المصطلحات التراثية بين إمكانيات الاستثمار وعوائق الاستعمال

المصطلحات التراثيَّة

بين إمكانيات الاستثمار وعوائق الاستعمال[1]

(ملخص بحث)

د. عصام فاروق [2]

خَطَت العلومُ الطبيعيَّة والإنسانيَّة في العقود الأخيرة خطواتٍ واسعةً، سخَّر فيها العلماءُ كلَّ السبل المنهجيَّة والمعرفيَّة والمعمليَّة المتاحة؛ للوصول إلى عالمٍ معرفيٍّ على قدرٍ كبيرٍ من التقدم.

ولا شك أن تقدم العلوم وتطورها يزامنه تطورٌ في مصطلحات تلك العلوم، وإذا كان الغربيون قد قدّر لهم في هذا الظرف الزمني أن يحملوا مشاعل هذا التقدم الإنسانيِّ، فإن ذلك يلقي علينا - نحن أمةَ الضاد - مسؤولياتٍ كبيرةً، في مقدمتها كيفية ملاحقة هذا السيل المصطلحيِّ في شتى العلوم. وقد تنبه علماء العربية منذ بدء النهضة العلميَّة الحديثة في بلاد العرب إلى إشكاليات المصطلح المتعددة، وبُذلتْ جهودٌ حثيثةٌ في محاولة حلها أو تقويضها، آتتْ بعضُ ثمارها في ما تقوم به المجامع اللغويَّة المتعددة من وضعٍ لمعاجم مصطلحية، تحاول اللحاق بركب التقدم المصطلحيِّ العالميِّ.

وكان مما شغل – ويشغل - أذهان الباحثين الأسسَ التي تُوضع من خلالها المصطلحات، ومدى أهميَّة بعضها وقياسيته ... إلخ

وكان مما اقتُرح الاستعانةُ بالمصطلحات التراثيَّة؛ لما يمثله ذلك من مد الجسور بين الفكر اللغويِّ العربيِّ القديمِ، وما توصل إليه الدرس اللغويُّ المعاصرُ، كما أن الاعتماد على هذا النوع من المصطلحات قد يغنينا في كثيرٍ من الأحيان عن تعريب المصطلحات أو استعمالها كما هي في لغتها الأصليَّة، ولكن هذا الاتجاه إلى التراث لاستثمار ما أتى فيه من مصطلحاتٍ، ليس الاتجاه الوحيد لدي المتخصصين والمهتمين بالمجال المصطلحيِّ، فهناك اتجاهٌ آخر يرى في المصطلحات التراثيَّة ما لا يعبرُ تعبيرًا صادقًا عن المفاهيمِ العلميَّةِ الجديدةِ، أو أنه قد يُحدث لبسًا، أو يفرض على القارئ نوعًا من التردد بين المفهومين القديم والجديد المدلول عليهما بمصطلح واحد.

وبين هذين الاتجاهين أتتْ فكرةُ هذا البحثِ الذي أردتُ من خلاله الإجابة عن سؤالين رئيسين:

الأول: ما إمكانية استثمار المصطلحات التراثية في التعبير عما يستجد من مفاهيم؟

الثاني: ما العوائق أمام استعمال هذا النوع من المصطلحات؟

ومن الأمانة أن أقول إن موضوع الدعوة إلى استعمال المصطلح التراثي، أو العناية به ليس جديدًا في بابه، وإنما تناولتْه العديدُ من الندواتِ وصدرتْ في حقه قراراتٌ وتوصياتٌ، منها ما أثير بشأن هذا الموضوع في ندوة (توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية الجديدة)، التي عقدت في الرباط عام 1981م، وكذلك ندوة (المصطلح التراثي بين الإعمال والإهمال) التي نظمتها مجلة (المناظرة) عام 1991 ونُشرتْ مشاركاتُها في العدد السادس من المجلة نفسِها.

وما دعاني إلى فتح هذا الموضوعِ القديمِ من جديدٍ، أمورٌ منها:

أوَّلًا- أنَّ الإصرار على فكرة استثمارِ هذا النوعِ من المصطلحات ما زال مستمرًا، ويجب " الوعي بأن هذا الموضوع من أصعب المواضيع التي رافقتْ تقدم البحث العلمي في البلدان العربية، ويكفي دليلًا على ذلك كوننا لا نزال في حاجةٍ ماسةٍ إلى عقدِ جلساتٍ لمناقشته والكتابةِ حوله."[3]

ثانيًا- أنَّ كثيرًا من الدعوات السابقةِ لم تجد صدىً واسعًا يلبي ما دعتْ إليه؛ مما يزيد من أهمية هذا الإصرار وذاك الإلحاح، في كثيرٍ من اللقاءاتِ العلميةِ والفعالياتِ الأكاديميةِ، على مستوى فردي أو مؤسسي، لعلها تجد صدىً في مُقبِلِ الأيام.

ثالثًا- جمعُ الرؤى السابقةِ والاتجاهاتِ المختلفةِ التي بحثتْ هذه المسألةَ لعلنا نخرج بصورة أوضح لمدى الإفادة من توظيف هذا النوع من المصطلحات.

رابعًا- زيادةُ التراثِ العربيِّ المنقولِ من حالته المخطوطةِ إلى حالتِه المطبوعةِ، وهو ما تمدُّنا به الرسائل العلمية في الجامعات العربية على وجه الخصوص التي توجه جانبًا من رسائل باحثيها إلى مجال تحقيق المخطوطات، أو ما تمدُّنا به المكتباتُ ذاتُ الاهتمام التحقيقي والتراثي.

واقتضتْ طبيعةُ البحثِ أن يكون في ثلاثةِ مطالبٍ، هي:

المطلبُ الأولُ: مفهومُ المصطلحاتِ التراثيَّة، وحدودُها، ومنزلتُها.

المطلبُ الثاني: مصادرُ المصطلحاتِ التراثيَّةِ، واختلافُ مجالاتِها المعرفية.

المطلبُ الثالثُ: المصطلحات التراثيَّة: (مسوغات توظيفها، وعوائق استعمالها).