• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (1)

د. عيد محمد شبايك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/2/2010 ميلادي - 23/2/1431 هجري

الزيارات: 22188

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تقديم

لقد لفتني إلى الحديث عن الاستعارة في اللغة الدارجة - لغةِ الحياة اليومية - قولُ عبدالقاهر في تعريف الاستعارة: "اعلم أن الاستعارة في الجملة أن يكونَ لفظ الأصل في الوضع اللغوي معْروفًا، تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعرُ أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلاً غير لازم، فيكون هناك كالعارية"[1]، وعندما قسم الاستعارة إلى غير مُفيدة ومفيدة قال: "فإن الكثير منه - يقصد قسم المفيدة - تراه في عداد ما يشترك فيه أجيالُ الناس، ويجري به العُرف في جميع اللغات، فقولك: رأيت أسدًا - تريد وصْف رجل بالشجاعة، وتشبهه بالأسد على المبالغة - أمرٌ يستوي فيه العربيُّ والعجمي، وتجده في كل جيل، وتسمعه من كل قبيل"[2]، وكذلك لفتني قول ريتشاردز: "الاستعارة هي المبدأ الحاضر أبدًا في اللغة، وهو ما يمكن البرْهنة عليه بالملاحَظة المجرَّدة، فنحن لا نستطيع أن نصوغ ثلاث جُمل في أي حديث عادي سلس دون اللجوء إلى الاستعارة، حتى في اللغة الجافة للعلوم الراسخة لا يمكننا أن نستغني عنها"[3].

فقولُ عبدالقاهر عن لفظ الاستعارة: "يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل"، وقوله: "يشترك فيه أجيالُ الناس، ويجري به العرف في جميع اللغات"، وقوله: "أمرٌ يشترك فيه العربي والعجمي، وتجده في كل جيل وتسمعه من كل قبيل" - تراه لا يحصر استعمال الاستعارة في لغة الشعر فقط، بل يجعلها ممكنة في اللغة العادية - الدراجة - التي يشتركُ فيها أجيالُ الناس، ويجري بها العرفُ بينهم.

عندما ندقق في قول ريتشاردز: "ثلاث جمل"، وقوله: "حديث عادي سلس"، نفهم منه شيوع الاستعارة وسهولة جريانها على ألسنة الخاصة والعامَّة، حتى في أيسر العبارات وأقلها، دون إدراك منهم أو قصْد إلى إحداث الاستعارة، وهذا يعني أن الاستعارة تُعَد ظاهرةً شائعة في كل اللغات وفي كل مكان، لا تخلو منها لغةٌ معروفة ولا ثقافة معروفة، حتى في لغة الحياة اليوميَّة، وفي لغة الشارع التي يتخاطَب بها جميعُ الناس ويتفاهمون.

إذًا فلم تُعد الاستعارة قاصرةً على لغة الشِّعْر،
وأنواع الكتابات الفنية - كما قصرها على ذلك كثيرٌ من القدماء (من النقاد والبلاغيين)[4]، وحسبنا أن ندركَ أن الاستعارة ظاهرة تنتظم لغتنا، وفِكْرنا، وثقافتنا، وسُلُوكنا، فتصاحبنا في كل مكان وفي مُعظم الأوقات والتعامُلات، (في كلامنا، وعاداتنا، وطقوسنا، وفي تفكُّهنا، وتهكُّمنا، وفي تراثنا الشفهي، وفي لغة الباعة الجائلين، وفي لغة الإعلام التي تؤثِّر في الوعْي الجماهيري، وحتى في لغة الأطفال)، أضف إلى ذلك ثراء اللغة العامية المصرية، وما يَتَوالَد منها من تعبيرات ومصطلحات تعكس فكْر الإنسان وتصوُّراته ومعارفه ومُعتقداته، وما تأثر به من أنواع الثقافات التي تحيط به في مراحل حياته المختلفة، لذا أردتُ أن أبَيِّن في هذا البحث أهمية العنْصر الثقافي كمكون يُشكل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصْر، أو قل: في العامية المصرية.

والبحث يُحاول أن يجيبَ على التساؤُلات الآتية:
• ماذا نعني بالعنصر الثقافي؟
• وما صلته بالاستعارة؟
• وما صلة الاستعارة بلغة الحياة اليومية؟
• ولماذا العامية المصرية تحديدًا؟
• وما أنواع الاستعارات في لغة الحياة اليومية في مصر؟

والبحث يتبع المنهج التحليلي الذي يهتم بتحليل هذه الأنواع من الاستعارات، للكشْف عن أهميتها في أداء عمليَّة التواصُل والتفاهُم بين الناس، ومدى تأثيرها على من يتعاملون بها ويتفاهمون.

مما سبق يتَّضح أن الاستعارة ترتبط بالوجود الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ فيه الفردُ، ومن المؤكد أنه "لا يمكن مُلاحظة المجتمع والثقافة معزولين بعضهما عن بعض[5]، "ولا يشك أحدٌ في أن الوحدة بين المجتمع والثقافة يجب أن تكون ثنائية على نحو أو آخر"[6]؛ لأن "الثقافة ليست فضاءً شاسعًا مصمتًا، وإنما هي مكونات منتمية لتقاليد وعادات وتراث ينتمي إلى أصحابه[7]، ومنظومة من القيم التي تحكم حياة أيَّة جماعة (شعب - أمة - ...) من الجماعات البشرية، وتوضح إلى حدٍ بعيدٍ - بالاشتراك مع بقية العناصر الثقافية (العادات / التقاليد / الأفكار...)، (جغرافية / ملامح وشخصية) - هُوية وثقافة هذه الجماعة على المستويين الفردي والجمعي، مع إتاحة إمكانية التشابُه أو الاختلاف"[8].

ولَمَّا كان من أهداف الدراسة بيان دور العنصر الثقافي؛ باعتباره مكونًا أساسيًّا في تشكيل الاستعارة في لُغة الحياة اليومية، إذ أصبحت وسيطًا ثقافيًّا يمكن الإنسان من تطوير معارفه واتِّساع تصوُّراته، وجب أن نوضحَ للقارئ ما المقصود بالعنصر الثقافي؟ وما دوره في تشكيل الاستعارة؟

العُنْصر الثَّقافي:
هو أصغر مكونات الثقافة، وذكر العلماءُ له عدة تعريفات، نذكر منها تعريف "هوبل"؛ حيث عرفه بأنه "وحدة من وحدات الأنماط السلوكية أو النِّتاج المادي لتلك الأنماط المتعلمة، تعرف بعدم قابليتها للتجزيء"[9].

ولدينا من العناصر الثقافية:
أ - عنصر عادات، ويشمل:
1- عادات دورة الحياة؛ [الميلاد - الزواج - الوفاة].
2- الأعياد والمناسبات؛ [الأعياد الدينية - القومية - الحصاد... إلخ].
3- الفرد في المجتمع؛ [المراسم الاجتماعية - العسكرية - العلاقات الأسرية - اللياقة - التعاملات - المأكل والمشرب... إلخ].
4- الحياة اليومية وما يتخلَّلها من حوار وتعامُل وتبادُل وثقافات.

ويجب علينا أن نعلم أن العادات والتقاليد تختلف باختلاف المجتمعات والأديان والشعوب، كما تختلف باختلاف العمر والنَّوع والمهنة والانتماء... إلخ[10].

ب - عُنصر مساهم:
هو عُنصر ثقافي يعمل مع عناصر أخرى كوحدة واحدة، ويرى ويسلر أن ما يُدْعى عادة بالعُنصر الثقافي ما هو إلا مركب من عناصر ثقافيَّة مرتبط بعضها ببعض ارتبطًا تكوينيًّا[11].

فمثلاً: الإعلان الذي نشاهده عبر أي قناة من قنوات الاتصال "استعارة إعلانية"، يشترك في تكوينها وتشكيلها وإخراجها عددٌ كبير من العناصر الثقافية المتواشجة والمتعاونة في إبراز الصورة وتشكيلها، والتفنُّن في عرْضها لتحقيق الهدف.

ومِنْ هذه العناصر:
(شخصيَّة مؤدي الإعلان - الصورة - الإضاءة - اللون - نص الإعلان - العبارات اللافتة - نوع الخط الذي كتبت به - الصوت - الحركات والإشارات... إلخ)، وسوف يظْهر ذلك في التطبيق، عند الحديث عن الاستعارة الإعلانية، ومن هنا تأتي أهمية العنْصر الثقافي ودَوْره في تشْكيل الاستعارة، كما أن أهمية الثقافة تأتي من حقيقة أنها تُعين على تشْكيل التاريخ وتنْمِيطه، وأفضل ما تفعله الدِّراسات الثقافية هو وُقُوفها على عمليات إنتاج الثقافة وتَوْزِيعها واستهلاكها[12].

وثَمَّ داع آخر لدَرْس الاستعارة في اللغة العادية - لغة الحياة اليومية العامية - هو اهتمام معظم القدماء - نقاد وبلاغيين - بكل ما هو أدبي - جمالي بالمفهوم الرسمي الاصطلاحي - للأدب، وأغفلوا ما لا يندرج تحت الجمالي، وفي المقابل نرى أن الفعل الجماهيري والثقافي يقع تحت تأثير ما هو غير رسمي.

إذًا لا بُدَّ أن نفتحَ المجال لدراسة الخطابات الأخرى المنسية والمنفيَّة بعيدًا عن مملكة الأدب؛ كأنواع السرد، وأنظمة التعبير الأخرى - غير المؤسساتية - وحسبما هو التصور السيولوجي الحديث[13]، فإنَّ كلَّ ما هو دال فهو لُغة وخطاب تعبيري، سواء كان حركة أو فعلاً أو هيئة أو نصًّا غير رسْمي؛ كالنُّكْتة[14]، أو المثَل الشَّعْبي[15]، أو لُغة الطِّفل[16]، أو لغة الإعلام، أو الكاريكاتير، أو اللُّغة الرياضيَّة، أو نُصُوص الإعلانات[17]، أو المحاكاة التهكُّميَّة[18]، أو غير ذلك من عناصر ثقافية داخلة في الخطاب، ولها تأثيرها على المخاطبين.

إذًا "فعلَيْنا ألا نجنح إلى إنكار أدبية هذه الأنماط التعبيرية؛ إذ إنها مكتنزة بالطاقات المجازية والكنائية والترْميزية، وتتحرك ضمن أنساق عميقة وخطيرة، يشهد بذلك طاقتها التأثيرية الهائلة التي لا ينافسها فيها أي خطاب رسمي مهما بلغ الترويج له، أو محاولات ترسيخية"[19]، ويشهد لها من جانب آخر مفهوم الأدبية الواسع المعتمد على التخيُّل، ويقول ابن سينا: "إن الكلام المخيل تذعن له النفس، فتنبسط عن أمور من غير روية وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانيًّا"[20].

وليس من شك أن كافة أنماط الاتِّصال البشري تضمر دلالات نسقية تؤثِّر على كل مستويات الاستقبال الإنساني في الطريقة التي بها نفهم، والطريقة التي بها نفسر، والنصوص التي لا تسمى عادة بالأدبية هي الأكثر انفعالاً مع الوظيفة النسقيَّة، دون أن ينتفي ذلك عن النصوص الأدبية أيضًا[21].

والقيم الاجتماعية والدينية - كما هو معروف - هي القوى المحركة والموجهة للسلوك البشري، من هنا تبرز أهمية الثقافة التي أَخَذَتْ في التزايُد بشكْلٍ منفرد ومتسارع مع دخول العالم عصر صناعات المعلومات (المعلوماتية)، ثم عصر صناعة الثقافة[22].

ولا شك أنَّ وُجُود الإنسان في مجتمع ما لا بُدَّ أن يتأثر بالأنماط الثقافية والقيَم الاجتماعية التي تسود المجتمع، ولا سيما أن "الثقافة ذات طبيعة دينامية وتراكمية"[23]؛ بمعنى: أنها سريعة الانتشار والانتقال عبر ثقافات مختلفة ومتعدِّدة، وليس الإنسان بمعزل عنها، فلا بد أن يتفاعل معها، ومع جميع الظروف التي تؤثر فيها بطريق غير مباشر؛ مثل: البيئة الطبيعية والبيئة الثقافية، ونتاج النشاط الثقافي، فيكتسب الخبرات والمعارف، ومِن هنا تتَشَكَّل ثقافة الفرد التي يتعايَش بواسطتها مع الناسِ معبرًا ومبدعًا.

إنَّ المظاهر البشريَّة بصَدَد الواقع هي أهم شيء بالنسبة لنا، وهذا ما يجعل الثقافات تختلف فيما بينها؛ إذ إنَّ للثقافات المختلفة أنساقًا تصوُّريَّة مختلفة، والثقافات توجد أيضًا في بيئات فيزيائيَّة، وهذه البيئات تختلف جذريًّا فيما بينها؛ إذ لدينا الأدْغال، والصَّحاري، والجزر والجبال، والمدن... إلخ، ففي كل حالة مِن هاته الحالات هناك بيئةٌ ثقافية تتفاعَل معها بشكل أقل أو أكثر نجاحًا، والأنساق التصوُّريَّة للثقافات المتنوعة تتوقَّف على البيئات الفيزيائية التي تترعْرَع فيها.

وعلى كل ثقافة أن تتخذَ طريقة أقل أو أكثر نجاحًا في التعامُل مع بيئتها، سواء بتبنِّيها تلك الطريقة أو بتغييرها، وفوق هذا كله على كل ثقافة أن تحدد واقعًا اجتماعيًّا عند الناس الذين يقومون بأدوار تعطيهم معنى، ويَتَمَكّنون بمُقتضاها من التفاعل اجتماعيًّا، وليس من المفاجئ أن يؤثر الواقع الاجتماعي الذي تحدده ثقافة معينة في تصوُّرها لواقعها الفيزيائي، فما هو واقعي لدى شخصٍ ينتمي إلى ثقافة ما، يعتبر نتاجًا لواقعه الاجتماعي، وللطريقة التي تجسد تجربته مع العالم الفيزيائي، وبما أن الاستعارة ترتبط بالوُجُود الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد، وبما أن جزءًا مهمًّا من واقعنا الاجتماعي يفهم بطريقة استعارية، وبما أن تصورنا للعالم الفيزيائي استعاري جزئيًّا، فإن الاستعارة تلعب دورًا دالاًّ في تحديد ما هو واقعي وحقيقي عندنا[24].

المجاز قيمة ثقافيَّة:
ما زال المجاز هو الأساس المبدئي في الفعل النصوصي، غير أن ما يحسن التأكيد عليه هنا هو أن المجاز قيمة ثقافية، وليس قيمة بلاغية جمالية - كما هو ظاهر الأمر - لقد سيْطَر التصوُّر البلاغي على مفهوم المجاز وعلى فعله، حتى صار المجاز في حدِّ ذاته مؤسسة ذوقية مصطلحية تتحكَّم بشروط إنتاج واستقبال النصوص، مع أن هناك مقولة مبكرة تشير إلى أن اللفظ قبل استعماله ليس حقيقة ولا مجازًا[25]، وأن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ، وهذا يجعل "الاستعمال" هو المستند في الوصف والتعرُّف، ولا شك أن الاستعمال فعل عمومي وجمعي، وليس فعلاً فرديًّا؛ أي إنه أحد أفعال الثقافة، وهذا يتطلَّب منا أن نجعل الاستعمال أصلاً نظريًّا ومفهوماتيًّا، بمعنى أن هناك أنماطًا سلوكية ثقافية تتحرَّك وتتفاعل، وعبر هذا التحرُّك والتفاعُل تنشأ نماذج للقوْل تسود الخطاب، ومِنْ ثَم يأتي الاستعمال الذي يعني وضع الخطاب في وظيفة، بأن تجعله يعمل ويُعمل به، وهذا يولد التعبير المجازي ولادة ثقافية تخضع لشروط الأنساق الثقافيَّة التي نُسميها بالاستعمال، وما الاستعمال سوى المسمَّى الإجرائي للفعل الثقافي ذي الطابع العُمُومي الجمعي[26].

وقريبًا من هذا ما يراه الدكتور/ فايز الداية من أن "الاستعمال للاستعارة اللغوية يجري وفق قانون الاتِّفاق الجمعي على الرموز ومدْلولاتها، بينما يخلق الاستعمال في الاستعارة الجمالية جوًّا يُحيط بالشيء نتيجة المعادَلات الجديدة بتداخُل الرموز والمدْلولات على نحو يرتبط بالتجربة والموقف الإبداعي"[27].

إنَّ لُغة النَّاس العادية - لغة الحياة اليومية، العامية - مليئة بالتَّشبيهات والاستعارات التي لا يكاد يدرك جانبها الاستعاري للوهلة الأولى، ثم إن لغة الناس تزخر بالأمثال والعبارات المسكوكة ذات التأويل الاستعاري أضف إلى ذلك أن المشابهة وسيط أساسي بين الإنسان ومقولة العالم المحيط به.

وهذا دليلٌ على نووية المشابهة عند الإنسان، لذلك فهي تعتبر مكونًا من مكونات الدماغ البشري، والفكر الثقافي، ولغة التواصل التي تتقاسمها الناس جميعًا، لذلك فإننا لا نتعجب قول ابن حسان بن ثابت لأبيه[28]: "لسعني طائر، كأنه ملتف في بُردي حبِرة"؛ لأننا نعتبر الكلام الذي ورد على لسانه، والتشبيهات التي صنعها إظهارًا لذلك المكون الذهني الذي ألفه في بيئته، وصار ضمن مَخْزونه الثقافي.

وقد نبَّه عبدالقاهر - في تعريفه للاستعارة - إلى أنها تصدر عن الشاعر، وعن غير الشاعر فقال: "اعلم أن الاستعارة في الجملة أن يكونَ لفظ الأصل في الوضع اللغوي معروفًا تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلاً غير لازم، فيكون هناك كالعارية"[29].

والملاحَظ أن هذا التعريف لا يحصر استعمال الاستعارة في اللغة الراقية - الشعرية - لكنه يجعلها ممكنة في اللغة العادية - الدارجة - كذلك.

ومن الأمثلة التي أوردها عبدُالقاهر في باب الاستعارة منها جمل عادية؛ مثل:
• رأيت أسدًا.
• رنت لي ظبية.
• رأيت بحرًا.

وأشار إلى أن مثل هذه الشواهد مشتركة بين كل الناس - عرَبًا وعجمًا - فقال: "فقولك: رأيت أسدًا - تريد وصف رجل بالشجاعة، وتشبيهه بالأسد على المبالغة - أمرٌ يستوي فيه العربي والعجمي، وتجده في كل جيل، وتسمعه من كل قبيل"[30].
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] "أسرار البلاغة" صـ 29.
[2] نفسه صـ 32.
[3] من مقال بعنوان: "فلسفة البلاغة"؛ ترجمة ناصر حلاوي، وسعيد الغانمي، مجلة العرب والفكر العالمي، العددان 13، 14 / 1991م صـ 39.
[4] كأبي هلال العسكري، وابن رشيق، وعلي بن عبدالعزيز الجرجاني، والآمدي، وغيرهم.
[5] إيكة هولتكرانس؛ "قاموس مصطلحات الأثنولوجيا"؛ ترجمة محمد الجوهري وحسن الشامي - دار المعارف - الطبعة الثانية سنة 1973 صـ 298.
[6] نفسه صـ 291.
[7] مصطفى عبدالغني؛ "القراءة للجميع (قضايا وتحليل)"؛ الهيئة العامة للكتاب، صـ 58، والثقافة في الاصطلاح هي: "كل ما فيه استنارة للذهن، وتهذيب للذَّوق، وتنمية لِمَلَكَة النقد والحكم لدى الفرد، أو في المجتمع، وتشتمل على المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق، وجميع القدرات التي يسهم بها الفردُ في مجتمعه، ولها طرق ونماذج عملية وفكرية وروحية، ولكل جيل ثقافته التي استمدها من الماضي، وأضاف إليها ما أضاف في الحاضر وهي عنوان المجتمعات البشرية".
[8] بحث بعنوان: "الثقافة والعولمة"؛ بقلم الأستاذ/ أحمد فراج (ضمن بحوث في الأدب بين الهُوية والتحولات)، المؤتمر الرابع لإقليم غرب ووسط الدلتا 31/5 حتى 2/6/2003 وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة.
[9] "قاموس المصطلحات" صـ 261.
[10] نبيل سلامة؛ "التُّراث الشفَوي في الشرق الأدنى ومنهجية حمايته"، صـ 148 - 155.
[11] "قاموس المصطلحات السابق" صـ 261.
[12] عبدالله الغذامي؛ "النقد الثقافي" صـ 17، 18.
[13] عبدالله الغذامي؛ "الخطيئة والتكفير" صـ 42، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1998.
[14] يَتَمَثَّل ذلك في نقل أو تحويل الأسماء أو الدلالات بين الأسماء المتشابهة إما من خلال الصوت، وإما من خلال المظهر، وإما من خلال خاصية مُدركة أخرى، ويَتَرَتَّب على عملية النقْل أو التحويل هذه إثارة الضحِك.
[15] كما في الاستعارة التمثيلية (راجع صـ 28 من هذا البحث).
[16] كما في الاستعارة الاضطرارية (راجع صـ 17 من هذا البحث).
[17] انظر تفصيل ذلك في الاستعارة الإعلانية، (راجع صـ 37 من هذا البحث).
[18] كما يحدث عندما ينطق اسم شخص بدلاً من اسم شخص آخر (انظر الاستعارة التهكمية صـ 34 من هذا البحث).
[19] عبد الله الغذامي؛ "النقد الثقافي" صـ 61 (بتصرف يسير).
[20] ابن سينا المجموع أو الحكمة العروضية في معاني الشعر صـ 21.
[21] عبد الله الغذامي؛ "النقد الثقافي" صـ 65.
[22] بحث بعنوان: "الثقافة والعولمة"؛ بقلم الأستاذ/ أحمد فراج، (ضمن بُحُوث في الأدب بين الهوية والتحولات)، المؤتمر الرابع لإقليم غرب ووسط الدلتا 31/5 حتى 2/6/2003 وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقُصُور الثقافة.
[23] "قاموس المصطلحات" صـ 115.
[24] لايكوف وجونسون؛ "الاستعارات التي نحيا بها" صـ 150، 15.
[25] "المختصر في أصول الفقه" صـ 43.
[26] عبدالله الغذامي، "النقد الثقافي" صـ 67.
[27] الدكتور/ فايز الدية؛ "علم الدلالة العربية" صـ 391، دار الفكر، سوريا، دمشق، ط1، سنة 1985).
[28] جاء ابن حسان بن ثابت على أبيه يبكي ويقول: "لسعني طائر، فقال حسان: صفه لي يا بني، فقال: كأنه ملتف في بردي حبرة، يعني لسعه زنبور، فقال حسان: قال ابني الشعر ورب الكعبة"، وقد علَّق عبدالقاهر على هذا الخبر قائلاً: "أفلا تراه جعل هذا التشبيه مما يستدل به على مقدار قوة الطبع، ويجعل عيارًا في الفرق الذهن المستعد للشعر وغير المستعد له"؛ "أسرار البلاغة" صـ 167.
[29] "أسرار البلاغة" صـ 22.
[30] "أسرار البلاغة" صـ 34.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل اللغة العربية
  • اللغة العربية لسان وكيان
  • من مزايا اللغة العربية (1)
  • من مزايا اللغة العربية (2)
  • العربية لغة العلم
  • لغتنا العربية
  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (2)
  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (3)
  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (4)
  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (5)
  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (7)
  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (8)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (1/ 10)
  • الاستعارة في البلاغة العربية
  • تعريف الاستعارة والفرق بينها وبين التشبيه

مختارات من الشبكة

  • العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (6)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صرخات منبرية للتحذير من مشاهدة الأفلام والمسلسلات الهندية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنبيه المسلم الغيور إلى خطورة المغالاة في المهور (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العبرة من تحويل القبلة: التسليم والانقياد (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • العقد الفريد في بيان منزلة الشهيد وأحكامه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدرر السنية من أخلاق الرسالة المحمدية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الميراث الحرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول النفيس في بيان خطورة الفتوى بغير علم يا أهل الفيس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من الكسل والحث على البناء والتعمير (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- ata9afa
ayoub - maroc 17-05-2010 10:01 PM

biautifule

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب