• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب

دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب
د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/11/2022 ميلادي - 28/4/1444 هجري

الزيارات: 2864

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دروس في النقد والبلاغة

الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب

 

قالَ أبو بكرٍ الصديق يُوصي خالد بن الوليد رضي الله عنهما حينَ بعثه إلى أهل الرِّدَّةِ: "احرص على الموتِ تُوهَب لَكَ الحياة!".

 

وقالَ طارق بن زياد يُحرِّض جنوده على القتالِ أَوَّل عبورهم إلى الأندلسِ: "أيُّها النَّاسِ! أينَ المفرُّ! البحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم، وليس لكم -والله- إِلَّا الصدق والصبر، واعلموا أَنَّكم في هذه الجزيرة أضيع مِنَ الأيتامِ فى مأدبة اللئامِ، وقد استقبلكم عدوُّكم بجيشهِ وأسلحتهِ، وأقواتُه موفورةٌ، وأنتم لا وَزَرَ لكم إِلَّا سيوفكم، ولا أقواتَ لكم إِلَّا ما تستخلصونه من أيدي عدوِّكم، وإِن امتدت بكم الأيَّام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرًا، ذهبتْ ريحُكم وتعوَّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عَن أنفسكم خُذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطَّاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإِن انتهازَ الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالمَوْتِ، واعلموا أَنَّكم إن صبرتم على الأشقِّ قليلًا استمتعتم بالأرفه الألذِّ طويلًا".

 

فأنتَ ترى كيفَ صاغ أبو بكرٍ وصيته فى عبارة موجزة محكمة تنطوي على معانٍ كثيرة تحتمل الشرحَ والإسهاب، فحِرْصُ المقاتل على الموت يَهَبُ له الحياة؛ لأنَّه إِذا وَطَّنَ نفسه عليه دفعه ذلكَ إلى الاستبسالِ في القتالِ واقتحامِ مواقع يخشى مَن يحرص على حياتهِ أن يقتحمها، مَعَ مَا تلقيهِ جرأته في نفوسِ أعدائهِ من رعب، فتتهيَّأ له بذلكَ أسبابُ النصرِ، وقد أوجزَ الصديق رضي الله عنه في عبارتهِ؛ لأنَّه وجَّهَها إلى قائدٍ مجرب، له من خبرته وفطنتهِ مَا يستطيع أن يدركَ به تلكَ المعاني الكثيرة التي تنطوي تحتها، ولَا شكَّ أَنَّ الإيجازَ هنا إيجاز موفَّق بليغ، يزيد من بلاغتهِ هذه المناقضة الظاهرية بينَ المقدمة "احرص على الموت" والنتيجة "تُوْهَب لك الحياة"، فيكون لذلك وقع قوي في نفسهِ، كما أَنَّ خلوَّ العبارة من التفصيلاتِ يخرج بها من دِلالتها الجزئية على أثر الشجاعة في الحرب إِلى دِلالة عامة، فتصبح مبدأً عامًّا لما ينبغي أَن يكونَ عليه سلوك المرءِ في الحياةِ من إقدامٍ في مواقف الخطر يفضي به إِلى التوفيق والنَّجاح.

 

أَمَّا عبارة طارق بن زيادٍ فتختلفُ عَن ذلكَ اختلافًا بيِّنًا، فهي تُفصِّل جزئياتٍ المعنى وتربطه بواقعٍ ماديٍّ خاصٍّ، تربطه بموقف هؤلاءِ الجند وقد عبروا البحرَ إلى الأندلسِ في عُدَّة خفيفة ومؤنة قليلة، فقائدهم يُبصرهم بخطورة ذلكَ الموقف ويُحرِّضهم على المبادَرة إلى القتالِ قبلَ أَن تنفد مؤونتهم وتتعوض القلوب من الرعب منهم الجراءة عليهم، ثُمَّ يختتمها بقولهِ: "وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، واعلموا أَنَّكم إن صبرتم على الأشقِّ قليلًا استمتعتم بالأرفه الألذِّ طويلًا" وهذا هو ما تنطوى عليهِ عبارةُ أبي بكر الصديق، والإطناب هنا له مَا للإيجازِ هُناكَ من قوَّةٍ وجمالٍ، فالحديث مُوجَّه إلى جنودٍ يقفونَ أمام العدوِّ وجهًا لوجهٍ، فكانَ لا بُدَّ أَن يعرض القائدُ للموقف من جميع نواحيهِ، وأن يفصل ضرورة المبادَرة إلى القتال، وأن يُخفِّف مَا قد يشعرونَ به من خوفٍ فيُمنِّيهم بالحياةِ إن سمحوا لأنفسهم بالموْتِ، ويُغريهم بطولِ الاستمتاع بالأرفه الألذِّ إِن هم صبروا قليلًا على المشقَّةِ.

 

وهكذا تتضح لك طبيعة الإيجاز والإطناب، فالإيجاز تعبيرٌ محكمٌ عَن المعنى دونَ تفصيلٍ أو خَوْضٍ في الجزئيات، أَمَّا الإطنابُ فيبسط المعنى، ويفصله، ويعرض لجوانبه المختلفة، وكلاهما يجيء نتيجة لطبيعة إحساس الأديب بما يعبِّر عنه ويخضع للمناسبة التي يُقال فيها.

 

اقرأ قول الله تعالى عن قصة سيدنا نوحٍ عليه السلام: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [يونس: 71 - 73]، ثم اقرأ قوله تعالى عن القصة نفسها: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ * وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ * حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [هود: 25 - 48].

 

فأنتَ ترى أَنَّ الآيات الأولى قد عرضت قصة سيدنا نوح عليه السلام عرضًا سريعًا موجزًا لتخلص إلى خاتمة كفاحهِ مع المشركين من قومه بما وعده الله من نصر؛ إذ أغرقهم ونجَّاه ومَن معه في الفلكِ، ذلكَ أَنَّ سياق الآياتِ لَم يكن يستدعي الإطناب في تصوير مَا دارَ بينَ نوح وقومه من جِدال، ومَا حدث من بناء الفلكِ، وثورة الطوفان وغير ذلكَ؛ لأنَّها نزلت لتثبت فؤادَ النبي صلى الله عليه وسلم، وتُسرِّي عنه ما كانَ يلمُّ به من حُزن؛ لانصرافِ المشركين عنه وعن دعوة الحقِّ، فهى تُبيِّن للنَّاسِ أَنَّ الله ينصر أنبياءه وَمَن آمنَ معهم، ويخذل الكافرين؛ ولذلك جاء قبلها قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يونس: 65]، وخُتمت بقوله تعالى: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [يونس: 73].

 

أَمَّا الآيات الأخرى من سورة هود فقد تَحدَّثَت بالتفصيل عن قصة نوح، وذكرت كثيرًا من الجوانب التى لم تعرض لها الآيات الأولى؛ لأنَّها سيقت لغرض آخر- إلى جانب الغرض الأوَّل - هو إقامة البرهان على نبوَّة الرسول صلى الله عليه وسلم بما يوحيه الله إليه من أنباء ما كَان يعلمها هو ولا قومه؛ لذلكَ خُتِمت بقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]، فقوله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ يتضمَّن الغرض الأوَّل وهو تثبيت الرسول، وقوله تعالى: ﴿ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ ﴾ بيانٌ للغرض الثاني؛ وهو أَنَّ القرآن من وحي الله تعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكَان لا بُدَّ إذًا أن تُفصِّل الآيات أنباء الغيب هذه ليكونَ البرهان أقوى وأوْقَع، ويكون أثرُه فى النفوس أعظمَ.

 

وهكذا ترى مرة أخرى كيف يستدعي مقامٌ الإيجازَ، ويتطلب الإطنابَ مقامٌ آخَرُ، وكلاهما مع ذلك بليغٌ قويُّ التأثير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس التاسع: الخبر الأدبي بين الأديب والسامع
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس العاشر: الاستفهام
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الحادي عشر: الأمر
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثاني عشر: النهي
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثالث عشر: التقديم والتأخير
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر

مختارات من الشبكة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن: الخبر الأدبي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس السادس: مزيد بيان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس السابع: الخبر والإنشاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس: المقابلة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الرابع: الجناس(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثالث: السجع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثاني: تناسق الكلمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الأول: الأسلوب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب