• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

سعاد (قصة رمزية قصيرة)

عبدالواحد نعمان الزعزعي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/1/2016 ميلادي - 16/4/1437 هجري

الزيارات: 9932

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سعاد


"يا سعاد، على جناب قربك الدَّافئ سأَخلع كلَّ همومي وأحزاني.. لا أدري كيف أصبحتُ أعيش لكِ وحدَك؟! عندما أراكِ أنسى كلَّ شيء سوى حبك الكبير؛ فتَنتفض عنه أتراحه وأشجانه، ويروي أشواقَه ولهفاته، فتُزهِر حدائقُه، وتَخْضوْضِر فيه الآمالُ، وتنبتُ فيه الأماني، وتَبتسم الأحلامُ".

♦   ♦   ♦


القصة:

لم يصدِّق "صلاح" عينَيه وهو يتنقَّل بسيَّارته في شوارع مدينة "ثغرينا" باحثًا عن منزل ترَكه قبل سبعة عشر عامًا نَتيجة هِجرةٍ قسريَّة.. بدَت المدينة خاليةً من السكَّان والمارَّة؛ حاراتٌ خالية، ومساكنُ مدمَّرة، وشوارعُ مقطعة، ومحلَّات مقفلة.. رهبةُ المكان تُنبئ عن خطوب وأحداث يقشعرُّ لها البدَنُ، وتشيب لهَوْلها الرؤوس؛ حيث يَظهر المكان وكأنَّه ضُرب بزلزال عنيف، فكلُّ ما يُنقل عبر الفضائيات لم يكن إلَّا جزءًا يسيرًا من المشهد الذي يَراه ماثلًا أمام عينيه.

 

صلاح يهمس بصوتٍ هادئ، ويناجي ذاته:

• "ربَّما ضلَلتُ الطريقَ وساقَتني الأقدارُ إلى بلدَةٍ يَسكنُها الجنُّ".

ويَستدرِك حوارَه مع نفسه: "لكن يُقال: إنَّ للجنِّ مساكنَ وقصورًا ومدنًا، لا تقلُّ جمالًا وروعةً عن منازلنا ومدنِنا".. هل أنا في حلم؟

ثمَّ يمسح عينَيه ليختبر صحوتَه.

 

التفتَ صلاحٌ يمنةً ويسرةً، واسترَقَت عيناه بابًا لدكان ممزَّق، وعليه كلمات تقطَّعَت أحرفها وأضحَت أشبَه بقميصٍ لعبَت به الرِّياحُ في غابةٍ شائكة، لكنَّه قرأ منها:

• "العم فرحان... شاهي... خمير..."، وجمع من هذه الكلمات خيطًا لعبارة متقطعة قادَته لحقيقة المكان وماهيته، ثم أوْمأ برأسِه قائلًا:

• نعم، قد تكون فعلًا مَدينتي "ثغرينا".

• يا إلهي، ما الذي حدَث!

 

وتحرَّك نحو سيَّارته ليترك المكانَ؛ حتى لا يُصاب بمكروه، لكن قبل أن يحرِّك مِقودَه سمِع صوتًا حزينًا لامرأة تردِّد كلمات رومانسيَّة جميلة:

• "يا سعاد، على جناب قربِك الدَّافئ سأَخلع كلَّ همومي وأحزاني، لا أدري كيف أصبحتُ أعيش لكِ وحدَكِ؟! عندما أراكِ أنسى كلَّ شيء سوى حبِّك الكبير، فيَنتفض عنه أتراحه وأشجانه ويروي أشواقه ولهفاته، فتُزهر حدائقُه، وتخضوْضِر فيه الآمالُ، وتنبتُ فيه الأماني، وتَبتسم الأحلام".

 

امرأة واقِفة أمام مَنزل كما يَبدو من طابقين، لكنَّه أصبح كتلةً مجتمعةً كأنَّه فطائر بسكويت في قِرطاس عبِثَ بهنَّ طفلٌ مشاغب.. بدَت المرأة وكأنَّها في الخمسين من عمرها؛ قد احدوْدَب ظهرُها وتلبَّس السَّوادَ وجهُها.. اقترَب منها وهي تتوشَّح بذلةً أنيقةً وكأنَّها فتاة مراهِقة، تَنتظر محبوبًا استبطأَت وصولَه.

 

(مقرمة) حمراء و(بلوزة) بيضاء و(جنز) أسود.. تَناقُض مدهِش! امرأة تبدو إمَّا مراهقة أو أنها مسلوبة العقل! لباس جميل وامرأة عَجوز بوجهٍ كالِح، يُقرأ من تَجاعيد وجهها سطور البؤس والحرمان.

 

اقترَب مسلِّمًا:

• السلام عليكِ يا أمَّاه.

أشاحَت بوجهها، وردَّت عليه بصوتٍ شاحِب:

• وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.

سألَها والخوف يهزُّ كيانَه ويقطع أوصاله:

• هل هذه مَدينة "ثغرينا" أم أنَّني أخطأتُ المسيرَ؟

نظرَت إليه بأسَف وخرَج من بين أضلاعها نهْدَةٌ عَميقة، وأومأَت برأسها قائلة:

• نعم يا أخي، أنت في ثغرينا.

كلماتها أتَت عليه كعاصفة، وبدا وكأنَّه في حلم آخر، أو أنَّ شيئًا قد وقَع به، ثمَّ رفَع بصرَه للسماء مندهشًا، وبدأ يَسبح في بحرٍ من الذِّكريات لا شاطئ له، بعدها أيقَن أنَّه في ثغرينا، وأنَّ شيئًا ما قد حدث من بَعد غيابه، عاد إليه شرودُه وذكرياتُه، فتذكَّر المسجدَ والمدرسة، والسوقَ والمغسلة، تذكَّر كلَّ تفاصيل المدينة وأزقَّتها.

 

أعادته المرأةُ إلى وعْيِه ولم تَتنظر منه أن يَغرق في اندهاشِه وشرودِه، ثمَّ قالت له:

• لقد ترك النَّاسُ بيوتَهم ومقارَّ أعمالهم وأسواقهم، واستوطنوا القرى والجِبال.. تركوا المدينةَ بعد أن سكنَتها الأشباحُ وساد فيها الوحوشُ وتكلَّم فيها الرويْبِضةُ.. تَركوها بعد أن وَجدوا الموتَ - ليس غيره - بضاعةً رائجة في أسواق المدينة وحاراتها؛ فالمدينةُ وشوارعها تُصبَغ كلَّ يوم بألوان حمراء حتى لكأنِّي أراها أشبهَ بلوحةٍ فنيَّة عبثَ بها مجنون!

 

• لكن لماذا أنتِ هنا وحدكِ؟! لِماذا لم تغادري معهم؟!

• لقد بقيتُ وحيدةً هنا في هذا البيت؛ فقد تعلَّقتُ به وأحببتُه كما أحببتُ روحي، وهانَت سَلامتي عليه، وآثرتُ البقاءَ في أطلاله.

 

يقلِّب صلاح ذاكرتَه مرَّة أخرى، ويسأل وشفتاه ترتعشان:

• ولكن مَن أنتِ يا أمَّاه، سألتُك بالله تُخبريني، هل أنتِ منَّا بني الإنسان أم غير ذلك؟ يبدو أنَّكِ متعبة جدًّا؛ فقد اجتمع عليك كِبَر السنِّ وهوْل الفجائع، فلماذا أنتِ هنا؟!

 

التفتَت إليه وهي تَنظر بمقلتين مَملوءتين بالدُّموع وقالت:

• أنا "سُعاد".

ثمَّ صمتَت طويلًا، وبدأَت تمسح دموعًا من وجْنتيها المثقلتين بالحزن وقالت:

• لم أكن بذاك السن الذي تَقرؤه من ملامِح وجهي؛ فأنا لم أزل في الخامسة والعشرين من عمري، وفي سنٍّ تَفخر فيه الفتاهُ بجمالها وحيويَّتها وتألُّقها؛ وهو ما سُرق منِّي!

• ولكن، كيف أصدِّق أنَّكِ بهذا السنِّ، وملامحُك تكذِّب أقوالَك؟!

 

التفتَت إليه، ثمَّ مسحَت دمعةً أفلتَت من بين أهدابها، وقالت:

• لم أكن كاذبة فيما أقول، ولم أعتَد أبدًا على الحقيقة الماثِلة التي تراها في ملامحي، ولم أنسج كلامي من وهْم الخيال.. توفِّي والدايَ وأنا طفلةٌ صَغيرة؛ فقد تزوَّج والدي المولود في تشرين عام 1963م من امرأة جميلة تَكبره بسنةٍ واحدة، ووُلدَت أمِّي - كما هي في مدوناته - في أيلول من عام 1962م، وبعد حياة مليئة بالحبِّ والكِفاح، التقيا في هذا البيت كأجملِ عروسَين ازدانَت بهما المدينة، فأنا ثالِثة لأخوين يَكبراني سنًّا.. أمَّا عن سنِّي فأنا كما يقول والدي في مدوناته: من مواليد مايو 1990م، ولدتُ في هذا اليوم، وهو أجمل أيَّام المدينة؛ كما حكى لي أهلُها، لقد كان يومًا جميلًا واستثنائيًّا؛ يومها احتفل الناسُ في الشوارع، ووزَّعوا الورودَ وتبادلوا الهدايا، وملؤوا الأجواءَ بهجةً وسرورًا، غنَّوا ورَقصوا، ضَحكوا وهتفوا سرورًا وفرحًا بمولدي.

 

لقد كان والدي أهمَّ وُجهاء هذه المدينة وكبرائها؛ وهو ما جعله يُطلق عليَّ "سُعادَ"؛ كاسمٍ يُناسِب فرحةَ النَّاس بمولدي، وتقديرًا لمشاعرهم، وعِرفانًا لجميلهم.

 

• لكن كيف يرضى أخواك بحالك؟

لقد كان أبي - كما تقول العمَّة لول - يردِّد دائمًا: إنَّ الإنسانَ بلا شرف ولا قِيَم أشْبَه بميِّت وإن أكَلَ وشرِب وتزعَّم.

تقول لي العمَّة لول: إنَّ والدي قبل وفاته جمعَ أهل المدينة كلَّهم، وكان في مقدِّمتهم أخواي؛ عبدالله وسالم، وقال:

• "أشعر أنَّني لن أعيش طويلًا، لكنِّي في هذا المقام أسلِّم ذمَّتي إليكم جمعًا، هذه الطِّفلة "سعاد"، أيُّها الناس، عهدٌ عالِق في ذمَّتكم".

 

يسألها صلاح بفضول يَملأ أشجانَه:

• وهل وفَّى أخواك بوصيَّة والدهما؟

تُطأطئُ سعاد رأسَها، وتكاد أن تَسقط أرضًا، لكنَّها تحاول أن تتمالَك جسمَها النَّحيل وتقول:

• عندما كنتُ في الرَّابعة من عمري اختلف سالم وعبدالله على ما تَرك والداي من ثروةٍ ومالٍ كثير؛ فقد تركا من العَقار والجواهر ما لا يوصَف، لكنَّهما أطلقا لجشَعهما العِنانَ، فكان كلُّ واحد يُريد أن يَستأثِر بالثروة لنفسه دون الآخر، فتشاجرا وتقاتَلا، وانتهى الأمر باستِحواذ عبدالله على كلِّ شيء وترَك "سالم" المدينةَ ولم يعُد إليها حتى يومنا.

 

• ماذا عنكِ أنتِ، هل عبدالله وفَّى بوصيَّة والده تجاهك؟

• لقد أخذ كلَّ ما هو لي ونَسِيَ الوصيَّةَ، وجحدَ المعروفَ، ولم يفِ بوعدِه وعهدِه، لا مع الله ولا معي، بل كان يسلِّط عليَّ زوجتَه وغِلمانَه؛ فكانت سياطُهم وأحذيتهم تسلِّم على ظهري ووجْهي كلَّ صباح ومساء! أخرَجني من المدرسة وما زلتُ في الصفِّ الرابع، كان يَأكل وأبناؤه وزوجتُه ما لذَّ لهم وطابَ، ولم يكن لي مِنهم إلَّا الفتات من الطَّعام، كنتُ إذا مرضتُ أبقى في هذا البيت لياليَ وأيامًا دون أن يَسأل عنِّي أحد، ولا زلتُ أتذكَّر عمَّتي لول عندما كانت تحضر الطَّعامَ وأقراص "البرامول" وتَأتي متخفِّية؛ حتى لا يراها أحد، فيَنالها من شرِّهم وأذاهم ما يَنالني.

 

• لكن ما زلتُ أتساءل عن هذه الحلَّة الجميلة التي تَلبسينها، إنَّها جميلة ومتناسقة؛ مقرمةٌ حمراء، بلوزةٌ بيضاء، وجنزٌ أسود!

• هذه البذلة التي تراها هي أغلى ما أملِكُه، وأعظم ما بَقي لي من ثروة؛ فقد اختارها والدي يوم ولدتُ لتكون حلَّةَ زِفافي وتاجَ فرحي، لكن نالَها منهم أضعافُ ما حلَّ بي؛ من الامتهان، والعدوان، والاحتقار.

 

يتساءل صلاح مندهشًا:

• هل بقي شيءٌ من الرُّجولة عند هؤلاء القوم؟!

• أراكَ تتحدَّث عن القِيَم والرجولة عند قومٍ لا يَعرفون للمبادئ معنًى ولا يَضعون للإنسانيَّة قيمةً؛ إنَّ معيار الرجولة عندهم هو اللصوصيَّةُ والبطْش، وفنون الإجرامِ وصناعةُ الموت، فما أتعس العاجز المظلوم!

 

• لكن يا سعاد، ومن هو مازن الذي كنتِ تردِّدين اسمَه؟

تتساقَط الدُّموع من عينيها دون توقُّف، وفي هذه المرَّة لم تتمالَك نفسَها فتسقط على الأرض، ثمَّ ترفع رأسَها وهي تَبكي كطفلٍ تائه:

• مازن!

تجيب، ثمَّ تشرد بخيالٍ واسع كسعة مدينة ثغرينا المدمَّرة، تصمتُ قليلًا ثمَّ تتابع:

• "مازن".. ذلك الشابُّ الذي أعاد ليَ الأملَ بعد اليأْس، والبسمةَ بعد الدَّمعة، والحريةَ بعد العبودية، "مازن" وجدتُ فيه ذاتي وكرامتي وإنسانيَّتي، "مازن" شابٌّ عشرينيٌّ، ملأ حياتي بهجةً وسرورًا، أحببتُه وأحبَّني.. كان حديثَ خلوتي وأجمل أغنياتي.. أتذكَّر عندما جلستُ وإيَّاه ذات صباح جميل بالقرب من بيتنا، وكيف كانت الطُّيور ترقب حبَّنا، وترفرِف للعاشِقين أجنحتَها، وتعزف نغماتها، كانت أعيننا تتلألأ بالنُّور، وأرواحنا تَرقص حوالينا لتَنشر بين جناحَي حبِّنا الفرحةَ والسعادة والحبور.. حكينا معًا وتبادَلنا الابتسامات، وعرَّفنا الحبَّ بأحسن الكلمات وأرقِّ العبارات.

 

ما زالَت كلماتُه تَرنو في أُذني وتتردَّد في خيالي.. أتذكَّر يومًا قال لي:

• "يا سعاد، على جناب قربِك الدَّافئ سأخلع كلَّ همومي وأحزاني، لا أدري كيف أصبحتُ أعيش لكِ وحدكِ؟ عندما أراكِ أنسى كلَّ شيء سوى حبك الكَبير فتَنتفض عنه أتراحه وأشجانه، ويروي أشواقَه ولهفاته، فتُزهر حدائقه وتخضوْضِر فيه الآمال، وتنبت فيه الأماني، وتبتسم الأحلام، أنتِ الماء لروحي الظَّمْأى، والبلسم لجروحي المثخنة.. إنِّي أحبُّكِ يا سعاد، وأحسُّ بميلٍ جارف يَسحبني نحو شاطئك وجنابك.. يا سعاد، أمَا آن للقوى الظامئة أن تَرتوي، وللحبِّ الصَّامت اللفيف أن يصدح ويشدو...".

 

يقاطِع صلاح استرسالَها ويسأل مندهشًا:

• وهل تركَكِ وحيدةً هو أيضًا دون البقاء بقربك؟!

• قبل أربع سنوات آلَمَه ما حلَّ بي من قهرٍ وظلم واضطهاد، فما كان له أن يصمتَ ويراني مُهانةً أمام ناظرَيه، فجَمع أقرانَه ورِفاقَه في الحواري، وأخذوا على أنفسهم عهدًا للانتصار لي ولكرامتي وإنسانيَّتي، وأن يَضعوا حدًّا لعبدالله وعصابتِه، فتجمَّع حولهم الكثير، وبدأ النَّاس يَسمعون بأمرهم، فناصروهم والتفُّوا حولَهم، وساندوا جهودَهم، فانتفضَت المدينةُ وخرج الرِّجالُ والنِّساء، وخرج الشيوخُ والأطفال، ولحِق بهم ثلَّةٌ من رجال الجيش والأمن والقضاء، وما كان منهم إلَّا أن أعادوا الحقَّ لأهله، وسلَبوا من عبدالله جبروتَه، وكسروا كبرياءَه، وألجموا طغيانَه!

 

نعم.. لقد أعادوا الأملَ للبؤساء، ورسموا البسمةَ في وجوه الصِّغار، وانتصروا لي أنا (سعاد).

شعر صلاح بعِظَم وقوَّة ورجولة هؤلاء الفِتية، وأدرك أنَّه ما يزال للرُّجولة أهلٌ، ثمَّ سألها:

• كم هم شجعان ونبلاء هؤلاء الفتية! ولكن أين مازن؟ يبدو أنَّكِ تبحثين عنه، أليس كذلك؟

• بعد ثلاث سنوات عاد عبدالله بنفسيَّة منتقِمة، وصورةٍ قبيحة، وحِقد أسْود؛ ليثأَر من مازن ورفاقِه، فجمع حولَه القتلةَ واللُّصوص وقطاَّع الطُّرق، واشترى ذمَم الضُّعفاء وأثْرى السفهاء، فطاردوا الشبابَ واقتحموا البيوتَ، وهدموا المساجدَ، وأفزعوا النِّساءَ، وغزَوُا القرى والحارات، وقتلوا الأطفالَ، وقطعوا أوصالَ المدن، وتاجروا بأقواتِ النَّاس، وأخفَوا عنهم الدَّواء والغِذاء، فأصبح أهلُ هذه المدينة بين طريدٍ وشهيد، وسجينٍ وجريح، وجائع ومشرَّد، وكان قدَر مازن أن خطَفوه جريحًا، ولم أعرِف ما حلَّ به وما صَنعوا به، ولا إلى أين ذَهبوا به!

 

أمَّا المدينة فهي كما ترى؛ حلَّ فيها الخرابُ بعد العمران، والموتُ بعد الحياة، والخوفُ بعد الأمن، وأصوات المدافع بدلًا عن النَّغم والموسيقا، لكنِّي ما زلتُ هنا باقيةً على أطلال هذا المنزل المدمَّر، متنقلة في هذه الأزقَّة الموحِشة، منتظرةً عودة مازن؛ فهم لا يَزالون يَقتلون، وأنا لا أزال أشدو بأغنيتي الجميلة:

• "يا سعاد، على جناب قربك الدَّافئ سأخلع كلَّ همومي وأحزاني، لا أدري كيف أصبحتُ أعيش لكِ وحدكِ، عندما أراكِ أنسى كلَّ شيء سوى حبك الكبير، فتنتفض عنه أتراحه وأشجانه، ويَروي أشواقه ولهفاته، فتُزهر حدائقُه وتخضوضر فيه الآمال، وتنبتُ فيه الأماني، وتبتسم الأحلامُ".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العجوز (قصة قصيرة)
  • النداء الأخير ( قصة قصيرة )
  • صديقان ( قصة قصيرة )
  • سعاد (قصيدة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة قصيدة بانت سعاد مخمسة (تخميس بانت سعاد)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • سعاد: قصة كل يوم تعاد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأسلوب القصصي عند كعب بن زهير: قصيدة بانت سعاد نموذجا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أطوار القصة القصيرة(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
1- قصة قصيرة رائعة
د. مطيع السروري - اليمن 28-01-2016 12:04 AM

في رأيي، القصة رائعة جدا. مغزاها، كما أراه، يتمحور حول الخير والشر. الشر متمثلا بالحرب والدمار يترك آثارا على الإنسان صعب محوها. ربما ينتصر الشر لبعض الوقت، ولكن تبقى جذور الأمل والحب (الخير) منثورة لتنمو من جديد ولو طال الزمن.

شخصية مازن هي رمز للقوة المفقودة؛ والأمل القادم. (الكاتب جعل مازن جريحا، ومكانه غير معلوم، ولذلك دلالة رائعة وهي إن الخير قد يجرح ولكنه لا يموت؛ إن قوة الخير قد تضعف ولكنها لا تنتهي).

العبارات الإسلامية في القصة مثل "السلام عليكم"، "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، و "الرويبضة"، و"مسجد، مساجد" و "أسألكِ بالله"، كلها تصرخ في وجه وضع المدينة والأعمال الإجرامية فيها. يتساءل المرء عندها، أين الإسلام؟ وماذا بقى منه في هذه المدينة؟ ليستدرك القارئ أن "صلاح"، "وسعاد" و"مازن"، ومن انضم لمازن هم من يمثلون المجتمع المسلم ولكنهم واقعون ضحية لقوى الشر والإجرام من أبناء المدينة أنفسهم متمثلين بأخو سعاد "عبدالله" واتباعه.

التقابل بين الماضي والحاضر، متمثلا بماضي سعاد وحاضرها وحاضر المدينة، هو تقابل بين الجميل والقبيح من الأفعال، أفعال الأب وأفعال الأبناء. وهو تقابل يعكس الخير في الماضي والشر في الحاضر. إلا أن بذور الخير باقية في بقاء سعاد وما تمثله من حاضر جميل في رؤيتها وجمال ثيابها برغم ذبول جسدها جراء الأوقات الصعبة التي عاشتها والتي تعيشها. عموما، عنصر المرأة متمثلا بسعاد، له دلالة بأن المرأة هي رمز البقاء والأمل والحب الذي لا ينتهي.

برأيي، إيجابيات القصة كثيرة، وملاحظاتنا التالية لا تنقص من قيمتها الفنية والقيمية بأي حال.

ربما كان من الأفضل تصوير المباشرة والخطابة عند ذكر الرجولة والقيم حكيا وليس مباشرة.

اقتصر الكاتب على لفظة "ثغرينا" وربما أيضا كلمة "مقرمة" للتعبير عن مدينة تعز اليمنية فقط. ربما كان بالإمكان إظهار رمز المدينة بطرق لامباشرة مثل الملابس والأكل والأماكن بكلمات وعبارات تبث في أماكن متفرقة وبشكل طبيعي.

ربما أيضا كان من الأفضل عدم التصريح بسبب هجرة "صلاح" بأنها هجرة قسرية. ربما كان السبب سيكون أفضل لو كانت هجرة طبيعية لدراسة أو عمل أو ما شابه. فالسبب المذكور ربما يجعل خلفية المدينة التاريخية غير مرغوب فيه، وبالتالي لا يؤثر وضعها الحالي فيها كثيرا.

عموما، قصة قصيرة رائعة، فيها مقومات القصة، وتترك أثرا لدى القارئ لا ينسى.

شكرا للكاتب، وشكرا لشبكة الألوكة ولكل القراء في الحاضر والمستقبل. ودمتم بخير وأمل، بإذن الله.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب