلاء المُنكبِّين على لُقمة العيش، ومع تاجر الملابس في حَيِّنا الذي وصَلتْ إليه البضاعة المسروقة من البذلات والقُمصان من محلِّ "حامد عبدالخالق" في ساعات النهب الحَرِجة، فعرَضها في محلِّه وأعزَّها - حتى يَعْرف الزبائن أنها من أصْلٍ كريمٍ - بأن علَّق على محلِّه لافتةً قماشيَّة كبيرة: "مسروقات حامد عبدالخالق"!

 

ترَكني الشهداء، وبقيتُ بين الشباب المراهقين في حيِّنا، الذين كانوا يجرون في شَبَقٍ حيواني في يوم الفوضى والنَّهب؛ ليلحقوا بهذا الفارس البربري، مفتول العضلات، المنطلق بدرَّاجته الهوائيَّة وأمامه على الدرَّاجة امرأةٌ شَقراء خَطَفها، لا يَسترها شيءٌ على الإطلاق، عارية تمامًا، كانوا سُعداء ومُشجِّعين، ويرغبون في سؤاله على الطريقة التي خطَف بها هذه من حمَّام بيتها، وهل من مزيدٍ من الشَّقراوات؟ وعندما أدْرَكوه لاهثين صُدِموا، للأسف كانت مجرَّد (مانيكان) مما يُستخدم لعَرْض الملابس في واجهات المعارض!

 

ترَكني الشُّهداء، وبَقِيتُ مع جارنا العم (خَلَف) العجوز الذي سرَق (مايكرويف) وزجاجة خمرٍ من أحد الأسواق الشهيرة المنهوبة في ساعة الفوضى، سأل اللصوص عن الجهاز الذي في يده، ولَمَّا شرَح له واحدٌ منهم فائدته، اتَّصل ببنت أُخته على الجوَّال يُبشِّرها بهديَّة زواجها القريب: "اشتريُت لك ماكرويف، هديَّة جوازك.. نعم؟.. لا، كاش".

 

ولَم يصبر على الزجاجة حتى يعود لبيته، فعبَر الطريق، وجلَس في الحديقة التي في جزيرة الطريق أمام السوق، وشَرِبها حتى أفرَغها، وانبطَح ونام وكِرشه يَعلوه، فسرَق منه أحدُ شباب حيِّ النقرة تلك الهديَّة "الكاش".

 

"لا حول ولا قوة إلاَّ بالله: عيال أولاد حرام، ماذا أقول لابنة أُختي الآن؟!، وقام ووضَع طرْفَ جلبابه بين أسنانه وبالَ تحت شجرة!

 

ظهَرتْ لي عورة نفسي، فاحتقَرْتُ البحث عن الشهرة، كاحتقاري للنَّهَّابين وهم يكسِرون أقفال المتاجر، وأنَّبْتُ نفسي طويلاً، طويلاً على هذه الأنانية التي صَدَمتني في نفسي، باكرٌ جدًّا أن نتحوَّل نحن الرُّماة إلى المغانم من مالٍ وسلطةٍ وشهرة، وحصصٍ سياسية، وننزل إليها، فتأْتِينا فلول النظام مِن ظهورنا في أُحُد جديدة.

 

لكن بعدها بأيامٍ قليلة، وعندما جاءني البشير يُبشِّرني بمقابلةٍ أخرى مع نفس القناة الفضائيَّة، طرَح الرامي قوسَه وأَسْهُمه، دُسْتُ بقدمي على الأوراق العلميَّة الرصينة التي أعْدَدتها، ونزَلتُ أبحث عن الشهرة وعلى وجهي فَوْضى وشراسةٌ كتلك التي كانتْ على وجوه جيراننا وهم يكسرون الأقفال المُغلقة، ولَم أنزِل بالبذلة، بل لَبِسْتُ البنطال الجينز القديم، وقميصًا قطنيًّا مُترهِّلاً، و"الشبشب"، وأصْرَرتُ على أن يصوِّر مصوِّر الفضائية قَدَمي في "الشبشب"، والمياه التي وقفْتُ فيها على حَجَرين.

 

هي نورة المذيعة نفسها، والقناة، والجمهور، لكني أنا المختلف، اندفعتُ بكلِّ حماسةٍ والزَّبد يملأ فمي، أتكلَّم عن الشركات الكبرى الموجودة بالمجمع الصناعي على بُعد قليلٍ من حيِّنا المحروم، والتي يجب أن تُجبَر على توفير فرص عملٍ لشباب الحيِّ العاطلين، أم أنَّ نصيبَنا منها فقط تلك المخلَّفات الصناعيَّة التي تُلقى خلف بيوتنا وهَبَاب المداخن؟!

 

كان الهجوم عنيفًا وسينمائيًّا، بغير أرقام وإحصائيَّاتٍ ومنطق، اندفَعتُ في شَبَقٍ إعلاميٍّ محموم، أتكلَّم بعروقٍ منتفضة عن الجماهير الكادحة التي سَئِمتْ من التجاهل والمحسوبيَّة، والظلم الاجتماعي، عن الجماهير التي قرَّرتْ في لحظة صحوةٍ مصيريَّةٍ أن تمنعَ إدارات تلك الشركات وموظفيها من الحضور للعمل، إذا لَم يتمَّ تعيين العاطلين وخلال أسبوع، تلك الجماهير التي قرَّرتْ أن تنزل بأسهُم هذه الشركات للحضيض إذا لَم تستجب، وتفاعلتِ المذيعة مع هذا الخبر المفاجئ، وظهَر التهديد الذي قلتُه مكتوبًا أسفل الشاشة.

 

وبعد قليلٍ من البثِّ الحيِّ، أحدَثتِ الحلقة ضجَّةً لدى جماهير المشاهدين، وسكَّان الحيِّ، والدولة، وجاءني اتصالٌ من نورة المذيعة تهنِّئني على حسِّي الإعلاميِّ العالي، ونزَل اللقاء سريعًا على (اليوتيوب)، وحقَّق نسبة مشاهدة رهيبة، وجاءتِ التعليقات على الشبكة مُعجبة بالمنظر الجليل للثوري الشابِّ صاحب "الشبشب" الواقف في المجاري، صِرْتُ أنا أيقونة!

 

فتَّشتُ ليلتها في نفسي - وأنا بين الذعر والسرور - عن تلك اللحظة الغريزيَّة الإبداعيَّة البارقة، التي غرفتُ فيها من بئر التجاهل داخلي تلك القصَّةَ المثيرة لقَطْع الطريق على العاملين والإدارة، وهو أمرٌ لَم يكن مطروحًا من الجمهور، حتى وقت هذا اللقاء الحي المباشر، ولَم أسمع به من أي إنسان.

 

سَعِدتُ بهذا النجاح، لكني لَم أرغب في المزيد، لعبتُ لعبةً خطرة، ومن الجيد أن أُنهيها بغير كارثةٍ، بغير فضيحة، ثم ماذا أقول للشهداء يوم الحساب عمَّا فعلتُ من بعدهم؟! وما الفرق بيني وبين عضو الحزب الوطني الذي تحوَّل فجْأةً وعلَّق لافتةً على صَدْر الحيِّ بها صُور شُهداء الثورة؛ ليستغلَّ الموتى؟!

 

لذا نمتُ أخيرًا وقد قررتُ أن أُغلق جوَّالي ومكتبي الصغير للمحاماة، وأُغادر شَقَّتي إلى بلد العائلة، وألاَّ أتكلَّم مرةً ثانية إلى المحطَّات، توبة؛ حتى تَنكسر الموجة العالية الحَمقاء التي صنَعتها، ولست قادرًا الآن على وجْه الدقة على تحديد الدرجة التي شارَك بها ضميري في اتِّخاذ هذا القرار، جَنبًا إلى جنبٍ مع خوفي من المُساءلة القانونيَّة وملاحقة السلطات.

 

في ذات الليلة هذه التي نمتُ فيها قليلاً، لا أعرف كيف هبَط على ضمائر كلِّ سُكان الحي يقينٌ بأن فكرة قطْع الطريق التي ألَّفتُها هي فكرةٌ قديمةٌ، من قبل اللقاء التلفازي، وسَهِر كثيرٌ من الناس وهم في حالةٍ من النشوة والرضا والاسترخاء، تحت تأثير اللقاء الحارِّ الذي تبَّلته هذه الكذبة الكبيرة، وعَقَد كثيرٌ منهم العزمَ على قَطْع الطريق، حتى هؤلاء الذين لَم يكن لديهم رغبةٌ في التعيين في المجمع الصناعي.

 

وفي الصُّبح استيقظتُ على صفيرٍ ونداءاتٍ، خرَجت مسرعًا إلى الشُّرفة الخشبية المتآكلة، ببيجامة النوم الخضراء المقلمة و"الشبشب"، تجمَّع كثيرٌ من شباب الحيِّ تحت الشرفة ينادون عليّ، وبعضهم أخَذ يُصوِّرني بكاميرا الجوَّال، فأشَرْتُ إليهم بالانتظار، وعرَفت بقلبٍ خائفٍ أنني وقعَت في غواية وفتنة، وأنني لن أفرَّ مما صنعتُ ببساطةٍ وببراءة أطفالٍ، وقلت في نفسي قريبًا مما قاله إبليس: بما غويت، سأغوي الناس؛ لأكملَ زجاجة خمر الشهرة إلى نهايتها، وليس بجواري ما يُسرَق مني إن سَكِرت.

 

نزلت لهم بعد قليل - لهذا الجمهور الحماسي - يسألني الإسراعَ في لَيِّ ذراع الدولة، وفَرْض إرادة أهل الحيِّ عليها، واكتشَفت أنهم جاؤوا جماعاتٍ من كلِّ ناحيةٍ من الحيِّ بغير اتفاقٍ، وكلٌّ منهم كان يَعتقد أنه آخِرُ رجلٍ ينضمُّ لثورة الحيِّ، وآخر رجلٍ يذهب إليَّ، والحقيقة أنهم جميعًا ذهَبوا لأول مرةٍ معًا.

 

وكان كثيرٌ منهم يَشعر بلذَّةٍ عميقة من فكرة أن تتبخَّر أموال أصحاب الأسهم في غمضة عينٍ، وكأنَّ المساهمين من كوكبٍ آخر، هذا كان عند بعضهم أفضل وأشفى لصدورهم من استجابة الشركات لتعيين شباب الحيِّ.

 

وجاءني اتصالٌ وأنا بينهم من لواء شرطة يَطلب مقابلتي في مكتبه بمديرية الأمن؛ لتَهدئة الأجواء، ففتَحت الصوت وأسْمَعتهم قوله وقولي: مَن أرادني جاء إليَّ في حيِّ النقرة، قم من النوم يا سيادة اللواء، فالدنيا تغيَّرتْ، وأغْلَقتُ الجوَّال وسط هُتافهم العنيف، ووعَدني أحدهم - ممن سجَّلوا ما حدَث بالصوت والصورة - بإنزال هذا المقطع أيضًا على (اليوتيوب).

 

جلَست معهم خارج المقهى الذي امتلأ عن آخره، وكثيرٌ منهم تصرَّف بشكلٍ وديٍّ معي؛ ليعطي للآخرين انطباعًا بالمعرفة القديمة، هذا رَبَّت على كتفي، وهذا طلَب مني سيجارة، وهذا سمَّاني "أبو حميد"، وأنا - من ناحيتي - ساعَدت كلَّ واحدٍ منهم على تأكيد تلك المعرفة القديمة الوهميَّة، ولقد سَكِرتُ حقًّا من خمر الجماهيريَّة، حتى ظَنَنْت أن لو رشَّحت نفسي لمجلس الشعب في الدورة المُقبلة، لن ينزل لمنافستي أحدٌ، وعُدتُ لبيتي سعيدًا ومذعورًا، أُحاول أن أنسى ما كنتُ قد عزَمت عليه في آخر الليل بالهروب، خصوصًا وقد تراجَع اللواء عن طلبي، لقد حَكَكت الفانوس إذًا، وخرَج المارد من القُمقم، ومَن جرَّب (اليوتيوب)، فلا يَسلاه.

 

وخلال أسبوع واحد، كنت قد أجْرَيت لقاءات تلفازيَّة أخرى، زِدت فيها إشراقًا ونُضجًا، وزادَ عدد الملتفين حولي، وزادَت سعادتي وارتباكي، وكل يومٍ آخر الليل أنام نادمًا، ثم أصحو في الصبح لأستمرَّ في اللعبة الخطرة بكل نشاطٍ؛ حتى بدأ الجمهور بالفعل يقطع الطريق على موظفي تلك الشركات، فيعود هؤلاء مذعورين من حيث جاؤوا، تُطاردهم اللعنات والشتائم، والإشارات البذيئة، وبدأتِ الأسهُم في النزول.

 

وبعد أيام وأنا جالسٌ على المقهى يلتفُّ حولي الشباب، أتمتَّع بنعمة الجماهيريَّة، وأنا أشعر بقلقٍ من تمام النعمة؛ فلكل شيءٍ إذا ما تمَّ نُقصان، جاءَت من الله ضربةٌ لَم أحسب لها حسابًا، نزلت أمُّ حسين التي يعمل ابنها حسين كمشرفٍ على النافورات ورشاشات ريِّ الحشائش في الحديقة العالمية، نزلَت صارخةً بأنه قد جاءَها للتوِّ خبر مَقتل ابنها في الحديقة، أجمع الكلُّ على أنَّ هذا الشاب الطيِّب قد قتلوه تأديبًا للحيِّ الذي انتفَض، فقام الشباب للثأْر لابن الحيِّ الذي قلت عن قَتْله: إنه اغتيال سياسي، زَحَفتِ الجموع خلفي وخلف أمِّه يَحملون العصي والمطاوي، وبعض المُسدسات الخرطوش، يترحَّمون على حسين الشابِّ الرياضيِّ قوي البنيَّة، ويواسون أُمَّه، ويَعِدونها بالثأر له.

 

ما كنَّا نعرف أنَّ الفقيد كان يَفصل بين شابين يتشاجران في الحديقة، حتى انفضَّتِ المشاجرة، مشي بعد ذلك خطواتٍ قليلةً، ثم انثنى فجْأةً وهو يُمسك صَدْره، وسقَط على الأرض ميتًا، رغم أنه لَم يذهب طيلة حياته قطُّ لعيادة طبيبٍ، وعيون زُملائه من بعيدٍ فَزِعتْ من سقوطه، وظنُّوا أنه تَعرَّض لإغماءة، ورشَّاش الماء يدور ويدور، ليَغمر وجهه الطيِّب بالماء كلَّ قليلٍ، وهرَع إليه طفلٌ في العاشرة من جيرانه من حيِّ (النقرة)، كان يرقُب المشاجرة وهو يشمُّ (الكلَّة) في هذه الحديقة الراقية التي زحَفتْ إليها العشوائيَّة والهمجيَّة، كما زحفَتْ على أشياء كثيرةٍ في المدينة، وقَف على بُعد خُطواتٍ من جثة حسين، ولَم يَجرؤ على الاقتراب أكثر، واندفَع باكيًا متقطِّع الأنفاس، بينما وصَل زُملاء حسين إلى جثَّته، وبعض أفرادٍ من الشرطة، وارتدَّ إليها الشابان المتشاجران وهم يضربون كفًّا بكفٍّ؛ والطفل الشمَّام يجري إلى البوَّابة وهو ينظر كلَّ قليلٍ إلى الجمع خلفه: "يا ليلة سوداء، قتلوا حسين، عَرقبوه بالمطاوي، وجَرَحوه في جَنبه، قتلوه".

 

ووصَل بنَعيقه هذا حتى الحيِّ، وحتى أسفل شبَّاك أُمِّ حسين: "يا ليلة سوداء، قتلوا حسين، عَرقبوه بالمطاوي، وجَرَحوه في جَنبه، قتلوه"، والقاتلان ممسوكان هناك في الحديقة مع العساكر".

 

وصلتُ ومعي أمُّ حسين تلحُّ عليَّ أن آتي لها بحقِّ ابنها، وأنا أَعِدها بأنَّ حقَّه لن يَضيع، وحولنا عشراتٌ من النسوة جِئن يُوَلْوِلْنَ ويَنْدُبْنَ القتيل، وخلفنا خمسة آلاف شابٍّ من شباب الحيِّ الثائرين، ضربوا العاملين بنقطة قطْع التذاكر، واندفعوا كالطوفان للداخل، يُحطِّمون الفوانيس الجميلة، ويَنزعون شتلاتٍ لنباتاتٍ نادرةٍ، وأخَذوا يضربون ويطردون روَّاد الحديقة المحترمين، ويشتمونهم بأفظعَ الشتائم، ويَتَّهمونهم بالقوادة، ففرَّ الناس إلى كل ناحيةٍ يحملون أطفالهم، يبحثون عن مخرجٍ ولو من بين الأسياخ! والسلحفاة العملاقة المعمِّرة التي لا يوجد على وجْه الأرض آدميٌّ في مثل عُمرها، نزَل إليها بعض الغلمان، وقَلَّبوها على ظهرها، فأخَذت تنتظر بسلبيَّة - تُثير الشفقة - نهايةً لوضْعها المقلوب، وأنا صِرت بين جماعتي جسدًا، أما نفسي فكانت مُنسحبة، متبرِّئة، أستغرب الغوغائية التي زَرَعت نفسي فيها وقُدتها، إنها تَزحف إلى المدينة؛ أي: تزحف إلى الثورة، ودخلوا يسألون الإدارة المذعورة ورجال الشرطة المضطربين عن مكان جثة حسين الذي تعرَّض للقتل، وأمَروهم بتسليم القاتلين فورًا، وإلاَّ فسيَقتلون كلَّ مَن في الحديقة.

 

أفسَح الطبيب لنفسه طريقًا بين رجال الشرطة والإدارة، وأخبرَنا أنه مات ولَم يُقتَل، نتيجةً لهبوطٍ حادٍّ في الدورة الدموية، ووضَع في وجوهنا تقريره الطبيَّ، وأنا صدَّقته، وقبل أن أُعيد ما قاله الطبيب لها لننسحب، إذ بها تَصفع الطبيب على وجهه وتَتَّهمه بالقوادة، وحَمَدت الله على أنني لَم أُعِد ما قاله وراءَه، وإلاَّ صفَعَتني معه! وسألتْ أُمُّ حسين الطبيبَ وهي باكية عن المبلغ الذي أخَذه من إدارة الحديقة التي تَخاف من تأثير حادث القتل على سُمعتها ودَخْلها؛ ليَشهد بالزور، ودَعَتْ عليه بأن "يهري الله كَبِدَه على ضناه"؛ حتى يعرف نارها، واقْتَاده رجال الشرطة بصعوبةٍ من بين الناس، ودفَعوه بعيدًا وهو يضع يده على خدِّه خَزْيان مرعوبًا، وهم يترجون الناس أن يَهدؤوا قليلاً؛ حتى يتبيَّن لهم الأمر، فالجثَّة على أي حالٍ موجودة.

 

وأمسَك الضابط المايكروفون، وقال لهم: إن الأمر يسير، فالجثة موجودة، وليس بها أيُّ آثارٍ للطَّعْن، فطالَبوا بأن تُخرَج لهم الجثة جميعًا، والآن، ولكن مدير الحديقة بكلِّ لُطفٍ وحَزْمٍ - وهو واقفٌ بجانب الضابط - قال: إنه لا يُعقَل أن تُكشَف الجثة لكلِّ هذا العدد من البشر المتزاحم، وقد تتضرَّر بين أيديهم مِن تدافُعِهم، ولكن لتدخل أُمُّه وحْدها، وبيننا وبين الحقيقة دقائق.

 

ذهَبوا بها إلى ممرٍّ حجريٍّ ضيِّقٍ طويلٍ إلى نهاية الحديقة أعلى هَضبة صغيرة، يُحيط به سياجٌ من الأسلاك والنباتات؛ حيث وُضِعت الجثة هناك في استراحة كبار الزُّوَّار أعلى الهَضْبة، دخَلت أُمُّه وحْدها، عادَت بعد دقائق هادئة الخطوات والنَّفْس، تسأل عن الطبيب؛ لتَعتذر له، وشَكَرتْ لأهل الحيِّ وقْفَتهم معها، وأخبَرتهم أنَّ ابنها لَم يُقتَل، وليس في جسده أيُّ جُرحٍ كما قال الطفل الشمَّام، تتكلَّم وهي على ثقةٍ بأنَّ الأمر انتهى عند هذا الحدِّ، مثلما ظنَّ الطبيب من قبل، لا تدري أنَّ العفريت خرَج من القُمقم، فهجَموا عليها وصاحوا فيها، وأسْقَط النسوة اللواتي جِئْنَ ليُجَامِلْنَها غطاءَ شعرها، وضَرَبْنَها على رأسها بالأحذية: "بعتِ ابنك بكم يا مَـرَة يا ناقصة، اتفو عليكِ"، فهرَبتْ مذعورةً في رعاية الشرطة في حالةٍ من الذهول، وقد اجتمَع عليها كابوسان ثقيلان: فقَدت ولدَها، وفقَدت كرامتها، بينما صِرْتُ أنا في كابوسٍ شديد السواد، أشعر بالغربة العميقة عن هذه المخلوقات الهائجة حولي، السمَّاعة للكذب، المُنكرِة للحقائق، الغارقة في ظنون الخيانة والمؤامرة، لدرجة أن شكُّوا في الأمِّ الثَّكْلى نفسها، ولو بعَث الله (حسين) من مَوْته، ما صدَّقوه، فصِرتُ أرغب في الانسحاب من بين هؤلاء، صِرت أتمنَّى الهروب من قيادتهم التي صارَت عبئًا غبيًّا، عنيدًا مُفزعًا.

 

وبعد أن طَلبوا منا أن نصبرَ عليهم لدقيقتين لا غير؛ حتى يؤكِّدوا لنا بما لا يدع مجالاً للشكِّ صِدْقَ كلامهم، وذهَب نفران منهم ناحية الاستراحة مُسرعين ثم عادا، قرَّرتِ الإدارة السماح بدخول مجموعةٍ مختارة من أهل الحيِّ تنوب عن الجميع، ويرضَى عن شهادتها الجميع، وفَرِحتُ بهذا الحلِّ الذي ارْتَضَتْه الجموع، هذا الحل الذي سيُنهي هذا الجنون العصبي الأحمق، غير أن الجماهير هتَفَت باسمي، فأَصابني المغص وتحرَّكتْ بطني، وأخَذوا يُقدِّمونني للأمام، وأنا من داخلي أبكي، كأنني بهيمةٌ تُجَرُّ إلى المذبح.

 

فكَّرت ورأيت أن أسْلَمَ الحلول أن أنتقي أشخاصًا من أشقياء الحي، وفُتوَّاته والمسجَّلين خطَرًا، حتى إذا ما خرَجنا بنفس النتيجة التي خرَجتْ بها الأمُّ، نَجَونا مما لَم تَنجُ هي منه، فتصديق جماعةٍ أسْهل من تصديق فردٍ، وتصديق فُتوَّاتٍ أسهل من تصديق امرأةٍ ضعيفة، واختَرت ستَّة أشقياء هم من أشرِّ أهل الحي سيرةً، واحدًا تلو الآخر، حتى اجتمعوا حولي واثقين من أنفسهم، راضين بهذه (الشرعيَّة) التي أضْفَيْتُها على نمط حياتهم، ثم إني رأيتُ أن أُضيفَ للجماعة رجلاً كبيرَ السِّنِّ محبوبًا، قديم العهد بحيِّ النقرة؛ حتى يَحترمه الناس ويُصدِّقوه، واختَرت واحدًا يَعرفه الكبير والصغير، واحدًا سُمِّي الشارع القديم الذي يسكن فيه باسْمه، على عادة إدارات الأحياء والمحليَّات في تسمية الشوارع باسم أوَّل مَن يَسكنها، اخترْتُه، غير أنه رفَض، رفضَ ببرودٍ، ولَم يقبل إلاَّ بعد أن وعَدتُه بأن أشتريَ له من مالي الخاص جهاز (المايكرويف)، بديلاً عن الذي سرقه أولاد الحرام!

 

إذًا اكتمَلت الباقة: المثقف الوصولي، والقيادة الشعبية الانتهازية الفاسدة، والبلطجيَّة، وهي على نحوٍ واضحٍ نفس الباقة التي اجتمَعتْ للممارسة السياسيَّة للحزب الوطني.

 

مَشَيْنا في هذا الممرِّ الطويل الصاعد المتعرِّج، وأنا أتمنَّى لو أنه لا نهاية له، والسبعة من حولي يَصعدون بثقةٍ وهم متأكِّدون أن الشابَّ قد تعرَّض للقتل، وأنَّ أُمَّه قبضت، وأنا على العكس تمامًا، كنت أصدِّق الطبيب وأمَّ حسين، والعم خَلَف يسألني: "كم سيدفعون للواحد منا في الشهادة الزور؟".

 

هنا نحن أمام الباب، أفتحه ببُطءٍ، وأنا أتمنَّى رؤية الجرَّاح، نلتفُّ حول جسده الضخم الممدَّد على طاولة البلياردو، نفتِّش فيه، هنا، وهنا، لا شيء، لا شيء على الإطلاق، الجثة سليمة لا جُرح فيها، وصُدِم العمُّ (خلف) الذي كان متأكِّدًا من أنهم دسُّوا لأمِّ حسين في يدها مبلغًا محترمًا، صُدِم؛ لأنه لن يُمكنه أن يشهدَ شهادة زورٍ، ويأخذ سُحْتها، وببرودٍ أكَّد بعضهم لبعضٍ أن الشابَّ لَم يُقتَل، وقالوا لي كلمةً لائمةً خوَّفتني: (ورَّطتنا - يا هذا - معك)، وكنتُ مغتاظًا منهم، أودُّ أن أصرخَ فيهم: وأنتم لِمَ كنتم متأكِّدين من غير ذلك منذ قليلٍ؟! كيف تُصدرون بجهلكم أحكامًا قاطعةً بغير دليلٍ إلاَّ شهادة طفلٍ يشمُّ (الكلَّة)؟! وكيف كنتم تترجمون الثقة التي على وجوه الإدارة والطبيب ورجال الشرطة من أنَّ لديهم جثةً سليمةً؟!

 

وفي السرِّ، وبينما نام العمُّ خَلَف - وهو واقفٌ - كنوم الأيائل المطمئنة، قال أكبر الستة الأشقياء مقامًا وإجرامًا للستة الأشقياء: إنه لا يُمكنكم على الإطلاق القول بسلامة الجثة؛ لأن هذا سيُعرِّضهم لِمَا تعرَّضتْ له أمُّ حسين وأكثر، فاتَّفق الستة بسرعةٍ وبضمائر مَيتة - وهم يهمسون بينهم - على أنه يجب إصابة الجثة في البطن والعرقوب، كما قال الطفل الشمَّام، لوقتها لَم أعرف علامَ اتَّفقوا، حتى صرَّح كبيرهم بصوتٍ ثابتٍ لي وللعمِّ خلف بذلك، فأفاقَ العمُّ خلف ولَم يُبدِ معارضةً، أمَّا أنا ففَزِعتُ وأصابَتْني حالةٌ هيستيريَّة، وتشنَّجت وأخَذت أقول: لا، لا، لا، فأمْسَكوني من قميصي القطنيِّ المترهِّل، ودفَعوني للحائط؛ حتى ارتطَمتْ خلفيَّة رأسي به، وشعرتُ بالدُّوار، وشتموني شتائمَ مُنكرة، وأمروني بأن أهدَأَ وأسكت، وألاَّ أكون خفيفَ القلب كالنسوان، حتى يُتمُّوا عَملهم؛ لأنهم الآن سيصنعون الحقيقة، فما الحقيقة إلاَّ ما يَراه الجمهور!

 

وجَّهت وجهي للحائط وهم يُصيبونه إصاباتهم، كلُّ واحدٍ من السبعة له طعنةٌ، والعم خَلَف يقف آخر الصفِّ ينتظر دوره بهدوءٍ، حتى تقيَّأتُ على "الشبشب" الذي في قدمي، وعندما سألتُهم إن كانوا قد انتهوا، عدَلوا وجهي بعنفٍ وأعطوني مطواة؛ لأطعنَ بها الشاب المتوفى مثلهم؛ حتى نكون كلُّنا متورطين في الأمر، فنحفَظ السرَّ جميعًا، ويكفي أنني ورَّطتُهم معي، فعاوَدَتْني حالة الهياج والرَّعشة، وأقْسَمْتُ لهم أني لا أستطيع، لا أستطيع، لا أستطيع، فصَفَعوني على اليمين والشمال، "خلاص، خلاص، سأطعنه"، وتقدَّمتُ وعلَّمتُ علامةً خفيفةً على جنب الميت، فصرَخوا فيَّ، فطَعَنْتُه وأنا أرْتَعِش وقد تصلَّبت رَقَبتي، وأخَذت أُصدر أصوات اختناقٍ كأن رُوحي تخرج، كفحيح البطِّ، ووقَعتُ على الأرض، أسمع وأنا أنسحب للإغماء الأزرق ضوضاء تتَّجه إلينا، تعلو شيئًا فشيئًا، ما عرَفنا أن الإدارة بعدما حدَث للأمِّ، وخوفًا من أن يتكرَّر التكذيب والتشكيك معنا نحن الثمانية، فتَنْفَلِت الأعصاب ويتطوَّر الأمر لِمَا لا يُحمَد عُقباه، وكذلك تجهُّزًا لهذا الاحتمال المجنون بأن يَعبث قادةُ الجماهير بالجثَّة، فتحتِ الإدارة كاميرات المراقَبة ولاقطات الصوت في الغرفة، فانتقَلتْ للجمهور العصبي على شاشةٍ عريضة مشاهد الطَّعن الخسيسة على الهواء مُباشَرةً.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • التولي يوم الزحف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التغريبيون وإستراتيجية الزحف من الأطراف إلى المركز(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فيلم أوروبي يحذر من خطر الزحف الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إفريقيا الوسطى: تجهيز جيش إسلامي للزحف نحو بانكي دفاعا عن المسلمين(مقالة - ملفات خاصة)
  • معجزة الإسراء والمعراج غربلة للصفوف قبل الهجرة والزحوف(مقالة - ملفات خاصة)
  • الدعوة.. مبارزة أم زحف؟(مقالة - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • جهود الممالك الأوروبية للتصدي للزحف الإسلامي في شبه الجزِيرة الإيطالية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النبتة الذابلة(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
3- تعليق
عبد الرحمن - مصر 04-07-2012 05:14 PM

تحفة
روعة في التصوير
وإتقان في الحرفة
أنا ظننت أن القصة حقيقة
عشت مع كل أجزاءها
واقع مرير فعلا

2- رد من كالتب القصة
محمود توفيق حسين - السعودية 13-09-2011 12:46 PM

شكرا جزيلا greenfresh - arads

القراءة جيدة وعميقة ووقفت عند جملة هامة وهي انا قد نعيد - اذا - لم ننتبه - إنتاج نفس التشكيلة التي كانت تدير الوطن ومقدراته

سعدت بهذه القراءة

1- قصة صادمة و استثنائية
greenfresh - arads 12-09-2011 08:02 PM

أبدي إعجابي الشديد بأسلوب كاتب القصة كونه أسلوب محترف و يأخذنا بعيداً عن أجواء القصص التي تحاول اﻹصلاح بأسلوب بعيدٍ عن التنافسية مع القصص غير الهادفة

و بالرغم من أن الصور و الأمثلة التي طرحتها القصة تشد انتباه القارئ إلا أن البعض قد ينزعج من فظاعتها و اصطدامها مع ذوق أصحاب اﻻلتزام إﻻ أن هذه الصور واقعية في حي مثل هذا الحي المذكور في القصة و الذي أعتقد أن أحياءً في العالم العربي و الإسلامي ليست بعيدة عنه ، و لعل من هو أكثر علماً مني يفتينا في هذا الموضوع الواقعي

المهم :
إن الأمور التي يمكن استخلاصها من القصة هي وجود ثلاث نماذج في مجتمعاتنا عبر عنها الكاتب :

(( المثقف الوصولي، والقيادة الشعبية الانتهازية الفاسدة، والبلطجيَّة، وهي على نحوٍ واضحٍ نفس الباقة التي اجتمَعتْ للممارسة السياسيَّة للحزب الوطني. ))

و لقد نبهتنا العبارة أن هذه العناصر و أمثالها هي سبب الاستبداد الذي قامت من أجله الشعوب بعد نوم طويل

فلا بد إذاً من التمسك بالمنهج القويم الذي أتت به منظومة قيمنا (( الإسلام )) لئلا نكون من أي هذه النماذج في الشدة و الرخاء قيل وبعد مرحلة الاستبداد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب