• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

بيني وبين جبران خليل جبران

بيني وبين جبران خليل جبران
ربيع بن المدني السملالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/12/2015 ميلادي - 26/2/1437 هجري

الزيارات: 21164

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيني وبين جبران خليل جبران


كنتُ - وأنا في بداية الشباب وغضارته، ونهاية الصِّبا وغروب شمسه - مولعًا بكتُب الكاتب اللبناني الشهير (جُبْران خليل جُبران)؛ أقرأ مؤلَّفاته وأُعيدها، وأردد كلماته وأحفظها، ولا أُرى إلا متأبِّطًا بعضًا من كتبه رائحًا وجائيًا، لكن في قرارة نفسي كنت أقف حائرًا متسائلًا عن كثير من عباراته التي لا تَستسيغها فطرتي، ولا يُدرك أبعادَها عقلي المحدود، وأجدها ثقيلة على فَهمي وسمعي وحواسي، لكن حبي العنيف له كان يدفعني إلى حسن الظن به وغضِّ الطرف عن هنَاته وهفواته، بل كنت أتهم نفسي كثيرًا أنني سيئ الفهم، ولم أرقَ بعدُ لمستوى كتاباته وإدراك معانيها.

 

لكن حين قرأتُ له قصةً عنوانها (وردة الهاني) في كتابه (الأرواح المتمردة) التي تقع في عشرين صفحة، أنكرتُ مضمونها إنكارًا، وغضبتُ وانزعجت انزعاجًا شديدًا، وشعرت بقلبي يَضيق وعقلي لا يتحمَّل هذا الهراء الذي ابتلعتُه، ومع بالغ الأسف لم تكن عندي الأدواتُ التي يمكنني أن أرد عليه بها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه - كما يُقال - فقط اكتفيتُ باعتزال كتبه، والإعراض عنها إعراضي عن مواطن الشُّبه والفساد، وقلب ظهر المِجنِّ لكل ما له علاقةٌ به.

 

ثم وقع في خَلَدي أن أعود إلى الأديب الأريب مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله الذي كنا درَسْنا بعضَ نصوصه النثريَّة الجميلة في المستوى الابتدائي والإعدادي، اشتريتُ كل كتبه من سوق الكتب المستعملة بثمنٍ بخس لا يكلفني شيئًا، وعكفتُ على قراءته كتابًا كتابًا، فوجدتُني أمام رجل بليغ مِنْطيقٍ مسلِم، يحب الخير للناس ويَنشُد الإصلاح وتقويمَ ما فسد من أخلاق المجتمع المصريِّ خاصة، والعربي عامة، فانتشيتُ وطربت وسعِدت، واكتشفتُ أنني كنت في ظلام دامس قبل القراءة لهذا الفاضل.

 

وقد ذكرتُ في كتابي (أفكار على ضفاف الانكسار) أنه كان من الأسباب التي حبَّبَت إليَّ الأدب الجميل، ودفعَتني إلى خوض غماره بحبٍّ وشغف؛ لذلك لا حاجة بي أن أُسهِب في هذا الأمر أكثرَ في هذه الورقات.

 

مرت الأيام، وكرَّت الليالي وأنا أعيش متنقلًا بفرَح بين أوراقه وقصصه ومقالاته؛ لأُشبع جوعي إلى المعرفة، وأَشفي غليل عطشي إلى الأدب، وبينا أنا كذلك ذاتَ يومٍ - أو إن شئت فقل: ذات ليلة؛ لأنني لم أكن أقرأ إلا ليلًا في هدوء وصمت، وخَفاءٍ عن الأعينِ والناسِ أجمعين - إذ وجدتُ مقالةً نقدية طار لها قلبي فرحًا، وانشرَح لها صدري انشراحًا، وكدتُ أنسلخ من جلدي غبطةً وسرورًا! وجدت هذا العظيم المنفلوطيَّ في جُزئه الأول من كتابه (النظرات) يُفنِّد تلك القصة (وردة الهاني) لجبران خليل جبران، ويُعنِّف صاحبها تعنيفًا يسيرًا، مبيِّنًا خطر هذه الأفكار الإباحية التي يُروِّج لها بين أبناء المسلمين، وفي قعر دارهم؛ يبدؤها بقوله:

قرأتُ في بعض المجلات قصة قصَّها أحدُ الكتَّاب، موضوعها أنَّ كاتبها غاب عن بلده بضعةَ أعوام، ثم عاد إليها بعد ذلك، فزار صديقًا له من أثرياء الرجال ووجوهِهم، ومِن ذوي الأخلاق الكريمة والأنفُس العالية، فوجده حزينًا كئيبًا على غيرِ ما يعهَد من حاله قبل اليوم، فاستفهَم منه عن دخيلة أمره، فعرَف أنه كان متزوجًا من فتاة يحبها ويُجلُّها ويَفديها بنفسه وماله، فلم تحفَظ صنيعه ولم ترعَ عهده، وأنها فرَّت منه إلى عشيقٍ لها رقيقِ الحال وضيع النَّسب، فاجتهد الكاتبُ أن يَلقى تلك الفتاة؛ لِيَعرف منها سرَّ فِرارها من بيت زوجها، فلقيها في منزل عشيقها، فاعتذرَت إليه عن فعلتها بأنها لا تُحب زوجها؛ لأنه في الأربعين مِن عمره وهي لم تبلغ العشرين، وقالت: إنها جرَت في ذلك على حكم الشرائع الطبيعية، وإن خالفَتِ الشرائع الدينية؛ لأنَّ الأُولى عادلة، والثانية ظالمة!

 

وقالت: إن ما يسمِّيه الناس بالزنى والخيانة هو في الحقيقة طهارةٌ وأمانة، ولا الجريمة ولا الغش ولا الخداع إلا أن تأذَن المرأة لزوجها الذي تَكرهه بالإلمام بها إلمامَ الأزواج بنسائهم؛ ما دامت لا تحبُّه ولا تألف عِشرته، وقالت: لو أدرك الناسُ أسرار الديانات وأغراضَها لعرَفوا أنها متفقة في هذه المسألة مع الشرائع الطبيعية، وأنها ربما تَعُدُّ المرأة في بيت زوجها زانية، وفي بيت عشيقها طاهرة، إذا كانت تكره الأوَّل.

 

هذا ملخَّص القصة على طولها، وأحسبها قصةً موضوعة؛ على نحوِ ما يضَع الكتَّابُ القصص الخيالية لنشر رأيٍ من الآراء، أو تأييد مذهبٍ من المذاهب؛ لأن الكاتب قد أعذَر تلك الفتاةَ فيما فعلَت، واقتنع بصحة أقوالها وصحة مذهبِها، وأَعْداها على زوجها، وقضى لها فيما كان بينهما.

 

وسواءٌ أكانت القصةُ حقيقية أم خياليَّة، فالحقَّ أقول: إن الكاتب أخطأ في وضعها، وما كنتُ أحسَب إلا أنَّ مذهبَ الإباحية قد قضى، وانقضى بانقضاء العصور المظلِمة، حتى قرأتُ هذه القصة منشورةً باللغة العربية بين أبناء الأمة العربية، فنالني من الهمِّ والحزن ما اللهُ عالمٌ به[1].

 

قال ربيع: بهذا النصِّ الرزين تفتَّحَت عيناي، ورفعتُ عني الغِشاوة تجاه (جبران خليل جبران) الذي كنت أظنُّه أروعَ أديب وأجمل كاتب وأكبرَ مبدعٍ جاد به القرنُ العشرون، لكن بعد قراءة هذه المقالة وتقدُّمي في السن والفَهم، صار حالي يقول: الأدب لا يدعو إلى الفاحشة يا جُبران! ولا يجر إلى معصية؛ بل يدعو إلى مكارم الأخلاق، فتطمئنُّ إليه النفوس، وترتاح إليه الأفئدة، وليس سلاحًا يفرِّق جماعات الناس، وروابطَهم الأسرية، ويسفِّه إنسانية الإنسان ويجعل منه حيوانًا يمشي على الأرض بلا قيود، وكأنه خُلق عبَثًا لا يُؤمر ولا يُنهى، كلا؛ بل الأدب هو التعبير عن الحياة أو بعضِها بعبارة جميلة، ودعوة إلى تصفية النفس وتزكيتها، والسموِّ بها إلى مقامٍ تُحمَد عُقباه دنيا وآخرة.

 

فالأدب باختصار كما يقول زكي مبارك: شريعةٌ ربَّانية لا يصلح لها غيرُ المصطفَين من أرباب القلوب، الأدبُ الحق منحةٌ ربانية يجود بها الله على أرباب القلوب الصادقة.

 

ثم تعمقتُ أكثر فأكثرَ في التعرف إلى جُبران، وما قال عنه النُّقاد؛ لأنني كنت من صِغَري لا أرضى من الغنيمة بالإياب، فوجدتُ المفكر الأديبَ (أنور الجندي) يقول عنه بصريح العبارة دون أن يُخفيَ اسمه - كما فعل المنفلوطيُّ الذي اتبع قاعدةَ ((ما بالُ أقوامٍ))، وهي لا تجوز في حقِّ جبران؛ هذا الذي ملأ الدنيا وشغَل الناس بأدبه الإلحاديِّ المسموم:

 

لقد حاول جبران - كما حاولَت مدرسة المهجَريِّين - إحياء الفينيقيَّة الوثنية، ومهاجمةَ قيم العروبة والإسلام، فأعادَت وأحيَت كل ما ردَّدَته فلسفاتُ زرادشت والمجوسية ووثنية اليونان والرومان؛ هربًا وراء فرويد ونيتشه وغيرهما، وكان هذا كلُّه مَصوغًا في إطار التوراة وأسلوبها.

 

ويقول:

الواقع أن الأدب المهجريَّ قد اعتمد على مصدر أساسي، هو الحملة العنيفة على الدينِ واللغة، ومقوِّمات المجتمع العربي الإسلامي، والثورة على كل القيم والعقائد والإفراط في الإباحيَّة، ومهاجمة القيم الأخلاقية في الحب والزواج من إدخال أسلوب جديد مستغرَبٍ يُصادم الحسَّ الإسلامي، ويعارض مفاهيم البلاغة، ويُعلي من صيغة التوراة والمَجاز الغربي[2].

 

أما الناقد الكبير عبداللطيف شراره فإنني وجدته يقول: وثمة مفكِّر ألماني: فريدريخ نيتشه - المتوفَّى سنة 1900م - صعق جبرانَ حين اطَّلع على آرائه واتجاهاته الأخلاقية، فأخذ يَدور في فلَكِه الفكري، ويَدعو غيرَه إلى اتباعه...

 

إلى أن يقول بعد أن ذكر ثلاثةَ أساتذة غربيين تتلمَذ لهم:

بيد أن جبران ظلَّ في أصوله واتجاهاته العامة شرقيًّا عربيًّا إنسانيًّا، رغم جنوحه للتطرف؛ إذ كان يقول: "أنا متطرفٌ؛ لأن من يعتدل في إظهار الحق يبيِّن نصفه ويَبقى نصفُه الآخر محجوبًا وراءَ خوفه من ظنون الناس وتَقوُّلاتهم".

 

ويقول:

كان مُغرِقًا في الخيال، مُغاليًا في التمرد، شديدًا في مُناوَأة التقليد والمقلِّدين، حريصًا على الظهور بمظهر الحكيم الزاهد الذي يأخذ باللُّباب وينبذ القشور، فلا يهتم بالبيان المتأنِّق، أو بقواعد اللغة التي وضَعها سيبويه، وغيره من النحاة، فالشاعر في نظَره: "ذلك المتعبِّد الذي يَدخل هيكلَ نفسه، فيجثو باكيًا فرِحًا، نادِبًا مهلِّلًا، مُصغيًا مُناجيًا، ثم يَخرج وبين شفتَيه ولسانه أسماءٌ وأفعال وحروف واشتقاقات جديدةٌ لأشكال عبادته التي تتجدَّد في كل يوم"!

 

ومن الجليِّ أن هذا المزيج العجيب مما يَصعُب فَهمُه على الناس، ولا سيما حين يَدعو إلى التجديد، ويتَراءى بهذا الزيِّ الذي لا يألفه أحد.

 

وكان (عباس محمود العقاد) قد عرَض في فصلٍ نقدي لشِعر جبران، حتى إذا وصَل إلى قوله:

هل تحمَّمتَ بعِطرٍ ♦♦♦ وتنَشَّفتَ بنورِ

 

أشار إلى أن (تحمَّم) خطأٌ لغوي، والصواب (استَحمَّ).

 

وسرَت على الأثر (شائعةٌ) لم يكن في الإمكان تدارُكُ سرَيانها، وخلاصتها أنَّ جبران لا يأبَهُ باللغة ولا يحترمُ قواعدها.

 

ثم زاد في انتشار هذه الإشاعةِ مقالةٌ كتبها (أمين نخلة) - أديب العرب - أجاب فيها عن سؤالٍ طرَحه عليه (قارئٌ كويتي) حول رأيه في جبران، حيث قال: "إنَّ رأيي في جبران لا يُرضي خاطرك ولا خاطرَ المتأدبين الناشئين"، وتابع: "وبحَسْبِك مني الآن أن أذكُر لك أن الرجل في الجملةِ كاتبٌ لطيف التفكير، لطيف الخيال، لطيف الحاشية، إلا أنه لا يمتُّ إلى بَيان العرب وقواعدِ لسانهم بسببٍ متين"[3].

 

يقول (حنا الفاخوري) - وهو مسيحي؛ حتى لا يتَّهِمنا أحدٌ أننا لا ننقل إلا عن الكتَّاب والنقَّاد المسلمين -: وهكذا تَرى جبران في كتبه (الأجنحة المتكسرة) و(الأرواح المتمردة) و(المواكب) و(العواصف) - يَحمِل مِعوَل الهدم في ثورةٍ انفعالية شديدة!

 

قال ربيع: لذلك نجده يقول في كتابه العواصف: أنا متطرفٌ حتَّى الجنون، أَميل إلى الهدم مَيلي إلى البناء، وفي قلبي كرهٌ لما يقدِّسه الناس، وحبٌّ لما يأبَوْنه، ولو كان بإمكاني استئصالُ عوائد البشر وعقائدهم وتقاليدهم، لَمَا تردَّدتُ دقيقة[4]!

 

وقال (حنا الفاخوري) في موضع آخر:

رأى جبرانُ في المجتمع عيوبًا، ورأى خرافات كثيرةً تعمي بصائرَ كثير من الناس، ورأى في الشعب تقاليدَ ضيقة، ولم يَرُقْه استئثار الكثيرين من أغنياء الأرض بالخيرات، واتخاذُ الكثيرين من رؤسائها وأربابها السلطةَ والزعامة ذريعةً للظلم والاستبداد! وكان رجلًا شهوانيًّا، وكان - على حد قول الأستاذ مارون عبود - "الحبُّ الإنساني المادِّي أنشودةَ جبران، وحبُّ اللحم والعظم هو القطب الجبرانيَّ، وعليه تَدور رَحاه الطاحنة"!

 

فاصطدمَت شهوته ونزعاته المادية بالسلطة وبالآداب العامة، فثار فيه ثائرُ السخط وأراد التحرُّر، وامتزج حبه لذاته بحبه لبلاده التي أراد لها الحرية، ورأى حريتها مِن خلال ثورته وثورةِ شهواته.

 

وهكذا كانت الأثَرةُ والشهوة أساسَ اجتماعيات جبران؛ ولهذا امتزجَت آراؤه الصائبةُ بأضاليلَ كثيرة، ولم يَلزم حدَّ الرصانة في أقواله، ولم يَنحُ منحى التعمق العلميِّ الهادئ! وقد صبغ أقواله بأصباغٍ زاهية مِن صنع الخيال والعاطفة، فاستمال بهذه الألوان البراقة القلوبَ الضعيفة، وغذى أميالها.

 

لقد أنكر جبرانُ جميعَ الديانات، وإن كتَب أحيانًا عن المسيح صفحاتٍ رائعة! ويسوعُ جبرانَ يختلف تمامًا عن يسوعِ الإنجيل؛ فمسيحُ جبران هو رجلٌ كسائر الرجال، هو شاعرٌ على مِثال جبران، رجلُ عاطفة وأحلام، لا فرق عنده بين الخير والشرِّ، والكفرِ والإيمان؛ وكانت آلهته كثيرة، إلا أنه لم يجعَل بينَها لله الحقيقيِّ محلًّا، بل كان هو ربَّ نفسه؛ فقال: (أنا رب نفسي)! فعبَد ذاته وأهواءه، وتعبَّد لحبِّ المرأة.

 

أما الحياة الأخرى فقد قال فيها أقوالًا غامضة متناقضة، واتبع مذهبَ التقمُّص! وهو مع كل ذلك يُظهر أحيانًا دينًا، ويُرسل الأقوال الصوفيَّة؛ "وما إغراقه في الصوفية - على ما قال الأستاذ مارون عبود - إلا رجاءَ الخلود في حِضْن المادَّة، والتنقل من حال إلى حال؛ ليظلَّ يتمتع بمباهج الحياة وملذَّاتها".


وفي سنة 1931م قَضى عليه داءُ السل بعد حياة مليئة بالكفر والإلحاد، واندفاعٍ وراء الشهوات الجسدية، وقد قال مخاطبًا نفسه: "لقد نحَرتَ حبَّك على مذبح شهوتك يا جُبران! أنت مصاب بداء الكلام يا جبران! ولأنك تخجل من كل ما فيك من ضعف بشريٍّ تَعكف عليه فتستره بحُلَّة الكلام الجميل والألوان البهجة، والكلام الجميل لا يَرفع الشَّناعة إلى مستوى الجمال، والألوان البهجة لا تَصبغ الضعفَ قوة، وقولك: إن الحب هو الله لا يجعل الشهوةَ الجسدية إلهًا، ولا اللذة الحيوانية ناموسَ الحياة"[5].

 

قال ربيع: هذا هو جبران باختصار، الذي كنت أعيش في أحضان كتبه بإعجابٍ وحب، هذا الذي كان عقلي الصغيرُ يقف حائرًا أمام عباراته الكفرية والإلحادية والشِّركية؛ كتمثال لا يجد لسانًا يعبِّر به عما يضطرب في دواخله إزاء هذا الضَّياع، هذا الذي أنفقتُ عليه أيامًا من عمر صَبْوتي التي ما إخالُها إلا ضاعت في بِرْكة أفكاره المتَّسخة سبَهْللًا.

 

وإني أحمدُ الله الذي أنقذني وأحسَن إليَّ الإحسانَ كلَّه، ولم يتركني فريسةً لأدبه الإلحاديِّ أسبِّح بحمده بكرةً وأصيلًا! وإني لأَكتب هذه الكلمات حتَّى لا يُدرك القارئَ المبتدئَ من الشقاء والحيرة والشك والاضطراب ما أدركني وأنا في بداية إقبالي على الكتب، والقراءةِ والعلم، والأدبِ والفكر.

 

ودامت لكم المَسرَّات..



[1] النظرات، ص 143، 144 - ط العلمية.

[2] كتاب إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، 166 - 168، بواسطة كتاب نظرات شرعية في فكر منحرف؛ للخراشي، (1/ 28) - ط روافد.

[3] معارك أدبية قديمة ومعاصرة ص 171، 172 - ط دار العلم للملايين.

[4] نقلًا عن: نظرات شرعية في فكر منحرف، ج 1، ص 31.

[5] تاريخ الأدب العربي، ص 1095؛ لحنا فاخوري - طبعة منشورات المكتبة البولسية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اختر بيني وبينه!
  • بيني وبينك نبرة موعظة
  • بيني وبين الشيخ البارع الناظم جبران السحاري
  • بيني وبين أستاذي الشيخ عبدالكريم الدبان (شعر)
  • بيني وبينكن

مختارات من الشبكة

  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • المؤاخاة في العهد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فارق السن الكبير بيني وبين خطيبي(استشارة - الاستشارات)
  • خطبة في شرح حديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • خطيبي يقارن بيني وبين أخواتي(استشارة - الاستشارات)
  • قطعت الحبل بيني وبين الله(استشارة - الاستشارات)
  • اختلاف مستوى التدين بيني وبين خطيبتي(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
8- حاجتنا إلى إعادة النظر في الكتاب وكتاباتهم
أحمد الجوهري عبد الجواد - مصر 21-12-2015 12:41 AM

كثير هم الذي انخدعت بهم الأجيال وما تزال ! ومن ثم فإن إعادة تقويم الكتاب المحدثين وإعادة النظر في كتاباتهم والحكم عليها من خلال بصر يستضيء بالكتاب والسنة .. حتم لازم وفرض واجب .. على كل قادر .. كلٌّ في مجاله.
حياكم الله سعادة الأستاذ ومتعكم بالصحة والعافية وأنعم عليكم بالوقت والستر حتى تمتعنا بمثل هذه النظرات.

7- الأدب رسالة ومسؤولية
د.صفية الودغيري - المغرب 14-12-2015 06:52 PM

في طفولتي كنت أعشق أن أقرأ كنب الأدب التي تسبق عمري ولُبَّ فهمي، وكانت في مكتبة والدي ـ رحمه الله ـ مجموعة لجبران خليل جبران في رُكنٍ قصي لا تدركه عيوننا الصغيرة ولا تصل إليه أيدينا، التي لم تكن تجرؤ على حمل تلك الكتب التي تطيش بالعقل في كل مرتع، إلا أن فضولي دعاني لأقرأ من تلك المجموعة ما دعاني إلى نبذه والنفور منها، فكان نداء الفطرة يصدُّها والحِسُّ الطفولي يُجافيها، فأعرضت عنها وإن كان أسلوبها يأسر القلب الذي لم يختلط بعد بما يسمو بالعقل والوجدان عن ذاك السقوط في الفكر والمعتقد..
فلله درُّك يا ربيع القلم الحر فلقد عبرت عما يجيش في صدورنا، وأظهرت من خلال هذه المقالة الرائعة والعميقة في معناها وطرحها، وأجَدْت في اختيار موضوعها القيم بأسلوب أنيق فصيح وتعبير بليغ رشيق، وهذا ما عهدناه في كتاباتك الرصينة ..
وهنا أذكر ما قاله الأديب المغربي الأستاذ عبد الكريم غلاب في حفل تكريمه بموسم أصيلة الثقافي : "إن الأدب والكتابة في الأدب وفي الثقافة مسؤولية ورسالة، فإذا لم تكن تستطيع أن تقول شيئا لبلادك، أن تحمل رسالة لبلادك فلا داعي لأن تكون كاتبا ولاشاعرا ولامؤلفا ولاروائيا، عليك أن تهتم بشيء آخر، أما الأديب في بلاد مثل بلادنا فيجب أن يكون واعيا بالمسؤولية وعاملا لمصلحة الوطن وداعيا ويعيش دائما بالشعب ومع الشعب، لا أن يعيش في برج عاجي يفرض الآراء وينشر الأفكار الوهمية أو الأفكار الهيولية على الناس، والأدب في بلادنا أدب رسالة، والأدباء حاملوا رسالة وثقافة وعمل .."
وجزاك الله خيرا

6- أحسنتم ... وفقكم الله
رشا فايد - مصر 14-12-2015 12:11 AM

الأدب لا يدعو إلى الفاحشة يا جُبران! ولا يجر إلى معصية؛ بل يدعو إلى مكارم الأخلاق، فتطمئنُّ إليه النفوس، وترتاح إليه الأفئدة، وليس سلاحًا يفرِّق جماعات الناس، وروابطَهم الأسرية، ويسفِّه إنسانية الإنسان ويجعل منه حيوانًا يمشي على الأرض بلا قيود، وكأنه خُلق عبَثًا لا يُؤمر ولا يُنهى، كلا؛ بل الأدب هو التعبير عن الحياة أو بعضِها بعبارة جميلة، ودعوة إلى تصفية النفس وتزكيتها، والسموِّ بها إلى مقامٍ تُحمَد عُقباه دنيا وآخرة.

فالأدب باختصار كما يقول زكي مبارك: شريعةٌ ربَّانية لا يصلح لها غيرُ المصطفَين من أرباب القلوب، الأدبُ الحق منحةٌ ربانية يجود بها الله على أرباب القلوب الصادقة.


كلمات رائقة ورسالة نبيلة ، فجزاكم الله خيرا.

5- بوركت أستاذنا
سمية - الجزائر 09-12-2015 08:13 PM

شكر الله لك سيدي وبارك في قلمك و نفع بك الأمة
" يا صاحب الأدب كن مؤدبا" هذا ما قاله مرة الأستاذ المغربي محمد قصيد وقد صدق فيما قال، إن الزارع يغذي الجسد والطبيب يداوي ما اعتل منه أما الأديب فمهمته أرقى وهدفه أنبل فهو يغذي العقل ويداوي الروح وما علق بها من شوائب تدنسها.
وكم جنى أدباء أمثال جبران على أمتنا فساقوا شبابنا إلى الهاوية بأقلامهم.
وفقكم الله لكل خير سيدي

4- لكل مقام مقال
أمينة رامي - المغرب 09-12-2015 04:03 PM

الأدب لا يدعو إلى الفاحشة يا جُبران! ولا يجر إلى معصية
هذا هو المنطق السليم المعافى
وهذه الرسالة التي حملها مقالك أستاذنا الفاضل
تكشف أن فطرة الإنسان خلقت سليمة لا تتنافى مع ما حدده الله لها ضيقك مما حملته كتابات جبران لم تستسغها النفس على فطرتها وإن كان ما تحمله من زاد معرفي لم يبلغ بها بعد مراتب التقييم
والرسالة الثانية
ان المتعلم لا يجب أن ينقاد انقيادا أعمى لكل ما استهواه من أدب وليبق مسافة القبول والرفض حتى يحافظ على استقلاليته
وفقكم الله

3- شفيت صدري
أحمد السعداوي - مصر 09-12-2015 02:55 PM

هذا المقال شفى صدري، وأراح نفسي، فبالأمس القريب استمعت إلى شاعر، وكاتب أريب، على إحدى القنوات ، وهو رجل أكن له كل الاحترام والتبجيل، فكان مما قال: أن من حق الأديب أن يقول ما شاء (حتى ولو كان هذا الأمر ضد الدين، والأخلاق) فلا يحق لأحد أن يحجر عليه، فهذا حقه، ولنا أن ننقده بعد ذلك، فوقع في نفسي شيء من هذا، كيف يقول ما شاء؟ حتى لو كان هذا الأمر طعنا في الثوابت، والقيم والأخلاق، بل لو وصل إلى إلى الذات الإلهية، فضاق صدري، ووقع في نفسي شيء من هذا الكلام، وأنه لابد أن يكون الأدب مضبوطًا بالقيم، والأخلاق التي دعا إليها الإسلام ونبي الإسلام، فكان مقالك هذا سيدي شفاء لصدري.

2- أروع ما يكون
أحمد بن سعيد - مصر 09-12-2015 01:49 PM

هذا كلام أروع ما يكون! فبمثل هذا المقال انتشلتني من شوقي الكبير لقراءة كتبه وأدبياته، فجزاك الله خيرًا.

1- نصيحة تكتب بماء الذهب
راندا الشعراوي - الإسكندرية - مصر 09-12-2015 01:33 PM

أحسنت أستاذنا النقد والتحليل والبيان لحقيقة هذا الكاتب الغامض
فلطالما قرأت له واختلط علي حقيقة أمره هل هو شاعر رقيق العاطفة ظلمه النقاد والمجتمع ؟؟!!
أم هو داع للإباحية والفجور والعشق الممنوع ؟؟!!
كنت أظنه لأنه من شعراء المهجر غلبت عواطفه الفياضة وشوقه إلى بلاده على لغته وأساليبه وأفكاره ولأن مدارسنا لا تنتقد أفكار الشاعر بقدر اهتمامها بفصاحته وبلاغته فلم أستطع الاطلاع وقتها على فكره الالحادي وثقافته المخالفة للفطرة والطبيعة السليمة والحكم عليها.
جزاك الله خيرا فقد فصلت وبينت..
ولا أظن أن بعد بيانك هذا وذكر من انتقده من الكتاب والنقاد من يحتاج الى مزيد بيان.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب